طارق منينة
New member
- إنضم
- 19/07/2010
- المشاركات
- 6,331
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
غموض مصطلحات اركون في نفسه..كشف من المصطلحات المُلفقة علمانيا
كان أركون قبل موته ، (1928 - 2010) مفكر جزائري/ فرنسي يخترع الألفاظ والمصطلحات التي لم يدري هو نفسه مدى مطابقة كثير من دلالاتها للحقائق الإسلامية التي كان يزيف مصدرها ومعانيها، ومن ثم يقوم بعمل " مغالطة إختزالية"، في صورة إصطلاح، وذلك عند كلامه عن (ماهو القرآن) الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع أوصاف له تناسب عمليات أركون التلفيقية ،كما ان اركون كان يجد صعوبة، يمكن أن يلاحظها أي قارئ لتطبيقاته المتعسفة، في إيجاد مايلبي غرض تلك المصطلحات والتطبيقات في تنزيل تأويلاتها وتطبيق تعسفاتها على القرآن والإسلام والشريعة.
إن العمليات العقلية التي كان يجريها في عقله وينتج عنها مصطلحات، كانت تتم بعد أن يزيف معنى الأسماء والحقائق الإسلامية ويتصورها على غير حقيقتها وبعد أن يختصر العالم والكون والوحي والدين والنفس في تصورات مادية قاصرة لاتمت للحقيقة في شيء، كما أن طيشا دفعه لعمليات تطبيقية متسرعة نتجت عنها إتهاماته الهشة.. وعلى الرغم من أن المصطلح وفر له عمليات عقلية دائمة إلا أن تلك العمليات، لم تكن تامة ومنجزة وصحيحة، كانت تنتابها صور الغموض وذلك لخلل التصور -الذي ظهر ملامحه على المصطلح المضطرب ،الناقص ،الضعيف- صور الغموض والإفتعال التي يمكن ملاحظتها في كثير من مصطلحاته -من عدم المطابقة وعدم صحة التصور للمتقابلات- المنحوتة خصيصا لوصف الإسلام وصفا مزيفا بصورة جوهرية.
إن العمليات العقلية التي كان يجريها في عقله وينتج عنها مصطلحات، كانت تتم بعد أن يزيف معنى الأسماء والحقائق الإسلامية ويتصورها على غير حقيقتها وبعد أن يختصر العالم والكون والوحي والدين والنفس في تصورات مادية قاصرة لاتمت للحقيقة في شيء، كما أن طيشا دفعه لعمليات تطبيقية متسرعة نتجت عنها إتهاماته الهشة.. وعلى الرغم من أن المصطلح وفر له عمليات عقلية دائمة إلا أن تلك العمليات، لم تكن تامة ومنجزة وصحيحة، كانت تنتابها صور الغموض وذلك لخلل التصور -الذي ظهر ملامحه على المصطلح المضطرب ،الناقص ،الضعيف- صور الغموض والإفتعال التي يمكن ملاحظتها في كثير من مصطلحاته -من عدم المطابقة وعدم صحة التصور للمتقابلات- المنحوتة خصيصا لوصف الإسلام وصفا مزيفا بصورة جوهرية.
ففي محاولته تطبيق بعض المفاهيم الغربية على القرآن قام بفصل مدلول القرآن عن المصحف المكتوب فيه القرآن المنزل نفسه، محاولا بذلك أن يضع للقرآن الموجود بين دفتين مدلولا مرتبط بجملة من الإتهامات الحداثية والإسقاطات الإيديولوجية ،والنتائج المادية يقول عن الأوصاف التي وردت في سورة التوبة في شأن المشركين : (( نلاحظ أن وصف المعارضين يختزل إلى كلمة واحدة هي : المشركون , لقد رُمُوا كلياً ونهائياً وبشكل عنيف في ساحة الشر, والسلب , والموت دون أن يقدِّم النص القرآني أي تفسير أو تعليل لهذا الرفض والطرد" (الفكر الإسلامي،قراءة علمية لمحمد أركون،ص96)، وهو كذب مفضوح فالقرآن نفسه ذكر في كثير من الآيات الأسباب العديدة لإجرام قريش، واستغلالها البشع للبشر واحتقارها للحقيقة، بيد أن أركون أغفل هذا كله وراح يبني على مجموعة افتراءاته –كما بينت في الأقطاب 1- أن هذا الفعل من القرآن إنما هو ( تشنجات قاسية " (الفكر الإسلامي ص96)
ثم انه راح يطبق نتائجه الظالمة المتعسفة ويستخلصها بقوله أن الرهان الديني : ( يمارس قوله في كل الخطاب القرآني على هيئة دكتاتورية الغاية والنهاية المطلقة"(الفكر الإسلامي،قراءة علمية لأركون،ص 96)
فهذه القراءة إنما هي انعكاس لتصور أركون المادي عن موقف الإسلام من قريش وحربها على الإسلام وجشعها المادي.
أما الذي دعا أركون إلى وضع مصطلحات لاتليق بعلوم القرآن وحقيقته المنزله وشرائعه الفريدة فهو محاولته أولا: تفريغ الإسلام من حقائقه التي نزل بها، ولقد فضح الله عز وجل هؤلاء الذين لايعلمون والذين يفترون بقوله" وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59)" وفي الحقيقة فإنهم هم المبطلون وليس الإسلام الملئ بالمعاني الحقة ، والأسماء الصدق، قال تعالى" وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ"
وثانيا محاولة منه لإتهام القرآن المكتوب بما إتهمت به المناهج الغربية النصوص القديمة أو إسقاطه لتلك التفسيرات والتقسيمات(تراث شفهي-تراث مكتوب) على القرآن المجيد ، إنها عملية قسرية لتفسيرات علمانية لتراثات الأمم الماضية على القرآن الكريم..أي ماأطلقوا عليه(التراث الشفهي) و(التراث المكتوب) وبعد إجراء عملية التقسيم(شفهي-مكتوب) راح يدعي أن كتابة المصحف(المكتوب) أدى إلى تلاعب بالمؤمنين لأجل تدشين إيديولوجيا مغلقة وخاطئة معا.
وحيلة أركون هي الهجوم على المكتوب ومدح الشفهي مادام ينفتح على المطلق ولاشأن له بعالم الإنسان وإدارته!
وهنا تظهر فكرته عن مااطلق عليه عملية (إصلاح الإسلام!)
فيُبقي (الشفهي!) مع أنه لايشير ماهو!، ويهجم على (المكتوب) محاولا هدم المرجعية وهز الثقة في ماإتفقت عليه الأمة بالحق..
هنا تفتقت ذهنيته عن مصطلحات ملائمة لما هو مقبل عليه!
فهو من جهة راح يتكلم بمصطلحات مخترعة متسللا بها للتلبيس وهدم الحقيقة وإدعاء التنوير، فيتكلم مثلا عن قرآن طازج (وهذا هو مصطلحه) ، شفهي ،قبل المصحف، وغيره، قرآن مفتوح على المطلق ، مفتوح على مطلق المعنى وآفاق الوجود وطبعا هو لايفسر المطلق لا بالغيب ولا بالوحي ولا بالسماء!، وأنك تجده مرة يربطه بالروح المشتاقة، ومرة بالإسطورة، ومرة بالرجوع للنفس والمجتمع والأيديولوجيات المتصارعة داخله ، وهو يقصد أحيانا بالمطلق : :المجهول الذي تحاول النفس استكشافه!، قد تحاول ذلك في ظروف غير علمية ....اسطورية، وأحيانا يصفه بالخيال الرطب (باطلا من الخيال أو إبداعا من الخيال الباطل او غير ذلك كما فسر به أركون مفهوم الخيال بحسب النظريات الحديثة جدا ،النظريات التي فسرت الدين على أنه أشواق وخيال رطب وغير ذلك مما يتعلق بالروح وتطلعاتها.
راح أركون يخترع مفهوم عن القرآن غير مايعبر عنه قرآن الرحمن عز وجل، فصار عنده مايتصوره قرآنا (في عالم الأذهان العلمانية والإستشراقية، وخاصة تصوره هو له) قرآنا غير شفهي(تراث شفهي) غير مكتوب، كما أنه غالبا ليس هو المكتوب(في المصحف!)، اطلق عليه (طزاجة القرآن)، ولم يفصح لنا عن مضمون هذا القرآن الشفهي غير المكتوب وآياته المعينة!،بيد أن المهم عنده أن يظل هذا المعنى مفتوحا على التفسيرات العلمانية والنظريات المخترعة في عالم الموضة الغربية في مجالات الأنتربولوجيا وعلم النفس والمجتمع، مفتوحا من جهة على آفاق الوجود!!،على ماتتصوره العلمانية اخيرا عن الدين ومصدره!، ومن جهة أخرى على الأسطورة والخيال الرطب، وقد قام أركون بهذه المحاولة لترسيخ معنيين باطلين ،على الأقل، عند قراءه، المعنى الأول هو أنه كان هناك قرآن مفتوح على المطلق لم يعد له وجود،(واحيانا يصف الإسلام القرآني بذلك!) كان فيه أشواق الروح وقد قدم بهذه المقدمة ليسهُل له إتهام القرآن المكتوب بين الدفتين ألا وهو المصحف!، بأنه القرآن الإيديولوجي، الذي أغلقته المؤسسة السياسية لأغراض سياسية!، فمدح الأول مع أنه لاوجود له إلا في ذهنه(وهو إنما يفعل ذلك ليقول إن هناك إصلاحا تنويرا ممكنا داخل الإسلام كما كان من قبل في المسيحية)، وذم الثاني ورماه بالأيديولوجيا المتلاعبة بالوقائع!، المستبدة المتشنجة!، غير أنك إذا سألته ماهو هذا القرآن الطازج وعلى ماذا كان يدل؟ وماهي نصوصه ومفاهيمه وحقائقه ودلالاته التي فهمها هو نفسه-أي أركون- وعبر عنها بلظ (الطزاجة) إذا سألته عن ذلك فلن تجد له جوابا،ولا أظن أنه كان عنده جوابا داخليا، فالإجابة بالنسبة له غامضة باهتة، لقد حاول فقط إنتزاع الإتهامات في ظل تطبيقات عاثرة ومصطلحات غير مطابقة، فهو لم يجد بين يديه إلا أوصاف غائمة كأنه يصف صوفيه هندية أو رهبانية لاتعرف من الحياة إلا دير منغلق على صاحبه لاشأن للدنيا به ولا شأن له بالدنيا. فكلمات مثل الإنفتاح على المطلق والأشواق والوجود وآفاقه!،لاتعني في الإسلام معنى مفهوما مقبوضا عليه، واضح الملامح والمعاني، وإنك أحيانا تفهم من فكرته المخترعة عنده أن ظزاجة القرآن تعني مراوغة المعنى وانفتاحه على اي معنى لايتحدد على فكرة محددة او عقيدة ثابتة فأركون يرمي مفاهيم الثبات في الاسلام بأنها من اختراع العلماء والفقهاء...ولذلك فإما يفتح القرآن على آفاق روحانية هائمة في الخيال، أو على الأسطورة ووقائعها وارتباطاتها مع المال والكهانة والإستغلال الإنساني والسياسي.
يقول هاشم صالح تعليقا:" الفكرة المركزية لأركون هنا تتلخص في مايلي: القرآن كتاب الوحي، والوحي ذو لغة مجازية ورمزية منفتحة على شتي الآفاق، على كل الإحتمالات والدلالات. وبالتالي فلايجوز تحويل هذه اللغة العالية والمتعالية إلى لغة فقهية قانونية ضيقة، والقول إنه لامعنى لها. هذا تقييد للمعنى المجازي، وحصر للرمز، وفي نهاية المطاف خنق للفكر وحرية الفكر... وهكذا تتم عملية ايقاف الوحي الذي لاينبغي ألا يتوقف لأنه مفتوح على مطلق المعنى وآفاق الوجود"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ،هامش) ص 218) ) مع انهما هاشم واركون يطلقان على لغة القرآن ،من جهة ، لغة التحيز والتضليل كما فعل أركون مع مفاهيم سورة التوبة وموقف الإسلام من جاهلية العرب.
فأركون لم يكن يعرف معنى كليا لماحاكه في صدره ،لقد أراد أن يطبق على مفهوم الدين ذلك المفهوم الحديث الذي يضع (الدين) في الطزاجة والأشواق والخيال البشري والبحث عن المطلق (بعيدا نوعا ما عن نظريات وضع الدين كخرافة مخالفة للعلم ولطبيعة الإنسان وهي نظرة القرن التاسع عشر للدين، وفي نفس الوقت أراد أن يجد سبيلا إلى رفض الدين، خصوصا الإسلام، بصفته سلطة عليا في المجتمع والدولة، في القانون والشريعة!، كمقدس له سلطة على الحياة!،فهو يعكس مبدئيا المفهوم المادي الحديث للدين على الإسلام ويعتبر أنه الطريق لإصلاح الإسلام من الداخل، بيد أن ذلك جعله يحاول بتر حقيقة الإسلام وطبيعة الوحي الرباني والقرآن الذي أنزل بمبادئ للحياة تختلف عن ماعرفته البشرية من أديان روحانية منحرفة أو سماوية أصابها الخلل والتحوير، ومع ذلك تبقى محاولة تطبيق المصطلح متعسفة وباهتة وغامضة وغير متكاملة المعنى، فهو أولا –كما قلت-لم يحدد لنا ماهو هذا القرآن الذي يشير إليه بهذا اللفظ (طزاجة القرآن) مع العلم أنه ينفي هذا المعنى ،غالبا، عن المصحف، وكأن القرآن إختفى من القرآن ولم يبق في القرآن إلا ماهو ليس بقرآن!!، أو كأن الصحابة والدولة الأموية من بعدهم قاموا بعملية فرز بين الطازج وغير الطازج!، وهو من جهة أخرى لايتكلم عن المصحف إلا بنفس إتهامات المستشرقين له، من أنه مصحف الدولة الأموية ومن قبلها من أصحاب الأغراض الإيديولوجية! ، وأن هناك سور وآيات حذفت ولم توضع في المصحف!، وقد يضع تلك المجموعة من الإتهامات في سياق اتهامات أخرى ، أكثر حداثة، تحت مصطلح آخر لايدل على ضيق الإتهام الإستشراقي ،(بحسب أركون) غير المنفتح على الدراسات المادية الحديثة، فتراه يشير إلى خطاب قرآني شفوي مفتوح!!، فهذا الخطاب المفتوح –عند أركون-هو مفتوح على كل الدلالات!،(وطبعا يقصد بمفهوم الدلالات: الدلالات التي تنتجها المذاهب الحديثة لتحليل الأشياء والنصوص ) وبينما يبدو احيانا في مواضع من كلامه أنه يمدح القرآن بذلك تجد ان القصد في الباطن ذمه وهدمه ، فإذا كان ذلك مختبئ وراء وصف المدح ، فكيف وصف الذم المباشر؟
كما أن الرجل إذا تكلم عن المصحف ، لم يقل عنه ، غالبا، انه مفتوح على كل الدلالات الكونية والآفاق الوجودية! ، وأحيانا يقول ذلك إذا أراد الكلام عن الإصلاح التنويري في عالم الإسلام!
والسؤال الآن: هل ينفتح نص مغلق-وهذا هو إتهام أركون للقرآن الذي بين دفتي المصحف- على دلالات لاحدود لها، من آفاق الوجود .فكيف يكون على هذا الوجه منغلقا وهو مفتوح على مصراعيه لأي إكتشاف أو حتى للمعاني الروحية الرحبة!!، وفي الحقيقة فإنها كلها إتهامات عبثية تحاول ان تنفي علاقة القرآن بعالم الواقع وسلطة الحياة، إنه من جهة أخرى يجعل معنى الخطاب المفتوح هو إنفتاحه أو قبوله للتفسيرات التي تضعه في مصاف النصوص التاريخية التي أفرزتها البيئات والأساطير!! قال في كتابه الفكر الإسلامي نقد واجتهاد (ص175) :" وأنا إذ أتحدث عن وجود خطاب قرآني مفتوح معرفيا...أتصور القرآن على هيئة فضاء لغوي تشتغل فيه عدة أنماط من الخطاب(الخطاب النبوي، والخطاب التشريعي، والخطاب القصصي، والخطاب الوعظي، والأمثال...). فهذه الخطابات تشتغل في القرآن في ذات الوقت وتتقاطع أيضا.(أنظر بهذا الصدد كتابي: قراءات في القرآن).أن التحليل اللغوي والسيميائي البحت لهذه الخطابات يتيح لنا أن نستخرج البنية الأسطورية المركزية للقرآن، هذه البنية التي تستخدم الرمز والمجاز من أجل أن تخلع على العبارات القرآنية إمكانات افتراضية عديدة للمعنى والدلالة"
فهو خطاب مفتوح يقوم اركون بنقده،وإرجاعه إلى بنية اسطورية، وهنا لا يفسر مسألة ( الخطاب المفتوح) بالمعنى الذي يقول انه منفتح على المطلق والتطلع للمجهول بل انه يُغيب عن القارئ هذا المعنى (مؤقتا إلى أن يرجع إليه في مواضع أخرى يتيمة) ليقول انه منفتح على الثقافي واللغوي والرمزي المجازي والإسطوري فقط، وهو بذلك لا يتهم الوحي فقط، وإنما يتهم النفس بإن لها خيال ديني باطل ، تفضحه اللغة وتكشفه المكتسيات الحديثة.
فأركون لم يفسر فكرة الطزاجة و المطلق (الفكرة الحديثة في عالم الإكتشافات اليتيمة الغربية) اللهم إلا أنه يرجعه من ناحية إلى طلاقة الخيال وباطله المسكن للنفس!، وانفتاحه على مجالات الروح واشواقها الاسطورية!
وكما ترى فإنها كلمات عامة غامضة (طزاجة-شفوية-مطلق) ،إلا أنها مرتبطة بآخر التفسيرات الغربية للنصوص والوجود وأشواق النفس!
ومع ذلك يمدح أركون-في مواضع- آيات من المصحف، وكأنها فلتت -عنده!- من الإيديولوجيا؟ انه يريد ان يفتح المعنى القرآني على اي معنى بحجة انفتاح الدلالات ، الدلالات التي يغلقها على منتجات التفاسير العلمانية الحديثة(المنغلقة ماديا!) بينما هو يهدم تفاسير القرآن الكريم، ويهين اللمفسرين ويتهمهم بكل صور الجهل والغباء المعرفي.
لقد وصل الأمر عند أركون بإلقاء القرآن في عالم الأسطورة وتعمد التحريف والبغي على قريش والعرب وأن الرسول محمد كقوة مناهضة لقوة قريش عزل وأخفى طبيعة الصراع المادية والإجتماعية بينه وبين قريش، وأن القرآن سجل الوقائع بظلم للقوى المناهضة لمحمد ومن معه ورماه بأنه خطاب سلطوي ، غير عادل (انظر كتابه تاريخية الفكر العربي الإسلامي ص 265،166، والنص في كتابنا أقطاب العلمانية ص 175)
هنا يضع اركون مصطلح(الخطاب القرآني المفتوح!) وكأنه يفتحه-من جهة- على الثقافي والإجتماعي وصراعات أرضية على هيمنة نفوس وإيديولوجيات، ومن جهة أخرى على الخرافة وأباطيل النفس وخيالاتها الرطبة المزعومة بالصورة الغربية والأركونية!
فأين الطزاجة التي حاول اركون أن يمدحها في القرآن الشفوي،الذي زعم أن الدولة الأموية أغلقته وسجلته منغلقا، مع إتهام القرآن نفسه بالتلاعب بالوقائع واتهامه برمزية خرافية واسطورية
لذلك قلت إن الأمور غائمة في نفس محمد اركون،وهو وإن كان قد صك بعض المصطلحات الخاصة بموقفه هو من الإسلام إلا أن وضوح الفكرة ليست ليست بالدرجة التي يظنها أتباعه.. وسبب ذلك انه يحاول تنزيل أفكار ونظريات حديثة على القرآن ونزوله وحقيقته ومعانيه..ليحدث خلخلة! مع عدم قبول القرآن لتلك الأفكار القاصرة والمصطلحات الباطلة، إن غرضه في إحداث خلخلة في مفهوم القرآن ،ويمكن تتبع منهجه وموقفه المسبق من بعض نصوصه الفاضحة ففي كتابه الفكر الإسلامي نقد واجتهاد يذكر اركون ان من المشاكل التي يجب على المفكر النقدي حلها هي:" مسألة تاريخ النص القرآني وتشكله...ثم مسألة الوحي... وكل هذه المسائل العديدة والتساؤلات لم تُمس الا مسا خفيفا من قبل الفكر القروسطوي أو البحث الأكاديمي الإستشراقي(الذي اهتم بشكل خاص بدراسة تاريخ النص القرآني..."(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص17)
فما فعله هو أنه حاول تطبيق بعض الأفكار الفلسفية (لمابعد الإستشراق والحداثة)بمصطلحاتها على القرآن، وعلى ماقسمته تلك الفلسفات تحت عنوان(تراث شفهي-تراث كتابي) او انفتاح الديني والاسطوري على (المطلق) بإعتبار أنه شوق الروح إلى المطلق بمزيته ودلالاته!
وكمحاولة ساذجة من اركون ،أقل مايقال عنها، انها يعوزها الإنسجام، ويحيط بها التناقض، هو تفريقه بين القرآن ك"نص" والقرآن ك "خطاب" (وهي مصطلحاته على كل حال) يقول:" فالفكرة الأساسية تكمن في التلاوة المطابقة للخطاب المسموع لا المقروء. ولهذا السبب بالذات أفضل التحدث شخصيا عن الخطاب القرآني، وليس النص القرآني، عندما أصف المرحلة الأولية للتلفظ (او التنصيص) من قبل النبي. ذلك أن مرحلة الكتابة ( أي كتابة الخطاب القرآني) قد جاءت في مابعد في ظل الخليفة الثالث عثمان (بين عامي 645-656م). ولاريب في أن التمييز بين مفهومي الخطاب والنص يتخد أهمية أكبر على ضوء الألسنيات الحديثة(وأحب أن أُحيل القاريء، هنا، إلى كتابي قراءات في القرآن)"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص73)
وهكذا فغموض الفكرة وتناقضاتها الداخلية تلف عمل أركون التلفيقي
كذلك ،فعملية الإسقاط الأركونية لمااعترى فكره من أفكار عن القرآن بدأت واستمرت معه حتى النهاية إلا أنها كما قلنا لم تكن –لافي مصطلحاتها ولا في تطبيقاتها-بالوضوح الكامل لديه وإلا فكما قلنا ماهو القرآن الطازح المفتوح على كل الدلالات كما يزعم اركون، وأين هو؟ فوصفه يعني وضع اليد عليه من قبل خبير في عالم الإركيولوجيا، خبير يقوده الطيش والتسرع في حك مصطلحات والقيام بتطبيقات خائبة كبديل حداثي عن مناهج المستشرقين الباطلة والنص التالي يبين قصدنا، يقول:" حالتي أنا، كان التحرير الفكري والعقلي للجزائريين ولعموم المسلمين:" وعندما أصبحت مدرسا في السوربون في بداية الستينات اتبعت فورا(!) المنهجيات التي تختلف جذريا عن منهجيات المستشرقين."الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص264) فقد راح اركون وقد عرف هدفه الذي كان يحاول دائما ان يجد له مناهج غربية معينة ففي البداية كان يقرأ على طلبته نصوصا من كتب روبير ماندرو(منذ عام 1960)، يقول:" وأنت تعرف أن ماندرو من جماعة" التاريخ الجديد" في فرنسا، أي جماعة مدرسة الحوليات...ثم طرأت في مابعد أثناء مساري العلمي مشكلة أخرى تخص النص القرآني وكيفية تشكله وفهمه. فبعد أن أتممت أطروحتي عن" الإنسية العربية في القرن الرابع الهجري" واستكملت دراسة الفكر الإسلامي الكلاسيكي بدا لي أنه ينبغي أن أعود إلى الوراء، أي إلى لحظة القرآن التأسيسية لكي أفهم الأمور على وجهها الصحيح، ولكي تكون دراستي لتاريخ الفكر الإسلامي مرتكزة على أسس قويمة ومتينة"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص266)
يفهم الأمور على ماانتهت إليه قراءاته العلمانية وليس كما عليه الأمور على حقيقتها.
ومثل الطزاجة موضوع المطلق، وآفاق الوجود!، فاركون يريد من جهة أن يصب مااسماها بتجربة محمد مع المطلق لكن في (الموضوع الغربي المكتشف حديثا)وهو اشتياق الروح للمطلق، (البراءة الساذجة الموجودة عند الإنسان!) ونفي نفس الوقت إتهم الرسول بأنه (بتجربة المدينة) قام بمؤامرة وتحريف واغتيال للعقل العربي المناهض له مع اخفاء لحقيقة الصراع ماجعله يقوم بتلاعبات في النصوص القرآنية المواجهة لقريش ، ولذلك ترى اركون يقوم بتحليل سورة التوبة على هذا الأساس!
وتعجب عندما تجده يقول وكأنه يعرف قرآنا آخر غير الذي نعرفه، مع أنه لايدلنا عليه وإنما كما قلت إنه يعيش على الإسقاطات ومحاولة إختراع فكرة أن هناك قرآن شفوي مفتوح على المطلق وآخر إيديولوجي موجود في مصحف(ومع ذلك يقول عن القرآن ككل!!، وايضا مافي المصحف!!!" من الواضح أن الإسلام القرآني يركز على المطلق والتعالي اكثر بكثير مما يفعله الإسلام الإمبراطوري المهووس بالسلطة وتأسيس الدولة وتشكيل قوة عظمى للمسلمين، الإسلام في القرآن ينفجر كالنور أو كالضياء أو كالشعلة المقدسة، ولا يهتم إطلاقا بالاعتبارات المادية أو السلطوية. إنه تأسيس لعلاقة المعنى وللميثاق الإلهي في اللغة العربية. أما الإسلام الفقهي أو الطقس- الشعائري أو الإمبراطوري، فهو وإن لم يكن قد فقد بعده الديني بعد، إلا أن هموم القوة والتوسع على حساب الآخرين تبدو غالبة عليه " (محمد أركون: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، الطبعة الأولى 1993، ص144.)
إنه مرتبك، ولذلك تراه يتهم مرة مايمكن أن يمدحه مرات أو العكس!!
فالرجل يحاول أن يطبق نظريات ومصطلحات انتجتها بعض المذاهب الأنثربولوجية عن الجماعات البدائية مثل موضوع(الشفهي والكتابي) يطبق ذلك على القرآن، فيقسمه إلى قرآن طازج يتفاعل مع المطلق(ولايشير إلى:اين هو) وقرآن في المصحف، المصحف الذي قال اركون انه تدشين رجال تعمدوا وضع نصوص معينة هي كل المصحف تخدم ايديولوجية الدولة!!!
هذا هو (الكتاب) الأيديولوجي!
ويتعلق أمر القرآن الطازج والمطلق عند اركون(ايضا) بمااكتشفته بعض العلوم الأنثربولوجية والإجتماعية من ان العقل الاسطوري متعلق دوما منذ الأزل بخيالات بشرية تواقة إلى عالم متسامي!، وأن هذا العقل لايختلف في منطقه عن العقل العلمي!، ثم في نفس الوقت يتهم التجربة من خلال صراعاتها لكن يمدحها من خلال روحانيتها... ومن هنا يدعو إلى احترام الدين.. على أن يكون في اشواقه الروحية وشعائره التي لاتتعدى حدود عمل الروح والخيال.. اما الواقع وصراعاته فقد كشفت الحداثة المؤامرات والتلاعبات في النصوص وفي المصجف وفي تجربة المدينة.. وعلى ذلك فليترك الدين العالم المادي للعلمانية والحداثة الجديدة.. قال اركون ان العلم الحديث :"اعترف بالأسطورة أو بالمتخيل كحقيقة واقعة، ويدرجها داخل نظام العقلانية ويُدجنها ما إذا جاز التعبير "(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص 328) ويقول أيضا:"... العمليات النفسية التي يموضعها القرآن في القلب، والتي يحاول علم الأنتربولوجيا الحالي إعادة الاعتبار لها وادخالها تحت اسم المخيال أو المتخيل"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص 84)
ومعلوم ان اركون استفاد من تفسير معنى الاسطورة من كلود ليفي شترواس، وفي ذلك يقول هاشم صالح تعليقا على استخدام اركون لنص شتروس عن الاسطورة:" هاتان العبارتان الموضوعتان بين قوسين هما لكلود ليفي ستراوس في تعريف الأسطورة. فالأسطورة بالمعنى الأنتربولوجي للكلم-هي عبارة عن تجميع ذكي لنتف متفرقة من حكايات قديمة تعود إلى عهود قديمة. ولايهم في الأسطورة مطابقتها للواقع والتاريخ، وإنما في تشكيل "قصر إيديولوجي" منيف وناجح من عناصر متفرقة"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص208) وفي نفس الصفحة يزعم هاشم صالح عن القرآن:"انه قد تأثر بما سبقه من توراة وأناجيل فهذه حقيقة واقعة" واما نص اركون وداخله نص سترواس فهو كالتالي:"أن التاريخ يعلمنا أن الإسلام قد احتفظ بالكثير من الشعائر الخاصة بالدين العربي السابق عليه. فمثلا شعيرة الحج إلى مكة، والإيمان بالجن، والتصورات الاسطورية المشكلة عن الشعوب القديمة، والكثير من القصص ذات العبرة، كل ذلك مرتبط بثقافات سابقة على الإسلام. ولكن القرآن يستولي من جديد على" أنقاض الخطاب الاجتماعي القديم هذا" من أجل بناء"قصر إيديولوجي" جديد، كما تشهد على ذلك سورة أهل الكهف... وبهذا المعنى نقول إن القرآن هو خطاب ذو بنية اسطورية...إني أنتهز هذه المناسة للتأكيد على هذه النقطة لأن كثير من قراء كتبي قد ارتكبوا خطأ فادحا، إذ فهموا الأسطورة بمعنى الحكاية الأسطورية أو الخرافة التي لاأساس لها. وهذا يؤدي بالطبع إلى تدمير الغني الأسطوري للقصص القرآنية"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص 141)
فأركون كما نرى لايقوم بأكثر من عمل تلفيقي مصطنع يجمع بين الإستشراق وخرافاته وعلم الإجتماع الغربي وآخر موضاته الباطلة، والرجل حاول جاهدا أن يخترع المصطلحات المناسبة لتلفيقيته مثل مثلا (التطبيقيات الإسلامية) او( الإسلاميات التطبيقية) أي أنه يطبق تلك المستجدات في عالم الاجتماع والنفس والأنثربولوجيا وغير ذلك على الإسلام والقرآن وماتخيله عنه من نصوص طازجة شفهية(هي القرآن عنده) لم يعد لها وجود بحسب اكتشافاته!!.
يقول هاشم صالح في تعريفها:" يقصد اركون بالإسلاميات التطبيقية تلك المنهجية الجديدة التي اخترعها هو شخصيا لكي يتجاوز منهجية الإسلاميات الكلاسيكية الخاصة بالمستشرقين بعد أن يأخذ كل ماهو مفيد منها للمزيد من الإطلاع انظر بهذا الصدد كل الفصل الأول من كتاب" تاريخية الفكر العربي الإسلامي" وهو بعنوان" نحو إسلاميات تطبيقية. أي في الواقع تطبيق علوم الإنسان والمجتمع على دراسة الإسلام"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد(هامش) ص 193)
ثم انه راح يطبق نتائجه الظالمة المتعسفة ويستخلصها بقوله أن الرهان الديني : ( يمارس قوله في كل الخطاب القرآني على هيئة دكتاتورية الغاية والنهاية المطلقة"(الفكر الإسلامي،قراءة علمية لأركون،ص 96)
فهذه القراءة إنما هي انعكاس لتصور أركون المادي عن موقف الإسلام من قريش وحربها على الإسلام وجشعها المادي.
أما الذي دعا أركون إلى وضع مصطلحات لاتليق بعلوم القرآن وحقيقته المنزله وشرائعه الفريدة فهو محاولته أولا: تفريغ الإسلام من حقائقه التي نزل بها، ولقد فضح الله عز وجل هؤلاء الذين لايعلمون والذين يفترون بقوله" وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59)" وفي الحقيقة فإنهم هم المبطلون وليس الإسلام الملئ بالمعاني الحقة ، والأسماء الصدق، قال تعالى" وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ"
وثانيا محاولة منه لإتهام القرآن المكتوب بما إتهمت به المناهج الغربية النصوص القديمة أو إسقاطه لتلك التفسيرات والتقسيمات(تراث شفهي-تراث مكتوب) على القرآن المجيد ، إنها عملية قسرية لتفسيرات علمانية لتراثات الأمم الماضية على القرآن الكريم..أي ماأطلقوا عليه(التراث الشفهي) و(التراث المكتوب) وبعد إجراء عملية التقسيم(شفهي-مكتوب) راح يدعي أن كتابة المصحف(المكتوب) أدى إلى تلاعب بالمؤمنين لأجل تدشين إيديولوجيا مغلقة وخاطئة معا.
وحيلة أركون هي الهجوم على المكتوب ومدح الشفهي مادام ينفتح على المطلق ولاشأن له بعالم الإنسان وإدارته!
وهنا تظهر فكرته عن مااطلق عليه عملية (إصلاح الإسلام!)
فيُبقي (الشفهي!) مع أنه لايشير ماهو!، ويهجم على (المكتوب) محاولا هدم المرجعية وهز الثقة في ماإتفقت عليه الأمة بالحق..
هنا تفتقت ذهنيته عن مصطلحات ملائمة لما هو مقبل عليه!
فهو من جهة راح يتكلم بمصطلحات مخترعة متسللا بها للتلبيس وهدم الحقيقة وإدعاء التنوير، فيتكلم مثلا عن قرآن طازج (وهذا هو مصطلحه) ، شفهي ،قبل المصحف، وغيره، قرآن مفتوح على المطلق ، مفتوح على مطلق المعنى وآفاق الوجود وطبعا هو لايفسر المطلق لا بالغيب ولا بالوحي ولا بالسماء!، وأنك تجده مرة يربطه بالروح المشتاقة، ومرة بالإسطورة، ومرة بالرجوع للنفس والمجتمع والأيديولوجيات المتصارعة داخله ، وهو يقصد أحيانا بالمطلق : :المجهول الذي تحاول النفس استكشافه!، قد تحاول ذلك في ظروف غير علمية ....اسطورية، وأحيانا يصفه بالخيال الرطب (باطلا من الخيال أو إبداعا من الخيال الباطل او غير ذلك كما فسر به أركون مفهوم الخيال بحسب النظريات الحديثة جدا ،النظريات التي فسرت الدين على أنه أشواق وخيال رطب وغير ذلك مما يتعلق بالروح وتطلعاتها.
راح أركون يخترع مفهوم عن القرآن غير مايعبر عنه قرآن الرحمن عز وجل، فصار عنده مايتصوره قرآنا (في عالم الأذهان العلمانية والإستشراقية، وخاصة تصوره هو له) قرآنا غير شفهي(تراث شفهي) غير مكتوب، كما أنه غالبا ليس هو المكتوب(في المصحف!)، اطلق عليه (طزاجة القرآن)، ولم يفصح لنا عن مضمون هذا القرآن الشفهي غير المكتوب وآياته المعينة!،بيد أن المهم عنده أن يظل هذا المعنى مفتوحا على التفسيرات العلمانية والنظريات المخترعة في عالم الموضة الغربية في مجالات الأنتربولوجيا وعلم النفس والمجتمع، مفتوحا من جهة على آفاق الوجود!!،على ماتتصوره العلمانية اخيرا عن الدين ومصدره!، ومن جهة أخرى على الأسطورة والخيال الرطب، وقد قام أركون بهذه المحاولة لترسيخ معنيين باطلين ،على الأقل، عند قراءه، المعنى الأول هو أنه كان هناك قرآن مفتوح على المطلق لم يعد له وجود،(واحيانا يصف الإسلام القرآني بذلك!) كان فيه أشواق الروح وقد قدم بهذه المقدمة ليسهُل له إتهام القرآن المكتوب بين الدفتين ألا وهو المصحف!، بأنه القرآن الإيديولوجي، الذي أغلقته المؤسسة السياسية لأغراض سياسية!، فمدح الأول مع أنه لاوجود له إلا في ذهنه(وهو إنما يفعل ذلك ليقول إن هناك إصلاحا تنويرا ممكنا داخل الإسلام كما كان من قبل في المسيحية)، وذم الثاني ورماه بالأيديولوجيا المتلاعبة بالوقائع!، المستبدة المتشنجة!، غير أنك إذا سألته ماهو هذا القرآن الطازج وعلى ماذا كان يدل؟ وماهي نصوصه ومفاهيمه وحقائقه ودلالاته التي فهمها هو نفسه-أي أركون- وعبر عنها بلظ (الطزاجة) إذا سألته عن ذلك فلن تجد له جوابا،ولا أظن أنه كان عنده جوابا داخليا، فالإجابة بالنسبة له غامضة باهتة، لقد حاول فقط إنتزاع الإتهامات في ظل تطبيقات عاثرة ومصطلحات غير مطابقة، فهو لم يجد بين يديه إلا أوصاف غائمة كأنه يصف صوفيه هندية أو رهبانية لاتعرف من الحياة إلا دير منغلق على صاحبه لاشأن للدنيا به ولا شأن له بالدنيا. فكلمات مثل الإنفتاح على المطلق والأشواق والوجود وآفاقه!،لاتعني في الإسلام معنى مفهوما مقبوضا عليه، واضح الملامح والمعاني، وإنك أحيانا تفهم من فكرته المخترعة عنده أن ظزاجة القرآن تعني مراوغة المعنى وانفتاحه على اي معنى لايتحدد على فكرة محددة او عقيدة ثابتة فأركون يرمي مفاهيم الثبات في الاسلام بأنها من اختراع العلماء والفقهاء...ولذلك فإما يفتح القرآن على آفاق روحانية هائمة في الخيال، أو على الأسطورة ووقائعها وارتباطاتها مع المال والكهانة والإستغلال الإنساني والسياسي.
يقول هاشم صالح تعليقا:" الفكرة المركزية لأركون هنا تتلخص في مايلي: القرآن كتاب الوحي، والوحي ذو لغة مجازية ورمزية منفتحة على شتي الآفاق، على كل الإحتمالات والدلالات. وبالتالي فلايجوز تحويل هذه اللغة العالية والمتعالية إلى لغة فقهية قانونية ضيقة، والقول إنه لامعنى لها. هذا تقييد للمعنى المجازي، وحصر للرمز، وفي نهاية المطاف خنق للفكر وحرية الفكر... وهكذا تتم عملية ايقاف الوحي الذي لاينبغي ألا يتوقف لأنه مفتوح على مطلق المعنى وآفاق الوجود"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ،هامش) ص 218) ) مع انهما هاشم واركون يطلقان على لغة القرآن ،من جهة ، لغة التحيز والتضليل كما فعل أركون مع مفاهيم سورة التوبة وموقف الإسلام من جاهلية العرب.
فأركون لم يكن يعرف معنى كليا لماحاكه في صدره ،لقد أراد أن يطبق على مفهوم الدين ذلك المفهوم الحديث الذي يضع (الدين) في الطزاجة والأشواق والخيال البشري والبحث عن المطلق (بعيدا نوعا ما عن نظريات وضع الدين كخرافة مخالفة للعلم ولطبيعة الإنسان وهي نظرة القرن التاسع عشر للدين، وفي نفس الوقت أراد أن يجد سبيلا إلى رفض الدين، خصوصا الإسلام، بصفته سلطة عليا في المجتمع والدولة، في القانون والشريعة!، كمقدس له سلطة على الحياة!،فهو يعكس مبدئيا المفهوم المادي الحديث للدين على الإسلام ويعتبر أنه الطريق لإصلاح الإسلام من الداخل، بيد أن ذلك جعله يحاول بتر حقيقة الإسلام وطبيعة الوحي الرباني والقرآن الذي أنزل بمبادئ للحياة تختلف عن ماعرفته البشرية من أديان روحانية منحرفة أو سماوية أصابها الخلل والتحوير، ومع ذلك تبقى محاولة تطبيق المصطلح متعسفة وباهتة وغامضة وغير متكاملة المعنى، فهو أولا –كما قلت-لم يحدد لنا ماهو هذا القرآن الذي يشير إليه بهذا اللفظ (طزاجة القرآن) مع العلم أنه ينفي هذا المعنى ،غالبا، عن المصحف، وكأن القرآن إختفى من القرآن ولم يبق في القرآن إلا ماهو ليس بقرآن!!، أو كأن الصحابة والدولة الأموية من بعدهم قاموا بعملية فرز بين الطازج وغير الطازج!، وهو من جهة أخرى لايتكلم عن المصحف إلا بنفس إتهامات المستشرقين له، من أنه مصحف الدولة الأموية ومن قبلها من أصحاب الأغراض الإيديولوجية! ، وأن هناك سور وآيات حذفت ولم توضع في المصحف!، وقد يضع تلك المجموعة من الإتهامات في سياق اتهامات أخرى ، أكثر حداثة، تحت مصطلح آخر لايدل على ضيق الإتهام الإستشراقي ،(بحسب أركون) غير المنفتح على الدراسات المادية الحديثة، فتراه يشير إلى خطاب قرآني شفوي مفتوح!!، فهذا الخطاب المفتوح –عند أركون-هو مفتوح على كل الدلالات!،(وطبعا يقصد بمفهوم الدلالات: الدلالات التي تنتجها المذاهب الحديثة لتحليل الأشياء والنصوص ) وبينما يبدو احيانا في مواضع من كلامه أنه يمدح القرآن بذلك تجد ان القصد في الباطن ذمه وهدمه ، فإذا كان ذلك مختبئ وراء وصف المدح ، فكيف وصف الذم المباشر؟
كما أن الرجل إذا تكلم عن المصحف ، لم يقل عنه ، غالبا، انه مفتوح على كل الدلالات الكونية والآفاق الوجودية! ، وأحيانا يقول ذلك إذا أراد الكلام عن الإصلاح التنويري في عالم الإسلام!
والسؤال الآن: هل ينفتح نص مغلق-وهذا هو إتهام أركون للقرآن الذي بين دفتي المصحف- على دلالات لاحدود لها، من آفاق الوجود .فكيف يكون على هذا الوجه منغلقا وهو مفتوح على مصراعيه لأي إكتشاف أو حتى للمعاني الروحية الرحبة!!، وفي الحقيقة فإنها كلها إتهامات عبثية تحاول ان تنفي علاقة القرآن بعالم الواقع وسلطة الحياة، إنه من جهة أخرى يجعل معنى الخطاب المفتوح هو إنفتاحه أو قبوله للتفسيرات التي تضعه في مصاف النصوص التاريخية التي أفرزتها البيئات والأساطير!! قال في كتابه الفكر الإسلامي نقد واجتهاد (ص175) :" وأنا إذ أتحدث عن وجود خطاب قرآني مفتوح معرفيا...أتصور القرآن على هيئة فضاء لغوي تشتغل فيه عدة أنماط من الخطاب(الخطاب النبوي، والخطاب التشريعي، والخطاب القصصي، والخطاب الوعظي، والأمثال...). فهذه الخطابات تشتغل في القرآن في ذات الوقت وتتقاطع أيضا.(أنظر بهذا الصدد كتابي: قراءات في القرآن).أن التحليل اللغوي والسيميائي البحت لهذه الخطابات يتيح لنا أن نستخرج البنية الأسطورية المركزية للقرآن، هذه البنية التي تستخدم الرمز والمجاز من أجل أن تخلع على العبارات القرآنية إمكانات افتراضية عديدة للمعنى والدلالة"
فهو خطاب مفتوح يقوم اركون بنقده،وإرجاعه إلى بنية اسطورية، وهنا لا يفسر مسألة ( الخطاب المفتوح) بالمعنى الذي يقول انه منفتح على المطلق والتطلع للمجهول بل انه يُغيب عن القارئ هذا المعنى (مؤقتا إلى أن يرجع إليه في مواضع أخرى يتيمة) ليقول انه منفتح على الثقافي واللغوي والرمزي المجازي والإسطوري فقط، وهو بذلك لا يتهم الوحي فقط، وإنما يتهم النفس بإن لها خيال ديني باطل ، تفضحه اللغة وتكشفه المكتسيات الحديثة.
فأركون لم يفسر فكرة الطزاجة و المطلق (الفكرة الحديثة في عالم الإكتشافات اليتيمة الغربية) اللهم إلا أنه يرجعه من ناحية إلى طلاقة الخيال وباطله المسكن للنفس!، وانفتاحه على مجالات الروح واشواقها الاسطورية!
وكما ترى فإنها كلمات عامة غامضة (طزاجة-شفوية-مطلق) ،إلا أنها مرتبطة بآخر التفسيرات الغربية للنصوص والوجود وأشواق النفس!
ومع ذلك يمدح أركون-في مواضع- آيات من المصحف، وكأنها فلتت -عنده!- من الإيديولوجيا؟ انه يريد ان يفتح المعنى القرآني على اي معنى بحجة انفتاح الدلالات ، الدلالات التي يغلقها على منتجات التفاسير العلمانية الحديثة(المنغلقة ماديا!) بينما هو يهدم تفاسير القرآن الكريم، ويهين اللمفسرين ويتهمهم بكل صور الجهل والغباء المعرفي.
لقد وصل الأمر عند أركون بإلقاء القرآن في عالم الأسطورة وتعمد التحريف والبغي على قريش والعرب وأن الرسول محمد كقوة مناهضة لقوة قريش عزل وأخفى طبيعة الصراع المادية والإجتماعية بينه وبين قريش، وأن القرآن سجل الوقائع بظلم للقوى المناهضة لمحمد ومن معه ورماه بأنه خطاب سلطوي ، غير عادل (انظر كتابه تاريخية الفكر العربي الإسلامي ص 265،166، والنص في كتابنا أقطاب العلمانية ص 175)
هنا يضع اركون مصطلح(الخطاب القرآني المفتوح!) وكأنه يفتحه-من جهة- على الثقافي والإجتماعي وصراعات أرضية على هيمنة نفوس وإيديولوجيات، ومن جهة أخرى على الخرافة وأباطيل النفس وخيالاتها الرطبة المزعومة بالصورة الغربية والأركونية!
فأين الطزاجة التي حاول اركون أن يمدحها في القرآن الشفوي،الذي زعم أن الدولة الأموية أغلقته وسجلته منغلقا، مع إتهام القرآن نفسه بالتلاعب بالوقائع واتهامه برمزية خرافية واسطورية
لذلك قلت إن الأمور غائمة في نفس محمد اركون،وهو وإن كان قد صك بعض المصطلحات الخاصة بموقفه هو من الإسلام إلا أن وضوح الفكرة ليست ليست بالدرجة التي يظنها أتباعه.. وسبب ذلك انه يحاول تنزيل أفكار ونظريات حديثة على القرآن ونزوله وحقيقته ومعانيه..ليحدث خلخلة! مع عدم قبول القرآن لتلك الأفكار القاصرة والمصطلحات الباطلة، إن غرضه في إحداث خلخلة في مفهوم القرآن ،ويمكن تتبع منهجه وموقفه المسبق من بعض نصوصه الفاضحة ففي كتابه الفكر الإسلامي نقد واجتهاد يذكر اركون ان من المشاكل التي يجب على المفكر النقدي حلها هي:" مسألة تاريخ النص القرآني وتشكله...ثم مسألة الوحي... وكل هذه المسائل العديدة والتساؤلات لم تُمس الا مسا خفيفا من قبل الفكر القروسطوي أو البحث الأكاديمي الإستشراقي(الذي اهتم بشكل خاص بدراسة تاريخ النص القرآني..."(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص17)
فما فعله هو أنه حاول تطبيق بعض الأفكار الفلسفية (لمابعد الإستشراق والحداثة)بمصطلحاتها على القرآن، وعلى ماقسمته تلك الفلسفات تحت عنوان(تراث شفهي-تراث كتابي) او انفتاح الديني والاسطوري على (المطلق) بإعتبار أنه شوق الروح إلى المطلق بمزيته ودلالاته!
وكمحاولة ساذجة من اركون ،أقل مايقال عنها، انها يعوزها الإنسجام، ويحيط بها التناقض، هو تفريقه بين القرآن ك"نص" والقرآن ك "خطاب" (وهي مصطلحاته على كل حال) يقول:" فالفكرة الأساسية تكمن في التلاوة المطابقة للخطاب المسموع لا المقروء. ولهذا السبب بالذات أفضل التحدث شخصيا عن الخطاب القرآني، وليس النص القرآني، عندما أصف المرحلة الأولية للتلفظ (او التنصيص) من قبل النبي. ذلك أن مرحلة الكتابة ( أي كتابة الخطاب القرآني) قد جاءت في مابعد في ظل الخليفة الثالث عثمان (بين عامي 645-656م). ولاريب في أن التمييز بين مفهومي الخطاب والنص يتخد أهمية أكبر على ضوء الألسنيات الحديثة(وأحب أن أُحيل القاريء، هنا، إلى كتابي قراءات في القرآن)"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص73)
وهكذا فغموض الفكرة وتناقضاتها الداخلية تلف عمل أركون التلفيقي
كذلك ،فعملية الإسقاط الأركونية لمااعترى فكره من أفكار عن القرآن بدأت واستمرت معه حتى النهاية إلا أنها كما قلنا لم تكن –لافي مصطلحاتها ولا في تطبيقاتها-بالوضوح الكامل لديه وإلا فكما قلنا ماهو القرآن الطازح المفتوح على كل الدلالات كما يزعم اركون، وأين هو؟ فوصفه يعني وضع اليد عليه من قبل خبير في عالم الإركيولوجيا، خبير يقوده الطيش والتسرع في حك مصطلحات والقيام بتطبيقات خائبة كبديل حداثي عن مناهج المستشرقين الباطلة والنص التالي يبين قصدنا، يقول:" حالتي أنا، كان التحرير الفكري والعقلي للجزائريين ولعموم المسلمين:" وعندما أصبحت مدرسا في السوربون في بداية الستينات اتبعت فورا(!) المنهجيات التي تختلف جذريا عن منهجيات المستشرقين."الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص264) فقد راح اركون وقد عرف هدفه الذي كان يحاول دائما ان يجد له مناهج غربية معينة ففي البداية كان يقرأ على طلبته نصوصا من كتب روبير ماندرو(منذ عام 1960)، يقول:" وأنت تعرف أن ماندرو من جماعة" التاريخ الجديد" في فرنسا، أي جماعة مدرسة الحوليات...ثم طرأت في مابعد أثناء مساري العلمي مشكلة أخرى تخص النص القرآني وكيفية تشكله وفهمه. فبعد أن أتممت أطروحتي عن" الإنسية العربية في القرن الرابع الهجري" واستكملت دراسة الفكر الإسلامي الكلاسيكي بدا لي أنه ينبغي أن أعود إلى الوراء، أي إلى لحظة القرآن التأسيسية لكي أفهم الأمور على وجهها الصحيح، ولكي تكون دراستي لتاريخ الفكر الإسلامي مرتكزة على أسس قويمة ومتينة"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص266)
يفهم الأمور على ماانتهت إليه قراءاته العلمانية وليس كما عليه الأمور على حقيقتها.
ومثل الطزاجة موضوع المطلق، وآفاق الوجود!، فاركون يريد من جهة أن يصب مااسماها بتجربة محمد مع المطلق لكن في (الموضوع الغربي المكتشف حديثا)وهو اشتياق الروح للمطلق، (البراءة الساذجة الموجودة عند الإنسان!) ونفي نفس الوقت إتهم الرسول بأنه (بتجربة المدينة) قام بمؤامرة وتحريف واغتيال للعقل العربي المناهض له مع اخفاء لحقيقة الصراع ماجعله يقوم بتلاعبات في النصوص القرآنية المواجهة لقريش ، ولذلك ترى اركون يقوم بتحليل سورة التوبة على هذا الأساس!
وتعجب عندما تجده يقول وكأنه يعرف قرآنا آخر غير الذي نعرفه، مع أنه لايدلنا عليه وإنما كما قلت إنه يعيش على الإسقاطات ومحاولة إختراع فكرة أن هناك قرآن شفوي مفتوح على المطلق وآخر إيديولوجي موجود في مصحف(ومع ذلك يقول عن القرآن ككل!!، وايضا مافي المصحف!!!" من الواضح أن الإسلام القرآني يركز على المطلق والتعالي اكثر بكثير مما يفعله الإسلام الإمبراطوري المهووس بالسلطة وتأسيس الدولة وتشكيل قوة عظمى للمسلمين، الإسلام في القرآن ينفجر كالنور أو كالضياء أو كالشعلة المقدسة، ولا يهتم إطلاقا بالاعتبارات المادية أو السلطوية. إنه تأسيس لعلاقة المعنى وللميثاق الإلهي في اللغة العربية. أما الإسلام الفقهي أو الطقس- الشعائري أو الإمبراطوري، فهو وإن لم يكن قد فقد بعده الديني بعد، إلا أن هموم القوة والتوسع على حساب الآخرين تبدو غالبة عليه " (محمد أركون: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، الطبعة الأولى 1993، ص144.)
إنه مرتبك، ولذلك تراه يتهم مرة مايمكن أن يمدحه مرات أو العكس!!
فالرجل يحاول أن يطبق نظريات ومصطلحات انتجتها بعض المذاهب الأنثربولوجية عن الجماعات البدائية مثل موضوع(الشفهي والكتابي) يطبق ذلك على القرآن، فيقسمه إلى قرآن طازج يتفاعل مع المطلق(ولايشير إلى:اين هو) وقرآن في المصحف، المصحف الذي قال اركون انه تدشين رجال تعمدوا وضع نصوص معينة هي كل المصحف تخدم ايديولوجية الدولة!!!
هذا هو (الكتاب) الأيديولوجي!
ويتعلق أمر القرآن الطازج والمطلق عند اركون(ايضا) بمااكتشفته بعض العلوم الأنثربولوجية والإجتماعية من ان العقل الاسطوري متعلق دوما منذ الأزل بخيالات بشرية تواقة إلى عالم متسامي!، وأن هذا العقل لايختلف في منطقه عن العقل العلمي!، ثم في نفس الوقت يتهم التجربة من خلال صراعاتها لكن يمدحها من خلال روحانيتها... ومن هنا يدعو إلى احترام الدين.. على أن يكون في اشواقه الروحية وشعائره التي لاتتعدى حدود عمل الروح والخيال.. اما الواقع وصراعاته فقد كشفت الحداثة المؤامرات والتلاعبات في النصوص وفي المصجف وفي تجربة المدينة.. وعلى ذلك فليترك الدين العالم المادي للعلمانية والحداثة الجديدة.. قال اركون ان العلم الحديث :"اعترف بالأسطورة أو بالمتخيل كحقيقة واقعة، ويدرجها داخل نظام العقلانية ويُدجنها ما إذا جاز التعبير "(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص 328) ويقول أيضا:"... العمليات النفسية التي يموضعها القرآن في القلب، والتي يحاول علم الأنتربولوجيا الحالي إعادة الاعتبار لها وادخالها تحت اسم المخيال أو المتخيل"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص 84)
ومعلوم ان اركون استفاد من تفسير معنى الاسطورة من كلود ليفي شترواس، وفي ذلك يقول هاشم صالح تعليقا على استخدام اركون لنص شتروس عن الاسطورة:" هاتان العبارتان الموضوعتان بين قوسين هما لكلود ليفي ستراوس في تعريف الأسطورة. فالأسطورة بالمعنى الأنتربولوجي للكلم-هي عبارة عن تجميع ذكي لنتف متفرقة من حكايات قديمة تعود إلى عهود قديمة. ولايهم في الأسطورة مطابقتها للواقع والتاريخ، وإنما في تشكيل "قصر إيديولوجي" منيف وناجح من عناصر متفرقة"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص208) وفي نفس الصفحة يزعم هاشم صالح عن القرآن:"انه قد تأثر بما سبقه من توراة وأناجيل فهذه حقيقة واقعة" واما نص اركون وداخله نص سترواس فهو كالتالي:"أن التاريخ يعلمنا أن الإسلام قد احتفظ بالكثير من الشعائر الخاصة بالدين العربي السابق عليه. فمثلا شعيرة الحج إلى مكة، والإيمان بالجن، والتصورات الاسطورية المشكلة عن الشعوب القديمة، والكثير من القصص ذات العبرة، كل ذلك مرتبط بثقافات سابقة على الإسلام. ولكن القرآن يستولي من جديد على" أنقاض الخطاب الاجتماعي القديم هذا" من أجل بناء"قصر إيديولوجي" جديد، كما تشهد على ذلك سورة أهل الكهف... وبهذا المعنى نقول إن القرآن هو خطاب ذو بنية اسطورية...إني أنتهز هذه المناسة للتأكيد على هذه النقطة لأن كثير من قراء كتبي قد ارتكبوا خطأ فادحا، إذ فهموا الأسطورة بمعنى الحكاية الأسطورية أو الخرافة التي لاأساس لها. وهذا يؤدي بالطبع إلى تدمير الغني الأسطوري للقصص القرآنية"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص 141)
فأركون كما نرى لايقوم بأكثر من عمل تلفيقي مصطنع يجمع بين الإستشراق وخرافاته وعلم الإجتماع الغربي وآخر موضاته الباطلة، والرجل حاول جاهدا أن يخترع المصطلحات المناسبة لتلفيقيته مثل مثلا (التطبيقيات الإسلامية) او( الإسلاميات التطبيقية) أي أنه يطبق تلك المستجدات في عالم الاجتماع والنفس والأنثربولوجيا وغير ذلك على الإسلام والقرآن وماتخيله عنه من نصوص طازجة شفهية(هي القرآن عنده) لم يعد لها وجود بحسب اكتشافاته!!.
يقول هاشم صالح في تعريفها:" يقصد اركون بالإسلاميات التطبيقية تلك المنهجية الجديدة التي اخترعها هو شخصيا لكي يتجاوز منهجية الإسلاميات الكلاسيكية الخاصة بالمستشرقين بعد أن يأخذ كل ماهو مفيد منها للمزيد من الإطلاع انظر بهذا الصدد كل الفصل الأول من كتاب" تاريخية الفكر العربي الإسلامي" وهو بعنوان" نحو إسلاميات تطبيقية. أي في الواقع تطبيق علوم الإنسان والمجتمع على دراسة الإسلام"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد(هامش) ص 193)