عادات القرآن

إنضم
06/03/2006
المشاركات
253
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=justify]إخواني في ملتقى أهل التفسير السلام عليكم ورحمة الله :‏
‏ [align=right]أريد أن أطرح عليكم موضوعا، وأرجو من المشايخ، والإخوة الأفاضل أن ينبهوا على هذا الموضوع إن ‏كان قد طرح من قبل، فنطوي الحديث عنه، وإن لم يكن كذلك فلينشطوا بالمشاركة في هذا الموضوع الذي له أهمية بالغة تعين على فهم القرآن الكريم ، وتفتح لنا من كنوز هذا الكتاب العظيم [/align].‏
[align=right]هذا الموضوع عنوانه "عادات القرآن الكريم " يقول العلامة الطاهربن عاشور:
"يحق على المفسر أن ‏يتعرف عادات القرآن من نظمه وكلمه، وقد تعرض بعض السلف لشيء منها، فعن ابن عباس: كل كأس ‏في القرآن فالمراد بها الخمر، وذكر ذلك الطبري عن الضحاك أيضا.‏[/align]
[align=right]وفي صحيح البخاري في تفسير سورة الأنفال " قال ابنُ عُيينة: ما سمّى اللَّهُ مَطَراً في القرآن إلاّ ‏عذاباً، وتُسمِّيه العربُ الغَيثَ، وهو قوله تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} ‏‏(الشورى: 28). [/align]‏
[align=right]وعن ابن عباس أن كل ما جاء من " يا أيها الناس.." فالمقصود به أهل مكة المشركون[/align].‏
[align=right]وقال الجاحظ في البيان وفي القرآن معان لا تكاد تفترق، مثل الصلاة والزكاة، والجوع والخوف، والجنة ‏والنار، والرغبة والرهبة، والمهاجرين والأنصار، والجن والإنس "‏.[/align]
[align=right]قلت: والنفع والضر، والسماء والأرض، وذكر صاحب الكشاف وفخر الدين الرازي أن من عادة القرآن أنه ما جاء بوعيد إلا ‏أعقبه بوعد، وما جاء بنذارة إلا أعقبها ببشارة، ويكون ذلك بأسلوب الاستطراد ‏والاعتراض لمناسبةالتضاد، ورأيت منه قليلا في شعر العرب كقول لبيد:‏
فاقطع لبانة من تعرض وصله **** ولشر واصل خلة صرامها
واحب المجامل بالجزيل وصرمه **** باق إذا ظلعت وزاغ قوامها.[/align]
[align=right]وفي الكشاف في تفسير قوله تعالى : "فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ ‏إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ... " الآية: جيء به ماضيا على عادة الله في الأخبار،‏ وقال فخر الدين الرازي في تفسير قوله تعالى : " يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ...." ‏الآية من سورة العقود: " عادة هذا الكتاب الكريم أنه إذا ذكر أنواعا كثيرة من الشرائع ‏والتكاليف أتبعها إما بالإلهيات وإما بشرح أحوال الأنبياء وأحوال القيامة ليصير ذلك ‏مؤكدا لما تقدم ذكره من التكاليف والشرائع "‏.[/align]
[align=right]وقد استقريت بجهدي عادات كثيرة في اصطلاح القرآن سأذكرها في مواضعهاومنها أن ‏كلمة "هؤلاء " إذا لم يرد بعدها عطف بيان يبين المشار إليهم فإنها يراد بها المشركون من أهل ‏مكة كقوله تعالى: " بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ " ‏وقوله: "فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ "‏.[/align]
[align=right]وقد استوعب أبو البقاء الكفوي في كتاب الكليات في أوائل أبوابه كليات مما ورد في ‏القرآن من معاني الكلمات، وفي الإتقان للسيوطي شيء من ذلك[/align].‏
[align=right]وقد استقريت أنا من أساليب القرآن أنه إذا حكى المحاورات والمجاوبات حكاها بلفظ قال دون حروف ‏عطف، إلا إذا انتقل من محاورة إلى أخرى، انظرقوله تعالى:"وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في ‏الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها "إلى قوله:" أنبئهم بأسمائهم " انتهى كلامه رحمه الله من كتاب ‏التحرير والتنوير(1/69)[/align]‏ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‏
قال كعب بن مالك رضي الله عنه :‏
[align=justify]جارعلى منهج الأعراب أعجزهم **** باق مدى الدهر لا يأتيه تبديل
‏بلاغـة عندها كـعّ البليغ فلـم **** ينبس وفي هديه طاحت أضاليل[/align][/align]
 
شيخنا المشرف أبا مجاهد : جزاك ربي أفضل الجزاء ، وأوفره فلنحي هذا الموضوع من جديد، وإليك هذه الإضافة الجديدة.
بسم الله, والصلاة والسلام على رسول الله:‏
وليفتح الباب بهذه:‏
جاء في صحيح البخاري في كتاب الصوم:باب فضل ليلة القدر
‏ قالَ ابنُ عُيَينةَ: ماكان في القُرآنِ " وَمَآ أَدْرَاكَ " فقد أعلمَه، وما قال: " وَمَا يُدْرِيكَ " فإِنه لم يُعْلِمْهُ "‏
إذا تصفحنا المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم نجد هذه النتائج:‏
‏ -‏ تكررت كلمة " أدراك " في القرآن ( 13) مرة،كلها تتعلق بيوم القيامة إلا في موضعين، وذلك ‏في قوله تعالى " وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ . وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ . ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ " ‏
‏ [ الطارق:1-2-3]‏
‏-‏ وقوله "إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ.وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِليلة القدرخَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ "‏
‏ [القدر:1-3] ‏
‏-‏ تكررت كلمة " يدريك " في القرآن (3) مرات، كلها تتعلق بيوم القيامة إلا في موضع واحد ‏وهو قوله تعالى في حق ابن أم مكتوم رضي الله عنه: " عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ . أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ . وَمَا ‏يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ " [عبس: 1-2-3-4]‏
‏ فهل هذه العادة التي ذكرها سفيان بن عيينة صحيحة ؟
ـــــــــــــــــــــــــ
يقول الإمام الشاطبي :" من زاول كلام العرب وقف من هذا على علم " الموافقات ص:267 ‏
 
الحافظ ابن حجر ينتقد ابن عيينة في آية واحدة فقط

الحافظ ابن حجر ينتقد ابن عيينة في آية واحدة فقط

بسم الله ، والصلاة والسلام على رسول الله :
لقد وُفِقَ سفيان بن عيينة في التماس هذه العادة التي جرى عليها القرآن، وانتقد الحافظ ابن حجرعليه آية واحدة فقط، وهي الآية التي نزلت في ابن أم مكتوم؛ لأن الله أعلمه أنه يريد التزكية ،و الذكرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال صادق الرافعي:" إذا لم تزد شيئا على الحياة فأنت زيادة عليها "
 
من عادات القرآن : تقديم الوسيلة بين يدي الطلب‏

من عادات القرآن : تقديم الوسيلة بين يدي الطلب‏


نص عليها الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه الموافقات، وساق لها طائفة من ‏الآيات، وهي من أنجع الوسائل لتربية الأمة ، وتعليمها آداب التعامل مع ربها، خاصة عند دعائه. يقول الإمام الشاطبي رحمه ‏الله :" تقديم الوسيلة بين يدي الطلب كقوله تعالى : " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ.." الفاتحة [5-‏‏6]، وفي قوله تعالى:" ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ " آل عمران [16] وفي قوله تعالى: " ‏قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتْ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ ‏‏".آل عمران[53] وقال تعالى:" ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ‏رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " آل عمران [191] " الموافقات ص: 695-696. ‏
بل حتى حالة الدعاء على أعداء هذه الأمة من الكفرة والظلمة لابد لنا أن نبين سبب دعائنا عليهم هذه عادة القرآن ‏لا تكاد تتخلف؛ قال تعالى : " وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن ‏سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ " يونس [88], وقال في حق نوح ‏عليه السلام: "قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً " إلى قوله تعالى : " وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ ‏إِلاَّ تَبَاراً "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراد بالوسيلة : الحاجة، ومنه قول الشاعر:
إن الرجال لهم إليك وسيلة **** إن يأخذوك تكحلي وتخضبي. ‏
 
الاخوة الاكارم
تقدم احد طلبة الدكتوراة عندنا في كلية الشريعة - جامعة اليرموك بالموضوع ووافقنا عليه
والعنوان:
عرف القرآن والمعهود من معانيه واستعمالاته وأثره في الترجيح الدلالي ( دراسة تاصيلية تطبيقية)

والموضوع جدير بالدراسة لكن الاجدر التأصيل له والاهتمام بالضوابط التي تمكن من استخراج هذا العرف،
بارك الله فيكم
 
شكر، ومواصلة

شكر، ومواصلة

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله:
جزاك ربي أفضل الجزاء، وأوفره: فضيلة: د.عبدالله بن محمد الجيوسي، على هذه المشاركة ، وأنا عازم على المواصلة لا لأحصل على الدكتوراه ، ولكن لننال الأجر بهذه المدارسة، وأدعوك يا فضيلة الدكتورلأن تعلق على هذه المشاركات بما تراه نافعا، وقد كنت حريصا على استخراج الضوابط ما أمكن ولكن زمن كتابتها مما يطول فأدعوك مرة ثانية للمشاركة في هذا الموضوع، واليوم في جَعبتي مثل جديد للمدارسة.
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله:
تحسين العبارة بالكناية، ونحوها في المواطن التي يحتاج فيها إلى ذكر ما يستحي ‏من ذكره في عاداتنا، كقوله تعالى:" أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنساء" النساء [43] وقوله: " وَمَرْيَمَ ٱبْنَت عِمْرَانَ ‏ٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا " التحريم [12],وقوله تعالى: " كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ " المائدة ‏‏[75].‏حتى إذا وضح السبيل في مقطع الحق، وحضر وقت التصريح بما ينبغي التصريح فيه، فلا بد منه ، ‏وإليه الإشارة بقوله:" إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا " البقرة[ 26]، وقوله تعالى : ‏‏" إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىِّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ ٱلْحَقِّ " الأحزاب [53] " ‏الموافقات ص: 695‏
وهي عادة للقرآن في تربية الأفرادعلى انتقاء الكلام الطيب كما ينتقى أطايب الثمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
‏ فتدبر القرآن إن رمت‎ ‎الهدى **** فالعلم تحت تدبر القرآن‏‎
 
لذا علينا ان نتعلق بجنس ما تعلق به الشارع في خطابه والتكني عن المرذول من الألفاظ قد يكون مقصدا من مقاصد الشارع وذلك بعد استقراء موارد التشريع في ذلك من نصوص قرآنية ونبوية أظن ان الشيخ يوافقنتي في ذلك . وللشاطبي مباحث قرآنية مهمة علينابدراستها في هذا المنتدى .
 
لقد أصبتِ كبد الحقيقة في استنباط هذا المقصد، فالشاطبي مدرسة مغربية عريقة، تطلب الحقيقة من معينها الصافي، قبل أن تكدرها المكدرات، وقد قالوا قديما "إئت بأصلك إن الفرع متهم ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهم قِ ألسنتنا الزلل، ورطبها بذكرك.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ " . متفق عليه
 
الإعراض عما لا يفيد عملا مكلفا- السؤال-

الإعراض عما لا يفيد عملا مكلفا- السؤال-

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله:
- يقول الإمام الشاطبي:" والدليل على ذلك استقراء الشريعة فإنا رأينا الشارع يعرض عما لا يفيد عملا مكلفا به ففى القرآن الكريم : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ " البقرة [189]، فوقع الجواب بما يتعلق به العمل إعراضا عما قصده السائل من السؤال عن الهلال لم يبدو فى أول الشهر دقيقا كالخيط، ثم يمتلىء حتى يصير بدرا، ثم يعود إلى حالته الأولى ؟ " ثم بين رحمه الله المناسبة التي بينها وبين الجملة التي بعدها فقال: " ثم قال: " وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا " ، بناء على تأويل من تأول أن الآية كلها نزلت فى هذا المعنى فكان من جملة الجواب أن هذا السؤال - فى التمثيل- إتيان للبيوت من ظهورها والبر إنما هو: التقوى، لا العلم بهذه الأمور التى لا تفيد نفعا فى التكليف ولا تجر إليه، وقال تعالى " يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ، فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ، إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ ، إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا " النازعات [42] أى إن السؤالَ عن هذا، سؤالٌ عما لا يعنى إذ يكفى من علمها أنه لا بد منها ولذلك لما سئل عليه الصلاة والسلام عن الساعة. قال للسائل: ما أعددت لها ؟ " الموافقات ص:28
ومثله أيضا؛ قوله تعالى: " يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ "
البقرة [215]
وهذا جاري في كلام العرب الأوائل، فقد قال شاعرهم:
[
أتت تشتكي مني مـزاولة الـقـرى =وقد رأت الأضياف ينحون منزلـي
فقلت لها لما سمعـت كـلامـهـا =هم الضيف جدى في قراهم وعجلي
وهذا من العادات القرآنية التي تنفع المفتي ، فإن المفتي موقع عن الله، وقائم مقام رسوله صلى الله عليه وسلم، فيجوز له أن يعدل عما يستفتى فيه إذا كان السؤال لا يفيد عملا مكلفا به.
وفي هذه العادة القرآنية لفتة أخرى، وهي أن الصحابة رضوان الله عليهم في بداية أمرهم لم تكن لهم ملكة قوية في السؤال عن أمور دينهم ، ولذلك عاتبهم الله بقوله : " يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ .." المائدة [101] فلما استوى أمرهم على هذا الدين صاروا يسألون عما ينفعهم .
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فتدبر القرآن إن رمت الهدى= فالعلم تحت تدبر القرآن[/poem]ــــــــــــــــــــــــــ
قال مفدي زكريا:
[poem=font="Simplified Arabic,5,orangered,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فليت فلسطين تخطو خطانا =وتطوي كما قد طوينا السنينا[/poem][/poem]
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
الحديث عن "عادات القرآن"بهذا المصطلح قد يشوش علينا ويوهم ، لذا حينما بحثت عنه وجدت أنّ هذا الموضوع أثير باسم " الوجوه و النظائر القرآنية" ، وأرى أنه بهذا المصطلح نستطيع أن نؤصل لهذا البحث، و نجلي عنه اللبس. فإطلاق لفظ العادات – وإن كان من قبيل المجاز – فقد ذكره الإمام الطاهر بن عاشور بهذا المعنى في سياق كلامه، و هناك مقالة علمية فريدة في مجلة الموافقات الجزائرية العدد الثاني بعنوان " نحو موسوعة إسلامية في الوجوه و النظائر القرآنية " د/ محمد على الحسن (جامعة دبي سابقا)و يرى صاحب المقال في المبحث الثاني حينما ذكر التسلسل التاريخي للمؤلفات في هذا المجال
1-مقاتل بن سليمان البلخي *150ه*، عدد الألفاظ الواردة فيه-186- ب-773- وجه / حققه عبد الله محمود شحاتة
2- هارون بن موسى المصرى *170ه*، يقال له هارون الأعور ، كان يهوديا و أسلم وحسن إسلامه
3- المبرد *276ه* ، في كتابه "ما اتفق لفظه و اختلف معناه من القرآن المجيد " و جاء في كتابه – مادام الشيخ قد ذكر "أدراك " في مقالته- و ما جاء في القرآن من "وما يدريك" فغير مذكور جوابه، وما جاء "وما أدراك" فمذكور جوابه
4- أحمد بن فارس الرازى *395ه*،في كتابه الإفراد
5- أبو عبد الله الدامغانى ، في كتابه الوجوه و النظائرفي القرآن الكريم"
6-إبن الجوزى *597*في " نزهة الأعين و النواضر في علم الوجوه و النظائر"
بعد هذا المختصر أقول أنّ طرح الشيخ متميز ، لأنه يراعي السياق في معرفة عادات القرآن في ذلك اللفظ ، و لعل لهذا الموضوع صلة وثيقة بعلم المناسبة ، فالألفاظ المشتركة تعمل في القرآن كل مرة بمعنى يخدم السياق ، و السباق ، و اللحاق ، و موضوع السورة و موضعها ، عسى ،أن تتحفنا صاحبة المناسبة ، التى سألت عن الإمام البقاعي ، عن علاقة هذا العلم بحديثنا هنا.
شيخنا الفاضل ، ما استدركت ولا عقبت فلست من أهل هذا الفن ، ولا من الذين يتطاولون على الشيوخ ، ولكن محبة في رياض الجنة التي طلب منا أن نرتع عندها ، ولو من وراء الشاشة ، والله من وراء القصد ، أرجو أن تدعو لي بالرشاد
في التوقيع اسمي الشخصي نزولا عند طلب شيخنا الشهري .
 
أختاه جزاك ربي أفضل الجزاء،وأوفره على ما تفضلت به . مسألة المصطلح أظنك أصولية ولا يخفى عليك ما ذكره الغزالي في مقدمة " مستصفاه " وغيره من أهل الأصول من أنه لامشاحة في الإصطلاح بعد فهم المعاني، إلاإذا كنت لاتقولين بتوسع العرب في كلامها ولا أخالك كذلك؛ لأنك ذكرت المجاز ولم تعقبي عليه. " العادات " ليست محصورة في اللفظ ، بل في كل الوجوه العربية . وأذكرهنا حقيقة يغفل الكثيرعنها من دارسي الأصول . ذكرها الشافعي رحمه الله في كتابه الرسالة، ثم أغفلها أهل الأصول ، وذهبوا بها مذهبا لم يرده الشافعي ، وتفطن لها الشاطبي ، وإن أسعفتني الظروف ، فسأتناولها في وقت لاحق. موضوع علم المناسبة يتقاطع مع هذا الموضوع ففي رأيي أن بينهما عموم وخصوص من وجه ، ولذا فصاحبة المناسبات سيكون لها حضور في هذا الموضوع لنستفيد منها أولا ولتستفيد منا ثانيا، أما بالنسبة للموضوع فهو بحق جديد وممتع، والمشاركة فيه هي المدراسة الحقيقية للقرآن. المشيخة أختاه أحس أنها جبة أكبرمني فأنا لازلت أحبذ كلمة " طالب العلم ".
أرجوأن تنظري ما ذكره د .عبد الله درازفي تعليقه على الموافقات حول كلمة " يشوش "
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما - آميـــــــــــــــــــــــن-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نزولا عند رغبة شيخنا الشهري:
علال بوربيق - إمام أستاذ -
السنة الثانية ماجستيربقسم الكتاب والسنة
وأرجو من شيخنا ، أن يقوم بتعديل ما أضفته ليظهر في كل المشاركات ، فإنني ما اهتديت لما ذكره في طريقة التعديل ، و له منا جزيل الشكر
 
بين " خلق " و" جعل "

بين " خلق " و" جعل "

‏ومن عادات القرآن أن ترد كلمة " خلق " في الأشياء التي يخرجها الله من العدم إلى الوجود، يقول ‏العلامة الطاهر بن عاشور: " أُطلِقَ " الخلق " في القرآن وكلام الشريعة على إيجاد الأشياء المعدومة ‏فهو إخراج الأشياء من العدم إلى الوجود إخراجا لا صنعة فيه للبشر" التحرير والتنوير(2/191)‏
بينما تطلق كلمة " جعل " على التصرف في الشيء المخلوق بعد خلقه، ولا يقول أحد إن هذا أخذ ‏من الوضع العربي للفظة، نقول : بل عرف هذا بإستعمالات القرآن لها، وباستصحاب هذه العادة ‏القرآنية يزول الإشكال الواقع في بعض الآيات، ولنضرب لذلك مثلا: ‏
‏ قال تعالى:" يَاأَيُّهَاٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ ‏مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً " النساء ‏‏[1]‏
‏ وقال:"هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" الأعراف[189].‏
‏ فالآية الأولى لما تعرضت لمسألة بداية الخلق استُعمِلَ فيها كلمة " خلق " في الموضعين بينما الآية ‏الثانية استُعمِلَ فيها كلمتي " خلق " و " جعل "، لأن الآية الثانية لاتتعرض لقضية الخلق كما يظهر ‏للكثير، بل هي في معرض الإمتنان الذي امتن الله به على آدم عليه السلام بحواء بعد خلقها، وذلك ‏بقرينة قوية ذُكرتْ في الآية وهي قوله:" ليسكن إليها"، فأتى السياق بلفظ " جعل " بدل من لفظ ‏‏"خلق".‏
‏ وقد تفطن الطاهربن عاشور إلى هذا فقال:" وعبر في جانب الأنثى بفعل جعل، لأن المقصود ‏جعل الأنثى زوجا للذكر، لا الإخبار عن كون الله خلقها، لأن ذلك قد علم من قوله " هُوَ ٱلَّذِي ‏خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ " (7/1690)‏
‏ وبهذا تظهرفائدة اعتبار المقام في الخطاب، والتي كثيرا ما نبه عليها الأصوليون في بعض مباحثهم؛ ‏فمقام الإمتنان غير مقام ذكرالأحكام من حلال وحرام فقول الله مثلا " وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ ‏لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً " فاطر[12] لا يؤخذ منه حكم أن " غير الطري حرام " لأن المقام مقام ‏امتنان، بقرينة قوله " سخر" فلا مفهوم له كما هي عبارة الأصوليين.‏
‏ وباستصحاب هذه العادة القرآنية ، شد انتباهي تكرر كلمة "خلق " في آيات خلق الجنين في بطن ‏أمه لعدة مرات-ولم تتكررفي غيرها- قال تعالى: " وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ . ثُمَّ ‏جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً ‏فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ " المومنون[14]، وهذا يدل ‏على العناية الفائقة من رب العالمين للجنين فكأنه في كل طورمن الأطوار يخرجه من العدم ، فكل ‏طور بالنسبة للاحقه في الحكم كالعدم فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ.‏
‏ فتدبر القرآن إن رمت‎ ‎الهدى= فالعلم تحت تدبر القرآن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال مفدي زكريا:‏
‏ فليت فلسطين تخطو خطانا وتطوي كما قد طوينا السنينا
اللهم إن اليهود قد طغت ، وعتت، وتجبرت ‏
اللهم أفرغ على إخواننا صبرا، وثبت أقدامهم، وانصرهم على القوم الكافرين-آمين- ‏
 
رجاء

رجاء

الأستاذ علال رجاءا النظر هنا مشكورين.
 
شكر ، ومواصلة ( كل حكاية في القرآن)

شكر ، ومواصلة ( كل حكاية في القرآن)

بسم الله ، والصلاة والسلام على رسول الله
أخي ناصر بارك الله فيك على ما تفضلت به ، وجعل لك حظا من اسمك، وأقول كما قال سيد الخلق :" إنما العلم بالتعلم "
وسأواصل ما بدأت، وإن قلَّ السالكون.
يقول الشاطبي:
" كل حكاية وقعت فى القرآن فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها- وهو الأكثر- رد لها أولا فإن وقع رد فلا إشكال في بطلان ذلك المحكى وكذبه وإن لم يقع معها رد فذلك دليل صحة المحكى وصدقه "
ثم قال رحمه الله:أما الأول فظاهر ولا يحتاج إلى برهان ومن أمثلة ذلك:
قوله تعالى: " إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ " الأنعام [91] فأعقب بقوله :" قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ " الأنعام [91].
وقال: " وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً.." الأنعام [136].فوقع التنكيت على افتراء ما زعموا بقوله:" بِزَعْمِهِمْ " وبقوله:" سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ " ثم قال:" وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ إلى تمامه، ورد بقوله: " سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ " ثم قال: " وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ .." الآية فنبه على فساده بقوله:" سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ " زيادة على ذلك.
وبعد أن ساق أمثلة كثيرة قال رحمه الله:" ومن قرأ القرآن وأحضره في ذهنه عرف هذا بيسر" ثم بين فوائد هذا العرف القرآني في ثلاث نقاط:
1- أن النظار من أهل الأصول لما رأوه مطردا استدل به جماعة منهم على أن ما يحكى في القرآن من شرائع الأولين ولم ينبه على إفسادهم وافترائهم فيه، فهو حق يجعل عند طائفة في شريعتنا .
2- استدل جماعة من الأصوليين على أن الكفار مخاطبون بالفروع بقوله تعالى: " قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين " الآية إذ لو كان قولهم باطلا لرد عند حكايته
3- يستعان به في ترجيح الأقوال كاختلافهم في عدد أصحاب الكهف، والحق أنهم سبعة وثامنهم كلبهم لأن الله تعالى لما حكى من قولهم أنهم : " ثلاثة رابعهم كلبهم وأنهم خمسة سادسهم كلبهم " أعقب ذلك بقوله: " رجما بالغيب " أي ليس لهم دليل ولا علم غير اتباع الظن ورجم الظنون لا يغني من الحق شيئا ولما حكى قولهم سبعة وثامنهم كلبهم لم يتبعه بإبطال بل قال: " قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ". دل المساق على صحته دون القولين الأولين، وهو اعتماد ابن عباس في اختيار هذا القول فقد روى عنه أنه كان يقول: " أنا من ذلك القليل الذي يعلمهم ".
4- وهذا يفيدنا أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، وأنه ليس كل ما نطق به الكافر فهو باطل، بل منه ماهو حق بشهادة الله له كالذي ورد عن بلقيس ملكة سبأ أنها "قالت: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة " فقال تعالى معقبا على قولها :" وكذلك يفعلون "
ـــــــــــــــــــــــــــ
أبــد ع فـي مــواضيـعــك ، وأحســن فـي ردودك ، وقــدم كــل مــا لــديــك ، ولا يغــرك فهمــك ، ولا يهينــك جهــلك ، ولا تنتظــر شكــر أحـــد ، بــل اشكــر الله على هذه النعمــة ، ولله الــف حمــد والــف شكــر -و السلام عليكم-
 
" الترقي من العالي إلى الأعلى "

" الترقي من العالي إلى الأعلى "

ذكر هذه العادة التي هي من عادات القرآن الكريم الإمام البقاعي في تفسيره الفذ " نظم الدرر" عند ‏تفسيرقوله تعالى: " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم إليه ترجعون "سورة ‏البقرة [28] " قال رحمه الله: " ثم إليه ترجعون " فيحشركم بعد طول الوقوف للجزاء من الثواب والعقاب؛ ‏وفي هذا كما قال الحرالي: إعلام بأنهم إن لم يرجعوا إلى الله سبحانه بداعي العلم في الدنيا فبعد مهل من ‏الإحياء الثاني يرجعون إليه قهراً حيث يشاهدون انقطاع أسبابهم ممن تعلقوا به ويتبرأ منهم ما عبدوه من دون ‏الله، وإنما جاء هذا المهل بعد البعث لما يبقى لهم من الطمع في شركائهم حيث يدعونهم فلم يستجيبوا لهم، ‏فحينئذ يضطرهم انقطاع أسبابهم إلى الرجوع إلى الله فيرجعون قسراً وسوقاً فحينئذ يجزيهم بما كسبوا في ‏دنياهم، كما قال تعالى في خطاب يعم كافة أهل الجزاء "واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما ‏كسبت وهم لا يظلمون" ‏
‏[البقرة: 281] وهذا آخر خطاب الإقبال عليهم من دعوة الله لهم ولسان النكيرعليهم، ولذلك كانت آية:‏
واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله [البقرة: 281] آخر آية أنزلت في القرآن، لأنها نهاية ليس وراءه قول يعم أهل ‏الجزاء؛ والرجع عود الشيء عند انتهاء غايته إلى مبدئها - انتهى.‏
ولما أجمل سبحانه في أول هذه الآية أول أمرهم وأوسطه وآخره على الوجه الذي تقدم أنه منبه على أن الكفر ‏ينبغي أن يكون من قبيل الممتنع لما عليه من باهر الأدلة. شرع يفصله على وجه داع لهم إلى جنابه بالامتنان ‏بأنواع الإحسان بأمر أعلى في إفادة المقصود مما قبله على عادة القرآن في الترقي من العالي إلى الأعلى ‏فساق سبحانه ابتداء الخلق الذي هو من أعظم الأدلة على وحدانيته مساق الإنعام على عباده بما فيه من منافعهم ‏ليكون داعياً إلى توحيده من وجهين: ‏
‏-‏كونه دالاً على عظمة مؤثرة وكمال قدرته، ‏
‏-‏وكونه إحساناً إلى عباده ولطفاً بهم، وقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها "(1).
ـــــــــــــــ
(1) ‏نظم الدرر(1/30-31)‏
 
عودة
أعلى