عبدالرحمن الشهري
المشرف العام
- إنضم
- 29/03/2003
- المشاركات
- 19,345
- مستوى التفاعل
- 145
- النقاط
- 63
- الإقامة
- الرياض
- الموقع الالكتروني
- www.amshehri.com
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
قابلتُ الأستاذ الدكتور سَمير شريف استيتية(1) في مؤتَمر إعجاز القرآن الذي عقدته جامعة الزرقاء في الأردن وسبق الحديث عنه على صفحات هذا الملتقى في حينه . ولفت نظري ما يتميز به الدكتورُ سَمير من خُلُقٍ رفيعٍ ، وأَدبٍ جمٍّ ، وعُمقٍ عِلميٍّ من خلال إدارته لإحدى جلسات المؤتمر ، وتعقيباته على بعض المشاركات ، والأحاديث التي دارت بيننا في أوقات الاستراحة بين جلسات المؤتمر.
ولمست ذلك أيضاً من تقديم الدكتور خلدون أبو الهيجاء وهو أحد تلاميذه في تقديمه لكتابه (فيزياء الصوت اللغوي) حيث قال:(وبعدُ فإذا كان الشكر لأولي الفضل تحدثاً بأنعُم الله ، وادكاراً لبواعث الأمل في النفس ، فإن شكري موصول – ما حييت – لأستاذي الفاضل الدكتور سمير شريف ستيتية ، ميمون النقيبة ، مستفيض النبل ، الذي هو آية من آيات العلم والخلق ، والذي علمني – بحق- كيف أن الرجل لا يولد عالماً ، وإنما العلم بالتعلم).
وقد شكرت الدكتور سمير على كل ذلك في أوقات الاستراحة بين الجلسات ، وسألته عن مؤلفاته ، فأشار إلى كتابٍ أزرقٍ في يده ، وقال : هذا الكتاب من آخر الكتب التي طبعت لي ، غير أني أتيت به لبعض الإخوة الذين طلبوه مني ، والنسخ التي أملكها منه قليلة ، فمعذرةً. فأخذت الكتاب فقرأت مقدمته ، ودونت عنوانه عندي حتى يتيسر لي أمر شرائه فيما بعد.
وقد ابتعت الكتاب فيما بعد ، وأعدت قراءته ، فأعجبت بما فيه من المباحث ، والمنهج العلمي الدقيق الذي يأخذ المؤلف به نفسه في بحوثه ، ولا سيما في الجانب الذي يجيده ، وهو الجانب الصوتي والدراسات الصوتية الحديثة ، مع مزج ذلك بالدراسة البلاغية والنفسية الجادة.
وقد ابتعت مؤلفات الأستاذ الدكتور سمير شريف وقرأت معظمها(2) ، فلمست فيها الجانب العلمي الجاد في البحث ، مع إخلاص أرجو له به التوفيق والأجر عند الله سبحانه وتعالى ، ولم أر أنفع لطالب العلم من الجِدِّ والاستمرار في الطلبِ ، والإخلاص في القصدِ ، فإن الله سبحانه وتعالى بيده الأمور ، وهو الموفق والمسدد سبحانه.
أعود لأعرض عليكم هذا الكتاب ، وأهم محاوره ، دعوةً مني للإخوة الفضلاء أعضاء الملتقى ورواده أن يطلعوا على هذا الكتاب ، ويضعوه في مكانه اللائق به ، وبموضوعه الشريف ، وبمؤلفه الكريم .
عنوان الكتاب :
[align=center]رياض القرآن
تفسير
في النظم القرآني ونهجه النفسي والتربوي
تأليف
الدكتور سمير شريف استيتية[/align]
[align=center]
[/align]
ويشتمل الجزء المطبوع وهو الجزء الأول على تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة ، ويقع في مجلد كبير من القطع العادي ، يشتمل على 839 صفحة . وقد صدر عن مؤسسة دار الكتاب العالمي بعمَّان ، وعالم الكتب الحديث بإربد بالأردن. وصدرت طبعته الأولى عام 1426هـ .
