عبدالعزيز الداخل
New member
- إنضم
- 26/11/2007
- المشاركات
- 429
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما يحب أن يحمد، ويُثنَى عليه ويمجَّد، فهو أهل الحمد والثناء والمجد
والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فإن مما ينبغي أن يعتني به طالب التحقيق جمع أقوال العلماء وترتيبها تأريخياً لتتبين له علل الأقوال ويعرف منشأ الخطأ إن وجد، وكيف سرى وانتشر، وكيف تداول العلماء تلك المسألة في كتبهم.
وقد سئل ابن المديني كيف تعرفون علة الحديث؟
فقال: إنما تعرف العلة بجمع الطرق.
وصدق رحمه الله،
وهذا الأمر لا ينحصر تطبيقه على علل الحديث، بل هو عام في جميع العلوم.
ومعرفة العلل وإدراكها ليس سحراً ولا كهانة ولا تنجيماً، وليس أمراً خارقاً للعادة، بل هو ممكن لمن تعلم هذا العلم من وجهه، وتعلم كيف يكتشف الأقوال الخاطئة، ويناقشها، وينقدها، ويبين القول الصحيح بأدلته.
والأمة بحاجة ماسة إلى عدد من هؤلاء، لتحقيق العلم كما ينبغي وتنقيته من شوائب الأقوال الخاطئة، وهذا مما يعين على تيسير تعليم العلم النافع وتقريبه للعامة، وطلاب العلم المبتدئين، فينتشر بذلك العلم، ويزداد الإيمان في الأمة، فيرفعها الله عز وجل ويعلي شأنها.
وعوداً على بدء فإن عدم مراعاة تأريخ الأقوال قد يوقع الباحث في أوهام وأخطاء لكثرة ما يرى من تداول الأقوال الخاطئة، ولثقته بنقل الناقلين لها، وما يلتمسه بعضهم لها من الحجج التي ربما يظنها غير المحقق صحيحة، وهي عند التحقيق فاسدة.
وعلل الأقوال إنما تدرك بجمعها، ومعرفة منشئها، وكيف تداولها العلماء، ومنشأ الخطأ فيها وكيف تدرج وقوعه.
وسأضرب لكم مثالاً جلياً في هذا الباب:
ففي قراءات قوله تعالى: (عم يتساءلون)
إذا وقف يعقوب الحضرمي وابن كثير (في رواية البزي) على {عم} وقفوا على هاء ساكنة، عوضاً عن ألف ما الاستفهامية المحذوفة، وإذا وصلوا قرأوها بدون هاء، ولذلك نظائر عندهما.
وهذا أمر معروف عند علماء القراءات لذلك لم يذكروا غيره.
وشاعت قراءة خاطئة ذكرها بعض المفسرين وغيرهم وهي القراءة بالهاء وصلاً ونسبوها لابن كثير المكي رحمه الله
حتى أدرجها الخطيب في معجم القراءات.
وسأترككم مع تأريخ هذه المسألة ثم أعقب بذكر بعض الفوائد
وأرفقت مع الموضوع ملخصاً لما ذكره العلماء في قراءات هذه الآية، منسقاً بالوورد، لغرض التقريب والتيسير.
قوله تعالى: (عم يتساءلون)
القراءات:
القراءة الثالثة: (عمه) وقفاً ووصلاً
تنبيه:
قلت: (وَرَدَ فِي بعضِ التَّفَاسِيرِ نسبةُ هذِه القراءَةِ لابنِ كَثِيرٍ، وَهِيَ لا تَصِحُّ عنه، ولِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ القِرَاءَاتِ،وَإِنَّما الذي صَحَّ عَنْهُ -كَمَا تَقَدَّم -أَنَّه قَرَأَ بهَا فِي حَالِ الوقفِ، وَذَلكَ أَنَّ مِن أُصُولِهِ إِبْدالَ ألفِ (ما) الاستفهامِيَّةِ المجرورةِ هاءً عندَ الوقفِ لا الوصلِ.
