علل الأقوال

إنضم
26/11/2007
المشاركات
429
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما يحب أن يحمد، ويُثنَى عليه ويمجَّد، فهو أهل الحمد والثناء والمجد
والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد:
فإن مما ينبغي أن يعتني به طالب التحقيق جمع أقوال العلماء وترتيبها تأريخياً لتتبين له علل الأقوال ويعرف منشأ الخطأ إن وجد، وكيف سرى وانتشر، وكيف تداول العلماء تلك المسألة في كتبهم.
وقد سئل ابن المديني كيف تعرفون علة الحديث؟
فقال: إنما تعرف العلة بجمع الطرق.
وصدق رحمه الله،
وهذا الأمر لا ينحصر تطبيقه على علل الحديث، بل هو عام في جميع العلوم.
ومعرفة العلل وإدراكها ليس سحراً ولا كهانة ولا تنجيماً، وليس أمراً خارقاً للعادة، بل هو ممكن لمن تعلم هذا العلم من وجهه، وتعلم كيف يكتشف الأقوال الخاطئة، ويناقشها، وينقدها، ويبين القول الصحيح بأدلته.
والأمة بحاجة ماسة إلى عدد من هؤلاء، لتحقيق العلم كما ينبغي وتنقيته من شوائب الأقوال الخاطئة، وهذا مما يعين على تيسير تعليم العلم النافع وتقريبه للعامة، وطلاب العلم المبتدئين، فينتشر بذلك العلم، ويزداد الإيمان في الأمة، فيرفعها الله عز وجل ويعلي شأنها.

وعوداً على بدء فإن عدم مراعاة تأريخ الأقوال قد يوقع الباحث في أوهام وأخطاء لكثرة ما يرى من تداول الأقوال الخاطئة، ولثقته بنقل الناقلين لها، وما يلتمسه بعضهم لها من الحجج التي ربما يظنها غير المحقق صحيحة، وهي عند التحقيق فاسدة.

وعلل الأقوال إنما تدرك بجمعها، ومعرفة منشئها، وكيف تداولها العلماء، ومنشأ الخطأ فيها وكيف تدرج وقوعه.

وسأضرب لكم مثالاً جلياً في هذا الباب:
ففي قراءات قوله تعالى: (عم يتساءلون)
إذا وقف يعقوب الحضرمي وابن كثير (في رواية البزي) على {عم} وقفوا على هاء ساكنة، عوضاً عن ألف ما الاستفهامية المحذوفة، وإذا وصلوا قرأوها بدون هاء، ولذلك نظائر عندهما.
وهذا أمر معروف عند علماء القراءات لذلك لم يذكروا غيره.
وشاعت قراءة خاطئة ذكرها بعض المفسرين وغيرهم وهي القراءة بالهاء وصلاً ونسبوها لابن كثير المكي رحمه الله
حتى أدرجها الخطيب في معجم القراءات.
وسأترككم مع تأريخ هذه المسألة ثم أعقب بذكر بعض الفوائد
وأرفقت مع الموضوع ملخصاً لما ذكره العلماء في قراءات هذه الآية، منسقاً بالوورد، لغرض التقريب والتيسير.


قوله تعالى: (عم يتساءلون)

القراءات:

القراءة الثالثة: (عمه) وقفاً ووصلاً

تنبيه:
قلت: (وَرَدَ فِي بعضِ التَّفَاسِيرِ نسبةُ هذِه القراءَةِ لابنِ كَثِيرٍ، وَهِيَ لا تَصِحُّ عنه، ولِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ القِرَاءَاتِ،وَإِنَّما الذي صَحَّ عَنْهُ -كَمَا تَقَدَّم -أَنَّه قَرَأَ بهَا فِي حَالِ الوقفِ، وَذَلكَ أَنَّ مِن أُصُولِهِ إِبْدالَ ألفِ (ما) الاستفهامِيَّةِ المجرورةِ هاءً عندَ الوقفِ لا الوصلِ.
أّمَّا القراءةُ بالهاءِ وَصْلاً فلا أَصْلَ لها، وَمَنشأُ الخطأِ تَسَاهُلُ بَعْضِ المفَسِّرِينَ في النَّقْلِ باختصارِ مُخِلٍّ أَدَّى ببعضِهِم إِلَى إِطلاقِ القَولِ بنسبةِ هذِه القراءَةِ لابنِ كثيرٍ في حالِ الوَصْلِ).

