فأمسكوهن في البيوت

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
73
الإقامة
تارودانت-المغرب
[وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً{15} وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً{16}] سورة النساء
يقول الشعراوي في تفسيره في مقاربة تدبرية جديرة بالوقوف عندها لما تحمل من إمكانية لفهم معنى الآيتين : " قال سبحانه: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت} أي احجزوهن واحبسوهن عن الحركة، ولا تجعلوا لهن وسيلة التقاء إلى أن يتوفاهن الموت {أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً} وقد جعل الله.
والذين يقولون: إن هذه المسألة خاصة بعملية بين رجل وامرأة، نقول له: إن كلمة {واللاتي} هذه اسم موصول لجماعة الإناث، أما إذا كان هذا بين ذكر وذكر. ففي هذه الحالة يقول الحق: {واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ الله كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً} [النساء: 16] .
الآية هنا تختص بلقاء رجل مع رجل، ولذلك تكون المسألة الأولى تخص المرأة مع المرأة، ولماذا يكون العقاب في مسألة لقاء المرأة بالمرأة طلبا للمتعة هو الإمساك في البيوت حتى يتوفاهن الموت؟ لأن هذا شر ووباء يجب أن يحاصر، فهذا الشر معناه الإفساد التام، لأن المرأة ليست محجوبة عن المرأة؛ فلأن تحبس المرأة حتى تموت خير من أن تتعود على الفاحشة. ونحن لا نعرف ما الذي سوف يحدث من أضرار، والعلم مازال قاصرا، فالذي خلق هو الذي شرع أن يلتقي الرجل بالمرأة في إطار الزواج وما يجب فيه من المهر والشهود، وسبحانه أعد المرأة للاستقبال، وأعد الرجل للإرسال، وهذا أمر طبيعي، فإذا دخل إرسال على استقبال ليس له، فالتشويش يحدث.
وإن لم يكن اللقاء على الطريقة الشرعية التي قررها من خلقنا فلا بد أن يحدث أمر خاطئ ومضر، ونحن عندما نصل سلكا كهربائيا بسلك آخر من النوع نفسه. أي سالب مع سالب أو موجب مع موجب تشب الحرائق، ونقول: «حدث ماس كهربائي» ، أي أن التوصيلة الكهربائية كانت خاطئة. فإذا كانت التوصيلة الكهربائية الخاطئة في قليل من الأسلاك قد حدث ما حدث منها من الأضرار، أفلا تكون التوصيلة الخاطئة في العلاقات الجنسية مضرة في البشر؟
إنني أقول هذا الكلام ليُسَجَّل، لأن العلم سيكشف - إن متأخرا أو متقدما - أن لله سرا، وحين يتخصص رجل بامرأة بمنهج الله «زوجني. . وتقول له زوجتك» فإن الحق يجعل اللقاء طبيعيا. أما إن حدث اختلاف في الإرسال والاستقبال فلسوف يحدث ماس صاعق ضار، وهذه هي الحرائق في المجتمع.
أكرر هذا الكلام ليسجل وليقال في الأجيال القادمة: إن الذين من قبلنا قد اهتدوا إلى نفحة من نفحات الله، ولم يركنوا إلى الكسل، بل هداهم الإيمان إلى أن يكونوا موصولين بالله، ففطنوا إلى نفحات الله. والحق هو القائل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} [فصلت: 53] . "
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي عبد الكريم قولكم
ونحن عندما نصل سلكا كهربائيا بسلك آخر من النوع نفسه. أي سالب مع سالب أو موجب مع موجب تشب الحرائق، ونقول: «حدث ماس كهربائي» ، أي أن التوصيلة الكهربائية كانت خاطئة. فإذا كانت التوصيلة الكهربائية الخاطئة في قليل من الأسلاك قد حدث ما حدث منها من الأضرار، أفلا تكون التوصيلة الخاطئة في العلاقات الجنسية مضرة في البشر؟[/FONT][/COLOR]
هذا الكلام غير صحيح إطلاقا، فالتماس الكهربائي لا يحصل إلا إذا اتصل السالب مع الموجب.
وما أشارت إليه الآية الكريمة هو أمر قضاه الله على عباده، ونحن نتعبد الله تعالى به، فنأتمر بأمره وننتهي بنهيه، دون الحاجة إلى الأقطاب الكهربائية
 
الفاضل حسن عبد الجليل
العلماء يضربون المثل بما يعرفه الناس في حياتهم اليومية ، مما يقرب الصورة لدى المتلقى . وهذا ما فعل الشيخ الشعراوي رحمه الله . وجزاه عنا خير الجزاء .
 
الأخ الفاضل عبد الكريم
أثمن حرصكم على القرآن الكريم والدفاع عنه ، ولا يخفى على أحد أن القرآن الكريم ضرب الأمثال، وليس اعتراضي على ضربكم للمثل ، إنما على صحة محتوى المثل ، فعدم صحة المثل المضروب يؤدي إلى نتيجة مخالفة للنتيجة المرادة من ضربه.
 
تفسير آيتي الحبس والأذى (مثال لتناول العلم ورزانته، ولتناول المراهقة الفكرية)
د. الشريف حاتم العوني 7/27/2013

عندما نتحدث عن اتساع الصدر للاختلاف، فلا يمكن أن نقصد بذلك تسويغ المقالات الساقطة، ولا توجيه الآراء غير الوجيهة، ولا قبول العبث والفوضى الفكرية. كما لا نقصد باتساع الصدر للاختلاف: الصمت عن ذكر خطورة بعض الزلات التي تهدم العلوم الإسلامية، وتُجرئ الجهلة بها عليها، وتؤدي إلى إخفاء معالم الدين بالتدريج.

وإنما نعني باتساع الصدر للاختلاف أمرين:

الأول: أنه إذا كان الاختلاف وجيها معتبرا: لا ننكره ولا نشنع عليه، ونحتمل فيه الصواب، وإن كنا نرجح خطأه.