يقول المؤلف مبيناً مدى رغبته في تصنيف هذا التفسير :( وقد عقدتُ العزم منذ عقود ، على أن أكون من أهل التفسير ، وسألت الله عز وجل أن يهيئني لذلك ، وأن يجعل أمره ميسوراً ، وقد توجهت هذا المُتوَجَّه ، وأعددت له نفسي ، وقد حاولت أن أباشر هذا العمل قبل ثلاثين سنة ، ثم أقدمت عليه ، ولكنني تهيبت هذا العلم ، فأحرقت أوراقي واستغفرت الله عز وجل . ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ، من بينهن علمه ماذا صنع فيه ، أيقنت أني مسؤول عما علمني الله تعالى إياه ، وأن السؤال ثقيل ثقيل ، فشرعت في كتابة هذا التفسير وسميته (رياض القرآن – تفسير في النظم القرآني ، ونهجه النفسي والتربوي) . أسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يجعله حجةً لي ولأهل القرآن ، وأن ينفع به المسلمين ، وأن يحشرني تحت لواء القرآن ، بصحبة النبي العربي الأمين الذي أرسله الله رحمة للعالمين ، جزاه الله عنا وعن كتاب الله خير ما يجزي نبياً عن قومه ، ورسولاً عن أمته).
وقد أشار المؤلف وفقه الله إلى الغرض الذي يرمي إليه ، والغاية التي يرجو بلوغها من تصنيفه لهذا التفسير فقال :
(يركز هذا التفسير – كما هو في عنوانه الفرعي – على الأمور الآتية :
أولاً : النظم القرآني .
النظم القرآني باب عظيم من أبواب إعجازه ، والمقصود بالنظم ارتباط الكلم ، وتعلق بعضه ببعض ، كما يقول عبدالقاهر الجرجاني في الدلائل ، وهذا الارتباط هو الذي ينشئ العلاقات التي تجعل الكلام متضاماً بعضه إلى بعض ، دلالة وتركيباً. وهو الذي يفسر اختيار ألفاظ التراكيب لأداء المعاني المختلفة ، وهو أول وجه من وجوه الإعجاز القرآني ، وأولاها بالنظر في رأي العرب الذين كان نظم الكلام يأخذ بمجامع ألبابهم ، ويستولي على عقولهم ، فساق لهم القرآن دروباً من النظم لم يعهدوا بدقتها كلاماً ، ولم يعرفوا في مثل انتظام نسقها انتظاماً.
والنظم القرآني له وجوه يظهر بها إعجازه كما قلنا ، منها : اختيار الألفاظ المناسبة للمعنى المراد توصيله ، وتبلغ دقة الاختيار مبلغاً عظيماً ينبئك أن هذا القرآن هو كلام الله ، وهو الكتاب الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، ومن وجوه النظم القرآني ترتيب الكلمات ، وإقامة نسق تركيبها على نحو معين.
ثانياً : التوجيهات النفسية والتربوية .
القرآن هو دستور النفس الإنسانية وهو منهج تربيتها ، وسبيل استقامتها ، وطريق نقائها ، وخير علاج لأدوائها ، ولا تخلوا آية واحدة في كتاب الله من توجيه نفسي ، وهذا الذي يميز القرآن عن سائر الكتب السماوية .وعلى الرغم من أهمية هذا الجانب في القرآن الكريم ، فإن التفاسير لم تنتبه إليه ، ولم توجه إليه لفتة ولا عناية ، وقد كان القرآن حريصاً على تربية النفس الإنسانية بما يصلح شأنها ، ويحفظها من الزلل ، فتكون سعادة الإنسان في نفسه ، وكان للمنهج القرآني في تربية هذه النفس تميز لا يدانيه تميز.
وإن حرصنا على استخراج التوجيهات النفسية والتربوية لآيات القرآن ، لا يعني أننا سنأخذ شيئاً من الدراسات النفسية والتربوية المعاصرة نزين به كتاب الله ، بل يعني أننا سنأخذ من كتاب الله ما لم يعرفه أحد حتى الآن ، من دواخل الإنسان ، وبنيته النفسية ، ومداخل هذه البنية ، وقد أَلَمَّ خادمُ القرآن – يعني المؤلف نفسه – بقسط من الدراسات النفسية والتربوية ، قسط يجعله أهلاً للحكم بما لهذه الدراسات وما عليها ، وما يجعله قادراً على أن يستخرج إطاراً نفسياً شاملاً من القرآن الكريم ، يصلح للنفس البشرية في كل زمانٍ ومكان.
ثالثاً : التفسير الصوتي والتركيبي للقراءات القرآنية .
ليس الاهتمام بالقراءات القرآنية جديداً في علم التفسير ، فمعظم التفاسير القديمة تورد القراءات المختلفة لآيات الكتاب الحكيم . ولكن هذه التفاسير أو معظمها كانت تنزلق في منزلقات خطيرة ، فقد كانت ترد بعض القراءات السبعية أو العشرية ، وعلى الرغم من أن بعض العلماء قد ألفوا كتباً في توجيه القراءات القرآنية والاحتجاج لها من كلام العرب ، فإن هؤلاء العلماء لم يتمكنوا من تفسير القراءات القرآنية تفسيراً صوتياً.
وسنركز إن شاء الله على تفسير القراءات تفسيراً صوتياً أو تركيبياً ، بما يكفي لبيان أن هذه القراءات ما هي إلا وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم ، ولن نتناول كل ما قرئ به كتاب الله ، بل نختار من القراءات ما يكفي لإثبات ما قلناه ، وإلا فإن هذا التفسير لا يتسع لكل القراءات ، فيكفي منها اختيارات نذكرها في هذا التفسير. لقد بلغ علم الأصوات من الدقة بحيث إن الأجهزة الصوتية المتطورة تدلنا على أدق الظواهر الصوتية وأشدها خفاء في اللغة ، ومن شأن معطيات هذا العلم أن تبين الظواهر الصوتية المختلفة وأسرارها في القرآن الكريم.
رابعاً : التفسير بالاستقراء .
لا بد عند تفسير القرآن من استقراء السياقات ، واستقراء الدلالات المختلفة للتعبير الواحد ، واستقراء كل ما يتصل به من أسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، وتاريخ النزول . ومن صور الاستقراء تفسير القرآن بالقرآن ، وهو باب عظيم من أبواب التفسير بالاستقراء ، وفيه ألفت تفاسير عظيمة ، منها (أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي(3)) ، و (التفسير القرآني للقرآن) لعبدالكريم الخطيب). أ.هـ مقدمة الكتاب بقلم المؤلف.
وقد سار المؤلف في تفسيره ، على المنهج الذي ارتضاه لكتابه ، معتمداً على علمه وخبرته مع الرجوع للمصادر والإشارة إلى بعضها في متن الكتاب ، وقد أجاد في الاختيار للقول الراجح في رأيه من أقوال المفسرين في كثير من الآيات التي اختلف المفسرون في تفسيرها في سورة البقرة ، ووفق لتعليل اختياره ذاك. ولذلك فإن هذا التفسير ليس مجرد نقل وجمع لأقوال المفسرين السابقين ، بل معظمه من إضافة المؤف واستنباطه ، وهو جدير بالقراءة والتدبر ، ولعلي أعرض أو يعرض غيري في مشاركات قادمة تضاف إلى هذه المشاركة بعض النماذج من هذا التفسير إن شاء الله ، والله الموفق سبحانه ، لا إله إلا هو .
ـــ الحواشي ـــــــ
(1) الأستاذ الدكتور سمير شريف استيتية ، مدير مركز النطق والسمع بجامعة اليرموك بالأردن ، وكان عميداً لعدد من الكليات ، منها كلية الآداب بجامعة اليرموك ، وكليتي الآداب والحقوق بجامعة فيلادلفيا.
(2) قائمة مؤلفات الأستاذ الدكتور سمير شريف استيتية التي اطلعتُ عليها:
- رياض القرآن – تفسير في النظم القرآني ونهجه النفسي والتربوي.
- الأصوات اللغوية – رؤية عضوية ونطقية وفيزيائية.
- القراءات القرآنية بين العربية والأصوات اللغوية – منهج لساني معاصر.
- الشرط والاستفهام في الأساليب العربية .
- اللسانيات – المجال ، والوظيفة ، والمنهج.
- وله عدد من البحوث المنشورة في الدوريات والمجلات العلمية اطلعتُ على بعضها.
(3) سمَّاه المؤلف (مواهب المنَّان في تفسير القرآن بالقرآن) .
قابلتُ الأستاذ الدكتور سَمير شريف استيتية(1) في مؤتَمر إعجاز القرآن الذي عقدته جامعة الزرقاء في الأردن وسبق الحديث عنه على صفحات هذا الملتقى في حينه . ولفت نظري ما يتميز به الدكتورُ سَمير من خُلُقٍ رفيعٍ ، وأَدبٍ جمٍّ ، وعُمقٍ عِلميٍّ من خلال إدارته لإحدى جلسات المؤتمر ، وتعقيباته على بعض المشاركات ، والأحاديث التي دارت بيننا في أوقات الاستراحة بين جلسات المؤتمر.
ولمست ذلك أيضاً من تقديم الدكتور خلدون أبو الهيجاء وهو أحد تلاميذه في تقديمه لكتابه (فيزياء الصوت اللغوي) حيث قال:(وبعدُ فإذا كان الشكر لأولي الفضل تحدثاً بأنعُم الله ، وادكاراً لبواعث الأمل في النفس ، فإن شكري موصول – ما حييت – لأستاذي الفاضل الدكتور سمير شريف ستيتية ، ميمون النقيبة ، مستفيض النبل ، الذي هو آية من آيات العلم والخلق ، والذي علمني – بحق- كيف أن الرجل لا يولد عالماً ، وإنما العلم بالتعلم).
وقد شكرت الدكتور سمير على كل ذلك في أوقات الاستراحة بين الجلسات ، وسألته عن مؤلفاته ، فأشار إلى كتابٍ أزرقٍ في يده ، وقال : هذا الكتاب من آخر الكتب التي طبعت لي ، غير أني أتيت به لبعض الإخوة الذين طلبوه مني ، والنسخ التي أملكها منه قليلة ، فمعذرةً. فأخذت الكتاب فقرأت مقدمته ، ودونت عنوانه عندي حتى يتيسر لي أمر شرائه فيما بعد.
وقد ابتعت الكتاب فيما بعد ، وأعدت قراءته ، فأعجبت بما فيه من المباحث ، والمنهج العلمي الدقيق الذي يأخذ المؤلف به نفسه في بحوثه ، ولا سيما في الجانب الذي يجيده ، وهو الجانب الصوتي والدراسات الصوتية الحديثة ، مع مزج ذلك بالدراسة البلاغية والنفسية الجادة.
وقد ابتعت مؤلفات الأستاذ الدكتور سمير شريف وقرأت معظمها(2) ، فلمست فيها الجانب العلمي الجاد في البحث ، مع إخلاص أرجو له به التوفيق والأجر عند الله سبحانه وتعالى ، ولم أر أنفع لطالب العلم من الجِدِّ والاستمرار في الطلبِ ، والإخلاص في القصدِ ، فإن الله سبحانه وتعالى بيده الأمور ، وهو الموفق والمسدد سبحانه.
أعود لأعرض عليكم هذا الكتاب ، وأهم محاوره ، دعوةً مني للإخوة الفضلاء أعضاء الملتقى ورواده أن يطلعوا على هذا الكتاب ، ويضعوه في مكانه اللائق به ، وبموضوعه الشريف ، وبمؤلفه الكريم .
عنوان الكتاب :
[align=center]رياض القرآن
تفسير
في النظم القرآني ونهجه النفسي والتربوي
تأليف
الدكتور سمير شريف استيتية[/align]
[align=center]

ويشتمل الجزء المطبوع وهو الجزء الأول على تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة ، ويقع في مجلد كبير من القطع العادي ، يشتمل على 839 صفحة . وقد صدر عن مؤسسة دار الكتاب العالمي بعمَّان ، وعالم الكتب الحديث بإربد بالأردن. وصدرت طبعته الأولى عام 1426هـ .
يقول المؤلف مبيناً مدى رغبته في تصنيف هذا التفسير :( وقد عقدتُ العزم منذ عقود ، على أن أكون من أهل التفسير ، وسألت الله عز وجل أن يهيئني لذلك ، وأن يجعل أمره ميسوراً ، وقد توجهت هذا المُتوَجَّه ، وأعددت له نفسي ، وقد حاولت أن أباشر هذا العمل قبل ثلاثين سنة ، ثم أقدمت عليه ، ولكنني تهيبت هذا العلم ، فأحرقت أوراقي واستغفرت الله عز وجل . ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ، من بينهن علمه ماذا صنع فيه ، أيقنت أني مسؤول عما علمني الله تعالى إياه ، وأن السؤال ثقيل ثقيل ، فشرعت في كتابة هذا التفسير وسميته (رياض القرآن – تفسير في النظم القرآني ، ونهجه النفسي والتربوي) . أسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يجعله حجةً لي ولأهل القرآن ، وأن ينفع به المسلمين ، وأن يحشرني تحت لواء القرآن ، بصحبة النبي العربي الأمين الذي أرسله الله رحمة للعالمين ، جزاه الله عنا وعن كتاب الله خير ما يجزي نبياً عن قومه ، ورسولاً عن أمته).
وقد أشار المؤلف وفقه الله إلى الغرض الذي يرمي إليه ، والغاية التي يرجو بلوغها من تصنيفه لهذا التفسير فقال :
(يركز هذا التفسير – كما هو في عنوانه الفرعي – على الأمور الآتية :
أولاً : النظم القرآني .
النظم القرآني باب عظيم من أبواب إعجازه ، والمقصود بالنظم ارتباط الكلم ، وتعلق بعضه ببعض ، كما يقول عبدالقاهر الجرجاني في الدلائل ، وهذا الارتباط هو الذي ينشئ العلاقات التي تجعل الكلام متضاماً بعضه إلى بعض ، دلالة وتركيباً. وهو الذي يفسر اختيار ألفاظ التراكيب لأداء المعاني المختلفة ، وهو أول وجه من وجوه الإعجاز القرآني ، وأولاها بالنظر في رأي العرب الذين كان نظم الكلام يأخذ بمجامع ألبابهم ، ويستولي على عقولهم ، فساق لهم القرآن دروباً من النظم لم يعهدوا بدقتها كلاماً ، ولم يعرفوا في مثل انتظام نسقها انتظاماً.
والنظم القرآني له وجوه يظهر بها إعجازه كما قلنا ، منها : اختيار الألفاظ المناسبة للمعنى المراد توصيله ، وتبلغ دقة الاختيار مبلغاً عظيماً ينبئك أن هذا القرآن هو كلام الله ، وهو الكتاب الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، ومن وجوه النظم القرآني ترتيب الكلمات ، وإقامة نسق تركيبها على نحو معين.
ثانياً : التوجيهات النفسية والتربوية .
القرآن هو دستور النفس الإنسانية وهو منهج تربيتها ، وسبيل استقامتها ، وطريق نقائها ، وخير علاج لأدوائها ، ولا تخلوا آية واحدة في كتاب الله من توجيه نفسي ، وهذا الذي يميز القرآن عن سائر الكتب السماوية .وعلى الرغم من أهمية هذا الجانب في القرآن الكريم ، فإن التفاسير لم تنتبه إليه ، ولم توجه إليه لفتة ولا عناية ، وقد كان القرآن حريصاً على تربية النفس الإنسانية بما يصلح شأنها ، ويحفظها من الزلل ، فتكون سعادة الإنسان في نفسه ، وكان للمنهج القرآني في تربية هذه النفس تميز لا يدانيه تميز.
وإن حرصنا على استخراج التوجيهات النفسية والتربوية لآيات القرآن ، لا يعني أننا سنأخذ شيئاً من الدراسات النفسية والتربوية المعاصرة نزين به كتاب الله ، بل يعني أننا سنأخذ من كتاب الله ما لم يعرفه أحد حتى الآن ، من دواخل الإنسان ، وبنيته النفسية ، ومداخل هذه البنية ، وقد أَلَمَّ خادمُ القرآن – يعني المؤلف نفسه – بقسط من الدراسات النفسية والتربوية ، قسط يجعله أهلاً للحكم بما لهذه الدراسات وما عليها ، وما يجعله قادراً على أن يستخرج إطاراً نفسياً شاملاً من القرآن الكريم ، يصلح للنفس البشرية في كل زمانٍ ومكان.
ثالثاً : التفسير الصوتي والتركيبي للقراءات القرآنية .
ليس الاهتمام بالقراءات القرآنية جديداً في علم التفسير ، فمعظم التفاسير القديمة تورد القراءات المختلفة لآيات الكتاب الحكيم . ولكن هذه التفاسير أو معظمها كانت تنزلق في منزلقات خطيرة ، فقد كانت ترد بعض القراءات السبعية أو العشرية ، وعلى الرغم من أن بعض العلماء قد ألفوا كتباً في توجيه القراءات القرآنية والاحتجاج لها من كلام العرب ، فإن هؤلاء العلماء لم يتمكنوا من تفسير القراءات القرآنية تفسيراً صوتياً.
وسنركز إن شاء الله على تفسير القراءات تفسيراً صوتياً أو تركيبياً ، بما يكفي لبيان أن هذه القراءات ما هي إلا وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم ، ولن نتناول كل ما قرئ به كتاب الله ، بل نختار من القراءات ما يكفي لإثبات ما قلناه ، وإلا فإن هذا التفسير لا يتسع لكل القراءات ، فيكفي منها اختيارات نذكرها في هذا التفسير. لقد بلغ علم الأصوات من الدقة بحيث إن الأجهزة الصوتية المتطورة تدلنا على أدق الظواهر الصوتية وأشدها خفاء في اللغة ، ومن شأن معطيات هذا العلم أن تبين الظواهر الصوتية المختلفة وأسرارها في القرآن الكريم.
رابعاً : التفسير بالاستقراء .
لا بد عند تفسير القرآن من استقراء السياقات ، واستقراء الدلالات المختلفة للتعبير الواحد ، واستقراء كل ما يتصل به من أسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، وتاريخ النزول . ومن صور الاستقراء تفسير القرآن بالقرآن ، وهو باب عظيم من أبواب التفسير بالاستقراء ، وفيه ألفت تفاسير عظيمة ، منها (أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي(3)) ، و (التفسير القرآني للقرآن) لعبدالكريم الخطيب). أ.هـ مقدمة الكتاب بقلم المؤلف.
وقد سار المؤلف في تفسيره ، على المنهج الذي ارتضاه لكتابه ، معتمداً على علمه وخبرته مع الرجوع للمصادر والإشارة إلى بعضها في متن الكتاب ، وقد أجاد في الاختيار للقول الراجح في رأيه من أقوال المفسرين في كثير من الآيات التي اختلف المفسرون في تفسيرها في سورة البقرة ، ووفق لتعليل اختياره ذاك. ولذلك فإن هذا التفسير ليس مجرد نقل وجمع لأقوال المفسرين السابقين ، بل معظمه من إضافة المؤف واستنباطه ، وهو جدير بالقراءة والتدبر ، ولعلي أعرض أو يعرض غيري في مشاركات قادمة تضاف إلى هذه المشاركة بعض النماذج من هذا التفسير إن شاء الله ، والله الموفق سبحانه ، لا إله إلا هو .
ـــ الحواشي ـــــــ
(1) الأستاذ الدكتور سمير شريف استيتية ، مدير مركز النطق والسمع بجامعة اليرموك بالأردن ، وكان عميداً لعدد من الكليات ، منها كلية الآداب بجامعة اليرموك ، وكليتي الآداب والحقوق بجامعة فيلادلفيا.
(2) قائمة مؤلفات الأستاذ الدكتور سمير شريف استيتية التي اطلعتُ عليها:
- رياض القرآن – تفسير في النظم القرآني ونهجه النفسي والتربوي.
- الأصوات اللغوية – رؤية عضوية ونطقية وفيزيائية.
- القراءات القرآنية بين العربية والأصوات اللغوية – منهج لساني معاصر.
- الشرط والاستفهام في الأساليب العربية .
- اللسانيات – المجال ، والوظيفة ، والمنهج.
- وله عدد من البحوث المنشورة في الدوريات والمجلات العلمية اطلعتُ على بعضها.
(3) سمَّاه المؤلف (مواهب المنَّان في تفسير القرآن بالقرآن) .