فائدة في استنباط التاريخ الهجري من القرآن

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,144
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
الموقع الالكتروني
www.tafsir.net
* مع بدء هذا العام الهجري المبارك (1426), أهديكم هذا الموضوع:
-------

قال الإمام السُّهيلي (ت:581) رحمه الله:
(التاريخ العربي :
وفي قوله سبحانه {من أول يوم} وقد عُلِمَ أنه ليس أول الأيام كلها, ولا أَضافَه إلى شيء في اللفظ الظاهر, فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر. فيه من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة مع عمر حين شاورهم في التاريخ, فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عام الهجرة, لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام, والذي أُمِرَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأسَّسَ المساجد, وعبدَ اللهَ آمناً كما يحب, فوافق رأيُهُم هذا ظاهرَ التنزيل, وفَهِمْنَا الآن بفعلهم أنَّ قولَه سبحانه {من أول يوم} أنَّ ذلك اليوم هو أولُ أيام التاريخ الذي يؤَرَّخ به الآن, فإن كان أصحاب رسول الله أخذوا هذا من الآية, فهو الظن بأفهامهم, فهم أعلم الناس بكتاب الله وتأويله, وأفهمهم بما في القرآن من إشارات وإفصاح, وإن كان ذلك منهم عن رأي واجتهاد, فقد علم منهم قبل أن يكونوا, وأشار إلى صحته قبل أن يفعل, إذ لا يُعقَل قول القائل: (فعلته أولَ يوم), إلا بإضافةٍ إلى عامٍ معلوم, أو شهر معلوم, أو تاريخ معلوم, وليس هاهنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم؛ لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ, أو قرينة حال, فتدبره ففيه مُعتَبَر لمن اذَّكر, وعلمٌ لمن رأى بعين فؤاده واستبصر, و الحمد لله)*. الروض الأُنُف 2/333.

وقال ابن حجر (ت:852) معلقاً على كلام السهيلي هذا: (كذا قال, والمُتبادَر أن معنى قوله {من أول يوم} أي: دخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم, وأصحابه المدينة). فتح الباري 7/314.

وقال الزمخشري (ت:538): ({من أول يوم} من أيام وجوده). أي: المسجد المذكور في الآية. الكشاف 2/300.

وظاهرٌ أن الخلاف هنا في تعيين المُضمَر في الآية**, وتعيين المسجد المذكور في الآية يعين على الاختيار هنا, فجمهور المفسرين على أنه مسجد قباء, وهو ظاهر الآية, ويقويه سياقها, وسبب النزول, وصحيح الأخبار في فضائل مسجد قباء.

واختار بعضهم أنه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم, وورد فيه حديث مرفوع في صحيح مسلم.

ويمكن الجمع بأنهما جميعاً كذلك, وأن كون المراد مسجد قباء لا يُنقص من غيره من المساجد, وعلى الأخص مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.***
قال ابن كثير (ت:774): (وقد ورد في الحديث الصحيح أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في جوف المدينة, هو المسجد الذي أسس على التقوى. وهذا صحيح, ولا منافاة بين الآية وبين هذا؛ لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم, فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى والأحرى). تفسير القرآن العظيم 4/1708.

فقول السهيلي وابن حجر مبني على أن المُراد مسجد قُباء, وقول الزمخشري وابن كثير وغيرهما يحتمل الأمرين.

ومهما يكن من أمر فإن استنباط السهيلي صحيح مليح, ولا يُعارض غيره من الأقوال, نعم ليس في الآية ما يَدل عليه, لكن ليس فيها ما يمنع منه أيضاً, وقد استكمل شروط التفسير بالرأي والقياس: فهو صحيح في نفسه, وتحتمله اللغة, ولا يعارض لفظ الآية وسياقها, ولم يُحصر المعنى فيه.
والله الموفق.

--------------------
* فائدة: نقلت هذا النص من قرص "السيرة النبوية" الذي أصدرته التراث, ثم قابلته على المطبوع توفُّراً على الوقت, فوجدت في هذا النص فقط قرابة ثمانية أخطاء, أكثرها سقط في الكلمات, فاحذروا بارك الله فيكم.

** إنما اُحتيج إلى التقدير هنا لأن في أصول النحويين (البصريين) أن "من" لا تُجَر بها الأزمان, وإنما تُجَر بـ"منذ", فتقول: رأيته منذ يومين. ولا تقول: رأيته من يومين. واختار ابن عطية عدم التقدير, وأن تكون "أول" بمعنى البدأة, فكأنه قال: من مبتدأ الأيام. واستشهد على ذلك ثم قال: (وقد حُكِيَ لي هذا الذي اخترته عن بعض أئمة النحو). المحرر الوجيز 3/83. وينظر: البحر المحيط 5/103.

*** يُنظر: زاد المسير (ص:606), وفتح الباري 7/314.
 
في التحرير والتنوير لابن عاشور ما نصه : ( ومن جليل المنازع من هذه الآية ما فيها من حجة لصحة آراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعلوا العام الذي كان فيه يوم الهجرة مبدأ التاريخ في الإسلام. وذلك ما انتزعه السهيلي في «الروض الأنف» في فصل تأسيس مسجدِ قباء إذ قال: «وفي قوله سبحانه: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} (وقد علم أنه ليس أولَ الأيام كلها ولا أضافَه إلى شيء في اللفظ الظاهر فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر. فيه من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم مع عمر حين شاورهم في التاريخ، فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عَام الهجرة لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام وأمِن فيه النبي صلى الله عليه وسلم فوافق هذا ظاهر التنزيل».)
 
[poem=font="Simplified Arabic,5,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
جزى الله خيراً من يبيت وقد وعى= وما رصّ أسفاراً من العلم و اّدعى[/poem]
 
* ومع بدء هذا العام الهجري المبارك (1427), أرفع لكم هذا الموضوع.
 
لقد سمعت في الأخبار أن الصينيين وبعض الدول احتفلوا بالعام القمري الجديد ، فهل هم يتفقون معنا في بداية العام ، أم ماذا ؟
وإن كان كذلك ، فهل هي من بقايا النبوات عندهم ، فإن عدة الشهور اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض ، وهذا يدل على أن عدة الشهور قدرية شرعية .
 
وهل من دليل على أن المحرم هو أول أشهر السنة

مع أن الاستدلال بالآية يضعف هذا القول لأن قدوم النبي عليه أفضل الصلاة والسلام لم يكن في المحرم بل خرج من مكة أول ربيع وحل بأبي هو وأمي في المدينة في الثاني عشر منه

على أن بعض العلماء كابن حجر الهيتمي ومثله ملا علي القاري يميلان إلى أن بداية الشهور هو رمضان وآخرها شعبان واستدلا بحديث له طرق ولم يخل من مقال.
 
شكر الله لكاتب الموضوع إضافته ..

وقد مرّ بي في أثناء قراءتي لسورة القصص ما قد يكون أقرب دلالاة من اعتبار التاريخ الهجري مما ذكره السهيلي ،وهو قوله تعالى ـ في قصة صاحب مدين ـ ( ... على أن تأجرني ثماني حجج ) .

ووجه الشاهد منه : أنه ربط الأجل ـ في العقد الذي بينه وبين موسى عليه الصلاة والسلام ـ بالحج ،والحج أشهره معلومة وقته ـ عندهم ـ معروف ،وهو مرتبط بالقمر الذي ربطت الأشهر الهجرية به ،وهذا بيت القصد ،والله أعلم .
 
أحسنت ( د.أنمار ) كذا كنت اظن ، أظن أن المحرم هو أول شهور السنة ، بناءً على أن الحجَّ تختم به أعمال السنة عند العرب ، ثم في الإسلام ، ثم يبتدؤون بالشهر الحرام ( المحرم ) ، وقد راجعت المسألة فوجدت في تحديد البداية اختلافًا بين الصحابة لما اختاروا الهجرة النبوية تقويمًا لهم .
ثم هناك فائدة تتعلق بالأشهر القمرية ، وهي أن الله سبحانه وتعالى قد ربط العبادات بها ، فالديانات السماوية تتبع في عباداتها الشهر القمري ، ومن أمثلة ذلك ( الحج ) ، فمنذ أذَّن إبراهيم بالحج كان المسلمون الموحدون من أتباعه يحجون في شهر ذي الحجة ، سواء أكان اسمه عندهم كذلك ، أم كان غير ذلك .
كما أن اليهود كانوا يصومون العاشر من المحرم ، وما ذاك إلا لاتباعهم الشهر القمري ، وكذلك الأمر في اسم الشهر سواء كونه بهذا الاسم عندهم أم كان اسمه غير ذلك .
والمقصود أن هؤلاء الأقوام الذين يحتفلون بالشهر القمري قد يكونون اعتمدوه لبقايا شرع عندهم سواء أكان المحرم هو أول سنتهم القمري أم كان غيره .
 
ولهذا العام نرفعه أيضاً (1429هـ) , ولا ندري هل نبلغ أن نرفعه العام القادم أم لا ؟ أسأل الله تعالى أن يطيل أعمارنا في طاعته , وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها .
 
*

[align=center]

الحمد لله

جزاك الله خيرا أخي

و لاأدري كيف ينظر السادة الظاهرية الى مثل هذه الطريقة في الاستنباط.


[/align]*
 
أظن أن المحرم هو أول شهور السنة ، بناءً على أن الحجَّ تختم به أعمال السنة عند العرب ، ثم في الإسلام ، ثم يبتدؤون بالشهر الحرام ( المحرم ) .

رعاك الله دكتور مساعد: وهذا ما مالت إليه نفسي ولا أملك أدلة عليه، وإنما تأملت الأحاديث المشهورة والتي تنص على أن الحاج يرجع منه خاليا من الذنوب كيوم ولدته أمه، فيكون الشهر المقبل هو بداية السنة، وهكذا، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العظيم.
 
الحق في رفع هذا الموضوع للعزيز أبي بيان؛ ولكن لما تأخر في رفعه وبدأتِ السنةُ الهجرية، رفعته حباً لأبي بيان وتذكيراً بموضوعه اللطيف .
وكل عام وأنتم بخير .
 
ومع بدء هذا العام الهجري المبارك (1435), أرفع لكم هذا الموضوع.
 
عودة
أعلى