صدر حديثاً(التبيان في أيمان القرآن) لابن القيم. مع تعريف بها الكتاب

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,335
مستوى التفاعل
141
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
صدر حديثاً عن دار عالم الفوائد الطبعة الأولى 1429هـ من كتاب :

[align=center]التبيان في أيمان القرآن لابن القيم [/align]
بتحقيق عبدالله بن سالم البطاطي

[align=center]
6486cc4c5ecf3f.jpg
[/align]
 
جزاكم الله خيرا
والجدير بالذكر أن هذا التحقيق قد راجعه الشيخان الفاضلان:
فضيلة شيخنا الدكتور عبد الرحمن بن معاضة الشهري
وفضيلة الدكتور محمد أجمل الإصلاحي
ويقع الكتاب في 802صفحة
جزى الله كل من شارك في إخراج الكتاب خير الجزاء وأوفاه.
 
هل من مزيد بيان عن المحقق ومنهجه في إخراج الكتاب ؟
 
أحسنتم شيخنا الفاضل ،كنتُ أنتظر طباعة دار عالم الفوائد لهذا الكتاب .
جزاكم الله خيرًا .
 
بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب التبيان في أيمان القرآن لابن قيم الجوزية من أهم كتبه رحمه الله التي حوت مادة تفسيرية قيمة ، وهو كما يدل عنوانه يبحث في الأقسام التي أقسم الله عز وجل بها في كتابه .

وقد حقق الكتاب في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى الأخ الكريم حمزة العسيري وحصل به على درجة الماجستير .

وقد أرسل إلي مشكوراً ما كتبه في التعريف بهذا الكتاب ، وقمت بتنسيقه وإضافة المبحث السادس إلى المباحث الخمسة التي كتبها .

وهذا أوان الشروع في المقصود :


التعريف بكتاب ( التبيان في أيمان القرآن ) لابن قيم الجوزية




وفيه المباحث التالية :

المبحث الأول : اسم الكتاب وموضوعه :

أولاً / اسم الكتاب :
اشتهر هذا الكتاب بتسمية معروفة عند كثيرين من أهل العلم وهذه التسمية هي ( التبيان في أقسام القرآن ) بل قد طبع الكتاب بهذه التسمية .
وبعد النظر في الكتب التي ترجمت للإمام بن القيم ، وأيضاً للكتب التي تحدثت عن العلوم والمصنفات وجدت أن هذا الكتاب قد عرف بأكثر من تسمية عند العلماء ، وهذه التسميات هي:
ـ التبيان في أقسام القرآن .
ـ أقسام القرآن .
ـ أيمان القرآن .
وقد أشار الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى إلى هذه التسميات في كتابه ( الداء والدواء ) .
فقال رحمه الله : ( وقد ذكرنا وجه الاستدلال بذلك في كتاب ( أيمان القرآن ) عند قوله ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ) [الداء والدواء : ص (56) طبعة دار ابن الجوزي]
وفي طبعة أخرى :
( وقد ذكرنا معنى ذلك وسر الإقسام به في كتاب التبيان في أقسام القرآن ) [الداء والدواء ص ( 271) طبعة دار المدني .]
وفي طبعة أخرى : ( وقد ذكرنا معنى ذلك وسر الإقسام به في كتاب أقسام القرآن ) ... [الداء والدواء ص ( 309) طبعة دار ابن الجوزي]
فهذا الكلام من الإمام ابن القيم رحمه الله عن كتابه يدل على أنه سماه باسمه مصرحاً به تارة وأخرى مختصراً باسم ( أقسام القرآن ) ، وثالثة باسم ( أيمان القرآن ) فهذا يدل على أنه مسمى لكتاب واحد وليس لكتب متعددة كما وهم البعض فجعلها كتابين مثل : البغدادي في ( هــدية العارفين ) ( 2/185) فقد عدّه كتابين أحدهما باسم التبيان في أقسام القرآن ، والآخر ( أيــمان القرآن).

وعندما قمت بجمع النسخ المخطوطة لهذا الكتاب وجدته قد سمي بعدة مسميات وهي :
ـ التبيان في أقسام القرآن ، كما في نسخة دار الكتب المصرية .
ـ التبيان في أيمان القرآن : كما في نسخة جامعة برنستون .
ـ أقسام القرآن والكلام على ذلك : كما في نسخة المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة ، وكما في نسخ من مصورات جامعة الرياض .

وبعد النظر في المخطوطات أيضاً وجدت أن ابن القيم رحمه الله تعالى قد سمى كتابه في مقدمته والتي توجد في نسختين خطيتين فقط وهي ساقطة من النسخ الأخرى سماه ( التبيان في أيمان القرآن) .

وبعد وقفة حيرة وتأمل من تعدد هذه المسميات ، اخترت ما سمى ابن القيم به كتابه في مقدمة كتابه وهذه التسمية هي :

( التبيان في أيمان القرآن )

وذلك للأسباب التالية :
ـ هذه التسمية هي التي اختارها الإمام رحمه الله لكتابه ويتضح ذلك من خلال مقدمته .
ـ هذه التسمية ثابتة في أقدم النسخ وهي نسخة دار الكتب المصرية وهي مكتوبة بعد وفاة المؤلف بستة عشر عاماً تقريباً ، ومثبت أيضاً على طرة نسخة جامعة برنستون أيضاً .
ـ يظهر لي والعلم عند الله تعالى ـ أن التسميات الموجودة على طرة كل مخطوطة مبنية على اجتهاد النساخ والدليل على ذلك هو اختلافها بين النسخ .
هذا ما ترجح لدي واستنتجه مما بين يدي .

ثانياً / موضوع الكتاب :

أما موضوع الكتاب فكما هو واضح من التسمية فهو يتحدث عن القسم أو اليمين في القرآن الكريم حيث يذكر رحمه الله تعالى الآيات التي ورد فيها القسم ، ويبين المقسم والمقسم به والمقسم عليه ، ويذكر جواب القسم بعد ذلك إن وجد .
وقد اقتصر المؤلف رحمه الله في كتابه على ذكر القسم الصريح ولم يتعرض لغير الصريح ، وكان يركز على الناحية الشرعية في القسم وإثبات المقسم عليه مع شيء من الاستطرادات المفيدة والطويلة أحياناً كما عند قوله تعالى ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) وإن كانت هذه الاستطرادات خارجة عن مقصود الكتاب .



المبحث الثاني : توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف :

هذا الكتاب ثابتة نسبته إلى ابن القيم بلا أدنى شك وذلك للأمور التالية :

أولاً : نسب هذا الكتاب إلى نفسه ابن القيم فقد أشار رحمه الله تعالى إلى أنه ألف كتاباً في أقسام القرآن ، بل وأشار إلى بعض ما كتبه فيه كما تقدم عند الحديث عن تسمية الكتاب .

ثانياً : أغلب من ترجم للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى يذكر هذا الكتاب من ضمن مؤلفاته وهذا يدل دلالة واضحة على شهرة الكتاب وصحة نسبته إليه .

ثالثاً : نقل بعض العلماء منه .
وممن وقفت عليه ممن نقل عن ابن القيم رحمه الله : الإمام السيوطي في كتابه الجامع المانـع : الإتقان في علوم القرآن في النوع السابع والستون ( في أقسام القرآن )
حيث ذكر في البداية أن لابن القيم كتاباً أفرده بالتصنيف في هذا الموضوع وأنه في مجلد .
ثم بعد ذلك نقل منه عدة نقولات ، وبالمقارنة بين ما نقله وبين الكتاب الأصل نجد التطابق وانظر الاتقان ( 4/46-51) .


المبحث الثالث : منهج المؤلف في كتابه

لا شك أن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى قد أبدع وأجاد في هذا الكتاب ، وليس هذا الأمر بمستغرب عليه ؛ فهو جبل راسخ من جبال العلم .

وعند قراءتي للكتاب استطعت أن أخلص إلى بعض النقاط التي تدل على ملامح منهجه الذي سلكه في كتابه :

أولاً : سلك المؤلف رحمه الله تعالى المسلك الاستقرائي للآيات التي ورد فيها القسم وأعطى خلاصة مفيدة عن القسم في القرآن .
فبين أن الله سبحانه يقسم بأمور على أمور ؛ فهو سبحانه يقسم بذاته الموصوفة بصفاته العلية ، وبآياته الدالة على قدرته العظيمة . وإقسامه ببعض مخلوقاته يدل على أنها من عظيم آياته .

ثم بين المقسم عليه .
وهو :
أ ـ قسمه على أصول الإيمان .
ب ـ قسمه على التوحيد .
ج ـ قسمه على أن القرآن حق .
د ـ قسمه على أن الرسول حق .
هـ ـ قسمه على الجزاء والوعد والوعيد .
و ـ قسمه على حال الإنسان .

ثم تحدث عن جواب القسم وأنه قد يذكر تارة ، وأنه يحذف تارة أخرى ؛ لأنه قد علم بأنه يقسم على هذه الأمور ( التوحيد والنبوة والمعاد ) .

ثانياً : ذكر الآيات التي ورد فيها القسم على سبيل الاختصار ، مع بيان المقسم والمقسم عليه وجواب القسم إن كان مذكوراً أو محذوفاً .

ثالثاً : التفصيل بعد الإجمال حيث ذكر كل آية ورد فيها القسم ، و فسَّر هذه الآيات ، وذكر أقوال السلف فيها ، ورجح غالباً المعنى المراد من الآية .

رابعاً : الاستطراد في ذكر بعض الفوائد المتعلقة بالآيات ، حتى إنه أفرد للاستطراد فصلاً وبين معناه وذكر أنواعه .
ولعله رحمه الله قد أظهر في هذا الاستطراد الشخصية العلمية العارفة بكثير من الفنون والعلوم ويظهر ذلك جلياً في حديثه عن قوله تعالى ( وفي أنفسكم أفــلا تبصرون ).

خامساً : كثرة الاستشهادات التي استشهد بها المؤلف على كثير من كلامه وهذه الإستشهادات :
إما بالآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية والتي تدل على علم واسع بالقرآن والسنة
وإما بكلام السلف وهو كثيراً ما ينقل عنهم معاني الآيات والمراد بها .
وإما بكلام أهل اللغة ، وأهل الشعر لأن العربية هي لغة القرآن .

سادساً : النقد والتمحيص لما يذكره من أقوال ، وبيان الصحيح من الضعيف ، سواء كان في الكلام على الأحاديث والآثار المروية عن السلف ، أو في بعض اعتراضاته على أهل اللغة والعربية ، أو في كلامه في الأمور الطبية وعلم الأجسام وعلم النفس .


المبحث الرابع : أهمية الكتاب :

نزل القرآن الكريم بلغة العرب كما أخبر بذلك منزله سبحانه وتعالى بقوله : ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [سورة الشعراء الآيات ( 192 - 195 )] .
والعرب اتخذت أساليب في كلامها لأغراض وحكم عبروا عنها في أقوالهم النثرية منها والشعرية .
ومن الأساليب العربية الشائعة : القسم . و مما يؤكد هذا الكتاب الذي ألفه أبو إسحاق النجيرمي وهو كتاب : ( أيمان العرب في الجاهلية ) وهو كتاب مطبوع .
ولما لهذا الأسلوب العربي من قوة ، ولكون القرآن الكريم نزل بلغة العرب ألف العلماء المؤلفات التي تبرز هذا الأسلوب وتبينه أشد البيان .
وقد أدلى ابن القيم بدلوه في هذا المجال ، فألف كتابه هذا الموسوم بـ ( التبيان في أيمان القرآن ) وحاز به قصب السبق ؛ إذا لم يصل إلينا من الكتب في هذا الموضوع القرآني إلا هذا الكتاب .

ولعل أهمية هذا الكتاب تبرز من النواحي التالية :
أولاً / كونه الكتاب الوحيد ـ حسب اطلاعي وعلمي ـ الذي وصل إلينا في هذا الموضوع ،وإن كان هناك من سبقه من المتقدمين في التأليف ومنهم : عبدالله بن ذكوان ( 242هـ ) من مشاهير القراء في كتابه : ( أقسام القرآن وأجوبتها ) ، ولم يصلنا هذا الكتاب ، وكذلك كتاب ( الأيمان ) لثعلب ، ولم يصل إلينا أيضاً.
وممن كتب فيه بعد الإمام ابن القيم من المتأخرين محمد بن طولون ( 953هـ ) في كتابه ( خلاصة البيان في أيمان القرآن ) ولم أطلع عليه .
وممن كتب فيه أيضاً من المتأخرين جداً ، الشيخ حميد الدين عبدالحميد الفراهي الأنصاري الهندي ( 1349هـ ) في كتابه ( إمعان في أقسام القرآن ) وهو مطبوع عدة طبعات ، وقد تكلم في كتابه هذا على معنى القسم والحلف والإيلاء ، واقتصر على ما يتعلق بالمقسم به من حيث التقديس والاستدلال وأنه خفي على كثير من العلماء ، وعرض نصوصاً من الإنجيل على سبيل المثال ، واقتصر على عرض بعض الآيات .
[ وله فيه آراء تستحق الدراسة ، وقد عرض هذا الكتاب في حلقة نقاش في ملتقى أهل التفسير ] .

ثانياً / عدم اقتصار الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى على أركان القسم فقط في حديثه على آيات القسم ، بل أفاض من علمه في تفسير الآيات التي عرض لها ، ذاكراً اختلاف أوجه النظر في بعض الآيات ، ومرجحاً لما يراه الصواب من تلك الأقوال ، مع تدعيمه ذلك بالأدلة .

ثالثاً / أظهر الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في حديثه عن القسم ، بلاغة النص القرآني وفصاحته ، وما يتضمنه ذلك القسم من أحكام شرعية ، ودعم ذلك بما يشهد له من القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، ومن لغة العرب ، وكذلك من أقوال أهل العلم .

رابعاً / اقتصار المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه على الكلام على القسم الصريح ، وإغفاله الحديث عن القسم غير الصريح ، ولعل ذلك لأن أكثر الأقسام غير الصريحة جاءت مقترنة بالشرط ، وهو إنما قصد في كتابه القسم الصريح ودلالاته فقط .
هذه بعض الأمور التي تدل على أهمية هذا الكتاب ، ولعل المتأمل لهذا الكتاب والقارئ فيه يجد أموراً أخرى .


المبحث الخامس : مصادر المؤلف في كتابه

جمع الله سبحانه وتعالى للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى من الحفظ والذكاء وقوة الذاكرة وكثرة الاطلاع وجمع الكتب ما لا يتوفر لغيره ، بل كان رحمه الله تعالى أيضاً جيد التصنيف حتى ولو كان بعيداً عن كتبه كما في كتابه الجميل الرائع ( زاد المعاد ) فقد ألفه في سفره .

وقد ظهرت شخصية ابن القيم العلمية الموسوعية في هذ الكتاب الماتع ( التبيان ) وظهر فيه كعالم متبحر في شتى العلوم ، وناقد بارع مطلع متمكن .

وسأذكر هنا المصادر التي اعتمد عليها الإمام ابن القيم في كتابه ( التبيان ) ، أو رجع إليها ونقل منها :

1) القرآن الكريم والسنة النبوية .
فلا غنى لمؤلف وكاتب عنهما أبداً ، فمن أراد التسديد في كتابته فعليه بالاعتماد على هذين المصدرين فهما وحي صادق .

2) تفسير البسيط للإمام الواحدي .
حيث اعتمد عليه الإمام ابن القيم في تفسيره للآيات اعتماداً كبيراً ، ونقل عنه كثيراً ، وهذا الكتاب وهو كتاب الواحدي لم ير النور بعد ، حيث لا يظل حبيس الأرفف وهو كتاب قيم جداً ، ولا أدل على ذلك من نقل ابن القيم عنه كثيراً .

3) تفسير غريب القرآن ، وتأويل مشكل القرآن .
وكلاهما لابن قتيبة رحمه الله تعالى ، وقد نقل عنهما أيضاً الإمام ابن القيم في كتابه في مواضع عديدة .

4) الروايتين والوجهين ، للقاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله تعالى .
وقد نقل عنه الإمام ابن القيم في موضع واحد ، وكلامه الذي نقله ابن القيم موجود أيضاً في كتاب آخر له وهو ( إبطال التأويلات لآيات الصفات ) .

5) نقض الدارمي على بشر المريسي . للإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله تعالى . وقد نقل عنه ابن القيم في مواضع .

6) التمهيد للإمام ابن عبدالبر النمري القرطبي المالكي رحمه الله تعالى .
وقد نقل عنه الإمام ابن القيم في كلامه على كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم .

7) تهذيب اللغة ، للإمام الأزهري رحمه الله تعالى .
وقد نقل عنه في مواضع كثيرة في بيان بعض المفردات وفي نقل بعض الأقوال المنسوبة إلى الليث ، وإلى المبرد .

8) الصحاح للجوهري رحمه الله تعالى .
وقد نقل عنه في عدة مواضع في بيان المراد ببعض المفردات .

9) كتب معاني القرآن ، مثل :
معاني القرآن للفراء ، ومعاني القرآن للنحاس ، ومعاني القرآن للأخفش ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج .
حيث نقل عنها في عدة مواضع وكان يعترض على كلام البعض ، ويوجه البعض الآخر ، ويرجح ما يراه الصواب ، ويبين ذلك بالأدلة والبراهين .

10) مجاز القرآن لأبي عبيدة .
وإن كان لم يصرح باسم الكتاب وإنما ينقل قول أبي عبيدة وقد وجدت كثيراً من كلامه في هذا الكتاب ، ولعله أيضاً قد نقل عنه من كتب أخرى لعل بعضها غير موجود الآن .

11) الكشاف للزمخشري .
وقد نقل عنه في مواضع ، وذكر أحياناً اعتراضات أبي حيان عليه في البحر المحيط ، وقد يرجح أحياناً ما كتبه الزمخشري ، وأحياناً ما كتبه أبو حيان مع أنه لم يصرح باسم أبي حيان إطلاقاً ، وإنما يذكره بقوله : " وقد اعترض عليه بعضهم " .

12) الحجة للقراء السبعة لأبي علي الفارسي .
حيث نقل عنه في مواضع في الكلام على بعض القراءات الواردة وتوجيهها .

13) الرسالة للإمام الشافعي .
حيث نقل عنها في موضع واحد .

14) نقولات كثيرة ، وإشارات إلى كلام شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى . فقد كان يستأنس كثيراً بكلام شيخه بل وينقل عنه أحياناً ولا يشير إليه .

15) نقله أيضاً وإشارته إلى بعض كتبه
مثل : روضة المحبين ، وإعلام الموقعين ، وزاد المعاد ، والصواعق المرسلة ، وهداية الحيارى ، وشفاء العليل ، وغيرها .

16) في الأمور الطبية : استفاد ممن ألف في الطب قبله من مثل : علي بن عبدالكريم الحموي ( 720هـ ) في كتابه : ( الأحكام النبوية في الصناعة الطبية ) ، والإمام الذهبي ( 748هـ ) في كتابه : ( الطب النبوي ) [أشار إلى ذلك أحمد البقري في كتابه ( ابن القيم من آثاره العلمية ) ] .
كما أنه أشار إلى صاحب القانون ، وإلى أبقراط وجالينوس وأرسطو وغيرهم .

هذا ما ظهر لي أثناء قراءتي لهذا الكتاب ودراسته ، ولعله يظهر أشياء أخرى للمتأمل والمتفحص الدقيق .
هذه بعض ملامح منهج الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه ومصادره وموارده .

المبحث السادس : نماذج مختارة من أقوال ابن القيم في كتابه التبيان :

النموذج الأول : قال رحمه الله في تعليقه على القسم في قول الله تعالى : ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ :
( فصل القسم في سورة القيامة
ومن ذلك قوله : ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ فقد تضمن الأقسام ثبوت الجزاء ، ومستحق الجزاء ، وذلك يتضمن إثبات الرسالة والقرآن ، والمعاد .
وهو سبحانه يقسم على هذه الأمور الثلاثة ، ويقررها أبلغ التقرير ، لحاجة النفوس إلى معرفتها ، والإيمان بها ، وأمر رسوله أن يقسم عليه ، كما قال تعالى : ﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾(يونس: من الآية53) ، وقال تعالى : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾(سـبأ: من الآية3) " ، وقال تعالى : ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ (التغابن:7) . فهذه ثلاثة مواضع لا رابع لها ، يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقسم على ما أقسم عليه هو سبحانه من النبوة ، والقرآن ، والمعاد.
فأقسم سبحانه لعباده ، وأمر أصدق خلقه أن يقسم لهم ، وأقام البراهين القطعية على ثبوت ما أقسم عليه ، فأبى الظالمون إلا جحوداً وتكذبياً.
واختلف في النفس المقسم بها ههنا ، هل هي خاصة أوعامة ؟ على قولين بناء على الأقوال الثلاثة في اللوامة .
فقال ابن عباس : كل نفس تلوم نفسها يوم القيام ، يلوم المحسن نفسه أن لا يكون ازداد إحساناً ، ويلوم المسيء نفسه أن لا يكون رجع عن إساءته . واختاره الفراء ؛ قال : ليس من نفس ، برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها ، إن كانت عملت خيراً قالت : هلا ازددت خيرا ً، وإن كانت عملت سوءاً قالت : يا ليتني لم أفعل .
والقول الثاني : أنهاخاصة . قال الحسن : هي النفس المؤمنة ، وإن المؤمن - والله- لاتراه إلا يلوم نفسه على كل حالة ، لأنه يستقصرها في كل ماتفعل ، فيندم ويلوم نفسه ، وإن الفاجر يمضي قدماً ، لا يعاتب نفسه.
والقول الثالث : أنها النفس الكافرة وحدها . قاله قتاده ومقاتل . وهي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على مافرطت في أمر الله .
قال شيخنا: والأظهر أن المراد نفس الإنسان مطلقاً. فإن نفس كل إنسان لوامة، كما أقسم بجنس النفس في قوله : ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ ؛ فإنه لابد لكل إنسان أن يلوم نفسه ، أوغيره على أمره . ثم هذا اللوم قد يكون محموداً وقد يكون مذموماً ، كما قال تعالى : ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ . قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ﴾ (القلم:30-31) ، وقال تعالى : ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ﴾(المائدة: من الآية54) ؛ فهذا اللوم غير محمود . ) [ التبيان ص28-29 ]

النموذج الثاني : عند تفسيره لسورة التين ، وإيضاحه لمعنى القسم فيها ، بيّن في أثناء ذلك المراد بأسفل السافلين في قول الله تعالى : ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ (التين:5) قال رحمه الله : ( والصحيح أنه النار . قاله مجاهد ، والحسن ، وأبو العالية . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هي النار بعضها أسفل من بعض .
وقالت طائفة ، منم قتادة ، وعكرمة ، وعطاء ، والكلبي ، وإبراهيم : أنه أرذل العمر، وهو مروى عن ابن عباس .
والصواب القول الأول لوجوه
(أحدها) أن أرذل العمر لايسمى أسفل سافلين ، لا في لغة ولاعرف ، وإنما أسفل سافلين هو سجين الذي هو مكان الفجار ، كماأن عليين مكان الأبرار .
(الثاني) أن المردودين إلى أسفل العمر بالنسبة إلى نوع الإنسان قليل جداً ، فأكثرهم يموت ولا يرد إلى أرذل العمر.
(الثالث) أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستوون هم وغيرهم في رد من طال عمره منهم إلى أرذل العمر ؛ فليس ذلك مختصاً بالكفار ، حتى يستثنى منهم المؤمنين. (الرابع) أن الله سبحانه لما أراد ذلك لم يخصه بالكفار بل جعله لجنس بني آدم ، فقال : ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ﴾ (الحج: من الآية5) فجعلهم قسمين : قسماً متوفى قبل الكبر ، وقسماً مردوداً إلى أرذل العمر، ولم يسمه أسفل سافلين.
(الخامس) أنه لاتحسن المقابلة بين أرذل العمر ، وبين جزاء المؤمنين ، وهو سبحانه قابل بين جزاء هؤلاء وجزاء أهل الإيمان . فجعل جزاء الكفار أسفل سافلين . وجزاء المؤمنين أجراً غير ممنون .
(السادس) أن قول من فسره بأرذل العمر يستلزم خلو الآية عن جزاء الكفار وعاقبة أمرهم . ويستلزم تفسيرها بأمبر محسوس ؛ فيكون قد ترك الإخبار عن المقصود الأهم. وأخبر عن أمر يعرف بالحس والمشاهدة . وفي ذلك هضم لمعنى الآية وتقصيره بها عن المعنى اللائق بها.
(السابع) أنه سبحانه ذكر حال الإنسان في مبدأه ومعاده ؛ فمبدؤه خلقه في أحسن تقويم ، ومعاده رده إلى أسفل سافلين أو إلى أجر غير ممنون . وهذا موافق لطريقة القرآن وعادته في ذكر مبدأ العبد ومعاده . فما لأرذل العمر وهذا المعنى المطلوب المقصود إثباته والاستدلال عليه؟!
(الثامن) أن أرباب القول الأول مضطرون إلى مخالفة الحس ، وإخراج الكلام عن ظاهره والتكلف البعيد له ، فإنهم إن قالوا : إن الذي يرد إلى أرذل العمر هم الكفار احتاجوا إلى التكلف لصحة الاستثنناء ؟ فمنهم من قدر ذلك بأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لاتبطل أعمالهم ، إذا ردوا إلى أ رذل العمر، بل تجري عليهم أعمالهم التي كانوا يعملونها في الصحة ؛ فهذا - وإن كان حقاً- فإن الاستثناء إنما وقع من الرد لامن الأجر والعمل . ولما علم أرباب هذا القول مافيه من التكلف خص بعضهم الذي آمنوا وعملوا الصالحات بقراءة القرآن خاصة . فقالوا من قرأ القرآن لايرد إلى أرذل العمر . وهذا ضعيف من وجهين (أحدهما) أن الاستثناء عام في المؤمنين ، قارئهم وأميهم ، وأنه لادليل على ماادعوه ، وهذا لايعلم بالحس ، ولاخبر يجب التسليم له يقتضيه والله أعلم .
(التاسع) أنه سبحانه ذكر نعمته على الإنسان بخلقه في أحسن تقويم ، وهذه النعمة توجب عليه أن يشكرها بالإيمان وعبادته وحده لاشريك له ، فينقله حينئذ من هذه الدار إلى أعلى عليين ، فإذا لم يؤمن به ، وأشرك به ، وعصى رسله ، نقله منها إلى أسفل سافلين ، وبدله بعد هذه الصورة التي هي في أحسن تقويم صورة من أقبح الصور في أسفل سافلين . فتلك نعمته عليه ، وهذا عدله فيه وعقوبته على كفران نعمته. (العاشر) أن نظير هذه الآية قوله تعالى : ﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ (الانشقاق :24-25) ، فالعذاب الأليم هو أسفل سافلين ، والمستثنون هنا هم المستثنون هناك ، والأجر غير الممنون هناك هو المذكور هنا والله أعلم.) [ التبيان : 56-58 ]

النموذج الثالث : قال رحمه الله بعد ذكره للخلاف الوارد عن السلف في تفسير "العاديات" ، و"الموريات" في سورة العاديات : ( ... وتفسير الناس يحاور على ثلاثة أصول :
• تفسير على اللفظ . وهو الذي ينجو إليه المتأخرون .
• وتفسيره على المعنى . وهو الذي يذكره السلف .
• وتفسير على الإشارة والقياس . وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم. وهذا لا بأس به بأربعة شرائط :

أن لا يناقض معنى الآية ، وأن يكون معنى صحيحاً في نفسه ، وأن يكون في اللفظ إشعار به ، وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم .
فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطاً حسناً.) [ التبيان ص85 ]

النموذج الرابع : قال رحمه الله بعد أن فسر آيات سورة البروج معلقاً على ما تضمنته هذه السورة من المعاني العظيمة : ( فهذه السورة كتاب مستقل في أصول الدين ، تكفي من فهمها . ) [ التبيان : 103 ] .

النموذج الخامس : نبّه رحمه الله على لطيفة رائعة عند بيانه لمعنى قول الله تعالى : ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴾ (الطارق:9) ، فقال : ( وفي التعبير عن الأعمال بالسر لطيفة ، وهو أن الأعمال نتائج السرائر الباطنة ؛ فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحاً ، فتبدو سريرته على وجهه نوراً وإشراقاً وحياء .
ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعاً لسريرته ، لا اعتبار بصورته ، فتبدو سريرته على وجهه سواداً وظلمة وشيناً. وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته ، فيوم القيامة تبدو عليه سريرته ، ويكون الحكم والظهور لها.) [ التبيان ص110 ]
 
وفي هذا الكتاب نفائس كثيرة، وقواعد تفسيرية مهمة، وهو يعد أهم ما كتبه الإمام ابن القيم في التفسير.
ويمكن تحميل الطبعة المشار إليها في هذا الموضوع من هذا الرابط: التبيان في أيمان القرآن
 
قوله تعالى : ﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ (الانشقاق :24-25) ،
لعل الأظهر أنّ قوله تعالى : ((لهم أجر غير ممنون)) جملة منفصلة مكوَّنة من مبتدأ وخبر .
فلو وقف القارئ على قوله تعالى : (( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات )) ثم ابتدأ بـ ((لهم أجر غير ممنون)) فلا إشكال .

للمدراسة .
 
عودة
أعلى