بسم1
قوله تعالى ( قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95)
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)
ذكر المفسرين ان الرسول هو جبريل عليه السلام ، ولكن هناك من استشكل هذا الامر
ذكر ابوحيان الغرناطي – رحمه الله في تفسيره - ( وقال أبو مسلم الأصبهاني : ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكره المفسرون ، وهنا وجه آخر وهو أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام ، وأثره سنته ورسمه الذي أمر به )
ومثله ابن عادل رحمه الله في اللباب ساق كلام ابومسلم
وقال أبُو مسلم : ليس في القرآن تصريح بما ذكره المفسرون فهنا وجه آخر ، وهو أن يكون المرادُ بالرسول موسى - عليه السلام - ، وبأثره سنته ورسمه الذي أمر به فقد يقول الرجل : إنَّ فلاناً يقفُوا أثرَ فلان يقتص أثرَه إذا كان يمتثل رسمه ، والتقدير أنَّ موسى - عليه السلام - لمَّا أقبل على السامريِّ باللوم والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في العَجْل فقال : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي عرفت أن الذي أنتم عليه ( ليس بحق ) ، وقد كنت قبضتُ قبضةٌ من أثرك أيُّها الرسولُ أي : شيئاً من دينك ، فنبذته أي : طرحته ، فعند ذلك أعلمه موسى - عليه السلام - بما له من العذاب في الدُّنيا والآخرة ، وإنما أورد بلفظ الإخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له : ما يقولُ الأميرُ في كذا ، أو بماذا يأمرُ الأمير . وأما ادِّعاؤُه أنَّ موسى - عليه السلام - رسول مع جحده وكفره فعلى مذهب من حكى الله عنه قوله : { يا أيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } وإن لم يؤمنوا بالإنزال.
قال ابن الخطيب : وهذا الذي ذكره أبو مسلم ( ليس فيه إلاَّ أنَّه مخالف للمفسرين ، ولكنه أقرب إلى التحقيق لوجوه :
أحدها : أن جبريل - عليه السلام - ليس معهوداً باسم الرسول ، ولم يجز له فيما تقدم ذكر حتى تجعل لام التعريف إشارة إليه ، فإطلاق لفظ الرسول لإرادة جبريل كأنه تكليف بعلم الغيب .
وثانيه : أنه لا بد فيه من الإضمار وهو قبضة من أثر حافر دابة الرسول والإضمار خلاف الأصل
وثالثها : أنه لا بد من التعسف في بيان أنَّ السامريّ كيف اختصَّ من بين جميع الناس برؤية جبريل ومعرفته ، ثم كيف عرف أن تراب حافر دابته يؤثر هذا الأثر ، والذي ذكروه من أن جبريل - عليه السلام- هو الذي ربَّاه فبعيد ، لأن السامريِّ إن عرف أنه جبريل حال كمال عقله عرف قطعاً أنَّ موسى - عليه السلام- نبيٌّ صادقٌ ، فكيف يحاول الإضلال ، وإن كان ما عرفه حال البلوغ فأنَّى ينفعه كون جبريل - عليه السلام - ( مربيّاً له ) حال الطفولية في حصول تلك المعرفة
ورابعها : أنه لو جاز إطلاع بعض الكفرة على ترابٍ هذا شأنه لكان لقائل أن يقول : فلعل اطلع أيضاً على شيء آخر يشبه ذلك ، فلأجله أتى بالمعجزات ، فرجع حاصله إلى سؤال من يطعن في المعجزات ويقول : لِمَ لا يجوز أن يقال : إنَّهم أتوا بهذه المعجزات لاختصاصهم بمعرفة بعض الأدوية التي لها خاصية أن يفيد حصول تلك المعجزة ، وحينئذ يسند باب المعجزات بالكلية.
