جمال الدين القاسمي وكتابه محاسن التأويل
جمال الدين القاسمي وكتابه محاسن التأويل
تعريف بالمؤلف
المؤلف هو محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم القاسمي الشامي الحسني. ولد في دمشق في جمادى الأولى سنة 1283هـ وتوفي في دمشق في جمادى الأولى سنة 1332هـ . أي أنه عاش تسعة وأربعين عاماً وما بلغ الخمسين عاماً! بينما بلغت مؤلفاته وأعماله أكثر من مائة كتاب ورسالة. فيالها من حياة مليئة بالعمل والعلم والجهاد والإصلاح والتأليف والتصنيف!
كان رحمه الله إماماً وخطيباً في دمشق ، وكان يلقي عدة دروس في اليوم الواحد ، للعامة والخاصة ، ويشارك في الحياة الاجتماعية ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويقوم بواجبه في الدعوة والإصلاح ، والنصح والتذكير ، والنقاش والحوار ، ومواجهة البدع والخرافات ، والانحرافات والضلالات. وكان يلقبه محمد رشيد رضا بعلامة الشام.
من أشهر كتبه المطبوعة : تفسيره محاسن التأويل وسيأتي الحديث عنه ، وقواعد التحديث في مصطلح الحديث وهو نفيس ، وإصلاح المساجد من البدع والعوائد ، وتاريخ الجهمية والمعتزلة ، وغيرها. وقد صدرت عنه عدة دراسات من آخرها ما كتبه الدكتور نزار أباظة بعنوان (جمال الدين القاسمي). وقد صدر عام 1417هـ.
تفسيره محاسن التأويل
ابتدأ القاسمي تفسيره في صدر شبابه حيث بدأ في تأليفه في شوال سنة 1316هـ ، وهو في الثالثة والثلاثين من عمره ، وراجعه سنة 1329هـ قبل وفاته بثلاث سنوات.
ويقع تفسيره في سبعة مجلدات كبار ، والطبعة القديمة منه تقع في سبعة عشر مجلداً ، وعدد صفحاتهها 6316 صفحة من غير المقدمة ، وقد استغرقت المقدمة منها الجزء الأول كاملاً ، بينما استغرقت المقدمة من الطبعة التي أملكها 200 صفحة من القطع الكبير.
وقد سبق القاسميَّ إلى تفسير القرآن في زمنه الشيخ الألوسي في روح البيان ومحمد رشيد رضا وشيخه محمد عبده في تفسير المنار وطنطاوي جوهري في الجواهر ، وفي هذا المحيط المتنوع لكتب التفسير بدأ القاسمي في تأليف تفسيره.
والحق أن القاسمي قرأ كثيراً في كتب السابقين ، ونقل الكثير في تفسيره ، حتى إن كثيراً من الآيات جاء شرحها معزواً إلى غيره – وتلك أمانة – دون أن يشترك بتعقيب كاشف ، ولكنه تمتع بميزة حسنة ، هي البعد عن مسائل النحو والبلاغة ، ونظريات الفلسفة والمنطق ، مما نجده لدى أمثال الزمخشري والفخر الرازي ، وصحيح أن أي تفسير لا يمكن أن يستغني عن شذور من مسائل النحو والبلاغة والمنطق ، إذا أعوز المقام تلك الشذور ، وقد جاء القاسمي بها في مناسبتها الملحَّة ، ولكن الإكثار منها كما في تفسير البحر المحيط للغرناطي ، وتفسير الكشاف للزمخشري ، ومن نحا منحاهما تضخم يكاد يكون ورماً ، وقد خلص منه تفسير محاسن التأويل.
وقد افتتح التفسير بمقدمة حافلة ، تتحدث في إسهاب عن أمور جوهرية تتعلق بعلم التفسير ، إذ تتضمن الحديث عن معرفة أسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، وقصص الأنبياء ، وشيوع الإسرائيليات بها ، وجريان القرآن على اللسان العربي ، ومعنى التفسير الباطن والتفسير الظاهر ، وأيهما أصح وأسلم ، والسنة المطهرة ومنزلتها من تفسير القرآن ، والمكي والمدني في كتاب الله ، والاعتدال في التفسير بالمأثور والرأي ، وأسرار التكرار في القرآن ، والأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ومسائل أخرى غاية في الأهمية.وهي مقدمة جديرة بالدراسة والفهم .
وأحسن طبعات (محاسن التأويل) تلك التي أشرف عليها الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي رحمه الله ، حيث صحح التفسير ورقمه ، وخرج آياته وأحاديثه وعلق عليه. وقد صدرت طبعته الأولى بين عامي 1376-1377هـ من دار إحياء الكتب العربية ، ثم تتابعت الطبعات بعد ذلك .
وقد تحدث القاسمي عن صلته بالقرآن وتفسيره ، فقال :(وإني وإن كنت حركت الهمة إلى تحصيل ما فيه من الفنون ، والاكتحال بإثمد مطالبه لتنوير العيون ، فأكببت على النظر فيه ، وشغفت بتدبر لآلي عقوده ودراريه ، وتصفحت ما قدر لي من تفاسير السابقين ، وتعرفت – حين درست – ما تخللها من الغث والسمين – ورايت كلاً – بقدر وسعه – حام حول مقاصده ، وبمقدار طاقته جال في ميدان دلائله وشواهده.
وبعد أن صرفت في الكشف عن حقائقه شطراً من عمري ، ووقفت على الفحص عن دقائقه قدراً من دهري ، أردت أن أنخرط في سلك مفسريه الأكابر ، قبل أن تبلى السرائر ، وتفنى العناصر ، وأكون بخدمته موسوماً، وفي حملته منظوماً..فشحذت كليل العزم ، وأيقظت نائم الهم... واستخرت الله تعالى في تقرير قواعده ، وتفسير مقاصده ، في كتاب اسمه بعون الجليل :(محاسن التأويل). أودعه ما صفا من التحقيقات ، وأوشحه بمباحث هي المهمات ، وأوضح فيه خزائن الأسرار ، وأنقد فيه نتائج الأفكار ، وأسوق إليه فوائد التقطتها من تفاسير السلف الغابر ، وفرائد عثرت عليها في غضون الدفاتر ، وزوائد استنبطتها بفكري القاصر ، مما قادني الدليل إليه ، وقوى اعتمادي عليه.
وسيحمد السابح في لججه ، والسانح في حججه ، ما أودعته من نفائسه الغريبة البرهان ، وأوردته من أحاديثه الصحاح والحسان ، وبدائعه الباهرة للأذهان... فإنها لب اللباب ، ومهتدى أولي الألباب ! ولم أطل ذيول الأبحاث بغرائب التدقيقات بل اخترت حسن الإيجاز في حل المشكلات... ولا يخفى أن من القضايا المسلمة ، والمقدمات الضرورية ، أنه مهما تأنق الخبير في تحرير دقائقه السنية ، فما هو إلا كالشرح لشذرة من معانيه الظاهرة ، وكالكشف للمعة يسيرة من أنواره الباهرة ، إذ لا قدرة لأحد على استيفاء جميع ما اشتمل عليه الكتاب ، وما تضمنه من لب اللباب ، لأنه منطو على أسرار مصونة ، وجواهر حكم مكنونة ، لا يكشفها بالتحقيق إلا من اجتباه مولاه ، ولا تتبين حقائقها إلا بالتلقي عن خيرته ومصطفاه.
وكان شروعي في هذه النية الحميدة ، بعد استخارته تعالى أياماً عديدة ، في العشر الأول من شوال في الحول السادس عشر بعد الثلاثمئة وألف).
والقاسمي رحمه الله كثيراً ما ينقل نقولاً طويلة عن علماء السلف كالإمام أحمد بن حنبل وابن جرير الطبري وابن تيمية وابن القيم وابن كثير والعز بن عبدالسلام والشاطبي وابن حزم والقرطبي وغيرهم. والحق أن النقول في كتابه قد زادت زيادة كانت مصدر العجب ، بحيث لو طار كل نص إلى أصله ما يكاد يبقى شيء للقاسمي غير تعليقات ضئيلة ، ولكن الزمن الذي ظهر فيه الكتاب أول مرة كان في حاجة إلى تلك النقول ، لتعذر مصادرها على الكثير ، وبدراسة أمثال هذه النقول الشافية نجد أنها لم تسق جزافاً ، وإنما خضعت لفحص وتأمل واستيعاب ، ثم ترجيح واختيار ، فالقارئ المتعجل يظن المفسر قد نقل ما أمامه دون جهد كبير ، وهذا عمل قل من يحسنه كالقاسمي رحمه الله.
ثم إن الكتاب قد ألف في أوائل القرن الماضي ، أيام كانت هذه البحوث جديدة طريفة يتقبلها القارئ باشتياق ، ولكن مُضيَّ قرنٍ عليها ، أتاح لطلاب الدراسات العليا في كليات الشريعة وأصول الدين أن يبدعو الرسائل العلمية الشافية ، وأن يبرزوا في هذا الحقل ما يروق القارئ المعاصر ، ومحاولة المقارنة بينهم وبين صنيع القاسمي محاولة ظالمة ، لأن الرجل رائد يسير الخطوات الأولى في طريق غير ممهد ، وقد مضت عقود متوالية في مضمار البحث القرآني حتى اعتدل السير ، واستقام الطريق ، وهنا يحفظ للرائد مكان الريادة ، ولا نطالبه بما نطالب به اللاحق من ابتكار وتجويد. وهو يحرص على أن يستشهد بالصحيح والحسن من الأحاديث في تفسيره. وفي اللغة يرجع إلى كتب اللغة كالقاموس والصحاح وغيرهما .
منهجه في مسائل الاعتقاد
كان القاسمي رحمه الله سلفي المنهج على منهج أهل السنة والجماعة ، فهو من أتباع شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأئمة السلف من قبل هؤلاء ومن بعدهم. وقد تعرض لمضايقات كثيرة بسبب هذا المنهج فاتهم بالوهابية – نسبة خاطئة إلى الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله – وحقق معه ، واتهم بتسفيه آراء الأئمة المتقدمين من أصحاب المذاهب ، ثم خرج بعد ذلك من تلك المحن وهو أقوى ما يكون حجة ، وأصلب عوداً. والقارئ في تفسيره يرى منهج السلف ظاهراً ، فهو يكثر النقل عن علماء السلف ، ويورد حججهم وأدلتهم ، وردودهم على شبه الخصوم ، مما يؤكد أن المؤلف رحمه الله كان يجعل همه كل همه الإصلاح ليس إلا ، وإنما يورد هذه النصوص ليلجم بها الخصوم ، فإنهم إن استطاعوا جدلاً رد أقواله ، صعب عليهم إبطال أقوال علماء بهم يقتدون ، وبعلمهم يعترفون فكانت حجتهم لهم غالبة.
وهو في أحيان كثيرة لا يزيد في تفسير الآية على نقل كلام السلف فيها ، وانظر مثلاً لذلك تفسيره لقوله تعالى :(ثم استوى على العرش) فقد استغرق منه تفسير هذه الآية 47 صفحة أغلبها نقول عن السلف ، وهو إنما يربط كلامهم بعضه ببعض.
وقد أكد في مقدمة تفسيره أن الصواب في آيات الصفات هو مذهب السلف ، أورد فيه نقولاً لبعض العلماء في إثبات ذلك.
خلاصة الجواب للأخ منتقى
تفسير محاسن التأويل للقاسمي من أنفس كتب التفسير ، وقد أتى فيه بدرر ونفائس ، ولكنه لا يصلح للقارئ المبتدي لأنه طويل النفس جداً ، وأكثره نقول كما تقدم عن السابقين ، ويحتاج في فهمه إلى صبر وأناة ، والمبتدئ يفتقر في الغالب إلى تلك الصفات ، وإنما يهمه في المرحلة الأولى فهم الغريب من الألفاظ والتراكيب وبعض المقدمات الضرورية ، ولذلك فإنني أنصحك يا أخ منتقى أن تراجع ما كتبه الأخ أبو مجاهد وفقه الله في هذا الملتقى حول الكتب التي يحسن بطالب علم التفسير أن يبتدأ بها ويتدرج في فهمها حتى ينال حظاً وافراً من فهم القرآن الكريم ، وتجد كلامه على هذا الرابط:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=26 ويمكننا النقاش حول هذا إن بدا لك سؤال ، أو كان ثمة إشكال ، وما أسعدنا بمشاركة الإخوة حول هذا الموضوع ، فما كتبته لا يعدو كونه اجتهاداً . وفق الله الجميع للحق والسداد ، والله أعلم