أّمَّا القراءةُ بالهاءِ وَصْلاً فلا أَصْلَ لها، وَمَنشأُ الخطأِ تَسَاهُلُ بَعْضِ المفَسِّرِينَ في النَّقْلِ باختصارِ مُخِلٍّ أَدَّى ببعضِهِم إِلَى إِطلاقِ القَولِ بنسبةِ هذِه القراءَةِ لابنِ كثيرٍ في حالِ الوَصْلِ).
بيان تدرج وقوع الخطأ في نسبة هذه القراءة لابن كثير رحمه الله
قالَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالويه (ت:370 هـ): ( (عَمَّهْ يَتَسَاءَلُونَ) بِالْهَاءِ وَالسُّكُونِ؛ ابْنُ كَثِيرٍ). [مختصر شواذ القراءات:167]
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت:538هـ): ( وعنِ ابنِ كَثيرٍ أنه قَرَأَ: (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ولا يَخْلُو: إمَّا أنْ يُجْرِيَ الوصلَ مَجْرَى الوَقْفِ، وإمَّا أنْ يَقِفَ ويَبْتَدِئَ: {يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}). [الكشاف: 6/294]
قالَ فَخْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (وعن ابنِ كثيرٍ أنه قَرَأَ (عَمَّهْ) بهاءِ السكْتِ، ولا يَخْلُو إما أن يُجْرِيَ الوصْلَ مَجْرَى الوَقْفِ، وإما أن يَقِفَ ويَبتدئَ بـ{يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ}). [مفاتيح الغيب: 31/3]
قالَ أَبُو البَقَاءِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الحُسَيْنِ العُكْبَريُّ (ت:616هـ): (ويُقْرَأُ (عَمَّهْ) بالهاءِ، وحُكْمُ هذا أنْ يَكُونَ في الوَقْفِ، إلاَّ أنَّه أَجْرَى الوَصْلَ مَجْرَاهُ). [إعراب القراءات الشواذ: 2/ 669]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت:745هـ): (وقرأَ الضَّحَّاكُ وابنُ كثيرٍ في روايَةٍ (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، أَجْرَى الوصلَ مُجْرَى الوقفِ). [البحر المحيط: 8/572]
قالَ السَّمِينُ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الحَلَبِيُّ (ت:756هـ): (قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (( وعن ابنِ كثيرٍ أنَّهُ قَرَأَ (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ولا يَخْلُو: إمَّا أنْ يُجْرِيَ الوصلَ مُجْرَى الوقفِ، وإمَّا أنْ يَقِفَ ويَبْتَدِئَ {يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}))). [الدر المصون: 10/648]
قالَ السَّمِينُ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الحَلَبِيُّ (ت:756هـ): (ونُقِلَ عن ابنِ كثيرٍ أَنَّهُ يَقْرَأُ (عَمَّهْ) بالهاءِ وَصْلاً، أَجْرَى الوصلَ مُجْرَى الوقفِ). [الدر المصون: 10/647]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حَجَرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وعَنِ ابنِ كَثِيرٍ رِوَايَةٌ بِالهَاءِ، وهِي هَاءُ السَّكْتِ أَجرَى الوَصلَ مَجرَى الوَقفِ). [فتح الباري: 8/689]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت:880هـ): (ونُقِلَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ يَقْرَأُ (عَمَّهْ) بالهاءِ وَصْلاً). [اللباب: 20/90]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت:880هـ): (قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (( وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ قَرَأَ (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ولا يَخْلُو إمَّا أنْ يُجْرِيَ الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ، وإمَّا أَنْ يقِفَ، ويبْتَدِئَ بـ{يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ})) ). [اللباب: 20/91]
قالَ عَطِيَّةُ مُحَمَّد سَالِم (ت:1420هـ): (وَقالَ فِي الكَشَّافِ: ((وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أنه قَرَأَ: (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ثُمَّ وَجَّهَهَا بِقَوْلِهِ: إِمَّا أنْ يُجْرِيَ الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَإِمَّا أنْ يَقِفَ وَيَبْتَدِئَ: {يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}))). [تتمة أضواء البيان: 9/3]
وهذه بعض الفوائد المستفادة من بحث هذه المسألة:
1: أن هذا الخطأ سرى في كتب التفسير، وخلت منه كتب القراءات إلا ما فعله الخطيب في معجم القراءات، وذلك أن علماء القراءات يدركون هذا الأمر جيداً، وينكرون القراءة بالهاء وصلاً.
