صدر حديثاً : الأثر الفلسفي في التفسير

أحمد الطعان

مستشار
إنضم
15/12/2005
المشاركات
452
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
سوريا - دمشق
بسم الله الرحمن الرحيم
بحمد الله عز وجل وتوفيقه فقد صدر عن دار النوادر في دمشق كتاب // الأثر الفلسفي في التفسير // وهو عبارة عن رسالة الدكتوراه للأخ والصديق العزيز الدكتور بكار الحاج جاسم وهو باحث من سوريا وقد حصل على الدكتوراه من كلية دار العلوم - جامعة القاهرة سنة 2003 بمرتبة الشرف الأولى .







[align=center]وهذه مقدمة الرسالة [/align]

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم ، وأكرمنا بنور الفهم ، وافتح علينا بمعرفة العلم ، وسهل أخلاقنا بالحلم ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أما بعد:
فإن للعلم مكانةً رفيعةً في الإسلام ، ارتفعت هذه المكانةُ منذُ نزولِ أولِ آيةٍ في القرآن الكريم ، وتعد الحكمةُ أعلى درجاتِ العلم ، مَنْ يُؤْتَهَا فقد أُوتِيَ خيراً كثيراً ، وقد حثَّ القرآن الكريم المسلمين على التفكر والنظر في الآفاق والأنفس ، وكذلك حثهم على النظر في تاريخ الأمم والشعوب.
ولهذا اندفع جمهور المسلمين إلى تلقف العلوم والمعارف ، غير ملتفتين إلى اختلاف المذاهب والملل ، فالعلم لا يعرف مذهباً ولا ملة ، فهو رَحِمٌ بين الناس جميعاً ، فاطَّلَعوا على كثير من العلوم العقلية والفلسفية ، فأخذوا منها ما وافق الكتابَ والسنة ، وتركوا ما خالفهما، غير أن جماعةً من المسلمين قد شُغِفَتْ حبَّاً بالفلسفة ، فتبنوها ودافعوا عنها ، حتى صارتِ الفلسفةُ لصيقةً بهم ، فإذا ما أُطْلِقَتْ فإنه يتبادر إلى الذهن أقوالُ هذه الجماعةِ التي عُرِفَتْ بفلاسفة الإسلام .
وعندما حاول هؤلاءِ الفلاسفةُ التقريبَ بين الفلسفة والشريعة ، اضطروا إلى تأويل كثيرٍ من النصوص ، لتتفقَ مع فلسفتهم ، وعندئذٍ انبرى لهم جمهور المسلمين ـ ومنهم المفسِّرون ـ فاتخذوا موقفاً رافضاً لهذا النوعِ من التلفيق ، وحكم الكثيرُ منهم على الفلسفة بأنها زيغٌ وضلالٌ ، يَمْتَنِعُ تعلمُها ، ورأى بعضُهم أن تعلمَها كتعلم السحر ، يُقْتَصر على الضرورة والحاجة ، وذهب آخرون إلى مطالعة الفلسفة ، فَقَبِلُوا منها بقدر ما يتفق مع الكتاب والسنة، وردُّوا على ذلك التلفيقِ بالأدلة العقلية المُسَلَّم بها من قبل الجميع.
ولعل هذه الدراسةَ هي الأولى في بيان الكشف عن الأثر الفلسفي في التفسير ، حيث لم أجدْ ـ فيما اطَّلعتُ عليه ـ مَنْ اهتم بالتفسير الفلسفي ، والكشفِ عن أثر الفلسفة في التفسير ، سوى إشاراتٍ سريعةٍ من بعض الباحثين ، أهمها ما ذكره الدكتور الذهبي في كتابه"التفسير والمفسرون". ومن هنا تَبْرُزُ أهميةُ هذه الدراسة ، حيث كشفتْ عن علاقة التفسير بالفلسفة ، ومدى تأثر المفسِّرين بها ، سواءٌ كان قبولاً لها أو رفضاً.
وكان من أبرز الصعوبات التي واجهتني في هذه الدراسة ، عمومُ عنوانِ البحث ، فالعنوانُ ـ كما هو واضحٌ ـ عامٌّ غيرُ مقيدٍ بفترةٍ زمنيةٍ ، ولم يكنْ من الممكن تقييدُهُ ؛ لأن الأثرَ الفلسفيَ في كتب التفسير لم يكنْ محصوراً بفترةٍ زمنيةٍ ، وإنما امتد أثرُهُ إلى كتب التفسير المعاصرة ، ولتذليلِ هذه العقبةِ صنفتُ التفاسيرَ إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: وهي التفاسيرُ المكثِرةُ من إبراز المسائلِ الفلسفية ، واخترتُ منها: تفسيرَ الفخرِ الرازي(ت:606ه‍) ، وتفسيرَ النيسابوري(ت:728ه‍) ، وتفسيرَ صدرِ المتألهين الشيرازي(ت:1050ه‍) ، وتفسيرَ الآلوسي(ت:1270ه‍) ، وتفسيرَ الطباطبائي(ت:1402ه‍). فهذه التفاسيرُ الخمسةُ تكادُ تكون قد استوعبتْ جميعَ مسائلِ الفلسفة.
المجموعة الثانية: وهي التفاسير التي لم تُكْثِر من المسائلِ الفلسفية إكثارَ المجموعة الأولى ، واخترت منها: تفسيرَ البيضاوي(ت:691ه‍) ، وتفسيرَ أبي حيان الأندلسي(ت:745ه‍)، وتفسيرَ أبي السعود العِمادي(ت:982ه‍)، وتفسيرَ المنار ، وتفسير ابن عاشور(ت: 1973م).
المجموعة الثالثة: وهي بقيةُ التفاسيرِ التي ذُكِرتْ في البحث ، وخاصة التي اشتُهِرتْ بالتفسير المأثور ، كتفسير الطبري(ت:310ه‍) ، وتفسير ابن كثير(ت:774ه‍) ، فهذه التفاسيرُ وغيرُها من التفاسيرِ التي جاء ذكرُها في البحث لم تُعْنَ في إبراز المسائلِ الفلسفية.
هذا فيما يتعلق بمصادرِ التفسير ، وأما ما يتعلق بمصادرِ الفلسفة فالأمرُ كان أيسرَ ، فقد اقتصرتُ على الفلسفة المشائية ، حيث كانت هي المعنى المرادَ من كلمة الفلسفة عند المفسِّرين ، ومن ثَمَّ فليستْ كلمةُ الفلسفة في عنوان هذه الدراسة على إطلاقها ، وإنما هي مقيدةٌ بالفلسفة المشائية. وكذلك كانت مصادرُها كثيرةً أيضاً، ولهذا صنفتُها إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: وهي بعضُ الكتبِ المترجمة لأفلاطون(ت:347ق.م) وأرسطو(ت:322ق.م) من فلاسفة اليونان ، ورسائلُ ومؤلفاتُ فلاسفةِ الإسلام ، كالكندي(ت:252ه‍) ، والفارابي(ت:339ه‍)، وابن سينا(ت:428ه‍) ، وابن رشد(ت:595ه‍). فمصادرُ هؤلاء الفلاسفةِ كانت هي المصادرُ الأولى في البحث .
المجموعة الثانية: وهي مؤلفاتُ بقيةِ الفلاسفة المشائين ، فقد رجعتُ في كثيرٍ من المسائلِ إلى رسائلِ إخوان الصفا وخلانِ الوفاء (في القرن الرابع الهجري) ، وإلى أبي الحسن العامري(ت:381ه‍)، وابن باجه(ت:533ه‍) ، وأبي البركات البَغدادي(ت:547ه‍) ، وابن طفيل(ت:581ه‍) ، وشهابِ الدين السُّهروردي(ت:587ه‍) .
وقد اقتضى عنوانُ البحث أن يكونَ المنهجُ العامُّ لهذه الدراسة هو المنهجُ الوصفيُ ، حيث تتبعتُ الأثرَ الفلسفيَ في كثيرٍ من كتب التفسير ، فجمعتُ المسائلَ الفلسفيةَ المتفرقة ، ورتبتُها الترتيبَ الذي جاء في خِطة البحث كما سنرى ، وقدمتُ في كل مسألةٍ عرضاً مُخْتَصَرَاً عن رأي بعض الفلاسفة فيها ، ومن ثَمَّ أعرضُ رأيَ المفسِّرين الذين تحدثوا في تلك المسألة حديثاً فلسفياً ، سواءٌ كان ردَّاً لرأي الفلاسفة أو قبولاً. وكنتُ أَحْرِصُ ـ غالباً ـ على ذكر الآيات الكريمة التي تحدَّث عند تفسيرها المفسِّرون حديثاً فلسفياً ، وذلك لتتضحَ المناسَبَةُ بين كلامه الفلسفي وتفسيرِ الآيات الكريمة.
وهذه الطريقةُ في تناول المسائلِ اقتضتْ المنهجَ المقارَن ، وذلك من حيث ذكرُ الرأيِّ الفلسفيِّ من مصدره ومقارنتِه برأي المفسِّر ، وبيانِ مدى التوافقِ بينَهُما أو المخالفة. ولم تخلو الدراسةُ من النقد والتقييم لتلك الآراء ، وخاصة إذا كان الرأيُّ المذكـورُ مخالفاً للقرآن الكريم، أو لجمهور المفسِّرين ، وهذا هو المنهجُ النقديُّ الذي جاء متمماً للمنهجين السابقين، وأرجو من الله أن أكون قد قاربتُ السدادَ والصوابَ في ذلك.
وقد جاءتْ خِطةُ البحث في مدخلٍ ، وثلاثةِ أبواب ، وخاتمة ، فأما المدخل فجاء بعنوان التعريفِ بمصطلحات البحث ، فعرَّفتُ بمصطلح الفلسفة ، وبمصطلح التفسير.
وأما الباب الأول فجاء تحت عنوان الإلهــيات ، ويشتمل على فصلين: الفـصلِ الأول: بعنوان وجودِ الله تعالى وأدلتهِ ، والفصلِ الثاني: بعنوان الأسماءِ والصفات الإلهية .
وأما الباب الثاني فجاء تحت عنوانِ العـــــــــالَم ، ويشتمل على ثلاثة فصول: الفـصلِ الأول: بعنوان خَلْقِ العالَم وفنائهِ ، والفصلِ الثاني : بعنوان العالَم ِالعلوي ، فتحدثت عن عالَمِ الأفلاك والكواكب ، وعن العرش والكرسي والملائكة. والفصلِ الثالث: بعنوان السببيةِ الكونية ودخولِ الشر في القضاء الإلهي.
وأما الباب الثالث فجاء تحت عنوان الإنســـــــان ، ويشتمل على أربعة فصول: الفصلِ الأول: بعنوان النفسِ الإنسانية ، فتحدثتُ عن حقيقة النفس وقُوَاها ، وعن مبدئِها ومَعادِها. والفصلِ الثاني: بعنوان المعرفةِ والأخلاق. والفصلِ الثالث: بعنوان الحريةِ الإنسانية . والفصلِ الرابع: بعنوان النبـــــــــــوة .
ثم جاءتْ الخـــــــاتمــــــة وتتضمن أهمَ نتائجِ البحث ، وقد لاحظتُ من خلال جمع المادة العلمية لهذه الدراسة أن للكلام والتصوف أثراً واضحاً في التفسير أيضاً ، قد يفوق الأثرَ الفلسفيَ بكثير ، فأوصي الباحثين بدراسة أثر الكلام والتصوف في التفسير ، لتكتمل بذلك جوانب التأثيرات الفكرية في التفسير.
شكر وتقدير
أولاً: أشكر الله الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [سورة الأعراف: 43]. ومن ثَمَّ أشكر مَنْ أوجب الله تعالى عليَّ شكرهما ، وهما والدَيَّ الكريمان ، وأسأل الله تعالى أن يجعلَ ثوابَ هذا العملِ في صحيفتيهما.
ثانياً: وانطلاقًا من قول النبي: (مَنْ لا يشكرُ النَّاسَ لا يشكرُ الله).
 أتوجَّه بالشكر الجزيل إلى أستاذي الفاضل الأستاذِ الدكتور/ عبدِ الحميد مدكور، أستاذِ الفلسفة الإسلامية بدار العلوم ، الذي أكرمني وأسعدني بالإشراف على هذا البحث ، ولا أملك ردَّاً لفضل إحسانه عليَّ سوى التوجهَ إلى المولى داعياً له بالسداد والثبات ، وأن يبارك له في عمره وعلمه ، فقد بذل جهداً كبيراً ، سجلته أنامله الطاهرة على ورقات هذا البحث ، الذي قلما تخلو ورقةٌ منه من ملاحظة وتوجيه وتسديد ، فجزاه الله تعالى خير الجزاء .
ولا يفوتني أن أذكرَ بالخير والفضل أستاذيَ المرحومَ الأستاذَ الدكتور عبد المقصود عبد الغني الذي أشرف على هذا البحث أيضاً ، فكان نعم الأستاذ ، رحمه الله تعالى ، وأدخله في عباده الصالحين.
كما أتوجه بجزيل الشكر والامتنان إلى الأستاذَيْن الفاضلين اللذَيْنِ شَرُفْتُ بقَبولهما مناقشةِ هذه الرسالةِ وتقويمِها:
 الأستاذ الدكتور/ عبد الفتاح أحمد فؤاد ، أستاذ الفلسفة بكلية التربية / جامعة الإسكندرية.
 الأستاذ الدكتور/ السيد رزق الحجر ، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم /جامعة القاهرة.
 كما أتوجه بالشكر والتقدير إلى أساتذةِ قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم ، فقد فتحوا لنا دارَهم وأكرمونا غايةَ الإكرام ، فجزاهم الله تعالى خير الجزاء .
 كما أتوجَّه بعميق الشكر والتقدير إلى كلِّ مَنْ كان عوناً لي في إنجاز هذا العمل .

وأخيراً فهذا جهد المقِل ، والضعف من سمة البشر، وحسبـي أني اجتهدت وقدمت ما بوسعي ، وليس لي إلا أن أقول:لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [سورة البقرة: الآية: 286] .
آمين آمين والحمد لله رب العالمين


[align=center]وهذه خاتمة الرسالة [/align]

/ وبعد هذه الدراسة في بيان الأثر الفلسفي في التفسير ، جاءت هذه الخاتمة متضمنة أهم النتائج التي توصلتْ إليها هذه الدراسة ، وهي:

أولاً: إن مصطلح الفلسفة يُرَاد به عند المفسِّرين ـ في الأغلب ـ فلسفة اليونان ، وخاصة فلسفة أفلاطون وأرسطو ، ومَنْ تبعهم من فلاسفة الإسلام ، كالكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد ، وكانوا يطلقون عليها لفظ الحكمة أيضاً ، ويطلقون على الفلاسفة لفظ الحكماء . وكلمة الحكمة قد ورد ذكرها في القرآن الكريم ، وقد فُسِّرَتْ بمعانٍ متعددة، منها: المواعظ في القرآن الكريم ، والنبوة ، والفقة ، وقد اختار بعض المفسِّرين فضلاً عن هذه المعاني المعنى الفلسفي الذي أراده بعض الفلاسفة أنفسهم لمعنى الفلسفة أو الحكمة ، وهي التشبه بالإله أو التخلق بأخلاق الله تعالى ، بقدر الطاقة الإنسية ، وكذلك قسَّموا الحكمة ـ كما قسَّمها الفلاسفة ـ إلى قسمين: الحكمة النظرية ، والحكمة العملية.

ثانياً: إن فلاسفة الإسلام لم ينكروا الدليل النقلي المتمثل في الوحي (القرآن والسنة) ، ولكن جعلوه في المرتبة الثانية بعد الدليل العقلي ، فما وافق الدليل العقلي قبلوه وما خالفه أوَّلوه ، فالدليل العقلي عندهم هو الميزان لقبول الدليل النقلي ، وقد ظهرت هذه النـزعة الفلسفية في بعض كتب التفسير ، كتفسير الرازي والنيسابوري والشيرازي والآلوسي والطباطبائي ، ظهرت هذه النـزعة في تأويل النصوص ، وتقديم الدليل العقلي على الدليل النقلي من حيث الاستدلال ، في كثير من المسائل.

ثالثاً: لقد تباينت مواقف المفسِّرين من الفلسفة عموماً ، فرفضها بعضهم رفضاً تاماً ، وقبلها بعضهم قبولاً تاماً ، ووقف آخرون موقفاً وسطاً بين الطرفين ، ففرَّقوا بين الفلسفة والفلاسفة([1])، فقبلوا الفلسفة باعتبار أنها علم واجتهاد عقلي ، وردوا أكثر الآراء التي جاء بها الفلاسفة ، وذموها وسفهوها ؛ بحجة معارضتها للقرآن الكريم ، وخاصة فيما يتصل بالإلهيات والغيبيات ، فرأوا أن هذه المسائل تتلقى من الشارعI، ومع هذا نجد أنهم دخلوا في المحظور الذي أُنْكِر على الفلاسفة ، فأوَّلوا كثيراً من الآيات المتعلقة بالإلهيات والغيبيات ، فضلاً عن الآيات المتعلقة بالطبيعيات ، وكان بعض المفسِّرين يتكلَّف ـ أحياناً ـ في تأويل ظاهر الآيات الكريمة ، ليؤكد قبوله أو رفضه للرأي الفلسفي ، وهذا يؤيد عدم معارضتهم للفلسفة من حيث إنها بحث عقلي ، ومحاولة لفهم الحقائق كما هي عليه في نفس الأمر.

رابعاً: كان للفلسفة أثر واضح في إعمال الرأي والعقل في كثير من التفاسير ، وقد اشتُهِرَتْ تلك التفاسير بالتفسير بالرأي ، كتفسير الرازي والآلوسي ، وذلك بخلاف التفاسير التي اشتهرت بالتفسير المأثور، كتفسير الطبري وابن كثير. والتفسير بالرأي ليس على إطلاقه، بل له شروط وضوابط ؛ لأن التفسير بمجرد الرأي حرام باتفاق المفسِّرين ، ورد النهي عنه في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

وأثر الفلسفة في إعمال العقل يعد أثراً غير مباشر ، أما أثرها المباشر فيتمثل في عرض ومناقشة آراء الفلاسفة أنفسهم ، وهذا الأثر على نوعين: الأول: الأثر الإيجابي ويتمثل في رفض الرأي الفلسفي المخالف للنص. والثاني: الأثر السلبي ويتمثل في قبول الرأي الفلسفي، وتأييده بتأويل ظاهر النص . وهذا النوع ـ أعني الأثر السلبي ـ كان محدوداً بالنسبة إلى كمية التفاسير التي بين أيدينا.

خامساً: أثبتت هذه الدراسة أن بعض المفسِّرين بحثوا أغلب المسائل الفلسفية بحثاً عقلياً فلسفياً ، ولكن كان ذلك في مواضع متفرقة في تفاسيرهم ، وقد جمعتْ هذه الدراسة تلك المواضع ، ورتبتها الترتيب المذكور في خطة البحث ، مما مَكَّن من إبراز موقف متكامل لدى أولئك المفسِّرين من القضايا الفلسفية .

سادساً: أثبتت هذه الدراسة رفض أكثر المفسِّرين لرأي الفلاسفة في المسائل الإلهية ، وإذا ذكر أحد المفسِّرين رأياً لهم فإنما يذكره ليكر عليه بالبطلان ، وهذا نوع من التأثر، ولكنه تأثر إيجابي كما قلت ، حيث كان المفسِّر يرى أن من واجبه أن يدفع عن كتاب الله تعالى زيغ المضلين ، وتأويل المبطلين .

سابعاً: قد تأثر بعض المفسِّرين تأثراً سلبياً بما قاله الفلاسفة في المسائل الإلهية ، ابتداء من الحديث عن الوجود والماهية ، فرأوا أن وجود الله تعالى عين ماهيته ، ورأوا أن ماهيات الأشياء ثابتة أزلاً ، غير مجعولة. ثم تحدثوا عن أدلة وجود الله تعالى ، فاستدلوا بأدلة الفلاسفة في إثبات وجودهI، كدليل الإمكان والحركة ، ورأوا في تفسيرهم لبعض الآيات الكريمة ما يشير إلى هذه الأدلة. وكذلك تـأثروا بما قاله الفلاسفة في حديثهم عن الصفات الإلهية ، فقد قسَّموا الصفات إلى قسمين: صفات سلبية ، وصفات ثبوتية ، ورأوا أن صفاتهI هي عين ذاته.

ثامناً: أثبتت هذه الدراسة تأثر كثير من المفسِّرين بما قاله الفلاسفة عن الأفلاك والكواكب وحركاتها ، وأكثر ما قالوه قد أثبت العلم الحديث(التجريبي) بطلانه.

تاسعاً: أثبتت هذه الدراسة تأثر أغلب المفسِّرين بالمسائل المتعلقة بالنفس الإنسانية من حيث التعريف بها ، والحديث عن قواها ، وفضائلها الخُلُقية .

عاشراً: أثبتت هذه الدراسة أن بعض المفسِّرين تأثر بالفلسفة من حيث استعمال المصطلح الفلسفي ، كواجب الوجود ، وممكن الوجود ، والمبدأ الأول ، والعقل الأول ، والصدور والفيض ، وعالم الصور والمثل… إلخ.

حادي عشر: استعمل بعض المفسِّرين علم المنطق ، وخاصة الأقيسة المنطقية ، كالقياس الاستثنائي ، والقياس التمثيلي ، ولكن لم يكن هذا الاستعمال بارزاً في التفسير ، كما هو شأن الفلسفة ومصطلحاتها .

ثاني عشر: أثبتت هذه الدراسة أن الأثر الفلسفي لم يكن محصوراً بفترة زمنية معينة مضت وانتهت ، وإنما كان ممتداً إلى كتب التفسير المعاصرة .

ثالث عشر: ثبت لنا من خلال هذا البحث أن تفسير الرازي كان هو المصدر الأول الذي أفاد منه جمهور المفسِّرين الذين جاؤوا من بعده ، فتأثروا به تأثراً واضحاً ، وهذا الأثر لا يقتصر على مسائل الفلسفة فحسب ، بل له امتداد واسع في كثير من المسائل ، وهذا موضوع يستحق البحث والدراسة ، فأوصي الباحثين بالالتفات إليه.

رابع عشر: لاحظتُ من خلال جمع المادة العلمية لهذه الدراسة أن للكلام والتصوف أثراً واضحاً في التفسير أيضاً ، قد يفوق الأثر الفلسفي بكثير ، فأوصي الباحثين بدراسة أثر الكلام والتصوف في التفسير ، لتكتمل بذلك جوانب التأثيرات الفكرية في التفسير.

وأخيراً أقول:] سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ! وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ! وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[. [ سورة الصافات: 180 ـ 182].



--------------------------------------------------------------------------------

([1]) ولهذا سمَّى الإمام الغزالي كتابه "تهافت الفلاسفة" ، ولم يسمه تهافت الفلسفة ، وردَّ عليهم بالفلسفة ، أي: بالعقل والبرهان. فالفلسفة علم لا مانع من تعلمه ، وأما الآراء الفلسفية فيُؤخَذ منها ويُرَد .



[align=center]وهذا فهرس الرسالة [/align]


الفهرس العام

 الموضوع رقم الصفحة
 المقدمة 1
 مدخل: التعريف بمصطلحات البحث 9
المبحث الأول: التعريف بالفلسفة 10
المبحث الثاني: التعريف بالتفسير 39
 الباب الأول: الإلهيات 63
تمهيد 64
 الفصل الأول: وجود الله تعالى وأدلته 66
المبحث الأول: الوجود والماهية 67
المبحث الثاني: أدلة وجود الله تعالى 85
 الفصل الثاني: الأسماء والصفات الإلهية 132
المبحث الأول: لمحة عامة عن الأسماء والصفات 133
المبحث الثاني: الصفات السلبية 150
المبحث الثالث: الصفات الثبوتية 196
 الباب الثاني: العــــــــالَـــــم 244
تمهيد 245
 الفصل الأول: خَلْق العالَم وأدلة حدوثه 246
المبحث الأول: التعريف بالخَلْق وبالعالَم وترتيبه 247
المبحث الثاني: كيفية بدء خَلْق العالَم 262
المبحث الثالث: أدلة حدوث العالَم وبطلان القِدَم 279
المبحث الرابع: فناء العالَم 304
 الفصل الثاني: العالَم العلوي 312
المبحث الأول: عالَم الأفلاك والكواكب 313
المبحث الثاني: العرش والكرسي والملائكة 345
 الفصل الثالث: السببية الكونية ودخول الشر في القضاء الإلهي 371
المبحث الأول: السببية الكونية 372
المبحث الثاني: دخول الشر في القضاء الإلهي 399
 الباب الثالث: الإنـســــــــان 422
تمهيد 423
 الفصل الأول: النفس الإنسانية 424
المبحث الأول: تعريف النفس وحقيقتها 425
المبحث الثاني: منشأ النفس والبدن والعلاقة بينهما 444
المبحث الثالث: وحدة النفس وقواها 463
المبحث الرابع: المعاد 471
 الفصل الثاني: المعرفة والأخلاق 500
المبحث الأول: المعرفة الإنسانية 501
المبحث الثاني: التعريف بالأخلاق وبطبيعتها 529
المبحث الثالث: الفضائل الخُلقية والسعادة 552
 الفصل الثالث: الحرية الإنسانية 569
المبحث الأول: تعريف عام بالقضاء والقدر 570
المبحث الثاني: أفعال الإنسان بين الجبر والاختيار 580
 الفصل الرابع: النبــــوة 596
المبحث الأول: التعريف بالنبوة والأنبياء 597
المبحث الثاني: دلائل إثبات النبوة 629
 الخاتمة: وتتضمن أهم نتائج البحث 660
 فهرس المصادر والمراجع 665
 الفهرس العام 684


[align=center]قصة كتابة البحث:[/align]

أُوفِد الباحث إلى جامعة القاهرة كلية دار العلوم، للتخصص في التفسير، وقد قدَّر الله تعالى له الدراسة في قسم الفلسفة الإسلامية في الكلية، فرأى في ذلك فرصة للبحث المقارن بين التفسير والفلسفة، فاختار الأثر الفلسفي في التفسير، فجمع بهذا بين ما تعلمه من علوم الشريعة في كلية الشريعة بجامعة دمشق، والعلوم الفلسفية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة.
 
ما شاء الله تبارك الله .
شكر الله لكم يا أبا أسيد هذا العرض والتنويه بصدور الكتاب .
وأبارك للأخ الكريم المؤلف الدكتور بكار الحاج واسأل الله له المزيد من التوفيق والسداد .
 
موضوع مهم ومتميز، وزاد تميزه الخطة المعروضة التي سلكها المؤلف وفقه الله.

جزاكم الله خيرا.
 
الأخ المكرم الدكتور عبد الرحمن الشهري بارك الله في جهودكم الطيبة وجعلها في ميزان حسناتكم ...
هناك رسالة تظهر كلما حاولت الدخول إلى مركز رفع الصور أو رفع الملفات وهي أنني لا أملك الدخول إلى هذه الصفحة ,,, وربما تظهر لغيري أيضاً ... ما المشكلة ؟ وفقكم الله وأيدكم .
 
ما شاء الله
مبارك للدكتور بكار وشكرا للدكتور أحمد على هذا التعريف وموضوع مميز أسأل الله تعالى النفع به.
 
جزاكم الله خيرا
وأتمنى مزيداً من التوفيق للدكتور بكارالحاج جاسم وأسأل الله أن تكون
هذه الرسالة نواة مؤلفات جديدة

سبحانك لاعلم لنا إلا ماعلمتنا
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى