يحيى بن عبدربه الزهراني
New member
كتاب البسملة
للإمام شهاب الدين أبي محمد , عبدالرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي ,الشهير بأبي شامة .نال بتحقيقه عدنان بن عبد الرزاق الحموي درجة الماجستير من جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية بأم درمان .
طبعه المجمع الثقافي , أبو ظبي , الإمارات العربية المتحدة 1425هـ .
والكتاب من القطع المتوسط يقع في ( 821) صفحة , كان نصيب الدراسة منه ( 102) صفحة , وقد اشتملت – كما لا خفاء – على : التعريف بالمؤلف , والتعريف بالكتاب , إلاَّ أن المحقق ذكر الخاتمة , ونتائج الدراسة نهاية قسم الدراسة , والنص مع التحقيق يقع في ( 606) صفحات , والفهارس تقع في (110) صفحات .
وسأنقل لكم - أحبتي – مقدمة المؤلف – رحمه الله – فهي كافية في بيان : دافع التأليف عنده , ومسائل البسملة التي درسها , وطريقته في دراسة تلك المسائل .
قال - رحمه الله - : ( أما بعد : فإن جماعة من أولي العلم والنباهة والنظر , ومن ذوي البصائر والفهم والفِكَر , طال تعجبهم من مذهب إمامنا المقدَّم في علم المعاني والأثر , المعتمد على ما صحَّ عنده وبعده الخبر , أبي عبدالله محمد بن إدريس القرشي الأزهر , المطَّلبي الشافعي , الأغرَّ الأنور , رحمة الله ورضوانه عليه ما هلَّل مؤذن وكبَّر , في مسألة ( البسملة ) , التي خلافه فيها قد اشتهر , عن الأئمة الثلاثة المقتدى بهم في البدو والحضر .
هذا مع ما صحَّ من حديث أنس بن مالك t أنه صلىَّ خلف النبي e وأبي بكر , وعمر , وعثمان , فلم يسمع أحداً منهم y يقرؤها , أو ما جهر .
وقالوا :قد روى الشافعي – رحمه الله – أصل هذا الحديث عن مالك , وسفيان , فما خالفه إلا لأمر ظهر , ومعارضٍ منع من حمل الحديث على ظاهره وزجر , فما ذلك الأمر , وما الخبر ؟! وما الوجه في تأويل هذا الحديث الصحيح الصريح المعتبر ؟! فأَحفَظَنِي ( أي : أغضبني ) نسبة مذهبنا إلى الضعف والخور , ثم ادعى الخصم قوة مذهبه , فكان ذلك أدهى وأمرّ .
فنظرت في مآخذ المذاهب بعين الإنصاف , فوجدت بخلاف ما ذُكر , فقلت : ما بال مذهبنا أقوى المذاهب عند من بحث وسبر .
ولأتبيَّن قوَّته ليتَّضح أمره ويُستطر ,وينتفي عنه ما يُتوَّهم في صفوه من الكدر , فتصدَّيت للجواب , ملبيَّا في ذلك دعاء من جأر , وقمت - بعون الله وتوفيقه – قيام من انتصر , ووضح له الحق فرأى وأبصر , ورأيت أن أجمع أطراف مسألة البسملة , ونقل مذاهب العلماء فيها , وتقرير أدلَّتهم من غير حَصرَ ( أي : عيٌّ في المنطق , وضيق في الصدر ) . فتحصَّل – بحول الله وقوته في ذلك , وفي حل الإشكال , كتاب لطيف محرّر , منتظم من عدة كتب وَمُرْبٍ عليها فوائد = فهو بالنسبة إليها , وباعتبار ذلك : مختصر من كلام جماعة من فحول العلماء , تفرقَّ فجمعته , وطال فاختصرته , وكان في بعضه خفاءٌ فأوضحته وشرحته , وزدت ما عنَّ لي وخطر , ممَّا هو مستند إلى أدلة وبراهين لا تجحد ولا تنْكر .
وأرجو أنه كافٍ في ذلك , مليءٌ بما قُصد به عند من اختبر , حاوٍ لأدلة المسألة في : وجوب البسملة , واستحباب الجهر بها فيما يجهر , والإسرار فيما يُسرّ , ولجواب ما اعترض به تلك الفِرقُ والزُّمر .
ثمَّ ختمت ذلك بما رأيته حتماً , وهو شرح ألفاظ البسملة , وإبراز معانيها , وتحقيق القول في الاسم والمسمَّى ؛ ليكون هذا الكتاب قد احتوى على جميع ما يتعلَّق بالبسملة معنىً وحكماً . فكم فيه من فوائد وفرائد هي خير لمبتدرها من البدر , ظاهرة ظهور الشمس والقمر .
وإن كان بعض الخطباء قد أغار على بعض ما فيه من الإبريز فنقله بعينه في كتاب جمع فيه أربعين حديثاً لرسول الديوان العزيز , فلم يحظ بطائل , إذ لم يثبت القول إلى لقائل , ولم يخف على سامعيه ما أودعه ذلك الخطيب منه , فهو وكلُّ شيء بقضاء وقدر , وكلُّ ما يحدث من خير وشر – والحمد لله على ذلك – فالكلُّ منه , وإيَّاه أسأل أن يوفقنا للعلم والعمل به , وأن يدخلنا الجنة , ويعيذنا من تضييع الزمان لغير ما خلقنا له , ويتوفَّانا متمسّكين بالإسلام والسنَّة , متَّعظين بما نُبِّهنا عليه من العبر ) .
وبعد : فقد احتوى الكتاب عدة مسائل , جعلها المؤلف – رحمه الله – في فصول متعددة = تجرأ المحقق ووضع لها عناوين , من عنده , وأقول تجرأ ؛ لأن من حق أولئك العلماء علينا – من وجهة نظري القاصرة – أن نُخرج كتبهم كما أرادوها لا كما نريدها , وللأمانة فقد ذكر المحقق في مقدمة التحقيق أنه سيفعل ذلك .
وقد بلغت الفصول ( 101 ) مئة فصل وفصلاً واحداً , لا أرى أن أطيل على الإخوة بذكرها إلاَّ إذا رغبوا في ذلك .
الكتاب ما له وما عليه :
ذكر المحقق جملة من مميزات الكتاب أختصرها في :
§ يبين طريقة الاستدلال بالأحكام الفقهية عند اختلاف الروايات .
§ يعرض الأدلة ويفندها ضمن قواعد وأصول الاستنباط .
§ يتسم المؤلف – رحمه الله – بالأدب في الحوار , واحترام آراء الآخرين , والإنصاف معهم , ومعرفة حقوق من لهم فضل عليه من مشائخة,كبن قدامة –رحمه الله - .
§ يستشهد بكتبٍ قال المحقق عنها : (لم يعثر عليها ) , مثل : الجهر بالبسملة للخطيب البغدادي , التعليقة للطرطوشي .
§ ومن المميزات التي لم يذكرها المحقق : أن أبو شامة – رحمه الله – ذكر بعض كتبه في هذا الكتاب , نحو كتابه ( المرشد الوجيز ) , يقول – رحمه الله - : (( قلت : قيل في آخر ما نزل غير ذلك – أي : غير قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) [البقرة:281] – على ما ذكرناه في كتاب ( الأحرف السبعة ) , وهو المسمى بـ ( المرشد ) , والله أعلم )) أ.هـ , وفي هذا النص عدة فوائد :
- أن كتاب المرشد الوجيز له تسمية أخرى عند مؤلفه وهي ( الأحرف السعة ) .
- أن المؤلف - رحمه الله - حينما يذكر لنا هذه التسمية يبِّين غرضه من تأليف كتاب المرشد الوجيز .
- يستطيع الدكتور مساعد الطبطبائي محقق كتاب المرشد الوجيز أن يضيف هذا النص إلى مبحث توثيق نسبة الكتاب لمؤلفه , علماً أن الدكتور مساعد لم يذكر هذه التسمية – أعني : الأحرف السبعة – في مبحث تحقيق اسم الكتاب , وهو معذورٌ – بلا شك – فطباعة كتاب (المرشد الوجيز ) متقدمة على طباعة هذا الكتاب , لكن بإمكانه – الآن - أن يضيف هذه التسمية , ويناقشها في هذا المبحث .
وفي الجملة فإن الكتاب – بحق – عظيم , حشد فيه المؤلف – رحمه الله – نقولات ونصوص قد لا توجد إلا في هذا الكتاب ؛ بل قد تكون بعض مصادره التي اعتمد عليها مفقودة , كما ذكر المحقق .
أما ما على الكتاب فأقول :
لا يخلو كتاب من النقص – الذي هو من طبيعة البشر - , وقد ذكر المحقق جملة منها , لا أوافقه في بعضها , كقوله : ( لأبي شامة آراء في الأحرف السبعة يخالف فيها الإمام مكي بن أبي طالب ) ,وكقوله : ( كذلك نقده للقاضي الباقلاني ووصفه بأنه شنَّع وطولَّ وعرَّض) , فالمخالفة والنقد إذا صحبه الدليل لا يعد من المآخذ , فلا زال العلماء ينقد بعضهم بعضاً , ويستدرك بعضهم على بعض .
ومما أوافق المحقق عليه : استخدام المؤلف - رحمه الله – بعض العبارات النقدية لدى بعض الفقهاء مثل : ( الكلام الغثَّ ) , ( المتخلِّف ) .
ومما أراه من المآخذ : التعصُّب لمذهب الإمام الشافعي – رحمه الله – الذي كان سبباً في تأليف الكتاب , والذي عدّه المحقق من المميزات , ولا أعلم أيُّنا المصيب ؟!
وأخيراً: فإن هذا الكتاب اشتمل على سماعات متعددة , تقوي نسبة الكتاب لمؤلفه , ومما يوجد في نهايته مجموعة من الأشعار التي نقلها بعض النسَّاخ , اخترت لكم ختماً لهذا العرض بيتين للأديب حازم محمد الأنصاري القرطاجنِّي :
وليس يخلو امرؤٌ من حاسدٍ أضمٍ لولا التنافس في الدنيا لما أَضمَا
والغبْنُ في العلم أشجى محنةٍ عُلمَتْ وأبرح الناس شجواً عَالمٌ هُضِمَا
والغبْنُ في العلم أشجى محنةٍ عُلمَتْ وأبرح الناس شجواً عَالمٌ هُضِمَا
آمل أن أكون قد ألقيت بعض الضوء على هذا الكتاب القيم في بابه , وأرجو المعذرة على التقصير , أسأل الله – تعالى ذكره – أن يرزقني وإياكم علماً نافعاً , وعملاً صالحاً , وسعادة الدارين .