شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر (ت: 852هـ) رحمه الله تعالى (الدرس الأول)

عمر المقبل

New member
إنضم
6 يوليو 2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
المقدمة

حمداً لك يا من صحَّ سَنَدُ كلِّ كمالٍ إليه، فلا يحوم حوله قدح ولا إعلال، وشكراً لك على أياديك الحسان، المنزهة عن الضعف والإعضال، والصلاة والسلام على رسولك المرسل الموصول بشرائف الخلال، وعلى آله الذين أحاديث شرفهم مرفوعة غير موضوعة، وعلوم حديثهم لمن أرادها غير مقطوعة ولا ممنوعة، الموقوف - على حبهم - الفوز في المعاد، الموضوع من ناوأهم عن الاعتماد، وعلى أصحابه الذين عليهم يدور فلك الإسناد(1)، أما بعد:
فهذا شرح متوسط لـ"نخبة الفكر"، كتبته في الأصل تلبية لحاجة لمستها في الطلاب المبتدئين، وهنا أنا اليوم ـ وهذا ما لم يدر بخلدي ـ أضعه بين يدي إخواني من غير المختصين أكاديمياً في هذا الفن، والسبب أنني منذ بدأتُ في شرح هذا المتن عام 1415هـ، وكثير من المبتدئين يَشْكُون من طول الشروح الموجودة، أو من صعوبة عباراتها، التي تحول دون الاستفادة من هذا المتن المبارك.
وقد قصدتُ من هذا الشرح توضيح معانيها، والتركيز على مقاصد مؤلفها، مع الحرص على يسر العباردة؛ لأنني لم أجد شرحاً يناسب هذه الطبقة من طلاب العلم، اللهم إلا ما كان من شرح الشيخ/ خالد بن عبدالله باحميد الأنصاري، أثابه الله، وقد طبع عام 1422هـ.
وقد وفّق كثيرا في مقصوده، لكن أبرز ما يلاحظ عليه نقصُ الأمثلة فيما يذكره الحافظ من مسائل، مع أن ضرب الأمثلة من أهمّ ما يرسّخ المعنى.
كما أنه أغفل ـ ولعله قصد الاختصار ـ التنبيه على بعض تقييدات الحافظ لبعض المصطلحات التي أطلقها الأئمة على بعض المصطلحات، والتي ربما ظن المبتدئ أنها لا تطلق إلا على تلك الصورة، فيقع عنده لبس إذا تقدم في العلم، فحرصت على التنبيه على هذا من غير دخول في التفاصيل، إذ التفاصيل تطلب في المطولات.
كما حرصتُ على وضع المشجرات، والرسوم البيانية التي تعين على تصور المسائل المتشعبة، وقد جعلت هذه الرسوم مبثوثة في ثنايا الشرح؛ لما رأيت من أثره على الطلاب عند شرحي لهذا المتن.
أسأل الله تعالى بمنّه وكرمه أن يتقبل هذا الشرح، وأن يعفو عن زللي وتقصيري، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــ







([1]) اقتباس هذه المقدمة من مقدمة الصنعاني في شرحه على كتاب ابن الوزير "معاني تنقيح الأنظار": (1/1).
 
بين يدي الشرح

يحسن قبل البدء بالشرح، أن أشير إلى تأريخ التصنيف في علوم الحديث باختصار، فأقول:
التصنيف في هذا الفن مرّ بثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: هي بث علوم الحديث في مقدمات أو خواتيم الكتب التي أُلفت في السنة قديماً، ومن أبرز الأمثلة:
1 ـ مقدمة الإمام مسلم : : فإنه ذكر فيها جملة من علوم الحديث، في صياغة أدبية راقية وعالية، وتكلم فيها على الرواية عن الضعفاء، وتكلم على طبقات الحفاظ، وتكلم على قضية التدليس والإرسال الخفي أيضاً، كما تكلم عن الحديث المرسل، وغيرها من المسائل.
2 ـ في مقدمة الإمام الدارمي لمسنده: فإنه ذكر فيها جملة من الأبواب المتعلقة بالرواية عن الضعفاء، والكتابة عن الثقات، وغير ذلك من الموضوعات.
3 ـ خاتمة جامع الإمام الترمذي : : فإنه ختم بكتاب العلل الصغير، الذي شرحه الحافظ ابن رجب :.
4 ـ بعض مقدمات كتب البيهقي : : فإنه ذكر جملةً من أنواع علوم الحديث، ومن اطلع ـ مثلاً ـ على مقدمة كتابه "دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ج" يجد أنه ذكر في المقدمة ـ مع قصرها ـ جملةً من الأنواع المتعلقة بعلوم الحديث.
لكن هذه المقدمات والخواتيم لم يقصد مؤلفوها أن يجعلوها مستقلة، إنما ذكروا فيها شيئاً كانوا يحتاجون إلى إيضاحه وبيانه ([1]).
المرحلة الثانية: لتصنيف المستقل في علوم الحديث، وقد بدأ ذلك في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، ولعله قبيل النصف الثاني تحديداً.
وأول من صنّف في هذا الفن ـ كما نص عليه ابن حجر في "النزهة"([2]) ـ هو الإمام أبو محمد، الحسن بن عبدالرحمن بن خلاّد الفارسي الرامهرمزي القاضي (ت: 360) في كتابه: "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"([3]).
وقد قال الحافظ ابن حجر ـ في "النزهة"([4]) ـ عن كتابه : "لكنه لم يستوعب"؛ لأنه أوّلُ من صنّف في الفن على هذا النحو، ومن كان كذلك فمن الطبيعي أن لا يستوعب، ولكن له شرف وفضل السبق.
ثم جاء بعده الإمام أبو عبدالله الحاكم ـ صاحب المستدرك ـ (ت: 405 هـ) فألف في علم المصطلح كتابه المشهور: "معرفة علوم الحديث" لكن يعوزه تهذيب وترتيب، كما يقول الحافظ ابن حجر.
ثم جاء بعده أبو نعيم صاحب "الحلية" (ت: 430هـ)، فألف مستخرجاً على كتاب الحاكم، وذكر فيه جملة من أنواع علوم الحديث، وأبقى أشياء للمتعقب، كما يقول ابن حجر :.
ثم جاء بعدهم الحافظ الخطيب البغدادي (ت: 463هـ) فألف كتابه الكبير المشهور "الكفاية"، وهذا الكتاب بث فيه الخطيب جملةً كبيرةً جداً من علوم الحديث، لكنه رواها بالأسانيد؛ فطال الكتاب.
وليس هذا هو الكتاب الوحيد للخطيب في الفن، بل كاد أن لا يترك نوعاً من أنواع علوم الحديث إلا وألف فيه :، حتى قال الحافظ أبو بكر ابن نقطة :: "وله مصنفات في علوم الحديث لم يسبق إلى مثلها، ولا شبهة عند كل لبيب أن المتأخرين من أصحاب الحديث عيال على أبي بكر الخطيب :"([5]).
ولذا كان دور كثيرٍ ممن جاء بعده أن يلخص أو يتعقب أو يستدرك أو يرتب في الأعم الأغلب.
ثم جاء القاضي عياض (ت: 544هـ) فألف كتابه: "الإلماع إلى أصول الرواية وتقييد السماع" مطبوع، وبعده أبو حفص الميانجي (ت: 581هـ) فألف جزءً سمّاه: "ما لا يسع المحدث جهله".
هذه ـ بإيجاز ـ المرحلة الثانية من مراحل التصنيف في علم الحديث.
المرحلة الثالثة: الترتيب والتلخيص والتصنيف الدقيق لعلوم الحديث التي كتبها السابقون.
وأول من حمل هذه الراية: الحافظ أبو عمرو بن الصلاح : (ت: 643هـ) وذلك أنه حين ولي التدريس في المدرسة الأشرفية في دمشق([6]) - التي بنيت سنة (628هـ) - كان قد رأى أن طلاب علم الحديث يجدون صعوبة في تحصيل علوم الحديث، خاصة بعد أن طالت الأسانيد على الناس، وضعفت الهمم، إلى غير ذلك من الأسباب، ففكر في طريقة يقرب فيها هذا العلم، فهداه الله إلى أن صار يملي في كل درس ومجلس علمي نوعاً أو أكثر من أنواع علوم الحديث، فمع الوقت اجتمعت له هذه الأنواع، فطبع فيما بعد باسم "مقدمة ابن الصلاح" واسمه: "معرفة علوم الحديث"([7]).
فبدأ ـ بعد المقدمة ـ بنوع الصحيح، فذكر تعريفه، ومثالاً عليه، ثم بعض المسائل المتصلة بذلك النوع، ثم الحسن، ثم الضعيف، وهكذا في أنواع متتابعة، حتى اجتمع له من ذلك عشرات الأنواع التي بلغت خمسةً وستين نوعاً، فكان له شرف هذا التقريب والتسهيل والترتيب على طلاب علم الحديث.
ولكن أبرز ما أُخِذَ على الكتاب: أنه لم يُرتَّب ترتيباً دقيقاً، والسبب ـ كما بينه الحافظ ابن حجر وغيره من الحفاظ ـ أن ابن الصلاح أصلاً لم يقصد التأليف، إنما كان يملي تلك الأنواع إملاءً، فكَتَبه في حال الإملاء جمعٌ كبير من تلاميذه، فلم يقع مرتباً على ما في نفسه، وصار إذا ظهر له أن غير ما وقع له أحسن ترتيباً يراعى ما كتب من النسخ، ويحفظ قلوب أصحابها فلا يغيرها، وربما غاب بعضها فلو غير ترتيب غيره تخالف النسخ، فتركها على أول حالها([8]).
ومع هذا فيبقى له فضل السبق في التأليف على هذا النحو، ولهذا صار هذا الكتاب أشبه ما يكون بنقطة الارتكاز التي اتكأ عليها من كتب بعد ذلك في علوم الحديث، ولهذا يقول الحافظ ابن حجر: "فلا يحصى كم ناظم له، ومختصر، ومستدرك عليه، ومقتصر، ومعارض له، ومنتصر" ([9]).
فممن اختصره:
1 ـ الإمام النووي : في كتاب "التقريب والتيسير" الذي شرحه بعد ذلك الحافظ السيوطي في كتابه: "تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي".
2 ـ ابن دقيق العيد، في كتابه: "الاقتراح في بيان الاصطلاح" .
3 ـ ثم جاء بعده الحافظ الذهبي واختصر كتاب شيخه: "الاقتراح"([10]).
4 ـ ثم جاء الحافظ ابن كثير (ت: 774هـ) : فاختصره في كتابه المعروف "اختصار علوم الحديث"، الذي حققه محدث مصر في القرن الماضي، العلامة أحمد شاكر (ت: 1377هـ) :.
أما النظم، فمن أشهر من نظمه:
· الحافظ العراقي (ت: 806هـ)، والتي شرحها بنفسه، ثم شرحها بشرح نفيس الحافظ السخاوي (ت: 902 هـ).
·الحافظ السيوطي (ت: 911هـ) حيث نظمها، وعلق عليها الشيخ أحمد شاكر رحمهما الله([11]).
وأحسن شروح ألفية العراقي هو: شرح الحافظ السخاوي - تلميذ الحافظ ابن حجر - وهو شرح يكاد يستوعب كل ما قيل في علم المصطلح.​

ثم جاء ابن حجر : واختط طريقةً أخرى في ترتيب كتب المصطلح، فهو : لما انتقد كتاب ابن الصلاح بأنه غير مرتب؛ عاد ورتب كتاب ابن الصلاح بترتيب منطقي؛ ولهذا من يحفظ متن "النخبة" للحافظ ابن حجر فلن يجد صعوبة؛ لأنه مرتب ترتيباً منطقياً، خصوصاً النصف الأول من "النخبة"، بينما من أراد أن يحفظ كتاب ابن الصلاح، فسيجد أن هناك نوعاً من عدم الترتيب الذي أشار إليه الحافظ ابن حجر :.
وقد صارت "النخبة" بعد ذلك موضع عناية العلماء: حفظاً، وشرحاً، ونظماً.
فما المزايا التي جعلت العلماء يحتفون بهذا المتن المبارك؟
· جلالة المؤلف.
· حسن الترتيب التي أعانت على سهولة الحفظ.
· أنه أحد المصنفات التي صرّح ابن حجر أنه راض عنها ([12]).
· قرئت عليه في حياته، بل بعضهم قرأها عليه قراءة بحث ومدارسة.
· كثرة عناية العلماء بهذا المتن، وثناؤهم عليه، يقول الصنعاني:


وَبَعْدُ: فَـ(النُّخْبَةُ) في عِلْمِ(الأَثَرْ) *** مُخْتَصَرٌ يَّا حَبَّذَا مِن مُّخْتَصَرْ



س/ متى ألف ابن حجر هذا المتن؟
ج/ ألّف الحافظ (نخبة الفكر) وهو مقيم في بلاده بمصر، في عام(812هـ).
س/ ما اسم شرحه؟
ج/ نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر.
س/ ما منزلة هذا العلم (علم المصطلح) من العلوم الشرعية؟
ج/ علم مهمٌ، به تعرف أحوال المتن والسند، صحةً وضعفاً، قبولاً وردّاً.
وهو من علوم الآلة، التي يتوصل بها إلى غاية، وهي معرفة صحة الأخبار من ضعفها.
واعلم ـ رحمك الله ـ أن علوم الشريعة تنقسم إلى قسمين:
علوم مقصودة لذاتها: وهي العلوم التي كان يتداولها الصحابة: فَهْم معاني القرآن والسنة، والتفقه فيهما.
علوم آلة: وهي وسائل إلى القسم الأول، وتتجدد حسب الحاجة إليها، كعلم اللغة، وعلم المصطلح، وعلم أصول الفقه، ولهذا فإن بعض علوم الآلة لم يحتج إليها الصحابة؛ لأنها موجودة فيهم فطرة، كعلم اللغة، وكذلك بعض العلوم التي جدّت نتيجة التطور العلمي - كعلم المصطلح الذي نحن بصدده - فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا بحاجة كحاجة الذين جاءوا بعدهم إلى مدارسة ما يتعلق بعلوم الحديث؛ لأن بعض أنواع علوم الحديث لم يحتاجوا لها، فالأسانيد عندهم قصيرة جداً، فالصحابي إما أن يسمع الحديث من النبي ج، أو من صحابي مثله غالباً.
ولما طال الزمن قليلاً، وجاءت طبقة التابعين وأتباعهم؛ بدأت الحاجة إلى تدوين علم المصطلح الذي يستعين به طالبُ العلم على فهم الطريقة التي كان ينقد بها أئمةُ الحديث ما يُروى عن النبي ج، وما يروى عمن دونه من أحاديثٍ وأخبارٍ وآثارٍ - هل هي صحيحة أم ضعيفة -؟ ([13]).​
ـــــــــــــــــــــــــ
([1]) وههنا تنبيه: بعض العلماء يقول: إن الشافعي : أول من بث علوم الحديث في كتابه "الرسالة"، فهل هذا الكلام دقيق؟
الجواب: لا شك أن "الرسالة" فيها جملة من أنواع علوم الحديث، لكن "الرسالة" صنفت خصيصاً لعلم أصول الفقه، وتقيد مسائل هذا الفن.
فكان ذكر مباحث السنة فيها تبعاً؛ لأن الأصوليين ـ كما هو معروف ـ لهم تقريرات، ولهم آراء واختيارات في علوم الحديث، وإن كانت في عدد منها تخالف تقعيدات الأئمة المحدثين، وسنرى نماذج من هذه المخالفات في تقريرات المصنف :.

([2]) ص: (46).

([3]) قال عنه الحافظ الذهبي: هو الإمام الحافظ البارع، محدث العجم، أبو محمد، الحسن بن عبدالرحمن بن خلاد الفارسي الرامهرمزي القاضي، مصنف كتاب: "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" في علوم الحديث، وما أحسنه من كتاب! قيل: إن السِّلَفي كان لا يكاد يفارق كُمّه، يعني في بعض عمره.
وأول طلبه لهذا الشأن في سنة تسعين ومائتين، وهو حَدَث، فكتب وجمع وصنف، وساد أصحاب الحديث، وكتابه المذكور ينبئ بإمامته، ينظر: سير أعلام النبلاء (16/73).
والغريب! أن الرامهرمزي أديب ولغوي أكثر منه محدثاً، وهذا ظاهر لمن طالع أسماء مؤلفاته، فشهرته في الأدب واللغة أكثر من شهرته في الحديث، ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء.

([4]) ص: (47).

([5]) التقييد لمعرفة رواة السنن والأسانيد: (112) لابن النقطة.

([6]) وهذه المدارس كانت تشبه الجامعات في وقتنا، فيأتي العالم ويدرس فيها، ويكون لهذه المدارس ناظر من العلماء، وتعود النظارة فيها إلى القضاة، فهم الذين يعينون ويعزلون، اللهم إلا إن كان الباني له شرط معيّن.

([7]) وأنبه هنا إلى أن أحسن طبعاته التي وقفتُ عليها: هي التي حققها أخونا الشيخ طارق عوض الله، ومعها تعليقات العراقي على كتاب ابن الصلاح (المطبوع باسم: التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من مقدمة ابن الصلاح)، ونكتُ ابن حجر ـ رحم الله الجميع ـ.

([8]) كذا قال البقاعي، كما في (كشف الظنون: 2 /1162).

([9]) نزهة النظر: (51).

([10]) وهذا بناء على أحد القولين عند الباحثين: هل "الموقظة" اختصار للاقتراح أم هي اختصار لكتاب ابن الصلاح أصلاً؟ والخطب في هذا سهلٌ، وإن كنتُ أميل إلى أن الموقظة ليست اختصاراً للاقتراح، بل هي اختصار لكتاب ابن الصلاح.

([11]) ونظمُ العراقي ـ في ألفيته ـ أقوى من حيث التركيز، ونظم السيوطي أسهل من حيث السبك.

([12])فقد ذكر السخاوي : أن شيخه ابن حجر لم يكن راضيا عن شيء من تصانيفه سوى "الفتح"، ومقدمته(هدي الساري)، و"المشتبه"، و"التهذيب"، و"اللسان". الجواهر والدرر 2/659.

([13]) وعلم الإسناد –وعلوم الحديث بعامة- من مفاخر هذا الدين؛ فإنك لو قرأتَ لوجدت أن علوم بني إسرائيل حتى الكتب السماوية التي استحفظوها ضاعت! فلم يحفظوا كتب الله التي أنزلها اللهُ على رسله عليهم الصلاة والسلام، فهم لمِا سواها أضيع، ولذلك تجد الذي يُنقل عن موسى، أو عن عيسى عليه الصلاة والسلام ما ثبت منه قليل جداً، أمّا في هذه الأمة فتجد التدقيق في علم الرواية، والنقل والتثبت من نقل أقوال الأئمة أنفسهم، الذين يقولون: فلان ضعيف، فلان ثقة، فلان كذاب، فلان متروك، فما ظنك بكلام التابعين والصحابة! بل النبي عليه الصلاة والسلام!! أمّا القرآن فأمره ظاهر جداً.
قال بعض أهل العلم في قوله عز وجل: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾(الأحقاف:4): هو علم الإسناد.
ولولا الإسناد - كما قال بعض السلف- لقال في الدين من شاء ما شاء!
ولهذا لما يقول ابن سيرين كما في مقدمة صحيح مسلم: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة" أي: بين الصحابة ش, "قالوا: سموا لنا رجالكم" والسبب أن الأهواء في بعض التابعين بغير إحسان بدأت تظهر، ودخل في النفوس ما دخل من الهوى والبغي، وهذا من آثار الفتن، فاضطر الأئمة أن يسألوا عن الرجال من أجل التثبت والتبين؛ صيانة للسنة.
وهنا بدأت تنشأ علوم أخرى، وهكذا حتى تطور علم السنة إلى أن بلغ أَوْجَه وقِمته في القرن الثالث الهجري، وهو القرن الذي عاش فيه أشهر أئمة السنة - ابن معين، علي بن المديني، أحمد، البخاري، مسلم، أبو داود، الترمذي، النسائي، وغيرهم -فنشأت - تبعاً لهذا التطور في الرواية والتوسع في الأسانيد وطولها - أنواعٌ من علوم الحديث، وظهر الصحيح والضعيف، والمنقطع والمتصل، والموصول والمرسل، والموقوف والمرفوع، والمدلس... الخ، كما سيأتي.
 
لي طلب من الإخوة الأكارم الذين يحبون نقل هذا التعليق لمنتديات أخرى، أو مدونات ونحو ذلك، أن يعتمدوا نشر الرابط الذي وضعت عليه الشرح ههنا في هذاالملتقى، لا القص واللصق، ولهذا أهمية كبرى، وهو أنه إذا حصل تعديل أو تصويب لما قد يقع من أوهام أو أخطاء، فيكون التصحيح قد حصل في هذا الموقع، أما قص ولصق الموضوع فإنه لا يتحقق فيه ذلك.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
 
جزاكم الله خيرا ... شرح واضح مرتب ممهد ... هل تأذن لي بسؤال : قرأت ما ذكرتم من الكتب لم أفهم بل ألتبس على أنواع الضعيف ... وتوجهت لتفريغ الأشرطة لشروحها ولم أزدد إلا حيرة ثم توجهت للبيقونية وشرح الشيخ ابن عثيمين فحل الإلتباس لكن أحتاج أكثر من مثال وأسهاب وتمنيت أنه فصل بالأمثلة أكثر لوضوح شرحه رحمه الله سؤالي هل علم الحديث من أصعب علوم الألة لهذه الدرجة أم أنا سلكت الطريق خطأ بالإكتفاء بالقرأة بدل حلقة المسجد..؟ ثم هل لابد من إنهاء أكثر متون علم الحديث حتى يتم إستيعابه أم يكتفى بهذا المتن لشموله . جزاكم الله خيرا وأعتذر للإطالة.
 
جزاك الله خيرا د عمر المقبل ، الحمد لله شرح جميل وميسر
 
جزاكم الله خيراً.
الأخت بريق هدى:
علم المصطلح كغيره من علوم الآلة، لا يخلو من صعوبة في بعض المواضع، وهو يعتمد في فهمه واستيعابه ـ بعد توفيق الله ـ على سببين:
1 ـ استعداد الطالب.
2 ـ تمكن الشارح من الفن الذي يشرحه.
وبالنسبة لشرح شيخنا العثيمين رحمه الله، لا غرابة أن تجدي السهولة؛ لأن هذه السمة العامة لشروحاته؛ إلا أن أبرز ملاحظة على شرحه هذا، أنه تلخيص وبأسلوب معاصر لشرح ابن حجر للنخبة، وفيه اختيارات ليست بالقليلة على مذهب المتأخرين، وشيخنا رحمه الله لا ينبه عليها، وهو معذور في ذلك؛ لكونه غير متفرغ لعلوم الحديث(الاصطلاحية)، والله الموفق.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وقد قصدتُ من هذا الشرح توضيح معانيها، والتركيز على مقاصد مؤلفها، مع الحرص على يسر العباردة؛ لأنني لم أجد شرحاً يناسب هذه الطبقة من طلاب العلم، اللهم إلا ما كان من شرح الشيخ/ خالد بن عبدالله باحميد الأنصاري، أثابه الله، وقد طبع عام 1422هـ.
وقد وفّق كثيرا في مقصوده، لكن أبرز ما يلاحظ عليه نقصُ الأمثلة فيما يذكره الحافظ من مسائل، مع أن ضرب الأمثلة من أهمّ ما يرسّخ المعنى.
كما أنه أغفل ـ ولعله قصد الاختصار ـ التنبيه على بعض تقييدات الحافظ لبعض المصطلحات التي أطلقها الأئمة على بعض المصطلحات، والتي ربما ظن المبتدئ أنها لا تطلق إلا على تلك الصورة، فيقع عنده لبس إذا تقدم في العلم، فحرصت على التنبيه على هذا من غير دخول في التفاصيل، إذ التفاصيل تطلب في المطولات.
كما حرصتُ على وضع المشجرات، والرسوم البيانية التي تعين على تصور المسائل المتشعبة، وقد جعلت هذه الرسوم مبثوثة في ثنايا الشرح؛ لما رأيت من أثره على الطلاب عند شرحي لهذا المتن.
أسأل الله تعالى بمنّه وكرمه أن يتقبل هذا الشرح، وأن يعفو عن زللي وتقصيري، والحمد لله رب العالمين.
والله إنها لمقدمةٌ تبعثُ في النفسِ الطمأنينةَ؛ فنسأل الله أن يوفقكم لذلك وينفع بكم.
وأنتهز الفرصة لأسأل فضيلتكم -بارك الله بكم- عن شروح النخبة (الصوتية) الميسرة والتي امتازت كذلك بوضوح وسهولة الألفاظ والمعاني، وجزاكم الله خيرًا.
 
عودة
أعلى