عبدالله محمد السليمان
New member
عرض كتاب
أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل
تأليف : الامام بدر الدين محمد بن أبي بكر الرازي رحمه الله
تمهيد :
الحمدلله الخبير فلا تخفى عليه ذرة في الأرض ولا في السموات السميع فلا يعزب عن سمعه اختلاف الأصوات,الواحد الأحد فلا ثاني له في الكائنات , الفرد الصمد المنّزه عن البنين والبنات, الباقي على الأبد ويقضي على الخلائق بالممات,وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صاحب الدلائل والمعجزات, وسيد السادات عليه أفضل السلام وأزكى الصلوات,
وعلى صحبه الكرام أبي بكر صاحب السبق والنفقات "الذي يؤتي ماله يتزكى" وعلى عمر المعروف بالهمم العاليات الوُقاف عند الآيات وعلى عثمان المصلي بالكتاب النافلات (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ) وعلى ابن ابي طالب علي المُقرب صاحب الفتوحات رضي الله عنهم اجعمين.
قال الله تعالى : (فتلقى آدم من ربه كلمات)
قال الثعلبي:أي فتلقن آدم وحفظ حين ألهم.
أما بعد:
لقد أنزل الله كتابه العظيم لينظر المؤمن في بديع آياته ويتدبر العباد في جلالة نظمه فيحملهم التدبر لزيادة الإيمان المفضي للعمل الصالح فيرتقون في الملأ الأعلى ليُحلوُن درة التاج وواسطة القلادة يوم يقوم الناس لرب العالمين .(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)
فجعل لكل سبيل باب ومفاتح يدخل منها السائر ليصل إلى مراده وأنى تقطع المفاوز دونها
قال ابن القيم رحمه :
(وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم وهو معرفة مفاتيح الخير والشر ولا يوفق لمعرفته مراعاته إلا من عظم حقه وتوفيقه من الله فإن الله جعل لكل خير مفتاحا وبابا يدخل منه).
ولما كان لهذا الطريق أمارات يطلبها الناظر وبصيرة يلتسمها الذي يُمسكون بالكتاب بذل العلماء من لدن العصورالأولى كل مبذول في الجمع والتأليف في كل علومه وفروعه ولتنصرف الغاية الأسمى إلى المقصود الأعظم من هذا الكتاب الجليل في بيان أساليب القرآن وعظيم بلاغته وجزالة وحسن وبراعة التركيب في كلماته في رونق من الحلاوة و الطلاوة عجزت البشرية أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرا , ولا يظن المتعلم أن العلوم تراد لذات التحصيل اللغوي فحسب أو للإنطلاق الأدبي فحسب ,أو للمكانة العلمية ,وكلنا يتهيب من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام:( أول من تسعر بهم النار ثلاث) وذكر منهم " وقارئ القرآن فيقال قرأت ليقال وقد قيل فما لك أجر عندي) ولا حول ولا قوة إلا بالله وبالله نلوذ في الدنيا والآخرة .
وإنما كان المقصود من براعة الفنون والتأليف
حمل العباد على النظر في عظيم الوحي لعلهم يتقون فيحدث لهم الإصلاح الفردي والجماعي والعمراني وصلاح الإعتقاد وصلاح السريرة والفلاح بالدنيا ونيل الدرجات السامية في دار المقامة وهذه احدى مقاصد القرآن الكريم,
قال أبو خراش الهذلي مشيرا إلى ما دخل على العرب من الأحكام والتهذيب بفضل القرآن الكريم والتشريع :-
فليس كعهدِ الدار يا أم مالكٍ
ولكن أحاطًت بالرقابِ السلاسلُ
وُعاد الفتى كالكهلِ ليس بقائلٍ
سوُى العدل شيئا فاستَراح العواذلُ
وقد أحسن الإمام بدر الدين الزركشي رحمه الله
المتوفى سنة 794 هجري, القول في باب من أبواب كتابه الثمين البرهان في علوم القرآن حين قال مُحمساً التعلم فيه :
"واعلم أن هذا علم شريف المحل عظيم المكان قليل الطلاب ضعيف الأصحاب ليس له عشيرة تحميه ولا ذو بصيرةٍ يستقصيه. "
فقام قام العلم في كل زمن يلفت العقل ويُعمل الفؤاد للأخذ بطرفٍ من تلك العلوم ومن ذلك ما صنفه الإمام زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي رحمه الله فأسماه
" أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل"
أولا
عرض الكتاب
" أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل"
ويسمى كذلك " غرائب آي التنزيل"
صدرت الطبعة الأولى للكتاب عام 1412 هجري -1991م
المؤلف :
هو أبو عبدالله زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي ,فقيه من فقهاء علماء القرن السابع له مصنفات في الفقه والأدب والتفسير واللغة وأصله من الري, وله باع طويل في العلوم الفقهية وقد زار مصر والشام وأقام ما شاء الله له بها في مدينة قونية بتركيا سنة 666هجري رحمه الله .
وقد عدة له مؤلفات أخرى غير كتابنا هذا منها : الذهب الإبريز في تفسير الكتاب العزيز.{1
وكنز الحكمة وهو في الحديث.{2
ومن أشهرها مختار الصحاح وهو في اللغة.
وكذلك من مؤلفاته
كنوز البراعة في شرح المقامات للحريري.{3
هدف ومنهج الكتاب :
إن من ما يجب ذكره في منهج التحقيق هو صحة نسبة هذا الكتاب للإمام زين الدين الرازي رحمه الله كما هو واضح في مقدمته وما أشارت إليه المصادر والمراجع المرفقة بالكتاب التي أثبتته لمؤلفته وكذا تخريج الآيات القرانية.
يعد هذا الكتاب من الكتب الفريدة في دراسة المشكل من آيات القرآن الكريم بأسلوب علمي دقيق يتصف بالعلم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأقوال الصحابة والتابعين والمعرفة بكلام العرب الذي أنزل القرآن الكريم به
وقد نهج الكتاب منهج سليما في بيان وجه الإشكال ثم بيان وجه الإجابة عليه ,ولذلك فإنه يبدأ بالسؤال بقوله ( فإن قيل , كيف أو بمعنى )
ثم يجيب عليه بقوله ( قلنا , قلت)فهذا منهجه في هذا الكتاب من بدايته حتى خاتمته.
كما أن بعض الأسئلة أو الإشكالات قد تكون مبنية على رأي من الآراء , ولا يعني هذا رأيا له وإنما هو رأي القائل به وهو ما قد يوضحه كثيرا.
وقد سلك طريقة العرض من بداية سور القرآن الكريم إلى منتهى ترتيبها , دون سور لم يعرج عليها ولم يقف عندها حيث لم يذكر فيها شيء "وقد عزوت هذا إلى أن بعض الأجوبة تعزز بعضها بعضا في مواطن أخرى فكان الإكتفاء بذكر شيء منها يغني عن المرورعلى السورة كاملة وانما العلم عند الله".
ومما يبين أهمية هذا الكتاب أنه قد اعتمد في تأليفه على آراء جمع كبير من علماء الإسلام وقد أسرد شيئا منها كابن الأنباري والزمخشري وابن جرير الطبري وابن قتيبة والجوهري وابن السكيت وسبيويه وابن عرفة والواحدي والفراء والزجاج وقطرب والأخفش وابن جني رحمهم الله.
وقد كان هذا الكتاب من ثمرة المذاكرة بين الأصحاب حول القرآن الكريم , وهو منهج قل من يتبعه من علماء العصر الحاضرومعالجة المسائل المحيطة بهم بما يتفق مع روح القرآن الكريم.
قال الإمام في مقدمة كتابه :
"فهذا مختصر جمعت فيه أنموذجاً يسيراً من أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها فمنه ما نقلته من كتب العلماء إلا أني نقحته ولخصته ومنه ما فتح الله تعالى علي به بسبب مذاكرة أخ لي من إخوان الصفا في دين الله ومحبة كتابه, وكان صالحاً تقياً سليم الفطرة وقاد الذهن جامعاً لجملة من مكارم الأخلاق , وصفات الكمال الإنساني أنعم الله تعالى علي بصحبته ومذاكرته في معاني كتابه, وكان شديد العناية بها كثير البحث والسؤال عنها قد هداه الله إليها وفتح عليه فيها بغرايب لم نسمعها من العلماء ولا رأيناها في كتبهم فحملتني فكرته القادحة ونيته الصالحة على جمع هذه الصبابة , وهي تزيد على ألف ومائتي سؤال,وإن كانت بالنسبة إلي ما في القرآن من العجائب والغرائب كالقطرة في الماء والسهى من نجوم السماء.
ولكني قصدت اختصار هذا الأنموذج منها,وتقريبه إلى الأفهام , ليكثر الانتفاع به وبالمعاني التي هي أدق على الأفهام وأخفى , فإني وضعت لها مختصرا آخر أودعته أنموذجاً منها فلتطلب منه وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أتضرع أن يجعل علمي وعملي خالصا لوجه الكريم ويتغمدني وأخي الصالح بمغفرته ورحمته إنه غفور رحيم".
وتلك المكارم والمجالس التي لو كان حسد في غير الإثنتين بمعناه الشرعي لكان في هذه المجالس المخلصة التي فقد الكثير من حملة القرآن ثمرتها فاتخذوا التلاوة عملا واقتصدوا إلا عبدا مُراد هُيأت له فواتح الفهوم وعطلت عنه معاطب الصرف والشهوات وقد تبين أن أس تأليف الكتاب إنما هو استبصار وانشراح صدر ومصاحبة لهذا الكتاب العزيز من أخ صالح, فإنك لا تلمس مراميه حتى تعطيه وهذا دأب السائرين .
يقول المناوي في فيض القدير :
"هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية لكن لا يحسن التداوي به إلا الموفقون".
ويقول ابن القيم رحمه الله :
"وملاك الأمر كله أن تقبل بقلبك كله على معاني القرآن واستجلائها وتدبرها وفهم ما يراد منه وما نزل لأجله وتأخذ نصيبك وحظك من كل آية وتنزلها دواء على داء قلبك".
أبزر مزايا الكتاب :-
أولا:
يمكن أن نرجع تميز الكتاب إلى سبقه في طريقة صياغة السؤال وحذاقة السائل ودقة جواب الإمام الرازي رحمه الله حيث أن جل الاسئلة احتوت على ملفت هام يلفت لعلم وفن من فنون علوم القرآن فتارة تجد الجواب يصب في البلاغة والبيان وتارة يصب في الاستشهاد بالأحاديث النبوية الصحيحة وتارة يصب في طريقة كلام العرب وأسلوب مخاطبتهم لبعضهم ومعرفة أحوالهم حال التنزيل والإستشهاد بأبيات الشعر وهكذا وهذا مما جعل الكتاب له سبق التميز بأسلوبه حيث أن معرفة زواية من مثال طرح يفضي لفهم عموم أمثلة أخرى تندرج تحتها كصيغ النداء والحذف والتقديم والتأخير
والإضمار.
ثانيا:
احتواه على كلام العلماء وأئمة التفسير وعلماء اللغة حيث لم يقف الرازي على كلاما وأجوبته قاطعا بها بل فتح المجال لإعمال البصيرة والبحث في أقوال العلماء حيث كثيرا ما يقول "وقد يقال"
وهذا مما يجعل المطلع على تلك المادة الفريدة ملما بعدة أقوال لغير المؤلف حيث أن القطع بجزم خبر معين قد يحمل النفوس على عدم الاستبصار في الأقوال الأخرى وعدم ضرب عصى البحث وهو ما جعل التفرد في علوم القرآن لعالم وإمام دون آخر والاكتفاء بقوله والجزم به لا يقيم عود الجواب وسنن التحصيل فكانت سنة الأخذ والعرض قائمة ,لا لأنها ضالة بل لإثراء ساحة الطلب و لسعة تلك العلوم وعظيم وشرف مكانة القرآن, فهو حمال أوجه ومنقبٌ خصب للفقهاء والعلماء عبر التاريخ وجامعة تعطي حلية ودرر مكوناتها الصادقين , وقد يحصل تقديم قول قائل على آخر وهذا من باب التشريف لمن عاينوا الوحي وباشروا التنزيل وعملوا به وتلوه حق تلاوته وهم ممن أخبرت النصوص الصحيحة عنهم , قال الرسول عليه الصلاة والسلام عن ابن مسعود رضي الله عنه: (من أحب أن يسمع القرآن غضا طريا كما أنزل فيسمعه من ابن أم عبد) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وكان عمر رضي الله عنه يأخذ بقول ابن عباس رضي الله عنه , فمن المعلوم أن قدم الفضل لتلك الثلة الأولى وأن عموم علماء التفسيرمنذ نشأة التدوين بتلك العلوم يكنون لأقوالهم كل مكانة ومنزلة جمعنا الله بهم في مقعد صدق عنده.
وقد نقل عن عدة من الصحابة الكرام قولهم أنه من فقه الرجل أن يجعل للقرآن عدة أوجه ,وأنه يراه حمال أوجه وهذا من فضل الله (يؤتي الحكمة من يشاء ).
كذلك من مميزات الكتاب:
سهولة عبارته وبيان المقصود بغير غموض ولا شرح يخرج بالسائل عن مراد سؤاله وبيان الغريب الداعي حقا للتساؤل عنه,وتحقيق الكلام وتعزيزه بآيات تقوي عضد الجواب حيث أن الإمام رحمه الله راعى فهم السائل كقصد أولي ثم أحسبه راعى فهوم الآخرين من بعده حيث أنه عد تأليفه للكتاب مرجعا للكافة و لم يكن صحيفة خاصة يأخذها السائل فيطويها بعد معرفة أجوبته أطروحاته وإنما بذل الإمام رحمه الله كل مبذول في بيان الجواب مراعيا تفاوت الأفهام والقرائح وهذا مما يجعل عرضنا للكتاب في هذا الوقت محل اهتمام ووصية نوصي بها الطلاب أن يأخذ بطرفٍ منها فيقرأه ويجرده وهو متقين تمام اليقين أن الكتاب لم يفت أوانه ولم تجف نِكات ألوانه وإن وقع تأليفه بغير زمانه.
ولله در الإمام بدر الدين الزركشي حين قال في كتابه المنثور في القواعد :
العلوم ثلاثة
علم نضح وما احترق وهو علم الأصول والنحو
وعلم نضح واحترق وهو علم الفقه والحديث
وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير.
عرض نماذج من أسئلة الكتاب وأجوبته :
1) من سورة البقرة
قول الله تعالى : (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق)
البقرة 19
قيل ما فائدة قوله تعالى ( كصيب من السماء)
ومعلوم أن الصيب لا يكون إلا من السماء؟
قلنا : فائدته أنه ذكر السماء معرفة وإضافة إليها ليدل على أنه من جميع آفاقها لا من أفق واحد اذ كل أفق يسمى سماء قال الشاعر:
ومن بعد أرض بيننا وسماء .
2)قوله تعالى ( ولاتعثوا في الأرض مفسدين)
البقرة 60
والعثو هو الفساد فيصير المعنى ولا تفسدوا في الأرض مفسدين؟
قلنا معناه ولا تعثوا في الأرض بالكفر وأنتم مفسدون بسائر المعاصي.
3) قوله تعالى ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجعمين)سورة البقرة161
كيف قال "والناس أجمعين" وأهل دينه لا يلعنونه إذا مات على الكفر؟
قيل المراد بالناس المؤمنون فقط وأهل دينه يلعنونه في الآخرة كقوله تعالى ( ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) العنكبوت25
وقوله تعالى ( كلما دخلت أمة لعنت أختها) الأعراف 38
سورة آل عمران:-
في قوله تعالى ( ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) سورة آل عمران 23
والتولي والإعراض بمعنى واحد ؟
قيل يتولون بأبدانهم ويعرضون بقلوبهم عن الحق وقيل يتولون عن الداعي ويعرضون عن ما داعهم إليه في الكتاب.
في قوله تعالى ( وما كنت لديهم اذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم )
آل عمران 44
وذلك عندهم لا شك فيه ؟
قلنا كان معلوم علما يقينا عندهم أنه ليس من أهل القراءة والرواية ومنكرين للوحي فلم يبق إلا المشاهدة والحضور.
في سورة النساء:-
قوله تعالى :( لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا)
سورة النساء57
وليس في الجنة شمس ولا حر يحتاج لظل؟
قلنا هو مجاز عن المستقر والمستلذ المستطاب لأن بلادهم شديدة الحر فأطيب ماعندهم موضع الظل فخاطبهم بما يعقلون ويفهمون كما
قال تعالى:( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا)
مريم 62
وليس في الجنة طلوع شمس ولاغروب ليكون فيها بكرة وعشيا ولكن لما كان في عرفهم تمام النعمة والغداء وكمال وظيفته أن يكون حاضرا مهيأ في طرفي النهار عبر حضوره.
من سورة الأنعام :
كيف قال في معرض الامتنان ( ووهبنا له اسحاق ويعقوب) الأنعام 84
ولم يذكر اسماعيل مع أنه هو الابن الأكبر؟
قلنا لأن اسحاق وهب له من حرة واسماعيل من أمة واسحاق وهب له من عجوز عقيم فكانت المنة فيه أظهر.
من سورة طه :
قوله تعالى ( فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها )
سورة طه 16
ظاهر اللفظ نهى من لا يؤمن بالساعة عن صد موسى عليه الصلاة والسلام عن الإيمان بها . والمقصود هو نهي موسى عن التكذيب بها فكيف تنزيله ؟
قلنا : معناه كن شديد الشكيمة في الدين صليب المعجم لئلا يطمع في صدك عن الايمان بها من لا يؤمن بها,وهذا كقولهم : لا أرينك الصورتين النهي متوجه إلى المسبب والمراد به النهي عن السبب وهو القرب منه والجلوس بحضرته إنه سبب رؤيته كذلك لين موسى في الدين وسلاسة قياده سبب لصدهم اياه.
من سورة النمل :-
قيل كيف استجاز سليمان عليه الصلاة والسلام تقديم اسمه في الكتاب على اسم الله تعالى حتى كتب فيه
( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) سورة النمل24
قلنا لأنه عرف أنها لا تعرف الله تعالى وتعرف سليمان, فخاف أن تستخف باسم الله تعالى إذا كان
أول ما يقع نظرها عليه .,فجعل اسمه وقاية لاسم الله تعالى وقيل : إن سليمان عليه الصلاة والسلام كان على عنوانه واسم الله تعالى في أول طية.
في سورة الفلق :-
قوله تعالى ( من شر ما خلق) سورة الفلق 2
يتناول كل ما بعده فما الفائدة في الإعادة؟
قلنا خص شر هذه الأشياء الثلاثة بالذكر تعظيما لشرها ,كما عطف الخاص على العام تعظيما لشرفه وفضله, أو خصها بالذكر لخفاء شرها, وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يشعر به , ولهذا قيل: شر الأعداء المداجى , وهو الذي يكيد الإنسان من حيث لا يعلم .
الخاتمة :
وهكذا تنوعت طريقة الكتاب في بيانه لكل سؤال وبيان جوابه من السور في أجزاء القرآن الكريم حتى بلوغه سورة الناس وكان هذا المذكور أعلاه أنموذج من محتويات الكتاب وطريقة شرح الإمام الرازي رحمه الله مع أخيه في الله حال مذاكرته لتلك المسائل كما أسلفنا, كما أن قراءة الكتاب سيظهر المزيد من موضوعيته ومنهجيته ويمر بك على أقوال العلماء وشواهد الأشعار
ولو رمت إسهابا لآتى الفيض بالمد وعلى الله التكلان, كما أن انتقاء الأسئلة كان بمثابة العروج على ما تيسر استذكاره وبقي في الفؤاد آثره , ولله درهذا السائل من صاحب ذو حكمة نباهة
ومما يتعجب له أنه لم يذكر الإمام اسمه ولا شيئا من سيرته الذاتية ,إنما ذكر صفات وجوانب خلُقية دينية فيه و أثر أطروحاته بقيت طريه لعصرنا الحالي,وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء وهذا ضرب من الإصطفاء,
مما جعلني أسال الله التوفيق قبل شروعي في هذا العرض والتقويم وقد ابتهجت بما أُلهمته وها أنا أراعي عرفان ممن الله علي ومن راعى رُوعي, فقمت بسرد هذه المقالة المباركة لبيان شيء من حال المؤلف وصاحبه الذي حوى من الصدق ما أبقاه بالرغم من جهالتنا بإسمه, فيالله كم أبقى الصدق الآثار وإن لم يُعلم صاحبها وكم أخفت علل النوايا وشواخص الظهور الآثار وإن سُمي صاحبها والموفق من وفقه الله وإنا لله وإنا إليه راجعون إن لم نكن مع الصادقين ,فإن القوم علموا أن الله يحب بالمعاملة الخفاء فستوثقوا من شدة الكتمان ,ولله در سفيان حين قال : لو قيل لنا أخرجوا من في هذه القرية من الأخيار لأخرجوا من لا نَعرف.
فالله الله في صدق النوايا حال الطلب فهي المعول يوم ينفع الصادقين صدقهم ولا حول ولا قوة إلا بالله , نسأل الله أن يستعلمنا في خدمة كتابه العزيز وأن يجيرنا مما يصرفنا عنه
وأن يجعلنا من أهل القرآن العاملين حتى نلقاه وصلى الله وسلم على رسولنا المبجل محمد و
والحمدلله رب العالمين
أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل
تأليف : الامام بدر الدين محمد بن أبي بكر الرازي رحمه الله
تمهيد :
الحمدلله الخبير فلا تخفى عليه ذرة في الأرض ولا في السموات السميع فلا يعزب عن سمعه اختلاف الأصوات,الواحد الأحد فلا ثاني له في الكائنات , الفرد الصمد المنّزه عن البنين والبنات, الباقي على الأبد ويقضي على الخلائق بالممات,وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صاحب الدلائل والمعجزات, وسيد السادات عليه أفضل السلام وأزكى الصلوات,
وعلى صحبه الكرام أبي بكر صاحب السبق والنفقات "الذي يؤتي ماله يتزكى" وعلى عمر المعروف بالهمم العاليات الوُقاف عند الآيات وعلى عثمان المصلي بالكتاب النافلات (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ) وعلى ابن ابي طالب علي المُقرب صاحب الفتوحات رضي الله عنهم اجعمين.
قال الله تعالى : (فتلقى آدم من ربه كلمات)
قال الثعلبي:أي فتلقن آدم وحفظ حين ألهم.
أما بعد:
لقد أنزل الله كتابه العظيم لينظر المؤمن في بديع آياته ويتدبر العباد في جلالة نظمه فيحملهم التدبر لزيادة الإيمان المفضي للعمل الصالح فيرتقون في الملأ الأعلى ليُحلوُن درة التاج وواسطة القلادة يوم يقوم الناس لرب العالمين .(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)
فجعل لكل سبيل باب ومفاتح يدخل منها السائر ليصل إلى مراده وأنى تقطع المفاوز دونها
قال ابن القيم رحمه :
(وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم وهو معرفة مفاتيح الخير والشر ولا يوفق لمعرفته مراعاته إلا من عظم حقه وتوفيقه من الله فإن الله جعل لكل خير مفتاحا وبابا يدخل منه).
ولما كان لهذا الطريق أمارات يطلبها الناظر وبصيرة يلتسمها الذي يُمسكون بالكتاب بذل العلماء من لدن العصورالأولى كل مبذول في الجمع والتأليف في كل علومه وفروعه ولتنصرف الغاية الأسمى إلى المقصود الأعظم من هذا الكتاب الجليل في بيان أساليب القرآن وعظيم بلاغته وجزالة وحسن وبراعة التركيب في كلماته في رونق من الحلاوة و الطلاوة عجزت البشرية أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرا , ولا يظن المتعلم أن العلوم تراد لذات التحصيل اللغوي فحسب أو للإنطلاق الأدبي فحسب ,أو للمكانة العلمية ,وكلنا يتهيب من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام:( أول من تسعر بهم النار ثلاث) وذكر منهم " وقارئ القرآن فيقال قرأت ليقال وقد قيل فما لك أجر عندي) ولا حول ولا قوة إلا بالله وبالله نلوذ في الدنيا والآخرة .
وإنما كان المقصود من براعة الفنون والتأليف
حمل العباد على النظر في عظيم الوحي لعلهم يتقون فيحدث لهم الإصلاح الفردي والجماعي والعمراني وصلاح الإعتقاد وصلاح السريرة والفلاح بالدنيا ونيل الدرجات السامية في دار المقامة وهذه احدى مقاصد القرآن الكريم,
قال أبو خراش الهذلي مشيرا إلى ما دخل على العرب من الأحكام والتهذيب بفضل القرآن الكريم والتشريع :-
فليس كعهدِ الدار يا أم مالكٍ
ولكن أحاطًت بالرقابِ السلاسلُ
وُعاد الفتى كالكهلِ ليس بقائلٍ
سوُى العدل شيئا فاستَراح العواذلُ
وقد أحسن الإمام بدر الدين الزركشي رحمه الله
المتوفى سنة 794 هجري, القول في باب من أبواب كتابه الثمين البرهان في علوم القرآن حين قال مُحمساً التعلم فيه :
"واعلم أن هذا علم شريف المحل عظيم المكان قليل الطلاب ضعيف الأصحاب ليس له عشيرة تحميه ولا ذو بصيرةٍ يستقصيه. "
فقام قام العلم في كل زمن يلفت العقل ويُعمل الفؤاد للأخذ بطرفٍ من تلك العلوم ومن ذلك ما صنفه الإمام زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي رحمه الله فأسماه
" أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل"
أولا
عرض الكتاب
" أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل"
ويسمى كذلك " غرائب آي التنزيل"
صدرت الطبعة الأولى للكتاب عام 1412 هجري -1991م
المؤلف :
هو أبو عبدالله زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي ,فقيه من فقهاء علماء القرن السابع له مصنفات في الفقه والأدب والتفسير واللغة وأصله من الري, وله باع طويل في العلوم الفقهية وقد زار مصر والشام وأقام ما شاء الله له بها في مدينة قونية بتركيا سنة 666هجري رحمه الله .
وقد عدة له مؤلفات أخرى غير كتابنا هذا منها : الذهب الإبريز في تفسير الكتاب العزيز.{1
وكنز الحكمة وهو في الحديث.{2
ومن أشهرها مختار الصحاح وهو في اللغة.
وكذلك من مؤلفاته
كنوز البراعة في شرح المقامات للحريري.{3
هدف ومنهج الكتاب :
إن من ما يجب ذكره في منهج التحقيق هو صحة نسبة هذا الكتاب للإمام زين الدين الرازي رحمه الله كما هو واضح في مقدمته وما أشارت إليه المصادر والمراجع المرفقة بالكتاب التي أثبتته لمؤلفته وكذا تخريج الآيات القرانية.
يعد هذا الكتاب من الكتب الفريدة في دراسة المشكل من آيات القرآن الكريم بأسلوب علمي دقيق يتصف بالعلم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأقوال الصحابة والتابعين والمعرفة بكلام العرب الذي أنزل القرآن الكريم به
وقد نهج الكتاب منهج سليما في بيان وجه الإشكال ثم بيان وجه الإجابة عليه ,ولذلك فإنه يبدأ بالسؤال بقوله ( فإن قيل , كيف أو بمعنى )
ثم يجيب عليه بقوله ( قلنا , قلت)فهذا منهجه في هذا الكتاب من بدايته حتى خاتمته.
كما أن بعض الأسئلة أو الإشكالات قد تكون مبنية على رأي من الآراء , ولا يعني هذا رأيا له وإنما هو رأي القائل به وهو ما قد يوضحه كثيرا.
وقد سلك طريقة العرض من بداية سور القرآن الكريم إلى منتهى ترتيبها , دون سور لم يعرج عليها ولم يقف عندها حيث لم يذكر فيها شيء "وقد عزوت هذا إلى أن بعض الأجوبة تعزز بعضها بعضا في مواطن أخرى فكان الإكتفاء بذكر شيء منها يغني عن المرورعلى السورة كاملة وانما العلم عند الله".
ومما يبين أهمية هذا الكتاب أنه قد اعتمد في تأليفه على آراء جمع كبير من علماء الإسلام وقد أسرد شيئا منها كابن الأنباري والزمخشري وابن جرير الطبري وابن قتيبة والجوهري وابن السكيت وسبيويه وابن عرفة والواحدي والفراء والزجاج وقطرب والأخفش وابن جني رحمهم الله.
وقد كان هذا الكتاب من ثمرة المذاكرة بين الأصحاب حول القرآن الكريم , وهو منهج قل من يتبعه من علماء العصر الحاضرومعالجة المسائل المحيطة بهم بما يتفق مع روح القرآن الكريم.
قال الإمام في مقدمة كتابه :
"فهذا مختصر جمعت فيه أنموذجاً يسيراً من أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها فمنه ما نقلته من كتب العلماء إلا أني نقحته ولخصته ومنه ما فتح الله تعالى علي به بسبب مذاكرة أخ لي من إخوان الصفا في دين الله ومحبة كتابه, وكان صالحاً تقياً سليم الفطرة وقاد الذهن جامعاً لجملة من مكارم الأخلاق , وصفات الكمال الإنساني أنعم الله تعالى علي بصحبته ومذاكرته في معاني كتابه, وكان شديد العناية بها كثير البحث والسؤال عنها قد هداه الله إليها وفتح عليه فيها بغرايب لم نسمعها من العلماء ولا رأيناها في كتبهم فحملتني فكرته القادحة ونيته الصالحة على جمع هذه الصبابة , وهي تزيد على ألف ومائتي سؤال,وإن كانت بالنسبة إلي ما في القرآن من العجائب والغرائب كالقطرة في الماء والسهى من نجوم السماء.
ولكني قصدت اختصار هذا الأنموذج منها,وتقريبه إلى الأفهام , ليكثر الانتفاع به وبالمعاني التي هي أدق على الأفهام وأخفى , فإني وضعت لها مختصرا آخر أودعته أنموذجاً منها فلتطلب منه وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أتضرع أن يجعل علمي وعملي خالصا لوجه الكريم ويتغمدني وأخي الصالح بمغفرته ورحمته إنه غفور رحيم".
وتلك المكارم والمجالس التي لو كان حسد في غير الإثنتين بمعناه الشرعي لكان في هذه المجالس المخلصة التي فقد الكثير من حملة القرآن ثمرتها فاتخذوا التلاوة عملا واقتصدوا إلا عبدا مُراد هُيأت له فواتح الفهوم وعطلت عنه معاطب الصرف والشهوات وقد تبين أن أس تأليف الكتاب إنما هو استبصار وانشراح صدر ومصاحبة لهذا الكتاب العزيز من أخ صالح, فإنك لا تلمس مراميه حتى تعطيه وهذا دأب السائرين .
يقول المناوي في فيض القدير :
"هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية لكن لا يحسن التداوي به إلا الموفقون".
ويقول ابن القيم رحمه الله :
"وملاك الأمر كله أن تقبل بقلبك كله على معاني القرآن واستجلائها وتدبرها وفهم ما يراد منه وما نزل لأجله وتأخذ نصيبك وحظك من كل آية وتنزلها دواء على داء قلبك".
أبزر مزايا الكتاب :-
أولا:
يمكن أن نرجع تميز الكتاب إلى سبقه في طريقة صياغة السؤال وحذاقة السائل ودقة جواب الإمام الرازي رحمه الله حيث أن جل الاسئلة احتوت على ملفت هام يلفت لعلم وفن من فنون علوم القرآن فتارة تجد الجواب يصب في البلاغة والبيان وتارة يصب في الاستشهاد بالأحاديث النبوية الصحيحة وتارة يصب في طريقة كلام العرب وأسلوب مخاطبتهم لبعضهم ومعرفة أحوالهم حال التنزيل والإستشهاد بأبيات الشعر وهكذا وهذا مما جعل الكتاب له سبق التميز بأسلوبه حيث أن معرفة زواية من مثال طرح يفضي لفهم عموم أمثلة أخرى تندرج تحتها كصيغ النداء والحذف والتقديم والتأخير
والإضمار.
ثانيا:
احتواه على كلام العلماء وأئمة التفسير وعلماء اللغة حيث لم يقف الرازي على كلاما وأجوبته قاطعا بها بل فتح المجال لإعمال البصيرة والبحث في أقوال العلماء حيث كثيرا ما يقول "وقد يقال"
وهذا مما يجعل المطلع على تلك المادة الفريدة ملما بعدة أقوال لغير المؤلف حيث أن القطع بجزم خبر معين قد يحمل النفوس على عدم الاستبصار في الأقوال الأخرى وعدم ضرب عصى البحث وهو ما جعل التفرد في علوم القرآن لعالم وإمام دون آخر والاكتفاء بقوله والجزم به لا يقيم عود الجواب وسنن التحصيل فكانت سنة الأخذ والعرض قائمة ,لا لأنها ضالة بل لإثراء ساحة الطلب و لسعة تلك العلوم وعظيم وشرف مكانة القرآن, فهو حمال أوجه ومنقبٌ خصب للفقهاء والعلماء عبر التاريخ وجامعة تعطي حلية ودرر مكوناتها الصادقين , وقد يحصل تقديم قول قائل على آخر وهذا من باب التشريف لمن عاينوا الوحي وباشروا التنزيل وعملوا به وتلوه حق تلاوته وهم ممن أخبرت النصوص الصحيحة عنهم , قال الرسول عليه الصلاة والسلام عن ابن مسعود رضي الله عنه: (من أحب أن يسمع القرآن غضا طريا كما أنزل فيسمعه من ابن أم عبد) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وكان عمر رضي الله عنه يأخذ بقول ابن عباس رضي الله عنه , فمن المعلوم أن قدم الفضل لتلك الثلة الأولى وأن عموم علماء التفسيرمنذ نشأة التدوين بتلك العلوم يكنون لأقوالهم كل مكانة ومنزلة جمعنا الله بهم في مقعد صدق عنده.
وقد نقل عن عدة من الصحابة الكرام قولهم أنه من فقه الرجل أن يجعل للقرآن عدة أوجه ,وأنه يراه حمال أوجه وهذا من فضل الله (يؤتي الحكمة من يشاء ).
كذلك من مميزات الكتاب:
سهولة عبارته وبيان المقصود بغير غموض ولا شرح يخرج بالسائل عن مراد سؤاله وبيان الغريب الداعي حقا للتساؤل عنه,وتحقيق الكلام وتعزيزه بآيات تقوي عضد الجواب حيث أن الإمام رحمه الله راعى فهم السائل كقصد أولي ثم أحسبه راعى فهوم الآخرين من بعده حيث أنه عد تأليفه للكتاب مرجعا للكافة و لم يكن صحيفة خاصة يأخذها السائل فيطويها بعد معرفة أجوبته أطروحاته وإنما بذل الإمام رحمه الله كل مبذول في بيان الجواب مراعيا تفاوت الأفهام والقرائح وهذا مما يجعل عرضنا للكتاب في هذا الوقت محل اهتمام ووصية نوصي بها الطلاب أن يأخذ بطرفٍ منها فيقرأه ويجرده وهو متقين تمام اليقين أن الكتاب لم يفت أوانه ولم تجف نِكات ألوانه وإن وقع تأليفه بغير زمانه.
ولله در الإمام بدر الدين الزركشي حين قال في كتابه المنثور في القواعد :
العلوم ثلاثة
علم نضح وما احترق وهو علم الأصول والنحو
وعلم نضح واحترق وهو علم الفقه والحديث
وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير.
عرض نماذج من أسئلة الكتاب وأجوبته :
1) من سورة البقرة
قول الله تعالى : (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق)
البقرة 19
قيل ما فائدة قوله تعالى ( كصيب من السماء)
ومعلوم أن الصيب لا يكون إلا من السماء؟
قلنا : فائدته أنه ذكر السماء معرفة وإضافة إليها ليدل على أنه من جميع آفاقها لا من أفق واحد اذ كل أفق يسمى سماء قال الشاعر:
ومن بعد أرض بيننا وسماء .
2)قوله تعالى ( ولاتعثوا في الأرض مفسدين)
البقرة 60
والعثو هو الفساد فيصير المعنى ولا تفسدوا في الأرض مفسدين؟
قلنا معناه ولا تعثوا في الأرض بالكفر وأنتم مفسدون بسائر المعاصي.
3) قوله تعالى ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجعمين)سورة البقرة161
كيف قال "والناس أجمعين" وأهل دينه لا يلعنونه إذا مات على الكفر؟
قيل المراد بالناس المؤمنون فقط وأهل دينه يلعنونه في الآخرة كقوله تعالى ( ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) العنكبوت25
وقوله تعالى ( كلما دخلت أمة لعنت أختها) الأعراف 38
سورة آل عمران:-
في قوله تعالى ( ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) سورة آل عمران 23
والتولي والإعراض بمعنى واحد ؟
قيل يتولون بأبدانهم ويعرضون بقلوبهم عن الحق وقيل يتولون عن الداعي ويعرضون عن ما داعهم إليه في الكتاب.
في قوله تعالى ( وما كنت لديهم اذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم )
آل عمران 44
وذلك عندهم لا شك فيه ؟
قلنا كان معلوم علما يقينا عندهم أنه ليس من أهل القراءة والرواية ومنكرين للوحي فلم يبق إلا المشاهدة والحضور.
في سورة النساء:-
قوله تعالى :( لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا)
سورة النساء57
وليس في الجنة شمس ولا حر يحتاج لظل؟
قلنا هو مجاز عن المستقر والمستلذ المستطاب لأن بلادهم شديدة الحر فأطيب ماعندهم موضع الظل فخاطبهم بما يعقلون ويفهمون كما
قال تعالى:( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا)
مريم 62
وليس في الجنة طلوع شمس ولاغروب ليكون فيها بكرة وعشيا ولكن لما كان في عرفهم تمام النعمة والغداء وكمال وظيفته أن يكون حاضرا مهيأ في طرفي النهار عبر حضوره.
من سورة الأنعام :
كيف قال في معرض الامتنان ( ووهبنا له اسحاق ويعقوب) الأنعام 84
ولم يذكر اسماعيل مع أنه هو الابن الأكبر؟
قلنا لأن اسحاق وهب له من حرة واسماعيل من أمة واسحاق وهب له من عجوز عقيم فكانت المنة فيه أظهر.
من سورة طه :
قوله تعالى ( فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها )
سورة طه 16
ظاهر اللفظ نهى من لا يؤمن بالساعة عن صد موسى عليه الصلاة والسلام عن الإيمان بها . والمقصود هو نهي موسى عن التكذيب بها فكيف تنزيله ؟
قلنا : معناه كن شديد الشكيمة في الدين صليب المعجم لئلا يطمع في صدك عن الايمان بها من لا يؤمن بها,وهذا كقولهم : لا أرينك الصورتين النهي متوجه إلى المسبب والمراد به النهي عن السبب وهو القرب منه والجلوس بحضرته إنه سبب رؤيته كذلك لين موسى في الدين وسلاسة قياده سبب لصدهم اياه.
من سورة النمل :-
قيل كيف استجاز سليمان عليه الصلاة والسلام تقديم اسمه في الكتاب على اسم الله تعالى حتى كتب فيه
( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) سورة النمل24
قلنا لأنه عرف أنها لا تعرف الله تعالى وتعرف سليمان, فخاف أن تستخف باسم الله تعالى إذا كان
أول ما يقع نظرها عليه .,فجعل اسمه وقاية لاسم الله تعالى وقيل : إن سليمان عليه الصلاة والسلام كان على عنوانه واسم الله تعالى في أول طية.
في سورة الفلق :-
قوله تعالى ( من شر ما خلق) سورة الفلق 2
يتناول كل ما بعده فما الفائدة في الإعادة؟
قلنا خص شر هذه الأشياء الثلاثة بالذكر تعظيما لشرها ,كما عطف الخاص على العام تعظيما لشرفه وفضله, أو خصها بالذكر لخفاء شرها, وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يشعر به , ولهذا قيل: شر الأعداء المداجى , وهو الذي يكيد الإنسان من حيث لا يعلم .
الخاتمة :
وهكذا تنوعت طريقة الكتاب في بيانه لكل سؤال وبيان جوابه من السور في أجزاء القرآن الكريم حتى بلوغه سورة الناس وكان هذا المذكور أعلاه أنموذج من محتويات الكتاب وطريقة شرح الإمام الرازي رحمه الله مع أخيه في الله حال مذاكرته لتلك المسائل كما أسلفنا, كما أن قراءة الكتاب سيظهر المزيد من موضوعيته ومنهجيته ويمر بك على أقوال العلماء وشواهد الأشعار
ولو رمت إسهابا لآتى الفيض بالمد وعلى الله التكلان, كما أن انتقاء الأسئلة كان بمثابة العروج على ما تيسر استذكاره وبقي في الفؤاد آثره , ولله درهذا السائل من صاحب ذو حكمة نباهة
ومما يتعجب له أنه لم يذكر الإمام اسمه ولا شيئا من سيرته الذاتية ,إنما ذكر صفات وجوانب خلُقية دينية فيه و أثر أطروحاته بقيت طريه لعصرنا الحالي,وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء وهذا ضرب من الإصطفاء,
مما جعلني أسال الله التوفيق قبل شروعي في هذا العرض والتقويم وقد ابتهجت بما أُلهمته وها أنا أراعي عرفان ممن الله علي ومن راعى رُوعي, فقمت بسرد هذه المقالة المباركة لبيان شيء من حال المؤلف وصاحبه الذي حوى من الصدق ما أبقاه بالرغم من جهالتنا بإسمه, فيالله كم أبقى الصدق الآثار وإن لم يُعلم صاحبها وكم أخفت علل النوايا وشواخص الظهور الآثار وإن سُمي صاحبها والموفق من وفقه الله وإنا لله وإنا إليه راجعون إن لم نكن مع الصادقين ,فإن القوم علموا أن الله يحب بالمعاملة الخفاء فستوثقوا من شدة الكتمان ,ولله در سفيان حين قال : لو قيل لنا أخرجوا من في هذه القرية من الأخيار لأخرجوا من لا نَعرف.
فالله الله في صدق النوايا حال الطلب فهي المعول يوم ينفع الصادقين صدقهم ولا حول ولا قوة إلا بالله , نسأل الله أن يستعلمنا في خدمة كتابه العزيز وأن يجيرنا مما يصرفنا عنه
وأن يجعلنا من أهل القرآن العاملين حتى نلقاه وصلى الله وسلم على رسولنا المبجل محمد و
والحمدلله رب العالمين