علة حديث: (من غسَّل واغتسل يوم الجمعة وبكَّر وابتكر كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)

إنضم
13/05/2025
المشاركات
50
مستوى التفاعل
8
النقاط
8
الإقامة
صنعاء - اليمن
علة حديث: (من غسَّل واغتسل يوم الجمعة وبكَّر وابتكر كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)

بقلم/ محمد بن جميل المطري​

روى أحمد (16173) وأبو داود (345) والترمذي (496) وحسَّنه والنسائي (1381) وابن ماجه (1087) والدارمي (1588) من حديث أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسَّل واغتسل يوم الجمعة، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، فدنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عملَ سنةٍ أجرَ صيامِها وقيامِها).

هذا الحديث رواه عن الصحابي أوس بن أوس ثلاثة: أبو اﻷشعث الصنعاني وعُبادة بن نُسَي ومحمد بن سعيد المصلوب الكذاب، فرواية أبي اﻷشعث تقدم ذكر بعض من أخرجها، ورواية عُبادة بن نُسَي عند أبي داود (346)، ورواية محمد بن سعيد عند أحمد في مسنده (16161) وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (5566)، قال عبد الرزاق ومن طريقه أخرجه أحمد: عن ابن جُريج عن عمر بن محمد عن سعيد بن أبي هلال عن محمد بن سعيد الأسدي عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم الجمعة فغسل أحدكم رأسه، ثم اغتسل، ثم غدا وابتكر، ثم دنا فاستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها كصيام سنة وقيام سنة)، ومحمد بن سعيد هو الشامي المصلوب، لا خلاف بين أهل العلم أنه كذاب، كان يضع الحديث، قال أحمد بن حنبل: حديثه حديث موضوع، وقال العقيلي: يُغيرون اسمه إذا حدثوا عنه على وجوه كثيرة، يقال فيه: محمد بن حسان ومحمد بن أبي قيس وبعضهم يقول: عن أبي عبد الرحمن الشامي، وربما قالوا: عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم وغير ذلك على معنى التعبيد لله، وينسبونه إلى جده، ويكنون الجد حتى يتسع الأمر جدًا في هذا! قال ابن سوادة: قلب أهل الشام اسمه على أكثر من مائة اسم! وقال ابن نُمير: العيب على الشاميين الذين عرفوه ثم رووا عن هذا عدو الله! وقال عمرو بن علي: حدَّث بأحاديث موضوعة، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث، لا يحل ذكره إلا على وجه القدح فيه، وقال الجوزجاني: هو مكشوف الأمر هالك، وقال أبو أحمد الحاكم: كان يضع الحديث، صُلِب على الزندقة، وقال أبو عبد الله الحاكم: هو ساقط لا خلاف بين أهل النقل فيه. يُنظر: الموضوعات لابن الجوزي (1/ 279، 280)، تهذيب التهذيب لابن حجر (9/ 184 - 186).

وقد اشتهر هذا الحديث عن أبي الأشعث، رواه عنه جماعة، منهم: أبو قِلابة، وحسان بن عطية، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وعبد الرحمن الدمشقي، وراشد بن داود، ويحيى بن الحارث، والعلاء بن الحارث، وسليمان بن موسى، وغيرهم. يُنظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (9/ 398 - 402) والمسند المصنَّف المعلل (4/ 14 - 17)، ولم يثبت سماع أبي الأشعث من أوس كما سيأتي في كلام البخاري قريبًا، وعبادة بن نُسَي لم يصح أنه روى هذا الحديث عن أوس، والإسناد الذي رواه أبو داود (346) من طريق خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عبادة بن نُسَي عن أوس الثقفي مُعَلَّ، فقد روى الطبراني في المعجم الكبير (1/ 216) من طريق ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن محمد بن سعيد عن عبادة بن نُسي عن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسَّل واغتسل يوم الجمعة، ثم غدا أو راح أو ابتكر، ثم دنا وأنصت واستمع، كان له بقدر كل خطوة يخطوها كأجر قيام سنة، وصيام سنة)، ومحمد بن سعيد هو المصلوب الكذاب، ولم أجد رواية لسعيد بن أبي هلال عن عبادة بن نُسَي إلا في هذا الحديث فقط الذي رواه أبو داود، وتبين من رواية الطبراني أنه لا يصح، فقد افترى المصلوب الكذاب على عبادة بن نُسَي أنه روى هذا الحديث عن أوس، قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 263): "روى عبد الرزاق عن ابن جُرَيج عن يحيى بن محمد عن سعيد بن أبي هلال عن محمد بن سعيد الأسدي عن أوس بن أوس في الغسل يوم الجمعة، سمعت أبي يقول: محمد بن سعيد هذا هو الشامي المتروك الحديث، روى هذا الحديث بعينه عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن محمد بن سعيد عن عبادة بن نُسَي عن أوس بن أوس الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغسل يوم الجمعة، فعلمنا أنه هو الشامي المتروك الحديث"، وقد أعلَّ اﻹمام البخاري هذا الحديث، ذكره في كتابه التاريخ الكبير (1/ 94) في ترجمة محمد بن سعيد الشامي المصلوب، واعتمد البخاري في بيان علة الحديث على رواية عبد الرزاق الصنعاني، وهذا نص كلام البخاري في تاريخه: "محمد بن سعيد الشامي، ويقال: ابن أبي قيس، ويقال: ابن الطبري، ويقال: ابن حسان أبو عبد الرحمن، كان صُلِب، متروك الحديث، قُتِل في الزندقة، قال المقرئ: عن سعيد عن ابن عجلان عن محمد بن سعيد بن حسان بن قيس، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمر بن محمد عن سعيد بن أبي هلال عن محمد بن سعيد الأسدي عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم في غسل يوم الجمعة، وقال بعضهم: أبو عبد الله، وقال بعضهم: عن ابن عجلان عن ابن المصفى عن عبد الرحمن بن امرئ القيس عن محمد الطبري عن النبي صلى الله عليه وسلم في غسل يوم الجمعة"، وظاهر كلام البخاري أنه يرى أن أصل هذا الحديث من وضع محمد بن سعيد المصلوب، فإنه لم يثبت عند البخاري سماع أبي الأشعث من أوس، فقد ترجم البخاري لأبي الأشعث في تاريخه (4/ 255) فصرَّح بسماعه من عُبادة وثوبان، ولم يذكر سماعه من أوس، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة أبي اﻷشعث الصنعاني (4/ 358): "لم يُخرِج له البخاري ﻷنه لا يكاد يُصرِّح باللقاء، والبخاري لا يقنَع بالمعاصرة"، فأكثر الرواة عن أبي اﻷشعث رووه عنه بالعنعنة ولم يصرحوا بسماعه من أوس، وتوجد طريقان فيهما التصريح بسماع أبي الأشعث من أوس، وهما طريق الأوزاعي قال: حدثني حسان بن عطية قال: حدثني أبو الأشعث قال: حدثني أوس بن أوس، كما في مصنف ابن أبي شيبة (4990) وفوائد تمَّام الرازي (1531)، وطريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي قال: حدثني أبو الأشعث قال: حدثني أوس بن أوس، كما في مسند أحمد (16175) وسنن النسائي (1384) ومسند الشاميين للطبراني (556)، وغالب الطرق عن أبي الأشعث فيها التصريح بروايته للحديث عن أوس بالعنعنة بدون سماع، فتُقدَّم رواية الأكثر التي ليس فيها ذكر سماع أبي الأشعث من أوس، لا سيما وقد روى غير واحد الطريقين المذكورين بدون ذكر سماع أبي الأشعث من أوس، فروى أحمد في مسنده (16173) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1573) وابن حبان في صحيحه (2781) من طريق الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: حدثني أبو الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس، ورواه أحمد في مسنده (16172) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث عن أوس بن أوس، ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 400، 401) من طريق حسان بن عطية ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن جابر عن أبي الأشعث عن أوس، فثبت بهذا أن كل من روى الحديث عن أبي الأشعث رواه عنه من غير ذكر سماعه من أوس حتى حسان بن عطية وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر اللذين جاء عنهما في بعض الروايات ذكر تصريح أبي الأشعث بالسماع من أوس، والظاهر أن ذلك خطأ أو تساهل من بعض الرواة، فقد قال الحافظ الإسماعيلي أن أهل الشام ومصر يتسامحون في قولهم: حدثنا من غير صحة السماع، يُنظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن رجب تحقيق طارق بن عوض الله (2/ 284)، وذكر أهل العلم أن حديث الشاميين أكثره مراسيل ومقاطيع، وأبو الأشعث الصنعاني من الشاميين، ولا يُستبعد أنه روى هذا الحديث عن أوس وهو لم يدركه أو لم يسمعه منه. يُنظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 287، 288)، تدريب الراوي للسيوطي (1/ 90)، ومما يدل على أن أبا الأشعث لم يسمع من أوس أنه لا توجد في أمات كتب الحديث إلا ثلاث روايات فقط عن أبي الأشعث عن أوس بن أوس، وهي هذا الحديث، وحديث آخر في فضل يوم الجمعة رواه أحمد (16162) وأبو داود (1047) والنسائي (1374) وأعله البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم وابن حبان وغير واحد من الحفاظ، يُنظر: علل الحديث لابن أبي حاتم (2/ 527 - 530) النكت الظراف لابن حجر (1736)، شرح علل الترمذي لابن رجب (2/ 818)، وصححه ابن القيم والألباني وأجابا عن علته بأنها غير مؤثرة، يُنظر: جلاء الأفهام لابن القيم (ص: 81 - 85)، صحيح سنن أبي داود للألباني (4/ 214 - 216)، ولزيادة الفائدة في الحديث الثاني يُنظر: القول البديع للسخاوي (ص: 163)، نزهة الألباب لحسن بن حيدر (2/ 984، 985)، أنيس الساري لنبيل البصارة (2/ 1444 - 1448)، وحديث ثالث رواه الطبراني في المعجم الكبير (590) وتمام في فوائده (1058) عن أبي الأشعث عن أوس في نزول عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، وأعله أبو حاتم الرازي من حديث أبي الأشعث عن أوس بن أوس، وهو حديث ثابت في صحيح مسلم (2937) من حديث جُبير بن نُفير عن النواس بن سمعان رضي الله عنه مرفوعًا. يُنظر: علل الحديث لابن أبي حاتم (6/ 574)، هذا كل ما وجدته لأبي الأشعث عن أوس بن أوس في أمات كتب الحديث، ثلاثة أحاديث فقط مختلف في صحتها، فهذا مما يقوي تعليل حديث أوس بن أوس في فضل غسل الجمعة، والله أعلم. ويُنظر: تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي (2/ 2، 3)، إتحاف المهرة لابن حجر (2/ 421).

فالظاهر مما سبق أن حديث: (من غسَّل واغتسل، وبكَّر وابتكر) لم يحدِّث به الصحابي أوس بن أوس، فالثلاثة الذين رووه عنه لم يثبت أنهم سمعوا هذا الحديث منه، وهم أبو الأشعث الصنعاني وعبادة بن نُسَي ومحمد بن سعيد المصلوب، فأبو الأشعث لم يسمع هذا الحديث من الصحابي أوس بن أوس، ولعله أخذ هذا الحديث عن الكذاب محمد بن سعيد المصلوب أو ممن سمعه منه، ولم يثبت أن عبادة بن نُسَي روى هذا الحديث عن أوس، فإن محمد بن سعيد المصلوب هو الذي روى هذا الحديث عن عبادة بن نُسَي عن أوس كما بينه أبو حاتم الرازي، فكان المصلوب الكذاب يروي الحديث أحيانًا عن عُبادة بن نُسَي عن أوس، وأحيانًا يرويه مباشرة عن أوس!

وأشهر من لا يرى صحة حديث أوس بن أوس في فضل غسل الجمعة والتبكير إليها الإمامان البخاري وأبو حاتم الرازي، وكفى بهما قدوة في علم الحديث وعِلَلِه، وأشار إلى ضعفه الحافظ ابن كثير في كتابه إرشاد الفقيه (1/ 299) فقال: "له إسناد على شرط مسلم، ومنهم من علَّله"، ولا أدري هل يريد ابن كثير هذه العلة القادحة في الحديث التي أشار إليها البخاري وأبو حاتم أو يريد العلة التي ذكرها الحاكم في المستدرك (1/ 418)، وهي علة غير قادحة، حيث روى هذا الحديث بعض الرواة عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس عن عبد الله بن عمرو، وبعضهم رواه عن أبي بكر الصديق وعن أنس وغيرهما بألفاظ أخرى، وكل ذلك لا يصح، يُنظر في بيان ذلك: علل الدارقطني (1/ 57)، السنن الكبرى للبيهقي (3/ 321)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (7/ 154)، مجمع الزوائد للهيثمي (2/ 177، 178)، الروض البسام للدوسري (2/ 57، 58).

ومما يدل على عدم صحة هذا الحديث أن اﻷحاديث الصحيحة المشهورة في فضل غسل الجمعة والتبكير إليها والاستماع للخطبة بلا لغو، فيها: (غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)، روى ذلك سلمان الفارسي كما في صحيح البخاري (883) وأبو هريرة كما في صحيح مسلم (857) وأبو سعيد الخدري كما في سنن أبي داود (343) وأبو ذر الغفاري كما في مسند أحمد (21539)، فهذه الأحاديث التي رواها هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في فضل غسل الجمعة والتبكير إليها ليس فيها الفضل العجيب المذكور في حديث أوس بن أوس الذي لم يأت مثله حتى في الجهاد والحج!

والذي يغلب على ظني أن حديث أوس بن أوس موضوع لا ضعيف كما أشار إلى ذلك الإمامان البخاري وأبو حاتم، وقد ذكر أهل العلم أن من علامات الحديث الموضوع أن يكون مناقضًا لصريح القرآن الكريم أو لما جاءت به السنة الصريحة مناقضة بينة، ومنها: ما يقترن بالحديث من القرائن التي يُعلَم بها أنه باطل، وقد تكون القرائن في المتن أو في الإسناد، وذكروا أن من علامات الحديث الموضوع: ركاكة لفظه ومعناه، ومن ركاكة المعنى: الإفراط بالوعيد الشديد على ذنب صغير أو الإفراط بوعد عظيم على فعل يسير كما هو الحال في هذا الحديث الذي فيه الوعد بأجرٍ عظيمٍ جدًا على فضيلة غسل الجمعة والتبكير إليها ماشيًا. يُنظر: المنار المنيف لابن القيم (ص: 56، 80، 102)، وتنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لابن عراق (1/ 7).

وقد صحح حديث أوس بن أوس: (من غسَّل واغتسل وبكَّر وابتكر) كثير من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين، ولم تظهر لهم هذه العلة الخفية التي ظهرت للإمامين البخاري وأبي حاتم الرازي، فممن حسَّن الحديث أو صححه: الترمذي في سننه (496) وابن خزيمة في صحيحه (1758) والعُقَيلي في كتابه الضعفاء الكبير (2/ 210) وابن حبان في صحيحه (2781) والحاكم في المستدرك (1042) والبغوي في شرح السنة (4/ 236) والنووي في المجموع (4/ 542) والعراقي في تخريج إحياء علوم الدين (ص: 213) واﻷلباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 176 - 178) وشعيب اﻷرناؤوط في تحقيق مسند أحمد (26/ 94)، فيبقى الحديث مختلفًا في تصحيحه بين أهل العلم رحمهم الله، فمن اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر، وإن صح الحديث ففضل الله واسع، وإن لم يصح الحديث ففي الأحاديث الصحيحة التي لا خلاف في صحتها كفاية للترغيب في غسل الجمعة والتبكير إليها والاستماع للخطبة بلا لغو، والله تعالى أعلم وأحكم.
 
عودة
أعلى