غموض مصطلحات اركون في نفسه..كشف من المصطلحات المُلفقة علمانيا، محاولة للكشف!

طارق منينة

New member
إنضم
19/07/2010
المشاركات
6,330
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
غموض مصطلحات اركون في نفسه..كشف من المصطلحات المُلفقة علمانيا

كان أركون قبل موته ، (1928 - 2010) مفكر جزائري/ فرنسي يخترع الألفاظ والمصطلحات التي لم يدري هو نفسه مدى مطابقة كثير من دلالاتها للحقائق الإسلامية التي كان يزيف مصدرها ومعانيها، ومن ثم يقوم بعمل " مغالطة إختزالية"، في صورة إصطلاح، وذلك عند كلامه عن (ماهو القرآن) الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع أوصاف له تناسب عمليات أركون التلفيقية ،كما ان اركون كان يجد صعوبة، يمكن أن يلاحظها أي قارئ لتطبيقاته المتعسفة، في إيجاد مايلبي غرض تلك المصطلحات والتطبيقات في تنزيل تأويلاتها وتطبيق تعسفاتها على القرآن والإسلام والشريعة.
إن العمليات العقلية التي كان يجريها في عقله وينتج عنها مصطلحات، كانت تتم بعد أن يزيف معنى الأسماء والحقائق الإسلامية ويتصورها على غير حقيقتها وبعد أن يختصر العالم والكون والوحي والدين والنفس في تصورات مادية قاصرة لاتمت للحقيقة في شيء، كما أن طيشا دفعه لعمليات تطبيقية متسرعة نتجت عنها إتهاماته الهشة.. وعلى الرغم من أن المصطلح وفر له عمليات عقلية دائمة إلا أن تلك العمليات، لم تكن تامة ومنجزة وصحيحة، كانت تنتابها صور الغموض وذلك لخلل التصور -الذي ظهر ملامحه على المصطلح المضطرب ،الناقص ،الضعيف- صور الغموض والإفتعال التي يمكن ملاحظتها في كثير من مصطلحاته -من عدم المطابقة وعدم صحة التصور للمتقابلات- المنحوتة خصيصا لوصف الإسلام وصفا مزيفا بصورة جوهرية.​

ففي محاولته تطبيق بعض المفاهيم الغربية على القرآن قام بفصل مدلول القرآن عن المصحف المكتوب فيه القرآن المنزل نفسه، محاولا بذلك أن يضع للقرآن الموجود بين دفتين مدلولا مرتبط بجملة من الإتهامات الحداثية والإسقاطات الإيديولوجية ،والنتائج المادية يقول عن الأوصاف التي وردت في سورة التوبة في شأن المشركين : (( نلاحظ أن وصف المعارضين يختزل إلى كلمة واحدة هي : المشركون , لقد رُمُوا كلياً ونهائياً وبشكل عنيف في ساحة الشر, والسلب , والموت دون أن يقدِّم النص القرآني أي تفسير أو تعليل لهذا الرفض والطرد" (الفكر الإسلامي،قراءة علمية لمحمد أركون،ص96)، وهو كذب مفضوح فالقرآن نفسه ذكر في كثير من الآيات الأسباب العديدة لإجرام قريش، واستغلالها البشع للبشر واحتقارها للحقيقة، بيد أن أركون أغفل هذا كله وراح يبني على مجموعة افتراءاته –كما بينت في الأقطاب 1- أن هذا الفعل من القرآن إنما هو ( تشنجات قاسية " (الفكر الإسلامي ص96)
ثم انه راح يطبق نتائجه الظالمة المتعسفة ويستخلصها بقوله أن الرهان الديني : ( يمارس قوله في كل الخطاب القرآني على هيئة دكتاتورية الغاية والنهاية المطلقة"(الفكر الإسلامي،قراءة علمية لأركون،ص 96)
فهذه القراءة إنما هي انعكاس لتصور أركون المادي عن موقف الإسلام من قريش وحربها على الإسلام وجشعها المادي.
أما الذي دعا أركون إلى وضع مصطلحات لاتليق بعلوم القرآن وحقيقته المنزله وشرائعه الفريدة فهو محاولته أولا: تفريغ الإسلام من حقائقه التي نزل بها، ولقد فضح الله عز وجل هؤلاء الذين لايعلمون والذين يفترون بقوله" وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59)" وفي الحقيقة فإنهم هم المبطلون وليس الإسلام الملئ بالمعاني الحقة ، والأسماء الصدق، قال تعالى" وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ"
وثانيا محاولة منه لإتهام القرآن المكتوب بما إتهمت به المناهج الغربية النصوص القديمة أو إسقاطه لتلك التفسيرات والتقسيمات(تراث شفهي-تراث مكتوب) على القرآن المجيد ، إنها عملية قسرية لتفسيرات علمانية لتراثات الأمم الماضية على القرآن الكريم..أي ماأطلقوا عليه(التراث الشفهي) و(التراث المكتوب) وبعد إجراء عملية التقسيم(شفهي-مكتوب) راح يدعي أن كتابة المصحف(المكتوب) أدى إلى تلاعب بالمؤمنين لأجل تدشين إيديولوجيا مغلقة وخاطئة معا.
وحيلة أركون هي الهجوم على المكتوب ومدح الشفهي مادام ينفتح على المطلق ولاشأن له بعالم الإنسان وإدارته!
وهنا تظهر فكرته عن مااطلق عليه عملية (إصلاح الإسلام!)
فيُبقي (الشفهي!) مع أنه لايشير ماهو!، ويهجم على (المكتوب) محاولا هدم المرجعية وهز الثقة في ماإتفقت عليه الأمة بالحق..
هنا تفتقت ذهنيته عن مصطلحات ملائمة لما هو مقبل عليه!
فهو من جهة راح يتكلم بمصطلحات مخترعة متسللا بها للتلبيس وهدم الحقيقة وإدعاء التنوير، فيتكلم مثلا عن قرآن طازج (وهذا هو مصطلحه) ، شفهي ،قبل المصحف، وغيره، قرآن مفتوح على المطلق ، مفتوح على مطلق المعنى وآفاق الوجود وطبعا هو لايفسر المطلق لا بالغيب ولا بالوحي ولا بالسماء!، وأنك تجده مرة يربطه بالروح المشتاقة، ومرة بالإسطورة، ومرة بالرجوع للنفس والمجتمع والأيديولوجيات المتصارعة داخله ، وهو يقصد أحيانا بالمطلق : :المجهول الذي تحاول النفس استكشافه!، قد تحاول ذلك في ظروف غير علمية ....اسطورية، وأحيانا يصفه بالخيال الرطب (باطلا من الخيال أو إبداعا من الخيال الباطل او غير ذلك كما فسر به أركون مفهوم الخيال بحسب النظريات الحديثة جدا ،النظريات التي فسرت الدين على أنه أشواق وخيال رطب وغير ذلك مما يتعلق بالروح وتطلعاتها.
راح أركون يخترع مفهوم عن القرآن غير مايعبر عنه قرآن الرحمن عز وجل، فصار عنده مايتصوره قرآنا (في عالم الأذهان العلمانية والإستشراقية، وخاصة تصوره هو له) قرآنا غير شفهي(تراث شفهي) غير مكتوب، كما أنه غالبا ليس هو المكتوب(في المصحف!)، اطلق عليه (طزاجة القرآن)، ولم يفصح لنا عن مضمون هذا القرآن الشفهي غير المكتوب وآياته المعينة!،بيد أن المهم عنده أن يظل هذا المعنى مفتوحا على التفسيرات العلمانية والنظريات المخترعة في عالم الموضة الغربية في مجالات الأنتربولوجيا وعلم النفس والمجتمع، مفتوحا من جهة على آفاق الوجود!!،على ماتتصوره العلمانية اخيرا عن الدين ومصدره!، ومن جهة أخرى على الأسطورة والخيال الرطب، وقد قام أركون بهذه المحاولة لترسيخ معنيين باطلين ،على الأقل، عند قراءه، المعنى الأول هو أنه كان هناك قرآن مفتوح على المطلق لم يعد له وجود،(واحيانا يصف الإسلام القرآني بذلك!) كان فيه أشواق الروح وقد قدم بهذه المقدمة ليسهُل له إتهام القرآن المكتوب بين الدفتين ألا وهو المصحف!، بأنه القرآن الإيديولوجي، الذي أغلقته المؤسسة السياسية لأغراض سياسية!، فمدح الأول مع أنه لاوجود له إلا في ذهنه(وهو إنما يفعل ذلك ليقول إن هناك إصلاحا تنويرا ممكنا داخل الإسلام كما كان من قبل في المسيحية)، وذم الثاني ورماه بالأيديولوجيا المتلاعبة بالوقائع!، المستبدة المتشنجة!، غير أنك إذا سألته ماهو هذا القرآن الطازج وعلى ماذا كان يدل؟ وماهي نصوصه ومفاهيمه وحقائقه ودلالاته التي فهمها هو نفسه-أي أركون- وعبر عنها بلظ (الطزاجة) إذا سألته عن ذلك فلن تجد له جوابا،ولا أظن أنه كان عنده جوابا داخليا، فالإجابة بالنسبة له غامضة باهتة، لقد حاول فقط إنتزاع الإتهامات في ظل تطبيقات عاثرة ومصطلحات غير مطابقة، فهو لم يجد بين يديه إلا أوصاف غائمة كأنه يصف صوفيه هندية أو رهبانية لاتعرف من الحياة إلا دير منغلق على صاحبه لاشأن للدنيا به ولا شأن له بالدنيا. فكلمات مثل الإنفتاح على المطلق والأشواق والوجود وآفاقه!،لاتعني في الإسلام معنى مفهوما مقبوضا عليه، واضح الملامح والمعاني، وإنك أحيانا تفهم من فكرته المخترعة عنده أن ظزاجة القرآن تعني مراوغة المعنى وانفتاحه على اي معنى لايتحدد على فكرة محددة او عقيدة ثابتة فأركون يرمي مفاهيم الثبات في الاسلام بأنها من اختراع العلماء والفقهاء...ولذلك فإما يفتح القرآن على آفاق روحانية هائمة في الخيال، أو على الأسطورة ووقائعها وارتباطاتها مع المال والكهانة والإستغلال الإنساني والسياسي.
يقول هاشم صالح تعليقا:" الفكرة المركزية لأركون هنا تتلخص في مايلي: القرآن كتاب الوحي، والوحي ذو لغة مجازية ورمزية منفتحة على شتي الآفاق، على كل الإحتمالات والدلالات. وبالتالي فلايجوز تحويل هذه اللغة العالية والمتعالية إلى لغة فقهية قانونية ضيقة، والقول إنه لامعنى لها. هذا تقييد للمعنى المجازي، وحصر للرمز، وفي نهاية المطاف خنق للفكر وحرية الفكر... وهكذا تتم عملية ايقاف الوحي الذي لاينبغي ألا يتوقف لأنه مفتوح على مطلق المعنى وآفاق الوجود"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ،هامش) ص 218) ) مع انهما هاشم واركون يطلقان على لغة القرآن ،من جهة ، لغة التحيز والتضليل كما فعل أركون مع مفاهيم سورة التوبة وموقف الإسلام من جاهلية العرب.
فأركون لم يكن يعرف معنى كليا لماحاكه في صدره ،لقد أراد أن يطبق على مفهوم الدين ذلك المفهوم الحديث الذي يضع (الدين) في الطزاجة والأشواق والخيال البشري والبحث عن المطلق (بعيدا نوعا ما عن نظريات وضع الدين كخرافة مخالفة للعلم ولطبيعة الإنسان وهي نظرة القرن التاسع عشر للدين، وفي نفس الوقت أراد أن يجد سبيلا إلى رفض الدين، خصوصا الإسلام، بصفته سلطة عليا في المجتمع والدولة، في القانون والشريعة!، كمقدس له سلطة على الحياة!،فهو يعكس مبدئيا المفهوم المادي الحديث للدين على الإسلام ويعتبر أنه الطريق لإصلاح الإسلام من الداخل، بيد أن ذلك جعله يحاول بتر حقيقة الإسلام وطبيعة الوحي الرباني والقرآن الذي أنزل بمبادئ للحياة تختلف عن ماعرفته البشرية من أديان روحانية منحرفة أو سماوية أصابها الخلل والتحوير، ومع ذلك تبقى محاولة تطبيق المصطلح متعسفة وباهتة وغامضة وغير متكاملة المعنى، فهو أولا –كما قلت-لم يحدد لنا ماهو هذا القرآن الذي يشير إليه بهذا اللفظ (طزاجة القرآن) مع العلم أنه ينفي هذا المعنى ،غالبا، عن المصحف، وكأن القرآن إختفى من القرآن ولم يبق في القرآن إلا ماهو ليس بقرآن!!، أو كأن الصحابة والدولة الأموية من بعدهم قاموا بعملية فرز بين الطازج وغير الطازج!، وهو من جهة أخرى لايتكلم عن المصحف إلا بنفس إتهامات المستشرقين له، من أنه مصحف الدولة الأموية ومن قبلها من أصحاب الأغراض الإيديولوجية! ، وأن هناك سور وآيات حذفت ولم توضع في المصحف!، وقد يضع تلك المجموعة من الإتهامات في سياق اتهامات أخرى ، أكثر حداثة، تحت مصطلح آخر لايدل على ضيق الإتهام الإستشراقي ،(بحسب أركون) غير المنفتح على الدراسات المادية الحديثة، فتراه يشير إلى خطاب قرآني شفوي مفتوح!!، فهذا الخطاب المفتوح –عند أركون-هو مفتوح على كل الدلالات!،(وطبعا يقصد بمفهوم الدلالات: الدلالات التي تنتجها المذاهب الحديثة لتحليل الأشياء والنصوص ) وبينما يبدو احيانا في مواضع من كلامه أنه يمدح القرآن بذلك تجد ان القصد في الباطن ذمه وهدمه ، فإذا كان ذلك مختبئ وراء وصف المدح ، فكيف وصف الذم المباشر؟
كما أن الرجل إذا تكلم عن المصحف ، لم يقل عنه ، غالبا، انه مفتوح على كل الدلالات الكونية والآفاق الوجودية! ، وأحيانا يقول ذلك إذا أراد الكلام عن الإصلاح التنويري في عالم الإسلام!
والسؤال الآن: هل ينفتح نص مغلق-وهذا هو إتهام أركون للقرآن الذي بين دفتي المصحف- على دلالات لاحدود لها، من آفاق الوجود .فكيف يكون على هذا الوجه منغلقا وهو مفتوح على مصراعيه لأي إكتشاف أو حتى للمعاني الروحية الرحبة!!، وفي الحقيقة فإنها كلها إتهامات عبثية تحاول ان تنفي علاقة القرآن بعالم الواقع وسلطة الحياة، إنه من جهة أخرى يجعل معنى الخطاب المفتوح هو إنفتاحه أو قبوله للتفسيرات التي تضعه في مصاف النصوص التاريخية التي أفرزتها البيئات والأساطير!! قال في كتابه الفكر الإسلامي نقد واجتهاد (ص175) :" وأنا إذ أتحدث عن وجود خطاب قرآني مفتوح معرفيا...أتصور القرآن على هيئة فضاء لغوي تشتغل فيه عدة أنماط من الخطاب(الخطاب النبوي، والخطاب التشريعي، والخطاب القصصي، والخطاب الوعظي، والأمثال...). فهذه الخطابات تشتغل في القرآن في ذات الوقت وتتقاطع أيضا.(أنظر بهذا الصدد كتابي: قراءات في القرآن).أن التحليل اللغوي والسيميائي البحت لهذه الخطابات يتيح لنا أن نستخرج البنية الأسطورية المركزية للقرآن، هذه البنية التي تستخدم الرمز والمجاز من أجل أن تخلع على العبارات القرآنية إمكانات افتراضية عديدة للمعنى والدلالة"
فهو خطاب مفتوح يقوم اركون بنقده،وإرجاعه إلى بنية اسطورية، وهنا لا يفسر مسألة ( الخطاب المفتوح) بالمعنى الذي يقول انه منفتح على المطلق والتطلع للمجهول بل انه يُغيب عن القارئ هذا المعنى (مؤقتا إلى أن يرجع إليه في مواضع أخرى يتيمة) ليقول انه منفتح على الثقافي واللغوي والرمزي المجازي والإسطوري فقط، وهو بذلك لا يتهم الوحي فقط، وإنما يتهم النفس بإن لها خيال ديني باطل ، تفضحه اللغة وتكشفه المكتسيات الحديثة.
فأركون لم يفسر فكرة الطزاجة و المطلق (الفكرة الحديثة في عالم الإكتشافات اليتيمة الغربية) اللهم إلا أنه يرجعه من ناحية إلى طلاقة الخيال وباطله المسكن للنفس!، وانفتاحه على مجالات الروح واشواقها الاسطورية!
وكما ترى فإنها كلمات عامة غامضة (طزاجة-شفوية-مطلق) ،إلا أنها مرتبطة بآخر التفسيرات الغربية للنصوص والوجود وأشواق النفس!
ومع ذلك يمدح أركون-في مواضع- آيات من المصحف، وكأنها فلتت -عنده!- من الإيديولوجيا؟ انه يريد ان يفتح المعنى القرآني على اي معنى بحجة انفتاح الدلالات ، الدلالات التي يغلقها على منتجات التفاسير العلمانية الحديثة(المنغلقة ماديا!) بينما هو يهدم تفاسير القرآن الكريم، ويهين اللمفسرين ويتهمهم بكل صور الجهل والغباء المعرفي.
لقد وصل الأمر عند أركون بإلقاء القرآن في عالم الأسطورة وتعمد التحريف والبغي على قريش والعرب وأن الرسول محمد كقوة مناهضة لقوة قريش عزل وأخفى طبيعة الصراع المادية والإجتماعية بينه وبين قريش، وأن القرآن سجل الوقائع بظلم للقوى المناهضة لمحمد ومن معه ورماه بأنه خطاب سلطوي ، غير عادل (انظر كتابه تاريخية الفكر العربي الإسلامي ص 265،166، والنص في كتابنا أقطاب العلمانية ص 175)
هنا يضع اركون مصطلح(الخطاب القرآني المفتوح!) وكأنه يفتحه-من جهة- على الثقافي والإجتماعي وصراعات أرضية على هيمنة نفوس وإيديولوجيات، ومن جهة أخرى على الخرافة وأباطيل النفس وخيالاتها الرطبة المزعومة بالصورة الغربية والأركونية!
فأين الطزاجة التي حاول اركون أن يمدحها في القرآن الشفوي،الذي زعم أن الدولة الأموية أغلقته وسجلته منغلقا، مع إتهام القرآن نفسه بالتلاعب بالوقائع واتهامه برمزية خرافية واسطورية
لذلك قلت إن الأمور غائمة في نفس محمد اركون،وهو وإن كان قد صك بعض المصطلحات الخاصة بموقفه هو من الإسلام إلا أن وضوح الفكرة ليست ليست بالدرجة التي يظنها أتباعه.. وسبب ذلك انه يحاول تنزيل أفكار ونظريات حديثة على القرآن ونزوله وحقيقته ومعانيه..ليحدث خلخلة! مع عدم قبول القرآن لتلك الأفكار القاصرة والمصطلحات الباطلة، إن غرضه في إحداث خلخلة في مفهوم القرآن ،ويمكن تتبع منهجه وموقفه المسبق من بعض نصوصه الفاضحة ففي كتابه الفكر الإسلامي نقد واجتهاد يذكر اركون ان من المشاكل التي يجب على المفكر النقدي حلها هي:" مسألة تاريخ النص القرآني وتشكله...ثم مسألة الوحي... وكل هذه المسائل العديدة والتساؤلات لم تُمس الا مسا خفيفا من قبل الفكر القروسطوي أو البحث الأكاديمي الإستشراقي(الذي اهتم بشكل خاص بدراسة تاريخ النص القرآني..."(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص17)
فما فعله هو أنه حاول تطبيق بعض الأفكار الفلسفية (لمابعد الإستشراق والحداثة)بمصطلحاتها على القرآن، وعلى ماقسمته تلك الفلسفات تحت عنوان(تراث شفهي-تراث كتابي) او انفتاح الديني والاسطوري على (المطلق) بإعتبار أنه شوق الروح إلى المطلق بمزيته ودلالاته!
وكمحاولة ساذجة من اركون ،أقل مايقال عنها، انها يعوزها الإنسجام، ويحيط بها التناقض، هو تفريقه بين القرآن ك"نص" والقرآن ك "خطاب" (وهي مصطلحاته على كل حال) يقول:" فالفكرة الأساسية تكمن في التلاوة المطابقة للخطاب المسموع لا المقروء. ولهذا السبب بالذات أفضل التحدث شخصيا عن الخطاب القرآني، وليس النص القرآني، عندما أصف المرحلة الأولية للتلفظ (او التنصيص) من قبل النبي. ذلك أن مرحلة الكتابة ( أي كتابة الخطاب القرآني) قد جاءت في مابعد في ظل الخليفة الثالث عثمان (بين عامي 645-656م). ولاريب في أن التمييز بين مفهومي الخطاب والنص يتخد أهمية أكبر على ضوء الألسنيات الحديثة(وأحب أن أُحيل القاريء، هنا، إلى كتابي قراءات في القرآن)"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص73)
وهكذا فغموض الفكرة وتناقضاتها الداخلية تلف عمل أركون التلفيقي
كذلك ،فعملية الإسقاط الأركونية لمااعترى فكره من أفكار عن القرآن بدأت واستمرت معه حتى النهاية إلا أنها كما قلنا لم تكن –لافي مصطلحاتها ولا في تطبيقاتها-بالوضوح الكامل لديه وإلا فكما قلنا ماهو القرآن الطازح المفتوح على كل الدلالات كما يزعم اركون، وأين هو؟ فوصفه يعني وضع اليد عليه من قبل خبير في عالم الإركيولوجيا، خبير يقوده الطيش والتسرع في حك مصطلحات والقيام بتطبيقات خائبة كبديل حداثي عن مناهج المستشرقين الباطلة والنص التالي يبين قصدنا، يقول:" حالتي أنا، كان التحرير الفكري والعقلي للجزائريين ولعموم المسلمين:" وعندما أصبحت مدرسا في السوربون في بداية الستينات اتبعت فورا(!) المنهجيات التي تختلف جذريا عن منهجيات المستشرقين."الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص264) فقد راح اركون وقد عرف هدفه الذي كان يحاول دائما ان يجد له مناهج غربية معينة ففي البداية كان يقرأ على طلبته نصوصا من كتب روبير ماندرو(منذ عام 1960)، يقول:" وأنت تعرف أن ماندرو من جماعة" التاريخ الجديد" في فرنسا، أي جماعة مدرسة الحوليات...ثم طرأت في مابعد أثناء مساري العلمي مشكلة أخرى تخص النص القرآني وكيفية تشكله وفهمه. فبعد أن أتممت أطروحتي عن" الإنسية العربية في القرن الرابع الهجري" واستكملت دراسة الفكر الإسلامي الكلاسيكي بدا لي أنه ينبغي أن أعود إلى الوراء، أي إلى لحظة القرآن التأسيسية لكي أفهم الأمور على وجهها الصحيح، ولكي تكون دراستي لتاريخ الفكر الإسلامي مرتكزة على أسس قويمة ومتينة"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص266)
يفهم الأمور على ماانتهت إليه قراءاته العلمانية وليس كما عليه الأمور على حقيقتها.
ومثل الطزاجة موضوع المطلق، وآفاق الوجود!، فاركون يريد من جهة أن يصب مااسماها بتجربة محمد مع المطلق لكن في (الموضوع الغربي المكتشف حديثا)وهو اشتياق الروح للمطلق، (البراءة الساذجة الموجودة عند الإنسان!) ونفي نفس الوقت إتهم الرسول بأنه (بتجربة المدينة) قام بمؤامرة وتحريف واغتيال للعقل العربي المناهض له مع اخفاء لحقيقة الصراع ماجعله يقوم بتلاعبات في النصوص القرآنية المواجهة لقريش ، ولذلك ترى اركون يقوم بتحليل سورة التوبة على هذا الأساس!
وتعجب عندما تجده يقول وكأنه يعرف قرآنا آخر غير الذي نعرفه، مع أنه لايدلنا عليه وإنما كما قلت إنه يعيش على الإسقاطات ومحاولة إختراع فكرة أن هناك قرآن شفوي مفتوح على المطلق وآخر إيديولوجي موجود في مصحف(ومع ذلك يقول عن القرآن ككل!!، وايضا مافي المصحف!!!" من الواضح أن الإسلام القرآني يركز على المطلق والتعالي اكثر بكثير مما يفعله الإسلام الإمبراطوري المهووس بالسلطة وتأسيس الدولة وتشكيل قوة عظمى للمسلمين، الإسلام في القرآن ينفجر كالنور أو كالضياء أو كالشعلة المقدسة، ولا يهتم إطلاقا بالاعتبارات المادية أو السلطوية. إنه تأسيس لعلاقة المعنى وللميثاق الإلهي في اللغة العربية. أما الإسلام الفقهي أو الطقس- الشعائري أو الإمبراطوري، فهو وإن لم يكن قد فقد بعده الديني بعد، إلا أن هموم القوة والتوسع على حساب الآخرين تبدو غالبة عليه " (محمد أركون: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، الطبعة الأولى 1993، ص144.)
إنه مرتبك، ولذلك تراه يتهم مرة مايمكن أن يمدحه مرات أو العكس!!
فالرجل يحاول أن يطبق نظريات ومصطلحات انتجتها بعض المذاهب الأنثربولوجية عن الجماعات البدائية مثل موضوع(الشفهي والكتابي) يطبق ذلك على القرآن، فيقسمه إلى قرآن طازج يتفاعل مع المطلق(ولايشير إلى:اين هو) وقرآن في المصحف، المصحف الذي قال اركون انه تدشين رجال تعمدوا وضع نصوص معينة هي كل المصحف تخدم ايديولوجية الدولة!!!
هذا هو (الكتاب) الأيديولوجي!
ويتعلق أمر القرآن الطازج والمطلق عند اركون(ايضا) بمااكتشفته بعض العلوم الأنثربولوجية والإجتماعية من ان العقل الاسطوري متعلق دوما منذ الأزل بخيالات بشرية تواقة إلى عالم متسامي!، وأن هذا العقل لايختلف في منطقه عن العقل العلمي!، ثم في نفس الوقت يتهم التجربة من خلال صراعاتها لكن يمدحها من خلال روحانيتها... ومن هنا يدعو إلى احترام الدين.. على أن يكون في اشواقه الروحية وشعائره التي لاتتعدى حدود عمل الروح والخيال.. اما الواقع وصراعاته فقد كشفت الحداثة المؤامرات والتلاعبات في النصوص وفي المصجف وفي تجربة المدينة.. وعلى ذلك فليترك الدين العالم المادي للعلمانية والحداثة الجديدة.. قال اركون ان العلم الحديث :"اعترف بالأسطورة أو بالمتخيل كحقيقة واقعة، ويدرجها داخل نظام العقلانية ويُدجنها ما إذا جاز التعبير "(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص 328) ويقول أيضا:"... العمليات النفسية التي يموضعها القرآن في القلب، والتي يحاول علم الأنتربولوجيا الحالي إعادة الاعتبار لها وادخالها تحت اسم المخيال أو المتخيل"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص 84)
ومعلوم ان اركون استفاد من تفسير معنى الاسطورة من كلود ليفي شترواس، وفي ذلك يقول هاشم صالح تعليقا على استخدام اركون لنص شتروس عن الاسطورة:" هاتان العبارتان الموضوعتان بين قوسين هما لكلود ليفي ستراوس في تعريف الأسطورة. فالأسطورة بالمعنى الأنتربولوجي للكلم-هي عبارة عن تجميع ذكي لنتف متفرقة من حكايات قديمة تعود إلى عهود قديمة. ولايهم في الأسطورة مطابقتها للواقع والتاريخ، وإنما في تشكيل "قصر إيديولوجي" منيف وناجح من عناصر متفرقة"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص208) وفي نفس الصفحة يزعم هاشم صالح عن القرآن:"انه قد تأثر بما سبقه من توراة وأناجيل فهذه حقيقة واقعة" واما نص اركون وداخله نص سترواس فهو كالتالي:"أن التاريخ يعلمنا أن الإسلام قد احتفظ بالكثير من الشعائر الخاصة بالدين العربي السابق عليه. فمثلا شعيرة الحج إلى مكة، والإيمان بالجن، والتصورات الاسطورية المشكلة عن الشعوب القديمة، والكثير من القصص ذات العبرة، كل ذلك مرتبط بثقافات سابقة على الإسلام. ولكن القرآن يستولي من جديد على" أنقاض الخطاب الاجتماعي القديم هذا" من أجل بناء"قصر إيديولوجي" جديد، كما تشهد على ذلك سورة أهل الكهف... وبهذا المعنى نقول إن القرآن هو خطاب ذو بنية اسطورية...إني أنتهز هذه المناسة للتأكيد على هذه النقطة لأن كثير من قراء كتبي قد ارتكبوا خطأ فادحا، إذ فهموا الأسطورة بمعنى الحكاية الأسطورية أو الخرافة التي لاأساس لها. وهذا يؤدي بالطبع إلى تدمير الغني الأسطوري للقصص القرآنية"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص 141)
فأركون كما نرى لايقوم بأكثر من عمل تلفيقي مصطنع يجمع بين الإستشراق وخرافاته وعلم الإجتماع الغربي وآخر موضاته الباطلة، والرجل حاول جاهدا أن يخترع المصطلحات المناسبة لتلفيقيته مثل مثلا (التطبيقيات الإسلامية) او( الإسلاميات التطبيقية) أي أنه يطبق تلك المستجدات في عالم الاجتماع والنفس والأنثربولوجيا وغير ذلك على الإسلام والقرآن وماتخيله عنه من نصوص طازجة شفهية(هي القرآن عنده) لم يعد لها وجود بحسب اكتشافاته!!.
يقول هاشم صالح في تعريفها:" يقصد اركون بالإسلاميات التطبيقية تلك المنهجية الجديدة التي اخترعها هو شخصيا لكي يتجاوز منهجية الإسلاميات الكلاسيكية الخاصة بالمستشرقين بعد أن يأخذ كل ماهو مفيد منها للمزيد من الإطلاع انظر بهذا الصدد كل الفصل الأول من كتاب" تاريخية الفكر العربي الإسلامي" وهو بعنوان" نحو إسلاميات تطبيقية. أي في الواقع تطبيق علوم الإنسان والمجتمع على دراسة الإسلام"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد(هامش) ص 193)​
 
أشكر الأستاذ طارق على تتبعه واهتمامه واستمرار انتصاره للقرآن الكريم. قرأت مشاركتك (موضوعك) مرتين وفهمت أغلب ما جاء فيها، وخرجت بخلاصة مفادها أن عند أركون قرآنين:
الأول هو: القرآن الشفهي الموصوف بــ "الطازج" المفتوح على كل الدلالات؛
والثاني: القرآن المكتوب في المصحف بين دفتين وهو القرآن الايديولوجي.
كما فهمت أنه أخذ تقسيمات من الفلاسفة القدامى من قبيل "تراث شفاهي" و"تراث مكتوب" وحاول تطبيق هاته التقسيمات في مختلف دراساته للقرآن ولغيره.
جاء في العنوان أن"غموض مصطلحات أركون في نفسه"، أم في مصطلحاته ذاتها وفي طريقة استعمالها؟ خروج المصطلحات المستعملة عند أركون من مجالها الأصلي المسيحي والعلماني إلى المجال الإسلامي هو الذي أفسد معناها، فبقاؤها في أصلها وفي مجالها الفكري الأول يكون ذا معنى؛ ودخولها بطريقة قسرية وتعسفية إلى مجال معرفي آخر لأداء وظيفة أخرى ولتتخذ معان أخرى غير تلك التي أعطيت لها أول مرة جعلها تأتي بخلاف ما وضعت له وما استعملت لأجله، هذا فضلا عن كون المجال المعرفي الذي أُدخلت له وإليه لا يقبل الملوثة من الأفكار والمصطلحات؛ ومن ثم لا يرضى بالأوساخ والفضلات الناتجة عنها. بالإضافة إلى هذا فإن الواضع أو المخترع للمصطلح أو اللفظ هو الذي يعطيه معناه الأول، ويعتبر هذا هو الأصل وهو المعتمد في الاستعمال، كمن يلد طفلا فيسميه، التسمية الأولى هي المعتمدة، وهي التي يعتد بها عند الكل، وباقي التسميات تظل ثانوية لا يعتد بها وقد تكون معتبرة بضوابط عند الحاجة إليها.
فكيف توصلتم إلى غموض المصطلحات في نفسية أركون؟ علما أن ما بداخل النفوس ونواياها يعلمه فقط الله جل جلاله.
وبعد هذا أرى أن أركون لم "يخترع الألفاظ والمصطلحات" إنما أخذها عن غيره من أساتذته أو من الكتاب الغربيين الذين يتقاسم معهم الرأي، ويمكن الجزم بأنه سرق أغلبها من غيره، سرق استعمالها، بدليل أن جل مصطلحاته المعربة موجودة في القاموس الفرنسي، كما أن "التطبيقات في تنزيل تأويلاتها وتطبيق تعسفاتها على القرآن والإسلام والشريعة"،غير دقيقة، بل لا وجه لها؛ فلم أر "تطبيقات"، لأنه لكي نطبق لابد من وجود شيء نطبق عليه أو نقيس عليه فنحصل على تطبيق؛ الأصل الذي طبق عليه أركون غير موجود، كيف طبق؟ نطبق المناهج ونستفيد من الأنساق الفكرية. و أركون استعمل مصطلحات وألفاظ في غير مجالها وبطريقة تعسفية في الدراسات التي أنجزها (وخاصة تلك التي اطلعت عليها)
أركون عمد في كثير من الأحيان إلى إجراء استقراء جزئي خرج من خلاله بنتائج اعتبرها كلية ونهائية، فترتب على هذا نتائج علمية ناقصة، بل خاطئة. والدليل على هذا الكثير من استنتاجاته السريعة التي كشف التدقيق والتأكد زيفها وابتعادها عن العلمية.
أما "محاولة تطبيق المصطلح" فلم أر تطبيقات للمصطلحات أو الألفاظ، إنما وجدت استعمالات لتلك المصطلحات بطريقة أو طرق غير مناسبة، واستعمالات ليست في محلها.
وهذا الكلام:" إن العمليات العقلية التي كان يجريها في عقله وينتج عنها مصطلحات، كانت تتم بعد أن يزيف معنى الأسماء والحقائق الإسلامية ويتصورها على غير حقيقتها وبعد أن يختصر العالم والكون والوحي والدين والنفس في تصورات مادية قاصرة لا تمت للحقيقة في شيء، كما أن طيشا دفعه لعمليات تطبيقية متسرعة نتجت عنها اتهاماته الهشة... وعلى الرغم من أن المصطلح وفر له عمليات عقلية دائمة إلا أن تلك العمليات، لم تكن تامة ومنجزة وصحيحة، كانت تنتابها صور الغموض وذلك لخلل التصور- الذي ظهرت ملامحه على المصطلح المضطرب، الناقص، الضعيف- صور الغموض و الافتعال التي يمكن ملاحظتها في كثير من مصطلحاته - من عدم المطابقة وعدم صحة التصور للمتقابلات- المنحوتة خصيصا لوصف الإسلام وصفا مزيفا بصورة جوهرية".
لا أدري كيف توصلتم إليه؟ هل عن طريق النفاذ إلى عقل أركون بتحليل طبي؟ أو فزيائي أو نفسي أم ماذا؟ كيف توصلتم إلى هذه النتيجة؟
وهذا التعقيب "وكمحاولة ساذجة من أركون، أقل ما يقال عنها، إنها يعوزها الانسجام، ويحيط بها التناقض، هو تفريقه بين القرآن كـ "نص" والقرآن كـ "خطاب" (وهي مصطلحاته على كل حال)" على كلام أركون الذي يقول:[FONT=&quot]" [/FONT]فالفكرة الأساسية تكمن في التلاوة المطابقة للخطاب المسموع لا المقروء. ولهذا السبب بالذات أفضل التحدث شخصيا عن الخطاب القرآني، وليس النص القرآني، عندما أصف المرحلة الأولية للتلفظ (أو التنصيص) من قبل النبي. ذلك أن مرحلة الكتابة ( أي كتابة الخطاب القرآني[FONT=&quot]) [/FONT]قد جاءت في ما[FONT=&quot] [/FONT]بعد في ظل الخليفة الثالث عثمان (بين عامي 645-656م). ولاريب في أن التمييز بين مفهومي الخطاب والنص يتخذ أهمية أكبر على ضوء الألسنيات الحديثة (وأحب أن أُحيل القاريء، هنا، إلى كتابي قراءات في القرآن[FONT=&quot]"([/FONT][FONT=&quot] [/FONT](الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص73).
إن تعقيبكم على الكلام السابق لأركون فيه بعض الصواب، وتفريق أركون بين القرآن كـ "نص" والقرآن كـ "خطاب" إن كان هذا مراده، ففيه جانب من الصواب أيضا. لأن إمكانية التفريق بينهما ممكنة، بناء على ماهية النص والخطاب في اللغة وعند البعض من الأصوليين. ويمكن بيان هذا وإيضاحه إذا تطلب الأمر ذلك.
إلا أن الأبعد أو الأعمق مما ذهبتم إليه هو أن أركون يريد بذلك إثبات أو التدليل على وجود قرآنين أحدهما يُقرأ والآخر يُتلى وكلاهما من قبيل الخطاب المختلف من هذا القرآن إلى ذاك. وأن القرآن الأول المسموع ليس هو الثاني المكتوب فيما بعد؛ ذلك أن هذا الأخير قد تكون أضيفت إليه كلمات أو آيات أو حذفت منه كلمات وآيات؛ والأول يفترض أن يكون أصله نص مكتوب حذفت منه أشياء أو أضيفت له بعد سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم...إلخ.
أشكرك وأقدر جهودك، وأنتظر ردودك وإيضاحاتك.
 
