بنت اسكندراني
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
هَذِه رسَالةٌ مرسلةٌ إليكَ ـ أيُّها الأبُّ الكريمُ ـ من ابنتِكَ , فارْعِها سمعكَ وقلبكَ , وأبحرْ في أعماقها بكلِ كيانكَ , واسمحْ لخيالكَ أن يهمسَ بها في أذنكَ كما لو كانتْ بصوتِ ابنتكَ بالفعل , لتكونَ إلى قلبكَ أقربَ!
أبي الحبيبُ...
أيا نبعَ حنانٍ ينبضُ له خافقِي.. يا سحابةَ عطاءٍ ومحبةٍ تلاحِقني أينما ذهبتُ.
مذ ولدتُ وأنا مدللةٌ أتقلّب في كفِّ جودكَ.. وأتمادى في دلالي على بساطِ حلمكَ.
عيناكَ بحاري التي وعيتُ على شواطئِها, وضحكاتُكَ سيمفونية يخفقُ قلبي الصغيرُ طربًا لسماعِها.
قلبي وقلبكَ موصولٌ بحبالٍ متينةٍ لا يراها أحدٌ, وحدَنا نحن مَنْ نشعرُ بها.
أنتَ في عيني أروعُ رجلٍ, وأحنُّ رجلٍ, وأعقلُ رجلٍ, وأكرمُ رجلٍ.
أنت كالغيثِ.. إنْ طالَ غيابُك عن منزلِنا تغيبُ عنّا الحياةُ ويخبو بريقها, وحينَ يقترب موعد عودتك يزهرُ أفقي ويبشُّ شوقا لرؤيتك, فتراني أرقصُ فرحا وأنا أرهف سمعي لأترقب وصولك, حتى إذا ما الْتقت أذناي الصغيرتين هدير سيارتك أو صوت دوران مفتاحك في باب المنزل؛ انتفضتُ أسابقُ الريحَ راكضةً إليك, فتراني أقفز قفزة (أولمبية) ترفعني إلى مستوى قامتك, فأتعلّق برقبتكِ, وأدفنُ وجهي الصغير في صدركَ, استعدادًا لاستقبالِ سيلِ قبلاتكَ الحانيةِ, التي طالما عودتَني أن تُمطرني بها.
حضنُك جنتي ورضَاكَ دوما غَايتي.
إن رأيتني باكيةً ضمَمْتني إليكَ فكأنك تغمسُني في نهرٍ من الرضا يَسْكُن به غضبي وتنطفِئ به حُرقتي.
وإن تألّم جسدي بمرضٍ قرأتُ القلقَ جليًا في عينيكَ لم يُخفه عني تجلُّدك وتصبُّرك, ولم تخدعني فيه الابتسامةُ التي تفتعلها من أجلِ تسليتي والتخفيفِ عني.
وإن اعتدى عليّ أحد إخوتي كنتَ الصدرَ الحنون الذي يستقبلُ شكوتي, والمحامي الماهر الذي يترافع في قضيتي, والقاضي العادل الجائر الذي يحكمُ لي, وإن اقتضى الأمرُ : يحكمُ عليَّ مع تخفيفِ الأحكامِ إلى الحدِ الذي يُصبح فيه المتهمُ بريئا!, والقاتلُ مقتولا!.
وفي حالة برائتي فأنتَ ـ رعاكَ الله ـ منفذُ العقوبةِ الذي تأخذ الحقَّ لي ممَنْ ظلمني دونَ أن أُدمي أناملي الرقيقةَ في الاستنصارِ لنفسي.
حياتي خيمةٌ أنتَ عمادها الذي يُبقيها بإذن الله شامخةً هادئةً ورائعةً.
ولكن مهلًا يا أَبي.......
أنا لن ابقَ دوما مُدلَّلتُك التي تسعى سعيًا حثيثًا لإرضائِها, وتشعلُ بهداياكَ الثمينةَ شموعَ سعادتِها, وتلاحقُ بأنامِلكَ الحانيةَ دمعاتِ حُزنِها, وتستنصرَ لها من إخوتِها أو مِمَنْ بغى عليها... أنا لَنْ أعيشَ معكَ دومًا يا أبي, وكم أعتصرُ حزنًا حين أقولُ: وأنتَ لن تعيشَ لي أبدَ الآبدينَ يا أبي.. حفظكَ الله يا أبتِي ورعاكَ, ولا حرمني مِن رؤيةِ محيَّاك.
