امصنصف كريم
Active member
- إنضم
- 12/08/2016
- المشاركات
- 171
- مستوى التفاعل
- 35
- النقاط
- 28
- العمر
- 45
- الإقامة
- المغرب
- الموقع الالكتروني
- sites.google.com
- ضوابط التفسير العلمي للقرآن
القرآن الكريم يدعونا للنظر، ويرشدنا أين ننظر، قال سبحانه وتعالى :﴿أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء﴾ [الأعراف - 158[، وقال عز وجل: ﴿قل سيروا في الأرض فانظر كيف بدأ الخلق﴾ [العنكبوت - 20]. وقال تعالى: ﴿أولم يتفكروا في أنفسهم﴾ [الروم - 8]. وقال: ﴿فلينظر الإنسان مما خلق﴾ [الطارق - 5]. وقال: ﴿وآنظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما﴾ [البقرة - 259].
والمراد بالنظر التفكر، والتفكر في القرآن نوعان:
النوع الأول: تفكر فيه ليقع على مراد الرب تعالى منه.
والنوع الثاني :تفكر في معاني ما دعا عباده إلى التفكر فيه.
فالأول تفكر في الدليل القرآني وفي آياته المسموعة.
والثاني تفكير في الدليل العياني وفي آياته المشهودة.
فالفكر هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منها معرفة ثالثة.
والتفكر يفيد تكثير العلم واستجلاب ما ليس حاصلا عند القلب.
فالنظر والتفكر في الآيات البينات يرتقي بنا من السماع إلى العيان، ومن المشاهدة إلى الشهود، ومن الإيجاز إلى الإعجاز، ومن العلم إلى العمل.
فالله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى وإن لكل اسم منها أثر من الآثار في الخلق والأمر.
فالمخلوقات مرآة لأسماء وصفات الخالق.. وقال الشاعر فيما معناه أن في كل مخلوق دليل على خالقه:
تأمل سطور الكائنات فإنها*** إلى الملإ الأعلى إليك رسائل
وقد خط فيها لو تأملت خطها *** ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وأنشد آخر وهو ابن المعتز قائلا:
فوا عجبا كيف يعص الإله *** أم كيف يجحده جاحد
والله في كل تحريكة *** وتسكينة أبدا شاهد
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
وأنشد ابن أبي الدنيا في كتابه التفكر والاعتبار عن شيخه أبي جعفر القرشي قائلا:
وإذا نظرت تريد معتبرا *** فانظر إليك ففيك معتبر
وقال أعرابي: «البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير. فالسماء ذات أبراج، والأرض ذات فجاج، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير».
وقال قس بن ساعدة (ت 200 هـ): «إن في السماء لخبر وإن في الأرض لعبر».
فمع احتشاد الآيات البينات الشواهد على الخالق، كما تعرضها مجاهيل هذا الكون المشهود، وكما تعرضها مجاهيل ذلك الغيب المكنون، ومع امتلاء صفحات الوجود الحافلة بدلائل وجود الله؛ في كتاب الكون المفتوح، في المجال الكوني العريض، وفي كتاب النفس المكنون، في المجال الإنساني العميق. ومع هبة العقل الذي يملك أن يحصي الشواهد ويستنبط النتائج، ومع نور القرآن الذي تتجلى تحت أشعته حقائق الأشياء واضحة، تتجلى وحدانية الخالق، إذ العلم يهدي للإيمان.
فالتفسير العلمي للقرآن الكريم جمع بين قراءتين؛ قراءة كتاب الوحي المسطور، إذ التفسير يبحث في القرآن كلام الله، وقراءة كتاب الكون المنظور، إذ العلم يبحث في الكون عمل الله، ولا تعارض بين الحقيقة القرآنية كلام الله، والحقيقة الكونية عمل الله.
ولذلك فالاستدلال على الخالق بخلق الإنسان في غاية الحسن والاستقامة وهي طريقة عقلية صحيحة، وهي شرعية دل القرآن عليها وهدى الناس إليها وبينها وأرشد إليها كما قال ابن تيمية في كتابه النبوات.
