عدنان الغامدي
Active member
- إنضم
- 10/05/2012
- المشاركات
- 1,360
- مستوى التفاعل
- 37
- النقاط
- 48
- الإقامة
- جدة
- الموقع الالكتروني
- tafaser.com
الحمدلله وحده وبعد
نتتبع في هذه الدراسة الاستقرائية دلالات عسى ولعل في القرآن الكريم، وما استفزني لأتوسع في البحث وأتحقق من دلالات هاتين الأداتين عندما تكررت عبارة "عسى من الله واجبة" وهي ليست كذلك أبداً، فاتخذت هذه العبارة قاعدة عن جل المشتغلين باللغة والتفسير، وعندما تتبعت مواضع عسى في القرآن الكريم وجدت مشتركاً واحداً، ولم أجد فيما يقال بوجوب عسى في حق الله أبداً.
وفي هذه الدراسة سنبدأ بتتبع أقوال العلماء من أهل اللغة والتفسير في مفهومهم لاستخدام (عسى ولعل) ودلالاتها، ولكنا لن نغرق في الدخول في المسائل النحو والصرف بل سنركز على الدلالات اللغوية ووظيفة كل مفردة في السياق، وتأثير عسى على الجملة القرآنية وما هو الثابت فيه وما هو المتغير، وبالتالي فإني أعتقد أن هذا الفهم يعزز فهم السياق القرآني بصورة أفضل وأدق وبالتالي فإن قراءة تلك الآيات التي تحتوي على عسى ولعل بعد استيعاب هذا البحث قد يكون مختلفاً عما قبله.
وسنستقريء ضمن ما نستقرئ آيات القرآن واحدة تلو الأخرى لنرى هل تحمل المفردة نفس التأثير وهل ينتج بوجودها ذات الفهم؟.
عسى ولعل ، مفاهيمها السائدة لدى أهل التفسير و اللغة
سنبدأ في تقصي أقوال أهل العلم في "عسى" ودلالاتها واستخداماتها وبالأخص في السياق والقرآني فنقول، أن عسى أتت عند علماء اللغة على ثلاث صور إما أن تكون فعلا ماضيا ناقصا جامداً من أفعال الرجاء من غير الله أما من الله فهي واجبة، يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وخبره جملة فعليّة فعلها مضارع يجوز اقترانه بـ «أن» وعدم اقترانه، والاقتران أكثر، نحو قول الشاعر
عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب
أو أن تكون حرفا من الأحرف المشبّهة بالفعل، ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وذلك إذا اتصل بها ضمير نصب، نحو قول صخر الحصري :
فقلت عساها نار كأس وعلّها تشكّى فآتي نحوها فأعودها
فعلا ماضيا تامّا، وذلك إذا أسندت إلى المصدر المؤوّل من «أن» والفعل، نحو الآية: )وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ(" سورة البقرة آية 216".
جاء في تفسير الماوردي لقوله تعالى : )إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ(:
"والثالث: إنما يرغب في عمارة بنائها من آمن بالله تعالى. )وَالْيَوْمِ الأَخِرِ وَأَقَامَ الْصَّلاَةَ وَءَاتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِن الْمُهْتَدِينَ(فيه وجهان: أحدهما: أنه قال ذلك لهم تحذيراً من فعل ما يخالف هدايتهم. والثاني: أن كل {عَسَى} من الله واجبة وإن كانت من غيره ترجياً, قاله ابن عباس والسدي.[1]
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَتَأْتِي لِلْقُرْبِ وَالدُّنُوِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} قَالَ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ عَسَى عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ فَهُوَ مُوَحَّدٌ نحو: {عسى أن يكونوا خيرا منهم} {وعسى أن تكرهوا شيئا}، وَوُحِّدَ عَلَى عَسَى الْأَمْرُ أَنْ يَكُونَ كَذَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَلُّ عَسَى فِي الْقُرْآنِ فهي واجبة وقال الشافعي: يُقَالُ: عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ وَحَكَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ عَسَى فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَاجِبَةٌ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ:
{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} يَعْنِي بَنِي النَّضِيرِ فَمَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بَلْ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْقَعَ عَلَيْهِمُ الْعُقُوبَةَ وَفِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أن يبدله أزواجا خيرا منكن} ،وَلَازَمْنَهُ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّمَ بَعْضُهُمُ الْقَاعِدَةَ وَأَبْطَلَ الِاسْتِثْنَاءَ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى شَرْطٍ أَيْ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ فَلَمَّا زَالَ الشَّرْطُ وَانْقَضَى الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ فَعَلَى هَذَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ بَابِهَا الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ وكذلك قوله: {عسى ربه إن طلقكن} تَقْدِيرُهُ وَاجِبٌ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ أَيْ لَبَتَّ طَلَاقَكُنَّ وَلَمْ يَبُتَّ طَلَاقَهُنَّ فَلَا يَجِبُ التَّبْدِيلُ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ التحريم: {عسى ربه} إِطْمَاعٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْجَبَابِرَةِ مِنَ الْإِجَابَةِ بِـ "لَعَلَّ" وَعَسَى وَوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَوْقِعَ الْقَطْعِ وَالْبَتِّ وَالثَّانِي أَنْ تَجِيءَ تَعْلِيمًا لِلْعِبَادِ وُجُوبَ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الخوف والرجاء [2] .