فيستفيد بذلك الباحث تلقي كل علم عن أئمته المقتدى بهم فيه، ويأخذ كل مسألة عن أهلها.
2: أن أصل منشأ الخطأ من الطريقة التي تعاطى بها الزمخشري مع هذه المسألة، والزمخشري ليس من علماء القراءت، ولا أدل على ذلك من تعاطيه مع علم القراءات بالتقسيمات المنطقية (راجع قوله) وعلم القراءات موقوف على السماع.
3: أن أبا حيان نسب هذه القراءة للضحاك، وهو وهم أيضاً، وأبو حيان ناقل في هذه المسألة عن ابن عطية، وابن عطية نسب هذه القراءة للضحاك في حال الوقف.
4: تتابع الناقلون عن الزمخشري باختصار مخل حتى وصل الأمر إلى النص على أن هذه القراءة نقلت عنه في حال الوصل كما فعل السمين الحلبي،
وكما هو ظاهر كلام ابن حجر وهو من المحدثين.
5: لو أن طالب العلم لم يتفطن لتأريخ المسألة، وقرأ تلك الكتب بدون ترتيب لربما ترسخت لديه قناعة بأن تلك القراءة صحيحة لكثرة الناقلين لها من العلماء
6: أن القول إذا استبان خطؤه لم يجز ذكره إلا للتنبيه عليه، ولا يجوز اعتماده، وحينئذٍ فلا يصح أن يتعامل معه إلا بالرد والتماس العذر لقائله، إذ الخطأ مردود على صاحبه، غير مقبول في دين الله عز وجل.
وسأنبه في موضوع قادم بإذن الله على خطأ اعتبار القول الخاطئ ومحاولة الجمع بينه وبين الأقوال الصحيحة.
7: أن العلماء السابقين قد يلتمس لهم العذر، لكن ما عذر الأمة اليوم مع تطور وسائل العلم، وتيسر سبل الجمع والبحث والترتيب، وجود الإمكانات والطاقات والقدرات ووجود الباحثين المتخصصين في كل فن المشهود لهم بالتحرير والإتقان.
ونحن إنما استخلفَنا الله في لأرض لينظر كيف نعمل، ولو أن كل واحد قال: ليس هذا من شأني لبقيت الأمة على حالها، بل ربما ازداد حالها سوءاً
ورحم الله ابن الوردي إذ يقول:
[poem=font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
اطلـب العـلم ولا تكسـل فـمـا = أبعد الخير على أهل الكسل
واحــتـفل للفـقه في الـدين ولا = تشتغل عنه بمالٍ أو خول
واهجر النـوم وحصـله فمن = يعرف المطلوب يحقر ما بذل
لا تقـل قـد ذهـبت أربـابه = كل من سار على الدرب وصل
في ازدياد العلم إرغام العدا = وجمال العلم إصلاح العمل[/poem]
ومن فاته أن يكون عالماً، فلا يفوتنه أن يخرج عالماً أو عالمين، أو عشرة أو عشرين، أو مئة أو مئين، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.
فيأتي يوم القيامة وفي صحيفته أعمال علماء أجلاء كان هو سبب إعدادهم وتأهيلهم وتعليمهم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.
ولا تحقرن ما وهبك الله، والأمة بحاجة ماسة للتعاون على البر والتقوى، وتكاتف الجهود، فصاحب العلم بعلمه، وصاحب الفكرة بفكرته، وصاحب الجهد بجهده، وصاحب الجاه بجاهه، وصاحب المال بماله، وصاحب القلم بقلمه.
الحمد لله كما يحب أن يحمد، ويُثنَى عليه ويمجَّد، فهو أهل الحمد والثناء والمجد
والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فإن مما ينبغي أن يعتني به طالب التحقيق جمع أقوال العلماء وترتيبها تأريخياً لتتبين له علل الأقوال ويعرف منشأ الخطأ إن وجد، وكيف سرى وانتشر، وكيف تداول العلماء تلك المسألة في كتبهم.
وقد سئل ابن المديني كيف تعرفون علة الحديث؟
فقال: إنما تعرف العلة بجمع الطرق.
وصدق رحمه الله،
وهذا الأمر لا ينحصر تطبيقه على علل الحديث، بل هو عام في جميع العلوم.
ومعرفة العلل وإدراكها ليس سحراً ولا كهانة ولا تنجيماً، وليس أمراً خارقاً للعادة، بل هو ممكن لمن تعلم هذا العلم من وجهه، وتعلم كيف يكتشف الأقوال الخاطئة، ويناقشها، وينقدها، ويبين القول الصحيح بأدلته.
والأمة بحاجة ماسة إلى عدد من هؤلاء، لتحقيق العلم كما ينبغي وتنقيته من شوائب الأقوال الخاطئة، وهذا مما يعين على تيسير تعليم العلم النافع وتقريبه للعامة، وطلاب العلم المبتدئين، فينتشر بذلك العلم، ويزداد الإيمان في الأمة، فيرفعها الله عز وجل ويعلي شأنها.
وعوداً على بدء فإن عدم مراعاة تأريخ الأقوال قد يوقع الباحث في أوهام وأخطاء لكثرة ما يرى من تداول الأقوال الخاطئة، ولثقته بنقل الناقلين لها، وما يلتمسه بعضهم لها من الحجج التي ربما يظنها غير المحقق صحيحة، وهي عند التحقيق فاسدة.
وعلل الأقوال إنما تدرك بجمعها، ومعرفة منشئها، وكيف تداولها العلماء، ومنشأ الخطأ فيها وكيف تدرج وقوعه.
وسأضرب لكم مثالاً جلياً في هذا الباب:
ففي قراءات قوله تعالى: (عم يتساءلون)
إذا وقف يعقوب الحضرمي وابن كثير (في رواية البزي) على {عم} وقفوا على هاء ساكنة، عوضاً عن ألف ما الاستفهامية المحذوفة، وإذا وصلوا قرأوها بدون هاء، ولذلك نظائر عندهما.
وهذا أمر معروف عند علماء القراءات لذلك لم يذكروا غيره.
وشاعت قراءة خاطئة ذكرها بعض المفسرين وغيرهم وهي القراءة بالهاء وصلاً ونسبوها لابن كثير المكي رحمه الله
حتى أدرجها الخطيب في معجم القراءات.
وسأترككم مع تأريخ هذه المسألة ثم أعقب بذكر بعض الفوائد
وأرفقت مع الموضوع ملخصاً لما ذكره العلماء في قراءات هذه الآية، منسقاً بالوورد، لغرض التقريب والتيسير.
قوله تعالى: (عم يتساءلون)
القراءات:
القراءة الثالثة: (عمه) وقفاً ووصلاً
تنبيه:
قلت: (وَرَدَ فِي بعضِ التَّفَاسِيرِ نسبةُ هذِه القراءَةِ لابنِ كَثِيرٍ، وَهِيَ لا تَصِحُّ عنه، ولِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ القِرَاءَاتِ،وَإِنَّما الذي صَحَّ عَنْهُ -كَمَا تَقَدَّم -أَنَّه قَرَأَ بهَا فِي حَالِ الوقفِ، وَذَلكَ أَنَّ مِن أُصُولِهِ إِبْدالَ ألفِ (ما) الاستفهامِيَّةِ المجرورةِ هاءً عندَ الوقفِ لا الوصلِ.
أّمَّا القراءةُ بالهاءِ وَصْلاً فلا أَصْلَ لها، وَمَنشأُ الخطأِ تَسَاهُلُ بَعْضِ المفَسِّرِينَ في النَّقْلِ باختصارِ مُخِلٍّ أَدَّى ببعضِهِم إِلَى إِطلاقِ القَولِ بنسبةِ هذِه القراءَةِ لابنِ كثيرٍ في حالِ الوَصْلِ).
بيان تدرج وقوع الخطأ في نسبة هذه القراءة لابن كثير رحمه الله
قالَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالويه (ت:370 هـ): ( (عَمَّهْ يَتَسَاءَلُونَ) بِالْهَاءِ وَالسُّكُونِ؛ ابْنُ كَثِيرٍ). [مختصر شواذ القراءات:167]
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت:538هـ): ( وعنِ ابنِ كَثيرٍ أنه قَرَأَ: (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ولا يَخْلُو: إمَّا أنْ يُجْرِيَ الوصلَ مَجْرَى الوَقْفِ، وإمَّا أنْ يَقِفَ ويَبْتَدِئَ: {يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}). [الكشاف: 6/294]
قالَ فَخْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (وعن ابنِ كثيرٍ أنه قَرَأَ (عَمَّهْ) بهاءِ السكْتِ، ولا يَخْلُو إما أن يُجْرِيَ الوصْلَ مَجْرَى الوَقْفِ، وإما أن يَقِفَ ويَبتدئَ بـ{يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ}). [مفاتيح الغيب: 31/3]
قالَ أَبُو البَقَاءِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الحُسَيْنِ العُكْبَريُّ (ت:616هـ): (ويُقْرَأُ (عَمَّهْ) بالهاءِ، وحُكْمُ هذا أنْ يَكُونَ في الوَقْفِ، إلاَّ أنَّه أَجْرَى الوَصْلَ مَجْرَاهُ). [إعراب القراءات الشواذ: 2/ 669]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت:745هـ): (وقرأَ الضَّحَّاكُ وابنُ كثيرٍ في روايَةٍ (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، أَجْرَى الوصلَ مُجْرَى الوقفِ). [البحر المحيط: 8/572]
قالَ السَّمِينُ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الحَلَبِيُّ (ت:756هـ): (قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (( وعن ابنِ كثيرٍ أنَّهُ قَرَأَ (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ولا يَخْلُو: إمَّا أنْ يُجْرِيَ الوصلَ مُجْرَى الوقفِ، وإمَّا أنْ يَقِفَ ويَبْتَدِئَ {يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}))). [الدر المصون: 10/648]
قالَ السَّمِينُ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الحَلَبِيُّ (ت:756هـ): (ونُقِلَ عن ابنِ كثيرٍ أَنَّهُ يَقْرَأُ (عَمَّهْ) بالهاءِ وَصْلاً، أَجْرَى الوصلَ مُجْرَى الوقفِ). [الدر المصون: 10/647]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حَجَرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وعَنِ ابنِ كَثِيرٍ رِوَايَةٌ بِالهَاءِ، وهِي هَاءُ السَّكْتِ أَجرَى الوَصلَ مَجرَى الوَقفِ). [فتح الباري: 8/689]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت:880هـ): (ونُقِلَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ يَقْرَأُ (عَمَّهْ) بالهاءِ وَصْلاً). [اللباب: 20/90]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت:880هـ): (قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (( وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ قَرَأَ (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ولا يَخْلُو إمَّا أنْ يُجْرِيَ الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ، وإمَّا أَنْ يقِفَ، ويبْتَدِئَ بـ{يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ})) ). [اللباب: 20/91]
قالَ عَطِيَّةُ مُحَمَّد سَالِم (ت:1420هـ): (وَقالَ فِي الكَشَّافِ: ((وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أنه قَرَأَ: (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ثُمَّ وَجَّهَهَا بِقَوْلِهِ: إِمَّا أنْ يُجْرِيَ الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَإِمَّا أنْ يَقِفَ وَيَبْتَدِئَ: {يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}))). [تتمة أضواء البيان: 9/3]
وهذه بعض الفوائد المستفادة من بحث هذه المسألة:
1: أن هذا الخطأ سرى في كتب التفسير، وخلت منه كتب القراءات إلا ما فعله الخطيب في معجم القراءات، وذلك أن علماء القراءات يدركون هذا الأمر جيداً، وينكرون القراءة بالهاء وصلاً.
فيستفيد بذلك الباحث تلقي كل علم عن أئمته المقتدى بهم فيه، ويأخذ كل مسألة عن أهلها.
2: أن أصل منشأ الخطأ من الطريقة التي تعاطى بها الزمخشري مع هذه المسألة، والزمخشري ليس من علماء القراءت، ولا أدل على ذلك من تعاطيه مع علم القراءات بالتقسيمات المنطقية (راجع قوله) وعلم القراءات موقوف على السماع.
3: أن أبا حيان نسب هذه القراءة للضحاك، وهو وهم أيضاً، وأبو حيان ناقل في هذه المسألة عن ابن عطية، وابن عطية نسب هذه القراءة للضحاك في حال الوقف.
4: تتابع الناقلون عن الزمخشري باختصار مخل حتى وصل الأمر إلى النص على أن هذه القراءة نقلت عنه في حال الوصل كما فعل السمين الحلبي،
وكما هو ظاهر كلام ابن حجر وهو من المحدثين.
5: لو أن طالب العلم لم يتفطن لتأريخ المسألة، وقرأ تلك الكتب بدون ترتيب لربما ترسخت لديه قناعة بأن تلك القراءة صحيحة لكثرة الناقلين لها من العلماء
6: أن القول إذا استبان خطؤه لم يجز ذكره إلا للتنبيه عليه، ولا يجوز اعتماده، وحينئذٍ فلا يصح أن يتعامل معه إلا بالرد والتماس العذر لقائله، إذ الخطأ مردود على صاحبه، غير مقبول في دين الله عز وجل.
وسأنبه في موضوع قادم بإذن الله على خطأ اعتبار القول الخاطئ ومحاولة الجمع بينه وبين الأقوال الصحيحة.
7: أن العلماء السابقين قد يلتمس لهم العذر، لكن ما عذر الأمة اليوم مع تطور وسائل العلم، وتيسر سبل الجمع والبحث والترتيب، وجود الإمكانات والطاقات والقدرات ووجود الباحثين المتخصصين في كل فن المشهود لهم بالتحرير والإتقان.
ونحن إنما استخلفَنا الله في لأرض لينظر كيف نعمل، ولو أن كل واحد قال: ليس هذا من شأني لبقيت الأمة على حالها، بل ربما ازداد حالها سوءاً
ورحم الله ابن الوردي إذ يقول:
[poem=font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
اطلـب العـلم ولا تكسـل فـمـا = أبعد الخير على أهل الكسل
واحــتـفل للفـقه في الـدين ولا = تشتغل عنه بمالٍ أو خول
واهجر النـوم وحصـله فمن = يعرف المطلوب يحقر ما بذل
لا تقـل قـد ذهـبت أربـابه = كل من سار على الدرب وصل
في ازدياد العلم إرغام العدا = وجمال العلم إصلاح العمل[/poem]
ومن فاته أن يكون عالماً، فلا يفوتنه أن يخرج عالماً أو عالمين، أو عشرة أو عشرين، أو مئة أو مئين، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.
فيأتي يوم القيامة وفي صحيفته أعمال علماء أجلاء كان هو سبب إعدادهم وتأهيلهم وتعليمهم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.
ولا تحقرن ما وهبك الله، والأمة بحاجة ماسة للتعاون على البر والتقوى، وتكاتف الجهود، فصاحب العلم بعلمه، وصاحب الفكرة بفكرته، وصاحب الجهد بجهده، وصاحب الجاه بجاهه، وصاحب المال بماله، وصاحب القلم بقلمه.