علمنة الإعجاز القرآني - رؤية فكرية

إنضم
28/03/2017
المشاركات
7
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
العراق
إن الناظر إلى كثير من الدراسات الحديثة للخطاب القرآني وبخاصة الإعجازية يجد حدوث توسع كبير في مفهوم الإعجاز القرآني ، فلم يقتصر المفهوم كما كان على الإعجاز البلاغي اللغوي المتعلق بفصاحة الخطاب بل تعدى حدود القصد ، إن التحدي وقع بالإعجاز البلاغي اللغوي ، فلماذا يعمد الباحثون إلى توسيع مفهوم الإعجاز ليخترعوا لنا مجموعة إعجازات منها على سبيل الذكر لا الحصر ( الإعجاز التأريخي / الإعجاز الغيبي / الإعجاز العلمي / الإعجاز الاقتصادي / الإعجاز الاجتماعي ... إلخ ) وتظل تتوسع حلقة الإعجاز لتحميل الخطاب القرآني أكثر من طاقته ، وكل هذه الإعجازات عبارة عن إشارات علمية وليست إعجازا بالمعنى الدقيق للمفهوم ، الذي تمت عملية التحدي به ، وهناك أدلة كثيرة تثبت ذلك سواء أكانت نصوصا قرآنيا او حديثية أو لغوية ؛ فقد ألف عبد القاهر الجرجاني ( 471 ت ) كتابين في هذا الموضوع هما ( دلائل الإعجاز / وأسرار البلاغة ) وهذان الكتابان من أشهر الكتب التي توضح مفهوم الإعجاز وتطبيقاته في الخطاب القرآني .
إن العمل على ايجاد إعجازات بحسب النظريات الافتراضية ستؤدي بنا إلى سلسلة لا نهائية من الإعجازات وهي إشارات قرآنية وليست إعجازا وقع التحدي بها ، تخرج القرآن الكريم عن كونه كتاب هداية إلى حقل مفتوح للتأويل وتخرج مفهوم الإعجاز عن دائرته الحقيقية وهي التحدي إلى دوائر أخرى قد تتغير لأنها عبارة عن نظريات والنظرية مكونة عموما من فرضيات والفرضية لا تمتلك مفهوما واقعيا .
 
جزاكم الله خير الجزاء...
هذا هو الصواب إن شاء الله...
إنّ جميع هذه الأوجه المذكورة بمسميات الإعجاز... كلّها من دلائل النبوة... كلّها أدلة على صدق القرآن الكريم على ربانيته على خلوده على حفظه على كماله على صلاحيته لكلّ زمان ومكان على تناسق موضوعاته وتلاحمها في نفسها ومع الكون كلّه.... وقل ما شئت من أووصاف الحسن والكمال التي تثبتها هذه الأوجه، لكن لا تقل إعجاز...
لأنّ الإعجاز الذي تُحدي به الثقلان... هو لغة القرآن، هونظمه، بناؤه ....ولا علاقة للإعجاز بمضمون القرآن ومعانيه ..... ولهذا الكلام أدلته التي لها مظانها وميدانها... ولعلّ المولى عزّ وجلّ يهيء لها مناسبتها على هذا الموقع المبارك...
والله أعلم بالحق والصواب.
 
التحدي وقع بالإعجاز البلاغي اللغوي وهذه نظرية ونظرية قوية نظرا لأدلة القائلين بها ولكن ليست بشيء نص عليه صريح القرءان، فهي نظرية.

توسيع دائرة الإعجاز ليشمل تلك الأشياء وغيرها شيء يعود إلى أسباب متعددة، وأذكر منها ما يلي:
- عدم وجود دليل صريح قطعي يقوم بحصر ميدان أو مجال الإعجاز فالعقيدة تقول القرءان معجز وقع به التحدي إذن هو كذلك من جميع الوجوه الموضوعاتية (محاور القرءان) والمقاصدية والشكلية..
- الرد على من وسع دائرة إبطال ربانية القرءان إذ أن حجج من أراد ويريد إثبات بشرية القرءان تدور في حلقة واسعة.
- الرد على من يريد أرخنة القرءان أي إثبات تاريخانية القرءان وأنه منتج ثقافي أي أن الرب قد أوحى بكلام خطابي وهكذا تم الإنتقال من مفهوم النص إلى مفهوم الخطاب عبر إظهار جدلية النص والواقع فإن كان الأمر كذلك وهو كذلك عند أصحاب هذه الفرضية فإن المضمون الخطابي للقرءان لا يتجاوز الحدود المعرفية الثقافية الروحية التصورية الأخلاقية.. (المخيال الشعبي - المشترك) للإطار الزمكاني الذي نزل فيه.
- لمحاولة تطبيق مفهوم جوامع الكلم ومفهوم لا يشبع منه العلماء ..الخ
- نشر المعرفة العلمية المستحدثة والتشجيع على اكتساب هذه المعرفة بغض النظر عن صحة توظيفها في التأويل، وهكذا يتجدد القرءان ويفرض نفسه على المؤمنين به وغير المؤمنين من الذين يوظفون المعرفة المستحدثة لإثبات بشرية القرءان..
- تقليص وتقليل حدة الإنبهار بالثقافة العلمية الحديثة المستوردة بحجة هيت وكيت فهذا أشار إليه القرءان الكريم..
- سد الفجوة حيث أن الأغلبية لا تفهم جمالية القرءان وعلو بيانه وموسيقية أسلوبه الفني بواسطة اللغة وفنونها فوجب البحث عن مخرج آخر.
- ... الخ
 
أخي الكريم شايب زارشثي ..
ولماذا نبحث عن مخرج لذلك بهذه الطريقة ؟ لدينا مسلمة بأن لكل نبي معجزة في زمانه ؛ فقد كان العرب يتصفون بالفصاحة والبلاغة وكانوا يضربون القباب لقول الشعر ويتبارون به ، فجاء الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بمعجزة من جنس لغتهم ولكن فيها تحدي لهم جاء باللغة ولكن نظمها إلهي خطاب السماء للأرض ، فعجزوا عن الإتيان بمثله ولو بآية ، والإعجار ساري المفعول في كل الأزمنة إلى قيام الساعة ، فهل المشكلة مشكلتنا أم مشكلة الطرف الثاني الذي لا يريد أن يؤمن بذلك ، ولو افترضنا بأن هذه الإعجازات المعلمنة ستفيد في الدعوة الإسلامية لأنها تتحدث بمنطق العلوم البحتة مع الطرف المدعو ... سيأتي يوم يقول لنا هذا الطرف بأن نظرياتكم العلمية الإعجازية غير دقيقة لأننا اكتشفنا نظرية أخرى تدحض نظريتكم إذن قرآنكم غير منضبط وحاشا للقرآن أن يكون كذلك ... أخي الكريم هم أصلا لا يعترفون بوجود الله كما تقول الشيوعية ( لا إله والكون مادة ) أما الرأسمالية فتقول بوجود الإله فتقول ( لا إله إلا الله والكون مادة ) فالشيوعية تنفي وجود إله والرأسمالية الغربية تقول بوجوده ولكنه عاجز عن تدبير شؤون عباده فأوجدوا لهم منهجا إنسانيا وتركوا منهجهم أصلا وهو الانجيل فهم لا يؤمنون بالانجيل فكيف تريدهم أن يؤمنوا بالقرآن ... أخي الكريم كثير من المحاججات العقلية يمكن الاستدلال بها على صدق القرآن وصدق الرسول لا أن نحمل القرآن أكثر من طاقته لإرضاء رغبات الكفار .
 
أخي الفاضل الدكتور المحترم مازن الخيرو:
لقد ذكرت تلك الأسباب التي وسّعت دائرة الإعجاز، من وجهة نظري، كما أراها؛ ولا أدافع عنها بأي حال من الأحوال، فكتبت تعليقي في إطار رؤية فكرية، بعيدا عن القناعة الشخصية والتمذهب. وأما الكلام في القناعة فقد كتبتُ هنا ردودا اعترضت فيها على مبحث الإعجاز العلمي.

لأننا اكتشفنا نظرية أخرى تدحض نظريتكم إذن قرآنكم غير منضبط
هذا الإعتراض عالجته في مشاركات كثيرة، معالجة فكرية طبعا، وعلى سبيل المثال:

اه! ولماذا هذا المصطلح (البلاغة العلمية)؟
طبعا هو موجود لكن عندما نقول العلمي مقابل أو إلى جانب الأدبي فنحن نضع ما هو وصفي تفسيري مقابل أو إلى جانب ما هو تفاعلي تعايشي تذوقي..

المهم هو أن القرآن الكريم هو ( الآية ) البرهان فقلنا ( معجزة ) للتعبير عن آيات القرآن وبراهينه ودلائله ومدهشاته وعجائبه وإرهاصاته.. التي تؤكد بأن مصدره كما يخبر عن نفسه: تنزيل من رب العالمين، فكل طريق يؤدي إلى إكتشاف المعجزة من خلال المسالك أو المناهج العلمية فهو إعجاز علمي. ولا يعقل أن يقتصر الإعجاز العلمي على التفسير بالإشارة الكونية دون التفسير بمواد معرفية في علوم أخرى.

وللتفسير بالإشارة عموما والتفسير بالإشارة الكونية خصوصا ضوابط منهجية معروفة أما الذي يربط بين الآية القرءانية ومعلومة كونية مستحدثة ثم ظهر أنها باطلة فالمفسر هو المخطئ أي هو المجتهد المخطئ لا الآية القرءانية مثل القاضي حكم على إنسان بريء ثم ظهرت براءته نقول أخطأ القاضي وليس القانون الذي ينص على أن المجرم يعاقب.. وما يقال في التفسير بالإشارة يقال في التفسير بالرأي واللغة والروايات؛ مفسر يفسر برواية ثم جاء متخصص في علم الرواية يقول الرواية ضعيفة أو موضوعة، فسوف نقول أخطأ المفسر، ... أو جاء لغوي متخصص بأدلته ليقول هذا مضاف للتعريف وليس للتشبيه، فسوف نقول أخطأ المفسر. وكذلك بالنسبة للعلوم الطبيعية عندنا ظاهرة طبيعية حدث يحدث ففسرت وتم تأكيد التفسير (النظرية) بتوسيع الإستقراء أو بتجربة مختبرية ثم تم رصد بيانات أخرى قطعت الإستقراء وتم إعادة إجراء التجربة المختبرية هذه المرة في بيئة جديدة تأخذ البيانات الجديدة بعين الإعتبار، فظهر بطلان النظرية وتولدت نظرية جديدة؛ فهل نقول أخطأت الطبيعة؟ لا، فالظاهرة هي كذلك شيء يحدث قابل للمشاهدة، فالذي أخطأ هو المفسر عالم الطبيعيات لا الظاهرة.

ثم إن الحجة في التفسير بالإشارة على أساس المعرفة الكونية المستحدثة لا تكمن في صحة هذا التفسير أو ذاك وليس في هذه المعلومة ابينة (من البيانات اي شيء قابل للرصد والمشاهدة) هي أم تفسيرية (النظريات والفرضيات) .. لكن في كثرة تلك التفسيرات وكثرة هذه الإشارات شيء يدل على إستمرارية تحقق سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم. وقد جاء في القرءان طلب مفاده دعوة المخالفين إلى تدبر القرءان إذ لو لم يكن من عند الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا لأن الإختلاف القليل شيء يعود إلى الإنسان فالعقول متفاوتة لكن إن وجدت الكثير من الإختلافات فهذا يعني أن شيئا ما خارج الذهن قد تحقق..

والإعتراض على هذا النوع من التفسير ليس بتلك الحجة الواهية "العلم يتطور" ولكن لأسباب أخرى ولا علاقة لها بالدعاة الربانيين من المثقفين .. والمشكل مع من يظهر على شاشة التلفاز ليجني فلوس، ويمرر معلومات واضحة البطلان شرعيا وكونيا، بل يزيد الطين بلة ويطعن في تفاسير أخرى لا تعتمد على ما يأتي من النظر الكوني .. إضافة لإشكاليات أخرى.

والله أعلم.
 
أخي الكريم شايب زارشثي ..
هذه وجهة نظرك احترمها ولكن أنا على يقين بأن إعجاز القرآن الكريم بلاغي لغوي فعملية اخراج القرآن الكريم عن كونه كتاب هداية إلى حقل للتجريب منافي للمقاصد الربانية ، إنه منهج إلهي لهداية الناس واخراجهم من الظلمات إلى النور ، فيه إشارات علمية وليست إعجازات وقع التحدي بها ، التحدي جاء بلغة العرب لكن النظم مختلف نظم إلهي ، لماذا لا نؤمن بهذه الحقيقة ؟ مفهوم الإعجاز لغة واصطلاحا يدل على ذلك ، والغرب يعتمد التجربة في حقوله البحثية فربما عالم مسلم وهو إنسان قاصر يدعي وجود نظرية في القرآن ثم بعد ذلك يظهر قصور في هذه النظرية من جانب معين فنقع في شبهة .. وما الداعي لذلك قل إشارات علمية ولا تقل إعجازا علميا وانتهى الأمر ، لكي لا يأتي من هب ودب ويدعي إعجازات بحسب فهمه القاصر فنكون أمام إعجازات مفتوحة في الهندسة والموارد المائية والطب والصيدلة والفلك والاجتماع وعلم النفس والتاريخ ... إلخ .. كل بحسب اختصاصه وبذلك اخرجنا القرآن الكريم من كتاب هداية إلى كتاب علمي جمدنا فصاحة إلفاظه وحلاوة معانيه . والله أعلم
 
بوركت. هنا وهناك سأتفق مع ما تفضلت به، وكما تقدّم نحن نناقش الموضوع من زاوية فكرية خالصة، كما جاء في العنوان: رؤية فكرية. وهذا أسلوبي العام في الملتقيات الحوارية، أعرض ما عندي عرضا فكريا وأعمل جهدي ليكون قابلا للأخذ والرد.. الكلام في الموضوع من الناحية الشرعية، كلام يختلف وله أهله، وتبقى مسألة التمذهب وكذلك القناعة، فتخص أصحابها. ومن الناحية الفكرية أحاول فهم عقلية المهتمين بمبحث الإعجاز، بغض النظر عن اختلافي واتفاقي معهم.

نحن نقول القرءان كتاب الله المسطور / المقروء، عفوا المقروء / المسطور.

ونقول العالم أو الكون أو الطبيعة كتاب الله المنظور. وأنا أفضل كلمة العالم لتشمل الطبيعة (أو الآفاق أي الكون بشكل عام) والنفس (وفي أنفسكم أفلا تبصرون؟).

يتكون الكتاب المسطور من آيات تدوينية، فنقل آيات (جمع آية).
ويتكون العالم من آيات تكوينية، فنقل ظواهر (جمع ظاهرة).

قد نخطئ في توصيف أو توصيف وتفسير (تعليل) الظاهرة، فهل الخطأ التفسيري (نظرية علمية) يبرر الطعن في العلم (العلوم الطبيعية بالمنهج العلمي التجريبي)؟ لا، إذن من الأولى ألا يطعن في الظاهرة. فنحن عندها سنقول: أخطأ العلماء، علماء الطبيعة، وليس الخطأ في الظاهرة ولا حتى في العلم، وهذا هو تاريخ العلوم أي تاريخ الأخطاء العلمية. أما في حالة إمكانية وقوع الخطأ في وصف وتفسير كل الظواهر الطبيعة، فإن الطبيعة حينها غير قابلة للمعرفة، وهذه إشكالية أخرى تطرح في فلسفة المعرفة فهي سؤال من سؤال المعرفة من الأسئلة الكبرى كما صاغها كانط عندما نقول أسئلة كانط الثلاثة: ماذا يمكن معرفته؟ ماذا يجب فعله وتركه؟ ثم سؤال الرجاء والخوف، ثم السؤال الختامي: ما الإنسان؟

وإذا حدث الخطأ فلماذا؟ هل الخطأ المنهجي يسمح لنا بالطعن في المنهج؟ لا، والقصور المنهجي شيء آخر. هل الخطأ التجريبي يطعن في التجربة؟ لا، ويمكن في كيفية إجراء التجربة. وهل الخطأ العلمي يطعن في البيانات (فنقل للتسهيل: معلومات محسوسة)؟ لا، يمكن البيانات الموجودة غير دقيقة أي عملية وصف وجمع وترتيب هذه البيانات لم تتم بشكل دقيق (قصة خمسة أشخاص من فاقدي البصر مع الفيل)، أو لأن هناك بيانات أخرى لم نحصل عليها (بعد).

نفس الشيء مع الآية، الخطأ في تفسيرها لا يعني الخطأ في علم التفسير (مع أصوله وضوابط التفسير بالرأي والتفسير الإشاري أو التفسير بالإشارة)، وطبعا لا يعني الخطأ في الآية، بل هو خطأ المفسر.

ولا تقل إعجازا علميا
نعم، صحيح. والإشكال هنا في اللفظين معا ثم في اللفظ المركب. إعجاز: هل أخبر القرءان الكريم عن معلومات كونية، ثم تحدى البشرية بأن يأتوا بمعلومات كونية؟ غير معقول، فالتفسير قد تم بمعلومات حصل عليها بشر. علمي: وهل الإعجاز البلاغي ليس إعجازا علميا؟ هناك مشكلة واضحة مع هذا المصطلح. وقد قيل: وجه الإعجاز أنه أخبر بأشياء لم تكتشف إلا حديثا. وفي كتب اليهود والمسيحيين والهندوسيين وغيرها " نبوءات " فهل هذه الكتب معجزة؟ وسؤال آخر: هل كانت تلك الآيات عبارة عن طلاسم غير مفهومة قبل الإكتشاف؟ المصيبة هناك من يرد تفسيرات صحيحة من تفسيرات السلف، علما بإمكانية الجمع بينهما، وهنا الطامة. هذا التوجه يشبه التوجه الذي يقول نلتزم بتفسير السلف لهذه الآية فحسب، أيضا طامة وهذه طامة سببت في تاريخ الحضارة الإسلامية مشكلة عويصة جعلت كثيرا من المثقفين يلتزمون تفسير السلف (أرسطو وغيره)، والنتيجة: عدم تحقيق التقدم في دراسة الظواهر الإنسانية والكونية.

وأخيرا، أرى أن حضرتك متخصص في البلاغة القرءانية، لذا أتمنى أن تلقي نظرة إبداعية ونقدية على ما جاء في هذا الموضوع:
https://vb.tafsir.net/tafsir3341/
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستسمح الأخوين الكريمين الأستاذين (مازن موفق الخيرو وشايب زواشثتي) لأشاركهم هذا الحوارالعلمي والجدل المعرفي الماتع...
لعلّ أوّل ما ينبغي تسجيله قبل أن أقدم مشاركتي وأبدي رأيي في المسألة أنّ جميع ما قيل في إعجاز القرآن من حقائق ونظريات وفرضيات جميعها أو على الأقلّ جلّها وأكثرها تخدم القرآن الكريم من وجه أو من آخر... وأصحابها يريدون الدفاع عن القرآن الكريم من حيث ثبوته وحفظه ومن حيث ربانيته وكماله ومن حيث إتقان بنائه وإحكام نظمه ومن حيث صحّة أحكامه وحكمة شرائعه... وهذا كلّه من الأسباب التي تجلّت فيها عناية الله عزّ وجلّ وحفظه سبحانه وتعالى للقرآن الكريم تحقيقا لوعده المعجز ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﱠ [الحجر: ٩]

أقدّم هذه المشاركة في شكل نقاط أعتقد أنّ تجليتها وتقريرها من شأنه أن يحلّ إشكالات عديدة متعلقة بمسائل إعجاز القرآن الكريم.

أوّلا: الفصل بين مختلف الحقول المعرفية
إنّ "إعجاز القرآن الكريم" علمٌ مستقل بذاته له رجاله ومصادره وأهمّ من ذلك له مصطلحاته ومفاهيمه وله موضوعه وأهدافه الخاصة به.
فلا ينبغي أن ندخل فيه ما ليس منه. ولا ينبغي أن نستعمل فيه مصطلحات غيره من العلوم والفنون وإن اشتركت معه في اللفظ... إلى غير ذلك ممّا يوجبه الفصل بين الحقول المعرفية المختلفة...
والناظر في مصادر هذا العلم سيجد لرواده نصوصا كثيرة نصّوا على أنّ القول في الإعجاز وإن بدأ كقضية أصبح علما مستقلا بذاته...
إذا تقرّرت هذه الحقيقة واستقرّت تبعتها لوازم من أهمّها ما يأتي ذكره:
1. مصطلح "معجزة" في علم الإعجاز يختلف مفهومه عن المصطلح ذاته في غيره من العلوم كعلم العقيدة أو السيرة ... فالمعجزة التي يدرسها علم الإعجاز هي القرآن دون سواه، والمعجزة في علم الإعجاز يشترط فيها التحدّي...
2. الدفاع عن القرآن الكريم والردّ على الشبهات المثارة حوله، ليست من مهام علم إعجاز القرآن الكريم، كما أنّها ليست مهام علم التجويد أو علم الرسم أو علم أسباب النزول... وغيرها من العلوم التي تخدم القرآن الكريم...
3. علاج بعض القضايا النفسية للمسلمين كانبهارهم بالحضارة الغربية وشعورهم بالغربة والاستضعاف ليست من مهام علم الإعجاز حتى يفتح مجاله العلمي وحقله المعرفي لمثل هذه الموضوعات، بل ذلك من مهام علم العقيدة والتربية والدعوة...
4. علم الإعجاز لا يستطيعه ولا يدرك مسائله ويفهم مباحثه إلاّ من ألمّ بجملة من علوم اللغة والعقيدة والشريعة .... حتى قيل هو آخر العلوم التي ينبغي للطالب تحصيلها، وقد نصّ جمهور المشتغلين بهذا العلم على هذه الحقيقة، فلا ينبغي أن يوسِّع هذا العلم من مجالاته المعرفية ويدخل فيها ما ليس منها فقط لأنّ عموم النّاس لا تفهم أسراره البلاغية ودقائقه البيانية، بل على المشتغلين بالدعوة وغيرها من العلوم التي لها اتّصال بعموم النّاس أن يقربوا علم الإعجاز بما يتناسب وفهم الجماهير، ولنا في الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله أعظم مثال في نكته الإعجازية البلاغية وكيف استطاع أن يوظفها في الدعوة إلى الله بأيسر وأسهل منهج وأسلوب...

يتبع إن شاء الله بأصول أخرى.
 
التعديل الأخير:
بوركت أخي الأستاذ بودفلة فبارك الله فيك، وننتظر الأصول الأخرى في رؤيتك الفكرية لهذا المبحث الذي أتفق مع أصحابه عندما ننظر إلى هذا النوع من الإعجاز نظرة وظيفية أي عندما يوظف من باب رد الفعل كسلاح فكراني في الصراع الفكري الدائر، هذا فقط ولا ننسى إيجابياته من جهة أنه ينشر الثقافة العلمية المستحدثة بين عامة الناس من أهل التخصص وغيرهم رغم التجاوزات والأخطاء التي نراها في معالجة وعرض المادة المعرفية في هذه الثقافة.. وهذا ما يفعله المعترضون الذين يبحثون عما يسمى "الأخطاء العلمية في القرآن" إذ أنهم يرتكبون نفس الأخطاء لكن هم أيضا ينشرون هذه الثقافة العلمية، مع فارق واضح غني عن البيان، وبهذا يكون القرآن الكريم قد فرض نفسه على المؤمنين به والمعترضين على حد سواء وذلك فيما يتعلق بالتعامل مع معطيات الثقافة العلمية الحديثة.

ثم تأتي تلك الحجة القوية التي يعترض بها على هذا النوع من الإعجاز التي عبر عنها الدكتور مازن الخيرو بقوله: اخراج القرآن من كونه كتاب هداية إلى مجال التجريب. وأنا متفق مع هذه الحجة من ناحية المبدأ لكن بالنسبة لمن لا يؤمن بالقرآن من أصحاب العقلية الديكارتية البوبرية، كيف يقتنع أن مصدر القرآن لا ينتمي إلى المجال الإنساني والمجال السفلي عموما إن لم يتصف القرآن ببعد معرفي وعرفاني قابل للتحقق منه وبالتالي للتكذيب؟ والله يقول للكافر بالقرآن تدبر هذا القرآن فإن لم يكن إلهيا فسوف تجد فيه إختلافا كثيرا. إذا كان التدبر بهذه الطريقة ممتنعا فكيف سيتحقق منه؟ هذا سؤال مطروح.
 
وهنا سؤال آخر يطرح: هل الآيات الكونية في القرآن الكريم آيات ملكية أم آيات ملكوتية أم ملكية وملكوتية؟
 
إعجاز القرآن الكريم منوط ببناء النّص ونظمه لا بأحكامه ومضمونه

إعجاز القرآن الكريم منوط ببناء النّص ونظمه لا بأحكامه ومضمونه

ثانيا: إعجاز القرآن الكريم منوط ببناء النّص ونظمه لا بأحكامه ومضمونه
ونظم النصّ وبناؤه هو لغة القرآن بكلّ تجلياتها النفسية، الصوتية، البنيوية، التركيبية، والدلالية[1].
طبعا المسألة بهذا الطرح المباشر والقويّ يعتبرها بعض من المتخصصين فرضية لا دليل عليها، - كما ذكر الأستاذ الفاضل شايب زواشثتي - خاصة وأنّ ما أقدّمه ها هنا لا يحصر وجه الإعجاز في لغة القرآن فقط بل ينفيه ويردّ جميع أوجه الإعجاز الأخرى التي قيلت قديما وحديثا، لكن ليس من باب كونها باطلة أو خاطئة، بل ما تطرحه من حيث الأصل صحيح غير أنّه لا يفيد أكثر من صدق القرآن وربّانيته، أمّا إعجازه فلا، لافتقاره لعنصر التحدّي، وليس هو من المثلية المطلوبة والمقصودة في آيات التحدّي – على خلاف ما ذهب إليه الذكتور سعيد جمعة حفظه الله- وسأحاول في هذا المختصر تقديم ما أحسبه قرائن وأدلّة[2] على حصر وجه إعجاز القرآن في لغته...

  1. التحدّي بعشر سور مفتريات
قوله تعالى: {فأتوا بعشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مفترياتٍ...}ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱠ هود: ١٣ سيلاحظ المتتبع لتفاسير هذه الآية ، وكذا كلام وتعليقات علماء الإعجاز أنّ المقصود منها أن القرآن الكريم تنزّل في تحدّيه للمخاطَبين بأن يأتوا بعشر سور مفتريات مكذوبات مختلقات من عند أنفسهم لكنّها مثله؛ فإثبات الافتراء والمثلية في آنٍ واحد يقتضي ولا بدّ أن تكون المثلية في نظمه والافتراء في مضمونه؛ لأنّ مضمون القرآن لا يستطيعه البشر[3]، لا يمكن تحدّي النّاس بما لا يحسنون فضلا عمّا لا يستطيعون...
[الكشاف2\383، المحرر الوجيز 3\155،زاد المسير 2\361، التسهيل لابن جزيء 1\367، تفسير الخازن 2\476، البحر المحيط 6\130... الرسالة الشافية ص141...]
قرائن هذا الأصل وأدلّته لم تنته بعد ستتبع بأخرى إن شاء الله، إنّما شطّرتها لتيسير قراءتها

[1] المقصود بالدلالية كيفية دلالته على مضامينه لا المضامين ذاتها

[2] قد لا يرتقي جميع ما أذكره إلى رتبة ودرجة الدليل لكنّها قرائن بمجموعها تفيد هذا الأصل وتقرّره. وبعض ما سأذكره أعتبره وأحسبه نصّا في المسألة والله أعلم.

[3] بما فيه من تشريعات موسّعة ومحكمة، وإخبار بالغيب واقع بلا ريب، وقصص لا يعلم أصلها أو تفصيلاتها من البشر أحدٌ...إلخ
 
2. من قال بجواز الإعجاز بمضمون القرآن فقد قال بإعجاز التوراة والإنجيل وغيرها من الكتب المنزّلة لاشتراكها في جلّ هذا المضمون.
لو استقرأنا وأحصينا مضامين القرآن الكريم، فأعتقد أنّها لن تخرج عن كونها:
أحكاما عقدية علمية.
أحكاما خلقية.
أحكاما تشريعية عملية.
طبعا هذه الأحكام تتجلى في صور مختلفة من حيث عرضها، تتجلى في شكل قصص، أو أمثال، أوجدل...إلخ
وقد لا يكون هذا الحصر صحيحا، لكن الحقيقة التي أريد الوصول إليها أنّ القرآن الكريم ودين محمد صلى الله عليه وسلّم من حيث مضامينه العقدية والخلقية لا يختلف عمّا جاءت به الكتب المنزّلة التي سبقته، فهو لا يتميّز عنها - من حيث المضمون – إلاّ بشريعته التي تتناسب وخلود رسالته.
ولعلّ الإخبار بالغيب أحد أهمّ أوجه الإعجاز التي ذكروها قديما وحديثا ظاهرة لا تخلو منها هذه الكتب.
وأعتقد أنّ هذه الكتب – في أصلها الصحيح - إن حوت شيئا من الحديث عن الظواهر الطبيعية فلا بدّ وأن يكون هذا الحديث صادقا مطابقا للواقع لا يعارضه ولا يناقضه كما هو حالها اليوم بعد تحريفها ...
ولكن رغم ذلك كلّه لم يسِمها الله عزّ وجل ويصفها بالإعجاز، بل هو وصف خصَّ به القرآن الكريم.
والقرآن الكريم إذا استثنينا شريعته لا يختلف عن الكتب المنزّلة قبله إلاّ من حيث نظمه ولغته. والله أعلم بالحقّ والصواب.
 
3. الوجه الإعجازي الوحيد الذي يستغرق القرآن كلّه هو لغته
أقلّ ما تصحّ به معارضة القرآن الكريم، وإجابة تحدّيه هو ثلاث آيات، -كما لا يحفى على المتخصص والناظر في آيات التحدّي – لكن بتتبع القرآن الكريم ثلاث آيات، ثلاث آيات... سنجد أكثرها خالية من الإخبار بالغيب، أو التشريع، أو الحديث عن الظواهر الكونية...إلخ... لكنّه – أي القرآن الكريم - في جميع آياته لن تُعدَم لغته المعجزة...
فلو كان الإعجاز - مثلا – في حديث القرآن عن الظواهر الكونية لأمكن إجابة تحديه بثلاث آيات خالية منه، وستكون المعارضة حينها صحيحة تامّة الأركان مطابقة للمطلوب؛ لأنّها بكلّ بساطة سورة.
والنتيجة: أنّه لا يمكن للقرآن الكريم أن يتحدّى قوما بشيء ثمّ يعطيهم فرصة التّنصل من هذا التحدّي والالتفات عليه؛ لهذا وجب أن يكون وجه إعجاز القرآن الكريم مستغرقا للقرآن كلّه، ولا أعتقد أنّ العلماء ذكروا وجه يستغرق القرآن كلّه إلاّ لغته.
 
معذرة للأستاذ الدكتور شايب زواشثتي أنّي قدّمت هذا الكلام بين يدي التعليق على مشاركته رقم: 11 و 12... وسأعود إليها بعد الانتهاء من بسط الكلام على هذا الأصل... ولكن بسرعة أقول... إنّنا ها هنا لا ندعو أبدا إلى ترك الحديث عمّا يسمى (بالإعجاز العلمي) وهو في حقيقته (براهين على صحّة القرآن الكريم وربانيته وحفظه) بل نحبّه ونشتغل به وندعوا إليه... والحاجة إليه ماسّة إن لم نقل ضرورية - إن في المجتمعات الغربية أو مجتمعاتنا على حدٍّ سواء -، لكنّنا نناقش مسألة وجه إعجاز القرآن الكريم في حقل معرفي محدّد هو "علم إعجاز القرآن الكريم"
ومسألة الملكية والملكوتية - سأعود إليهاإن شاء الله معتمدا المفهوم الذي أطلقة ابن البناء المراكشي على هذين المصطلحين - لأنّ مفهومهما يختلف من حقل لآخر بل ومن كتاب لآخر وشخص وآخر...
 
وجه الإعجاز ينبغي أن يرتقي من حيث أهميته وعظمته إلى أهمية وعظمة وجلال القرآن الكريم

وجه الإعجاز ينبغي أن يرتقي من حيث أهميته وعظمته إلى أهمية وعظمة وجلال القرآن الكريم

4. وجه الإعجاز ينبغي أن يرتقي من حيث أهميته إلى أهمية وعظمة وجلال القرآن الكريم.
للقرآن الكريم – كلّ القرآن الكريم - مميّزات وصفات ذكرها أهل الاختصاص، كالربانّية، الكمال، الخلود...، وأعتقد أنّ وجه الإعجاز - وهو من القرآن الكريم - ينبغي أن يرتقي إلى هذه الخصائص وأن يلتبس بها.
وسأحاول تجلية هذه الحقيقة – كما أخالها وأحسبها- من خلال ثلاث نقاط هي:
· عظمة وجه إعجاز القرآن الكريم وجلاله متناسب وعظمة القرآن الكريم وقدسيته:
إنّ أعظم ما في الوجود ربُّ الوجود سبحانه وتعالى، ابتداء بذاته المقدّسة – والتي جُعلت رؤيتها أعظم نعمة في دار خصّصت للنِّعم – ونحن اليوم لا نعرف من هذه الذات إلاّ ما أخبرنا به عزّ وجلّ من خلال وحيه المنزّل على عباده (اليد، العين، الساق، الاستواء، النزول...) ولا يمكننا الوقوف على حقيقة هذه الصفات والأفعال القدسية (أقصد الكيف) إلاّ يوم رؤيته أو لقائه سبحانه وتعالى؛ لكن شاء الله عزّ وجلّ أن يتفضّل علينا بشيء من صفاته العليا وأفعاله القدسية وهو كلامه – حقيقة لا مجازا – الموحى به إلى نبيّه محمد صلى الله عليه وسلّم، فإنّ هذا القرآن الذي بين أيدينا هو من ذات الله عزّ وجلّ، وهنا تكمن قدسيته وتتجلى عظمته وجلاله...
وفي مقابل ذلك فإنّ أعظم ما خُصِّص به الإنسان – كلّ الإنسان- هو لغته وبيانه
هذه اللغة التي حباه الله بها دون سائر مخلوقاته قال تعالى: {خلق الإنسان. علّمه البيان} [الرحمن 3-4] وقال أيضا: {علّم آدم الأسماء كلّها} [البقرة 31]، إنّ أعظم علم تعلّمه الإنسان هو علم اللغة، وهو أوّل وأقدم علم... ومنه تفرّعت جميع العلوم بما فيها العلوم التجريبية كالرياضيات والطب ونحوها... وأعتقد أنّ المتخصصين المتابعين لتطوّر علوم اللغة يدركون هذه "الحقائق" ... وسيأتي مزيد بيان...
· وجه إعجاز القرآن الكريم ينبغي أن يكون علما مشتركا بين البشرية جمعاء كالقرآن نفسه
إنّ القرآن الكريم خُوطِبت به وتُحدّيت به البشرية جمعاء منذ نزوله وإلى يوم رفعه، فلا بدّ أن يكون وجه التحدّي فيه شيئا مشتركا بين هذه البشرية جمعاء، وجميع أوجه الإعجاز المذكورة بما فيه العلوم التجريبية ليست كذلك، لكن اللغة علم تشترك فيه البشرية جمعاء، سواء بالنظر إليها كظاهرة كونية لسانية صوتية تركيبية ودلالية وهو ما يدرسه اليوم علم اللغة الكوني (Linguistic Universal ) أو بالنظر إليها كظاهرة فردية – أي اللغة العربية خاصة- والدراسات الحديث تثبت يوما بعد يوم أصالة هذه اللغة وأحقّيتها في ريادة لسان البشرية جمعاء من حيث تاريخها، من حيث تهيئة البنية المورفولوجية للإنسان (ذهنا، نَفَسا، وأعضاءً) لاستعمالها، من حيث استيعابها للمتغيرات والمستجدات اللامنتهية....
وجه إعجاز القرآن الكريم ينبغي أن يكون خالدا كخلود القرآن نفسه، أي مستمرا من يوم
نزوله إلى يوم رفعه.
وأعتقد أنّ لغة القرآن هو وجه الإعجاز الوحيد الذي صاحب القرآن الكريم من يوم نزوله إلى يوم رفعه، ولا تحتاج هذه النقطة إلى بيان أو بسط فهي ظاهرة جليّة.
والله أعلم بالحقّ والصواب...
وللبحث بقية إن شاء الله...
ملاحظة:
قال لي صاحب: لماذا تطرح هذه الآراء – الاجتهادية والخلافية – بالقطع والجزم وبهذا الشكل القويّ والمباشر ؟
قلتُ له: أنا لا أطرح هذه المسائل في مسجد مع عموم النّاس، ولا في أروقة المعاهد والمدارس مع بعض المبتدئين، بل في منبر علمي مبارك وعامر بالمختصين والباحثين من أساتذة أجلاء وعلماء فضلاء...كأمثال الدكتور شايب زواشثتي الذي قرأتُ له كثيرا واهتمّ بكلّ مشاركاته... وكذا الدكتور مازن موفق الخيرو الذي لا أعرفه ولكن سعدت بمشاركته هذا الموضوع والاستفادة منه في موضوع الالتفات في سورة الفاتحة جزاه الله خير الجزاء...
ولا بدّ للواحد منّا أن يكشف عمّا في صدره وفكره لإخوانه المسلمين... فإن كان حقّا وصوابا تعاونوا على إثباته ونشره وترقيته ... وإن كان باطلا وخطأ تعاونوا على إبطاله وردّه.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
 
السلام عليكم طلبةَ العلم والبَحثَةَ ورحمة الله وبركاته..
العلمُ بالعِلمِ سبحان الله..
والمراجع والدراسات في هذا الباب كثيرة..
اخترتُ لأشقّاء العلم منها هذه الدراسة العلمية اللطيفة..
وهي موجودة على الرابط التالي لمن أحب..
http://waqfeya.com/book.php?bid=7504
 
الأخت الكريمة...باحثة في الإعجاز
الكتاب الذي أحلتينا عليه ... وهو كتاب متداول معروف،وقفنا عليه منذ مدّة، ولكنّه بالتأكيد ليس أفضل ما في الباب... وهو يتناول قضية الإعجاز وفق الطريقة التعليمية الأكاديمية النمطية...
كما أطلب من الأخت الكريمة... أن تشرح أكثر مقصودها ومرادها من هذه المداخلة وأن تستعمل - طلبا والتماسا غير أمر - ألفاظا صريحة ودقيقة... لأنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم... ولن يضرّ طلبة العلم - إن كانوا صادقين مخلصين - كلاما صريحا حتى وإن لم يوافق مرادهم، حتى وإن كان يطعن في فهمهم، بل وفي شخصهم حتى...
جزاكم الله خير الجزاء...
 
أخي الكريم أستاذنا بودفلة:
أنا قلت نظرية وليست بفرضية، ثم أضفت أنها نظرية نظرا لأدلة وحجج وقرائن من يخصص الإعجاز، وعلى رأسهم المغفور له سيدي محمد محمود شاكر طيب له ثراه، وهو الذي أقرأه هنا ومن جديد من خلال مداخلاتك الطيبة. النظرية في الفكر العلمي المعاصر هو التفسير العلمي، الذي يجب الأخذ به ولا نحيد عنه إلا بتفسير أحسن، والنظرية درجات لذلك وصفت تلك النظرية بالقوة فقلت أنها قوية.

تأطير السؤال المطروح في المشاركة 12. قال سيدي طه عبدالرحمن في كتابه "الحق الإسلامي في الإختلاف الفكري":
والأصل في نظر المسلم إلى الأشياء أنها تأمل في آيات أي "نظرة ملكوتية"، ولا يصار إلى عدها ملاحظة لظواهر أي "نظرة ملكية" إلا بدليل كما إذا باشر الكشف عن قوانينها السببية ولذلك فإن للمسلم نظرين اثنين إلى الأشياء لا ينفك يزاوج بينهما:
1 - نظر أصلي يتدبر به الأشياء هو النظر الملكوتي الذي يوصله إلى الإيمان.
2 - نظر فرعي يدبّر به الأشياء وهو النظر الملكي الذي يوصله إلى العلم (بالظواهر - إضافة).


 
كلام طيب ومفيد سواء بيان حقيقة النظرية... أو مسألة النظر والتعامل المعرفي من جهة الملكوتية والملكية... جزاكم الله خيرا
 
أدلة قوية تدعم تخصيص الإعجاز بالجانب البياني دون المضمون، وهي كثيرة وسأكتفي بالإشارة إلى بعض منها جعلتني أحترم القوة العلمية لهذه النظرية:
1. من القرءان الكريم:
{لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}
{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ}

2. من الروايات: شهادة الوليد بن المغيرة ببلاغة القرآن الكريم.

3. من التاريخ: توظيف المُتنبئين للغة قبل وأثناء ما يسمى بحروب الردة.

ومن جانب آخر نجد ما يمكن أن يكون دعامة لتضعيف النظرية، دون الإعتماد على أقوال العلماء المتقدمين في الإعجاز، حيث ننطلق من التفسيرات التي اعطيت للآية الكريمة {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}. هذا إن صح ما ذكروه في مناسبة نزول الآية الكريمة.

ثم نطرح سؤالا آخر: هل الإعجاز البياني قائم الآن أم أنه تاريخي، أو هل يتحدى القرءان المنكرين في كل زمان ومكان؟ وكيف ذلك ؟ أنا أجبت على السؤال في الرابط أعلاه، رغم أنها تبقى مجرد فرضية لا تصلح للإقناع، أي لابد من أدلة وقرائن تجعلها نظرية صالحة .
 
عودة
أعلى