والثاني: أنه إذا كان اختلافا غير معتبر: نقطع بكونه غلطًا، لكننا لا نعتدي على صاحبه، ولا ننسى واجب العدل معه ، فإن كان عالما فاضلا زلَّ بذلك الرأيِ غيرِ المعتبر: لا نُسقطه بذلك، وإذا كان غيرَ عالم، ومكثرا من هذه الزلات: فقد يجب أن أحذر من الاغترار به، ومن الاعتماد عليه، لكني مع ذلك لا أستبيح منه ما حرم الله، ولا أُسقط بمجرد زلاته تلك جميع حقوقه الإسلامية (ما دام مسلما)؛ إذ لا ينتقص العالمُ المتجرد المنصفُ من الحقوق الإسلامية لأخيه المسلم حقا واحدا منها فأكثر؛ إلا بقدر ما يوجبه درءُ مفسدةٍ أعظم من مفسدة إسقاط ذلك الحق.

قدمت بهذه المقدمة المجملة، والتي تحتاج كثيرا من التفاصيل والقيود: لكي لا يُظن أننا نتحدث في مقالنا هذا انطلاقا من تحجيرٍ على الاجتهادات المخالفة، ولا بغرض إسقاط من لا يستحق الإسقاط ممن زل من أهل العلم والفضل.

نعم.. لقد كتبت هذا المقال: تحذيرا من (العبث) باسم الاجتهاد، وبيانا لـ(لمراهقة الفكرية) باسم حرية التفكير، وتخوّفًا من إشاعة عدم الثقة بعلوم الإسلام وعلمائه بين جيل الشباب الناشئ باسم كسر الجمود والتجديد.

ولما كان من صور ذلك العبث ومن ممارسات تلك المراهقة الفكرية ومن وسائل كسر هيبة العلم وتسويغ الكلام بجهل:

- نبشُ الآراء الشاذة الساقطة، التي يجهلها الشباب، ثم إبرازها على أن ما سواها من إجماع أهل العلم: ما هو إلا كلام فارغ!

- وإشاعة احتمال أن يكون من العادي جدا ومن غير المستغرب: أن يخطئ عامةُ الأئمة منذ جيل الصحابة إلى الأئمة المتبوعين إلى هذا الزمن، لا أي خطأ، بل من العادي جدا أن يُخطئوا خطأً فاحشا، يبلغ من فحشه أن يدرك فحشه حتى الأغبياء والجهال! وأنه ليس نادرا (فضلا عن أن يكون ممنوعا) أن يكون أمرٌ في غاية الوضوح ونهاية السهولة وشدة الظهور ثم هو يخفى على عامة علماء الأمة، بل على كل من بلغنا له قول منهم، منذ الجيل الأول، وحتى اليوم!

- والتسويق لفكرةٍ مفادُها: أن دعاوى عُمقِ العلوم الشرعية وتَـخَـصُّصِيَّـتها ليست سوى جواز سفر لتمرير ممارسات الكهنوت الديني والاستعباد الفكري، بدليل أنه يمكن لغير المتخصص فيها (ولا أريد أن أقول: للجاهل بها) أن يجادل في كل مسائلها، ويمكن أن يكتشف المثقفُ (بثقافته العامة) زلاتٍ كبارًا وسقطاتٍ فاضحةً وقع فيها أكبر علماء تلك العلوم! ومن سهولة هذا الأمر وتيسُّرِ معرفته: فخطبةُ جمعةٍ يمكن أن تنسف قاعدة أصولية مجمعًا عليها! ودرسٌ أو درسان كافيان ليوضِّحا سطحيةَ منهج النقد عند المحدثين! وجلسةٌ شبابية واحدة تكفي لكي تفضح نقائصَ قاعدةٍ تفسيريةٍ يتفق عليها المفسرون كـ(النسخ)!! فليس هناك في العلوم الإسلامية ما لا يفهمه حق فهمه إلا أهل الاختصاص، كبقية العلوم الكونية، وليس فيها إلا السطحي الذي يتيح لكل أحد خوض غمار الجدل فيه والتصويب والتخطيء!!!

ويأتي ذلك كله استغلالا لجمودٍ قاتلٍ لدى كثير من القيادات الدينية ممن يُسمون بالعلماء والدعاة، واستثمارا لخطابٍ بئيسٍ فعلا يشيع بين أكثر الشرعيين، وانطلاقا من ضيقٍ لدى الشباب المثقف، يصل هذا الضيقُ حدَّ البغض، ينتشر بين كثير منهم بسبب سطحيةٍ يرافقها تعالٍ في الطرح الديني السائد (حشفة وسوء كيلة)، بل بسبب غباءٍ حقيقي أحيانا كثيرة، ويُغشَّى برهبة نقد الدين، يكاد يكون هو السمة الأظهر على خطاب كثير ممن يُسمون بـ(الصف الإسلامي)!! فضلا عن ضعفٍ واضحٍ ينتشر بين المسلمين في التزام القيم الإسلامية الحقيقية: كالأخلاق، وعن غيابٍ ظاهرٍ للسمو الإنساني الحضاري كالتهذيب والذوق الرفيع والأحاسيس الراقية المرهفة!! وبذلك كله (وما أكثر ذلك كله!!) وجدتْ تلك المراهقةُ الفكريةُ أرضًا خصبة للانتشار، وأشبع نزقُها عند كثير من الشباب شعورا قديمًا بالقرف من واقعنا الإسلامي، والذي كان لا يعبّر عن قرفه سابقا إلا المتهمون على الدين من غلاة العلمانيين ومن المهزومين التغريبيين، فجاءهم خطابُ المراهقة الفكرية لينتقد الواقع الديني وخطابه البائس هذه المرة باسم الدين، ومن على منبر الجمعة، ومن تحت أروقة المسجد، وبلسان الشريعة، وفي ظل شعار التجديد الديني، ووراء راية الثورة الحرة على الخطاب البائس للشرعيين! فانساق له فئامٌ من الشباب المثقف باندفاعٍ كبير، فقد وجدوا فيه ضالتهم التي لا تعارض تدينهم الفطري، وفتح لهم بابا للتنفيس عن ضيق صدورهم من أخطاء الشرعيين، من غير أن يشعروا بتأنيب الضمير تجاه انتمائهم الإسلامي الراسخ.