إن القرآن في رأي ابن تيمية لا يستخدم أبدا فكرة الإمكان الذهني المجردة في إثبات عقائده، وإنما يستخدم الإمكان الخارجي.
"فلا يلام المفسر إذا أتى بشيء من تفاريع العلوم مما له خدمة للمقاصد القرآنية، وله مزيد تعلق بالأمور الإسلامية"[1].
كأن "يجلب المسائل ويبسطها لمناسبة بينها وبين المعنى؛ فإن بعض مسائل العلوم قد تكون أشد تعلقا بتفسير أي القرآن"[2].
أما بعد؛ يستدعي موضوع الدعوة إلى تأسيس علم التفسير العلمي للقرآن الكريم وعلم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، التساؤل عن مدى توفرهما على المكونات التي تشكل علمًا ما من العلوم وتمنحه استقلاليته، تلك المكونات التي تؤول إلى وضوح العناصر الثلاثة الآتية:
أولا: الموضوع.
وثانيا: الهدف.
وثالثا: المنهج.
إن هذه المكونات الثلاثة هي ما يتعرض له مؤرخوا العلوم في تعريفاتهم لها.
ومن المقرر علميًا أن طبيعة الموضوع تحدد طبيعة المنهج، فإن اتضح موضوع هذا العلم فتلك ولا شك خطوة ضرورية في تبين منهجيته.
وإنه دون منهج الذي هو ثمرة العقل المرتب فليس ثمة طريق يوصل إلى الأهداف مهما بذل من جهد وقدم من عطاء.
المبحث الأول: موضوعهما
إن من أكثر الأسباب التي أدت إلى تباين المواقف حول التفسير العلمي قبولاً أو ردًّا الخلط بينه وبين الإعجاز العلمي -لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره-، حتى في أوساط بعض المتخصصين في هذا المجال، بل إن منهم من يراهما شيئًا واحدًا.تعريف التفسير العلمي للقرآن
يقصد به استخدام المعارف العلمية الحديثة حقائقا أو ما ترجحت صحته من النظريات والفرضيات للاستئناس بها في الكشف عن معاني القرآن والتوسع في بيان دلالاته.تعريف الإعجاز العلمي في القرآن
يقصد به ربط إخبار القرآن الكريم بحقائق أثبتها العلم التجريبي الحديث، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول الأمي r؛ للاحتجاج بها على صدق النبي r في دعوى الرسالة وهدى للعالمين.فوجه الإعجاز العلمي في القرآن يتركب من ثلاثة عناصر:
أولا الزمن المتقدم، وثانيا الرسول الأمي r، وثالثا الكشف العلمي المتأخر.
الفرق بينهما
- التفسير العلمي للقرآن أعم، والإعجاز العلمي في القرآن أخص.- التفسير العلمي للقرآن مجاله فسيح، والإعجاز العلمي في القرآن مجاله ضيق.
- التفسير العلمي للقرآن مطلق، أما الإعجاز العلمي في القرآن فمقيد بالقطعي.
حجيتهما
تأصيل التفسير العلمي للقرآن والإعجاز العلمي في القرآن انطلاقا من القواعد الأصولية الآتية:- ق: الوسائل لها حكم مقاصدها.
- ق: التابع تابع.
- التفسير العلمي للقرآن وسيلة لزيادة الإيمان، وهو أيضًا تابع للتفسير البياني الموضوعي.
- الإعجاز العلمي في القرآن وسيلة لزيادة الإيمان، وهو كذلك تابع للإعجاز البياني.
حكمهما
التفسير العلمي والإعجاز العلمي من الضرورات العصرية، والضرورات تقدر بقدرها، فكل ما تجاوز عن حده انعكس إلى ضده، ولذا فحكمهما الجواز إن تمت مراعاة ضوابطهما.أقوال المعارضين لهما وأدلتهم:
1- "إن القرآن كتاب هداية، وإن الله لم ينزله ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعارف.
2- إن التفسير العلمي للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير.
3- إن التفسير العلمي للقرآن يحمل أصحابه والمغرمين به على التأويل المتكلف الذي يتنافى مع الإعجاز، ولا يسيغه الذوق السليم.
4- ثم يقولون: إن هناك دليلاً واضحاً من القرآن على أن القرآن ليس كتابا يريد الله به شرح حقائق الكون، وهذا الدليل هو ما روي عن معاذ أنه قال: "يا رسول الله إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة. فما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير، ثم ينقص حتى يعود كما كان. فأنزل الله هذه الآية: ﴿ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...﴾(البقرة:189)".
ولكن هل تكفي هذه الحجج لرفض التفسير العلمي؟
1- التفسير العلمي أحد طرق الهداية.
2- أما الاستدلال بما ورد في سبب نزول الآية: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ فهو بحاجة إلى أن يثبت، وإلا فهو معارض بما رواه الطبري في تفسيره عن قتادة في هذه الآية: قالوا سألوا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون ﴿هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...﴾ فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نسائهم، ومحل دينهم في أشياء، والله أعلم بما يصلح خلقه.
وروي عن الربيع وابن جريج مثل ذلك. ففي هذه الروايات التي ساقها الطبري، أن السؤال هو: لم جعلت هذه الأهلة؟ وليس السؤال ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص؟ ولذلك فإنه لا دليل في الآية على إبعاد التفسير العلمي.
وفي حين قصر بعض الباحثين الإعجاز القرآني على وجه واحد هو الإعجاز البياني اللغوي دون سواه بدعوى أن معارف الناس وقت نزول القرآن لم تدرك ما تم اكتشافه فيما بعد من العلوم الكونية والطبيعية، فكيف يسوغ حينئذٍ أن يتحدوا بما لا يملكون آلته والوسيلة إلى بلوغه إلا أن الصواب أن الله تحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثل القرآن في جميع جوانب الإعجاز فيه: الإعجاز البياني، والتاريخي، والإخباري، والتشريعي، والتربوي، والعلمي التجريبي؛ وفي كل عصر يبرز جانب من جوانب الإعجاز القرآني تبعًا لاهتمامات الناس ومعارفهم.
ولو سلمنا جدلا بقصر الإعجاز على الجانب البياني اللغوي، فكم هي نسبة الذين يتذوقون اللغة ويدركون أسرار البيان فيها اليوم بالنسبة للناطقين بالعربية؟ وكم هي نسبة العرب إلى غير العرب من المسلمين اليوم؟ بل وكم هي نسبتهم بالنسبة إلى أهل الأرض جميعًا الذين تحداهم الله تبارك وتعالى بالقرآن؟
بل إن بعض الباحثين يتحفظ على مصطلح الإعجاز العلمي، ويرى استبداله منعًا للخلط واللبس بمصطلح: دلائل صدق القرآن.
ولا يشغب على هذا البيان ما يشترطه الأشاعرة في المعجزة من ضرورة وقوع التحدي بها، حيث قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهم يقولون: المعجزة هي الخارق المقرون بالتحدي بالمثل وعدم المعارضة"(النبوات لابن تيمية).
فإن القرآن من بين سائر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم قد انفرد بكونه متحديًّا به.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وسائر المعجزات لم يُتحدّ بها، وليس فيما نقل تحدٍ إلا بالقرآن"(النبوات لابن تيمية)، وقال في موضع آخر: "بل لم يُنقل عنه صلى الله عليه وسلم التحدي إلا في القرآن خاصة"(النبوات لابن تيمية)"[3].
المبحث الثاني: منهجهما
ضوابط التفسير العلمي للقرآن الكريم
أولا: التقيد بضوابط التفسير كما حددها علماؤه.- تفسير القرآن بالقرآن، مع مراعاة السياق الدلالي للنصوص، إذ من خصائص الوحي الدلالية؛ أنه وحدة متكاملة يفسر بعضه بعضًا، ومن قواعد التوحيد أن القرآن مصدر الأدلة النقلية والعقلية؛ لقوله I: ﴿إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ﴾ [القيامة: 19]، وقوله I: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ [النساء: 59].
- تفسير القرآن بالحديث؛ مع الحذر من الموضوع والخرافات الإسرائيلية، لقوله I: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ٤﴾ [النجم: 3-4]، وقوله I: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ٤٤﴾ [النحل: 44].
- تفسير القرآن بأقوال السلف الصالح _رضوان الله عليهم_ من الصحابة والتابعين، مع التثبت من صحة نسبتها إليهم، فمن قواعد التوحيد اتباع السلف الصالح في تفسير النصوص.
- تفسير القرآن بجهود العلماء الكبار في هذا المجال؛ لقوله I: ﴿فَسَۡٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ٤٣﴾ [النحل: 43]، وقوله I: ﴿فَسَۡٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا٥٩﴾ [الفرقان: 59]، وقوله عز وجل: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ١٤﴾ [فاطر: 14].
- وينبغي تجنب اتهام الأمة كلها بالجهل في فهمها للآيات الكونية في الماضي.
- تفسير القرآن بمطلق اللغة، مع ضرورة تتبع موارد الكلمات في القرآن، ومراعاة السياق في تحديد معانيها، ومع رعاية مدلول الكلمة في عصر نزول القرآن.
ومع اعتبار أن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، فالظاهر لا يخرج عنه إلا ببيان، ولا تأويل إلا بدليل.
فمن خصائص الوحي الدلالية؛ أنه عربي لا يفهم إلا بالعربية، لقوله I: ﴿كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ٣﴾ [فصلت: 3].
ثانيًا: تفسير القرآن علميًا، لقوله I: ﴿قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ٩٧﴾ [الأنعام: 97]، ولقوله: ﴿يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ٥﴾ [يونس: 5]، وقوله عز وجل: ﴿بَلۡ هُوَ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَۚ وَمَا يَجۡحَدُ بَِٔايَٰتِنَآ إِلَّا ٱلظَّٰلِمُونَ٤٩﴾ [العنكبوت: 49].
- يفسر القرآن بالمعارف العلمية حقائق ونظريات، لأن بطلان الدليل لا يؤذن ببطلان المدلول، كما لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، فالظن الغالب ينزل منزلة التحقيق. ومن خصائص الوحي الدلالية؛ أنه لا يعارض العقل السليم؛ لقوله I: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا٨٢﴾ [النساء: 82].
- وينبغي الحذر من توظيف ما يخالف ما قرره القرآن والعلم، فمن قواعد التوحيد موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، فلا عبرة بالظن البين خطأه؛ لقوله I: ﴿وَمَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّۖ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡٔٗا٢٨﴾ [النجم: 28]، وكذلك الفرضيات التي لا أساس لها من الصحة، لقوله I: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ﴾ [الحجرات: 6].
- مع تجنب التكلف في حمل آيات القرآن على الحقائق العلمية، وإنما يعتبر التفسير العلمي وجهًا من وجوه المعاني التي تحتملها الآية المفسرة، لا أنه المعنى المراد وحده فقط، لقوله I: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا٨٥﴾ [الإسراء: 85]، وقوله I: ﴿يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ٧﴾ [الروم: 7].
- الوقوف عند الإطار العام لتفسير معاني الآيات وترك ذكر التفاصيل الدقيقة والاستطرادات حتى لا يخرج المفسر عن دائرة التفسير. يقول الطاهر بن عاشور في المقدمة الرابعة من الجزء الأول لتفسيره التحرير والتنوير بتصرف: "فإما أن يجلب المسائل ويبسطها لمناسبة بينها وبين المعنى؛ فإن بعض مسائل العلوم قد تكون أشد تعلقًا بتفسير آي القرآن.. أو لأن زيادة فهم المعنى متوقفة عليها، إذ تجلب مسائل علمية من علوم لها مناسبة بمقصد الآية:
إما على أن بعضها يومئ إليه معنى الآية ولو بتلويح ما أو لتوفيق بين المعنى القرآني وبين بعض العلوم مما له تعلق بمقصد من مقاصد التشريع لزيادة تنبيه إليه، أو لرد مطاعن من يزعم أنه ينافيه لا على أنهما مما هو مراد الله من تلك الآية بل لقصد التوسع.
وإما على وجه التوفيق بين المعنى القرآني وبين المسائل الصحيحة من العلم حيث يمكن الجمع.
وإما على وجه الاسترواح من الآية".
ضوابط الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
فهل كل آية تتضمن إشارة علمية في قضية كونية أو طبية أو نحوها تحمل إعجازًا علميًّا بالمعنى الدقيق للإعجاز؟- يجب أن يكون وجه الإعجاز في آيات الحقائق العلمية؛ وليس في آيات التفكر والتدبر والتأمل والنظر في خلق الله، فإن أريد مجرد التفكير في خلق الله فلا مانع، لكن ليس على وجه الإعجاز العلمي والاستدلال بالنص على تفاصيل علمية. مع أن من خصائص الوحي العقدية؛ أنه معجز معنويًا وعقليًا، تأيدًا لرسالة نبيه محمد r. يقول I: ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَ لَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ٥٣﴾ [فصلت: 53].
- عدم توظيف سوى الحقائق العلمية الثابتة التي حسمها العلم وأصبحت من الأمور القطعية المسلمة التي لا رجعة فيها، وذلك في الاستدلال على سبق القرآن الكريم في الإشارة إلى تلك الحقيقة العلمية بقول الله I: ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ﴾ [الأعراف: 53].
- ضرورة المعرفة بأوليات العلوم التجريبية، فمن المقرر في الشروط العلمية للمفسر معرفته بالعلوم العصرية، لقول الله I: ﴿قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ٩٧﴾ [الأنعام: 97] ولقوله I: ﴿يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ٥﴾ [يونس: 5]، وقوله I: ﴿بَلۡ هُوَ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَۚ وَمَا يَجۡحَدُ بَِٔايَٰتِنَآ إِلَّا ٱلظَّٰلِمُونَ٤٩﴾ [العنكبوت: 49] وقوله I: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسۡتَ وَلِنُبَيِّنَهُۥ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ١٠٥﴾ [الأنعام: 105].
- في حال التفسير العلمي للإعجاز القرآني، يجب ألا يناقض معنى الآية؛ أي ألا يتنافى وما يظهر من معنى النظم القرآني... إذ يجب أن يوافق مقتضى ظاهر العربية.
وفي حال التأويل يجب ألا يدعي أنه المعنى المراد وحده دون الظاهر، كما يجب أن يكون معنى صحيحًا في نفسه، فلا يكون تأويلًا بعيدًا مذمومًا وذلك بأن يتوفر فيه الآتي:
- أن يكون في اللفظ إشعارًا به؛ أي أن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم.
- ألا يكون له معارض شرعي أو عقلي.
- أن يكون له شاهد شرعي يؤيده؛ أي أن يشهد لصحته شاهد من نص أو معنى ظاهر في محل آخر.
فلا تفريط في العلم العقلي، لأنه ما عرف الله إلا بالعقل ولا أطيع إلا بالعلم، لقوله I: ﴿إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ٢٨﴾ [فاطر: 28] ولقوله I: ﴿شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ﴾ [آل عمران: 18] ولقوله I: ﴿وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤۡمِنُواْ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [الحج: 54]، ولقوله I: ﴿وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ٦﴾ [سبأ: 6].
ولا إفراط كذلك في استخدام العلم البشري، كاتخاذه معيار لصدق القرآن، فالقرآن متبوع لا تابع، حاكم لا محكوم بالعلم البشري على صدق حقائقه؛ إذ حقائقه مطلقة ملزمة للمكلف، أما الإعجاز العلمي فهو تثبيت لا إثبات، لقوله I: ﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ﴾ [يونس: 39] وقوله I: ﴿مَّآ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِهِمۡ﴾ [الكهف: 51] وقوله I: ﴿يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ٧﴾ [الروم: 7] وقوله I: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا٨٥﴾ [الإسراء: 85] وقوله I: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا١١٤﴾ [طه: 114].
- ألا يترتب عليه تحويل عبادة إلى عادة، لقوله I: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ٥٦﴾ [الذاريات: 56].