لكنّها الحقيقةُ المؤلمةُ!
فيومًا ما ستُسلّمني بيدك الحنونةِ إلى رجلٍ آخرَ لا أعلمُ كيف سيعاملني؟, ولا كيفَ سأتعاملُ معه؟ وهل سيُحبُّني ويُدللني كما كنتَ تفعل أم لا؟
نعم.. سأضطر أن أعايشَ رجلًا هو حتمًا لا يشبهكَ, ولا يُداني حُبُّهُ لي حُبَّكَ وحنانكَ عليَّ.
ومن وراء هذا الزوج أبٌ وأخوةٌ سأضطرُّ أنْ أتعاملَ معهم أيضا, وفي الحياةِ مواقفٌ لا أدري إلى أيِّ رجلٍ ستضطرني لأتعاملَ معه كي آخذَ حقًا أو أقضي حاجةً أو مصلحةً.
وربما قد أضَّطر يومًا لأن أعيشَ في كنفِ أخٍ أو عمٍ أو خالٍ... أو ربَّما تضطرني الحياةُ لأواجِهَ شُرطيًا أو قاضيًا أو جارًا متسلطًا على أرملةٍ أو مطلقةٍ, أو مديرًا في العملِ, أو مبتزًا يستغلُ وحدتي وضعفي وحاجتي, أو عدوا يتربص بي.
أليستْ الحياةُ لَا تُؤمَنُ يا أبي؟؟!!!
إذن أرجوكَ علمني كيفَ أحسنُ الكلامَ؟, علمني كيفَ أحاورُ الناسَ وكيفَ أعبّرُ عمّا أريد؟
علمني كيف أرتِّبُ الأفكارَ؟, وكيفَ أدافعُ عن حقي؟.. متى أكونُ حازمةً؟ ومتى أتنازلُ؟
لقد اعتدتُ أنك يا أبتي الحبيبُ تعرفُ ما أودُّ قوله قبل أن أقولَه, وتعزِمُ على أن تنفِّذَ طلبي الذي لم أطلبه بعد, وبمجردِ أن تلتقطَ طرفًا من عباراتي وأنا أُتَهْتِهُ في حروفي = تُعفيني عن إتمامِ الكلامِ وتُومئُ لي بَأَنْ : فهمتُكِ!.
أنا مُدلّلتُكَ يا أبي... لكنَّ الناسَ لن يفعلوا مَعي كمَا تفعل.
علمني كيفَ أصوغُ طلبي.. نبهني إلى حسنِ اختيارِ الألفاظِ..
قل لي: ليس بيني وبينكِ حواجزٌ ولا رسمياتٌ لكني أريدكِ أن تتعلمي كيف تطلبي حاجتكِ؟!.
لا تقلْ لي: لا, وتكتفي بها جوابًا حينَ أطلبُ منكَ أمرًا لا تراهُ في صالحي.
اسمعْ مبرراتي يا أبي , اجعلْ هناك مساحة تستفزني لأقدِّمَ مبرارتٍ قويةٍ لطلبي الذي أرغبه, دعني أبذلُ جهدًا كي أصوغها لك بلغة الإقناعِ, وأجمِّلها وأرتبها قدرَ استطاعتي, دعني أُصرُّ إصرارًا مهذبًا , ثم اطرحْ وجهةَ نظركَ ليكونَ بيننا حوار فيه أخذٌ وردٌ , وقناعةٌ واقتناعٌ.
وحين آتيكَ باكيةً أشكو من أخي فلان أو ابن عمي فلان الذي اعتدى عليَّ بالسبِّ أو بالضربِ = اجعلني أنَا مَنْ أترافعُ عن حقِّي, فأنا كما تعلم لا أبينُ في الخصامِ ولا أحسنُ الردَّ, فقد يُربطُ لساني وتبقى دموعي وحدَها هي التي تتحدّث. لذا أرجوكَ امسحْ دمعتي بلطفٍ وقلْ لي: أدلتُكِ غيرَ كافيةٍ, فهلّا حاولتِ مرة أخرى!...
دعني أحاولُ في كنفكِ أن أتغلبَ على ضعفي, دعني أتعلمُ أن دمعتي ليستْ هي شَكوتي, وليستْ هي سبيل إعلانِ براءتي.
قُلْ لي أنتي غاضبةٌ الآن... اذهبي ورتبي أفكاركِ, وحين تهدئينَ احكِ لي ما حدثَ بالتفصيل!
صحيحٌ أن الكثير من الأحداث والمواقف طبيعيّةً وتتكرّر غالبا في كل بيتٍ.. لكن سيكونُ من الجيّد أن أتعلَّمَ من تلك الأحداثِ والمواقفِ الصغيرةِ ما يُعيننُي ويصقلني لمواجهةِ الحياةِ في المستقبلِ.
علِّمْني يا أبي أَنْ أُحجِّم الشُكوكَ التي يَسبقُ إليهَا ظنِّي باعتبارِي أُنثى, علِّمني أَنَّ الحدسَ ليسَ دليلًا وإنْ كانَ صوتُه هو الأعلى في رأسِي.
علِّمني كيفَ أفكرُ بمنطقيةٍ وتسلسلٍ وعقلانيةٍ.
علِّمني حينَ أتخذُ قرارًا أن أفكرَ في خلفياتِهِ ومآلاتِهِ, وسلبيّاتِهِ وإيجابيّاتِهِ.
اطلبْ إليَّ أنْ أرتِّبَ حجزًا على الهاتفِ لإحدى سفراتِكَ, أو اجعلني أُقدِّمُ بلاغًا لموظفِ الاتصالاتِ عن خللٍ أصابَ الهاتفَ, شجَّعني أن أتَّصلَ على شيخٍ أستفتِيهِ في أمورِ حجٍ أو عمرةٍ حتى وإن كنتُ صغيرةً في السنِّ, دعني أجربُ أن أُجري حوارًا كهذا... املي عليَّ ما يجبُ أن أقول, ثم استمع إلى حواري وشجّعني عليهِ, ثم قوِّمني.. وتأكد أنني مرةً فمرة سأجيدُ الكلامَ, وسأحسنُ التعاملَ, ولن يستغلَّ أحدهم يومًا حيائي المذموم الذي يُضيعُ الحقوقَ ويورثُ الضعفَ.
سأبقى أتسرْبَلُ بحياءٍ محمودٍ معه أقولُ للكريمِ: شكرًا, وللئيمِ: خسئتَ, وللعظيمِ: أنعمْ وأكرمْ, وللمستغلِ: إياكَ فاحذرْ, وللظالمِ: قفْ ولا تتمادى.
سأقولُ ـ وحيائي تاجُ رأسي ـ ما أريدُ, سأطالبُ بحقوقي عندَ من كانتْ, وسأكون امرأةً قويةً في كلِ مراحلِ حياتها, ولي قدوةٌ من جدَّاتي الحرائر وعلى رأسهنَّ أمهاتُ المؤمنينَ ونساءُ الصحابةِ الأبيَّاتُ الفصيحاتُ اللواتي لا يرضينَ بالضيمِ, ويأبينَ الذلَّ, ويحسنَّ الكلامَ, ويبرُزنّ شامخاتٍ في أحلكِ المواقفِ.
اصنعني بيدكَ وتحتَ عينِكَ يا أبي فالمستقبلُ مجهولٌ لكليْنا ولا نعلمُ كيفَ ستجري مقاديره؟
حفظكَ اللهُ لي ورعاكَ
أيا نبعَ حنانٍ ينبضُ له خافقِي.. يا سحابةَ عطاءٍ ومحبةٍ تلاحِقني أينما ذهبتُ.
مذ ولدتُ وأنا مدللةٌ أتقلّب في كفِّ جودكَ.. وأتمادى في دلالي على بساطِ حلمكَ.
عيناكَ بحاري التي وعيتُ على شواطئِها, وضحكاتُكَ سيمفونية يخفقُ قلبي الصغيرُ طربًا لسماعِها.
قلبي وقلبكَ موصولٌ بحبالٍ متينةٍ لا يراها أحدٌ, وحدَنا نحن مَنْ نشعرُ بها.
أنتَ في عيني أروعُ رجلٍ, وأحنُّ رجلٍ, وأعقلُ رجلٍ, وأكرمُ رجلٍ.
أنت كالغيثِ.. إنْ طالَ غيابُك عن منزلِنا تغيبُ عنّا الحياةُ ويخبو بريقها, وحينَ يقترب موعد عودتك يزهرُ أفقي ويبشُّ شوقا لرؤيتك, فتراني أرقصُ فرحا وأنا أرهف سمعي لأترقب وصولك, حتى إذا ما الْتقت أذناي الصغيرتين هدير سيارتك أو صوت دوران مفتاحك في باب المنزل؛ انتفضتُ أسابقُ الريحَ راكضةً إليك, فتراني أقفز قفزة (أولمبية) ترفعني إلى مستوى قامتك, فأتعلّق برقبتكِ, وأدفنُ وجهي الصغير في صدركَ, استعدادًا لاستقبالِ سيلِ قبلاتكَ الحانيةِ, التي طالما عودتَني أن تُمطرني بها.
حضنُك جنتي ورضَاكَ دوما غَايتي.
إن رأيتني باكيةً ضمَمْتني إليكَ فكأنك تغمسُني في نهرٍ من الرضا يَسْكُن به غضبي وتنطفِئ به حُرقتي.
وإن تألّم جسدي بمرضٍ قرأتُ القلقَ جليًا في عينيكَ لم يُخفه عني تجلُّدك وتصبُّرك, ولم تخدعني فيه الابتسامةُ التي تفتعلها من أجلِ تسليتي والتخفيفِ عني.
وإن اعتدى عليّ أحد إخوتي كنتَ الصدرَ الحنون الذي يستقبلُ شكوتي, والمحامي الماهر الذي يترافع في قضيتي, والقاضي العادل الجائر الذي يحكمُ لي, وإن اقتضى الأمرُ : يحكمُ عليَّ مع تخفيفِ الأحكامِ إلى الحدِ الذي يُصبح فيه المتهمُ بريئا!, والقاتلُ مقتولا!.
وفي حالة برائتي فأنتَ ـ رعاكَ الله ـ منفذُ العقوبةِ الذي تأخذ الحقَّ لي ممَنْ ظلمني دونَ أن أُدمي أناملي الرقيقةَ في الاستنصارِ لنفسي.
حياتي خيمةٌ أنتَ عمادها الذي يُبقيها بإذن الله شامخةً هادئةً ورائعةً.
ولكن مهلًا يا أَبي.......
أنا لن ابقَ دوما مُدلَّلتُك التي تسعى سعيًا حثيثًا لإرضائِها, وتشعلُ بهداياكَ الثمينةَ شموعَ سعادتِها, وتلاحقُ بأنامِلكَ الحانيةَ دمعاتِ حُزنِها, وتستنصرَ لها من إخوتِها أو مِمَنْ بغى عليها... أنا لَنْ أعيشَ معكَ دومًا يا أبي, وكم أعتصرُ حزنًا حين أقولُ: وأنتَ لن تعيشَ لي أبدَ الآبدينَ يا أبي.. حفظكَ الله يا أبتِي ورعاكَ, ولا حرمني مِن رؤيةِ محيَّاك.
لكنّها الحقيقةُ المؤلمةُ!
فيومًا ما ستُسلّمني بيدك الحنونةِ إلى رجلٍ آخرَ لا أعلمُ كيف سيعاملني؟, ولا كيفَ سأتعاملُ معه؟ وهل سيُحبُّني ويُدللني كما كنتَ تفعل أم لا؟
نعم.. سأضطر أن أعايشَ رجلًا هو حتمًا لا يشبهكَ, ولا يُداني حُبُّهُ لي حُبَّكَ وحنانكَ عليَّ.
ومن وراء هذا الزوج أبٌ وأخوةٌ سأضطرُّ أنْ أتعاملَ معهم أيضا, وفي الحياةِ مواقفٌ لا أدري إلى أيِّ رجلٍ ستضطرني لأتعاملَ معه كي آخذَ حقًا أو أقضي حاجةً أو مصلحةً.
وربما قد أضَّطر يومًا لأن أعيشَ في كنفِ أخٍ أو عمٍ أو خالٍ... أو ربَّما تضطرني الحياةُ لأواجِهَ شُرطيًا أو قاضيًا أو جارًا متسلطًا على أرملةٍ أو مطلقةٍ, أو مديرًا في العملِ, أو مبتزًا يستغلُ وحدتي وضعفي وحاجتي, أو عدوا يتربص بي.
أليستْ الحياةُ لَا تُؤمَنُ يا أبي؟؟!!!
إذن أرجوكَ علمني كيفَ أحسنُ الكلامَ؟, علمني كيفَ أحاورُ الناسَ وكيفَ أعبّرُ عمّا أريد؟
علمني كيف أرتِّبُ الأفكارَ؟, وكيفَ أدافعُ عن حقي؟.. متى أكونُ حازمةً؟ ومتى أتنازلُ؟
لقد اعتدتُ أنك يا أبتي الحبيبُ تعرفُ ما أودُّ قوله قبل أن أقولَه, وتعزِمُ على أن تنفِّذَ طلبي الذي لم أطلبه بعد, وبمجردِ أن تلتقطَ طرفًا من عباراتي وأنا أُتَهْتِهُ في حروفي = تُعفيني عن إتمامِ الكلامِ وتُومئُ لي بَأَنْ : فهمتُكِ!.
أنا مُدلّلتُكَ يا أبي... لكنَّ الناسَ لن يفعلوا مَعي كمَا تفعل.
علمني كيفَ أصوغُ طلبي.. نبهني إلى حسنِ اختيارِ الألفاظِ..
قل لي: ليس بيني وبينكِ حواجزٌ ولا رسمياتٌ لكني أريدكِ أن تتعلمي كيف تطلبي حاجتكِ؟!.
لا تقلْ لي: لا, وتكتفي بها جوابًا حينَ أطلبُ منكَ أمرًا لا تراهُ في صالحي.
اسمعْ مبرراتي يا أبي , اجعلْ هناك مساحة تستفزني لأقدِّمَ مبرارتٍ قويةٍ لطلبي الذي أرغبه, دعني أبذلُ جهدًا كي أصوغها لك بلغة الإقناعِ, وأجمِّلها وأرتبها قدرَ استطاعتي, دعني أُصرُّ إصرارًا مهذبًا , ثم اطرحْ وجهةَ نظركَ ليكونَ بيننا حوار فيه أخذٌ وردٌ , وقناعةٌ واقتناعٌ.
وحين آتيكَ باكيةً أشكو من أخي فلان أو ابن عمي فلان الذي اعتدى عليَّ بالسبِّ أو بالضربِ = اجعلني أنَا مَنْ أترافعُ عن حقِّي, فأنا كما تعلم لا أبينُ في الخصامِ ولا أحسنُ الردَّ, فقد يُربطُ لساني وتبقى دموعي وحدَها هي التي تتحدّث. لذا أرجوكَ امسحْ دمعتي بلطفٍ وقلْ لي: أدلتُكِ غيرَ كافيةٍ, فهلّا حاولتِ مرة أخرى!...
دعني أحاولُ في كنفكِ أن أتغلبَ على ضعفي, دعني أتعلمُ أن دمعتي ليستْ هي شَكوتي, وليستْ هي سبيل إعلانِ براءتي.
قُلْ لي أنتي غاضبةٌ الآن... اذهبي ورتبي أفكاركِ, وحين تهدئينَ احكِ لي ما حدثَ بالتفصيل!
صحيحٌ أن الكثير من الأحداث والمواقف طبيعيّةً وتتكرّر غالبا في كل بيتٍ.. لكن سيكونُ من الجيّد أن أتعلَّمَ من تلك الأحداثِ والمواقفِ الصغيرةِ ما يُعيننُي ويصقلني لمواجهةِ الحياةِ في المستقبلِ.
علِّمْني يا أبي أَنْ أُحجِّم الشُكوكَ التي يَسبقُ إليهَا ظنِّي باعتبارِي أُنثى, علِّمني أَنَّ الحدسَ ليسَ دليلًا وإنْ كانَ صوتُه هو الأعلى في رأسِي.
علِّمني كيفَ أفكرُ بمنطقيةٍ وتسلسلٍ وعقلانيةٍ.
علِّمني حينَ أتخذُ قرارًا أن أفكرَ في خلفياتِهِ ومآلاتِهِ, وسلبيّاتِهِ وإيجابيّاتِهِ.
اطلبْ إليَّ أنْ أرتِّبَ حجزًا على الهاتفِ لإحدى سفراتِكَ, أو اجعلني أُقدِّمُ بلاغًا لموظفِ الاتصالاتِ عن خللٍ أصابَ الهاتفَ, شجَّعني أن أتَّصلَ على شيخٍ أستفتِيهِ في أمورِ حجٍ أو عمرةٍ حتى وإن كنتُ صغيرةً في السنِّ, دعني أجربُ أن أُجري حوارًا كهذا... املي عليَّ ما يجبُ أن أقول, ثم استمع إلى حواري وشجّعني عليهِ, ثم قوِّمني.. وتأكد أنني مرةً فمرة سأجيدُ الكلامَ, وسأحسنُ التعاملَ, ولن يستغلَّ أحدهم يومًا حيائي المذموم الذي يُضيعُ الحقوقَ ويورثُ الضعفَ.
سأبقى أتسرْبَلُ بحياءٍ محمودٍ معه أقولُ للكريمِ: شكرًا, وللئيمِ: خسئتَ, وللعظيمِ: أنعمْ وأكرمْ, وللمستغلِ: إياكَ فاحذرْ, وللظالمِ: قفْ ولا تتمادى.
سأقولُ ـ وحيائي تاجُ رأسي ـ ما أريدُ, سأطالبُ بحقوقي عندَ من كانتْ, وسأكون امرأةً قويةً في كلِ مراحلِ حياتها, ولي قدوةٌ من جدَّاتي الحرائر وعلى رأسهنَّ أمهاتُ المؤمنينَ ونساءُ الصحابةِ الأبيَّاتُ الفصيحاتُ اللواتي لا يرضينَ بالضيمِ, ويأبينَ الذلَّ, ويحسنَّ الكلامَ, ويبرُزنّ شامخاتٍ في أحلكِ المواقفِ.
اصنعني بيدكَ وتحتَ عينِكَ يا أبي فالمستقبلُ مجهولٌ لكليْنا ولا نعلمُ كيفَ ستجري مقاديره؟
حفظكَ اللهُ لي ورعاكَ
ابنتُك المحبّة
هذه رسالة افتراضية على لسان ابنتك, مرسلة إليك أيها الأب المربي الصالح المحب الحنون, فتأملها وعشها ونفذها فأنت أب مميز تستحق أن تفخرَ ابنتُك يوما ما بحسن تربيتك وعنايتك بها, وأظنك لا ترضى أن تكون ابنتك ضعيفة الشخصية, لا تحسن الكلام ولا تجيد الرأي, تتخبط بضعفها في الحياة , وتتخبط الحياة بقسوتها بها, حالها كحال الكثير من فتياتنا.
وأخيرا وقفة وفاء لابد منها
أسجّلُ شكري وتقديري وامتناني لوالدي الحبيب الذي كان تعامله معي مُلهِمي في كتابةِ هذهِ الكلماتِ, وأُترجمُ شكري هذا بدعواتٍ خالصاتٍ أسأل الله فيهن بأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة, وأن يجمعني به وبجميع أحبتي في مستقر رحمته.
وأخيرا وقفة وفاء لابد منها
أسجّلُ شكري وتقديري وامتناني لوالدي الحبيب الذي كان تعامله معي مُلهِمي في كتابةِ هذهِ الكلماتِ, وأُترجمُ شكري هذا بدعواتٍ خالصاتٍ أسأل الله فيهن بأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة, وأن يجمعني به وبجميع أحبتي في مستقر رحمته.
بقلم :
حفصة اسكندراني
حفصة اسكندراني