هذا هو واقعنا العلمي اليوم!

وفي مقال اليوم: خصصت خطاب المراهقة الفكرية بهذا النقاش، بعد أن خصصت خطاب الجمود الفكري والسطحية الشرعية بصولات وجولات سابقة، وستتبعها لاحقة، ما دامت الحاجة قائمة.

وقد اخترت نموذجًا للنقاش اختيارًا عشوائيا من نماذج المراهقة الفكرية بخصائصها المذكورة آنفا، فليس هذا النموذج هو أفقعها لونا، ولا هو أفضحها منهجا؛ وإلا فقد مرت لي مناقشة مقالات لهذه المراهقة هي أوضح من نموذج اليوم خللا وأشد في النزق! وإنما تعمدت أن يكون اختياري بهذه الطريقة، لكي يكون النقاش فيه أدعى لاكتشاف نزق هذه المراهقة فيما هو أشد طيشا منها وأوضح عبثًا فكريا!

وأعني بذلك النموذج ما أثاره بعضهم في تفسيره لآيتين من كتاب الله العظيم، في سياق إنكاره حد الرجم وإنكاره النسخ، مما ناقشته سابقا في لقائين مصورين منشورين في اليوتيوب. لكني تركت مناقشة تفسيره لتينك الآيتين، لعدم احتياجي حينها لمناقشته فيها.

ثم تكرر سؤالي عن ذلك التفسير، وتذكرت أهمية التنبيه على جوانب خطورة منهج هؤلاء، وأنها ليست خطورة الخطأِ الجزئيِّ حولَ مسألةٍ واحدةٍ، ولكنها خطورةُ إثارةِ الفوضى الفكرية وإشاعة الجهل باسم العلم.

أقصد بذلك تفسير قول الله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا}.

فيذكر صاحب تلك المراهقة الفكرية: أن المراد بالفاحشة في الآية الأولى: هو السِّحاق (وهو اكتفاء المرأة بالمرأة في إشباع الغريزة)، وفي الآية الثانية المقصود بالفاحشة عمل قوم لوط (عليه السلام)، وأن هاتين الآيتين تذكران عقوبة هاتين المعصيتين، وأنها لا علاقة لها بفاحشة الزنا، ولا نسخها حدُّ الزنا الواردُ: في كلام الله المتلوِّ في القرآن الكريم، وفي كلام الله المنسوخِ تلاوتَه، وفي سنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم.

وحجتهم على ذلك التفسير: احتمال ظاهر العبارة القرآنية له، بزعمهم. بل إنه هو الفهم الصحيح الذي تدل عليه العبارة القرآنية! وأي دليل أكبر (كما يقولون) من قوله تعالى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا}: ليدل قوله (واللذان) على أن المقصود بها اللواط!!

وهذا قول في التفسير اخترعه أبو مسلم الأصبهاني المعتزلي في القرن الرابع الهجري، بسبب إنكاره للنسخ، فأراد تثبيت رأيه الباطل، بادعاء عدم نسخ هذه الآية، بصرف معناها إلى ما ذكره. وحجته على هذا الفهم هي الحجج التي تلقّفها عنه من جاء بعده، حتى من المعاصرين. ونقله بعض العلماء عنه، لكن عامتهم ذكروه عنه على أنه قول شاذ غير معتبر، وأنه معارضٌ للإجماع!

وأما نسبة هذا القول إلى مجاهد بن جبر التابعي الإمام في التفسير فهي نسبةٌ غلطٌ عليه، وزلة في الفهم عنه. ذلك أن بعضهم وجد مجاهدا قال في تفسير قوله تعالى {وَاللَّذَانِ}: ((الرجلان الفاعلان))، فظنوه يقصد عمل قوم لوط. وهذه غفلة ممن فهم ذلك: لأن مجاهدا قصد به الرجلان الزانيان: بكرا كان أو ثيبا، وهذا ما صرح به مجاهد في رواية أخرى عنه، حيث قال في تفسير {واللذان}: ((الزانيان)). وهذا القول هو أحد التفاسير الشهيرة للآية، وهو أن المقصود بـ {اللذان} الرجل الزاني الثيب والرجل الزاني البكر. ويبين بأن هذا هو قول مجاهد: هو أنه فسر الآية الأولى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} بأنها في الزنا، ولم يذكر السحاق كما يزعم أصحاب هذا التفسير المخترع، وفسر مجاهد أيضا (السبيل) الوارد في الآية الأولى بأنه الحد الذي نزل في الزنا. بل الذي يقطع بأن مجاهدا لم يقصد بتفسير {واللذان} إلا الزنا، أنه قال – كما في تفسيره -: (({فَآذُوهُمَا} يَعْنِي: سَبًّا، ثُمَّ نَسَخَتْهَا:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ})). فذِكْرُه (رحمه الله) نَسْخَها بآيةِ حدِّ الزنا في سورة النور يدل على أنه كان يتحدث في تفسيرها عن الزنا لا عن عمل قوم لوط ولا عن السحاق.

وهذا الفهم الصحيح لكلام مجاهد هو ما كان عليه ابن جرير الطبري وغيره من أعلام التفسير في فهمهم لعبارته محلِّ الاشتباه عند آخرين، ومن خالفهم بالفهم الآخر فهو محجوجٌ بأدلة غلطه الآنفة.

وأود التنبيه على فائدتين نستفيدهما من التنبيه على سَبْقِ أبي مسلم الأصبهاني إلى هذا القول، وهما:

1- أن هذا القول الغريب في تفسير الآية ليس لأصحابه المعاصرين فيه أي فضل، لو كان لهم فيه أي فضل! حتى فضل السبق، حتى دعاوى الإبداع والاكتشاف، ليس لهم في أيٍّ منها أيُّ نصيب! فقد سُبقوا إلى ذلك كله!! اللهم إلا سبق إشاعة هذا القول الساقط بين الجهلة به، والبروز بمظهر المنقذ الذي أظهر للناس ما كان يخفيه رجال الدين! والتعمم بعمامة العالم المجدد الذي يبعث من التراث ما أخفاه كهان الشريعة!! وكأن لـ(رجال الدين) مصلحةً في إخفاء عقوبة السحاق! أو كأنهم متعاطفون مع جريمة قوم لوط (عليه السلام)!! وإلا لماذا تواطؤوا على ترك هذا القول وعدم إشاعته؟!!

2- أن هذا الفهم لم يكن قولا غائبا عن أذهان العلماء، وأنهم ما تركوه غفلةً عنه وعدمَ تَـنَـبُّهٍ له، كما يتوهمه الجهلةُ بأهل العلم. بل تركه العلماءُ رغبةً عنه، واستجهالا له. بدليل أن كثيرا منهم قد ذكروه، وردوا عليه بالحجج والبينات، وأسقطوه بالدلائل النيرات، بقدر مستواه من السقوط والتهافت.

وممن قال بذلك القول المتهافت من المعاصرين (من ذوي الفضل) الشيخ السيد سابق (رحمه الله)، في كتابه (فقه السنة). إلا أنه عاد وتناقض، وقرر أن السحاق عقوبته تعزيرية، يقدرها القاضي، دون التفات منه للعقوبة المقررة في القرآن بزعم تفسيره الأول للآية!! وبالتالي فقد كفانا من نفسه بنفسه (رحمه الله)، ورد على نفسه بنفسه، ودل على سقوط تفسيره بتقريره. فلسنا في حاجة للرد عليه، ولا شعرنا في يوم من الأيام أننا مضطرون لمناقشته، رغم أن كتابه من أَكثر كتب الفقه رواجًا في البيوت وأكثرها شيوعا بين عموم المسلمين.

كما أن السيد سابق (رحمه الله) لا ينكر حد الرجم للزاني المحصن، ولا توصل بتفسيره هذا إلى بقية جهالات المردود عليهم من المعاصرين. فالمردود عليهم جمعوا مع تهافت الفهم جرأةً وتطاولا على العلم، وبنوا على ذلك بناء لا ينبني إلا في مخيالاتهم، لأنه ليس له أساس من علم.

وإذا كنا لا يهمنا من قولٍ قائلَه، وكنا لا نعرف الحق بالرجال، ولا نتحاشا رد الباطل وإنكاره ولو قال به الفضلاء، ولا نمتنع عن وصف قول بالسخف (إذا كان كذلك) لجلالة قائله، إن كان جليلا! وإذا كان زلل العالم بقول سخيف باطل مع حفظ حرمته لا يمنعنا من أن نستسخف قوله إذا كرره من ليس له حرمة ذلك العالم، خاصة إذا أضاف على سخف ذلك القول سخافات جديدة، وإذا بنى عليه جهالات شديدة، وإذا عرضه بعد ذلك كله في سياق التعالي والغرور والتطاول على الحق والعلم، بخلاف ذلك العالم الذي سبقه إلى بعض زَلَـلِـهِ = فلذلك كله نفرق بين الوقوع في الزلل وممارسة المراهقة الفكرية، فالوقوع في الزلل الكبير يمكن أن يقع من العالم الكبير، لكن عبث المراهقة لا يقع إلا من مراهق فكريا.

ولذلك فدعونا نستدل لتهافت هذا القول بدلالة العقل، وبدلالة العبارات القرآنية فقط، دون النقل عن أهل العلم الذي يظنه بعضهم أجنبيا على العقل والعلم؛ لأن هؤلاء الذين نناقشهم يظنون أنفسهم هم المختصين وحدهم بالعقل والعلم، وإلا لما استخفوا بكلام أهل العلم وكرهوه وكرّهوا به الشبابَ المثقف (لكنه ليس مثقفا؛ إلا بغير علوم الإسلام):

فدعونا ننظر في صحة ذلك الفهم بعرضه على العبارة القرآنية:

فأولا: لقد علمنا أن الحد الوحيد الذي اشتُرط له أربعة شهود هو حد الزنا، وذلك بدلالة قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

فهذا وحده دليل ظاهر وبرهان كاف على أن الآيتين {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ...} آيتان تتحدثان عن الزنا، بدلالة اشتراط أن يشهد على الفاحشة المذكورة فيهما أربعة شهود، وهو العدد الذي اختص به حد الزناة، كما في كتاب الله.

ولا أدري كيف استجاز أدعياء التعقل أن لا يتعقلوا؛ فلا يُلحقوا النظائر ببعضها والمتشابهات بمثيلاتها؟!

ثانيا: لقد علمنا أن الشهادة في كل الحدود تتم بشاهدين اثنين فقط، ومنها القتل (أعظم الجنايات جرما)، والسرقة التي بها تُقطع اليد. فهل يكون (السحاق) وهو دون جميع معاصي الحدود جرما، بل هو معصية ليس فيها حد (عقوبة مقدرة) أصلا (وحُكي على ذلك الإجماع) = لا تستحق المرأة العقوبة بسببه إلا بشهادة أربعة شهود؟!! فـ(السحاق) ليس هو الزنا لكي نشترط له أربعة شهود؛ تسليمًا للنص القرآني وللسنة النبوية وللإجماع، وليس السحاق أشد من كل الجرائم الأخرى (كالقتل والحرابة والسرقة) حتى يُشترط له أربعة شهود بخلافها!! فلا يؤيد اشتراطَ أربعةِ شهودٍ للسحاق: نقلٌ، ولا عقلٌ!!

فمن أين قبلتم أن يُشترط لمعصية السحاق أربعة شهود، يا أدعياء التعقل؟! والعقل أول من يأباه!!

ثالثا: العقوبة المذكورة في الآية عقوبة شديدة جدا، وهي السجن المؤبد {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ}! فهل السجن المؤبد عقوبة تناسب معصية السحاق؟!

سؤال لا يحتاج كثرة تفكير!!

والغريب أيضَا أن السجن المؤبد عقوبة ليس لها نظير في حدود الإسلام، حتى في أشد الجرائم كالقتل وقطع الطريق (الحرابة)!!

فهل يقبل العقل أيضًا مثل هذا التشديد الذي في غير محله؟!

وهل يقبل العقل أن ينسب للشرع مثل هذا الشذوذ في عقوباته بمثل هذه الظنون المتهافتة والفهوم الضعيفة؟!

وما زلنا مع أدعياء التعقُّل: في عدم تَعَقُّلٍ!!

رابعا: عمل قوم لوط (عليه السلام) أشنع من السحاق شرعا (نقلا وعقلا )، وقد جاء فيه من التشنيع ما لا يخفى: في شديد عقوبة قوم لوط (عليه السلام)، وفي مثل قوله تعالى حكاية عن كلام لوط (عليه السلام) معهم {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}.

وعلى حسب ذلك الفهم السقيم للآيتين محل الجواب: فعقوبة اللواط عقوبة خفيفة جدا، وخفيفة جدا خاصة في مقابل عقوبة السحاق: فعقوبة السحاق هي السجن المؤبد {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ}، وأما عقوبة اللواط (كما في الآية محل البحث) فهي مطلق الأذية {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا}، فعلى هذا الفهم السقيم: تكون عقوبة جريمة عمل قوم لوط هي أن تُوبِّخَ الفاعل وتعيّرَه، أو تجلده جلدة أو جلدتين، كما يراه القاضي، ثم انتهى الأمر!

فهل هذا الفهم من العقل السليم في شيء؟! ولن أقول: من الفقه في شيء!!

فإن قيل: يمكن أن يكون المقصود أن يُجمع في المعصيتين بالعقوبتين: فيُجمع في السحاق بين السجن المؤبد و(الأذى) الوارد في الآية الثانية، ويُجمع في عمل قوم لوط بين الأذى والسجن أيضًا؟ نقول: هو قول مع مخالفته لظاهر القرآن، لأن القرآن رتب عقوبتين متباينتين في آيتين، فهو أيضا لا يحل الإشكال: في مساواة جريمتين متباينتين جرما وقبحا في عقوبة واحدة: فالسحاق كاللواط في العقوبة! وفي إشكال: اختراع حد لا مثيل له في محكم حدود الله غير المنسوخة: وهو السجن المؤبد، وانضاف إليه (على هذا الجمع) ما هو أشد من الأعمال الشاقة، وهو الأذى!

أما من جعل من العلماء الآيتين في عقوبة معصية واحدة، وهي الزنا، فيصح أن تكون العقوبة عندهم مركبة مما ورد في الآيتين كلتيهما؛ لأن المعصية في قولهم معصية واحدة (وهي الزنا)؛ ولأن الشريعة لا تفرق في مثل هذه الجريمة الواحدة في عقوبتها بمجرد اختلاف الجنس (ذكر وأنثى)، فهي تساوي بين الذكر والأنثى في ذلك، كما استقر عليه الحد في الزنا بعد ذلك. فهاتان قرينتان تقربان احتمال قبول كون العقوبة مركبةً مما ورد في الآيتين، عند القول باتحاد الجريمة، لا عند القول باختلافها وتباين فحشها وقبحها.

خامسًا: تنبهوا للضمير في الآية الثانية في قوله تعالى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا}، فالهاء في قوله {يَأْتِيَانِهَا} أوليس يعود إلى (الفاحشة) المذكورة في الآية الأولى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ}؟! فهل يمكن أن تكون الفاحشة في الآية الثانية غير الفاحشة في الآية الأولى؟!

ولو قال قائل: يجوز ذلك؛ لاشتراكهما في وصف الفاحشة. قلنا هذا لا يجوز بمجرد ذلك، ولكي أقرب دليل عدم الجواز أرجو التنبه لما يلي: لو قال لك قائل: ((اللواتي يأكلن الحرام سوف آخذ من مالهن بقدر ما أكلن، والذين أكلوه فسوف أعاقبهم ))، ماذا سوف تفهم من العبارتين؟ ألا تفهم منه أنه أراد في العبارتين جريمة واحدة، بدليل الضمير العائد للحرام في العبارة الأولى في قوله ((أكلوه))؟! فلو قال لك بعد ذلك هذا القائل: ((قصدت بالحرام في العبارة الأولى: أكل مال اليتيم، وأما ما قصدته بالحرام في العبارة الثانية فهو لحم الخنزير))، هل سيكون كلامه كلاما مبينا؟! أم كلاما مستعجما غير سوي التركيب؟! رغم اشتراك (أكل مال اليتيم) و(لحم الخنزير) في صحة وصفه بكونه مأكولا، وفي كونه حراما أيضًا!!

ومثلها: لو قال لك قائل: ((من أخذ ما لا يحل له قطعت يده، ومن أخذه عاقبته)). ثم يقول لك: ((قصدت في الأولى: السرقة، وفي الثانية: الربا ))!!

وهكذا من أمثال هذه الترهات!!

ولا تنسوا أيضًا: أن عقوبة السحاق حسب هذا الفهم تختلف عن عقوبة عمل قوم لوط (عليه السلام)، مما يبين أننا أمام معصيتين متباينتين: نوعا وطبيعة، وجرما وقبحا، وعقوبة أيضًا. فكيف يصح لغة الإشارة إلى الجريمة الثانية بضمير يعود إلى الجريمة الأولى؟!

وهكذا يستمر التعقل المزعوم في إثبات عدم تعقله!

سادسًا: لقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعد نزول هاتين الآيتين بمدة قال عليه الصلاة والسلام: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ: جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ: جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ»، وهو حديث صحيح، وقد احتج به الأئمة (كالشافعي)، وصححه مسلم والترمذي والنسائي (بإخراجه وعدم إعلاله، وبدلالة تبويبه) وابن الجارود وابن حبان وغيرهم. وهو حديث يشرح الآية في قوله تعالى {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}، فقال صلى الله عليه وسلم في بيان هذا السبيل: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا...». وهذا هو ما عليه عامة أهل العلم والشراح والمفسرون في ربط هذا الحديث الصحيح بالآية. بل لقد جاء أيضًا الربط الصريح بين الآية والحديث في إحدى روايات الحديث، وهي رواية صحيحة عن الحسن البصري عن عبادة بن الصامت بلا واسطة، وهو لم يسمع منه هذا الحديث، وإنما سمعه من حطان الرقاشي عنه. ومع العلم بهذه الواسطة بينهما، وهي واسطة ثقة، بها صحح العلماء الحديث المتصل = تكون هذه الزيادة التي تبين صراحة علاقة الحديث بتفسير الآية زيادة تستحق الثقة بها. مع أننا بما سبق من الأدلة مستغنون عن تعنت متعنت برد هذه الزيادة، ولسنا محتاجين لها؛ إلا استئناسا واستشهادا، لو كانت ضعيفة.

وبذلك تكون هذه الآية في الزنا وفي سياق التدرج في تشريع حدِّه، ولا علاقة لها بالسحاق ولا بغيره، بدليل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا علاقة لهذا الاستدلال بقضية جواز نسخ السنة للقرآن أو عدم جوازه، رغم كون هذه المسألة مسألةً خلافية أصلا، لا إجماع فيها؛ لأنه يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد نزل عليه القرآنُ بآيةِ حدِّ الزنا أوّلاً، قبل أن يُوحى إليه بالحديث الذي يقول فيه «خذوا عني، خذوا عني: قد جعل الله لهن سبيلا»، فنسخ القرآنُ القرآنَ: ثم إنه صلى الله عليه وسلم ذكر الآية، ثم بعد ذلك ذكر حديثَه ذاك، بيانا للآية وتفسيرا لها. وإما أن الآية نزلت أوّلاً، ولكن بادر النبي صلى الله عليه وسلم بذكر فقهها قبل تلاوتها على أصحابه، تمهيدًا لتلاوتها عليهم، ومبشِّرًا بنزول القرآن عليه بذكر ذلك الحديث (كما حصل في قصة الظهار لخولة بنت ثعلبة رضي الله عنها). المهم أن تعلم أن محاولة رد الاحتجاج بهذا الحديث الصحيح بدعوى أنه يتضمن أمرا ممنوعا، وهو نسخ القرآن بالسنة: محاولة فاشلة لسببين:

الأول: أن في نسخ القرآن بالسنة خلافا قديما معتبرًا.

والثاني: أنه إن كان خلافا غير معتبر، فلا يلزم من الحديث أن يكون هو الناسخ للقرآن.

سابعا: تتابع الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة الفقهاء المتبوعين وأئمة التفسير على أن الآية في الزنا، ولا علاقة لها بالسحاق ولا بغيره. وأنها آية منسوخة، أو مُغيّاة بغاية زمنية، حتى نزل حد الزنا. وحكى الإجماع على ذلك جمع، ولا صح الخلاف عن أحد من أهل العلم قبل أبي مسلم الأصبهاني.

وأستغرب ممن يضرب بهؤلاء جميعا عرض الحائط، متمسكا بأن قوله هو قول فلان وفلان! أفلا كان إذ أراد التقليد أن يأخذ بالأوثق من قول الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين وإجماعهم قبل إحداث القول الباطل؟! وإذا أراد الاجتهاد أن يكون من أهله، فلا يأتي بقول لا زمام له ولا خطام؛ إلا من نظر سقيم وفكر كليل!!

وهكذا يتبين أن تفسير هاتين الآيتين بأنها في فاحشة السحاق وفاحشة قوم لوط (عليه السلام) تفسيرٌ باطل: يعارض صريح الآيتين، ويصادم التعقّل في فهمها، ويناقض التفسير النبوي لها، ويخالف الإجماع فيها، ويرمي بتفسير أعلم الناس بالقرآن: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتابعيهم، والأئمة المتبوعين، وأجل أئمة التفسير.

وقضينا بذلك من شأن إبطال هذا التفسير، وانتهى أمر تلك المراهقة الفكرية في ضلال، وهوت في سفال.

فإن قيل: فما هو تفسير هاتين الآيتين؟ وما المقصود بقوله تعالى {واللذان} محل الإشكال عند ألئك القوم؟

فأقول: في الآيتين أقوال عديدة، وليس من مهام المقال التوسع بذكرها، لكني سأذكر ترجيحي منها:

فنبدأ بالآية الأولى: وهي قوله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} فالمراد بها: بيان عقوبة المرأة المحصنة (المتزوجة) إذا وقعت في الزنا، وأنه إذا شهد عليها أربعة شهود فإنها تُحبس حتى تموت، أو يجعل الله لها عقوبة أخرى.

والدليل على أن المراد بالآية هنا النساء الثيبات بالزواج، دون الأبكار منهن: قوله تعالى {من نسائكم}، فالعرب تقول: هذه امرأتي: وتعني بها زوج الرجل، وتقول: نساؤنا ونساؤكم، وتعني بها: زوجاتنا وزوجاتكم.

ولا فائدة من ذكر لفظ (نسائكم) أقوى وأصح من هذا المعنى؛ لأن كون المراد بمن يأتي الفاحشة نساءً أمرٌ قد عُلم من قوله (واللاتي) ومن نون النسوة في الكلمات (يأتين) و(عليهن) و(فأمسكوهن) و(يتوفاهن) و(لهن)، فلماذا يقول تعالى بعد هذا البيان الواضح (من نسائكم)؟! لا بد أن يكون لها مغزى وإفادة غير تحصيل الحاصل، من كون الخطاب عن النساء إذا أتين بفاحشة.

فضلا عن أن هذا الإطلاق، وهو إطلاق لفظ النساء مضافا (نسائكم)، على معنى إرادة الزوجات = إطلاقٌ قد تكرر في القرآن، حتى إنه ليصح أن نعدّه قرينة على إرادته، خاصة في مثل هذا السياق.

ومن هذا الإطلاق في كتاب الله العظيم:

- قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ...} إلى أن قال تعالى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} أي: أمهات الزوجات. وإلى أن قال تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ}، وهي صريحة أنها في بنات الزوجات.

- وقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ}.

- وقوله تعالى {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}.

- وقوله تعالى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم}.

وأما استعمال (المرأة) بالإضافة على الزوجة فكثير، كقوله تعالى {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}، وقوله سبحانه {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}، وقوله عز وجل {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}، وكقوله تعالى {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}.

وبذلك يتبين أن هذه الآية تتحدث عن عقوبة المرأة المحصنة بالزواج إذا وقعت في الزنا.

فلما بين الله عز وجل عقوبة الثيبات أراد بيان عقوبة البكر من الجنسين: الذكور والإناث، فقال تعالى {واللذان يأتيانها منكم}، فالمقصود بالتثنية: البكران: رجلا كان أو امرأة.

وهذا هو ما صح من تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ، حيث قال بعد تلاوة الآية الأولى: « وَذَكَرَ الرَّجُلَ بَعْدَ الْمَرْأَةِ ثُمَّ جَمَعَهُمَا، فَقَالَ: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا}، فَنُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْجَلْدِ، فَقَالَ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}». فقوله: ثم جمعهما: أراد في لفظ واحد وعقوبة واحدة (واللذان) ، ويؤكد ذلك أنه خص هذه الآية بأنها هي الآية المنسوخة بآية النور، وآية النور هي الآية التي في البكرين من الزناة خاصة بلا خلاف.

وهو قول: السُّدِّي، وزيد بن أسلم، ومقاتل بن سليمان، وسفيان الثوري، وهو ترجيح ابن جرير الطبري والواحدي.

وفي الآية أقوال أخرى.

فإن قيل: فأين عقوبة الرجل المحصن؟

قيل: ما دامت هاتان الآيتان منسوختين، وما دامتا جاءتا في سياق التدريج لذكر حد الزنا = فلا مانع من أن يكون الحكم فيها غير مكتمل الأركان، وأن يكون خاصا بحاجة الزمن الذي نزلت فيه الآية. بمعنى: أنه من الممكن أن الله تعالى لم يُنزل حينئذ عقوبةً خاصةً بالرجل الثيب إذا زنى؛ لأن الحاجة لم تكن قد اقتضت بيانَ عقوبته، لعدم وقوع ثيب في الزنا عند نزول الآيات، وأن الله تعالى أراد تأخير بيان حكمه الذي مهد له بهذه الآية التي مهد بها لعقوبة الثيب والبكر، فيما نسخ به هذه العقوبة من حد الرجم والجلد.

ويُحتمل: أن يكون حد الثيب من الرجال هو حد الثيب من النساء، ويُستنبط ذلك قياسا من الآية الأولى؛ لأن النساء شقائق الرجال، ويتساوون جميعا في العقوبات. وإنما نص على النساء خاصة، دون الرجال، على خلاف العادة في ذلك، لوقوع قصة أوجبت ذلك. مع ما وقع في علم الله تعالى من أنه سوف ينسخ هذا الحكم إلى غيره، بعد أن يمهد النفوس له بهذه العقوبة.

وإنما ختمنا بذكر التفسير الصحيح، ليظهر اتساقه، وقوة دلالة الآية عليه، وكثرة الأدلة عليه من السنة، ومن كلام أئمة اللغة وسادة أهل العلم. في مقابل تهافت القول الآخر، ومنافرته لدلالة الآية ولكل الأدلة النقلية والعقلية.

ولسنا نصف كل من قال بهذا القول الباطل بالمراهقة الفكرية، وإن كنا نصف كل من قال به بأنه زل زلة كبيرة في الفهم. لكن المراهقة الفكرية وصف يخص من تبجح بهذا القول السخيف وتعالى به، واستجهل القول الصحيح الثابت، وعرضه وكأنه قول لا يستحق الوقوف عنده ولا الالتفات إليه، وكان هذا التصرف ديدنه: يقوي الساقط، ويحتقر الصحيح المقطوع بصحته، وليس يكتفي بتغليطه، حتى يُتبع التغليط القطع به والاستخفاف به! هذه هي المراهقة الفكرية بعينها، وهي التي تترتب عليها أخطار: منها تربية الشباب على سوء الأدب مع العلم والعلماء، والتمرد على علوم الإسلام.

هذا ما أحببت كتابته في هذا الموضوع، بيانا لخطورة هذا المنهج، مستدلا عليه بهذا المثال.

والله أعلم.
 
يقول طنطاوي(ت:1431هـ)في تفسيره : قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه: كان الحكم فى ابتداء الإِسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست فى بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت، ولهذا قال - تعالى -: { وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ } الآية. فالسبيل الذى جعله الله هو الناسخ لذلك - أي لإمساكهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت -.
قال ابن عباس: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخه بالجلد أو الرجم.
وكذلك روي عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطاء وقتادة وزيد بن أسلم والضحاك أنها منسوخة. وهو أمر متفق عليه.
روى الإِمام أحمد عن عبادة بن الصامت قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أثر عليه وكرب لذلك وتغير وجهه فأنزل الله عليه ذات يوم فلما سري عنه قال: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب. والبكر بالبكر. الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة. والبكر جلد مائة ونفى سنة ". وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عبادة بن الصامت ".
هذا وما ذكره ابن كثير من أن هذا الحكم كان فى ابتداء الإِسلام، ثم نسخ بما جاء فى سورة النور وبما جاء فى حديث عبادة بن الصامت، هو مذهب جمهور العلماء.
وقال صاحب الكشاف: ويجوز أن تكون غير منسوخة بأن يترك ذكر الحد لكونه معلوما بالكتاب والسنة، ويوصى بإمساكهن فى البيوت بعد أن يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال. { أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } هو النكاح الذي يستغنين به عن السفاح وقيل السبيل: الحد، لأنه لم يكن مشروعا فى ذلك الوقت ".
وقال أبو سليمان الخطابي: هذه الآية ليست منسوخة، لأن قوله { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ } ألخ، يدل على أن إمساكهن فى البيوت ممتد إلى غاية أن يجعل الله لهن سبيلا، وذلك السبيل كان مجملا، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم خذوا عني. ألخ، صار هذا الحديث بيانا لتلك الآية لا ناسخا لها ".
ثم بين - سبحانه - حكما آخر فقال: { وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا }.
أي واللذان يأتيان فاحشة الزنا من رجالكم ونسائكم فآذوهما بالشتم والتوبيخ والزجر الشديد ليندما على ما فعلا وليرتدع سواهما بهما.
وقد اختلف العلماء فى المراد بقوله { وَٱللَّذَانَ }.
فمنهم من قال المراد بهما الرجل والمرأة البكران اللذان لم يحصنا.
ومنهم من قال المراد بهما الرجلان يفعلان اللواط.
ومنهم من قال المراد بهما الرجل والمرأة لا فرق بين بكر وثيب.
والمختار عند كثير من العلماء هو الرأي الأول، قالوا: لأن الله - تعالى - ذكر فى هاتين الآيتين حكمين:
أحدهما: الحبس في البيوت.
والثاني: الإِيذاء، ولا شك أن من حكم عليه بالأول خلاف من حكم عليه بالثاني، والشرع يخفف فى البكر ويشدد على الثيب، ولذلك لما نسخ هذا الحكم جعل للثيب الرجم وللبكر الجلد، فجعلنا الحكم الشديد وهو الحبس على الثيب، والحكم الأخف وهو الإِيذاء على البكر.
قالوا: وقد نسخ حكم هذه الآية بآية النور، حيث جعل حكم الزانيين اللذين لم يحصنا جلد مائة.
فقد أخرجه ابن جرير عن الحسن البصري وعكرمة قالا في قوله - تعالى - { وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا } الآية، نسخ ذلك بآية الجلد وهي قوله - تعالى - فى سورة النور:{ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ }الآية.

ومن العلماء من قال بأن هذه الآية غير منسوخة بآية النور، فإن العقوبة ذكرت هنا مجملة غير واضحة المقدار لأنها مجرد الإِيذاء، وذكرت بعد ذلك مفصلة بينة المقدار فى سورة النور. أي أن ما ذكر هنا من قبيل المجمل، وما ذكر فى سورة النور من قبيل المفصل، وأنه لا نسخ بين الآيتين.
هذا، ولأبي مسلم الأصفهاني رأي آخر فى تفسير هاتين الآيتين، فهو يرى أن المراد باللاتي فى قوله { وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ } النساء السحاقات اللاتي يستمتع بعضهن ببعض وحدهن الحبس، والمراد بقوله { وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ } اللائطون من الرجال وحدهم الإِيذاء. وأما حكم الزناة فسيأتى فى سورة النور.
قال الآلوسى: وقد زيف هذا القول بأنه لم يقل به أحد، وبأن الصحابة قد اختلفوا فى حكم اللوطي ولم يتمسك أحد منهم بهذه الآية، وعدم تمسكهم بها مع شدة احتياجهم إلى نص يدل على الحكم دليل على أن الآية ليست فى ذلك. وأيضا جعل الحبس فى البيت عقوبة السحاق لا معنى له. لأنه مما لا يتوقف على الخروج كالزنا. فلو كان المراد السحاقات لكانت العقوبة لهن عدم اختلاط بعضهن ببعض لا الحبس والمنع من الخروج. وحيث جعل هو عقوبة دل ذلك على أن المراد باللاتي يأتين الفاحشة الزانيات... ".
والذى نراه أن هذا الحكم المذكور فى الآيتين منسوخ، بعضه بالكتاب وبعضه بالسنة.
أما الكتاب فهو قوله - تعالى - فى سورة النور: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ }الآية.
وأما السنة فحديث عبادة بن الصامت الذى سبق ذكره.
وإنما قلنا ذلك لأن ظاهر الآيتين يدل على أن ما ذكر فيهما من الحبس والإِيذاء هو تمام العقوبة، مع أنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عاقب أحدا من الزناة بالحبس أو بالإِيذاء بعد نزول آية سورة النور. بل الثابت عنه أنه كان يجلد البكر من الرجال والنساء، ويرجم المحصن منهما، ولم يضم إلى إحدى هاتين العقوبتين حبسا أو إيذاء، فثبت أن هذا الحكم المذكور فى الآيتين قد نسخ."
 
مما تقدم نستنتج ما يلي :
الآيتان : 15 و16 من سورة النساء نسختا بالآية 2 من سورة النور . وسواء من قال بالنسخ أو من قال بغير النسخ اعتبارا بأن العقوبة في آية النساء ذكرت مجملة غير واضحة المقدار ، وذكرت بعد ذلك مفصلة بينة المقدار في سورة النور ، فإن كل هذه الأنواع داخلة في مصطلح النسخ باعتباره مصطلحا شاملا عند السلف .
لكن الذي يجب الانتباه إليه هو أن مفردة (الفاحشة) تحمل من الدلالة ما يتسع لعدد كبير من الممارسات التي يكون أقصاها مفردة (الزنا) . يقول الراغب الأصفهاني في مفرداته : " الفُحْشُ والفَحْشَاءُ والفَاحِشَةُ : ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال ، وقال : {إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ}[الأعراف:28] ، {وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل:90] ، {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}[الأحزاب:30] ، {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ}[النور:19] ، {إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ}[الأعراف:33] ، {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}[النساء:19] ، كناية عن الزّنا ، وكذلك قوله : {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ}[النساء:15] "
وبالتالي يكون حد الفاحشة أي العقوبة القصوى لأقصى ما يمكن أن تؤول إليه وهو الزنا هو ما جاء في الآية 2 من سورة النور .
وبهذا يكون النص القرآني المتضمن للآيتين 15 و16 من سورة النساء يحمل دلالات أوسع مما يتصور ويغطي كل أنواع الفاحشة الممكنة بين الإناث أو الذكور أو هما معا ابتداء بالأخف وعقوبته التعزير ، وانتهاء بعملية الزنا بين الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي التي يكون حدها النهائي هو ما جاء في الآية 2 من سورة النور والذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل .
والله أعلم وأحكم
 
عودة
أعلى