وابن عاشور في التحرير
والأثر : حقيقته : ما يتركه الماشي من صورة قَدَمِه في الرمل أو التراب . وتقدم آنفاً عند قوله تعالى : { قال هم أولاء على أثري } [ طه : 84 ] . وعلى حمل هذه الكلمات على حقائقها يتعين صرف الرسول عن المعنى المشهور ، فيتعين حمله على جبريل فإنه رسول من الله إلى الأنبياء . فقال جمهور المفسرين : المراد بالرسول جبريل ، ورووا قصة قالوا : إن السامري فتنهُ الله ، فأراه الله جبريل راكباً فرساً فوطىءَ حافر الفرس مكاناً فإذا هو مخضَرّ بالنبات . فعلم السامري أن أثر جبريل إذا ألقي في جماد صار حياً ، فأخذ قَبضة من ذلك التراب وصنَع عجلاً وألقى القبضة عليه فصار جسداً ، أي حياً ، له خوار كخوار العجل ، فعبر عن ذلك الإلقاء بالنبذ .
وهذا الذي ذكروه لا يوجد في كتب الإسرائيليين ولا ورد به أثر من السنّة وإنما هي أقوال لبعض السلف ولعلها تسربت للناس من روايات القصاصين. فإذا صُرفت هذه الكلمات الستُّ إلى معان مجازية كان { بصُرت } بمعنى علمتُ واهتديت ، أي اهتديت إلى علم ما لم يعلموه ، وهو علم صناعة التماثيل والصور الذي به صنع العجل ، وعلم الحِيل الذي أوجد به خُوار العجل ، وكانت القبضة بمعنى النصيب القليل ، وكان الأثر بمعنى التعليم ، أي الشريعة ، وكان نبذت } بمعنى أهملت ونقضت ، أي كنت ذا معرفة إجمالية من هدي الشريعة فانخلعت عنها بالكفر . وبذلك يصح أن يحمل لفظ الرسول على المعنى الشائع المتعارف وهو مَن أوحي إليه بشرع من الله وأُمر بتبليغه .
وكان المعنى : إني بعملي العجل للعبادة نقضت اتباع شريعة موسى . والمعنى : أنه اعترف أمام موسى بصنعِهِ العجل واعترف بأنه جَهِل فَضَلّ ، واعتذر بأن ذلك سوّلته له نفسه .
وعلى هذا المعنى فسر أبو مسلم الأصفهاني ورجحه الزمخشري بتقديمه في الذكر على تفسير الجمهور واختاره الفخر .
اجتهادي فى الاية
قول وتاويل ابومسلم الاصبهاني ومن وافقه لايسلم وقول عامة المفسرين يستشكله عدم وجود الدليل
وجب علينا توجيه سؤال - حول الاية ، وهو كيف علم السامري بان الاثر يخص الرسول ( الملك)
بعبارة اخرى .. !! كيف استطاع السامري ان يتأكد من ان الاثر، هو اثر ملك ؟ كيف ،
هناك احتمالين .. !
1- اما ان يكون عاين الملك وعرف اثره - قول المفسرين .
2- او يكون هناك شي غير معتاد في الاثر نفسه ،فرآى علامة او آية دلت على شأن الاثر، وكان باقي الامر منه استنتاجا بان الاثر ومافيه من خصائص لابد وان يكون لملك ، فعرف قيمته
وهذا عندي هو الصحيح لدلالة السياق عليه
فالبصر هو المشاهدة والرؤية مع معنى زائد وهو العلم ( فعلمت ما لم يعلموا ) ، فعلم باهمية وشان الاثر استدلالا بعدم قدرة بني اسرائيل على مشاهدته ،
وتبين له انه الوحيد بينهم القادر على رؤيته وتميزه (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ) .
فعدم استطاعة بني اسرائيل على رؤيت الاثر وتبينه هي التي دفعت السامري للعلم باهميته وأن له شأنا، فاستطاع اجتهادا منه بسبب نفسه المتسائلة المائلة ، المزينة للشر ، كقوله عن نفسه - مخبرا الله عنه ( سولت لي نفسي )
الربط بين الاثر والملك.
وتحفظ على قبضه من الاثر وترابه للاستفاده اللاحقة،
بما سولته له نفسه .
واخيرا أود ان اشير الي امر مهم .. !! الا وهو
أن احتمالية ان يكون ا
لسامري هو المسيخ الدجال وراده وكبيرة لدلالة الايات التالية على ذلك ، وقوله تعالى (
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ
أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ
مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) ، وهو يمس الموضوع من جهة ، انه اذا ثبت ذلك يكون تفسيرا لبصر السامري الغير الطبيعي وفيها
دليل ايضا على
اصل المسيخ الدجال وانه كان من بني اسرائيل.
والله اعلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته