بسم الله الرحمن الرحـيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
تم سؤال الشيخ المقرئ محمَّد علي عثمان ( أبو رفعت ) - حفظه الله - في مدرسة بصائر، عن استخدام مصحف قالون (صيغة الوورد) مع الإشارة في السؤال لما جاء من ملاحظات عن المصحف
أنقل لكم نص السؤال والإجابة، نفعنا الله بها وإياكم أجمعين:
نص السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسن الله إليكم شيخنا الكريم،
س 97 - هل يمكننا استخدام مصحف قالون بصيغة وورد الذي نشر عبر الشابكة؟
هنا بعض المشاركات لأحد الإخوة يقول أن لديه ملاحظات على هذا المصحف
http://vb.tafsir.net/tafsir24710/#.veqjvrbqp4h
بارك الله في علمكم ونفع بكم
ــــــــــــــــــــــــــ
تم إرفاق المصحف مع الخطوط للاطلاع عليه
رابط السؤال:
http://bsa2er.com/vb/showpost.php?p=8918&postcount=275
الرد على السؤال:
إجابة السُّؤال رقم 97 [ خمس صفحات ] :
سيتمٌّ التَّعريف بالمصاحف العثمانيَّة ، وبالرَّسم العثماني ، وسيشار إلى أهمَّ المؤلَّفات في الرَّسم العثماني ، ثمَّ سيجاب على ما جاء بالسُّؤال على ضوء ما سبق . وسأعلَّق على الملاحظات التي أُرفقت مع السُّؤال .
أقول وبالله التَّوفيق :
1- المصاحف العثمانيَّة :
من المعروف أنَّه عندما جُـمع القرآن في عهد سيِّدنا عثمان وتحت إشرافه ، فقد استنسخت ستَّة مصاحف ، أرسل سيِّدنا عثمان من هذه المصاحف السِّتَّة مصحفاً إلى مكَّة ، ومصحفاً إلى الشَّام ، ومصحفاً إلى الكوفة ، ومصحفاً إلى البصرة ، وأبقى في المدينة مصحفين : الأوَّل هو المدنيُّ العامُّ لأهل المدينة ، وهو الذي ينقل عنه نافع ، والآخر احتبسه لنفسه لأنَّه الخليفة ، وهو المدنيُّ الخاصُّ ، وهو الذي ينقل عنه أبو عبيد القاسم بن سلام . وهذا المصحف يقال له : " الإمام " ، ولعلَّ اطلاق هذا الاسم عليه لكونه المصحف الذي نُسِخَ أوَّلاً ، ومنه نُسِخَت المصاحف الأخرى . ولا مانع من إطلاق هذا الاسم على كلٍّ من هذه المصاحف لاقتداء أهل الأمصار بها .
ومن هذه المصاحف كُتبت نسخٌ كثيرةٌ جدّاً لا يعلم عددها إلَّا الله ، وانتشرت في بلاد المسلمين ، تلبيةً لحاجة كلِّ عصرٍ ومجتمعٍ ، ولم يلتزموا النَّقل عن المصاحف العثمانيّة مباشرةً ، بل ربَّـمـا نقلوا عن المصاحف التي نُقلت عنها . وقد نُسخ من هذه المصاحف نسخٌ عديدةٌ تفوق الحصر على مرِّ السِّنين .
و" المصاحف العثمانيَّة " تسميةٌ مجازيَّةٌ ، سُمِّيت كذلك لأنَّها كُتبت في عهد سيِّدنا عثمان ( رضي الله عنه ) وتحت إشرافه .
2- الرَّسم العثماني :
وسُمِّي الرَّسم عثمانيّاً لأنَّه ألزم النَّاس به ، وهو نفس الرَّسم الذي كتب به زيد بن ثابت الصُّحُف الصِّدِّيقيَّة ، وهو نفس الرَّسم الذي كُتب على موادِّ الكتابة بين يدي رسول الله ( صلَّى الله عليه وسلَّم ) . وسيِّدنا عثمان لم يأت بالرَّسم من عنده ، إذ أنَّ الرَّسم توقيفيٌّ ، بل أمر زيداً وصحبه بنسخ – أي تفريغ – ما في الصُّحُف الصِّدِّيقيَّة ، لا أكثر ولا أقلَّ . وقد أصبحت هذه التَّسمية أو النِّسبة من التَّقاليد الثَّابتة والمرعيَّة في المصادر الإسلاميَّة .