وَفِي الْبُرْهَانِ: عَسَى وَلَعَلَّ مِنَ اللَّهِ وَاجَبَتَانِ وَإِنْ كَانَتَا رَجَاءً وَطَمَعًا فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ لِأَنَّ الْخَلْقَ هُمُ الَّذِينَ يَعْرِضُ لَهُمُ الشُّكُوكُ وَالظُّنُونُ وَالْبَارِئُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ فِي اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُمْكِنَةَ لَمَّا كَانَ الْخَلْقُ يَشُكُّونَ فِيهَا وَلَا يَقْطَعُونَ عَلَى الْكَائِنِ مِنْهَا وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْكَائِنَ مِنْهَا عَلَى الصِّحَّةِ صَارَتْ لَهَا نِسْبَتَانِ: نِسْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تُسَمَّى نِسْبَةَ قَطْعٍ وَيَقِينٍ وَنِسْبَةٌ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ تُسَمَّى نِسْبَةَ شَكٍّ وَظَنٍّ فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لِذَلِكَ تَرِدُ تَارَةً بِلَفْظِ الْقَطْعِ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وَتَارَةً بِلَفْظِ الشَّكِّ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْخَلْقِ نَحْوَ: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} وَنَحْوَ: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ حَالَ إِرْسَالِهِمَا. مَا يُفْضِي إِلَيْهِ حَالُ فِرْعَوْنَ لَكِنْ وَرَدَ اللَّفْظُ بِصُورَةِ مَا يَخْتَلِجُ فِي نَفْسِ مُوسَى وَهَارُونَ مِنَ الرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ. وَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ جَاءَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ وَالْعَرَبُ قَدْ تُخْرِجُ الْكَلَامَ الْمُتَيَقَّنَ فِي صُورَةِ الْمَشْكُوكِ لِأَغْرَاضٍ. [3]
، {عَسَى رَبُّكُمْ} إطماع من الله لعباده، وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بـ "عسى" و"لعل" ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت. والثاني: أن يجئ به تعليما للعباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء، والذي يدل على المعنى الأول وأنه في معنى البت: قراءة ابن أبي عبلة: (ويدخلكم) بالجزم، عطفا على محل (عسى أن يكفر)، كأنه قيل: توبوا يوجب لكم تكفير سيئاتكم ويدخلكم، {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ} نصب بـ {ويُدْخِلَكُمْ}، و {لا يُخْزِي}: تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسوق، واستحماد إلى المؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم، {نُورُهُمْ يَسْعَى} على الصراط.[4]
يقول ابن حبنكة الميداني "وعلى خلاف الأصل قد يُسْتعمل في التّمنّي: "هل" و"لَعَلَّ" و"عسَى" لغرض بلاغي، وهو إبرازُ المتَمَنَّى في صورة الممكن المطموع فيه، بغيةَ الإِشعار بكمال العناية به، والتلهُّفِ على الحصول عليه، أو تحقيقه."[5].
ويقول الكفوي في بيان معنى عسى ولعل: "عَسى: هِيَ لمقاربة الْأَمر على سَبِيل الرَّجَاء والطمع، أَي لتوقع حُصُول مَا لم يحصل، سَوَاء يُرْجَى حُصُوله عَن قريب أَو بعيد مُدَّة مديدة، تَقول: (عَسى الله أَن يدخلني الْجنَّة) و (عَسى النَّبِي أَن يشفع لي) وَأما (عَسى زيد أَن يخرج) فَهُوَ بِمَعْنى لَعَلَّه يخرج، وَلَا دنو فِي (لَعَلَّ) اتِّفَاقًا " [6]
يتبع..
[1] ص348 ج2- تفسير الماوردي النكت والعيون
[2] ص288 - كتاب البرهان في علوم القرآن - النوع السابع والأربعون في الكلام على المفردات والأدوات
[3] ص242 - كتاب الإتقان في علوم القرآن - النوع الأربعون في معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر
[4] ص514 - فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب حاشية الطيبي على الكشاف - سورة التحريم
[5] ص252 - كتاب البلاغة العربية - الفصل الرابع الجملة الإنشائية وأقسامها
[6] ص635 - كتاب الكليات - فصل العين
نتتبع في هذه الدراسة الاستقرائية دلالات عسى ولعل في القرآن الكريم، وما استفزني لأتوسع في البحث وأتحقق من دلالات هاتين الأداتين عندما تكررت عبارة "عسى من الله واجبة" وهي ليست كذلك أبداً، فاتخذت هذه العبارة قاعدة عن جل المشتغلين باللغة والتفسير، وعندما تتبعت مواضع عسى في القرآن الكريم وجدت مشتركاً واحداً، ولم أجد فيما يقال بوجوب عسى في حق الله أبداً.
وفي هذه الدراسة سنبدأ بتتبع أقوال العلماء من أهل اللغة والتفسير في مفهومهم لاستخدام (عسى ولعل) ودلالاتها، ولكنا لن نغرق في الدخول في المسائل النحو والصرف بل سنركز على الدلالات اللغوية ووظيفة كل مفردة في السياق، وتأثير عسى على الجملة القرآنية وما هو الثابت فيه وما هو المتغير، وبالتالي فإني أعتقد أن هذا الفهم يعزز فهم السياق القرآني بصورة أفضل وأدق وبالتالي فإن قراءة تلك الآيات التي تحتوي على عسى ولعل بعد استيعاب هذا البحث قد يكون مختلفاً عما قبله.
وسنستقريء ضمن ما نستقرئ آيات القرآن واحدة تلو الأخرى لنرى هل تحمل المفردة نفس التأثير وهل ينتج بوجودها ذات الفهم؟.
عسى ولعل ، مفاهيمها السائدة لدى أهل التفسير و اللغة
سنبدأ في تقصي أقوال أهل العلم في "عسى" ودلالاتها واستخداماتها وبالأخص في السياق والقرآني فنقول، أن عسى أتت عند علماء اللغة على ثلاث صور إما أن تكون فعلا ماضيا ناقصا جامداً من أفعال الرجاء من غير الله أما من الله فهي واجبة، يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وخبره جملة فعليّة فعلها مضارع يجوز اقترانه بـ «أن» وعدم اقترانه، والاقتران أكثر، نحو قول الشاعر
عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب
أو أن تكون حرفا من الأحرف المشبّهة بالفعل، ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وذلك إذا اتصل بها ضمير نصب، نحو قول صخر الحصري :
فقلت عساها نار كأس وعلّها تشكّى فآتي نحوها فأعودها
فعلا ماضيا تامّا، وذلك إذا أسندت إلى المصدر المؤوّل من «أن» والفعل، نحو الآية: )وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ(" سورة البقرة آية 216".
جاء في تفسير الماوردي لقوله تعالى : )إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ(:
"والثالث: إنما يرغب في عمارة بنائها من آمن بالله تعالى. )وَالْيَوْمِ الأَخِرِ وَأَقَامَ الْصَّلاَةَ وَءَاتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِن الْمُهْتَدِينَ(فيه وجهان: أحدهما: أنه قال ذلك لهم تحذيراً من فعل ما يخالف هدايتهم. والثاني: أن كل {عَسَى} من الله واجبة وإن كانت من غيره ترجياً, قاله ابن عباس والسدي.[1]
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَتَأْتِي لِلْقُرْبِ وَالدُّنُوِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} قَالَ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ عَسَى عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ فَهُوَ مُوَحَّدٌ نحو: {عسى أن يكونوا خيرا منهم} {وعسى أن تكرهوا شيئا}، وَوُحِّدَ عَلَى عَسَى الْأَمْرُ أَنْ يَكُونَ كَذَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَلُّ عَسَى فِي الْقُرْآنِ فهي واجبة وقال الشافعي: يُقَالُ: عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ وَحَكَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ عَسَى فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَاجِبَةٌ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ:
{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} يَعْنِي بَنِي النَّضِيرِ فَمَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بَلْ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْقَعَ عَلَيْهِمُ الْعُقُوبَةَ وَفِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أن يبدله أزواجا خيرا منكن} ،وَلَازَمْنَهُ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّمَ بَعْضُهُمُ الْقَاعِدَةَ وَأَبْطَلَ الِاسْتِثْنَاءَ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى شَرْطٍ أَيْ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ فَلَمَّا زَالَ الشَّرْطُ وَانْقَضَى الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ فَعَلَى هَذَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ بَابِهَا الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ وكذلك قوله: {عسى ربه إن طلقكن} تَقْدِيرُهُ وَاجِبٌ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ أَيْ لَبَتَّ طَلَاقَكُنَّ وَلَمْ يَبُتَّ طَلَاقَهُنَّ فَلَا يَجِبُ التَّبْدِيلُ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ التحريم: {عسى ربه} إِطْمَاعٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْجَبَابِرَةِ مِنَ الْإِجَابَةِ بِـ "لَعَلَّ" وَعَسَى وَوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَوْقِعَ الْقَطْعِ وَالْبَتِّ وَالثَّانِي أَنْ تَجِيءَ تَعْلِيمًا لِلْعِبَادِ وُجُوبَ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الخوف والرجاء [2] .
وَفِي الْبُرْهَانِ: عَسَى وَلَعَلَّ مِنَ اللَّهِ وَاجَبَتَانِ وَإِنْ كَانَتَا رَجَاءً وَطَمَعًا فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ لِأَنَّ الْخَلْقَ هُمُ الَّذِينَ يَعْرِضُ لَهُمُ الشُّكُوكُ وَالظُّنُونُ وَالْبَارِئُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ فِي اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُمْكِنَةَ لَمَّا كَانَ الْخَلْقُ يَشُكُّونَ فِيهَا وَلَا يَقْطَعُونَ عَلَى الْكَائِنِ مِنْهَا وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْكَائِنَ مِنْهَا عَلَى الصِّحَّةِ صَارَتْ لَهَا نِسْبَتَانِ: نِسْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تُسَمَّى نِسْبَةَ قَطْعٍ وَيَقِينٍ وَنِسْبَةٌ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ تُسَمَّى نِسْبَةَ شَكٍّ وَظَنٍّ فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لِذَلِكَ تَرِدُ تَارَةً بِلَفْظِ الْقَطْعِ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وَتَارَةً بِلَفْظِ الشَّكِّ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْخَلْقِ نَحْوَ: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} وَنَحْوَ: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ حَالَ إِرْسَالِهِمَا. مَا يُفْضِي إِلَيْهِ حَالُ فِرْعَوْنَ لَكِنْ وَرَدَ اللَّفْظُ بِصُورَةِ مَا يَخْتَلِجُ فِي نَفْسِ مُوسَى وَهَارُونَ مِنَ الرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ. وَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ جَاءَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ وَالْعَرَبُ قَدْ تُخْرِجُ الْكَلَامَ الْمُتَيَقَّنَ فِي صُورَةِ الْمَشْكُوكِ لِأَغْرَاضٍ. [3]
، {عَسَى رَبُّكُمْ} إطماع من الله لعباده، وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بـ "عسى" و"لعل" ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت. والثاني: أن يجئ به تعليما للعباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء، والذي يدل على المعنى الأول وأنه في معنى البت: قراءة ابن أبي عبلة: (ويدخلكم) بالجزم، عطفا على محل (عسى أن يكفر)، كأنه قيل: توبوا يوجب لكم تكفير سيئاتكم ويدخلكم، {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ} نصب بـ {ويُدْخِلَكُمْ}، و {لا يُخْزِي}: تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسوق، واستحماد إلى المؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم، {نُورُهُمْ يَسْعَى} على الصراط.[4]
يقول ابن حبنكة الميداني "وعلى خلاف الأصل قد يُسْتعمل في التّمنّي: "هل" و"لَعَلَّ" و"عسَى" لغرض بلاغي، وهو إبرازُ المتَمَنَّى في صورة الممكن المطموع فيه، بغيةَ الإِشعار بكمال العناية به، والتلهُّفِ على الحصول عليه، أو تحقيقه."[5].
ويقول الكفوي في بيان معنى عسى ولعل: "عَسى: هِيَ لمقاربة الْأَمر على سَبِيل الرَّجَاء والطمع، أَي لتوقع حُصُول مَا لم يحصل، سَوَاء يُرْجَى حُصُوله عَن قريب أَو بعيد مُدَّة مديدة، تَقول: (عَسى الله أَن يدخلني الْجنَّة) و (عَسى النَّبِي أَن يشفع لي) وَأما (عَسى زيد أَن يخرج) فَهُوَ بِمَعْنى لَعَلَّه يخرج، وَلَا دنو فِي (لَعَلَّ) اتِّفَاقًا " [6]
يتبع..
[1] ص348 ج2- تفسير الماوردي النكت والعيون
[2] ص288 - كتاب البرهان في علوم القرآن - النوع السابع والأربعون في الكلام على المفردات والأدوات
[3] ص242 - كتاب الإتقان في علوم القرآن - النوع الأربعون في معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر
[4] ص514 - فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب حاشية الطيبي على الكشاف - سورة التحريم
[5] ص252 - كتاب البلاغة العربية - الفصل الرابع الجملة الإنشائية وأقسامها
[6] ص635 - كتاب الكليات - فصل العين