في دراسته القيمة والمفيدة ( المصاحف المنسوبة للصحابة والردّ على الشبهات المثارة حولها. دار التدمرية ، الرياض ١٤٣٣ / ٢٠١٢ ) عَرَض الأستاذ محمد بن عبد الرحمن بن محمد الطاسان القراءة لسورة البقرة ، الآية ١٥٨ :
{فلا جناح عليه أن يَطَّوَّفَ بهما ومن تطوّع خيرا ...} وذَكَر القراءة التي تنسب لمصحف عبد الله بن مسعود ، ومصحف أبي بن كعب ، ومصحف ابن عباس : ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) بإحالته إلى عدد من التفاسير في الحاشية ٧ .
ورد الإسناد لهذه القراءة في مصحف أبي بن كعب في كتاب المصاحف لابن أبي داود كما يلي :
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد ، حدثنا حجاج ، حدثنا حماد (وهو ابن سلمة البصري) قال : وجدتُ في مصحف أُبَيّ رضي الله عنه : ( فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ) .
يَعْتبر المؤلف هذا الإسناد ضعيفا لانقطاعه قائلا : ( إنّ حماد بن سلمة توفي سنة ١٦٧ هـ ، وأُبي توفي سنة ٣٢ هـ ...فقطعا حماد لم يدركه ) .
هذا ، وجدير بالذكر أنّ هذا الإسناد ينتهي عند حماد بن سلمة وليس منقطعا لأنه ، حماد ، يخبر بأنه وجد هذه القراءة في مصحف أبي بن كعب الذي كان ، حسبما جاء أعلاه ، متداولا في نصف الأول من القرن الثاني الهجري . فالمنقطعُ هو فقْدُ الاتّصال بالسند . ومن هنا فالأمر لا يتطلب إدراكا زمنيا مباشرا لحمادِ بنِ سلمة أبيَّ بنَ كعْبٍ ، فالحكمُ بالشّواذ لسبب انقطاع الإسناد المذكور ليس بحُجّة في هذا الموضع . بل ينبغي أن نذكر آراء معاصريه فيه مثل يحيى بن معين الذي قال : (ومَنْ سمع من حماد بن سلمة نُسخًا فهو صحيح : تهذيب الكمال للمزي ، ج ٧ ، ص ٢٦٢-٢٦٣ ) ؛ وأيضا عن عفان بن مسلم : ( ما رأيتُ أشدَّ مواظبة على الخير ، وقراءة القرآن ، والعمل لله من حماد بن سلمة ، نفس الموضع ، ص ٢٦٤ ) .
أمّا القراءة المنسوبة لمصحف عبد الله بن مسعود التي أسندها أبو جعفر الطبري في جامع البيان بروايته عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) فالمؤلّف يسلك نفس المنهج في حكمه بشواذ هذه القراءة ، مشيرا إلى انقطاع الإسناد بين عطاء بن أبي رباح وابن مسعود وبالحجّة أنّ القراءة في هذا الموضع ( وجادة ، والوجادة « داخلة في باب المقطوع عند علماء الرواية » .... - هذا ، فقولُ عطاء في شرْحه المسألةَ في موضعه: (من أجل قول الله في مصحف عبد الله بن مسعود ( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما...) لا يُعْتبر وجادةً ، بل إحالةً صريحةً إلى مصحف ابن مسعود بعيْنه الذي ، كما يبدو ، كان في متداولا بين الناس في عصر عطاء بن أبي رباح وبكونه لا يحتاج إلى »رواية « عن ابن مسعود من طريق مباشر لأنه ليس قولا للصحابي أو قولا مرفوعا بروايته ، بل هو إحالةٌ إلى القراءة المكتوبة في نص مصحف ابن مسعود . والحكمُ بالشواذ بمقاييس ومطالب روايةِ الحديث أو نقْدِ الرجال ليس حجةً في هذا الموضع .
أما القراءة المنسوبة لمصحف ابن عباس فهي تُروى عنه من طريقيْن ذكرهما المؤلف وعلل أسانيدهما قائلا إنها حسن ، ( فقد تعددت طرقها عن ابن عباس وهي توافق ما اشتهر من مذهبه الفقهي في هذه المسألة إلاّ أنّ حسْن إسنادها لا يخرجها من دائرة القراءات الشاذة لمخالفتها الرسم العثماني ).
عند الاستقراء لهذه القراءات التي قام المؤلف بجمعها بمنتهى الدقّة مشكورا ، وعللها كما ذكرتُ أعلاه ، تبين لي كأنّه - ربما ! ـ ينكر وجود هذه المصاحف في القرن الثاني الهجري أو ما فيها من الشواذ المذكورة على الأقل .
وذكر قتادة بن دعامة ( ت ١١٨ هـ) في كتاب المناسك برواية سعيد بن أبي عروبة ( ت ١٥٦ هـ) هذه القراءة مشيرا إلى الخلفيات التأريخية التي تتعلق بها : ( كان حيٌّ من العرب إذا قدموا حجّاجا أو عمّارا لم يسعوا بين الصفا والمروة ) : ص ٧٧-٧٨ [تحقيق د. عامر حسن صبري ، دار البشائر الإسلامية ، ٢٠٠٠ ] .
وكذلك يذكر عاصم بن سليمان الأحول (ت حول ١٤٢ هـ) الخلافات حول أداء الطواف بين الصفا والمروة قائلا إنه قرأ هذه الآية على أنس بن مالك فسأله : ( أكنتم تكرهون الطواف بينهما ؟ قال : نعم ؛ إنهما كانتا من شعائر الجاهلية ، فلمّا أسلمنا قالوا : يا رسول الله ، هل علينا من حَرَج إن طفنا بينهما ؟ فأنزل الله هذه الآية . قال أنس : والطواف بينهما تطوّع) . [ أنظر : تفسير كتاب الله العزيز لهود بن محكم . تحقيق بالحاج بن سعيد شريفي . ج ١ ، ص ١٦١ ؛ والنص يعود إلى التفسير ليحيى بن سلام البصري ( ت ٢٠٠ هـ) وهو المصدر المعتمد لهود بن محكم الهوّاري كما هو معلوم .
وكذلك مختصرا في جامع الصحيح للبخاري ، كتاب التفسير ، باب ٢١ ، فتح الباري ، ج ٨ ، ص ١٧٦ عن عاصم بن سليمان عن أنس : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله تعالى...الآية] . فىيُنظر أيضا الفقرة قبل هذه في نفس الموضع التي ورد فيها الحديث بين عائشة وعروة بن الزبير : ( فما أُرى على أحد شيئا أن لا يطوّف بهما . فقالت عائشة : كلا ، لو كانت كما تقول كانت ، فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما ، إنّما أنزلت هذه الآية في الأنصار : كانوا يُهلّون لمَناةَ ، وكانت مناةُ حذْوَ قُديد ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة .... إلخ ؛ أنظر أيضا كتاب الحج ، باب ٧٩ مع شرح مفصّل لابن حجر العسقلاني في فتح الباري ، ج ٣ ، ص ٤٩٨-٥٠١) . واعتبر البعض السعى سنةً واعتبره آخرون تطوعًا . لا يُسْتبعد إذًا أنّ العادات الجاهلية التي تذكر في عديد من تلك الروايات كانت ربّما من الدوافع لقراءة الآية على وجوه المذكورة .
هذا ، وممّا لا شكّ فيه أنّ عددا من المصاحف كان في متناول أيدي الناس في القرن الثاني الهجري بقراءات مختلفة فيها وكانت موضوع الحوار بين المتقدمين في ذلك العصر وبعده ، مثل مصحف الصحابي عقبة بن عامر الجهني الذي قال فيه المؤرخ المصري أبو سعيد بن يونس (ت ٣٤٧ هـ): ومصحفه بمصر إلى الآن بخطه على غير التأليف الذي في مصحف عثمان وفي آخره بخطه : وكتب عقبة بن عامر بيده [تهذيب التهذيب لابن حجر ، ج ٧ ، ص ٢٤٣ ] .
وفي أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجريَيْن قام القاريء الشَّنَبُوذ بتعليم مصحف ابن مسعود حتى منعه ابن مجاهد المقريء ( ت ٣٢٤ هـ) (مؤلف كتاب السبع) في بغداد من ذلك وعاقبه بالسوط .
{فلا جناح عليه أن يَطَّوَّفَ بهما ومن تطوّع خيرا ...} وذَكَر القراءة التي تنسب لمصحف عبد الله بن مسعود ، ومصحف أبي بن كعب ، ومصحف ابن عباس : ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) بإحالته إلى عدد من التفاسير في الحاشية ٧ .
ورد الإسناد لهذه القراءة في مصحف أبي بن كعب في كتاب المصاحف لابن أبي داود كما يلي :
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد ، حدثنا حجاج ، حدثنا حماد (وهو ابن سلمة البصري) قال : وجدتُ في مصحف أُبَيّ رضي الله عنه : ( فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ) .
يَعْتبر المؤلف هذا الإسناد ضعيفا لانقطاعه قائلا : ( إنّ حماد بن سلمة توفي سنة ١٦٧ هـ ، وأُبي توفي سنة ٣٢ هـ ...فقطعا حماد لم يدركه ) .
هذا ، وجدير بالذكر أنّ هذا الإسناد ينتهي عند حماد بن سلمة وليس منقطعا لأنه ، حماد ، يخبر بأنه وجد هذه القراءة في مصحف أبي بن كعب الذي كان ، حسبما جاء أعلاه ، متداولا في نصف الأول من القرن الثاني الهجري . فالمنقطعُ هو فقْدُ الاتّصال بالسند . ومن هنا فالأمر لا يتطلب إدراكا زمنيا مباشرا لحمادِ بنِ سلمة أبيَّ بنَ كعْبٍ ، فالحكمُ بالشّواذ لسبب انقطاع الإسناد المذكور ليس بحُجّة في هذا الموضع . بل ينبغي أن نذكر آراء معاصريه فيه مثل يحيى بن معين الذي قال : (ومَنْ سمع من حماد بن سلمة نُسخًا فهو صحيح : تهذيب الكمال للمزي ، ج ٧ ، ص ٢٦٢-٢٦٣ ) ؛ وأيضا عن عفان بن مسلم : ( ما رأيتُ أشدَّ مواظبة على الخير ، وقراءة القرآن ، والعمل لله من حماد بن سلمة ، نفس الموضع ، ص ٢٦٤ ) .
أمّا القراءة المنسوبة لمصحف عبد الله بن مسعود التي أسندها أبو جعفر الطبري في جامع البيان بروايته عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) فالمؤلّف يسلك نفس المنهج في حكمه بشواذ هذه القراءة ، مشيرا إلى انقطاع الإسناد بين عطاء بن أبي رباح وابن مسعود وبالحجّة أنّ القراءة في هذا الموضع ( وجادة ، والوجادة « داخلة في باب المقطوع عند علماء الرواية » .... - هذا ، فقولُ عطاء في شرْحه المسألةَ في موضعه: (من أجل قول الله في مصحف عبد الله بن مسعود ( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما...) لا يُعْتبر وجادةً ، بل إحالةً صريحةً إلى مصحف ابن مسعود بعيْنه الذي ، كما يبدو ، كان في متداولا بين الناس في عصر عطاء بن أبي رباح وبكونه لا يحتاج إلى »رواية « عن ابن مسعود من طريق مباشر لأنه ليس قولا للصحابي أو قولا مرفوعا بروايته ، بل هو إحالةٌ إلى القراءة المكتوبة في نص مصحف ابن مسعود . والحكمُ بالشواذ بمقاييس ومطالب روايةِ الحديث أو نقْدِ الرجال ليس حجةً في هذا الموضع .
أما القراءة المنسوبة لمصحف ابن عباس فهي تُروى عنه من طريقيْن ذكرهما المؤلف وعلل أسانيدهما قائلا إنها حسن ، ( فقد تعددت طرقها عن ابن عباس وهي توافق ما اشتهر من مذهبه الفقهي في هذه المسألة إلاّ أنّ حسْن إسنادها لا يخرجها من دائرة القراءات الشاذة لمخالفتها الرسم العثماني ).
عند الاستقراء لهذه القراءات التي قام المؤلف بجمعها بمنتهى الدقّة مشكورا ، وعللها كما ذكرتُ أعلاه ، تبين لي كأنّه - ربما ! ـ ينكر وجود هذه المصاحف في القرن الثاني الهجري أو ما فيها من الشواذ المذكورة على الأقل .
وذكر قتادة بن دعامة ( ت ١١٨ هـ) في كتاب المناسك برواية سعيد بن أبي عروبة ( ت ١٥٦ هـ) هذه القراءة مشيرا إلى الخلفيات التأريخية التي تتعلق بها : ( كان حيٌّ من العرب إذا قدموا حجّاجا أو عمّارا لم يسعوا بين الصفا والمروة ) : ص ٧٧-٧٨ [تحقيق د. عامر حسن صبري ، دار البشائر الإسلامية ، ٢٠٠٠ ] .
وكذلك يذكر عاصم بن سليمان الأحول (ت حول ١٤٢ هـ) الخلافات حول أداء الطواف بين الصفا والمروة قائلا إنه قرأ هذه الآية على أنس بن مالك فسأله : ( أكنتم تكرهون الطواف بينهما ؟ قال : نعم ؛ إنهما كانتا من شعائر الجاهلية ، فلمّا أسلمنا قالوا : يا رسول الله ، هل علينا من حَرَج إن طفنا بينهما ؟ فأنزل الله هذه الآية . قال أنس : والطواف بينهما تطوّع) . [ أنظر : تفسير كتاب الله العزيز لهود بن محكم . تحقيق بالحاج بن سعيد شريفي . ج ١ ، ص ١٦١ ؛ والنص يعود إلى التفسير ليحيى بن سلام البصري ( ت ٢٠٠ هـ) وهو المصدر المعتمد لهود بن محكم الهوّاري كما هو معلوم .
وكذلك مختصرا في جامع الصحيح للبخاري ، كتاب التفسير ، باب ٢١ ، فتح الباري ، ج ٨ ، ص ١٧٦ عن عاصم بن سليمان عن أنس : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله تعالى...الآية] . فىيُنظر أيضا الفقرة قبل هذه في نفس الموضع التي ورد فيها الحديث بين عائشة وعروة بن الزبير : ( فما أُرى على أحد شيئا أن لا يطوّف بهما . فقالت عائشة : كلا ، لو كانت كما تقول كانت ، فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما ، إنّما أنزلت هذه الآية في الأنصار : كانوا يُهلّون لمَناةَ ، وكانت مناةُ حذْوَ قُديد ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة .... إلخ ؛ أنظر أيضا كتاب الحج ، باب ٧٩ مع شرح مفصّل لابن حجر العسقلاني في فتح الباري ، ج ٣ ، ص ٤٩٨-٥٠١) . واعتبر البعض السعى سنةً واعتبره آخرون تطوعًا . لا يُسْتبعد إذًا أنّ العادات الجاهلية التي تذكر في عديد من تلك الروايات كانت ربّما من الدوافع لقراءة الآية على وجوه المذكورة .
هذا ، وممّا لا شكّ فيه أنّ عددا من المصاحف كان في متناول أيدي الناس في القرن الثاني الهجري بقراءات مختلفة فيها وكانت موضوع الحوار بين المتقدمين في ذلك العصر وبعده ، مثل مصحف الصحابي عقبة بن عامر الجهني الذي قال فيه المؤرخ المصري أبو سعيد بن يونس (ت ٣٤٧ هـ): ومصحفه بمصر إلى الآن بخطه على غير التأليف الذي في مصحف عثمان وفي آخره بخطه : وكتب عقبة بن عامر بيده [تهذيب التهذيب لابن حجر ، ج ٧ ، ص ٢٤٣ ] .
وفي أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجريَيْن قام القاريء الشَّنَبُوذ بتعليم مصحف ابن مسعود حتى منعه ابن مجاهد المقريء ( ت ٣٢٤ هـ) (مؤلف كتاب السبع) في بغداد من ذلك وعاقبه بالسوط .