والرَّسم العثماني : هو علم تعرف به مخالفات خطِّ المصاحف العثمانيَّة لأصول الرَّسم القياسي : فالأصل في المكتوب أن يكون مطابقاً تمام المطابقة للمنطوق من غير زيادةٍ أو نقصانٍ ، وهذا موجودٌ في الكثير من الألفاظ القرآنية في المصاحف العثمانية . إلَّا أنَّ هذه المصاحف خالفت هذا الأصل ، ففيها حروفٌ كثيرةٌ كُتبت على غير قياسٍ ، إمَّا بنقصانٍ ؛ كحذف الألفات والواوات والياءات ، أو بزيادةٍ ؛ كزيادة ألفٍ أو واوٍ أو ياءٍ ، وإمَّا ببدلٍ ؛ كإبدال واوٍ أو ياءٍ من ألفٍ ، أو إبدال صادٍ من سينٍ ، وإَّما بفصل ما حقُّه الوصل أوعكسه ، أو غير ذلك . وقد حصر العلماء قضايا الرَّسم العثماني ( ويُسمَّى الاصطلاحي ) في ستِّ قواعد ، هي :
الأولى- الحذف .
الثَّانية- الزِّيادة .
الثَّالثة- الهمز .
الرَّابعة- البدل .
الخامسة- القطع والوصل .
السَّادسة- ما فيه قراءتان فكتب على إحداهما .
3- المؤلَّفات في الرَّسم العثماني :
وقد اعتنى علماء المسلمين على مدى العصور المتعاقبة بدراسة المصاحف التي أرسلها سيٌّدنا عثمان إلى الأمصار ، وألَّفوا مؤلَّفاتٍ كثيرةٍ من كتبٍ ومنظوماتٍ ورسائل ، بيَّنوا فيها قضايا الرَّسم العثماني مِـمَّـا خرج عن الرَّسم القياسي ( وقد ذكرناها آنفاً ) . ومن أهمَّ هذه المؤلَّفات ما يلي :
• " المقنع في رسم مصاحف الأمصار " ، صنَّفه الإمام الحافظ الحجَّة أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الدَّاني (371 – 444 هـ) ، وضمَّنه ما تلقَّاه من شيوخه من مرسوم الخطِّ – متَّفقاً عليه ومختلفاً فيه – عن المصحف الإمام الذي حبسه الخليفة عثمان ( رضي الله عنه لنفسه ) ، وعن سائر المصاحف التي انتسخت منه وأرسلت إلى الأمصار . وهذا الكتاب من أجلِّ الكتب وأهمِّها ، إذ اعتمد الناس عليه في كتابة مصاحفهم.
• " عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد " ، وهي قصيدةٌ رائيَّةٌ تقع في (298) بيتاً للإمام ولي الله أبو القاسم بن فِيـرُّهْ الشاطبي (538 – 590 هـ) ، نظم فيها كتاب المقنع المذكور ، ضمَّنها جميع مسائله وزاد عليه أحرفاً . وللقصيدة شروحاتٌ كثيرةٌ .
• " التَّبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان ( الكتاب الكبير ) " ، لأبي داود سليمان بن نجاح الأموي الأندلسي (413 – 496 هـ). وهو من أجلِّ أصحاب أبي عمرو الدَّاني ، وقد أخذ عنه كثيراً .
• " التنزيل في هجاء المصاحف " ، لأبي داود سليمان بن نجاح .
• " مورد الظمآن في رسم أحرف القرآن " ، لأبي عبدالله محمَّد بن محمد بن إبراهيم الشريشي الخراز (ت 718 هـ) ، وهو نظمٌ يقع في (454) بيتاً حوى كلَّ ما ذكره الدَّاني والشَّاطبي وأبو داود من أحكام الرَّسم مِـمَّـا اتَّفقت عليه واختلفت فيه المصاحف على مقتضى قراءة نافع ، ولهذا النظم شروحاتٌ كثيرة .
• " أرجوزة المنصف في هجاء المصاحف " ، لأبي الحسن علي بن محمَّد المرادي البلنسي (564 هـ).
• " إرشاد القراء والكاتبين إلى معرفة رسم الكتاب المبين " ، لأبي عيد رضوان المخلَّلاتي (ت 1311 هـ).
• " سمير الطَّالبين في رسم وضبط الكتاب المبين " ، لنور الدِّين علي بن محمَّد ، الملقَّب بالضَّبَّاع (ت 1380هـ) .
