ضابط الأذى الذي يترتب عليه الوعيد الوارد في قوله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤمنين ...}

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
جرت مذاكرة مع بعض الإخوة من طلاب العلم في حج هذا العام ـ 1431هـ ، وهذه من المنافع ـ عن الضابط في الأذى الذي يترتب عليه الوعيد الوارد في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } [الأحزاب : 58].
تحرير محل النزاع:
اتفقت الكلمة بيننا على دخول نوعين من الأذى في هذه الآية:
1 ـ التعدي على منافع المسلمين العامة، كما يدل له الحديث الثابت في "الصحيح" : "اتقوا اللعانين! قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم".
2 ـ الأذى الذي يحصل بسبب فعل محرمٍ في ذاته، كمن يدخن عند والديه ـ وهما يتأذيان بهذا ـ أو يترك الصلاة مع الجماعة ـ ووالداه يتأذيان بذلك ـ ، أو جارٌ يعتدي على حق جاره، أو يسلبه حقه، أو شابٌ يؤذي الناس بصرير كفراته (التفحيط)، وهلم جرّاً.
وبقي البحث في أمثال هذه الصور:
ـ والدٌ (أم أو أب) يكره من ولده الانشغال بالكرة، مع أن الولد لم يقصر في أداء حقوق والديه، وقل مثل ذلك: في البقاء على الإنترنت طويلاً، أو صحبة شخص من الناس، لا قدح في دينه ولا خلقه، لكن الأب يكره ذلك نفسياً (لا لسبب شرعي).
ـ جارٌ يطبخ أنواعاً من الأكل المباحة، يكره الجار الآخر ويتأذى من رائحتها.
ـ إنسان جاء إلى المسجد وفيه رائحة ثوم أو بصل، وقد آذى إخوانه المسلمين بها، فهل يلحقه الوعيد؟
فما قول الإخوة الكرام في هذه المسألة التي نتعرض لها يومياً؟! لأن الوعيد شديد، والأذى حاصل!
لعلنا نتذاكر؛ لنخرج بما يفيد، والله الموفق.
 
بارك الله فيكم يا دكتور عمر على هذه المباحثات المفيدة، وأرى أنه ينبغي تحرير معنى الأذى الوارد في الآية، حتى يتم إدخال الصور الجزئية فيه، وقد ذكر المفسرون عدداً من الأمور الداخلة في معنى الأذى ومنها:
- يرمونهم بما ليس فيهم (ذكره ابن الجوزي عن المفسرين).
- يَنْسُبُونَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ بُرَآء مِنْهُ لَمْ يَعْمَلُوهُ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ. (قاله ابن كثير).
وأنبه إلى أن القيد المذكور في قوله تعالى: ( بغير ما اكتسبوا ) ليس له مفهوم، فلا تجوز الأذية للمؤمن بتعييره مثلاً بما هو فيه، قال ابن عاشور: "وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَالِ تَقْيِيدَ الْحُكْمِ حَتَّى يَكُونَ مَفْهُومُهُ جَوَازَ أَذَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِمَا اكْتَسَبُوا، أَيْ أَنْ يُسَبُّوا بِعَمَلٍ ذَمِيمٍ اكْتَسَبُوهُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ مَوْكُولًا لِعُمُومِ النَّاسِ وَلَكِنَّهُ مَوْكُولٌ إِلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ"[22/105]. فيخرج من ذلك أذيته بما يستحق من قبل ولاة الأمر، كالحدود والقصاص والتعزير...
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعتقد يا د. عمر ان المسألة الاخيرة لاتدخل ضمن المسائل السابقة لورود النص بالمنع
و قد علل بأذية الملائكة والآدميين
بقي المسائل السابقة يرجع فيها الى الوارد في تفسير وذكر بعض المفسرين ان المقصود ايذاء ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن ابيها
بارك الله فيكم
 
أحسِبُ أنَّ من المُـهِمِّ عند تحديدِ هذا الضَّـابط أن نرجعَ إلى الاستعمالاتِ القرآنيَّـةِ للأذَى , فقد جـاء القرآنُ الكريمُ بهذه اللفظةِ واستَعمَلها مرادِفَـةً للمَـنِّ بمعنى الاحتقار والازدراءِ في القلبِ للفقير الآخِـذِ في قول الله تعالى (((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى )))وجاءَ بها في معنى الكراهيةِ والنَّـدامةِ ومُتضَمِّـنةً كُـلَّ إساءةٍ عليهِ باللفظِ في قول الله تعالى (((قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ))), وجاءَ بهِ في معنى الفِـرى والكذبِ والأراجيفِ في قوله تعالى (((لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ))), وجاءَ بهِ في معنى المشَـقَّـةِ والشكايةِ والألمِ في قول الله تعالى (((فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ )))وجاء بهِ في معنى القذَرِ العارِضِ كما في قوله تعالى (((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ )))وجاءَ بهِ في معنى التضرُّر والحرَجِ كما في قوله تعالى(((وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ ))).
وقد ذكرَ ابنُ عاشور عليهِ رحمة اللهِ أنَّ الآيةَ المسؤولَ عنها هُـنا مُـرادٌ بالأذَى فيها أذَى القولِ بسببِ اقترانهِ بقوله تعالى فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا لأنَّ البُهتَـانَ قولٌ ويُرادُ بهِ التَّـحقِيرُ من شأنِ من يُبهَـتُ.
 
أثر قد يثري الموضوع:
في تفسير ابن أبي حاتم (10 / 3153):
عَنْ قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ، عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَال: إِيَّاكُمْ وَأَذَى الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ اللَّهَ يَحُوطُهُمْ وَيَغْضَبُ لَهُمْ وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَهَا ذَاتَ يَوْمٍ فَأَفْزَعُهُ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ إِلَى أَبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ، عَنْهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنِّي قَرَأْتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَقَعَتْ مِنِّي كُلَّ مَوْقِعٍ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}! وَاللَّهِ إِنِّي لاعَاقِبُهُمْ، وَأُضْرِبُهُمْ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا أَنْتَ مُعَلِّمٌ.
والشاهد أن في هذا الأثر ـ إن صح ـ فائدتان:
1 ـ أن استشكال ما ذكرتُه في المقدمة قائم قديماً، حيث فهم عمر رضي الله عنه العموم، حتى أزال أبي بن كعب الإشكال عنه.
2 ـ أن هذا النوع من التأديب غير داخل في هذا العموم؛ لظهور المصلحة في هذا الأذى الموجود، والله أعلم.
ولي عودة ـ إن شاء الله تعالى ـ على بعض التعليقات .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الضابط والله أعلم " الافتراء " لقوله تعالى :
((( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )))
يقول الطبري رحمه الله تعالى في تفسير الآية الكريمة :
[ فقد احتملوا زورا وكذبًا وفرية شنيعة ]
ولابد أن نذكر كما أشير سابقا أن أذية المسلمين بشكل عام لا تجوز ، والضابط العام :
أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .
وقد وردت الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك حتى بوب البخاري بابا في صحيحه فقال :
( بَاب الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ )
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :
" عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ "
وقد يقول قائل قوله تعالى :
((( بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا )))
يدل على العموم ، فنقول الضابط السابق والذي ورد في سياق الأية حصر الأمر في الضابط السابق وهو الافتراء .
فقد يؤذي أخ أخاه لدينه وأمانته .
هذا والله أعلم وأحكم.

 
عودة
أعلى