بارك الله فيك استاذ عبد الله محجوبي وأُسجل هناك قراءتي لكلامكم الثمين، وإن شاء الله أرجع بالتعقيب قريبا.
وأشكرك على المشاركة في موضوع كهذا وبصورة عميقة وفهم واع.
 
كما لاحظت اخي فإن آخر مقالي هذا يوضح أن لأركون مصطلحات خاصة به لم يأخذها من مصدر غربي كما أشار هاشم صالح ، وانما أخذ الإيحاء ولفق المصطلح وأُعيد النص مرة أخرى.
تكلم هاشم صالح عن مصطلح الإسلاميات التطبيقية الأركونية بقوله :" يقصد اركون بالإسلاميات التطبيقية تلك المنهجية الجديدة التي اخترعها هو شخصيا لكي يتجاوز منهجية الإسلاميات الكلاسيكية الخاصة بالمستشرقين بعد أن يأخذ كل ماهو مفيد منها للمزيد من الإطلاع انظر بهذا الصدد كل الفصل الأول من كتاب" تاريخية الفكر العربي الإسلامي" وهو بعنوان" نحو إسلاميات تطبيقية. أي في الواقع تطبيق علوم الإنسان والمجتمع على دراسة الإسلام"(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد(هامش) ص 193)
واركون اصطنع مصطلحه عن التطبيقات الاسلامية من ايحاء مصطلحات غربية بعد أن حجب وعزل مفاهيم قرآنية فريدة وثمينة، وزور في نفسه معنى للشريعة والقرآن المنزل، ثم وضع المصطلح بعد أن أخذ صورته كما أخذ فلسفاته من الذهنيات الغربية التي عزلت الحقيقة الشاملة عن مفهوم التاريخ والوحي والتصورات الإسلامية الكبرى.
وقد استعمل مصطلح" الإسلاميات التطبيقية" ، كإمتدادا للإسلاميات الكلاسيكية، وإضافة لها ، وإيغالاً بها في القدح الخائب في القرآن ، وقد أشار في بداية محاضرته للفرنسيين في مركز توماس مور(ديسمبر 1978م) إلى أنه استوحى التسمية"الإسلاميات التطبيقية" من كتاب صغير ل"روجيه باستيد" بعنوان" الانتربولوجيا التطبيقية" وقال معقبا:" وبحوثنا تسير في الخط نفسه"!( تاريخية الفكر العربي التاريخي 275ص) وهو خط يرجع الإسلام إلى نسب اسطوري في التاريخ البشري، فإن اركون ومترجم كتبه أي هاشم صالح راهنوا على أن يفقد الدين صموده في المجتمعات الإسلامية كما توقعوا نهاية الدين الوشيكة!، يقول هاشم صالح:" لو نجح التحديث في البلاد العربية لما عاد الدين من جديد بمثل هذه القوة مع ظاهرة الأصولية. ولكن فشل الحداثة العربية هو الذي دفع الناس للاستعانة بالدين أو الاعتصام به"(الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، لمحمد اركون، دار الساقي، الطبعة الاولي 1999،ص265،هامش) وهاشم صالح قال كلامه الفارغ هذا تعليقا على كلام محمد اركون وفيه:" ينبغي أن نعترف بأن الفشل التاريخي للعديد من بلدان العالم الثالث قد أعاد للأديان أهميتها من جديد ، أو قدم لها أسباب البقاء ولو بشكل اصطناعي. وهذا البقاء الاصطناعي يعزي أو يكشف عن وظيفة " أفيون الشعوب " التي أدانها ماركس ، أكثر مما يكشف عن أبعاد خصوصية لم تعوض عنها الحداثة" (ص265، نفس المرجع، الفكر الأصولي)
ف "الإسلاميات الكلاسيكية" ، وقيمتها التخريبية عند اركون ، لها قيمتها العلمية والتثقيفية عنده "الدراسات الموثقة والمحققة كما كان الإستشراق قد فعل سابقا"( تاريخية الفكر العربي التاريخي ص276) مع أنها هي نفسها التي أشار إلى أنها من صناعة الكراهية والحقد أو المركزية والهيمنة ل" المراقب الخارجي!، وهي الكتابات الإستشراقية كما قال:" قام بهذه الكتابات أو الدراسات عسكريون وإداريون كولونياليون وتبشيريون وأساتذة جامعيون"( تاريخية الفكر العربي التاريخي ص 275) تلك الكتابات الغزيرة - قال- تركزت حول الإسلام والمسلمين ، وقال انها كتابات" تعكس جهد نظرة خارجية ورؤيتها"( تاريخية الفكر العربي التاريخي ص 275) وقد ذكر في كثير من مواضع كتبه أنها لاتناقض مفهوم الإسلاميات التطبيقية، وعلى الرغم من أن أركون مدح هؤلاء المستشرقن والمراقبن الغربين في نفس الكتاب الذي عرض فيه نص المحاضرة وثمن كثير من بحوثهم التي قال عنها صراحة إنها كشفت زيف التاريخ النبوي!،وتشنجات قرآنية بزعمه وافتراءه، ومع أنه قال إنها هي نفسها دراسات تمهيدية محترمة وضرورية كقاعدة وأسس لمناهجه الأحدث أي التي إخترعتها الذهنية العلمانية الأحدث، إلا أنه قال عنها هي نفسها إنها :" متأثرة بنزعة عرقية مركزية مؤكدة، مفهومة ضد الوسط التاريخي الذي ولدت فيه، وحتى الدراسات الجامعية تسبح في المحيط العام لهذه المركزية العرقية"( تاريخية الفكر العربي التاريخي ص275).
الملاحظ من كلام أركون أن حل المشكلة ، عنده، هو حل فكري وذلك بإعادة التفكير في الإسلام ضمن توجه علماني من خلال تفكير فلسفي "يطرح مسألة العلمنة كما نفهمها اليوم"!، ويؤكد:" هذه إذن-ولنكرر ذلك مرة أخرى= مهمة الاسلاميات التطبيقية في أن تؤسس الإطار النظري والفكري الذي يتيح مواجهة كل الصعوبات "(تاريخية الفكر العربي ص 277)
وفي بداية حديثه للفرنسيين في مركز توماس مور يقول ان الكتابات (الإستشراقية) "التي أنتجت من قبل الآخرين ولاتزال تُنتج حتى اليوم" لايمكن لأي مجتمع الإسلامي تجنبها ، ولا تجنب ماهو بعدها من التطبيقات العلمانية!، ويضيف:" ونظراً لتقدم البحث العلمي في العالم الغربي، فالمجتمعات الإسلامية تجد نفسها دائما تحت الهيمنة المنهجية والابستمولوجية للعلم الغربي. إن الاسلاميات التطبيقية تريد أن تنقض من هذه الهيمنة ، ذلك أن مهمتها لاتتلخص فقط في إنتاج الدراسات الموثقة والمحققة كما كان الاستشراق قد فعل سابقا ، وإنما تريد هي أيضا أن تأخذ على عاتقها مهمة طرح المشاكل الفعلية التي تعاني منها المجتمعات ثم محاولة حلها من قبل المسار العلمي والمنهجية العلمية. هذا هو الهدف المزدوج للاسلاميات التطبيقية"(تاريخية الفكر العربي التاريخي ص 276)​

أما طزاجة القرآن فهو أيضا مصطلح من إختراع ذهنية أركون نفسه، أما غموض (فكرة ماقبل نحت المصطلح) في نفسه، فقد فكر الرجل وقدر ( داخل الدائرة المادية التي يدور فيها وهي مظلمة) ثم فكر وقدر فقتل كيف قدر، "فكر وقدر أي تروى ماذا يقول في القرآن .. ففكر ماذا يختلق من المقال" ويمكن رؤية ذلك من نتيجة الإختلاق وعمليات البناء الخارجية والتركيب المتعسر، النافرة أجزاؤه بعضها عن بعض ثم استعجال القياس مع هذا الخلل ومن ثم صك او نحت المصطلح غير المناسب للحقيقة الخارجية التي يحاول المساس بها، ولاشك أن التفكير الذي ينتهي بالمرء إلى نتائج باطلة ومصطلحات قاصرة ينشأ غالبا، من خلل في التقدير أو هوى في التفكير أو غموض في التقرير وعملية القياس والتحرير ، وقد يدفع إلى ذلك أن يرتبط هذا كله بشخصية كهذه (صفات تسعة ) ذكرها الله في سورة القلم ، ومنها ان صاحبها مناع للخير ، هماز، مشاء بنميم، أو عتل بعد ذلك زنيم، وهذه الصفات رأيناها في كثير من العلمانيين، الذين فيهم شبه من ابي جهل والوليد بن المغيره، ومعروفة هي قصة الوليد هذا، وسيأتي التعليق عليها بعد قليل، غير أني أسبق إلى القول بأنه يمكن للمرء أن يكتشف طيش الباحث المتطرف في أحكامه وكلماته، وتسرعه في الأحكام من خلال مصطلحاته وتطبيقاته، في استعجاله النحت والرصف، والوصف والحكم، يمكن ذلك من خلال تتبع عمليات التلفيق والإسقاط، خصوصا إذا كانت نظرته مادية، يحذف من طريق بحثه كل الظواهر المادية والروحية، التي تجعل بحثه المعتم يتراجع ويفقد فتنته في نفسه ، غير أن عملية الكشف تحتاج إلى معرفة بأدوات المتطرف العلماني وطرقه في التلاعب أو عملياته العلمية، وسوابقه ولواحقه ، وبداياته ونهاياته، وثغراته الفارغة الفاضحة، الكاشفة، خصوصا لو علمت أنه صاحب هوى وطريقة منحرفة ، وصاحب تلوين وتلفيق ، وأركون مثال على ذلك في عمليات اختراعه لتلك المصطلحات المخترعة، والأحكام الطائشة، والأسماء الباطلة، مثل كلامه عن القرآن الشفهي الطازج المفتوح على الدلالات!،فأنت إذا تمعنت في تلفيقيته ستجد معاناته ورهقه في عسر إختلاقه ،ظاهر باد ..في كثير من محاولاته في صك المصطلح ، تلك العمليات التي لفها غموض فوق غموض، وظلمات فوق ظلمات ، وعدم وضوح الرؤية عنده في مسائل كثيرة منها مسألتنا هذه اي موضوع القرآن الممدوح، أركونيا، الطازج المفتوح على الدلالات ـ ما هو؟ وأين هو و؟ كيف حكم أنه هو كذلك وليس عنده منه آية واحدة يمكن النظر فيها، وإقامة تجربة عليها كما يزعم هو عن تجاربه الفيزيائية!!؟،(ونتكلم هنا عن الشفهي المطلق الذي اثبته وهو يتهم المكتوب!) وقد رأينا بعضا من هذا في القديم مع الفلاسفة والمتفلسفة في محاولاتهم الربط بين أفكار يونان عن العقول العشرة والملائكة وفي كثير من المتناقضات المتعارضات، والكلام في هذا الأمر يطول،إلا أن الجهل بمغزى العقول العشرة عند يونان جعل كثير منهم يقيس قياسا باطلا ويجمع بين عاطل وفاعل ، ويساوي بين ملاك وخيال، بين حكمة ربانية شاملة للعالم ورؤية وثنية فيها نزر من العلم والمنطق.
وكذلك فعل اركون فربط بين خلاصات فيها نزر يسير من العلم مع باطل يحوطها من كل جانب (عن الإنسان البدائي(بحسب تقسيماتهم) والشفهي والمكتوب عند تلك المجتمعات القديمة ،والإيديولوجيات والسلطات، وبين القرآن المنزل الخالص، ولكي يبدو فيلسوفا في الوسط الغربي قام بصك مصطلحات مستعجلة تصف الحقيقة القرآنية بصفات مادية معتمة ثم راح من خلال ذلك يفعل فعلة العلمانية في المسيحية فقال إن قرآن محمد الشفهي منفتح كأي فكرة روحية على المطلق،(واركون لم يأتنا بهذا القرآن المخالف عنده للمكتوب المغلق كما يقول) ففرغ حقيقة القرآن في نفسه من جوهرها ثم أطلق عليها فكرة صوفية عدمية لاوجود فيها للاسماء الحقيقية الشرعية التي جاء بها الإسلام ، من العقيدة إلى الشريعة، أي أنه ألغي من الدين لبه وحكمه، غايته وحكمته، صلته بالأرض والإصلاح، والتشريع والتطوير.
نعم، حاول أركون أن يمد للقرآن بنسب (لموضوع الشفهي-المكتوب ،عند الأمم) للنصوص التي كانت شفهية أولا ثم صارت مكتوبة عند الأمم ، وكيف تم تهجينها وأدلجتها ..كيف تربض ايديولوجية سياسية مغرضة وراء (التثبيت) أو الكتابة و(غلق النص)!، وتوسل بنتائج علم الإجتماع المادي الذي اختصر الأشياء ونفي الأسماء، والحقائق، لكي يُتم تلفيقيته وتوفيقيته ، فحاول ان يمد بسبب لهذا كله مع موضوع بكر لم ينظر فيه بدئيا، وكمثل كثير من مخترعي النظريات الباطلة ورسم مصطلحات لها ،فإننا لو تمعنا في تاريخ تطور أركون الفكري، سنجد أنه اقتنع بالفكرة الغربية المابعد حداثية، مجتمعة قبل أن يبدأ في عملية تناول القرآن أو قراءاته له ..أو بالأحرى معرفته به!!!، ثم راح يتناوله من خلالها، فكيف يتحسس أعمى الشمس وهو في ظلماته يتخبط أو كيف يأتي بقبس منها قبسا من نور او شعلة من حقيقة وهداية وهو سادر في ظلماته لايلوي على شيء؟!
نعم جلب أركون تلك النتائج الغربية او خلاصات تلك المذاهب المادية لحقل هو أبعد مايكون عن ظلمات تلك المناهج وضلالاتها، وتصلبها وإنغلاقها، فحجر واسعا وضيق شاسعا وقاس باطلا وبدل وغير وفكر وقدر ثم فكر وقدر، ومدحه قومه فقتل كيف قدر، استعجابا منهم لفعله، مع شكهم وارتيابهم في تحليله،(هناك كتابين في حوار غربيين مع اركون،أحدهما مع وزير هولندي والآخر مع باحث هولندي، وهناك محاضرات عارضه فيها مستشرقون علمانيون وكلاسيكيون، انظر مثلا في هذه الأخيرة كتاب الفكر الإسلامي،قراءة علمية) وهو الذي حاول بتقدير مدفوع بخلل في النظر وهوى في النفس، أن يربط بين ماليس بينهما رابط، وأن يعكس نتائج تلك المعارف المادية المعتمة التصورات، الفارغة الثغرات والواسعة الفجوات ، ويقسم القرآن بحسب تقسيماتها،وماديتها الضامرة الكسيحة ، أي أنه إتخذ منهجا (ضيقا مظلما) (مُسبقا) قبل الإقبال على العمل، فمهما كان الأمر (أو الموضوع المدروس) خارج تلك الأذهان فإنه لابد أن يخضع لأحكام تلك المناهج المسبقة ، أي أن الحكم ليس قائم على نظر في العلوم كما هي ولكنه عملية قسرية أخذت من صاحبها مساحة من التركيب والتفكيك حتى يخضع الموضوع في النهاية للنتيجة المسبقة أيا كان التفاوت والتجاوز ، المفارقة والإختلاف ، وقد يوحي الأمر بوجود شبه بين الموضوع المقاس عليه والموضوع المقيس، كما فعل الوليد بن المغيرة في موضوع السحر والنبوة أو فعلت قريش في موضوع الكهانة والنبوة، أو الجنون والنبوة، أو كما يحاول أن يفعل البعض اليوم بين الملك والنبوة(خليل عبد الكريم، سيد القمني)، أو الكهانة والوحي كما فعل نصر حامد ابو زيد، وغير ذلك من عمليات الربط التقديرية الطائشة التي يحدوها الهوى والتفكير المجنون بدلا من التفكر بعلم خال من المؤثرات التي ذكرنا بعضها من قبل،والسؤال هنا هل يمكن تتبع خواطر إنسان من خلال مايلفقه، او بالأحرى هل يمكن اكتشاف عملية تفكير ما ، أو تلاعب ما من خلال نتائج مايسطره ، أنا أرى أنه يمكن ذلك، خصوصا في حالتنا هذه ، وخصوصا أن عندك الخلفية التاريخية عند، وعن الرجل وتطوره الفكري وبداية القراءة بالمناهج التي انتهجها ،(وقصدي بكلمة (عنده):أي من كلامه هو عن نفسه,,عن تطوره الفكري.. عن صلاته الأولى!) وعندك خبرة بطريقته وأدواته وتطبيقاته (وقد ذكرت نموذج لتطبيقاته على القرآن في أقطاب العلمانية(1) في الفصل المخصص له، كان ذلك عام2000م)..إلخ وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية كيف أن المتفلسفة قاموا بتلك العملية المتعسرة القسرية في نفوسهم للربط بين الملائكة والعقول العشرة السماوية المزعومة، ثم راح يفكك تلك العمليات وفضح أهلها.
وهنا نقول، يمكن لأركون أن يدعي وينحت ، أن يصنع المصطلحات الملفقة التي تقربه (بأيقونة مصطلحه المختصرة ) من مواده المختلفة النزعات والنتائج أو يأخذها جاهزة منها(كما فعل مع مصطلح"الرأسمال الرمزي، مثلا)، لكن لبعد الشقة بين ماتتناوله مراجعه في ظلمات تصوراتها التي حذفت حقائق الموضوع المدوروس كلها، وبين القرآن كما أنزل، ، فإننا نجد ان الفشل بدا واضحا في صنع مصطلحات مناسبة وموافقة ، وحقيقية وتامة!،، أما كيف تكشف محاولته ،(غموض المصطلح) في نفسه، فكما أشرت منذ قليل، فالرجل لم يأت بدليل واحد على ماهو القرآن الطازج (الذي أخبرنا اركون بنفسه عنه) المخالف لما أسماه-هو ب- القرآن الأيديولوجي، (دليل واحد مثبت (فقط)) فإذا لم يأت بذلك،وهنا يمكن الإطلاع على ثغرة أو (فجوة) عميقة ،وثقب أسود غائر وغائم، ثم وجدته يستعجل صناعة مصطلح لما يدور في نفسه ولو تقريبي، او تلفيقي، أو بشكل فيه من الوضوح والغموض في نفسه،فإننا بدورنا يمكننا أن نكتشف من خلال ذلك ماوصفناه بعملية غموض وعدم اكتمال،(فلو كان الأمر واضحا كل الوضوح له لسبقنا إلى شرحه بنفس التفصيل الذي شرح به مصطلحات الفلاسفة أو لشرحه لنا مترجم كتبه هاشم صالح بتفصيل واضح)، يمكننا أن نكتشف عملية تفكير فيها من الثغرات والعثرات، التسرع في النتيجة والطيش في الإستخدام،بل عدم معرفة مايتكلم عنه (أي وكمثال"القرآن الطازج" الممدوح ، والمفارق للمكتوب، ماهو؟ أين هو ؟ كيف اكتشف الطزاجة فيه ؟ وهو أصلا قد نفي ليس وجوده فقط بل العثور عليه بل قال بإستحالة الحصول عليه،(وهناك نصوص لأركون في ذلك) وليس عنده مصدر قبلي أو بعدي يعرض مادته او مفهومه او علومه،(وهذا كله يؤدي إلى غموض الفكرة عنده مع وضوح الهدف وهوى الفكرة المسبقة التي تدفع إلى التسرع بأحكام غير صحيحة أو مصطلحات ضعيفة وشحيحة.. فإنك إذا رحت تستوفي فكرته من كلامه لم تجد تلك الفكرة مطبوعة في الموضوع الذي يبحث فيه (وهو هنا"القرآن") وإنما،هي أصلا وفصلا، في الموضوع الأول الذي جاء به (الأحكام المسبقة) !، كما أنك ستجد فكرة (غموض الفكرة في نفسه) في هروبه من الكلام عن أي شيء يخص ذلك القرآن الطازج الذي لايعرف هو حده ولا قده!، وإلا لأخبرنا في نص واحد، على طول كتاباته، ونشاط عملياته الذهنية، واسعة النشاط، والتحليل والتركيب، والقياس والتبويب،عن: ماهو؟ ما صك المصطلح الكبير عنه؟! ، بل في هروبه من الشرح المفصل لفكرته عن طزاجة القرآن الذي قال انه من المستحيل العثور عليه) لذلك أقول أن لذلك شبها برجل من قريش ، وإن كان أركون أخبث وأعظم حيلة وقبيلة!، حاول أن يضع تفسيرا للوحي وماعليه النبي ، بعد أن وجد حلاوته في نفسه، وعلوه في قيمه وأخلاقه، وروحه ونوره، ففكر وإعترف وأنكر، ثم فكر وتخير، ثم فكر وأنكر، و إفترى وتحير، ولكن الذي دفعه إلى ذلك هو جهله وقومه -مع صحة بعض وصفه للقرآن -ولأركون مثله في صحة وصف!!-لكن لهواه وخضوعه لمذهبية قومه واهواءهم وميولهم اختار حكما باطلا، ولفظا عائبا.. وذلك بعد تبدلات سريعة في عقله وفكره (إنه فكر وقدر[18] فقتل كيف قدر[19] ثم قتل كيف قدر[20] ثم نظر[21] ثم عبس وبسر[22] ثم أدبر واستكبر[23] فقال إن هذا إلا سحر يؤثر[24] إن هذا إلا قول البشر) فقال: فَوَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ رَجُل أَعْلَم بِالْأَشْعَارِ مِنِّي , وَلَا أَعْلَم بِرَجَزِهِ مِنِّي , وَلَا بِقَصِيدِهِ , وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنّ , وَاللَّه مَا يُشْبِه الَّذِي يَقُول شَيْئًا مِنْ هَذَا , وَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَة , وَإِنَّهُ لَيُحَطِّم مَا تَحْته , وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَلَا يُعْلَى ; قَالَ : وَاللَّه لَا يَرْضَى قَوْمك حَتَّى تَقُول فِيهِ , قَالَ : فَدَعْنِي حَتَّى أُفَكِّر فِيهِ ; فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ : هَذَا سِحْر يَأْثُرهُ عَنْ غَيْره: وفي نص آخر(وأنقل لك من تفسير الطبري):" هَذَا الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة قَالَ : سَأَبْتَار لَكُمْ هَذَا الرَّجُل اللَّيْلَة "فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدَهُ قَائِمًا يُصَلِّي وَيَقْتَرِئ , وَأَتَاهُمْ فَقَالُوا : مَهْ ؟ قَالَ : سَمِعْت قَوْلًا حُلْوًا أَخْضَر مُثْمِرًا يَأْخُذ بِالْقُلُوبِ , فَقَالُوا : هُوَ شِعْر , فَقَالَ : لَا وَاللَّه مَا هُوَ بِالشِّعْرِ , لَيْسَ أَحَد أَعْلَم بِالشِّعْرِ مِنِّي , أَلَيْسَ قَدْ عَرَضْت عَلَى الشُّعَرَاء شِعْرهمْ نَابِغَة وَفُلَان وَفُلَان ؟ قَالُوا : فَهُوَ كَاهِن , فَقَالَا : لَا وَاللَّه مَا هُوَ بِكَاهِنٍ , قَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْكِهَانَة , قَالُوا : فَهَذَا سِحْر الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهُ , قَالَ : لَا أَدْرِي إِنْ كَانَ شَيْئًا فَعَسَى هُوَ إِذًا سِحْر يُؤْثَر " فهذه ماكسبت نفس الوليد بن المغيرة وهو يخوض مع الخائضين، وقد فعل مثله أركون ، وأيضا بتحريض من الكتابات الغربية، التي فُتن بها
وفي تفسير التنوير والتحوير للعلامة بن عاشور يقول:" وقد وصف حاله في تردده وتأمله بأبلغ وصف. فابتدئ بذكر تفكيره في الرأي الذي سيصدر عنه وتقديره.
ومعنى (فكر) أعمل فكره وكرر نظر رأيه ليبتكر عذرا يموهه ويروجه على الدهماء في وصف القرآن بوصف كلام الناس ليزيل منهم اعتقاد أنه وحي أو حي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. و)قدر( جعل قدرا لما يخطر بخاطره أن يصف به القرآن ليعرضه على ما يناسب ما ينحله القرآن من أنواع كلام البشر أو ما يسم به النبي صلى الله عليه وسلم من الناس المخالفة أحوالهم للأحوال المعتادة في الناس مثال ذلك أن يقول في نفسه، نقول: محمد مجنون، ثم يقول: المجنون يخنق ويتخالج ويوسوس وليس محمد كذلك، ثم يقول في نفسه: هو شاعر، فيقول في نفسه: لقد عرفت الشعر وسمعت كلام الشعراء، ثم يقول في نفسه: كاهن، فيقول في نفسه: ما كلامه بزمزمة كاهن ولا بسجعه، ثم يقول في نفسه: نقول هو ساحر فإن السحر يفرق بين المرء وذويه ومحمد يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، فقال للناس: نقول إنه ساحر. فهذا معنى قدر ... والمقام هنا متعين للكناية عن سوء حاله لأن ما قدره ليس مما يغتبط ذوو الألباب على إصابته إذ هو قد ناقض قوله ابتداء إذ قال: ما هو بعقد السحرة ولا نفثهم وبعد أن فكر قال(إن هذا إلا سحر يؤثر)فناقض نفسه. ... وقوله )ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر( عطف على )وقدر( وهي ارتقاء متوال فيما اقتضى التعجيب من حاله والإنكار عليه. فالتراخي تراخي رتبة لا تراخي زمن لأن نظره وعبوسه وبسره وإدباره واستكباره مقارنة لتفكيره وتقديره. والنظر هنا: نظر العين ليكون زائدا على ما أفاده )فكر وقدر(. والمعنى: نظر في وجوه الحاضرين يستخرج آرائهم في انتحال ما يصفون به القرآن. وعبس: قطب وجهه لما استعصى عليه ما يصف به القرآن ولم يجد مغمزا مقبولا. وبسر: معناه كلح وجهه وتغير لونه خوفا وكمدا حين لم يجد ما يشفي غليله من مطعن في القرآن لا ترده العقول، قال تعالى )ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة( في سورة القيامة.​
والإدبار: هنا يجوز أن يكون مستعارا لتغيير التفكير الذي كان يفكره ويقدره يائسا من أن يجد ما فكر في انتحاله فانصرف إلى الاستكبار والأنفة من أن يشهد للقرآن بما فيه من كمال اللفظ والمعنى.
... وجملة )إن هذا إلا قول البشر( بدل اشتمال من جملة )إن هذا إلا سحر يؤثر( بأن السحر يكون أقوالا وأفعالا فهذا من السحر القولي. وهذه الجملة بمنزلة النتيجة لما تقدم، لأن مقصوده من ذلك كله أن القرآن ليس وحيا من الله.
وعطف قوله )فقال( بالفاء لأن هذه المقالة لما خطرت بباله بعد اكتداد فكره لم يتمالك أن نطق بها فكان نطقه بها حقيقا بأن يعطف بحرف التعقيب"(انتهي كلام العلامة ابن عاشور).
وفي تفسير ابن كثير:" إِنّهُ فَكّرَ وَقَدّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ * ثُمّ قُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ * ثُمّ نَظَرَ * ثُمّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَـَذَآ إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَـَذَآ إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ * لَوّاحَةٌ لّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ"
يقول تعالى متوعداً لهذا الخبيث الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا فكفر بأنعم الله وبدلها كفراً وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها, وجعلها من قول البشر وقد عدد الله عليه نعمه حيث قال تعالى: {ذرني ومن خلقت وحيداً} ...{ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لاَياتنا عنيداً} أي معانداً وهو الكفر على نعمه بعد العلم قال الله تعالى: {سأرهقه صعوداً} ... وقال مجاهد {سأرهقه صعوداً} أي مشقة من العذاب, وقال قتادة: عذاباً لا راحة فيه, واختاره ابن جرير. وقوله تعالى: {إنه فكر وقدر} أي إنما أرهقناه صعوداً أي قربناه من العذاب الشاق لبعده عن الإيمان لأنه فكر وقدر أي تروى ماذا يقول في القرآن حين سئل عن القرآن ففكر ماذا يختلق من المقال {وقدر} أي تروى {فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر} دعاء عليه {ثم نظر} أي أعاد النظرة والتروي {ثم عبس} أي قبض بين عينيه وقطب {وبسر} أي كلح وكره ومنه قول توبة بن الحمير:
وقد رابني منها صدود رأيته وإعراضها عن حاجتي وبسورها
وقوله: {ثم أدبر واستكبر} أي صرف عن الحق ورجع القهقهرى مستكبراً عن الانقياد للقرآن {فقال إن هذا إلا سحر يؤثر} أي هذا سحر ينقله محمد عن غيره ممن قبله ويحكيه عنهم, ولهذا قال: {إن هذا إلا قول البشر} أي ليس بكلام الله, وهذا المذكور في هذا السياق هو الوليد بن المغيرة المخزومي أحد رؤساء قريش لعنه الله, وكان من خبره في هذا ما رواه العوفي عن ابن عباس قال دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قحافة فسأله عن القرآن, فلما أخبره خرج على قريش فقال يا عجباً لما يقول ابن أبي كبشة, فو الله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي من الجنون, وإن قوله لمن كلام الله فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا: والله لئن صبأ الوليد لتصبو قريش, فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال: أنا والله أكفيكم شأنه فانطلق حتى دخل عليه بيته, فقال للوليد: ألم تر إلى قومك قد جمعوا لك الصدقة ؟ فقال: ألست أكثرهم مالاً وولداً ؟ فقال أبو جهل: يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه, فقال الوليد: أقد تحدث به عشيرتي ؟ فلا والله لا أقرب ابن أبي قحافة ولاعمر ولا ابن أبي كبشة, وما قوله إلا سحر يؤثر فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم {ذرني ومن خلقت وحيداً ـ إلى قوله ـ لا تبقي ولا تذر} وقال قتادة: زعموا أنه قال: والله لقد نظرت فيما قال الرجل فإذا هو ليس بشعر وإن له لحلاوة, وإنه عليه لطلاوة, وإن ليعلو وما يعلى عليه وما أشك أنه سحر فأنزل الله: {فقتل كيف قدر} الاَية.{ثم عبس وبسر} قبض ما بين عينيه وكلح, وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن عباد بن منصور عن عكرمة أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن, فكأنه رق له, فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام فأتاه فقال أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً. قال: لِمَ ؟ قال يعطونكه فإنك أتيت محمداً تتعرض لما قبله, قال قد علمت قريش أني أكثرهم مالاً, قال: فقل فيه قولاً يعلم قومك أنك منكر لما قال وأنك كاره له, قال فماذا أقول فيه, فو الله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن, والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا, والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة, وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يعلى, وقال والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه, قال فدعني حتى أتفكر فيه, فلما فكر قال: إنْ هذا إلا سحر يؤثره عن غيره"
ويقول صاحب الظلال:" والخطاب للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - ومعناه خل بيني وبين هذا الذي خلقته وحيدا مجردا من كل شيء آخر مما يعتز به من مال كثير ممدود وبنين حاضرين شهود ونعم يتبطر بها ويختال ويطلب المزيد. خل بيني وبينه ولا تشغل بالك بمكره وكيده. فأنا سأتولى حربه .. وهنا يرتعش الحس ارتعاشة الفزع المزلزل وهو يتصور انطلاق القوة التي لا حد لها .. قوة الجبار القهار .. لتسحق هذا المخلوق المضعوف المسكين الهزيل الضئيل! وهي الرعشة التي يطلقها النص القرآني في قلب القارئ والسامع الآمنين منها. فما بال الذي تتجه إليه وتواجهه! ويطيل النص في وصف حال هذا المخلوق ، وما آتاه اللّه من نعمه وآلائه ، قبل أن يذكر إعراضه وعناده.
...فقد كان ممن يحسدون الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - على إعطائه النبوة.
وهنا يردعه ردعا عنيفا عن هذا الطمع الذي لم يقدم حسنة ولا طاعة ولا شكرا للّه يرجو بسببه المزيد :
«كَلَّا!» ، وهي كلمة ردع وتبكيت - «إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً» .. فعاند دلائل الحق وموحيات الإيمان.
ووقف في وجه الدعوة ، وحارب رسولها ، وصد عنها نفسه وغيره ، وأطلق حواليها الأضاليل.
ويعقب على الردع بالوعيد الذي يبدل اليسر عسرا ، والتمهيد مشقة! «سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً» .. وهو تعبير مصور لحركة المشقة. فالتصعيد في الطريق هو أشق السير وأشده إرهاقا. فإذا كان دفعا من غير إرادة من المصعد كان أكثر مشقة وأعظم إرهاقا. وهو في الوقت ذاته تعبير عن حقيقة. فالذي ينحرف عن طريق الإيمان السهل الميسر الودود ، يندبّ في طريق وعر شاق مبتوت ويقطع الحياة في قلق وشدة وكربة وضيق ، كأنما يصعد في السماء ، أو يصعد في وعر صلد لا ريّ فيه ولا زاد ، ولا راحة ولا أمل في نهاية الطريق! ثم يرسم تلك الصورة المبدعة المثيرة للسخرية والرجل يكد ذهنه! ويعصر أعصابه! ويقبض جبينه! وتكلح ملامحه وقسماته .. كل ذلك ليجد عيبا يعيب به هذا القرآن ، وليجد قولا يقوله فيه :
«إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ قُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقالَ : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ» ..
لمحة لمحة. وخطرة خطرة. وحركة حركة. يرسمها التعبير ، كما لو كانت ريشة تصور ، لا كلمات تعبر ، بل كما لو كانت فيلما متحركا يلتقط المشهد لمحة لمحة!!! لقطة وهو يفكر ويدبر ومعها دعوة هي قضاء «فَقُتِلَ!» واستنكار كله استهزاء «كَيْفَ قَدَّرَ؟» ثم تكرار الدعوة والاستنكار لزيادة الإيحاء بالتكرار.
ولقطة وهو ينظر هكذا وهكذا في جد مصطنع متكلف يوحي بالسخرية منه والاستهزاء.
ولقطة وهو يقطب حاجبيه عابسا ، ويقبض ملامح وجهه باسرا ، ليستجمع فكره في هيئة مضحكة! وبعد هذا المخاض كله؟ وهذا الحزق كله؟ لا يفتح عليه بشيء .. إنما يدبر عن النور ويستكبر عن الحق .. فيقول : «إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ»! إنها لمحات حية يثبتها التعبير القرآني في المخيلة أقوى مما تثبتها الريشة في اللوحة وأجمل مما يعرضها الفيلم المتحرك على الأنظار! وإنها لتدع صاحبها سخرية الساخرين أبد الدهر ، وتثبت صورته الزرية في صلب الوجود ، تتملاها الأجيال بعد الأجيال! فإذا انتهى عرض هذه اللمحات الحية الشاخصة لهذا المخلوق المضحك ، عقب عليها بالوعيد المفزع :
«سَأُصْلِيهِ سَقَرَ»​
 
أركون بين اختراع المصطلحات وتملكها

أركون بين اختراع المصطلحات وتملكها

الكثير من الكتابات العربية عن المدعو أركون أحاطته "بهالة" علمية زائفة لا يحلم بها عند قراء الفرنسية خارج دائرة "أذنابه" الذين أرهقوا أنفسهم في تسليط الأضواء عليه... و موجز قصة هذا الرجل كما قلت مرارا وكما يعرفها المطلعون على أنشطته بفرنسا أنه مجرد منتحل أو "سارق" لأدبيات تيار لاهوتي فرنسي ، وقد سبقه الى انتحال تلك الأدبيات لفيف ممن ينتسبون الى "الاستشراق الجديد" من أمثال :لويس غاردي ومكسيم رودنسون لكن هؤلاء الأخيرين جل كتاباتهم بالفرنسية في حين سخر أركون أذنابه لتعريب كتاباته فلا يطلع القارىء العادي سوى على المعرب من هذه الكتابات التي وجدت في لبنان من يتعهدها نشرا وتوزيعا... وأرجع هنا لما ورد أعلاه من مصطلحات نسبت الى أركون معقبا فأقول سائلا من الله السداد: - مصطلح (الاسلاميات التطبيقية) هذا مصطلح غربي قديم استعاره المستشرقون من مجال دراسة اللاهوت بأوربا،واذا كان المصطلح يعني عند أركون وأذنابه(تطبيق مناهج علوم الانسان والمجتمع على دراسة الاسلام) فهذه الدعوى وجدت عند لفيف من المستشرقين منذ منتصف القرن العشرين،بل ان المشتغل في هذا المجال يعرف أن هؤلاء أقاموا مؤتمرا دوليا حول" السوسيولوجيا الاسلامية" في بروكسيل ما بين 11و14 سبتمبر 1961م، أي عندما كان عمر أركون23سنة وكان طالبا في مرحلة الباكالوريوس لم تطأ قدماه فرنسا بعد.فكيف يدعي هاشم صالح لعرابه شيئا لا فضل له فيه سوى الانتحال؟؟ لاشك أنه لن يجرأ على كتابة ذلك بالفرنسية لأن بين أيدي قرائها أعمال مؤتمرات المستشرقين ...لكنه تجرأ على الكذب على قراء العربية الذين لايطلع جلهم على وثائق الخزانات الغربية المتخصصة في عالم الاستشراق. - مصطلح " المكتوب" ومصطلح " الشفهي" المصطلحان ترجع جذورهما فيما أعلم- وفوق كل ذي علم عليم- الى دراسات اللاهوت مطلع القرن العشرين،ففي 1902م أنشأ بابا الفاتيكان (ليو الثالث عشر) "اللجنة الأسقفية للدراسات الانجيلية الكاثوليكية" رغبة منه في قطع الطريق على تيارات الحداثة التي تطاولت على تفسير (الكتاب المقدس) عندهم،ولسحب البساط من تحت هذه اللجنة لجأت تيارات الحداثة آنذاك في معاهد اللاهوت والفلسفة التابعة للجامعات الحديثة الى تبني تصور يقوم على أن نصوص الكتاب المقدس التي بين أيدي الناس ليست هي التي جاءت بها الرسالة المسيحية، لأن الأناجيل لم تكن موجودة الابعد زمن طويل من عصر "يسوع" عندهم، من هنا نشأ الكلام عن النص المكتوب المتأخر والنص الشفوي... وبحكم أن أركون في طفولته ويفاعه رباه "الرهبان البيض" الذين كانوا يشرفون على ما يسميه المغاربة "الخيريات" ASILES أي ملاجيء الفقراء والمعدمين والعجزة في المغرب العربي أيام الاستعمار الفرنسي...، فحين هرب الى فرنسا قبيل استقلال الجزائر لم يجد من يأوي اليه سوى طائفة تنصيرية مشابهة هي طائفة "الرهبان الدمينكان" ومقرهم المركزي في مدينة تولوز الفرنسية..، ولما شب عوده أراد أن يقوم في الاسلام والقرآن بما قام به الدمينكان المعاصرون في الكاثوليكية وهذا هو الدور الذي أفنى فيه عمره،ويكفي أن نعرف أن عددا من هؤلاء الدومينكان حصلوا على الدكتوراه باشرافه وأبرزهم القس المستشرق كلود جيليو. وللعلم فان الرهبان البيض والدومينكان معا يرتدون أقمصة طويلة بيضاء خلافا للسوداء التي عند الكاثوليك... والحصيلة باختصار شديد أن أركون لم يبدع شيئا: لا المصطلحات ولا الأفكار ولا النظريات... بل كان مجرد منتحل لكتابات تيار لاهوتي فرنسي وتصادف أن هذه الكتابات التي أصدرتها دار j.vrin و دار maisonneuve et larose مرتفعة الثمن ولا توجد الا في المكتبات المتخصصة ولا يطلع عليها قراء أركون الذين ألفوا أن يقرؤوا "انشائياته" المعربة التي خضعت "للتعليب" من قبل أذنابه...لذلك خفي أمره وحقيقته على الكثيرين منهم ،والله أسأل أن يحفظنا من أهل الفتن.
 
أشكرك على إضاءتك التي هي على قدر من الصواب والبيان الذي لا غبار عليه. ولعل في ذلك جوابا على بعض ما جاء في أسئلتي.
"الإسلاميات التطبيقية" القائمة على "تطبيق علوم الإنسان والمجتمع على دراسة الإسلام" كما يرى هاشم صالح تلميذ أركون، و"طزاجة القرآن" و"القرآن الشفهي الطازج" و"القرآن الممدوح، الطازج المفتوح على الدلالات" و"القرآن الايديولوجي"؛ وغرها من التراكيب الممكن وجودها في الكتابات الأركونية ليست مصطلحات؛ إذ المصلح لفظ، مجرد، مستقل عن غيره من الألفاظ، يعني دون إضافته لغيره ودون أن يكون هو مضافا إلى غيره. هذه تسمى بالتراكيب أو المركبات الإضافية، غالبا ما يكون فيها لفظ مركزي موصوف (هو المصطلح)، وقد يكون واصفا. أقول هذا بناء على تخصصي وتجربتي في هذا المجال والتي تقارب العقدين؛ فهذه التراكيب تسمى عند المتخصصين في الدرس المصطلحي بـ "الضمائم" أي ما ضُم إلى المصطلح واصفا أو موصوفا. وما ذهب إليه الدكتور عبد الرزاق هرماس بالنسبة للتركيب الأول من أن أصله استشراقي لا هوتي، يظهر أنه صواب.
ضعْف اطلاعي على المظان الأصلية للعديد من الألفاظ والتراكيب التي استعملها أركون في كتاباته المعربة من قِبل هاشم صالح أو من قبل غيره، يجعلني أقف ناقدا لكلامه بناء على "الخلفية المنهجية والتاريخية عند الرجل" والتي أشرتم إليها، وبناء على المعنى الذي يمكن أن تؤديه هذه الألفاظ أو بناء على معانيها الأصلية التي وضعت لها أول مرة؛ وأول شيء أقوم به إزاءها هو الوقوف معها لبعض الوقت ثم مراجعتها في القاموس العربي للاطلاع عليها، والنظر في حالها.
أما "تتبع خواطر إنسان من خلال ما يكتبه، أو بالأحرى هل يمكن اكتشاف عملية تفكير ما من خلال نتائج ما يسطره؟"، فأمر ممكن وواقعي؛ إلا أن ما سيسفر عن هذا التتبع هو الذي يُناقش، ويمكن أن يُأخذ منه ويُرد.
الربط أو المقارنة بين قصة الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي وبين آراء وفهوم محمد أركون في مجال الدرس القرآني، ربطٌ يمثل الاستمرار في الإساءة من ذالك الجيل إلى هذا الذي رأيناه ونسمع به في العصر الحاضر، وتلك القصة بآياتها وبآرائها التي أشار إليها الأجلاء الثلاثة: ابن كثير وابن عاشور وسيد قطب، هي أدلة نقلية تعضد ما أدعيه وأراه من عدم غموض مصطلحات أركون في نفسه، وهي أيضا تقديرات وصلت إلى منتهاها من التفكير والتروي والتقدير وتكرير النظر فاستقرت على ما هي عليه، بعد ما جالت وراجت وأخذت وقتا وحيزا في ذهن صاحبها. ويجوز أن تكون من قبيل " السحر القولي" الذي أشار إليه ابن عاشور رحمه الله. وتمثل قمة ما توصل إليه تفكير وتعبير الوليد بن المغيرة لا غموض ولا لبس فيه، فبعد "أن فكّرَ قَاَل" "ناقض نفسه" أو لا، آخر تفكيره قولٌ مصرحٌ به، وألفاظ مقروءة يراها غيره. كلام أركون يشبه كلام الوليد بن المغيرة فيما يرمي ويهدف إليه، سواء أكان ذلك بـ "تبدلات سريعة في عقله وفكره" أو لم يكن، وسواء أكان ذلك بـ" هروبه من الكلام عن أي شيء يخص ذلك القرآن الطازج الذي لا يعرف هو حده...هروبه من الشرح المفصل لفكرته عن طزاجة القرآن الذي قال إنه من المستحيل العثور عليه" أو لم يكن.
الغموض أو التردد والاضطراب يلاحظه القاريء وخاصة الناقد أو صاحب خلفية فكرية معينة، وقد يلاحظه صاحب الرأي إذا قام بمراجعة ما قال أو كتب واهتدى إلى ذالك. أما إذا لم يراجع ما كتبه ولم يهتد إلى عيوبه وغموضه، فإن ذلك يعد من قبيل الصواب عنده والذي لا شك فيه، وقد يستمر ذلك على حاله إلى حين اكتشاف خلاف ما هو عليه.
ومن ثم فإن الاختيارات العلمية الأركونية وخاصة المصطلحات منها في غاية من الدقة والوضوح بالنسبة إليه وبالنسبة لمن أخذ برأيه من أتباعه ومن غيرهم. وضوحها في ذهنه وفي سطوره التي كتبها جلي بالنسبة إليه، اعتبار ذلك غامضا في ذهنه مدخل لالتماس العذر أو الأعذار له، وفتح الباب أمام اتهامه بنقصان العقل أو الجنون أو الحمق، والدليل على خلاف هذا آراؤه وكتاباته؛ فغيره بعقل آخر وذهنية أخرى هو الذي يكتشف عكس ما رآه وفكّر فيه وكرّره فسطّره وعمل به.
و بعد الدليل النقلي الذي أشرتم إليه، أقدم لك دليلا عقليا أقول فيه: ألا ترى أنه عندما تُخاطب غيركَ أو تكتب له رسالة، بالنسبة إليك عين الصواب فيما كتبتَ وفيما تلفظتَ به دون غموض أو تناقض أو اضطراب؛ ولو شعرتَ أو أحسستَ بعض الغموض أو الاضطراب ما تكلمتَ أو كتبتَ؛ ومعنى هذا أن ذهنك وعقلك وجوارحك في انسجام تام. وعندما يتحدث إنسان ما معكَ أو يبعث لك بكتاب، بالنسبة إليه جمع ما صرح به وقاله أو كتبه لا غموض فيه، وهو من قبيل الصواب الذي لا نقاش فية؛ إلا إذا استدرك على ما قاله بنفسه فيما بعد، أو استدرك غيره عليه ونبهه بعد ذلك.
ثم إن أخْذَ رأي ما عن الغير واعتماده بالنسبة لأركون أو بالنسبة لغيره، ذلك كان ويكون بمحض إرادته، دون ضغط أو إجبار من أحد (اللهم ضغط الألفاظ و التعابير التي شدّتْه للأخذ بها)، باختياره وبمعزل عن الآخرين، وهذا شأن الباحث أي باحث. وعدم إتيان أركون بالدليل على ما أخذ أو على ما و "ضع من التعابير" التي أشرتم إليها، فهذا على أصله، لا إشكال فيه، لأن السارق ليس بحاجة إلى دليل يستدل به للناس على سرقته، بل منهجه قائم على طمس الأدلة وإخفائها؛ فهو كالحاطب بليل ليس بحاجة إلى دليل على أن فعله كان في الظلام، إذ طبيعة الحطب الذي بين يديه وما بداخله من البعْر والحشرات أو العقارب تُخبركَ بذلك.
ولو كان أركون حيًّا لساعد الانقلابين في مِصر على المزيد من طمس الأدلة (أدلة قتل الأبرياء في ميداني: رابعة العدوية ورمسيس وفي مسجد الفتح وسجن أبي زعبل...) والاجتهاد في ذلك، لأن محاربة "الأصوليين" جزء من مشروعه الفكري. أقول هذا بناء على ما قاله عن اليقظة الإسلامية وعن "الأصوليين" الذين يسميهم بـ "الحركات الإسلاموية".
ثقافة "تحرير محل النزاع" التي عند فقهاء المسلمين و المؤطرة لآرائهم، ضامرة، بل منعدمة في ثقافة الحداثيين وفي كتاباتهم، لأن الأصل هو منازعتهم أو التنازع معهم فيما يكتبون وفيما يذهبون إليه، ولأنه لا أصول لهم يستندون إليها وعليها، فالفوضى الفكرية مذهبهم، والآراء غير المنضبطة اختياراتهم.
و أدعوك يا أستاذ طارق إلى التأني عند حسم الأشياء ذات الطبيعة الذهنية أو العلمية، فالسرعة في مثل هذه الحالات لا تقتل فحسب، بل تُحرق. وإن كان الموضوع الذي نحن بصدده ليس موضوع محاسبة أو محاكمة، إنما موضوع رأي ورأي آخر.
كما أدعوك إلى مراجعة ما تَكْتب، فقد وجدت صعوبة في قراءته، بسبب غياب شبه تام لهمزة القطع في الكلمات التي بها همزة قطع، ووجودها في كلمات أصل الهمزة فيها همزة وصل، وقد حكى ابن فارس أنه قيل لأحد الأعراب:" أتهمز إسرائيل؟ فقال: إني إذن لرجل سوء. قالوا: وإنما قال ذلك لأنه لا يعرف من الهمز إلا الضغط والعصر" اهـ [يُنظرُ: الصاحبي، ص: 39]. وهذه الأخطاء سببها الاعتماد على الحاسوب في تصحيح الكلمات أو النقل للنصوص المكتوبة في البرامج "الإلكترونية" دون تصحيحها مرة أخرى بناء عل نسختها الورقية وبناء على أساليب العربية الصحيحة لغة ونحوا، وعدم الفصل بين الفقرات والكلمات أحيانا، واستعمال لعلامات الترقيم في الغالب بطريقة عشوائية (فما معنى وجود ثلاث علامات ترقيم متتابعة في مكان واحد؟ أو وضع العلامات في غير محلها؟ وما معنى وجود فاصلة بشكلها اللاتيني في نص عربي؟)، كما أن أواخر السطور ليست على مقياس واحد أو خط عمودي واحد؛ وهذا يفسد جمالية المكتوب؛ مما اضطررتُ معه إلى استنساخ مشاركتك الأولى والثانية على الورق لقراءتهما. أقول هذا تقديرا لكَ ولما كتبتَ وإسعادا لقرائك، وانتفاعا لهم بما تقول. ولا أريد شيئا آخر غير هذا.
أطلب منك توثيق كلام ابن تيمية رحمه الله فيما يخص رده على المتفلسفة في محاولتهم الربط " بين الملائكة والعقول العشرة السماوية المزعومة"؛ كما أطلب منك توثيق الكلام الذي نسبته لأركون فيما يخص "طزاجة القرآن" و"القرآن الشفهي الطازج" و"القرآن الممدوح، الطازج المفتوح على الدلالات" و"القرآن الايديولوجي" و "الرأسمال البشري". أعرف أن هذه الأشياء هي عندك، إلا أنه من حق القاريء الرجوع إلى مصادرها الأصلية للاطلاع عليها هناك.
أتمنى أن يحالفك الصواب فيما تدعيه، وأن يكون رأيي من قبيل الخطأ، الذي يُظهره الله على لسانك وبقلمك.
 
جزاكم الله خيرا وانا فرح بالنقد الذي وجه لي هنا،أقصد لتحليلي او بعضه، فهو أما يقوي حجتي وإما يصححها ويفتح لي آفاقا أخرى وأبوابا أخرى للمعرفة والتعرف على الخبرات والعقول خصوصا التي تساهم في المعترك الفكري الحالي أمثالكم وأمثال الدكتور عبد الرزاق هرماس، فإنا بحاجة إلى الحوار والنقد الداخلي فيما يخص المسائل التي نجتهد فيها وفي فهم المواقف العلمانية مختلفة المشارب والإيديولوجيات.
ولي تعقيب لاحق ان شاء الله
 
ولو كان أركون حيًّا لساعد الانقلابين في مِصر على المزيد من طمس الأدلة (أدلة قتل الأبرياء في ميداني: رابعة العدوية ورمسيس وفي مسجد الفتح وسجن أبي زعبل...) والاجتهاد في ذلك، لأن محاربة "الأصوليين" جزء من مشروعه الفكري. أقول هذا بناء على ما قاله عن اليقظة الإسلامية وعن "الأصوليين" الذين يسميهم بـ "الحركات الإسلاموية".
كتبت مقالا ودفعته لرجالات مجلة حراس الشريعة اول امس وفيه مايشبه نقطتك هذه واسم المقال الذي سيعرض في بداية الشهر العربي القادم علمانيو الانقلاب خزي الماضي والحاضر
وان شاء الله بمجرد اصدار عدد المجلة ووجود المقال فيه اخبركم استاذ عبد القادر
وعموما مافي المقال يتكلم عن صلة هاشم صالح وغيره من العلمانيين بفلسفة الدم!وفي المقال امور اخرى كثيرة
 
لكي يستمر نقاشنا في بعده النظري والفكري الهادف إلى تحرير محل النزاع أو المختلف بشأنه، أرجو الأخذ بملاحظاتي العامة والخاصة فيما سيأتي، فلسنا على مائدة حوار أو نقاش فينظر بعضنا إلى البعض الآخر عن قرب، فيأخذ عنه ويفهم كلامه بسرعة. النظر إلى بعضنا من خلال المكتوب، وكلام بعضنا مع الكلام الآخر كما هو بكلماته وحروفه، بصوابه وبخطئه، فليس هناك من وسيلة غير الحديث والحوار مع الكلام المسطَّر.
وليس مهما أن نتفق على فكرة واحدة أو رأي واحد أو نختلف فيهما، ولكن المهم أن يكون كلامنا في منتهاه من الدقة العلمية والوضوح والاستقامة كاستواء السنبلة على ساقها، مع استحضار المنقول والمعقول من الأدلة.
أنا على علم وأنت كذلك أننا نتعاضد ونتكامل، وأننا في جبهة واحدة، وإن ظهر اختلافنا في تناول بعض القضايا العلمية، وهذا من خصوبة المنبع الذي ننهل منه. فلله الفضل والمنة على أن هدانا للذود عن القرآن والسنة.
 
إن شاء الله نتناول المسائل كاملة ، ملاحظتكم العامة والخاصة، ونسأل الله ان ييسر لنا الوقت المناسب لإعطاء هذا الموضوع حقه من التفصيل والحوار فهو موضوع أكاد أقول انه يحاول اقتحام وتناول ولمس وإكتشاف الشعرة الدقيقة بين الأصل الغربي العلماني ومصطلحاته وبين التبعية الفكرية العربية العلمانية ومايمكن أن تضيفه شرحا أو تفسيرا أو تحويلا أو زيادة، أو إصطلاحا.
فهو يغامر بكشف تلك المعضلة وتبيان حقيقته الفاصلة.
فالموضوع هو بيان التبعية وفضح عمليات الإختلاق والعبودية للفكر المنقول، ومافي ذلك من إدعاء بالإختراع والإبداع، وصلة الإضافات العلمانية العربية بالأصل.. مع بيان الذاتية عند المؤلف وموقعها من ذلك كله!
إن إظهار الفروق بين الأصل والتقليد أو الفكرة المخترعة الأولى ومحاولة نقلها، مع أضافات وزيادات، ومصطلحات، هو أمر مهم في حالتنا، وقد تناول شيخ الإسلام وغيره تلك الفروق بين الأفكار والمعتقدات والفلسفات اليونانية المنقولة بمصطلحاتها، وبين ماأحدثه الفارابي والكندي وابن باجة وابن طفيل والغزالي وابن رشد وغيرهم من تحويل للفكرة اليونانية إلى معنى إسلامي، وللمصطلح اليوناني إلى مصطلح إسلامي، مع إضافة مصطلحات وتأويلات، ترجمات مغايرة للأصل أو مصطلحات ملبسة للمعنى المنقول .
ومع أن هناك فرق بين بعض القامات العلمية الإسلامية مثل الغزالي وابن رشد وبين مايفعله أقطاب العلمانية اليوم من تغيير وتبديل، وتحويل وتأويل، إلا أن غرضنا هنا هو بيان كيفية نقل فكر ومصطلح وتبيئته مع زيادات في المعاني وإضافة في المصطلحات، او غموض مربك وعمل مقارنات ذهنية خاطئة متعسرة وغير مكتملة تتبعها جرأة طائشة متسرعة ، مع ، وأحيانا،مصطلح مزيف، فتحويل للفكرة الأم واختراع مصطلحات وليدتها، ومحاولة إيجاد موضع قدم لها في تراثنا، بالنسبة لأولئك المتفلسفة ، تحتاج منهم ، عملية قسرية من التلبيس والتلوين، التلفيق والتبديل، الإقتباس والتحويل، هذا ماأردت من جهتي،عرضه هنا وبيانه في الحالة الأركونية .
ولابد من إكتمال الفكرة وتوثيق الموضوع والمسائل المشار إليها.
 
مضى أزيد من أربعة أشهر على ملاحظاتي وطلبي القاضي بتوثيق الكلام المنسوب لابن تيمية رحمه الله وآراء أخرى لأركون. وما زلت أنتظر الجواب.
قد يتبادر إلى ذهن البعض أن المشكلة تكمن في ضعف اطلاع وجهل المتلقي مثلي: وهذه مشكلته هو، عليه أن يعالجها بنفسه، أو أن هذه المشكلة يعاني منها باقي القراء الذين يلزمهم الإكثار من القراءة، وتنويع معارفهم لمحو الأمية التي يعانون منها، وهذا صحيح إلى حد ما. لكن عندما يتعلق الأمر بآراء وتعابير مِفْصلية في فكر الرجل (محمد أركون) طبيعة التعاطي معها تستلزم الوقوف عليها في مظانيها التي أوردتها، لكونها تتضمن أحكاما، مع التعسف في استعمالها وإلصاقها بكلمة القرآن.
إن سرعة إيراد الكلام الأخير للأستاذ طارق، وقد سجلت وقتها أن بينه وبين كلامي السابق عليه أقل من ثلاث ساعات، تُشعر أنها ستكون متبوعة بما طلبته، أو قد يطلبه غيري كالاستفسار عن شيء غامض لم يفهمه، إلا أن العكس هو الذي حصل. وهنا سؤال تبادر إلى ذهني حينها وهو: أن سرعة غير عادية تؤطر ردك يا أستاذ طارق، فهل من الممكن معرفة السبب الحقيقي الكامن ورائها؟ وما السر في كلام لا يحمل جوابا أو إضاءة لاستفهام سابق أو لإشكال لاحق قد يكون سببه سوء الفهم؟
إذا كان الكلام المذكور عن الفلاسفة المسلمين حقيقة علمية ثابتة، فما هو الدليل النقلي عليها؟ فحسب علمي هذا الكلام مما هو شائع، وإن مروجيه من أنصاف المتعلمين والمثقفين وخاصة العلمانيين منهم، كادعاء أركون أن الدراسات الإسلامية "مجرد نقل أو تغيير بسيط كما كان يقوله القدماء"، ومروجو هذا الكلام من العلمانيين وأتباعهم يريدون الوصول إلى نتيجة يصفونها بأنها من المسلمات (بالتعبير الرياضي) ويسعون إلى إقرارها، وهي أن الإنتاج العلمي والمعرفي يسير وفق خط مستقيم، السير فيه يكون من آخر نقطة أمامية؛ ما فعله علماء المسلمين من قبيل الإضافات البسيطة والتغييرات الطفيفة، ويريدون من هذا التسليم والقبول بكل ما هو غربي من الناحية العلمية.
إلا أن الوقائع التاريخية وما نحن عليه يكذب هذا الادعاء؛ فالإنتاج العلمي يسير وفق منحنى (بالتعبير الرياض) يَنْزل ويَصْعد. ويريدون من تلك النتيجة جعل القطيعة أبدية مع كل ما هو من الإنتاج الفعلي والميراث العلمي للأمة الإسلامية، والقَبُول بكل ما هو غربي، الانطلاق منه والاعتماد عليه والتأسيس على معطياته لإنتاج علمي جديد، خاصيته الكبرى التبعية لذلك الموجود في الغرب النصراني.
 
ياسيدي بالنسبة لهذا الموضوع بالذات تكلمنا فيه بما يغطي الموضوع الذي افتتحته في الرابط واضفت رد طويل رغبة في النقاش والحوار ووعدت فقلت: إن شاء الله نتناول المسائل كاملة ، ملاحظتكم العامة والخاصة، ونسأل الله ان ييسر لنا الوقت المناسب لإعطاء هذا الموضوع حقه من التفصيل
هذا ماوعدت به وإلى الآن لم أجد وقتا للرجوع الى الموضوع
أما ردي الأخير عليك سريعا فدليل على أني لم أهمل سؤالك ولإحترامي لك لم أشيح بوجهي-والا لم ارد الرد الأول المطول تعليقا على كلامكم- ولم أعرض عن السؤال وكأنه لم يكن، لكني إشترطت العودة إلى الموضوع بتوفر الوقت لا بتوفر القراءة،
 
لنرجع أولاً الى كلامك استاذ عبد القادر المحجوبي، أنت قلت:
إلا أن الأبعد أو الأعمق مما ذهبتم إليه هو أن أركون يريد بذلك إثبات أو التدليل على وجود قرآنين أحدهما يُقرأ والآخر يُتلى وكلاهما من قبيل الخطاب المختلف من هذا القرآن إلى ذاك. وأن القرآن الأول المسموع ليس هو الثاني المكتوب فيما بعد؛ ذلك أن هذا الأخير قد تكون أضيفت إليه كلمات أو آيات أو حذفت منه كلمات وآيات؛ والأول يفترض أن يكون أصله نص مكتوب حذفت منه أشياء أو أضيفت له بعد سماعه من النبي
slah.png
...إلخ.
ولاأعرف كيف توصلت إلى هذا المعنى أو تلك التفرقة من كلام أركون؟ (أرجو إيراد الدليل وجزاكم الله خيرا)
فأركون يريد بالقرآن الشفهي المقروء :ماكان قبل أن يُكتب بعد عمليات تغيير وتبديا وأدلجة!، وحضرتك تقول إنه يفترض أن يكون أصله نص مكتوب حذفت منه أشياء أو أضيفت له بعد سماعه من النبي
slah.png
...إلخ.
أما أركون فلم يفترض في الشفهي الكتابة!
إنه بالنسبة له شفهي وقد سماه بالطازج،وذلك حتى يحافظ على عملية التفرقة التي اصطنعها في نفسه، تبعا للتقسيمة المسبقة بين الشفهي والمكتوب، والتي حاول تطبيقها بصورة تعسفية وهي التي سببت له عُسر الفهم والتطبيق أما عن عسر الفهم فيمكن الإطلاع عليه من خلال الدربكة أو الإضطراب في عملياته التطبيقية والتي يمكن للباحث أن يلاحظ ظلالها ووقعها بين السطور،كما يمكن فهم أن أركون وقع بين غموض المصطلح الذي تفرد هو به، محاولاً من خلاله القيام بعملية أنزال بارشوتيه فاشلة(لعدم صلاحية الأداة) على المفهوم الإسلامي مما سبب له عدم وضوح بل والوقوف عند مرحلة أولى من التطبيقات الساذجة والإستشراقية التقليدية، كما هو حاله مع سورة الكهف وسورة التوبة وسورة الأنفال، وهو مايعني بالنسبة لي أن أركون انتابته حالة حيرة عنيفة نتجت عن غموض الفكرة ومن ثم عدم صلاحية المصطلح في نفسه، وإلا فليقل لي أحد لماذا لم يمضي أركون في تطبيقاته التي أعلن أنه افتتحها؟
أما أنا ففكري لايهدأ من عمليات مقارنة بين التفكير الوثني(أو الكتابي) تجاه النبوة وعلائقه النفسيه الجامحة ومصالحه الشخصية أو النفعية وماقاله عن النبي والنبوة والوحي، وجهله بالحقيقة، وبين حالة أركون وغيره من العلمانيين، خصوصا الذين يصكون المصطلحات أو إن شئت جلبوا أكثرها من الغرب (مع النظريات، لنتكلم هنا عن حالة طيب تيزيني مثلا) ليقوموا بمحاولات تفسيرية وإسقاطات ساقطة على النصوص القرآنية أو التاريخية.
القرآن دعانا للتفكر في الحالة التشابهية بين النظائر، ونحن نعلم أن علم القرآن أخبرنا أنه : تشابهت قلوبهم!،وقد تكلم القرآن عن ملامح تلك النفس الشائهة وطريقة تفكيرها الداخلي وكشف لنا عن عملياتها الخائبة والضعيفة داخل النفس والفكر، ولابد أن كثير من عملياتهم النفسية متشابهة، لوجود نفس النتيجة ونفس المقدمات والثغرات والاهواء والمواقف والملامح والقسمات والاقوال وقد رأيناها قديما في كثير من الذين ذكر الله مثالهم بقوله إنه فكر وقدر!
وإنك لترى إن تمعنت في مصطلحات أركون المجلوبة أو المخترعة منه، أنها فاسدة المنطلق والمفهوم إذا طُبقت على نصوص ومفاهيم هي أبعد ماتكون عن محاولات صياغتها في كتلة مصطلحية أو مفهوم ضغطه أركون في مصطلح أو جلب له مصطلح!
إننا نتكلم عن شخص له نفس، وله ميول وله أيديولوجية، ويمكن من تتبع طريقته في العمل والتلفيق، والتردد وسذاجة التطبيق مع عظم الإدعاء أن الرجل تلجلجت المصطلحات في نفسه وأوقفت حركته التي زعم أنها الحركة الكبرى في التطبيقات المعاصرةو ولما لم يجد بد من قول أو فعل شيء فقال كلاما استشراقيا عن القرآن(في تطبيقاته) وألبسه إطلاقات عامة تُظهر أنه جلبها والسلام !
مثل فكرة الشفهي والمكتوب، فإذا ذهبنا لننظر ماذا فعل بها نجده وقف عند حدود الكلام ولم يجرؤ على النزال، لأن الفكرة عاجزة في نفسه عن فعل شيء، لعدم الإنتهاء من استواءها في نفسه، ولأنه كان يسابق الزمن لم يستطع التأخر كثير عن أعلاناته الكبيرة ولما رحنا ننظر في تطبيقاته لها لم نجد شيء يذكر فعلمنا أن الفكرة مضطربة في نفسه يشوبها غموض أعجزها عن الفعل!
هذا هو كل شيء
وغيره يفعل فعله فلو رحت لطيب تيزيني في مشروعه الكبير عن الفكر العربي(من 12 مجلد) والسيرة فستجده يتمحل الأدلة ويسوق التاريخ سوقا إلى طريق خيالي لفقه تلفيقا، مثل قصته المخترعة عن اشتراك النبي عن طريق خديجة في تنظيم دولي ولما أعوزته النصوص راح لنص لطه حسين من كتابه على هامش السيرة رسم فيه طه موقف اخترعه اختراعا عن وجود تنظيم دولي أرسل رجل الى مكة للتشاور ونقل الأوامر!
وأخفى تيزيني أن طه حسين اخترع النص اخترعا، وراح صاحبنا المادي الجدلي يبني على النص المختلق مفهوم للنبوة منبثق من حركة اقليمية ودولية قامت ضد الإمبراطورية البيزنطية كانت هي صاحبة الأمر والفعل في صنع رجل اسمه محمد!
وهنا دعني أقول لك، هل يمكن اكتشاف نفسية تيزيني وتلجلجه ووتصور حالته وهو يكتب فريته أم لا وأقول لك يمكن ذلك عن طريق النظر في عمليات التلفيق والتقدير ثم التقدير والكتمان، والاضطراب والخلل في تركيبة الجمل والثغرات فيها، وكأنك ترى اليد اليهودية تضع يدها،في حالة، على نص الرجم ، من التوراة،(في الرواية المشهورة) إنك لترى أن تيزيني فعل هذا كثيرا ويمكن تتبع هذا وتوثيقه. والأمر يطول لكن ضربت له مثلا باستخدامه لنص طه حسين ولا أظنه يجهل أن النص لم يكن حقيقة تاريخية إنما نسجه طه حسين من مخيلته كما رسم اليونانيون أساطيرهم، كما قال في مقدمة روايته هذه أي على هامش السيرة ، ولا أظن أن طيب تيزيني غفل عنها ومع ذلك فالرجل جعلها محورا مهما في تحليله الذي لخصته من هنيهة وهو كلامه عن هدف: التنظيم الدولي ومناهضته لحالة سياسية عامة ومتمكنة في صورة امبراطورية عظمى، ماجعل واحدا من التنظيم يتقدم صفوفه للقيام بعمل معارض كبير في المنطقة!!، فهنا يجعل تيزيني من النبي (معارض) انضوى تحت (تنظيم دولي) مع إضافة فاعلية شخصية ممتازة، وبدلا من أن يصرح بانها كاذبة قال : استغلت الموقف وتحركت بفاعلية تاريخية ممتازة وأعلنت النبوة(المعارضة) في السياق التاريخي القديم بما فيه من أساطير ومعارضات سياسية على هيئة مذاهب مسيحية وغيرها.
أين العمق في هذه التلاعبات السطحية لاأعرف وهي تنتهي الى أن القرآن والحديث والنبي نتاج هذا الفعل التاريخي وظروفه المذكورة!
فإنك تجده يقول -وأنقل لك من كتابي أقطاب العلماني الجزء الثالث(لم ينشر بعد)، :" العناصر الثلاثة (شخصية محمد، والنص القرآني، والنص الحديثي)، سنجد ضرورة النظر إليها وفي أساس الموقف ، من حيث هي ثلاثة وجوه لبنية واحدة"(مقدمات أولية ص 41). يطمس تيزيني الحقيقة من داخل المادة وخارجها، في سبيل تدعيم مشروعه المادي، انه هو نفسه يخبرنا أن المنهج الجدلي يخترق مشروعه كله" عمقا وسطحا" :" إن المنهجية الجدلية المادية التاريخية ، بعناصرها البنيوية والوظيفية، تمتلك،..في رأينا.. الإحتمالات الأكثر رحابة بإتجاه اكتشفات الحقيقة في وحدتها الجدلية الأبستمولوجية والأيديولوجية"(على طريق الوضوح المنهجي، طيب تيزيني، ص254،255)

مالفت نظري هو أن حضرتك قلت أنك فهمت من كلامي أني قلت أن اركون أخذ التفرقة من الفلاسفة القدامي"
وهذا لم يرد في كلامي بل أخذه من المناهج الحديثة التي درست النصوص والأقوال فقسمت الثقافة إلى شفهي ومكتوب.
وهذا نص كلامي:
وثانيا محاولة منه لإتهام القرآن المكتوب بما إتهمت به المناهج الغربية النصوص القديمة أو إسقاطه لتلك التفسيرات والتقسيمات(تراث شفهي-تراث مكتوب) على القرآن المجيد ، إنها عملية قسرية لتفسيرات علمانية لتراثات الأمم الماضية على القرآن الكريم..أي ماأطلقوا عليه(التراث الشفهي) و(التراث المكتوب) وبعد إجراء عملية التقسيم(شفهي-مكتوب) راح يدعي أن كتابة المصحف(المكتوب) أدى إلى تلاعب بالمؤمنين لأجل تدشين إيديولوجيا مغلقة وخاطئة معا.
 
لولا الأسئلة الموجهة لي ما رجعتُ إلى الموضوع حتى لا يخرج أو نخرجه عن هدفه ومضمونه.
إن إلحاحي على توثيق الكلام المنسوب للآخرين نابع من كون الأدلة النقلية ينبغي الإحالة عليها في مصادرها أو مراجعها التي ذكرتها، يتم إسنادها إلى أهلها، حتى يكون المستدل بها أو عليها في راحة تجنبه الكثير من الأسئلة وما قد يوجهه الآخرون له من النقد. ثم إن أعراف النقاش والحوار العلمي تقتضي ذالك. ولا أريد شيئا آخر غير هذا.
الدليل النقلي على كلامي:" ... أن أركون يريد بذلك إثبات أو التدليل على وجود قرآنين أحدهما يُقرأ والآخر يُتلى وكلاهما من قبيل الخطاب المختلف من هذا القرآن إلى ذاك. وأن القرآن الأول المسموع ليس هو الثاني المكتوب فيما بعد؛ ذلك أن هذا الأخير قد تكون أضيفت إليه كلمات أو آيات أو حذفت منه كلمات وآيات؛ والأول يفترض أن يكون أصله نصا مكتوبا حذفت منه أشياء أو أضيفت له بعد سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم[FONT=&quot]...[/FONT]إلخ". الذي هو استنتاج توصلتُ إليه بتفكيك قول أركون":فالفكرة الأساسية تكمن في التلاوة المطابقة للخطاب المسموع لا المقروء. ولهذا السبب بالذات أفضل التحدث شخصيا عن الخطاب القرآني، وليس النص القرآني، عندما أصف المرحلة الأولية للتلفظ (أوالتنصيص) من قبل النبي. ذلك أن مرحلة الكتابة ( أي كتابة الخطاب القرآني)قد جاءت في ما بعد في ظل الخليفة الثالث عثمان (بين عامي 645-656م). ولا ريب في أن التمييز بين مفهومي الخطاب والنص يتخذ أهمية أكبر على ضوء الألسنيات الحديثة (وأحب أن أُحيل القارئ، هنا، إلى كتابي قراءات في القرآن[FONT=&quot])"([/FONT]الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص73). وهذا الكلام هو الذي اعتمدتَ عليه في قولك: إن أركون (... يفرق بين القرآن ك"نص" والقرآن ك "خطاب" وهي مصطلحاته على كل حال) والكلام لكَ يا أستاذ طارق.
وهذه الألفاظ: "التلاوة" "القراءة" "الخطاب" "النص" "السماع" "المرحلة الأولية للتلفظ أو التنصيص" "الكتابة"... هي المفاتيح التي اعتمدتُ عليها في تفكيك كلام أركون لاستنتاج الكلام الذي خرجتُ به، كذلك ما توحي به هذه الألفاظ (ما يختبئ خلفها) من المستلزمات التي تتبعها.
عندما نقول لإنسان ما: اقرأ، فإنه يقرأ الشيء المكتوب المنظور أمام عينيه، ولا يقرأ ما في ذهنه أو شيئا آخر غير موجود أمامه، والقراءة تقتضي مما تقتضيه التوقف عند الألفاظ المقروؤة، واستعمله أركون للمغايرة بين الخطابين: الأول: مسموع والثاني: مقروء.
واستعمل لفظ التلاوة (وهو هنا أيضا لفظُ مغايرة) التي تقتضي التتابع للشيء المتلو، ليقول: إن القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، هو مكتوب أو في حكم المكتوب وليس مسموعا من المَلَك جبريل عليه السلام. والذي يتلو "الخطاب المقروء" يمكن أن يخطئ فينسى كلمات أو حروفا، ويمكن أن يضيف حروفا أو كلمات لأنه إنسان (غير مؤيد أو مؤيد من الله وبالمَلَك، هذا شيء آخر)؛ نعم هو لم يصرح بهذا وبالكلمات التي سطرتُها لكن يُفهم ذلك من كلامه بناء على الألفاظ والجمل المستعملة.
أما عن ملاحظتك الثانية والمتعلقة بفهمي من كلامك (ولم أصرح أنك نسبته لأركون) للتقسيمات التي أشرتم إليها، فهو فهمي، بنيته على عدم تحديدك لـ " المناهج الغربية" و"تفسيرات علمانية..." من هم هؤلاء العلمانيون أصحاب التقسيمات؟ الذين يمكن أن يكون فلاسفة؟ وعلى كل فهو فهمي إن أخطأت فيه فمن طبع الإنسان أنه يخطئ.
وفق الله ورعاك وسدد رميك وخطاك.
 
الإسلاميات الكلاسيكية عند أرغّون مثل السلفية الإستشراقية عند محمدعابد الجابري، هي مصطلحات غير غامضة بل هادفة كوسيلة للدفع الإستباقي حتى لا يقال نقلوا عن إستشراق مُغرِض ذو هوى سياسي وميل إيديولوجي.
 
صدقت ياسيدي شايب لكني اتكلم عن مصطلحات صنعوها وهي غير مطابقة ولا جاهزة، والسبب في خطأ الصك هو خطأ فهم الإسلام نفسه أو فهمه لكنهم يحاولون اعطاءه معنى لاهوتي مسيحي ليعكسوا عليه تفسيراتهم فلايجدوا صعوبة في التعامل مع المفهوم، وطبعا المفهوم الذي في أذهانهم وليس في حقيقة الشيء!
إنه النقل والصك للإيحاء بالسبق والإبداع لكن بإختبار عملياتهم التطبيقية أو الحدسية أو العلمية سنجد أنهم هم أنفسهم وقعوا في حيض بيص، أو في ضلال واضطراب أو ضعف في الصك والمقابلة أو المقارنة أو تطبيق المناهج أو مايظنوا أن المصطلحات التي إخترعوها تفي بالغرض وبينما هم يروحون ويجيئون حول النصوص تجد أنفاسهم مخنوقة وأفكارهم مرهقة والعجز قاهر داخلي لهم!
 
علي هنا أن أذكر أن دراسة نفسية أركون ومحاولة الوصول إلى الفكر الذي أدى به إلى وضع مصطلحاته التي تعبر عن مضامينها العلمانية المادية هو أمر غير مستغرب خصوصاً وأن أركون نفسه حاول أن يفعل نفس الشئ مع العقل الإسلامي، وطبعا بعد أن نزع منه حقائقه الثمينة وأعطاها للفكر الفلسفي، وعلى كل حال، فالرجل دعا إلى دراسة " نفسية" ابن تيمية والجاحظ والنظام والكندي والغزالي وابن خلدون والبيروني وابن الهيثم وغيرهم " ضمن منظور تاريخي وضمن منظور الاكتشافات الجديدة الخاصة ب " الإنسان العصبي"... إن مؤرخ الفكر المغموس حتى قمة أذنيه باستكشاف أنظمة الفكر القديمة ومعرفة بنيتها والذي لايهتم إطلاقاً بالإستفادة من علم البيولوجيا وعلم النفس المعاصرين يبرهن على تشظي المعرفة وتبعثرها وعلى اللامبالاة تجاه وحدة العمل العقلي وتفكك نظرة الدارس للعالم ولتجربته وفعاليته هو بالذات"تاريخ الفكر العربي الاسلامي لاركون ص 26) ويقول ان الأفكار والتصورات التي تنطبع على نسيجنا العصبي عن طريق وساطة اللغة لابد أن يتعرف عليها من خلال التعرف على منشأ الثقافة ووظيفتها (نفس الصفحة باختصار)
وأنا ابحث من وراء عقل اركون أو من خلال لغته على الطريق الذي نحت من خلاله مصطلحاته بل وكيفية العملية التي قام بها في عقله، وليس ذلك من الغيب في شئ وانما محاولة الربط بين الفكرة ولغتها الاحادية المادية وبين عملية النحت والتركيب
أي الربط بين الفكرة والصور أو الأشكال المعبرة عنها أو كما يقولون في الفلسفة الذات والموضوع أو المصدر والفروع أو الفكر واللغة!
 
يقول اركون:" فعملي كمؤرخ لتاريخ الفكر الإسلامي عبارة عن جهد متواصل لنحت المصطلحات ومفاهيم نقدية جديدة بغية تحليل مختلف الخطابات المنتجة من قبل العقل الإسلامي"(نحو تاريخ مقارن لمحمد اركون ص 395)
 
نشكر جهد الأستاذ طارق منينة
الموضوع كبير وعويص وبحاجة لغوص أعمق واختصار وتدليل بإيجاز
 
جزاكم الله خيرا استاذنا الحبيب الغالي رغم عناده-ابتسامة
مازلت شغال في الموضوع، وان كان يبعدني عن الكتابة فيه انشغالات وامور أخرى.
بيد أن يمكن القول أن أركون صنع مدرسة تطبيقية يقودها عبد المجيد الشرفي وتلاميذه، الحداد نموذجاً، وهذه تحاول ان تترجم مصطلحاته القاصرة، التي هي جمع بين خيال الحداثة عن الدين وخيال المستشرقين، ومنهم ماسينيون-استاذ اركون القديم- في نواح وصديق اركون مكسيم رودنسون وغيرهما
فالرجل حاول ضغط تصور الخيال الغربي هذا -عن القرآن والإسلام والسيرة وغير ذلك في مصطلحات خاصة يمكن بتفكيكها-اي عناصر التخيل الفاشل هذا - اسقاطها!
ذلك انها مجموع عناصر تحت السطح اللفظي ، لاتناسب التناول القرآني بل تعطيه معنى ليس فيه وتلبسه ثوبا مرقعا ليس له وتنزع عنه مافيه من مقومات وحقائق وخصائص وتعطيه غيرها مما هو من شأن الأديان المنحرفة أو الأفكار الناتجة عن ظروف القارئ والمقروء والنص والمنصوص والكاتب والمكتوب عبر الثقافة والمتخلق فيها، ولايمكن ان يكون المنزل بصيغة الوضعي ولا الاعلى بصفة الاسفل ولا الحق بصفة النسبي المتبدل والمتغير والقرآن لايخلق من كثرة الرد
 
تقول:أن أركون صنع مدرسة تطبيقية يقودها عبد المجيد الشرفي وتلاميذه، الحداد نموذجاً، وهذه تحاول ان تترجم مصطلحاته القاصرة، التي هي جمع بين خيال الحداثة عن الدين وخيال المستشرقين، ومنهم ماسينيون-استاذ اركون القديم- في نواح وصديق اركون مكسيم رودنسون وغيرهماأرجو التكرم بالأدلة حتى لا يزايد مزايد...وشكرًا
 
قبل أن أجيبك على السؤال علي أن أذكر العلاقة بين محمد اركون وعبد المجيد الشرفي ومحمد الحداد من خلال نص شاركوا في إخراجه أي نص اشرف عليه اركون وكان الوسيط في النهاية لإخراج النص الش!رفي واما صاحب النص فهو الحداد.
إن عادتي في الكتابة هو الإتيان بالنص العلماني مباشرة حتى أُحكم المسألة بعيدا عن القيل والقال.
يقول محمد حداد في مقدمة رسالته للدكتوراة:" هذه الدراسة التي نقدمها بين يدي القارئ هي صيغة معربة ومختصرة ومعدلة عن اطروحة دكتوراة ناقشناها سنة 1994 ... وكانت الأطروحة قد أُعدت تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد أركون ونشرنا بعض نتائجها في مقالات باللغة الفرنسية " ، أما في الهامش فقد قال تولى الأستاذ الدكتور عبد المجيد الشرفي مراجعة هذه الصيغة العربية ، فله منا جزيل الشكر " (محمد عبده قراءة جديدة في خطاب الإصلاح الديني لمحمد الحداد، دار الطليعة، بيروت، 2003، ص8)
وتحت عنوان اعتراف يقول:" أننا عندما قررنا اتخاذ نصوص محمد عبده مدونة للأطروحة الخاصة التي خضنا غمارها مع الأستاذ محمد أركون، كان يبدو الإطار العام واضحاً لالبس فيه، فقد كانت نيتنا تطبيق التحليل البنيوي التكويني ، تأثراً بلوكاش وغولدمان خاصة، على نص من التراث العربي القريب، وكانت الوجهة أن نقارن بنيتين : بنية الخطاب اللاهوتي" القديم والمتجدد وبنية خطاب الحداثة كي نحدد مواطن التعارض بين الخطابين ونبرز المعوقات التي تقف حائلاً دون تخلص الخطاب العربي من بناه القديمة للانخراط في ثوابت الحداثة مع المحافظة للذات على الإستقلال الحضاري والفلسفي(....)"(المرجع نفسه ص 9)
ويذكر في تكملة النص انه غير وجهته من الولع بالمناهج البنيوية الشكلانية الى مانصحه به اركون اي مناهج التحليل ذاتها وعموما ليس غؤضي بيان منهج بحثه الآن وإنما الربط بين اركون والشرفي والحداد في عمل كأنه مشترك حتى الآن
والى أن آتي لك بالدليل الأقرب على ماقدمته آنفاً.
 
يقول الحداد في كتابه حفريات تأويلية:"إني أكرر امتناني للأستاذ محمد اركون الذي عملت تحت اشرافه عدة سنوات ، فمنه تعلمت هذا الموقف المزدوج للعمل العلمي : النقد الأيدلوجي ذا الدور التنويري الذي يقصد رفع القداسة والأسطرة عن التراث وإبراز جوانبه المضيئة؛ والنقد السوسيولوجي -السيميولوجي الذي يقوم على مساءلة التراث بإشكاليات العلوم الإنسانية والإجتماعية الحديثة، والتي تمثل اللسانيات بالمعنى الواسع أحد أعمدتها وموجهاتها. وأنا أعتبر ما أقدمه هنا مواصلة للمشروع الأركوني وإعادته إلى طموحه الأصلي، لأني لاأريد لهذا المشروع أن يرتد إلى خطاب تنويري يقف عند هذا الحد،...وأن الرد على الأيدلوجيا بالأيدلوجيا لايخرجنا عن فضاء الأديولوجيا ولو كانت الثانية أبلغ فضلاً. هذا بالذات مالم يُفهم من مشروع أركون فتعرض لنقدين متعارضين : اعتبره البعض تخفياً عن المساهمة في التنوير وراء المصطلحات والأساليب المعقدة ( وكأن الخطابات العلمية تُكتب في لغة البيانات السياسية)، فيما اعتبره البعض الآخر أيديولوجيا من .....لكني أعتقد أيضاً أن الوفاء للمشروع الأركوني يتمثل في مواصلته النقدية لا مواصلته على طريقة الشرح والحواشي(يبدو هنا أن الحداد ينقد هاشم صالح!!) ولا على طريقة التشدق ببعض عباراته بدون فهم (ومنها عبارة " الإسلاميات التطبيقية" التي أصبحت تبرر كل شيء، من التطبيق السطحي(...) والمتعسف(....) للمناهج على التراث العربي الإسلامي إلى الكتابة الأيدلولوجية السافرة المتشدقة بالإنتماء إلى الإسلاميات"( ص 28،29)
يتبع ان توفر وقت بحول الله وقوته
 
يقول محمد الحداد ، وهو تلميذ محمد اركون، في كتابه حفريات تأويلية:" إن تسمية الأشياء تبدو العملية الأكثر براءة في كل كتابة، ومع ذلك فهي المستوى الأفضل لدراسة الوعي المتخفي وراء التسمية"(ص88)
وعلى ذلك فأنا أرصد هنا مستوى خطاب أركون وتسمياته ومصطلحاته والقواعد المعينة التي ينطلق منها وبها، ومايخفيه وراء المصطلح أو التسمية في المصطلح، أي مستوى اللغة المكونة عنده، من مفاهيم فلسفية وعلوم اختزالية وتلاعبات تطبيقية ونتائج قبلية فتراه وهو يصك المصطلح، يخفي خلفياته المعرفية ونواقصه المعرفية وثقوبة العلمية وخروقاته التاريخية وعلومه الهوائية(ارشيفه الخاص ومنه وثائق زورها أو أخطأ في تأويلها، أو نقلها من غير توثيق أو حذفها بعد أن إرتأى عدم نفعها أو ملائمتها لمساره أو خطته أو هواه) وعمليات ذهنية قد تكون ثغراتها أوسع من عمليات الرتق فيها، ومن ثم وضع مصطلح موائم للنظرة إلى القرآن وتاريخ كتابة المصحف.
وإنك لتجده مثلا يفتح مفهوم القرآن على المطلق، مع أنه يدعي أن كثير من هذا القرآن لم يعد له وجود وأن الموجود إنما هو ماوضع لأجل سياسة الأيديولوجيين الذي وضعوا المصحف ، وأغلقوه على أيديولوجية ديكتاتورية تنبئ عنها نصوص التعامل مع قريش(كمثال ضربه لنا) ، وبزعمه طبعا، وهو الزعم بأن القرآن حجب حجج قريش وعقلانيتهم وماكانوا يفكرون فيه تجاه القرآن(ولا أعرف في الحقيقة أي قرآن؟ الم يقل إن القرآن كان إيجابيا وهو مفتوحا على المطلق قبل وضعه في المصحف، فهل رضيته قريش وقد كان مطلقا؟!!)

وعلى كل فتحليل مصطلحات اركون يعني الرجوع لما وراءها من مذاهب استعملها، وتفكير خاص (له) ، تجاه القرآن والتاريخ، والسيرة، فأسقط من عملياته الذهنية والخيالية ماأسقطه، وحجب ماحجبه، وجهل ماجهله، وغمض عليه ماغمض نتيجة جهله بالتنزيل والمنزل،ثم وضع المصطلح غير المناسب، وهو المصطلح الخاطئ في تفسير شؤون الإسلام ونصوصه، وتاريخ التنزيل وسيرة النبي محمد، بل وأيضا، وهو الأخطر، معنى التنزيل وغرضه، ومراميه، ودعوته ومبادئه وقيمه..
ولذلك نرى أخطاءه هذه ظاهرة، ليس فقط على مستوى النظر والفكرة، ولكن أيضاً على مستوى التطبيق المتعثر والجاهل في الوقت نفسه
 
أخي الأستاذ طارق،
تذكّر معي ما كتبه الأستاذ إبراهيم السكران (http://vb.tafsir.net/tafsir22489/#) هنا:
بعد هذه الجولة حول كتابات أركون فإنني أتألم كثيراً من ضحايا الدعاية الإعلامية، فحين أرى شباناً وفتياناً صغاراً يتحدثون أو يكتبون، ويتناقشون طويلاً، ويرددون عبارات من نوع: (قراءة في مشروع أركون) ، و (دراسة تحليلية في خطاب أركون) ، (مفهوم كذا عند أركون) ، و أركون يرى وأركون لا يرى، .. الخ الخ فوالله إنه لتهبط علي غيوم الغبن والرثاء كيف استطاع الاعلام التغريبي أن يخدع هؤلاء المساكين ويضيعون أعمارهم العلمية الثمينة في دردشات “يجب أن نبحث” و “مصحف البحر الميت” ؟!
أو يأتيك بعض المخدوعين يقول “نحتاج دراسات فكرية معمقة عن أركون وعن فلان وفلان” .. ووالله لا نحتاج دراسات فكرية عنهم ولا غيره، بل نحتاج فقط أن نوضح للقارئ المسلم الدجل الفكري الذي يمارسه هؤلاء، وحجم الجهل الفظيع عندهم سواءً بالعلوم الإنسانية المعاصرة أو بالتراث الإسلامي، لكي لا تتصرم الفترة الذهبية للتحصيل العلمي عند الشباب المسلم في ملاحقة هلوسات فكرية يكتبها بعض المرتزقة.

هذا ينطبق بشكل واضح على "تلميذه" الحداد، وإلا أي تطبيق وأي محاولة للتطبيق؟
لا وجود إلا سنبحث، سنطبق، سنفعل .. ثم إستعمالات "إستسلاحية" للمفاهيم والمصطلحات، وإشارات "تزيينية" إلى المناهج، ويقفز مباشرة إلى النتائج.
 
قال زكي نجيب محمود أن لكل مصطلح معناه الذي يكون في تحديده ودقته، بمثابة " التعريف المنطقي" الذي يقيمه العقل لذلك المصطلح، فليست هذه الدقة ومايلازمها من وضوح الفكر ، نوعا من الترف ، بل هو شرط أساسي لمن أراد حياة فيها مقومات التقدم والازدهار:" ولماذا اشتملت الخطوة العلمية الأولى في مسيرة الفكر الإسلامي ، على العناية باللغة، عناية أريد بها أن يقام البحث فيها على أسس علمية دقيقة؟ كان ذلك لأن كتاباً كريماً قد نزل بدين الإسلام، ولابد أن تقام على ذلك الكتاب الكريم حضارة إسلامية وثقافة إسلامية، وذلك يستوجب أن يحيط المسلم بلغته إحاطة العلم الدقيق الواضح، لكي يتاح له فهم الكتاب الكريم فهماً يعول على صحته" حصاد السنين ص158.
 
لمن أراد حياة فيها مقومات التقدم والازدهار، نعم، الشيء الذي يفسّر الإهتمام الكبير بالمصطلح في "مبدع" ورئيسها سيدي د. البوشيخي، ومنذ مدة ننتظر دراسات تطبيقية تففز في الوجود.

أما أركون فلم يرد بها مقومات التقدم والازدهار بل مقومات الإنسلاخ والإنصهار، والعبارة متناقضة فكلمة مقوم من القوامة والإقامة والقيومية فلن تقوم إلا بالقناعة بالذات للذات، لا بتسليمها للغير، أو ربما جلدها أيضا .. ويأتي الحداثي يقول لك: حكمك على مصطلحات أركون صادر عن رفض فكراني، ويقال الكلام طبعا، ويكرر. ألا يسمح لنفسه ولو للحظة الشك في مناصرته للأركونيّة؟ نصرة فكرانية، وبهذا لن نصل إلى حل، والواجب دراستها، ونحن نرى من الغربيين من يكتب عن أركون، خاصة بعد رحيله، وهو يحاول الكشف عن فكر الرجل من خلال مصطلحاته، فتجد منهم من يكتب بلغة غريبة عن الفرنسية يحيل إلى المصطلحات الفرنسية كما كتبها أو تفوه بها أركون ونحن الآن لا نستطيع التعرّف على أركون الشفوي فوجب الإقتصار على أركون الكتابي.

وهذا Erwin Jans مثلا كتب بالهولندية - وإهتمام الحياة الفكرية الثقافية في هولندا بأركون في الحقيقة شيء غريب فقد إهتموا به بشكل لا مثيل له في دول عظمى أخرى إذا إستثنينا فرنسا - لكن الرجل يكتب مصطلحات أركون بالفرنسية مثل idées fixes مستعار من علم النفس وغالبا يترك كما هو ولا يُترجم فنقولها كذلك في لغات أخرى، هي من الهواجس إلى الأفكار الراسخة، لكن أن تختار هذا اللفظ للتعبير عن "الانغلاق الدوغمائي" شيء يدل ليس على الغموض فقط، والغموض حاضر لكن هناك أشياء أخرى، أغراض، فلتتحدّث عن حالات نفسية لكن ما دخل الدراسة والتحليل الفكري ؟ ودائما في سياق ما ذكره إروين وقد رأيت أساتذة يعلقون يطبّلون لمقالته، نرى نفس الشيء مع اللامفكر فيه والمحظور التفكير فيه أو l’impensé وl’impensable وهكذا لكن هو السيد إروين أراد أن يصل إلى أركون من خلال توظيف تلك المصطلحات، وهو يعلم أنها من بقايا الفلسفة الفرنسية في الخمسينيات ولا يخفي ذلك ويصرّح به.

فطريقة إستعمال المصطلح أهم من إختيار المصطلحات، وقد نتفق أن أي منظومة معرفية تحتوي على "اللامفكر فيه" و "الخط الأحمر" تفرضه طبيعة المنظومة، لكن أن تدّعي أن هذا يلزم منه إنفتاح المنظومة على كل تأويل مشكل، ومشكل أكبر عند تحديد مجال التأويل فتقول المطلق أو الإنسان أو المعرفة لذاتها، والمشكل الأكبر عندما لا تحدد هذا المجال: المطلق، مثلا؛ ويصير مفتوحا هو بدوره ليحتمل النسبية وما المانع؟ أليس هذا هو الإنسياب عينه والضياع والمتاهة؟ ثلاث كلمات لخصها الإمام الغزالي في كلمة واحدة: التهافت.

بمعنى "اللامفكر فيه" و "الخط الأحمر" على الأقل توجيه، ولابد من قيد أو لا معنى للقانون أصلا - ونحن نفترض فقط وإلا فالقرآن الكريم كما قال عبدالله درّاز أكثر تشددا من الكوجيتو الديكارتي في قضية البحث والسؤال - بينما اللاأدرية ضياع وعبث، فلماذا حدّد المهمة العليا أو الهدف الأسمى، والذي شغله منذ أن بدأ البحث عن النزعة الإنسانية في التاريخ العربي الإسلامي؟ هذا تناقض، ينضم للتهافت؟ فما الحقيقة؟ السيد إروين يروج للأركونية فهي "العقلانية الإسلامية" في عصرنا، إلا أن الذي كتبه عن معاناة أركون النفسية شيء يؤكد كل شيء إلا العقلانية: أركون الذي قال في حوار مع مجلة هولندية إنه يحسد يوسف القرضاوي وعمرو خالد، يتحسر، ويشعر نتيجة التحسّر بالوحدة والغربة، فهو لا يتمتع بتلك المكانة في مجتمعات عربية إسلامية؛ أما الصدمة الكبرى في حياته فكانت يوم كان يعاين "تعريب وأسلمة الجزائر"، ثم ركب القضية الأمازيغية، بينما الحقيقة تراجع الفرانكفونيّة هناك .. فأين ذاك المطلق؟ بقايا الديانة الإحيائية في القبائل الجزائرية، وقالها بل أخبرهم أن ديانة والدته كانت الإحيائية.

المصطلح مهم لا ريب، وفي حالات كهذه لا تهم المصطلحات، وغموضها، فقد يكون ذلك بسبب النقل من مجال لآخر، أو تهافت الفكر، أو التمويه في التدافع الفكري .. المهم ماذا يكشف لنا إستعمال المصطلح، أو طريقة توظيفه؟
 
عودة
أعلى