بيان تدرج وقوع الخطأ في نسبة هذه القراءة لابن كثير رحمه الله

قالَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالويه (ت:370 هـ): ( (عَمَّهْ يَتَسَاءَلُونَ) بِالْهَاءِ وَالسُّكُونِ؛ ابْنُ كَثِيرٍ). [مختصر شواذ القراءات:167]
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت:538هـ): ( وعنِ ابنِ كَثيرٍ أنه قَرَأَ: (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ولا يَخْلُو‏:‏ إمَّا أنْ يُجْرِيَ الوصلَ مَجْرَى الوَقْفِ، وإمَّا أنْ يَقِفَ ويَبْتَدِئَ: {يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}‏). [الكشاف: 6/294]
قالَ فَخْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (وعن ابنِ كثيرٍ أنه قَرَأَ (عَمَّهْ) بهاءِ السكْتِ، ولا يَخْلُو إما أن يُجْرِيَ الوصْلَ مَجْرَى الوَقْفِ، وإما أن يَقِفَ ويَبتدئَ بـ{يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ}). [مفاتيح الغيب: 31/3]
قالَ أَبُو البَقَاءِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الحُسَيْنِ العُكْبَريُّ (ت:616هـ): (ويُقْرَأُ (عَمَّهْ) بالهاءِ، وحُكْمُ هذا أنْ يَكُونَ في الوَقْفِ، إلاَّ أنَّه أَجْرَى الوَصْلَ مَجْرَاهُ). [إعراب القراءات الشواذ: 2/ 669]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت:745هـ): (وقرأَ الضَّحَّاكُ وابنُ كثيرٍ في روايَةٍ (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، أَجْرَى الوصلَ مُجْرَى الوقفِ). [البحر المحيط: 8/572]
قالَ السَّمِينُ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الحَلَبِيُّ (ت:756هـ): (قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (( وعن ابنِ كثيرٍ أنَّهُ قَرَأَ (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ولا يَخْلُو: إمَّا أنْ يُجْرِيَ الوصلَ مُجْرَى الوقفِ، وإمَّا أنْ يَقِفَ ويَبْتَدِئَ {يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}))). [الدر المصون: 10/648]
قالَ السَّمِينُ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الحَلَبِيُّ (ت:756هـ): (ونُقِلَ عن ابنِ كثيرٍ أَنَّهُ يَقْرَأُ (عَمَّهْ) بالهاءِ وَصْلاً، أَجْرَى الوصلَ مُجْرَى الوقفِ). [الدر المصون: 10/647]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حَجَرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وعَنِ ابنِ كَثِيرٍ رِوَايَةٌ بِالهَاءِ، وهِي هَاءُ السَّكْتِ أَجرَى الوَصلَ مَجرَى الوَقفِ). [فتح الباري: 8/689]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت:880هـ): (ونُقِلَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ يَقْرَأُ (عَمَّهْ) بالهاءِ وَصْلاً). [اللباب: 20/90]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت:880هـ): (قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (( وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ قَرَأَ (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ولا يَخْلُو إمَّا أنْ يُجْرِيَ الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ، وإمَّا أَنْ يقِفَ، ويبْتَدِئَ بـ{يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ})) ). [اللباب: 20/91]
قالَ عَطِيَّةُ مُحَمَّد سَالِم (ت:1420هـ): (وَقالَ فِي الكَشَّافِ: ((وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أنه قَرَأَ: (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ثُمَّ وَجَّهَهَا بِقَوْلِهِ: إِمَّا أنْ يُجْرِيَ الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَإِمَّا أنْ يَقِفَ وَيَبْتَدِئَ: {يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}))). [تتمة أضواء البيان: 9/3]

وهذه بعض الفوائد المستفادة من بحث هذه المسألة:
1: أن هذا الخطأ سرى في كتب التفسير، وخلت منه كتب القراءات إلا ما فعله الخطيب في معجم القراءات، وذلك أن علماء القراءات يدركون هذا الأمر جيداً، وينكرون القراءة بالهاء وصلاً.
فيستفيد بذلك الباحث تلقي كل علم عن أئمته المقتدى بهم فيه، ويأخذ كل مسألة عن أهلها.
2: أن أصل منشأ الخطأ من الطريقة التي تعاطى بها الزمخشري مع هذه المسألة، والزمخشري ليس من علماء القراءت، ولا أدل على ذلك من تعاطيه مع علم القراءات بالتقسيمات المنطقية (راجع قوله) وعلم القراءات موقوف على السماع.
3: أن أبا حيان نسب هذه القراءة للضحاك، وهو وهم أيضاً، وأبو حيان ناقل في هذه المسألة عن ابن عطية، وابن عطية نسب هذه القراءة للضحاك في حال الوقف.

4: تتابع الناقلون عن الزمخشري باختصار مخل حتى وصل الأمر إلى النص على أن هذه القراءة نقلت عنه في حال الوصل كما فعل السمين الحلبي،
وكما هو ظاهر كلام ابن حجر وهو من المحدثين.

5: لو أن طالب العلم لم يتفطن لتأريخ المسألة، وقرأ تلك الكتب بدون ترتيب لربما ترسخت لديه قناعة بأن تلك القراءة صحيحة لكثرة الناقلين لها من العلماء

6: أن القول إذا استبان خطؤه لم يجز ذكره إلا للتنبيه عليه، ولا يجوز اعتماده، وحينئذٍ فلا يصح أن يتعامل معه إلا بالرد والتماس العذر لقائله، إذ الخطأ مردود على صاحبه، غير مقبول في دين الله عز وجل.
وسأنبه في موضوع قادم بإذن الله على خطأ اعتبار القول الخاطئ ومحاولة الجمع بينه وبين الأقوال الصحيحة.

7: أن العلماء السابقين قد يلتمس لهم العذر، لكن ما عذر الأمة اليوم مع تطور وسائل العلم، وتيسر سبل الجمع والبحث والترتيب، وجود الإمكانات والطاقات والقدرات ووجود الباحثين المتخصصين في كل فن المشهود لهم بالتحرير والإتقان.

ونحن إنما استخلفَنا الله في لأرض لينظر كيف نعمل، ولو أن كل واحد قال: ليس هذا من شأني لبقيت الأمة على حالها، بل ربما ازداد حالها سوءاً

ورحم الله ابن الوردي إذ يقول:

[poem=font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
اطلـب العـلم ولا تكسـل فـمـا = أبعد الخير على أهل الكسل
واحــتـفل للفـقه في الـدين ولا = تشتغل عنه بمالٍ أو خول
واهجر النـوم وحصـله فمن = يعرف المطلوب يحقر ما بذل
لا تقـل قـد ذهـبت أربـابه = كل من سار على الدرب وصل
في ازدياد العلم إرغام العدا = وجمال العلم إصلاح العمل[/poem]

ومن فاته أن يكون عالماً، فلا يفوتنه أن يخرج عالماً أو عالمين، أو عشرة أو عشرين، أو مئة أو مئين، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.
فيأتي يوم القيامة وفي صحيفته أعمال علماء أجلاء كان هو سبب إعدادهم وتأهيلهم وتعليمهم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.
ولا تحقرن ما وهبك الله، والأمة بحاجة ماسة للتعاون على البر والتقوى، وتكاتف الجهود، فصاحب العلم بعلمه، وصاحب الفكرة بفكرته، وصاحب الجهد بجهده، وصاحب الجاه بجاهه، وصاحب المال بماله، وصاحب القلم بقلمه.
 
جزاكم الله خيرا
فضيلة الشيخ : عبد العزيز الداخل

جاء في هذا المبحث :

وهي قراءة الجمهور
نص على ذلك : أبو حيان ، وابن حجر ، والعيني ، والشوكاني .
هل يحتاج طالب العلم أن يستشهد بتنصيص الأئمة على أنها قراءة الجمهور ؟
ألا يكفي معرفة ذلك بالتواتر ؟

قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت:538هـ): ( وعنِ ابنِ كَثيرٍ أنه قَرَأَ: (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ولا يَخْلُو‏:‏ إمَّا أنْ يُجْرِيَ الوصلَ مَجْرَى الوَقْفِ، وإمَّا أنْ يَقِفَ ويَبْتَدِئَ: {يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}‏).
ذكره: الرَّازِيُّ، ونقله: السمين الحلبي، وابن عادل، وعطية سالم.
قالَ العُكْبَريُّ (ت:616هـ): (ويُقْرَأُ (عَمَّهْ) بالهاءِ، وحُكْمُ هذا أنْ يَكُونَ في الوَقْفِ، إلاَّ أنَّه أَجْرَى الوَصْلَ مَجْرَاهُ).
قالَ أَبُو حَيَّانَ (ت:745هـ): (وقرأَ الضَّحَّاكُ وابنُ كثيرٍ في روايَةٍ (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، أَجْرَى الوصلَ مُجْرَى الوقفِ).
قالَ السَّمِينُ الحَلَبِيُّ (ت:756هـ): (ونُقِلَ عن ابنِ كثيرٍ أَنَّهُ يَقْرَأُ (عَمَّهْ) بالهاءِ وَصْلاً، أَجْرَى الوصلَ مُجْرَى الوقفِ).
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حَجَرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وعَنِ ابنِ كَثِيرٍ رِوَايَةٌ بِالهَاءِ، وهِي هَاءُ السَّكْتِ أَجرَى الوَصلَ مَجرَى الوَقفِ).
قالَ ابنُ عَادِلٍ (ت:880هـ): (ونُقِلَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ يَقْرَأُ: (عَمَّهْ) بالهاءِ وَصْلاً).
التوجيه:
وجهت بأنها على إجراء الوصل مجرى الوقف
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت:538هـ): (يُجْرِي الوصلَ مَجْرَى الوَقْفِ‏).
ما الصحيح في ضبط مجرى ؟
هل هو بفتح الميم أم ضمها رغم أنها جاءت في هذه المواضع من الفعل الرباعي ( أجرى ) ؟
 
ومن فاته أن يكون عالماً، فلا يفوتنه أن يخرج عالماً أو عالمين، أو عشرة أو عشرين، أو مئة أو مئين، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.
فيأتي يوم القيامة وفي صحيفته أعمال علماء أجلاء كان هو سبب إعدادهم وتأهيلهم وتعليمهم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.
ولا تحقرن ما وهبك الله، والأمة بحاجة ماسة للتعاون على البر والتقوى، وتكاتف الجهود، فصاحب العلم بعلمه، وصاحب الفكرة بفكرته، وصاحب الجهد بجهده، وصاحب الجاه بجاهه، وصاحب المال بماله، وصاحب القلم بقلمه.

اللهم هل بلغت...
اللهم فاشهد...
أجزل الله لكم الأجر والمثوبة
بلغتم ونصحتم
لكن : كيف السبيل إلى ما ذكرتم - وفقكم الله - خصوصا أن النساء لا يتيسر لهن ما يتيسر للرجال ؟
 
جزاكم الله خيرا

وإياكم.

وأشكر لك متابعتك وملاحظاتك الدقيقة التي تدل على حرص على الانتفاع وجدية في التعلم والإفادة

فبارك الله فيك

هل يحتاج طالب العلم أن يستشهد بتنصيص الأئمة على أنها قراءة الجمهور ؟
ألا يكفي معرفة ذلك بالتواتر ؟

نعم يكفي ذلك.
وهذا المبحث مختصر من كتاب مجمع التفاسير، وقد ذكرت أقوالهم فيها بنصها
ورغبة عن تركها وإهمالها ذكرت أنهم نصوا على ذلك، فهو من باب ذكر ما قيل عن هذه القراءة في المكتبة الإسلامية.

وللتوضيح أقول:
إن كتاب مجمع التفاسير لم أقصد فيه أن يكون تفسيراً خاصاً لي، وإنما قصدت به التيسير على الباحثين وطلاب العلم بجمع ما قيل في الآية وتصنيفه على العلوم والمسائل وترتيبه تأريخياً بغض النظر عن صحة ما قيل أو كونه هو المعتمد
وليس لي فيه إلا العناوين اللازمة للتوضيح، وبعض التعليقات اليسيرة.

وهذه الطريقة يسر الله لي أسبابها، وإدارتها، واستخرت الله فيها، فرأيت فيها نفعاً للطلاب والباحثين، بجمع المتفرق، وتقريب البعيد، والتصنيف، والتنظيم والترتيب، وعمل معي في إعداده نخبة من الباحثين والنساخ والمدققين والمشكلين
ولم ألزم نفسي بتدقيق كل ما ذكر والتعليق عليه لأنه أمر متعذر ، ولا يتسع له الوقت
وهذا من الأسباب التي دعتني لتحويله إلى كتاب مفتوح يتمكن المختصون من إضافة أقوالهم وتعليقاتهم فيه منسوبة لهم بأسمائهم
لأنه كتاب جامع للأقوال التي قيلت في تلك المسائل، وليس مؤلفاً يعتمد على التحرير والصياغة الإنشائية والتدخل في عرض المسألة بأسلوب معد الكتاب، وإنما المنهج فيه جمع ما قيل وتصنيفه وترتيبه


قلت هذا الكلام لأبين عذري فيما قد ينتقد من الأقوال أو اختلاف المناهج في الضبط لأن إعداد الكتاب مر بمراحل متعددة تختلف فيها الاجتهادات في كل مرحلة كما هو معتاد في البحوث العلمية، لذلك من الطبيعي أن يظهر تفاوت في علامات الترقيم، أو في مناهج التشكيل، أو غيرها.
غير أني حرصت على ضبط التصنيف العام للمسائل، والمنهج في جمع الأقوال وترتيبها، فهذا ما يمكنني فعله ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها


وأما كتابة تفسير جديد فيحتاج فيه إلى أمور أوسع وتهيئة أكبر وفكرة يتمكن بها المفسر من الإضافة المفيدة حتى لا يكون تفسيره مكررا، ولعل الله أن يمد في العمر وييسر ذلك.


ما الصحيح في ضبط مجرى ؟
هل هو بفتح الميم أم ضمها رغم أنها جاءت في هذه المواضع من الفعل الرباعي ( أجرى ) ؟

يصح الضبطان، بالفتح والضم، وقد قرئ بهما في قوله تعالى: (وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها)

أصل الفعل ثلاثي وهو (جرى) وهذه الألف تسمى ألف التعدية، وبعضهم يسميها ألف الإكساب

فالفتح على إرادة المكان نحو: مذهب، ومسعى، ومنحى، ومسلك.
ويكون متصرفاً من الثلاثي (جرى)

والضم على إرادة المصدر ويكون حينئذ مرادفاً في المعنى لـ(إجراء)

ولأجل هذا اختلف المشكلون لدي في ضبطها، فكل ضبط ما أوكل إليه حسب اجتهاده، وكل قد أصاب.
والحمد لله رب العالمين.
 
أجزل الله لكم الأجر والمثوبة
بلغتم ونصحتم
لكن : كيف السبيل إلى ما ذكرتم - وفقكم الله - خصوصا أن النساء لا يتيسر لهن ما يتيسر للرجال ؟

الغرض من هذا النداء، التذكير بأن نستشعر المسؤولية جميعاً، ونبذل الجهد كل وفق ما ييسره الله له.
ومن فتح له باب من أبواب النفع فليجد فيه وليجتهد.

ونحن ندرك أن سبب انحطاط الأمة وما تعانيه من ذل ومهانة هو ضعف العلم والإيمان، كما أفادت ذلك نصوص الشرع، وكما هو معلوم لدى العلماء وطلاب العلم، لا أعرف أنهم يختلفون في ذلك.
وإن أي محاولة لا ستعادة مجد الأمة وعزها بغير طريق العلم والإيمان لهي محاولة فاشلة، لأن الله كتب الرفعة والعزة لأهل العلم والإيمان، وهو الذي يرفعهم ويعزهم، ومن طلب العزة والرفعة للأمة بغير السبيل الذي بينه الله لم يحصل له مقصوده، بل سيعود عليه وعلى الأمة من الضرر والأذى بقدر ما تسبب فيه، وشواهد ذلك معلومة في التأريخ والواقع.

فإذا عرفت المشكلة، وعرف سببها، وعرف الحل، وعرف طريقه لم يتبق إلى السير فيه على نور وهدى من الله عز وجل

وكل عمل ييسره الله لشخص منا سواء كان ذكراً أو أنثى في تحقيق ذلك فهو عمل رشيد

والاقتراحات في هذا المجال كثيرة جداً
فمن استطاع أن يطلب العلم على وجهه ويدعو إلى الله على بصيرة فقد سلك هذا السبيل

ومن استطاع أن يعين طالباً أو طالباً على حسن التحصيل فقد أدى عملاً جليلاً لا يستهان به

فإن مما يحزنني بل ويؤرقني ما أراه من العشوائية في الطلب لدى كثير من طلاب العلم فتضيع أوقاتهم وطاقاتهم سدى وتضيع معها أحلام وآمال أُمِّلَت فيهم
فالطلب غير منهجي ، والقراءة غير منظمة، يدرس بعضهم متنا على شيخ ثم لا يتمه وينتقل إلى شيخ آخر ومتن آخر
وبعضهم يتعلق بالدروس الأسبوعية على شيخ ينتهج منهج الشرح الإجمالي ومع ذلك يمكث سنوات في بعض المتون
يكل فيها الطالب ويمل وتضعف العزيمة وتفتر الهمة، ولا يحصل إلا ثقافة عامة لا يعتمد عليها.
وقد قابلت أصنافاً منهم وأحزنني ما يعانونه من آفات الطلب
فهذا مما يدعوني إلى توجيه نداء لأهل العلم والمدركين لأهمية العلم أن يعتنوا برعاية طلاب العلم وتوجيههم الوجهة الصحيحة ومعالجة ما يقدرون على معالجته من الآفات التي تعترضهم وتقطع عليهم الطريق.

فلو أن شخصاً (رجلاً أو امرأة) احتسب في توجيه طالب أو طالبة ممن يملك بذل طاعته أو الاستجابة لنصيحته فاعتنى برعايته ومتابعة تحصيله العلمي، وإفادته بما يختصر له الجهد والوقت ، ورتب له ما يدرس ويقرأ حسب حاله
لقمن أن يجده بإذن الله قد أصبح طالباً متقناً في فترة وجيزة، قد اتضحت له مسالك الطلب حتى يصير عالماً من العلماء في سنوات يسيرة، فإن العلم إذا طلب من وجهه يسير بإذن الله تعالى.
فكم يكون لهذا الإنسان من الأجر في في تخريج عالم له دروسه ومؤلفاته ودرره والتي نرجو أن ينفع الله بها الأمة
فكيف إذا كان له قدرة على توجيه طالبين أو ثلاثة أو عشرة أو أكثر!

فلأجل هذا وجهت النداء.

وأردت أيضاً أن لا يحتقر شخص ما أنعم الله به عليه، فيقول : الأمة ليست بحاجة إلي!
ويوجد من هو أكفأ مني، ونحو ذلك من الأعذار الواهية التي هي من تزيين الشيطان وصده لمن أطاعه واتبع خطواته عن نصر دين الله عز وجل

فإن هذا الفكر التواكلي من أخطر ما فتك بالأمة وجعلها في وضع لا تحسد عليه

ولو تأملنا التأريخ لوجدنا الأمة في أوج عزها قد ضربت أروع الأمثلة في التكاتف والتعاون على البر والتقوى والتعاون على نصرة دين الله عز وجل
تأتي امرأة لأحد قادة الجيوش الإسلامية فتعطيه ظفيرتها عقالاً لبعير في سبيل الله عز وجل، وتقول له: والله لا أملك غيره!
لم تجد ثمن عقال بعير، ومع ذلك لم تقل: الأمة فيها أغنياء، وفيها من هو أولى مني بنصر دين الله عز وجل.

وتأتي أخرى لأحد المحدثين فتعطيه دفتراً قد هيأته وأصلحته (وكانت تهيئة الدفاتر في ذلك الزمن تحتاج إلى جهد ووقت) فتقول له: خذ هذا الدفتر فاكتب فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم!


فانظروا رعاكم الله كيف كانوا صادقين في نصرهم لدين الله عز وجل وإعلاء كلمته، وكيف كانوا بصيرين بسبيل عزة الأمة ورفعتها.
وإن أمة هذه همة أفرادها لأمة جديرة بالنصر والعزة والرفعة، فلا جرم أن كانت مهيبة الجناب بين الأمم، عزيزة شامخة.

ولكن خلف من بعدهم خلف ورثوا مجداً عظيما فضيعوه، وأبقوا لنا حسرة ورثونا إياها.

وكل أمة لها ما كسبت وعليها ماكتسبت

فأردت حفظك الله أن لا يحقر أحد شيئاً من الأعمال النافعة التي فيها نشر للعلم والإيمان، وأن نجتهد ونسأل الله تعالى أن يجعل لنا من هذه الأعمال حظاً ونصيباً ينفعنا عنده ويبيض وجوهنا يوم نلقاه.
ومن صدق الله صدقه الله، ويسر له، وفتح عليه، وأعانه، ونصره، وسدده، وجعله من حزبه وأنصاره وأوليائه الذين يحبهم ويحبونه.
وقد تيسر للنساء في هذا الوقت ما لم يتيسر للنساء قبلهن من تطور وسائل التقنية، وفيها أبواب كثيرة نافعة لنشر العلم النافع والإعانة على حسن تحصيله، والذب عن دين الله عز وجل، فلا تخفى عليكم الهجمة الشرسة على الأمة في دينها وفكرها وثقافتها.
 
جزاكم الله خيرا وأجزل لكم الأجر والمثوبة

والله أسأل أن يجعلكم للمتقين إماما مباركين أينما كنتم

وصلت الفكرة وصلكم الله بالتوفيق

والواقع هو ما ذكر فضيلتكم فالله أسأل أن يصلح أحوال الأمة

وفقكم الله وسددكم
 
موضوع قيم بارك الله فيك شيخ عبدالعزيز الداخل ونفع بك الإسلام والمسلمين .

وكل عمل ييسره الله لشخص منا سواء كان ذكراً أو أنثى في تحقيق ذلك فهو عمل رشيد

والاقتراحات في هذا المجال كثيرة جداً
فمن استطاع أن يطلب العلم على وجهه ويدعو إلى الله على بصيرة فقد سلك هذا السبيل

ومن استطاع أن يعين طالباً أو طالباً على حسن التحصيل فقد أدى عملاً جليلاً لا يستهان به

فإن مما يحزنني بل ويؤرقني ما أراه من العشوائية في الطلب لدى كثير من طلاب العلم فتضيع أوقاتهم وطاقاتهم سدى وتضيع معها أحلام وآمال أُمِّلَت فيهم
فالطلب غير منهجي ، والقراءة غير منظمة، يدرس بعضهم متنا على شيخ ثم لا يتمه وينتقل إلى شيخ آخر ومتن آخر
وبعضهم يتعلق بالدروس الأسبوعية على شيخ ينتهج منهج الشرح الإجمالي ومع ذلك يمكث سنوات في بعض المتون
يكل فيها الطالب ويمل وتضعف العزيمة وتفتر الهمة، ولا يحصل إلا ثقافة عامة لا يعتمد عليها.
وقد قابلت أصنافاً منهم وأحزنني ما يعانونه من آفات الطلب
فهذا مما يدعوني إلى توجيه نداء لأهل العلم والمدركين لأهمية العلم أن يعتنوا برعاية طلاب العلم وتوجيههم الوجهة الصحيحة ومعالجة ما يقدرون على معالجته من الآفات التي تعترضهم وتقطع عليهم الطريق.

فلو أن شخصاً (رجلاً أو امرأة) احتسب في توجيه طالب أو طالبة ممن يملك بذل طاعته أو الاستجابة لنصيحته فاعتنى برعايته ومتابعة تحصيله العلمي، وإفادته بما يختصر له الجهد والوقت ، ورتب له ما يدرس ويقرأ حسب حاله
لقمن أن يجده بإذن الله قد أصبح طالباً متقناً في فترة وجيزة، قد اتضحت له مسالك الطلب حتى يصير عالماً من العلماء في سنوات يسيرة، فإن العلم إذا طلب من وجهه يسير بإذن الله تعالى.
فكم يكون لهذا الإنسان من الأجر في في تخريج عالم له دروسه ومؤلفاته ودرره والتي نرجو أن ينفع الله بها الأمة
فكيف إذا كان له قدرة على توجيه طالبين أو ثلاثة أو عشرة أو أكثر!

فلأجل هذا وجهت النداء.

وأردت أيضاً أن لا يحتقر شخص ما أنعم الله به عليه، فيقول : الأمة ليست بحاجة إلي!
ويوجد من هو أكفأ مني، ونحو ذلك من الأعذار الواهية التي هي من تزيين الشيطان وصده لمن أطاعه واتبع خطواته عن نصر دين الله عز وجل

فإن هذا الفكر التواكلي من أخطر ما فتك بالأمة وجعلها في وضع لا تحسد عليه

ولو تأملنا التأريخ لوجدنا الأمة في أوج عزها قد ضربت أروع الأمثلة في التكاتف والتعاون على البر والتقوى والتعاون على نصرة دين الله عز وجل
تأتي امرأة لأحد قادة الجيوش الإسلامية فتعطيه ظفيرتها عقالاً لبعير في سبيل الله عز وجل، وتقول له: والله لا أملك غيره!
لم تجد ثمن عقال بعير، ومع ذلك لم تقل: الأمة فيها أغنياء، وفيها من هو أولى مني بنصر دين الله عز وجل.

وتأتي أخرى لأحد المحدثين فتعطيه دفتراً قد هيأته وأصلحته (وكانت تهيئة الدفاتر في ذلك الزمن تحتاج إلى جهد ووقت) فتقول له: خذ هذا الدفتر فاكتب فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم!


فانظروا رعاكم الله كيف كانوا صادقين في نصرهم لدين الله عز وجل وإعلاء كلمته، وكيف كانوا بصيرين بسبيل عزة الأمة ورفعتها.
وإن أمة هذه همة أفرادها لأمة جديرة بالنصر والعزة والرفعة، فلا جرم أن كانت مهيبة الجناب بين الأمم، عزيزة شامخة.

ولكن خلف من بعدهم خلف ورثوا مجداً عظيما فضيعوه، وأبقوا لنا حسرة ورثونا إياها.

وكل أمة لها ما كسبت وعليها ماكتسبت

فأردت حفظك الله أن لا يحقر أحد شيئاً من الأعمال النافعة التي فيها نشر للعلم والإيمان، وأن نجتهد ونسأل الله تعالى أن يجعل لنا من هذه الأعمال حظاً ونصيباً ينفعنا عنده ويبيض وجوهنا يوم نلقاه.
ومن صدق الله صدقه الله، ويسر له، وفتح عليه، وأعانه، ونصره، وسدده، وجعله من حزبه وأنصاره وأوليائه الذين يحبهم ويحبونه.
وقد تيسر للنساء في هذا الوقت ما لم يتيسر للنساء قبلهن من تطور وسائل التقنية، وفيها أبواب كثيرة نافعة لنشر العلم النافع والإعانة على حسن تحصيله، والذب عن دين الله عز وجل، فلا تخفى عليكم الهجمة الشرسة على الأمة في دينها وفكرها وثقافتها.

توجيه عظيم أسعدك الله في الدارين .
 
عودة
أعلى