- عدم الخوض في الغيبيات التي هي مما استأثر الله بعلمه، فمن قواعد التوحيد: تقييد العقل وعدم الاعتداد به في غير مجاله، وتنص أخرى على أن الإيمان بمسائل الغيب محصور في الخبر الصادق.
"فالآخرة لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا تمامًا، ولكن من رحمة الله بنا أنه يترك لنا في صخور الأرض وفي صفحة السماء من الظواهر والشواهد الحسية ما يثبت لنا إمكانية حدوث الآخرة، يعني قرينة علمية على إمكانية حدوث الآخرة، أما متى تأتي؟ فهذا في علم الله لا يعلم وقتها إلا الله.
ومن هنا يتبين خطأ من يظن أنه إذا أدركنا معدلات التغير الآنية في الكون الملاحظ، فإنه قد يكون من الممكن لنا أن نحسب متى تكون الآخرة" (د. زغلول النجار، من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ج/1).
"إن الأمور الغيبية التي ذكرها القرآن... نوعان: منها أمور نظنها خارقة للنواميس؛ لأن سرها غائب عنا خفي علينا، وقد يصل العلم يوما لكشف النواميس التي وقعت تلك الأمور على أساسها، ومنها أمور خارقة للنواميس حقًا، وقد أجراها الله I ليبين لنا قدرته على خرق النواميس التي أوجدها في الكون، وهذه الخوارق هي التي يصح أن تسمى (معجزات)، ويجب على المؤمن أن يصدق بها، ويعتقد بأنها أمور خارقة للنواميس، وأنه ليس بالإمكان أن يتوصل العلم يومًا إلى كشف ناموس طبيعي يفسر وقوعها.
بل أرى أنه لا ينبغي لنا أن نحاول تفسيرها على أساس النواميس الطبيعية، لأنها لو لم تكن خرقًا للنواميس لم تسمى معجزة" (نديم الجسر، قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن).
المبحث الثالث: هدفهما
إن القرآن الكريم لا يستخدم فقط فكرة الإمكان الذهني المجرد في إثبات عقائده، وإنما يستخدم الإمكان الخارجي، والإمكان الخارجي هو الاستدلال بالشاهد على الغائب، وهو استدلال بنظر عقلي شرعي.- والنظر قسمان:
- نظر طلبي: هو طلب ما يدله على الحق.
- نظر استدلالي: هو النظر في الدليل الذي يوصله إلى الحق وهو يوجب العلم.
فآيات خلق السموات والأرض والإنسان، تصف أو تفسر ظواهر كونية وإحيائية، يصح الاستدلال بها على قضايا إيمانية غيبية.
- فيستدل بخلق السموات والأرض على وجود الله وإمكانية البعث.
- ويستدل بخلق الإنسان على وجود الله وإمكانية البعث.
فالقرآن الكريم بنى خطابه الإقناعي على أصول الواقع الكوني والإنساني.
ثمار التفسير العلمي للقرآن الكريم
- تعميق مدلول النص القرآني ومعناه؛ لقوله I: ﴿لِّكُلِّ نَبَإٖ مُّسۡتَقَرّٞۚ وَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ٦٧﴾ [الأنعام: 67]، ﴿وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَتَعۡرِفُونَهَاۚ﴾ [النمل: 93] إن مرور الزمن يقف دائمًا إلى جانب التفسير لأنه يتيح من الوسائل والإمكانات ما يلقى أمام المفسرين مزيدًا من الأضواء والإيضاحات تجاه آيات القرآن ومراميه وأبعاده. فمعرفة الحقائق العلمية بالآيات القرآنية يعمق معنى الآية بعد أن استقر بالرؤية.
- بيان لفظ أو متعلقة كان خفيًا: كلفظي النور والضوء، فبيان لفظ بمقارنة المشاهدات الكونية مع ألفاظ القرآن قد تبين ما غاب عن المفسرين.
- بيان بعض ما أشكل فهمه في القرآن ونفي الاختلاف عنه.
- فهم تعليل الأحكام التشريعية.
- الترجيح بين الأقوال الفقهية.
- تُبين المناسبة بين آي القرآن في ضوء العلم.
- تقريب بعض المعتقدات والحقائق الدينية الغيبية من عقول الناس، وتأييدها بمنطق العلم.
- تصحيح بعض اجتهادات المفسرين في التفسير التي جانبها الصواب.
- إعادة صياغة الأفهام ونبذ الخرافات والإسرائيليات من التفاسير والعقول.
ثمار الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
- وسيلة لفهم أصول الدين والإيمان بها؛ لقوله عز وجل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ﴾ [النساء: 136]، فالإيمان يتجلى في عصر العلم، إذ أن العلم يدعو للإيمان؛ لقوله I: ﴿إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ٢٨﴾ [فاطر: 28]. فالعلماء يخشون الله، والخشية توجب التقوى التي لا تكون إلا بالإيمان.
- فتح الباب لغير المسلمين للإسلام، وتثبيت إيمان المسلم وزيادته، فالإعجاز العلمي في القرآن الكريم من أهم وسائل الدعوة في عصر العلم؛ لقوله I: ﴿وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ﴾ [سبأ: 6]، وقوله I: " وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"( الحج- 54)، وقوله I: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ٢﴾ [الأنفال: 2].
- إفحام غير المسلمين، فإّذا كانت الحقيقة قد عرفت بواسطة الكفار فما أحرى أن يكون الخطاب موجهًا لهم كما هو في الآية لعلهم يؤمنون؛ لقوله I: ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ﴾ [فصلت: 53]، فالنداء جاء موجه للذين كفروا، ولقد جاء بهذا العلم من لديهم.
- خلود معجزة القرآن، لقد وصفه رسول الله r بأنه "لا تنقضي عجائبه... ولا تشبع منه العلماء" (سنده ضعيف ومعناه صحيح). فكما أن إلف الطاعة قد يذهب بما فيها من خشوع، وإلف المعصية يجرئ العاصي عليها، فإن إلف المعجزة قد يقف حائلًا أمام الاتعاظ بها، لذا فما من لحظة تمر إلا ولله فيها معجزة جديدة كما قال I: ﴿وَمَا نُرِيهِم مِّنۡ ءَايَةٍ إِلَّا هِيَ أَكۡبَرُ مِنۡ أُخۡتِهَا﴾ [الزخرف: 48].
- الرد على شبهات أعداء القائلين بتعارض القرآن والعلم، وما يقال من وجود تعارض بين النص القرآني والحقائق العلمية مرجعه إلى عدم فهم النص فهمًا صحيحًا، وإما إلى أن ما يقال عنه حقيقة علمية ليس كذلك.
- إظهار علل الأحكام التشريعية.
- تكوين العقلية العلمية، فالعلم مفتاح الإعجاز، ذلك أن العلم الصحيح في هذا الدين رديف الوحي في تثبيت الهدى.
- الاستفادة منه لبناء الحضارة، وإعادة بناء العالم بالمعرفة المتبصرة بالإيمان والمستمدة من هدى الله I (أسلمة المعرفة).
ملحق
الإعجاز العلمي في السنة النبوية حجيته وحكمه
تعريفه: هو الكشف عن معاني الحديث المرفوع الصحيح وسر من أسراره على وجه يظهر به إعجازه وصدق الرسول فيما أخبر به عن ربه سبحانه في ضوء ما أثبته العلم التجريبي الحديث من حقائق، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.حكمه: الإعجاز العلمي في السنة النبوية له نفس حكم الإعجاز العلمي في القرآن، لما تنص عليه القاعدة الفقهية الأصولية: "ما قارب الشيء يعطى حكمه"، والحديث النبوي الشريف يقارب القرآن الكريم في الخصائص التالية:
القرآن الكريم وحي إلهي المصدر، وكذلك الحديث النبوي الشريف من حيث معانيه لقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ٤﴾ [النجم: 3-4].
القرآن الكريم قطعي الورود، وكذلك الحديث النبوي المتواتر.
القرآن الكريم خطاب عام لكل البشر، وكذلك الحديث النبوي الشريف.
القرآن الكريم عربي لا يفهم إلا بالعربية، وكذلك الحديث النبوي الشريف.
القرآن الكريم لا يعارض العقل السليم، وكذلك الحديث النبوي الصحيح.
ضوابط الإعجاز العلمي في السنة النبوية
- التأكد من ثبوت صحة الحقيقة العلمية.
- التأكد من ثبوت صحة ورود الحديث النبوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
- التأكد من ثبوت صحة دلالة الحديث النبوي على الحقيقة العلمية.
- فهم السنة في ضوء القرآن.
- جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد.
- التفريق بين الحقيقة والمجاز في فهم الحديث، مع الحذر من التوسع في التأويلات المجازية المؤدية إلى سوء التأويل.
- الحذر من رد الأحاديث النبوية لسوء فهمها، فمن المجازفة التسرع برد الحديث وإن أشكل فيلزم الحذر عند تحكيم العقل في صحة الحديث أو كذبه.
ثمار الإعجاز العلمي في السنة النبوية
نفي التجسيم والتشبيه عن ذات الله؛ لقوله r: "تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته" (أخرجه أبو نعيم والبيهقي والسيوطي، عن ابن عباس، قال الألباني حسن بمجموع طرقه)، والدعوة إلى التفكر العلمي؛ لقوله r: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" (رواه الشيخان)، مع تهيئة المناخين النفسي والعقلي لتكوين العقلية العلمية؛ لقوله r: "العلماء ورثة الأنبياء" (أخرجه أبو داود والترمذي)، وكذلك الحث على اقتباس كل علم نافع من أي مصدر، ففي الحديث: "الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها أخذ بها" (حديث سنده ضعيف لم يثبت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه صحيح تشهد له عمومات النصوص)، إذ أن السنة النبوية مصدر للمعرفة والحضارة، وهي لا تنافي العقل ولا تخالف العلم، فالسنة النبوية لا تعارض القرآن والعلم، لكن الفهم غير السليم للحديث يؤدي إلى تفسير خاطئ.خاتمة:
إن التفسير العلمي ظلم باعتبار أنه يستند إلى التفسير بالرأي إذ تم اسقاط أحكام جاهزة عليه من مخلفات معارك الرافضين والمؤيدين للتفسير بالرأي، كما أنه باعتبار حداثته تم اجترار مسائل ومواقف من الترسبات المتراكمة في مباحث التفسير وعلوم القرآن بدءا باسم هذا العلم باعتباره مركبا إضافيا من كلمة علم وكلمة تفسير ثم اجتروا ما قالوه عن كلمة علم في تعريف علوم القرآن وكذا كلمة تفسير في مبحث وكتب التفسير والمفسرون وهلم جرا فمسألة عدد آيات الحقائق العلمية في القرآن الكريم تم اجترار ما سبق وقيل في مسألة عدد آيات الأحكام في القرآن، فكل شيء جاهز فقط نسخ ولصق مع ابدال المسمى بالتفسير العلمي والموضوع جاهز بمؤيديه ومعارضيه، ومع ذلك فالتفسير العلمي واقع فرض نفسه واحتل مكانته بين اتجاهات التفسير فلا ينفع رده بعد أن سالت فيه أقلام وسودت صفحات وأصبح له رجاله وطلابه وإنما والرأي السديد والعمل الرشيد أن نقننه ونضبطه وفق قواعد التفسير وأصوله فلا نترك حبله على غاربه فنقع في المحذور المحظور. وللأمانة فالعلماء وازنوا بين مصالح التفسير العلمي ومفاسده فرجحة مصالحه فاستحسنوه أما من عارضه فسدا لباب الذريعة حفظا للشريعة، والخطب إن شاء الله يسير بالأخذ بعين الاعتبار محاذير الرافضين وضوابط المؤيدين فلا إفراط ولا تفريط وهو مسلك الوسطية عند المفسرين، إلا شرذمة من الجاهلين، لأن من جهل شيئا عداه.
تم بحمد الله
[1] تفسير التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور، ج: 1، المقدمة الرابعة، نقلا عن الإحياء للغزالي.
[2] تفسير التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور، ج: 1، المقدمة الرابعة.
[3] https://www.islamweb.net/ar/fatwa/43698/التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين