محمد محمود إبراهيم عطية
Member
إليك أيها القارئ الكريم صورًا من هذا الصبر وتلك التضحيات دروسًا للأمة في طريق الله : روى أحمد والشيخان والنسائي عَنْ ابن مسعود أَنَّ النَّبِيَّ e كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ e وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ. قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ e سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ e رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ ابْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ " وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ e صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ.
هكذا صنيعهم مع أكرم نفس على الله تعالى رسول الله e، وليس هذا وحسب، بل ورموه بكل إفك: قالوا: ساحر، وقالوا: شاعر، وقالوا: كاهن، بل وقالوا: كذاب، وقالوا: معلم مجنون. كل ذلك ليصرفوا وجوه الناس عنه، ولكن للحق نور، فتتابع الناس إليه. فلما لم يفلحوا في ذلك، استخدموا وسيلة أخرى: وسيلة المساومة والإغراءات، بل والتهديدات، فجاءوا إلى أبي طالب فقالوا له: يا أبا طالب ! إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه، وإنا والله لا نصبر على هذا: من شتم آباءنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تسلمه لنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين. ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله e لهم ولا خذلانه، فبعث إلى رسول الله e فقال له: يا بن أخي ! إن قومك قد جاءوني فقالوا لي: كذا وكذا.. فأبْقِ علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن رسول الله e أنه قد بدا لعمه فيه بداء، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، فقال النبي e: " يا عم ! والله لو وضعوا الشمس في يميني، و القمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته ". هكذا كان صبره e معلما لأمته .
الصحيفة الجائرة والمقاطعة الاقتصادية :
ثم اشتد الأمر بالمسلمين، وزاد الإيذاء بكل أساليبه وأنواعه، حتى أجمعت قريش على التضييق على بني هاشم وبني المطلب ليسلموا لهم النبي e، فكان كتابة الصحيفة الآثمة، والحصار الاقتصادي، وكان ذلك ثلاث سنين احتمل فيها النبي e ومن معه الجهد البالغ حتى أكلوا أوراق الشجر، وصبروا محتسبين لم تلن لهم قناة، ولم تهتز لهم عزيمة، ولم ير منهم أعداء الله ورسوله إلا الثبات.. نعم إنه الإيمان الصادق الذي يصنع المعجزات.
فهكذا واجهوا جميعا هذا البلاء العام بصبر واحتساب.
هكذا صنيعهم مع أكرم نفس على الله تعالى رسول الله e، وليس هذا وحسب، بل ورموه بكل إفك: قالوا: ساحر، وقالوا: شاعر، وقالوا: كاهن، بل وقالوا: كذاب، وقالوا: معلم مجنون. كل ذلك ليصرفوا وجوه الناس عنه، ولكن للحق نور، فتتابع الناس إليه. فلما لم يفلحوا في ذلك، استخدموا وسيلة أخرى: وسيلة المساومة والإغراءات، بل والتهديدات، فجاءوا إلى أبي طالب فقالوا له: يا أبا طالب ! إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه، وإنا والله لا نصبر على هذا: من شتم آباءنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تسلمه لنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين. ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله e لهم ولا خذلانه، فبعث إلى رسول الله e فقال له: يا بن أخي ! إن قومك قد جاءوني فقالوا لي: كذا وكذا.. فأبْقِ علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن رسول الله e أنه قد بدا لعمه فيه بداء، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، فقال النبي e: " يا عم ! والله لو وضعوا الشمس في يميني، و القمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته ". هكذا كان صبره e معلما لأمته .
الصحيفة الجائرة والمقاطعة الاقتصادية :
ثم اشتد الأمر بالمسلمين، وزاد الإيذاء بكل أساليبه وأنواعه، حتى أجمعت قريش على التضييق على بني هاشم وبني المطلب ليسلموا لهم النبي e، فكان كتابة الصحيفة الآثمة، والحصار الاقتصادي، وكان ذلك ثلاث سنين احتمل فيها النبي e ومن معه الجهد البالغ حتى أكلوا أوراق الشجر، وصبروا محتسبين لم تلن لهم قناة، ولم تهتز لهم عزيمة، ولم ير منهم أعداء الله ورسوله إلا الثبات.. نعم إنه الإيمان الصادق الذي يصنع المعجزات.
فهكذا واجهوا جميعا هذا البلاء العام بصبر واحتساب.