بلال الجزائري
New member
- إنضم
- 08/02/2009
- المشاركات
- 614
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
أعجبني هذا المقطع من كلام العلامة أبي الحسن الندْوي رحمه الله (ت/ 1420هـ)، فأحببت نقله
يقول تحت عنوان: ( تأثير الإيمان الصحيح في الأخلاق والميول :
كان الناس- عرباً وعجماً- يعيشون حياة جاهلية ، يسجلون فيها لكل ما خلق لأجلهم ويخضع لإرادتهم وتصرفهم ، لا يثيب الطائع بجائزة ولا يعذب العاصي بعقوبة ولا يأمر ولا ينهى ، فكانت الديانة سطحية طافية في حياتهم ، ليس لها سلطان على أرواحهم ونفوسهم وقلوبهم ، ولا تأثير لها في أخلاقهم واجتماعهم . كانوا يؤمنون بالله كصانع أتم عمله واعتزل وتنازل عن مملكته لا ناس خلع عليهم خلعة الربوبية . فأخذوا بأيديهم أزمّة الأمر وتولوا إدارة المملكة وتدبير شئونها وتوزيع أرزاقها ، إلى غير ذلك من مصالح الحكومة المنظمة ، فكان إيمانهم بالله لا يزيد على معرفة تاريخية ، وكان إيمانهم بالله وإحالتهم خلق السموات والأرض إلى الله لا يختلف عن جواب تلميذ من تلاميذ فن التاريخ يقال له : من بنى هذا القصر العتيق ؟ فيسمى ملكاً من الملوك الأقدمين من غير أن يخافه يخضع له ، فكان دينهم عارياً عن الخشوع لله ودعائه ، وما كانوا يعرفون عن الله ما يحببه إليهم ، فكانت معرفتهم مهمة غامضة ، قاصرة مجملة ، لا تبعث في نفوسهم هيبة ولا محبة .
وهذه الفلسفة اليونانية قد عرفت بواجب الوجود في سلوب ، ليست فيها صفة مثبتة من صفات القدرة والربوبية والإعطاء المنع والرحمة ، ولم تثبت له إلا الخلق الأول ، ونفت عنه الاختيار والعلم والإرادة ، ونفت الصفات وقرَّرت كليات كلها حط من قدر الخالق وقياس على الخلق ، والسلوب إذا اجتمعت لم تفد فائدة إيجاب واحد ، ولم نعلم مدينة واحدة ولا مجتمعاً ولا نظاماً ولا عملاً ولا بناية قامت على مجرد أسلوب ، فتجردت الديانة في أوساط الفلسفة الإغريقية عن روح الخشوع والاستكانة لله والالتجاء إليه في الحوادث ومحبته بكل القلب . وهكذا فقدت الديانة السائدة على العالم روحها وأصبحت طقوساً وتقاليد وأشباحاً للإيمان .
انتقل العرب والذين أسلموا من هذه المعرفة العليلة الغامضة الميتة إلى معرفة عميقة واضحة روحية ذات سلطان على الروح والنفس والقلب والجوارح ، ذات تأثير في الأخلاق والاجتماع ، ذات سيطرة على الحياة وما يتصل بها ، آمنوا بالله الذي له الأسماء الحسنى والمثل الأعلى ، آمنوا برب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، الخالق البارئ المصور ، العزيز الحكيم ، الغفور الودود ، الرؤوف الرحيم ، له الخلق والأمر ، بيده ملكوت كل شيء ، يجير ولا يجار عليه ، إلى آخر ما جاء في القرآن من وصفه ، يثيب بالجنة ويعذب بالنار ، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، يعلم الخبء في السماوات والأرض ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، إلى آخر ما جاء في القرآن من قدرته وتصرفه وعلمه ، فانقلبت نفسيتهم بهذا الإيمان الواسع العميق الواضح انقلاباً عجيباً ، فإذا آمن أحد بالله وشهد أن لا إله إلا الله انقلبت حياته ظهراً لبطن ، تغلغل الإيمان في أحشائه وتسرب إلى جميع عروقه ومشاعره ، وجرى منه مجرى الروح والدم واقتلع جراثيم الجاهلية وجذورها ، وغمر العقل والقلب بفيضانه وجعل منه رجلاً غير الرجل ، وظهر منه روائع الإيمان واليقين والصبر والشجاعة ومن خوارق الأفعال والأخلاق ما حير العقل والفلسفة وتاريخ الأخلاق ، ولا يزال موضع حيرة ودهشة منه إلى الأبد ، وعجز العلم عن تعليله بشيء غير الإيمان الكامل العميق) .
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص: 104.
يقول تحت عنوان: ( تأثير الإيمان الصحيح في الأخلاق والميول :
كان الناس- عرباً وعجماً- يعيشون حياة جاهلية ، يسجلون فيها لكل ما خلق لأجلهم ويخضع لإرادتهم وتصرفهم ، لا يثيب الطائع بجائزة ولا يعذب العاصي بعقوبة ولا يأمر ولا ينهى ، فكانت الديانة سطحية طافية في حياتهم ، ليس لها سلطان على أرواحهم ونفوسهم وقلوبهم ، ولا تأثير لها في أخلاقهم واجتماعهم . كانوا يؤمنون بالله كصانع أتم عمله واعتزل وتنازل عن مملكته لا ناس خلع عليهم خلعة الربوبية . فأخذوا بأيديهم أزمّة الأمر وتولوا إدارة المملكة وتدبير شئونها وتوزيع أرزاقها ، إلى غير ذلك من مصالح الحكومة المنظمة ، فكان إيمانهم بالله لا يزيد على معرفة تاريخية ، وكان إيمانهم بالله وإحالتهم خلق السموات والأرض إلى الله لا يختلف عن جواب تلميذ من تلاميذ فن التاريخ يقال له : من بنى هذا القصر العتيق ؟ فيسمى ملكاً من الملوك الأقدمين من غير أن يخافه يخضع له ، فكان دينهم عارياً عن الخشوع لله ودعائه ، وما كانوا يعرفون عن الله ما يحببه إليهم ، فكانت معرفتهم مهمة غامضة ، قاصرة مجملة ، لا تبعث في نفوسهم هيبة ولا محبة .
وهذه الفلسفة اليونانية قد عرفت بواجب الوجود في سلوب ، ليست فيها صفة مثبتة من صفات القدرة والربوبية والإعطاء المنع والرحمة ، ولم تثبت له إلا الخلق الأول ، ونفت عنه الاختيار والعلم والإرادة ، ونفت الصفات وقرَّرت كليات كلها حط من قدر الخالق وقياس على الخلق ، والسلوب إذا اجتمعت لم تفد فائدة إيجاب واحد ، ولم نعلم مدينة واحدة ولا مجتمعاً ولا نظاماً ولا عملاً ولا بناية قامت على مجرد أسلوب ، فتجردت الديانة في أوساط الفلسفة الإغريقية عن روح الخشوع والاستكانة لله والالتجاء إليه في الحوادث ومحبته بكل القلب . وهكذا فقدت الديانة السائدة على العالم روحها وأصبحت طقوساً وتقاليد وأشباحاً للإيمان .
انتقل العرب والذين أسلموا من هذه المعرفة العليلة الغامضة الميتة إلى معرفة عميقة واضحة روحية ذات سلطان على الروح والنفس والقلب والجوارح ، ذات تأثير في الأخلاق والاجتماع ، ذات سيطرة على الحياة وما يتصل بها ، آمنوا بالله الذي له الأسماء الحسنى والمثل الأعلى ، آمنوا برب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، الخالق البارئ المصور ، العزيز الحكيم ، الغفور الودود ، الرؤوف الرحيم ، له الخلق والأمر ، بيده ملكوت كل شيء ، يجير ولا يجار عليه ، إلى آخر ما جاء في القرآن من وصفه ، يثيب بالجنة ويعذب بالنار ، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، يعلم الخبء في السماوات والأرض ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، إلى آخر ما جاء في القرآن من قدرته وتصرفه وعلمه ، فانقلبت نفسيتهم بهذا الإيمان الواسع العميق الواضح انقلاباً عجيباً ، فإذا آمن أحد بالله وشهد أن لا إله إلا الله انقلبت حياته ظهراً لبطن ، تغلغل الإيمان في أحشائه وتسرب إلى جميع عروقه ومشاعره ، وجرى منه مجرى الروح والدم واقتلع جراثيم الجاهلية وجذورها ، وغمر العقل والقلب بفيضانه وجعل منه رجلاً غير الرجل ، وظهر منه روائع الإيمان واليقين والصبر والشجاعة ومن خوارق الأفعال والأخلاق ما حير العقل والفلسفة وتاريخ الأخلاق ، ولا يزال موضع حيرة ودهشة منه إلى الأبد ، وعجز العلم عن تعليله بشيء غير الإيمان الكامل العميق) .
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص: 104.