بعد هذه المقدِّمة ، نعود إلى الإجابة عن ما جاء في السُّؤال :
أ- جاء في نهاية المصحف المطبوع في ليبيا برواية قالون تحت عنوان ( رسم المصحف الشَّريف ) ما يلي : " وقد اعتنى علماء المسلمين منذ القدم بهذا الرَّسم ودوَّنوه ، وأفردوا له المؤلَّفات الكثيرة ، ومن هؤلاء العالِـم المتبحِّر المقرئ الشَّيخ أبو عمرو الدَّاني الذي آثرنا أن نرسم هذا المصحف الشَّريف بالوجه الذي اختاره ونُسب إليه ويُعرف به " .
مـمَّـا سبق أن أوردناه في المقدِّمة : فإنَّ اختيار ما نقله الإمام الكبير أبو عمرو الدَّاني في رسم مصحف ليبيا برواية قالون ، لا غُبار عليه ، فكتابه المقنع – كما سبق القول - من أجلِّ الكتب وأهمِّها في الرَّسم القرآني ، وقد اعتمد النَّاس عليه في كتابة مصاحفهم . ويمتاز المقنع عن غيره من كتب الرَّسم بكثرة الإثبات . والإثبات ميزةٌ لأنَّه الأصل ، كما أنَّه يقرِّب المكتوب من الخطِّ القياسي ، وهو يناسب العامَّة أكثر من الحذف .
ب- وجاء في نهاية المصحف المطبوع في المدينة المنوَّرة برواية قالون تحت عنوان ( هذا المصحف الكريم) :" .... وقد روعي في ذلك ( أي في رسمه) ما نقله الشَّيخان أبو عمرو الدَّاني ، وأبو داود سليمان بن نجاح مع ترجيح الثَّاني عند الاختلاف غالباً على ما حقَّقه الأستاذ محمَّد بن محمَّد الأموي الشِّريشي الشِّهير بالخرَّاز في منظومته "مورد الظمأن" ، وقد يؤخذ بما نقله غيرهما كالبلنسي صاحب كتاب المنصف ، وكالشَّيخ الطَّالب عبدالله بن محمَّد الأمين بن فال الجكني في كتابه "المحتوى الجامع رسم الصَّحابة وضبط التابع" ، وغير هذين من العلماء المحقِّقين .
وهذا الاختيار أيضاً لا غُبار عليه ، ولا يجوز الادِّعاء بأنَّه الأنسب ، لِـمـا بيَّناه في الفقرة السَّابقة ، والفقرات التي أوردناها في المقدِّمة .
ج - والضَّابط في طباعة أي مصحفٍ لأيِّ قارئِ أو راوٍ : أن يكون كلُّ حرفٍ من حروف المصحف المطبوع موافقٌ لنظيره في المصاحف العثمانية السِّتَّة التي نسخها الخليفة عثمان بن عفَّان ( رضي الله عنه ) . وهذا الضَّابط مثبتٌ في نهاية كلِّ مصاحف المدينة المنوَّرة المطبوعة في مجمَّع الملك فهد ، وهو ضابطٌ وضعه العلماء الذين هم أهل الذِّكر في طباعة المصاحف ، وهو قولٌ يُغني عن كلِّ قول ، ولا يُلتفت لقول مَن سواهم من غير العلماء .
وفي الردِّ على بعض الملاحظات المرفقة مع السَّؤال أقول :
أوَّلًا : حذف الألفات في بعض الكلمات :
ومنها (ميثاق) نحو : (وإذ أخذنا ميثاقكم) ، (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب) ، و(الأيمان) نحو : (بما عقدتم الأيمان) ، (والذين عاقدت أيمانكم) ، و(الأعمال) نحو : (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) ، و(العدوان) نحو : (فلا تتناجوا بالإثم والعدوان) ، كلُّ هذه الكلمات ألفاتها محذوفة وهي ثابتة في خط مصحف سيمانور وهم في ذلك تبعوا مصحف الجماهيرية المطبوع برواية قالون والرَّسم على ما اختاره الإمام الداني ، وهذه الكلمات رسمت جميعا بحذف الألف في مصحف مجمع الملك فهد المطبوع برواية الإمام قالون مع ترجيح رسم الإمام أبوداوود عند الاختلاف [يراجع تعريف المصحف المذكور] .
التَّعليق : أن تكون هذه الكلمات ، وكثيرٌ غيرها ، ثابتة في مصحف ليبيا فلا ضير في ذلك ، ولا مجال للاستدراك عليه . وقد أجبتُ على ذلك في سياقٍ سابق [ انظر الفقرة أ ] .
ثانيًا : حذف الألفات في بعض الكلمات التي فيها قراءات :
ومن ذلك قوله تعالى : (ويتناجون ) في سورة المجادلة. فهذه الألف حقُّها الحذف لتحتمل قراءة حمزة ورويس (وينتجون) وهي ثابتة هنا . ومن ذلك قوله تعالى : (فلا تتناجوا) أيضا حقُّها الحذف لتحتمل قرءاة رويس (فلا تنتجوا) وهي ثابتة الألف كذلك . ومن ذلك أيضا قوله تعالى: (من تفاوت) في الملك فقد رسموه بإثبات الألف وحقُه الحذف ليحتمل قراءة حمزة والكسائي (تفوّت) .
التَّعليق : هذه حججٌ واهيةٌ ؛ لأنَّ قراءة هؤلاء المذكورين لا تُؤخد من مصحف قالون ، بل يُرسم لهم من مصاحف بلديهما ، فيرسم لحمزة والكسائي بموجب ما جاء في المصحف الكوفي وبما يوافق قراءته ، ويرسم لرويس بموجب المصحف البصري وبما يوافق روايته . وقراءة كلِّ قارئ معروفةٌ ومدوَّنة في السُّطور في المراجع الأمَّهات من كتب ومنظومات ، ومحفوظة في صدور القرَّاء على مدى العصور . ولا يُشترط ، ويستحيل أن يُشترط ، أن تؤخذ قراءة أيَّ قارئ أو راوٍ إلَّا من مصحفه ، لا من مصحف غيره .
وهنا تعليق على ما جاء على الكلمات : (ويتناجون ) ، (فلا تتناجوا) ، (من تفاوت) من أنَّ حقَّها الحذف ، فهذا الكلام مردودٌ ، لأنَّ هذه الكلمات مختلفٌ في رسمها : فهي ثابتة الألف عند أبي عمرو ، ومحذوفة الألف عند أبي داود ، وما جاء الاختلاف في رسم ألفه قاطعاً ؛ أي محذوفٌ كلُّه عند أبي داود ، وثابتٌ كلُّه عند أبي عمرو ، فلا يُقال فيه : من حقِّه الحذف ، ولا يقال فيه : من حقِّه الإثبات ، بل يقال : مختلفٌ فيه . أمَّا ما اتَّفق الشَّيخان أبو عمرو وأبو داود على حذفه ، فيقال : من حقِّه الحذف ، مثل : كلمة ( ملك ) في الفاتحة ، فألفها محذوفةٌ عند الشَّيخين وفي كلِّ المصاحف العثمانيَّة . وما اتَّفق الشَّيخان أبو عمرو وأبو داود على إثباته ، فيقال : من حقِّه الإثبات ، مثل كلمة : (عذاب ) ، فألفها ثابتةٌ عند الشَّيخين وفي كلِّ المصاحف العثمانيَّة .
ثالثًا : هاء التأنيث :
قوله تعالى : (وتمت كلمت ربك الحسنى) في سورة الأعراف ، رسموها بالتاء وحقها أن ترسم بالهاء على مذهب المغاربة ، وقد وقع خلاف في رسمها بالتاء والهاء ، رجح صاحب التنزيل رسمها بالتاء وذكر الإمام الداني الوجهين مستويين، واقتصر الشاطبي على رسمها بالتاء ، وجرى العمل عند المغاربة على رسمها بالهاء (كلمة) كما ذكر ذلك صاحب دليل الحيران الإمام المارغيني ، وعليه مصحف قالون وورش المطبوع في مجمع الملك فهد، وعمل المشارقة على رسمها بالتاء. ورأيت في مصحف الجماهيرية رسمها بالتاء (كلمت).
التَّعليق :
ما المشكلة هنا ؟ ولماذا هذا الجزم بأنَّ من حقَّها أن تُرسم بالهاء على مذهب المغاربة ؟ وقد نُقل الاختلاف في رسم هذه الكلمة ؟
لنقرأ ما قاله العلماء فيها :
1- قال العلامة الشيخ رضوان المخللاتي في : " إرشاد القرَّاء والكاتبين إلى معرفة رسم الكتاب المبين " عن هذه الكلمة : بالهاء على الرَّاجح عند أبي داود , وبالهاء والتَّاء عند الدَّاني , واتفق العشرة على قراءتها بالإفراد .
2- وقال العلَّامة علي الضَّبَّاع في " سمير الطَّالبين " : "وذكر الشَّيخان خلافًا في ( كلمت ربِّك الحسنى ) بالأعراف [137] ، واعتمد ابن الجزري التَّاء كرسمه في مصاحف العراق , وأبو داود الهاء , وهو رواية الغازي , ونقله مُعلَّى عن عاصم .
3- وقال الضَّبَّاع : وجرى العمل عليه في المصحف المصري ( يقصد المصحف الأميري المعروف في طبعته الأولى ) تبعًا لأبي داود والمغاربة ، وكان الأَوْلى رسمه فيه بالتَّاء ؛ لضبطه على رواية حفصٍ الكوفيِّ لأنَّه عراقيٌّ " اهـ.
4- وجاء في تعليق الشَّيخ الضَّبَّاع على الطَّبعة الثانية من هذا المصحف : " كُتب في الطبعة الأولى لفظةُ : ( وتـمَّت كلمة ربِّك الحسنى ) في آية [ 137 ] من سورة الأعراف بتاءٍ مربوطةٍ , وحقُّه أن يكتب بتاء مفتوحه هكذا : ( كلمت ) ، ولذا أجمعت الطُّرق عن حفصٍ على الوقف عليها بالتَّاء مراعاة لرسمها ) اهـ .
5- قلت : قول الشَّيخ الضَّبَّاع : وحقُّه أن يكتب بتاءٍ مفتوحةٍ ، لأنَّه يتكلَّم عن رواية حفص ، وحفصٌ كوفيٌّ ، والمصاحف العثمانيَّة العراقيَّة رُسمت فيه ( كلمت ربِّك ) بالتَّاء المفتوحة بلا خلافٍ ، أي في الكوفي والبصري ، فلذلك فإنَّ قوله هنا : ( وحقُّه ) لا يستدرك عليه ، لأنَّه لا خلاف فيه ، بعكس ما سبق أن علَّقتُ عليه عند الحديث عن إثبات وحذف الألف في بعض الكلمات ، فتأمَّل !
ويقف عليها حفص بالتَّاء كبقيَّة الكوفيِّين ، ما عدا الكسائي الذي يقف عليها بالهاء ، رغم أنَّها في مصحف بلده بالتَّاء ، كما يقف ابن كثير وأبو عمرو بالهاء على الكلمات المكتوبة بالتَّاء ، وكم للقراءات ، وللرَّسم القرآني من أسرارٍ وأنوارٍ .
6- وقد أشار الدُّكتور أحمد شرشال إلى الجمع بين المذهبين المذكورين آنفاً بقوله : ( ويمكن الجمع والأخذ بالقولين : فيُرسم بالتَّاء للكوفيِّين لأنَّ مصاحف أهل العراق اتَّفقت على رسمه بالتَّاء , موافقةً لأصولهم العتيقة , ويُرسم بالهاء لغيرهم اتِّباعاً لمصاحف أهل المدينة , كما رواه عاصم الجحدري ورسمه الغازي بن قيس . اهـ.
ملحوظة : تعليقات الشيخ الضَّبَّاع ، وقول الدُّكتور أحمد شرشال مأخوذةٌ باختصارٍ من : " سفير العالمين في إيضاح وتحرير وتحبير سمير الطَّالبين في رسم وضبط الكتاب المبين " للدكتور أشرف محمَّد طلعت .
7- إذن فهذه الكلمة تكلَّم فيها العلماء ، وكلامهم يعرفه المختصُّون ، ولا فائدةً من إثارتها كأنَّها مشكلةٌ مستعصيةٌ تمَّ اكتشافها ، بل يُترك الأمر للمختصِّين ، علماً بأنَّ مصحف ليبيا المطبوع برواية قالون أخذ بخيار الدَّاني في رسم الكلمة بالتَّاء المفتوحة ، وهو خيارٌ اعتمده ابن الجزري في المقدِّمة الجزريَّة ، وقد بيَّنا في الفقرة ( أ ) المقام الرَّفيع للدَّاني ولكتابه " المقنع " .
وفي الختام : علم الرَّسم القرآني يختصُّ بكتاب الله ، وهو دقيق المسالك ، وقضاياه لا تهمُّ الكثيرين ، والكتابة فيها في المنابر العامَّة قد تُسبِّب بلبلةً لدى القارئ ، ويجب أن نبتعد عن الجدال في هذا الموضوع لدقَّته وخصوصيَّته .
وكتبه،
الشيخ محمَّد علي عثمان ( أبو رفعت )
الرابط وبه الرد مرفقا لمن أراد تحميله:
http://bsa2er.com/vb/showpost.php?p=8953&postcount=279