شرح مبسط لتحفة الأطفال

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع مهاجر
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

مهاجر

New member
إنضم
28/02/2006
المشاركات
31
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله

السلام عليكم



فهذا شرح مختصر لمنظومة "تحفة الأطفال" في علم التجويد ، للشيخ سليمان بن حسين بن محمد الجمزوري ، رحمه الله ، نسبة إلى جمزور ، بلد معروفة قريبة من مدينة "طندتا" ، بنحو أربعة أميال ، وأظن "طندتا" ، الآن هي مدينة "طنطا" ، المدينة المعروفة في دلتا مصر .

وهو ، كغالب أهل دلتا مصر ، شافعي المذهب ، فشمال مصر يغلب عليه المذهب الشافعي ، منذ دخل المذهب مصر على يد السلطان المجاهد صلاح الدين الأيوبي ، رحمه الله ، وكان شافعي المذهب ، فأعاد مصر إلى المذهب السني في الاعتقاد ، وإن غلب عليه مذهب الأشاعرة ، في الأصول والمذهب الشافعي في الفروع ، بعد أن كان مذهب حكامها ، العبيديين ، الخبثاء ، المنسوبين لفاطمة ، رضي الله عنها ، زورا وبهتانا ، هو المذهب الرسمي لمصر ، وإن بقي أهلها متمسكين بمذهب أهل السنة والجماعة ، بل وغلب مذهبهم المذهب الإسماعيلي الباطني الخبيث في بعض مدن مصر ، كمدينة الإسكندرية ، التي غلب عليها المذهب المالكي ، وعدت بحق أيام بني عبيد ، قاتلهم الله ، قلعة السنة في مصر ، والله أعلم .

وسوف أقتصر ، إن شاء الله ، على شرح الأبيات المتعلقة بالمسائل العلمية التي حوتها المنظومة دون غيرها ، ومع أول هذه الأبيات :

وبعد : فهذا النظم للمريد ******* في "النون والتنوين" و "المدود"

وقوله رحمه الله : "النظم" هو مصدر بمعنى اسم المفعول "المنظوم" ، فهو من باب تبادل الصيغ ، أي نيابة صيغة عن صيغة في الدلالة على معنى معين ، فهنا ، على سبيل المثال ، ناب المصدر "نظم" عن اسم المفعول "منظوم" في الدلالة على معنى المنظوم وهو الأبيات الشعرية ذات الوزن والقافية ، والله أعلم .

والملاحظ على المنظومات العلمية ، أنها تكتب دوما ، على أوزان بحر "الرجز" ، أحد البحور الشعرية المعروفة في علم العروض ، وما ذاك إلا لسهولة التصرف في أوزانه ، وهو ما يتيح للناظم حرية أكبر في نظم المسائل العلمية ، والله أعلم .

وقد أفصح الشيخ ، رحمه الله ، عن مضمون منظومته في هذا البيت ، وإن لم يستوعب ، فمنظومته تزيد على ما ذكره ، ففيها أحكام النون الساكنة والتنوين ، وأحكام الميم الساكنة ، وأحكام النون والميم المشددتين ، وأحكام المتماثلين والمتجانسين والمتقاربين ، وأحكام لام "أل" ولام الفعل ، وأحكام المدود ، وهي ، من وجهة نظري القاصرة ، أفضل فصول المنظومة ، فقد فصل فيها أنواع وأحكام المدود ، تفصيلا بديعا ، كما سيأتي إن شاء الله ، فجزاه الله خيرا عما قدم .

وبداية مع أشهر أحكام التجويد على الإطلاق :
أحكام النون الساكنة والتنوين :
وقبل الخوض فيها لا بد من تعريف النون الساكنة والتنوين مع بيان الفرق بينهما :

فالنون الساكنة : هي ذلك الحرف المعروف من حروف المعجم ، ونطقه : (نون) ، وقد قيدت في هذا الموضع بكونها ساكنة ، أي خالية من أي حركة ، كما في قوله تعالى : "من هاد" .

وأهم ما يلزمنا معرفته عن هذا الحرف في هذا الموضع :
أولا : مخرجه ، ولمعرفة المخرج دور كبير جدا في معرفة الحكم التجويدي ، وتعليله ، فبه نعرف ، على سبيل المثال ، ما حكم النون الساكنة إن أتى بعدها حرف حلقي ، "أي مخرجه من الحلق" ، ولماذا تظهر النون في هذا الموضع بالذات .......... الخ ، كما سيأتي إن شاء الله .

ولمعرفة مخرج الحرف ، فإننا نتبع طريقة مبسطة : وهي أن نأتي بهمزة متحركة قبل الحرف ، ثم نأتي بالحرف بعدها ساكنا ، فعلى سبيل المثال :
إذا أردنا معرفة مخرج العين : فإننا ننطق بلفظ " أع" ، بفتح الهمزة وتسكين العين ، فيتضح لنا أن مخرج العين هو : الحلق ، وبالتحديد وسط الحلق .

وفي حالة النون ، فإننا نستخدم نفس الطريقة ، فننطق بلفظ : "أن" ، فيتضح لنا أن مخرج النون هو : "طرف اللسان" ، وبالتحديد : "رأس اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى فويق الثنيتين" ، لأن رأس اللسان سوف يصطك بالحنك الأعلى ، وبالتحديد بالمنطقة التي تلي الثنيتين ، من أعلى الحنك ، وهذا المخرج مختص بأي نون سواء كانت متحركة أم ساكنة ، بتصرف من "منحة ذي الجلال" للشيخ علي محمد الصباغ ، رحمه الله ، ص24 .

ثانيا : صفاته ، فلكل حرف صفات يتميز بها ، ولهذه الصفات دور كبير في معرفة أحكامه التجويدية ، وحاصل صفات النون أنها :
حرف جهري .
متوسط ، بين الرخاوة والشدة ، لأنه من الحروف المتوسطة التي يجمعها قولك : "لن عمر" ، فعل أمر من اللين .
مستفل ، من "الاستفال" ، وهو تسفل اللسان وانخفاضه إلى قاع الفم عند النطق بالحرف .
منفتح ، من "الانفتاح" ، وهو عبارة عن انفتاح ما بين اللسان والحنك الأعلى وخروج الريح من بينهما عند النطق بالحرف ، حلاف الحروف المطبقة ، من "الإطباق" ، وهو انطباق طائفة من اللسان على ما يحاذيها من سقف الحنك وانحصار الصوت بينهما عند النطق بحروفه ، فلا ريح تخرج من الفم عند النطق بالحرف ، وإنما يحجز اللسان ، بطائفة منه ، الهواء المندفع من الجوف عند النطق بالحرف المطبق ، وحروف الإطباق : الصاد والضاد والطاء والظاء ،
مصمت ، (أي حرف النون) ، غير مقلقل ، فحروف القلقلة يجمعها قولك : (قطب جد) ، والنون ليست منها .

ولكن أبرز صفة يتميز بها حرف النون هي : "الغنة" ، وهي صفة للنون والتنوين والميم الساكنة فقط .

والغنة ، في تعريف أهل الاصطلاح : صوت لذيذ مركب في جسم النون والتنوين ، فهو تبع لها في المخرج والصفات والأحكام ، والميم الساكنة ، ولا عمل للسان فيه ، لأن مخرج الغنة هو الخيشوم .
وحكمها : المد ، ومقداره : حركتان .
ويتضح من المقارنة بين غنتي النون والميم أن الأولى أقوى من الثانية ، والله أعلم .

وأما التنوين فهو لغة : التصويت ، ومنه : نون الطائر إذا صوت (أي أصدر صوتا) .
واصطلاحا : نون ساكنة زائدة تلحق آخر الأسماء لفظا ووصلا ، لا خطا ووقفا .

فلا يظهر التنوين في الخط ، أي الكتابة ، فإذا قلت على سبيل المثال : رأيت محمدا ، فإنك تكتبها ألفا منونة ، وتنطقها نونا ساكنة زائدة بعد الدال ، ولا تكتب : محمدن ، إلا في الخط العروضي ، (الخط الخاص بعلم العروض) ، لأن المراد منه معرفة أوزان الأبيات الشعرية عن طريق التفعيلات ، ولا يمكن ذلك إلا بكتابة كل حرف ينطق به اللسان ، مع تحديد حركته ، وإن لم يكتب في الخط الإملائي المعروف ، والله أعلم .

وأما أقسامه فهي مما يختص به علم النحو ، وأبرزها إجمالا :
تنوين التمكين : وهو الذي يلحق آخر الأسماء ، كقولك : رأيت محمدا ، وسمي بذلك لأنه يدل على تمكن الاسم في باب الاسمية ، فالتنوين من أبرز علامات الأسماء ، كما أشار إلى ذلك العمريطي رحمه الله ، بقوله :

فالاسم بالتنوين والخفض عرف ******* وحرف خفض وبلام وألف .

تنوين المقابلة : وهو التنوين الذي يلحق آخر جمع المؤنث السالم ، كقولك : رأيت مسلمات ملتزمات ، بالخفض مع التنوين ، لأن جمع المؤنث السالم يخفض بالكسرة ، وسمي بذلك لأنه يقابل النون التي تلحق آخر جمع المذكر السالم ، والتي تأتي عوضا عن التنوين ، كقولك : رأيت مسلمين ملتزمين ، والتنوين وعوضه يحذفان عند الإضافة ، كقولك : مسلمات مصر كثيرات ، و : مسلمو مصر كثيرون .

تنوين التنكير : كقولك : رأيت سيبويه ، بكسر سيبويه ، لأن كل اسم ينتهي بــــ : "ويه" يبنى على الكسر ، ولكن هنا يزاد على الكسر التنوين ، إذا أردت بـــ : "سيبويه" ، أي رجل يحمل هذا الاسم ، خلاف ما لو قصدت سيبويه ، رحمه الله ، النحوي المشهور ، صاحب "الكتاب" ، الفارسي ، العجمي نسبا لا الأعجمي لسانا ، فإنك تبنيه على الكسر دون تنوين ، ومعناه بالفارسية : طعم التفاح ، وقد توفي ، رحمه الله ، في 32 من عمره ، فالله دره ، عمر قصير وعمل عظيم ، وهكذا فليكن علماء أمة التوحيد .

تنوين العوض : وهو إما أن يكون عوضا عن :
كلمة : كقوله تعالى : (وكل كانوا ظالمين) ، فتقدير الكلام : وكل أمة منهم كانت ظالمة فاستحقت عقاب الله ، عز وجل ، فعوض عن المضاف إليه : أمة ، بالتنوين ، وهذا من المواضع التي تظهر فيها بلاغة القرآن الكريم في الإيجاز ، بحيث يصل المعنى لذهن القارئ بأقل عدد ممكن من الكلمات دون نقص أو خلل ، والله أعلم .

أو جملة ، كقوله تعالى في سورة الروم : (ويومئذ يفرح المؤمنون) ، فتقدير الكلام : فيوم إذ ينتصر الروم ، أهل الكتاب ، على الفرس ، عبدة النار ، يفرح المؤمنون بنصر الله ، لأن أهل الكتاب أقرب للمسلمين من الفرس الوثنيين ، فكانوا أحق بتأييد المسلمين من هذه الجهة ، ولا شك أن دليل الإعجاز هنا أبلغ وأوضح منه في حالة الكلمة ، لأن التعويض عن جملة كاملة بحركة واحدة ، أبلغ من التعويض عن كلمة بنفس الحركة ، والله أعلم .

تنوين الترنم : وهو يقع في الشعر ضرورة ، أي لضرورة النظم ، ويلحق الأفعال ، والأصل فيها ألا تنون ، لأن التنوين من علامات الاسم ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك . وتفصيل ما سبق يطلب من كتب النحو ، والله أعلم .

ومن مسائل هذا البيت :
الفرق بين النون الساكنة والتنوين :
أولا : أن النون الساكنة تظهر كتابة ولفظا ، خلاف التنوين ، فهو لا يظهر إلا لفظا .
ثانيا : أن النون الساكنة قد تتوسط ، "أي تأتي في وسط الكلمة" ، وقد تتطرف ، "أي تأتي في طرف الكلمة" ، خلاف التنوين فهو لا يقع إلا متطرفا ، فلا يتصور تنوين في وسط كلمة .
ثالثا : أن النون تقع في الأسماء ، كقولك : "نعمان" ، والأفعال ، كقولك : "نصلي" ، بينما التنوين لا يقع إلا في الأسماء فقط ، فهو من العلامات التي يعرف بها الاسم ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .
.
رابعا : أن النون لا تسقط وقفا ، أي عند الوقوف عليها ، إن كانت متطرفة ، كالوقوف عليها ، في كلمة : "من" ، في قوله تعالى " (من هاد) ، أو وصلا .
بينما التنوين يسقط وقفا ، كما في لفظ "أترابا" ، في قوله تعالى : (وكواعب أترابا) ، إن وقفت عليه ، ويعوض عنه بمد يعرف بــــ : "مد العوض" ، ومقداره حركتان ، ولا يسقط التنوين وصلا بطبيعة الحال ، والله أعلم .

وقوله : "والمدود" :
يعلم منه أن الشيخ ، رحمه الله ، قد تعرض لمسألة المدود ، وقد أفرد لها ، الجزء الأخير من المنظومة ، كما سيأتي بيانه تفصيلا إن شاء الله .

والمد لغة : الزيادة ، ومنه قيل لمد البحر "مد" لأنه زيادة في موج البحر حتى يصل إلى الشاطئ ، وعكسه : "القصر" ، وهو النقص .

واصطلاحا : زيادة المد في حروف اللين لأجل همزة أو ساكن ، هكذا عرفه الشيخ علي محمد الصباغ ، رحمه الله ، وقد يرد على التعريف أمران :
الأول : أنه طبقا لقواعد علم النطق في صناعة التعاريف والحدود ، لا بد أن يكون الحد المعرف خاليا من أي كلمة تدل على "المعرف" ، بفتح الراء ، صيغة اسم مفعول ، وقد ذكر الشيخ ، رحمه الله ، هنا ، كلمة "المد" ، في تعريف "المد" ، فلزم منه الدور ، وهو توقف الشيء على نفسه ، وهذا غير جائز في اصطلاح أهل المنطق ، وعليه فإنه يمكن أن يستبدل لفظ : المد ، بـــــ : زيادة الصوت ، فيقال بأن المد : هو زيادة الصوت في حروف اللين لأجل همزة أو ساكن ، والخلاف يهون إذا ما أردنا بالتعريف مجرد إيصال المعنى لذهن الناظر ، بأي صيغة كانت ، دون التقيد بهذه الحدود المنطقية الدقيقة ، فعلى سبيل المثال : التعريف بالمثال قد يكون أبلغ من التعريف بالحد المنطقي ، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ، رحمه الله ، فلو سئلت عن تعريف الخبز ، على سبيل المثال ، فأيهما أسهل : أن تأتي للسائل برغيف خبز ، وتقول له هذا هو الخبز ، أم أن تعرفه بقولك : هو ذلك القرص المستدير المصنوع من الدقيق .......... الخ ، لا شك أن الأول أسهل وأبلغ في إفهام السائل ، والله أعلم .

والثاني : أن الشيخ ، رحمه الله ، قال : (في حروف اللين) ، والمد يكون في حروف المد (الألف والواو والياء) ، وحروف اللين : (الواو والياء إن سكنتا وفتح ما قبلهما) ، فاكتفى الشيخ ، رحمه الله ، بذكر حروف اللين فقط ، وقد يخرج قول الشيخ ، رحمه الله ، بأنه قصد بحروف اللين ، حروف المد جميعها ، لأن المتأمل في حرف الألف ، يجد أنه ساكن في نفسه ، وما قبله لا بد أن يكون مفتوحا فلا يعقل في اللغة أن تأتي ألف بعد ضم أو كسر ، وعليه يكون حرف الألف حرف مد ولين في نفس الوقت ، ويكون قول الشيخ : (حروف اللين) ، شاملا لحروف المد ، وزيادة ، فيشمل : حروف المد : (الألف الساكنة ، المفتوح ما قبلها ، والواو الساكنة المضموم ما قبلها ، والياء الساكنة ، المكسور ما قبلها ، وقد جاءت كلها في كلمة : "نوحيها") ، وحروف اللين : (الواو والياء إن سكنتا وفتح ما قبلهما ، كقوله تعالى ، في سورة قريش : "من خوف" ، فالواو ساكنة مسبوقة بخاء مفتوحة ، وقوله تعالى : "إليه يصعد" ، إن وقفت على "إليه" ، فالياء ساكنة مسبوقة بلام مفتوحة) ، والله أعلم .



والله أعلى وأعلم

يتبع إن شاء الله
 
جزاك الله خير الجزاء ونفع بعلمك وجعله في ميزان حسناتك
 
بسم الله

السلام عليكم

جزاكما الله خيرا أيها الكريمان ، ونفعكما ونفع بكما

وعودة للمنظومة ، حيث شرع الناظم ، رحمه الله ، فيما وضع له هذا النظم فقال :
للنون إن تسكن وللتنوين ******* أربع أحكام فخذ تبييني
فبدأ بأشهر أحكام التجويد ، وهي أحكام النون الساكنة والتنوين :
فللنون الساكنة والتنوين ، ولا يكون إلا ساكنا ، لذا ألحق بالنون الساكنة ، أربع أحكام :
والحكم لغة : هو المنع ، ومنه قول جرير :
أبني حنيفة أحكموا سفهائكم ******* إني أخاف عليكم أن أغضبا
أي امنعوا سفهائكم من إلحاق الأذى بي ، لأني أخاف غضبي عليكم ، فهجائي كما عرفتم .
وقول حسان رضي الله عنه :
فنحكم بالقوافي من هجانا ******* ونضرب حين تختلط الدماء
أي نمنع ونقيد من هجانا ، بالقوافي ، فاستعار معنى القيد والمنع ، من القيد الحسي ، إلى القيد المعنوي ، وهو التقييد بالقوافي التي تردع كل معتد .
وقول زهير :
القائد الخيل منكوبا دوابرها ******* قد أحكمت حكمات القد والأبقا
أي ألجمت ومنعت بحكمات صنعت من القد والأبق .

وأما الحكم اصطلاحا : فهو إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه :
فهو إما إيجابي ، يستفاد منه الإثبات ، كما في مسألتنا هذه ، لأننا نثبت ، إيجابا ، للنون الساكنة والتنوين 4 أحكام .
أو سلبي ، يستفاد منه النفي ، كقولك : زيد لم يقم ، ففيه الحكم بعدم قيام زيد ، فكأنك أثبت نفي القيام لزيد ، فأثبت له بذلك حكما سلبيا ، والله أعلم .

وقد نص الناظم ، رحمه الله ، على أن أحكام النون الساكنة والتنوين : 4 أحكام ، وهي :
الإظهار ، والإدغام بقسميه ، بغنة ، وغير غنة ، كما سيأتي إن شاء الله ، والإقلاب ، والإخفاء ، وقد خالف الجعبري ، رحمه الله ، المتوفى سنة 732هـــــ ، فجعلها ثلاثة ، بإسقاط الإقلاب ، وإدخاله في الإخفاء ، لأن الإقلاب ، كما سيأتي إن شاء الله ، يؤول في حقيقته إلى الإخفاء .

ثم شرع الناظم ، رحمه الله ، في بيان أول هذه الأحكام ، وهو :
الإظهار ، فقال :
فالأول الإظهار قبل أحرف ******* للحلق ست رتبت فلتعرف
همز فهاء ثم عين حاء ******* مهملتان ثم غين خاء

وبداية ، مع تعريف الإظهار :
فالإظهار لغة : البيان ، وقد يأتي بمعنى العلو والارتفاع ، ومنه ظهر الدابة ، أي أعلاها .
والظهور قد يكون :
حسيا : كعلو الراكب ظهر الدابة .
أو معنويا : وهو علو الشأن ، ومنه قوله تعالى : (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) ، أي ليعليه على الدين كله ، إما بالسنان والطعان وإما بالحجة والبرهان ، فالإسلام ظاهر ، ولو غلب أهله ، لأنه الدين الحق الذي أقام الله ، عز وجل ، الآيات والبراهين على صدقه وصدق من أرسله به ، والله أعلم .

ومنه قوله تعالى : (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) ، أي مرتفعين منتصرين ، والله أعلم .

واصطلاحا : هو إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة في المظهر .
وعرفه ابن الجزري ، رحمه الله ، فقال : فصل الحرف الأول عن الثاني من غير سكت عليه ، احترازا عما يتوهم من تحقيق الإظهار بالسكت .
فاستفدنا من التعريف الأول : أن الإظهار ، كاسمه ، إظهار للنون الساكنة ، بحيث يخرجها المتلفظ من مخرجها الأصلي ، وهو طرف اللسان ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، مع اجتناب إظهار الغنة ، فلا غنة في الإظهار ، رغم أن الغنة صفة ملازمة لجسم النون ، ومع ذلك لا تظهر إذا أتى بعدها حرف من حروف الإظهار .

واستفدنا من التعريف الثاني : أن النون تفصل تماما عن حرف الإظهار في النطق ، فلا تدغم فيه ، كما هو الحال في الإدغام ، ولا تقلب إلى ميم ، كما في الإقلاب ، ولا تذهب ذاتها مع بقاء صفتها ، أي الغنة ، كما في الإخفاء ، وإنما تبقى بذاتها وصفتها مفصولة عن حروف الإظهار ، مستقلة بالنطق ، ظاهرة ظهورا بينا لا خفاء فيه .

يقول الشيخ علي محمد الضباع رحمه الله :
(وحقيقة الإظهار أن ينطق بالنون والتنوين على حدهما ثم ينطق بحروف الإظهار من غير فصل بينهما وبين حقيقتهما ، فلا يسكت على النون ولا يقطعها عن حروف الإظهار .
وتجويده إذا نطقت به : أن تسكن النون ، ثم تلفظ بالحرف ولا تقلقل النون بحركة من الحركات ، ولا تسكنها بثقل ولا ميل إلى غنة ، (لأن هذا يقرب من الإخفاء) ، ويكون سكونها بلطف) .

وإذا نظرنا إلى حروف الإظهار ، فإننا نجد أنها ، كلها ، من الحروف الحلقية ، (أي التي تخرج من الحلق) ، ولذا سمي هذا الإظهار بالإظهار الحلقي ، تمييزا له عن الإظهار الشفوي ، الخاص بالميم الساكنة ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله ، وهذا ما يفسر علة الإظهار ، كما بينها الشيخ الضباع ، رحمه الله ، بقوله :
(والعلة لإظهار النون الساكنة والتنوين عند الأحرف الستة المذكورة ، بعد مخرجهما ، (أي النون والتنوين) عن مخرجهن ، (أي حروف الإظهار) ، لأنهن من الحلق ، والنون من طرف اللسان ، والإدغام إنما يسوغه التقارب) ، فالمسافة بين الحلق وطرف اللسان ، مسافة كبيرة ، ناسب معها الإظهار ، دون الإدغام ، الذي يسوغه التقارب ، والإخفاء ، الذي يلزم له نوع تقارب .

ويواصل الشيخ ، رحمه الله ، فيقول : (ثم لما كان النون والتنوين سهلين لا يحتاجان في إخراجهما إلى كلفة ، (لأن مخرجهما ، وهو طرف اللسان قريب) ، وحروف الحلق أشد الحروف كلفة وعلاجا في الإخراج ، (لبعد مخرجها ، وهو الحلق) ، حصل بينهما وبينهن تباين لم يحسن معه الإخفاء كما لم يحسن الإدغام إذ هو قريب منه ، فوجب الإظهار الذي هو الأصل) .

ورغم اتحاد مخرج الحروف الحلقية ، إلا أنها ، في الحقيقة ، تتوزع على مناطق الحلق الـــــــ 3 : أقصاه ووسطه وأدناه من جهة اللسان ، أي المنطقة التي تتصل بأصل اللسان مباشرة .

فمن أقصاه : يخرج الهمز والهاء ، ويسمى الإظهار في هذه الحالة : "إظهارا أعلى" :
ومنه :
قوله تعالى : (من ءامن) .
وقوله تعالى : (كل ءامن) .

وقوله تعالى : (من هاد)
وقوله تعالى : (جرف هار)

والإظهار هنا يكون أعلى من الإظهار عند حروف وسط الحلق و أدناه .

ومن وسطه : تخرج العين والحاء المهملتان ، ويسمى الإظهار في هذه الحالة : "إظهارا أوسط" :
ومنه :
قوله تعالى : (من عمل) .
وقوله تعالى : (حقيق على)

وقوله تعالى : (من حكيم) .
وقوله تعالى : (عليم حكيم) .

والإظهار هنا يكون أعلى من الإظهار عند حروف أدنى الحلق ، وأدنى من الإظهار عند حروف أقصى الحلق .

ومن أدناه : تخرج الغين والخاء المعجمتان ، ويسمى الإظهار في هذه الحالة : "إظهارا أدنى" :
ومنه :
قوله تعالى : (من غل) .
وقوله تعالى : (عفوا غفورا) .

وقوله تعالى : (من خزي) .
وقوله تعالى : (يومئذ خاشعة) .

والإظهار هنا ، هو أدنى أنواع الإظهار ، فهو أدنى من الإظهار عند حروف أقصى ووسط الحلق ، والسبب في ذلك أن المسافة بين مخرج النون الساكنة والتنوين ، ومخرج الغين والخاء ، قد قلت عن مثيلتها بين مخرج النون الساكنة والتنوين ، وحروف وسط الحلق وأقصى الحلق ، بل إن هذا القرب البين ، قد سوغ لبعض القراء ، أن يخفي النون الساكنة والتنوين ، عند الغين والخاء ، كما فعل أبو جعفر ، رحمه الله ، فغير الحكم من إظهار إلى إخفاء ، وإن كان أضعف درجات الإخفاء ، فمخرج الغين والخاء قريب جدا ، إن لم يكن ملاصقا ، لمخرج القاف والكاف ، وهما حرفا الإخفاء ، التاليين مباشرة لحروف الإظهار ، ولذا فإن الإخفاء عندهما يكون في أدنى درجاته ، فسوغ هذا التقارب ، إخفاء النون الساكنة والتنوين ، عند الغين والخاء ، فكأن أبا جعفر ، رحمه الله ، جعل مخرج الغين والخاء والقاف والكاف ، مخرجا واحدا ، فحرفان مخرجهما أدنى الحلق من جهة اللسان (وهما الغين والخاء) ، وحرفان مخرجهما أقصى اللسان الملاصق لأدنى الحلق تماما (وهما القاف والكاف) ، فقرب المسافة ، كما تقدم ، مسوغ لمذهب أبي جعفر ، رحمه الله ، ويلزم من ذلك القول بعكس هذا القول ، فيقال : إذا كان الأمر كذلك فلم لا تظهر النون الساكنة والتنوين عند القاف والكاف ، بحيث يضمان لحروف أدنى الحلق ، لا أن يضم حرفا أدنى الحلق لهما ، كما في مذهب أبي جعفر ؟ ، والجواب أن هذا من الناحية الاصطلاحية ، قد يكون جائزا ، ولكن عمدتنا في القراءة ، التلقي ، فالقراءة سنة متبعة ، للرواية فيها أوفر نصيب ، فهي الحاكمة على القواعد ، لا العكس ، فإذا تعارضت الرواية مع قاعدة يسوغ العمل بها ، قدمت الرواية قولا واحدا ، لأن هذا العلم ، كما سبق ، من علوم التلقي ، وسيأتي إن شاء الله ، في باب المدود أمثلة لمدود ، لا تمد ، لورود الرواية بذلك ، رغم كونها من جهة القواعد الاصطلاحية ، صالحة لأن تمد .

وهذا الحال كحال قواعد علم النحو تماما ، فالعبرة بما نقل من القراءات المتواترة ، لا القواعد المستحدثة بعدها ، فالنحو فرع القرآن ، والتجويد فرع القرآن ، فمنه استنبطا ، فكيف يسوغ الحكم على الأصل بالفرع ، والله أعلم .

وقد لخص الشيخ الضباع ، رحمه الله ، ما سبق ، بقوله :
(وكلما بعد الحرف كان التبيين أعلى :
فتظهر النون الساكنة والتنوين عند الهمزة والهاء إظهارا بينا ويقال له : أعلى .
وعند العين والحاء أوسط .
وعند الغين والخاء أدنى .
ولا خلاف بين القراء العشرة في ذلك ، إلا ما كان من مذهب أبي جعفر من إخفائهما عند الغين والخاء المعجمتين .
ووجهه عنده : قربهما من حرفي أقصى اللسان : القاف والكاف) ، والله أعلم .


والله أعلى وأعلم

يتبع إن شاء الله
 
بعض شروح الجمزورية

بعض شروح الجمزورية

بسم الله الرحمن الرحيم . لقد وضع الله القبول لهذا المتن على مستوى العالم ، فهو متن يصلح للمبتدئين في هذا الفن . ولذا فقد اهتم العلماء رحمهم الله به وشرحوه ، وفيما يلي بيان لأهم شروح التحفة :
1- فتح الملك المتعال شرح تحفة الأطفال للميهي ابن شيخ الجمزوري . وهو أطول الشروح على الإطلاق .
2- فتح الأقفال شرح تحفة الأطفال للشيخ الجمزوري نفسه . ويعتبر مختصراً لشرح ولد شيخه .
3- منحة ذي الجلال شرح تحفة الأطفال للشيخ علي الضباع . ويعتبر من أجود الشروح .
4- تقريب المنال شرح تحفة الأطفال للشيخ حسن دمشقية .

وأنصح طلاب العلم أن يحفظوا هذا المتن ويفهموا شرحه قبل أن ينتقلوا إلى الجزرية . وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 
بسم الله

كما قلت أخي أبا عمار ، حفظك الله ، فما أشبهه بمتن كمتن الورقات للجويني ، رحمه الله ، متن صغير وضع له القبول في الأرض ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، ولعل أصحاب المتون المشتهرة قد أخلصوا النوايا فكتب لهم القبول في الدنيا والآخرة .

وعودة للمنظومة
فقد شرع الناظم ، رحمه الله ، في بيان الحكم الثالث من أحكام النون الساكنة والتنوين ، وهو الإقلاب ، فقال :
والثالث : الإقلاب عند (الباء) ******* (ميما) بغنة مع الإخفاء

وبداية مع تعريف الإقلاب :
لغة : فهو ، كما يقول الشيخ الضباع رحمه الله : تحويل الشيء عن وجهه ، يقال : قلبه أي : حوله عن وجهه ، ومنه قوله تعالى : (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) ، أي نحولهم ذات اليمين وذات الشمال ، ومنه دعاء : (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) ، أي يا محول القلوب من الكفر للإيمان ، ومن الإيمان للكفر ، ومنه : (القلب) الجارحة المعروفة ، سمي بذلك لسرعة تقلبه ، فهو أشد غليانا من المراجل ، كما ورد في الحديث ، والغليان مظنة التقلب والاضطراب .

واصطلاحا : جعل حرف مكان آخر ، ففيه تقلب النون الساكنة ميما ، ولكن هذا التعريف ينقصه ، الخطوة الثانية من خطوات الإقلاب وهي : إخفاء الميم الساكنة المنقلبة عن النون الساكنة أو التنوين ، لإتيان الباء بعدها ، وهو ما يعرف بالإخفاء الشفوي ، كما سيأتي إن شاء الله ، فكأن الإقلاب يشمل حكمين :
قلب النون الساكنة أو التنوين إلى ميم ساكنة .
ومن ثم إخفاء الميم الحاصلة ، مع غنة ، كما ذكر الناظم ، رحمه الله ، في تعريف الإقلاب .

وعليه يكون هذا التعريف ، مقتصرا على نصف التعريف المختار .

وقيل : هو عبارة عن قلب مع خفاء لمراعاة الغنة .
أو : جعل حرف مكان آخر مع مراعاة الغنة .

والتعريف المصدر بــــ "قيل" ، هو أجود هذه التعاريف ، لأنه شمل كل خطوات الإقلاب ، فنبه على :
القلب ، ثم الإخفاء ، ثم الغنة ، التي تنتج من إخفاء الميم الساكنة إذا أتى بعدها باء ، فالغنة صفة ملازمة للميم الساكنة ، وإن كانت أضعف من غنة النون ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .

ومنه قوله تعالى : (أن بورك) ، فهنا نون ساكنة ، أتى بعدها باء ، فالحكم هو قلب النون الساكنة إلى ميم ، ولذا رسم فوقها "ميم صغيرة" ، في المصاحف المتداولة للتنبيه على هذا القلب ، ومن ثم تخفى الميم الساكنة ، مع الإتيان بالغنة ، لأنه جاء بعدها باء ، فانتقلنا من أحكام النون الساكنة إلى أحكام الميم الساكنة ، فمن الإقلاب ، وهو أحد أحكام النون الساكنة إلى الإخفاء الشفوي ، وهو أحد أحكام الميم الساكنة .

ومنه قوله تعالى : (أنبئهم) ، وهو كالمثال السابق تماما ، ولكن هنا أتت النون الساكنة والباء في كلمة واحدة .
ومنه قوله تعالى : (سميع بصير) ، وهو مثال لتنوين أتى بعده باء ، فيكون حكمه كحكم النون الساكنة ، تماما بتمام ، وبطبيعة الحال لا يكون الإقلاب ، في حالة التنوين ، إلا من كلمتين ، لأن التنوين لا يأتي إلا متطرفا ، (أي في نهاية الكلمة) ، فلا يأتي في وسط الكلمة أبدا ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .

وهناك عدة ملاحظات تجدر الإشارة إليها :
أولا : وجه قلب النون الساكنة ، ميما ، إذا أتى بعدها باء :
فوجهه : أن النون حرف له غنة ، والباء حرف شفوي ، يلزم إطباق الشفتين عند نطقه ، والإتيان بالنون من طرف اللسان ، مع إظهار غنتها ، ثم الانتقال مباشرة إلى إطباق الشفتين للإتيان بالباء من مخرجها ، أمر فيه كلفة ، فلا يحسن إظهارهما معا في نفس الوقت لثقل ذلك .

فإن قال قائل : إذا تعذر الإظهار ، فالإدغام يحل محله ، والجواب :
أن إدغام النون الساكنة في الباء ، أمر غير مستحسن ، لقلة التناسب بينهما ، فالمخرج مختلف ، فالنون من طرف اللسان ، والباء شفوية ، والصفات مختلفة ، فالأولى تغن ، والثانية لا غنة فيها ، والباء من حروف الشدة ، التي يجمعها قولك : (أجد قط بكت) ، والنون من الحروف المتوسطة ، التي يجمعها قولك : (لن عمر) ، فلا هي بالشديدة ولا الرخوة .

فلم يبق إلا قلب النون إلى حرف يشترك معها بعض الخصائص ، ويشترك مع الباء في خصائص أخرى ، فكأنه قنطرة يعبر اللسان عليها من النون إلى الباء دون كلفة أو مشقة ، فناسب أن نأتي بحرف الميم :
لأنه يشترك مع النون في صفة الغنة ، بل هما الحرفان الوحيدان اللذان يختصان بها ، فلا غنة في سواهما ، ويشترك مع الباء في المخرج ، لأن الميم من الحروف الشفوية كالباء ، فسهل بذلك الانتقال من النون الساكنة إلى الباء دون كلفة أو مشقة .

ولكن الميم الساكنة ، سواء كانت أصلية ، كما في أحكام الميم الساكنة ، كما سيأتي إن شاء الله ، أو منقلبة عن نون ساكنة أو تنوين ، كما في أحكام النون الساكنة ، الميم الساكنة إذا أتى بعدها باء ، فإنها تخفى إخفاء شفويا ، ويأتي شرح الإخفاء الشفوي تفصيلا إن شاء الله .

ومع يلزمنا معرفته هنا ، أمران :
الأمر الأول : التنبيه على الإتيان بالغنة ، فهي صفة ملازمة للإخفاء سواء كان حقيقيا ، في النون الساكنة والتنوين ، أو شفويا في الميم الساكنة .

الأمر الثاني : أنه يجب على القارئ الاحتراز من كز الشفتين على الميم المنقلبة عن النون أو التنوين في اللفظ ، لئلا يتولد من كزهما غنة ممططة ، (من المط) ، من الخيشوم ، والنطق السليم ، كما ذكر الشيخ الضباع رحمه الله ، يكون بتسكين الميم بتلطف من غير ثقل أو تعسف . اهـــــ .
ويضاف إلى ذلك أنه كما يجب الاحتراز من كز الشفتين ، فإنه يجب الاحتراز أيضا من انفراجهما ، فالصحيح هو ضمهما ضما لطيفا ، مع إبقاء فرجة صغيرة بينهما تسمح باندفاع لطيف للهواء الخارج من تجويف الفم ، والله أعلم .
 
بسم الله

السلام عليكم

أعتذر عن خطئي في إدراج حكم الإقلاب قبل حكم الإدغام

وعودة للإدغام حيث شرع الناظم ، رحمه الله ، في بيانه فقال :

والثان : إدغام بستة أتت ******* في (يرملون) عندهم قد ثبتت .

وبداية مع تعريف الإدغام :
فهو لغة : الإدخال ، يقال أدغمت اللجام في فم الفرس إذا أدخلته فيه ، وأدغمت الميت في اللحد إذا جعلته فيه .
واصطلاحا : التقاء حرف ساكن (وهو النون الساكنة أو التنوين) بمتحرك (وهو أحد حروف الإدغام) ، بحيث يصيران حرفا واحدا مشددا يرتفع اللسان عنه ارتفاعة واحدة .

والعلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي ، واضحة ، فصورة المسألة : إدغام أو إدخال حرف في حرف ، بحيث يصيران حرفا واحدا مشددا ، لأن الساكن إذا أدغم في متحرك ، آل اللفظ إلى النطق بحرف مشدد ، فالحرف المشدد ، في لغة العرب ، هو عبارة عن حرفين أولهما ساكن ، وثانيهما متحرك ، فالدال في لفظ دابة ، على سبيل المثال ، هي دالان ، أولاهما ساكنة ، والثانية متحركة ، فكأن أصل الكلمة : (ددابة) ، بدالين ساكنة ومتحركة ، كما تقدم ، والله أعلم .

ومن تعاريفه الموجزة : النطق بالحرفين كالثاني مشددا ، وهذا تعريف جيد ، مع وجازته ، لأن حقيقة الإدغام تؤول إلى ذلك ، فإدغام النون الساكنة في الياء ، على سبيل المثال ، كما في قوله تعالى : (من يقول) ، يؤول عند النطق إلى النطق بياء مشددة ، فجسم الحرف الساكن ، قد أدغم في جسم الحرف المتحرك ، فزالت حركة اللسان به ، فلم نعد نحتاج لحركتين : حركة اللسان بالحرف الساكن ، ثم حركته بالحرف المتحرك ، وإنما يكفينا في هذه الحالة حركة واحدة ينتج عنها النطق بالحرف الثاني مشددا ، فالأمر هنا خلاف الإظهار ، هناك إبقاء كامل لجسم الحرف الساكن ، (النون الساكنة أو التنوين) ، وهنا زوال كامل لجسم الحرف ، بإدغامه في تاليه المتحرك ، وإن بقي أثر الحرف ، في حالة الإدغام بغنة ، كما سيأتي إن شاء الله .

وحروف الإدغام 6 : يجمعها لفظ : (يرملون) ، من الرمل ، وهو الإسراع في المشي ، وهو سنة من سنن طواف القدوم ، فقط ، دون أي طواف آخر ، كالإفاضة والوداع ، ويكون في الأشواط الـــ 3 الأولى فقط ، ويسن للرجال دون النساء لئلا ينكشف شيء من أجسادهن ، بسببه ، والله أعلم .

ثم قسم الناظم ، رحمه الله ، حروف الإدغام إلى قسمين أولهما :
لكنها قسمان قسم يدغما ******* فيه بغنة (بينمو) علما
فالقسم الأول : هو حروف الإدغام بغنة ، ويجمعها لفظ : (ينمو) .
وسبق تعريف الغنة بأنها : (صوت لذيذ مركب في جسم النون والتنوين ، فهو تبع لها في المخرج والصفات والأحكام ، والميم الساكنة ، ولا عمل للسان فيه ، لأن مخرج الغنة هو الخيشوم) .
والغنة ، كما سبق ، صفة ملازمة للنون والتنوين والميم إذا سكنت ، وأقواها غنة النون ، ويلحق بها بطبيعة الحال ، غنة التنوين ، لأن التنوين في حقيقة لفظه ، نون ساكنة ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .

ومعنى الإدغام بغنة : أننا سوف ندغم النون الساكنة أو التنوين في حروف الإدغام بغنة ، ولكن هذا الإدغام لن يكتمل ، لأن جسم النون سوف يزول بلا إشكال ، ولكن صفتها ، وهي الغنة ، لن تزول ، فكأن جسم الحرف زائل وأثره باق ، وهذا الأثر الباقي هو المانع من اكتمال الإدغام ، وعليه اصطلح العلماء على تسمية هذا الإدغام بــــ : (الإدغام الناقص) ، وعلله الشيخ الضباع ، رحمه الله ، بقوله : (لأن دخول الغنة نقصه عن كمال التشديد) ، فالحرف المشدد الناتج من عملية الإدغام لن يكون كامل التشديد ، بل سيضعف تشديده ببقاء الغنة ، والله أعلم .

ومسوغ الإدغام في حالة النون : التماثل ، التقاء متماثلين ، (أي نون مع نون ، أو ميم مع ميم أو لام مع لام ..........) ، فكأن هذا الإدغام يؤول في النهاية إلى إدغام ، سيأتي بيانه إن شاء الله ، يسمى : (إدغام المثلين ، وبالتحديد الصغير في هذه الحالة لتسكين الأول وتحريك الثاني) ، وعلى هذا فهو غير مختص بالنون الساكنة فقط ، وإنما يشمل أي حرفين متماثلين ، والله أعلم .

ومنه :
قوله تعالى : (من نور) .
وقوله تعالى : (يومئذ ناعمة) .

ومسوغ الإدغام في الميم : التجانس ، لأنهما يشتركان في صفات كثيرة ، لعل أبرزها : الغنة ، فهي مما انفردا به دون بقية الحروف ، وإن كانت غنة النون أظهر من غنة الميم ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، فضلا عن تقاربهما في المخرج ، فالميم ، مخرجها "الشفتان" ، والنون مخرجها "طرف اللسان" .

ومنه :
قوله تعالى : (ممن منع) .
وقوله تعالى : (مثلا ما) .

ومسوغ الإدغام مع الياء والواو : التقارب ، فمخرج النون "طرف اللسان" ، قريب من مخرج الواو "الشفتين" ، ومخرج الياء "وسط اللسان" ، فجوز هذا التقارب الإدغام ، والله أعلم .

ومنه ، في حالة الواو :
قوله تعالى : (من وال) .
وقوله تعالى : (غشاوة ولهم) .

وفي حالة الياء :
قوله تعالى : (من يقول) .
وقوله تعالى : (وبرق يجعلون) .

والملاحظ في الإدغام ، إجمالا ، أن سببه ، عكس سبب الإظهار ، ففي الإظهار ، حسن الفصل بين النون الساكنة والتنوين من جهة ، وحروف الإظهار من جهة أخرى ، لتباعد مخرج كل منهما ، وفي الإدغام حسن إدماجهما في حروف الإدغام ، لتماثل المخرج في حالة الإدغام مع النون ، وتقاربه في بقية حروف الإدغام ، والله أعلم .

مسألة : الغنة المتبقية ، صفة أي الحرفين المدغمين ؟
إذا تقرر أن الإدغام في هذه الحالة لابد أن يكون بغنة ، فإنه يحسن أن نتعرف على الحرف الذي يسبب هذه الغنة :
ففي حالة النون : الغنة غنة المدغم فيه ، أي النون الثانية ، والملاحظ هنا أن كلا حرفي الإدغام يحمل صفة الغنة ، فهو إدغام حرف مغن في حرف مغن ، غنتهما متماثلة تبعا لتماثلهما ، والله أعلم .

وفي حالة الميم : الغنة غنة المدغم ، أي النون ، والملاحظ هنا أن كلا حرفي الإدغام يحمل صفة الغنة ، فهو إدغام حرف مغن في حرف مغن ، ولكن غنة المدغم ، أي النون ، أقوى من غنة المدغم فيه ، أي الميم ، وعليه ظهرت غنة الأول على غنة الثاني ، وغلبت في اللفظ ، والله أعلم .

وهذا الرأي هو الرأي الراجح ، وهناك قول آخر بأن الغنة هي غنة المدغم فيه ، ولا يخفى رجحان هذه القول لأن فيه ترجيحا لغنة على غنة أقوى منها ، فكيف يغلب الأدنى على الأعلى ، ويلزم من هذا القول : القول بذهاب جسم النون الساكنة وصفتها أيضا ، فتخرج هذه الصورة من عموم تعريف الإدغام الناقص ، لأنه أصبح كاملا ، بزوال المدغم وصفته أيضا ، وهذا هو حد الإدغام الكامل ، ورغم كمال الإدغام المستلزم زوال أي غنة ، بقيت غنة المدغم فيه ، فصارت هذه الصورة جامعة لكلا نوعي الإدغام ، فهي إدغام كامل ، ومع ذلك بغنة ، كما في الإدغام الناقص ، والعمل بالقول الأول يرفع عنا حرج هذا التأويل الدقيق ، والله أعلم .

وفي حالة الواو والياء : الغنة غنة المدغم ، أي النون ، بالإجماع ، لأنه لا غنة للواو والياء أصلا ، حتى يقال بترجيح غنة النون على غنتهما ، أو العكس ، والله أعلم .

ثم نبه الناظم ، رحمه الله ، إلى مسألة مهمة :
وهي مسألة وقوع النون الساكنة ، وحرف الإدغام في كلمة واحدة ، فقال :
إلا إذا كانا بكلمة فلا ******* تدغم كــــ (دنيا) ، ثم صنوان تلا

وقد وقع ذلك في القرآن الكريم في 4 كلمات :
دنيا ، وصنوان ، وقنوان ، وبنيان .
فطبقا لقاعدة الإدغام المعروفة ، يتم النطق بحرف الإدغام مشددا ، فتنطق دنيا : ديا ، وتنطق صنوان : صوان ، وتنطق قنوان : قوان ، وتنطق بنيان : بيان ، وهذا نطق غير صحيح بطبيعة الحال ، لالتباس هذا النطق بنطق المضعف ، وهو ما تكرر أحد أصوله كــــ : (حيان) ، و (رمان) .
لأن كلمة دنيا : لا تضعيف فيها ، فحروفها دال ونون وياء وألف المد ، بينما كلمة ديا (إذا ما أدغمنا النون في الياء طبقا لقاعدة الإدغام الأصلية) ، فيها تضعيف ، فحروفها : دال وياء مشددة ، (وهي ياءان إحداهما ساكنة والأخرى متحركة) ، وألف المد ، فاختلفت بنية الكلمة ، بل واختلف معناها ، فالدنيا من الدنو ، والديا من الدي ، وكذا الحال في بقية الكلمات ، فإن الإدغام فيها يغير بنية الكلمة ومعناها ، والله أعلم .


ثم ذكر الناظم ، رحمه الله ، القسم الثاني من الإدغام ، وهو الإدغام بغير غنة ، فقال :
والثان : إدغام بغير غنه ******* في اللام والراء وكررنه
وفي بعض نسخ المتن :
والثان : إدغام بغير غنه ******* ورمزه "رل" فأتقننه
فحروفه حرفان : اللام والراء ، ويجمعها قولك : رل ، أي أسرع ، يقال رل زيد في سيره ، إذا أسرع ، والله أعلم .


وهذا الإدغام ، يختلف عن سابقه ، بأنه لا غنة فيه ، فلا يصدر من الخيشوم أي صوت أثناء نطقه ، لأن إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء ، إدغام كامل ، يذهب فيه جسم الحرف المدغم ، وصفته ، وهي الغنة ، خلاف النوع الأول ، ففيه يذهب جسم الحرف المدغم ، ولكن يبقى أثره الدال عليه ، وهو الغنة التي تصدر من الخيشوم ، ولذا كان ناقصا ، ومن نطق بالإدغام في حالة اللام والراء ، بلا تكلف ، فإنه لا يجد حاجة لإخراج غنة من خيشومه .
إذ يتم الإدغام مباشرة بنطق لام مشددة ، كما في :
قوله تعالى : (هدى للمتقين) ، فنطقها مباشرة بلا تكلف إخراج غنة : هدللمتقين
وقوله تعالى : (ولكن لا يعلمون) ، فنطقها : ولكلا يعلمون

أو نطق راء مشددة ، كما في :
قوله تعالى : (من ربهم) ، فنطقها : مربهم .
وقوله تعالى : (رؤوف رحيم) ، فنطقها : رؤوفرحيم ، والله أعلم .

يقول الشيخ الضباع رحمه الله :
وهذا على ما عليه جمهور أهل الأداء عن القراء العشرة
وروى بعضهم إدغامهما فيهما بغنة ، كما في قراءة "نافع" و"أبي جعفر" و "ابن كثير" و "أبي عمرو" و "يعقوب" و"ابن عامر الشامي" و "حفص" ، وعليه يكون ناقصا ، لأن الغنة تمنع كمال تشديد الحرف المدغم فيه ، كما سبقت الإشارة على ذلك ، والله أعلم .

ووجه الإدغام في اللام والراء : قرب مخارج النون واللام والراء ، فكلها من حروف طرف اللسان ، فتكون من الحروف المتقاربة ، التي تقاربت مخارجها ، واختلفت صفاتها ، فصفات النون غير صفات اللام غير صفات الراء ، بل جزم الفراء ، رحمه الله ، باتحاد مخارجها ، فكلها من نفس المخرج من طرف اللسان ، فتكون من الحروف المتجانسة ، وهي الحروف التي اتحدت مخارجها دون صفاتها ، ويأتي بيان التماثل والتقارب والتجانس تفصيلا إن شاء الله .
وأيضا ، والكلام للشيخ الضباع رحمه الله : لو لم يدغما فيهما لحصل الثقل لاجتماع المتقاربين (على رأي الجمهور) ، أو المتجانسين (على رأي الفراء رحمه الله) ، فبالإدغام تحصل الخفة ، لأنه يصير في حكم حرف واحد .
ووجه حذف الغنة : المبالغة في التخفيف ، لأن بقاءها يورث ثقلا ما ، وسبب ذلك قلبهما حرفا ليس فيه غنة ولا شبيها بما فيه غنة .

فالنون الساكنة سوف تنطق عند إدغامها باللام والراء ، لاما مشددة ، أو راءا مشددة ، وهذان حرفان لا غنة فيهما ، بل ولا شبه لهما بما فيه غنة ، فهما أبعد ما يكونان عنها ، فعلام التكلف بالإتيان بغنة في غير موضعها ؟ ، والله أعلم .

وأشار الناظم في ختام كلامه على الإدغام إلى حكم من أحكام (الراء) ، بقوله : (ثم كررنه) ، أي : احكم بأن حرف الراء من حروف التكرير ، لكن يجب إخفاء تكريره .
والتكرير لغة : إعادة الشيء بصفته الأولى أكثر من مرة ، ومنه الكر : أي العودة بعد الفر على نفس صفة الهجوم الأول .
واصطلاحا : ارتعاد رأس اللسان عند النطق بالحرف ، وحرف التكرار : الراء ، وهذا الارتعاد يؤدي لتكرار نطق الحرف ، ولا شك أن هذا من اللحن المخل بالقراءة ، فالناظم ، رحمه الله ، لم يذكر هذه الصفة ، ليعمل بها، كما قد يوهم لفظ : كررنه ، وصيغته صيغة الأمر الدالة على وجوب الفعل ، وإنما ذكرها لتجتنب ، لأنها مما يخل بالقراءة ، فمتى ما أظهر القارئ تكرير الراء ، فإن الراء المخففة ، سوف تنطق راءين ، والمشددة راءات متعددة ، والله أعلم .
 
بسم الله

السلام عليكم

ثم بدأ الناظم ، رحمه الله ، الكلام على الحكم الرابع من أحكام النون الساكنة والتنوين فقال :

والرابع : الإخفاء عن الفاضل ******* من الحروف واجب للفاضل

والإخفاء لغة : الستر ، يقال : اختفى الرجل عن أعين الناس بمعنى : استتر عنهم .
واصطلاحا : النطق بحرف ساكن عار ، أي خال ، من التشديد على صفة بين الإظهار والإدغام مع بقاء الغنة في الحرف الأول ، وهو النون الساكنة والتنوين .

ففي هذا الحكم ، نجد أن حروف الإخفاء ، وهي بقية حروف الهجاء ، ما عدا حروف الإظهار والإدغام والإقلاب ، وقد جمعها الناظم ، رحمه الله ، بفوله :
في خمسة من بعد عشر رمزها ******* في كلم هذا البيت قد ضمنتها
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما ******* دم طيبا زد في تقى ضع ظالما
فحروف الإخفاء : هي الحروف التي صدرت بها كلمات البيت الثاني .
في هذا الحكم ، نجد أن حروف الإخفاء ، تأتي في مرتبة وسط بين حروف الإدغام من جهة ، وحروف الإظهار من جهة أخرى ، فلا هي بالقريبة مخرجا من النون الساكنة والتنوين ، حتى يسوغ إدغامها ، ولا هي بالبعيدة عنهما ، كحروف الإظهار الحلقية ، حتى يسوغ إظهارها ، فوجب إخفاء النون الساكنة والتنوين عندها ، لأن الإخفاء وسط بين الإدغام التام والإظهار ، فالأول : إذهاب كامل للحرف وصفته، والثاني : والثاني إبقاء لهما معا ، بينما الإخفاء : إذهاب للحرف دون صفته ، فيذهب جسم النون الساكنة والتنوين ، ويبقى أثرهما ، وهو الغنة ، التي تصدر من الخيشوم ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .
نلاحظ أن الشيخ الضباع ، رحمه الله ، قد قيد الإدغام هنا بــــ : "التام" ، وهو الذي يكون مع اللام والراء ، لأن الغنة تذهب فيه تماما ، خلاف الإدغام الناقص مع حروف : "ينمو" ، إذ ذهب جسم النون وبقيت صفتها ، فنقصت الغنة من كمال تشديد الإدغام ، فعد بذلك ناقصا ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك تفصيلا ، وعليه فإن الإخفاء ، لا ينفرد بالغنة ، دون بقية الأحكام ، وإنما يشاركه في ذلك الإدغام الناقص ، فالإدغام الناقص بذلك يشبه الإدغام الكامل من وجه : وهو إذهاب الحرف بعد إدغامه ، ويشبه الإخفاء من وجه : بقاء صفة الحرف وهي الغنة .

ويمكن القول بأن الغنة صفة لازمة للإخفاء ، فلا إخفاء إلا بغنة ، سواء كان حقيقيا ، كما في النون الساكنة والتنوين ، أو شفويا ، كما في الميم الساكنة ، خلاف الإدغام ، فالغنة غير ملازمة له ، فقد يأتي بغنة ، فيكون ناقصا ، كما في الإدغام مع حروف "ينمو" وقد يأتي بغير غنة ، فيكون كاملا ، كما في الإدغام مع حروف "رل" ، والله أعلم .

والإخفاء كالإظهار له ثلاث مراتب ، تبعا لقرب المخرج أو بعده عن مخرج النون الساكنة والتنوين :
فأدناه : عند الطاء والدال المهملتين والتاء المثناة من فوق ، لقرب مخارج هذه الحروف من مخرج النون .
ومن ذلك :
قوله تعالى : (أنداد) .
وقوله تعالى : (من دابة) .
وقوله تعالى : (قنوان دانية) .

وقوله تعالى : (ينطقون) .
وقوله تعالى : (من طين) .
وقوله تعالى : (صعيدا طيبا) .

وقوله تعالى : (ينتهوا) .
وقوله تعالى : (من تحتها) .
وقوله تعالى : (جنات تجري) .


وأقصاه : عند القاف والكاف ، لبعد مخرجهما عن مخرج النون الساكنة ، فهي تخرج من طرف اللسان ، وهما يخرجان من أصل اللسان ، من المنطقة التالية مباشرة لأدنى الحلق من جهة تجويف الفم ، وسبقت الإشارة إلى أن هذا المخرج قريب جدا من مخرج الغين والخاء ، وهما من حروف الإظهار الأدنى ، نظرا لقرب مخرجهما ، وهو أدنى الحلق من جهة تجويف الفم ، من مخرج القاف والكاف ، فالتداخل حاصل بين هذين المخرجين ، وكما قد يقع الخطأ في الإخفاء عند الغين والخاء ، قد يقع أيضا بالإظهار عند القاف والكاف ، فوجب التنبيه على ذلك ، والله أعلم .

ومن ذلك :
قوله تعالى : (ينقلبون) .
وقوله تعالى : (ولئن قلت) .
وقوله تعالى : (سميع قريب) .

وقوله تعالى : (ينكثون) .
وقوله تعالى : (من كل) .
وقوله تعالى : (عادا كفروا) .


وأوسطه عند بقية الحروف .
وهي "الصاد" المهملة ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (ينصركم) .
وقوله تعالى : (أن صدوكم) .
وقوله تعالى : (ريحا صرصرا) .

و "الذال" المعجمة ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (منذر) .
وقوله تعالى : (من ذكر) .
وقوله تعالى : (سراعا ذلك) .

و"الثاء" المثلثة ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (منثورا) .
وقوله تعالى : (من ثمره) .
وقوله تعالى : (جميعا ثم) .

و "الجيم" ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (أنجيناكم) .
وقوله تعالى : (إن جاءكم) .
وقوله تعالى : (شيئا جنات) .

و "الشين" المعجمة ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (ينشر لكم) .
وقوله تعالى : (لمن شاء) .
وقوله تعالى : (عليم شرع) .

و "السين" المهملة ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (منسأته) .
وقوله تعالى : (أن سيكون) .
وقوله تعالى : (عظيم سماعون) .

و "الزاي" ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (فأنزلنا) .
وقوله تعالى : (فإن زللتم) .
وقوله تعالى : (يومئذ زرقا) .

و "الفاء" ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (انفروا) .
وقوله تعالى : (وإن فاتكم) .
وقوله تعالى : (خالدا فيها) .

و "الضاد" ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (منضود) .
وقوله تعالى : (إن ضللت) .
وقوله تعالى : (قوما ضالين) .

و "الظاء" ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (انظروا) .
وقوله تعالى : (من ظهير) .
وقوله تعالى : (ظلا ظليلا) .







والغنة تتناسب في تفخيمها أو ترقيقها ، مع درجة تفخيم حرف الإخفاء أو ترقيقه ، فإذا كان حرف الإخفاء مفخما ، كالصاد والقاف والكاف والضاد والطاء ، وهي من حروف : (خص ضغظ قظ) ، فإن الغنة تكون مفخمة ، وإذا كان مرققا كالتاء والدال ، فإن الغنة تكون مرققة .

وينبه الشيخ الضباع ، رحمه الله ، إلى أنه يجب على القارئ أن يحترز في حالة إخفاء "النون" من أن يشبع الضمة قبلها أو الفتحة أو الكسرة ، لئلا يتولد من :
الضمة واو ، كما في قوله تعالى : (كنتم) ، لأن إشباع الضمة يغير الكلمة إلى : (كونتم) .
والفتحة ألف ، كما في قوله تعالى : (عنكم) ، لأن إشباع الفتحة يغير الكلمة إلى : (عانكم) .
والكسرة ياء ، كما في قوله تعالى : (منكم) ، لأن إشباع الكسرة يغير الكلمة إلى : (مينكم) .

وليحترز أيضا من إلصاق اللسان فوق الثنايا العليا عند إخفاء "النون" ، لأن ذلك يؤدي لإظهار النون ، فمخرجها طرف اللسان مع أعلى الثنايا ، وإلصاق طرف اللسان بأعلى الثنايا ، يؤدي إلى إظهار النون حتما ، وهذا خلاف المطلوب هنا ، فالمطلوب إخفاؤها لا إظهارها ، فيجب أن يتوقف طرف اللسان عن الارتفاع ، عند الإتيان بالنون في حالة الإخفاء قبل تماسه مع أعلى الثنايا ، والله أعلم .


وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن النون الساكنة في حالة الإخفاء ، تكون عارية ، أي خالية ، عن أي حركة ، فلا يرسم عليها ، السكون ، لأن ذاتها قد ذهبت ، خلاف الإظهار ، فإن السكون يرسم عليها ، لأن ذات النون باقية ، وهذا من علامات الرسم الموضحة للفرق بين الحكمين .

والله أعلى وأعلم .
يتبع إن شاء الله
 
بسم الله
السلام عليكم

ثم انتقل الناظم ، رحمه الله ، إلى الكلام عن أحكام النون والميم المشددتين ، ولهما حكم واحد فقط ، أجمله الناظم ، رحمه الله ، بقوله :

وغن ميما ثم نونا شددا ******* وسم كلا حرف غنة بدا
فالغنة صفة لازمة لهما مطلقا ، إلا أن غنة النون أظهر من غنة الميم ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، في أكثر من موضع ، وإذا شددا كان إظهار غنتهما آكد ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (من الجنة) .
وقوله تعالى : (وذا النون) .
وقوله تعالى : (إني) .

وقوله تعالى : (ثم) .
وقوله تعالى : (المزمل) ، بتشديد الميم الثانية مع كسرها ، فالغنة في الميم الأولى ، موجودة ، ولكنها أظهر في الميم الثانية لأنها مشددة .
وقوله تعالى : (فأمه) . منحة ذي الجلال ص65_66 .
ومقدار الغنة ، كما سبق ، حركتان .
وعلى القارئ أن يحترز عند الإتيان بالغنة في "النون" و "الميم" في نحو :
قوله تعالى : (إن الذين) .
وقوله تعالى : (وإما فداء)
لئلا يتولد من ذلك حرف مد ، فيصير اللفظ : (إين الذين) ، و (وإيما فداء) ، وهذا تعسف في القراءة ينتج عنه زيادة في كلام الله عز وجل . . منحة ذي الجلال ص66 .


وبعد ذلك انتقل الناظم ، رحمه الله ، إلى الكلام على أحكام الميم الساكنة ، فهي تالية النون الساكنة ، لتقارب النون والميم في المخرج والصفات ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، فقال :

و"الميم" إن تسكن تجي قبل الهجا ******* لا "ألف لينة" لذي الحجا

فالميم الساكنة تأتي قبل أي حرف من حروف الهجاء ، بلا إشكال ، ما عدا "الألف اللينة" ، لأن الألف اللينة ، كما تقدم ، هي : ألف ساكنة مفتوح ما قبلها ، لابد أن يكون ما قبلها متحركا ، بل ومفتوحا ، على وجه الخصوص ، وهذا واضح بلا إشكال ، لأن الألف يناسبها الفتح ، فلا يتصور أن تسبق الألف اللينة ، أو ألف المد ، بحرف مكسور ، لأن الكسر يناسبه الياء ، أو حرف مضموم ، لأن الضم يناسبه الواو ، أو ساكن ، لكراهية توالي ساكنين ، فإذا صححنا مجيء الميم الساكنة قبل الألف اللينة ، فقد جوزنا توالي ساكنين ، ولا قائل بذلك ، بل
إن هذا مما اجتنبه العرب في لغتهم ، واحتالوا لمنع وقوعه بعدة أمور ، منها :

تحريك الأول منهما ، تحريكا عارضا ، إذا كانا بكلمتين ، كقوله تعالى : (لم يكن الذين كفروا) ، فكسر نون "يكن" ، كسر عارض لأن أصلها نون ساكنة ، لجزم الفعل بــــ : "لم" ، وهي متبوعة بألف الوصل الساكنة أيضا في : "الذين" ، فساغ تحريك الأول تحريكا عارضا بالكسر لتلافي التقاء الساكنين ، وقد أشار الحريري ، رحمه الله ، في ملحة الإعراب ، إلى هذه المسألة بقوله :
وإن تلاه ألف ولام ******* فاكسر وقل : ليقم الغلام
أي إن تلا الفعل الأمر ، (المبني على السكون) ، ألف ولام ، (والألف ، هي ألف الوصل ، الساكنة ، التي تأتي ملازمة للام التعريف دوما ، على خلاف يرد تفصيله لاحقا إن شاء الله) ، فاكسر آخر حرف من حروف الفعل كراهية التقاء ساكنين ، وهما : (آخر حرف من حروف الفعل ، وألف الوصل الساكنة) .
والله أعلم .

ومنها : حذف أولهما ، إن وقعا في كلمة واحدة ، وقد وقع هذا في نفس المثال السابق : (لم يكن الذين كفروا) ، فأصل الفعل : يكون ، فلما جزم ، سكن آخره ، وما قبله ساكن ، أيضا ، لأن واو المد ، التي يضم ما قبلها ، ساكنة دائما ، فالتقى ساكنان في كلمة واحدة ، فحذف أولهما ، وهو الواو ، وبقي الآخر وهو النون .

ومن فوائد هذه المسألة : أنه يجب التفريق بين حذف حرف من وسط الكلمة ، وبالتحديد من الموضع قبل الأخير ، وحذف حرف من آخر الكلمة ، فالأول يكون لعلة صرفية ، كمنع التقاء ساكنين ، كما تقدم ، والثاني يكون لعلة إعرابية ، كالفعل المضارع المعتل الآخر ، فإنه يجزم بحذف آخره ، كقولك : لم يخش المؤمن أحدا إلا الله ، فحذفت الألف من الفعل : "يخشى" ، وبقيت الفتحة في "يخش" دالة عليها ، والله أعلم .

ومنها ، أيضا ، وهو يتعلق بعلم التجويد ابتداء ، المد اللازم في مثل قوله تعالى : (الحاقة) ، فألف المد ساكنة ، وهي متبوعة بحرف مشدد ، (والحرف المشدد في حقيقته حرفان : ساكن ومتحرك) ، فكأن ألف المد الساكنة أتبعت بقاف ساكنة ، فقاف متحركة ، فيكون أصل الكلمة : الحاققة ، بتوالي ساكنين ، فجيء بالمد اللازم ، لتلافي هذا الأمر ، ويأتي مزيد بيان لذلك ، إن شاء الله ، عند الكلام على أحكام المدود ، والله أعلم .


ثم بدأ الناظم ، رحمه الله ، في سرد أحكام الميم الساكنة ، فقال :
أحكامها ثلاثة لمن ضبط ******* "إخفاء" "إدغام" و "إظهار" فقط
وسبقت الإشارة إلى معنى : الإخفاء والإدغام والإظهار ، عند الكلام على أحكام النون الساكنة ، وما قيل هناك يقال هنا ، وإن اختلفت حروف الأحكام في الميم الساكنة ، عنها في النون الساكنة ، فحروف الإخفاء ، في حالة النون الساكنة ، على سبيل المثال : 15 حرفا ، وفي حالة الميم الساكنة : حرف واحد فقط ، كما سيأتي إن شاء الله .

ومن الإجمال إلى التفصيل :
فـــــ "الأول" : الإخفاء عند الباء ******* وسمه الشفوي للقراء .
وسبقت الإشارة إليه ، عند الكلام على الإقلاب ، في أحكام النون الساكنة ، فالإقلاب ، يؤول في حقيقته إلى الإخفاء الشفوي ، لأن قلب النون الساكنة ، إذا جاء بعدها باء ، إلى ميم ساكنة يعني : حصول صورة الإخفاء الشفوي ، تماما كما لو أتت الميم الساكنة ابتداء ، وجاء بعدها باء ، فالميم في الصورة الأولى منقلبة غير أصلية ، وفي الثانية أصلية ، والله أعلم .

ويكون هذا الإخفاء الشفوي ، مصاحبا بالغنة ، لأن للميم غنة ، وإن كانت أخف من غنة النون ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع ، سواء كان :
سكونها متأصلا ، كما في :
قوله تعالى : (يعتصم بالله) .
وقوله تعالى : (يوم هم بارزون) .

أو عارضا نحو :
قوله تعالى : (بأعلم بالشاكرين) .
وقوله تعالى : (أعلم بالظالمين) ، في قراءة أبي عمرو ويعقوب .
وهذا هو المختار الذي عليه جمهور أهل الأداء . وذهب جماعة إلى إظهارها عندها إظهارا تاما ، أي : من غير غنة ، (فلا غنة في الإظهار كما سبقت الإشارة إلى ذلك) ، والعمل على الأول . منحة ذي الجلال ، ص68_69 .

ووجه هذا الإخفاء : هو أن الميم والباء حرفان متجانسان ، بمعنى :
أن مخرجهما واحد ، فكلاهما شفوي .
وصفاتهما مختلفة :
فالباء على سبيل المثال مقلقلة ، لأنها من حروف : (قطب جد) ، بينما الميم لا تقلقل .
والباء شديدة ، لأنها من حروف : (أجد قط بكت) ، والميم متوسطة بين الرخاوة والشدة ، لأنها من حروف : (لن عمر) .
والغنة من صفات الميم ، والباء لا غنة لها .

فناسب تجانسهما الإخفاء ، دون :
الإظهار ، لأنه يحسن عند التباعد الكامل بين الحرفين .
والإدغام ، لأنه يحسن عند التقارب الكامل بين الحرفين ، كالمتماثلين ، ويأتي الكلام عنهما ، عند الكلام على الإدغام الصغير .
والله أعلى وأعلم .
يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم

ثم شرع الناظم ، رحمه الله ، في بيان الحكم الثاني ، وهو الإدغام ، فقال :
والثان : إدغام بمثلها أتى ******* وسم "إدغاما صغيرا" يا فتى .

فالحكم الثاني من أحكام الميم الساكنة هو : الإدغام الصغير أو : "إدغام المثلين" ، وقد يطلق عليه كلا الوصفين فيقال : "إدغام المثلين الصغير" .
وهو يحصل في حالة واحدة ، وهي : أن تتبع الميم الساكنة بميم متحركة ، أو أي حرف ساكن بنفس الحرف متحركا ، كما في :
قوله تعالى : (أم من أسس) .
وقوله تعالى : (خلق لكم ما في الأرض)

ووجه تسميته بـــــ : "المثلين" ، أنه لا يحصل إلا عند التقاء ميم بميم مثلها ، أو أي حرف بمثيله ، كما سيأتي عند الكلام على المتماثلين إن شاء الله .
ووجه تسميته بــــــــ : "الصغير" ، أن الميم الأولى ساكنة ، والثانية متحركة ، خلاف ما إذا كانت الأولى متحركة ، والثانية ساكنة ، فيسمى المثلان بــــ : "الكبير" .
أو كانا متحركين ، فيسمى المثلان بــــ : "المطلق" ، والله أعلم .

وبطبيعة الحال يكون هذا الإدغام بغنة ، لأن الحرف المدغم له غنة ، والحرف المدغم فيه له غنة ، أيضا ، فاجتمعت له الغنة من جهتين ، وقد يقال هنا : بأن الغنة هي غنة المدغم فيه ، أي الميم الثانية ، وهي المتحركة ، كما قيل في إدغام النون الساكنة في نون مثلها ، والله أعلم .

وأما الفتى : فهو من يتأتى منه العلم ، واصله الشاب من حين بلوغه خمس عشرة سنة إلى أن يبلغ ثلاثين سنة . بتصرف من منحة ذي الجلال ص69_70 .

ثم ذكر الناظم ، رحمه الله ، الحكم الأخير وهو : الإظهار ، فقال :
والثالث : "الإظهار" في البقية ******* من أحرف وسمها : "شفوية" .
وبقية الحروف ، وهي : 26 حرفا ، إذا أتت بعد الميم الساكنة ، أظهرت الميم الساكنة بلا غنة ، وذلك نحو :
قوله تعالى : (أنعمت) ، فالميم الساكنة متبوعة بتاء متحركة ، في كلمة واحدة .
وقوله تعالى : (تمسون) ، فالميم الساكنة متبوعة بسين متحركة ، في كلمة واحدة .
وقوله تعالى : (لعلكم تتقون) ، فالميم الساكنة متبوعة بتاء متحركة ، في كلمتين .
وقوله تعالى : (مثلهم كمثل) ، فالميم الساكنة متبوعة بكاف متحركة ، في كلمتين .

ووجه تسميته : الإظهار الشفوي :
تمييزه عن الإظهار "الحقيقي" ، أو "الحلقي" ، وهو الإظهار ، في حالة النون الساكنة ، وسمي بذلك لكون حروفه كلها ، حلقية ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .

والإظهار المطلق ، الذي اصطلح على إطلاقه إذا ما أتت النون الساكنة وأحد حروف الإدغام في نفس الكلمة ، فلا يدغمهما القارئ ، خلاف ما قد يبدو للوهلة الأولى ، لأن الإدغام لا يكون إلا من كلمتين ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (صنوان وغير صنوان) ، وسبقت الإشارة إلى ذلك تفصيلا ولله الحمد .

وأما الإظهار هنا فقد سمي : "شفويا" ، نسبة إلى مخرج الميم المظهرة ، وهو الشفتان ، كما قد علم ، والله أعلم .

وأخيرا نبه الناظم ، رحمه الله ، إلى خطأ يقع فيه بعض القراء فقال :
واحذر لدى "واو" و "فا" أن تختفي ******* لقربها والاتحاد فاعرف

فعلة الإخفاء الشفوي ، كما تقدم ، هو التجانس بين الميم والباء فمخرجهما واحد ، وقد يسبب هذا بعض اللبس لبعض القراء ، لأن الواو ، أيضا تشترك مع الميم في المخرج ، فكلاهما شفوي ، وعليه فإن القياس يقتضي الإخفاء عند الواو ، في مثل قوله تعالى : (وهم فيها) ، ومما يزيد اللبس أن اللسان قد ينساق بسهولة وراء هذا الإخفاء ، لموافقته لشروط الإخفاء الشفوي القياسية ، ولكن الحكم ، كما سبق ، للرواية لا القياس إذا ما تعارضا ، فتظهر الميم الساكنة إذا جاء بعدها واو ، والله أعلم .

وكذا الأمر بالنسبة للفاء ، وإن كان الخطب فيها أهون ، لأن مخرجها لا يماثل مخرج الميم ، ولكنه يقترب منه بدرجة كبيرة ، فالميم ، كما تقدم شفوية ، والفاء مخرجها من بطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا ، فلمخرجها متعلق بالشفتين ، وإن كان مقتصرا على الشفة السفلى دون العليا ، فالحرفان متقاربان ، لتقاربهما في المخرج واختلافهما في الصفات ، فتظهر الميم الساكنة إذا أتى بعدها فاء ، والله أعلم .


فائدة :
في البيت : لف ونشر غير مرتب ، لأن الناظم أتى بـــ "الواو" أولا ، ثم "الفاء" ثانيا في الشطر الأول من البيت ، ثم عكس في الشطر الثاني ، وبين سبب هذا اللبس في حالة "الفاء" أولا وهو : تقارب المخارج ، وبعده ذكر السبب في حالة "الواو" وهو : اتحاد المخرج ، ولو كان اللف والنشر مرتبين ، لذكر العلة عند "الواو" أولا ثم "الفاء" مراعاة لسياق الشطر الأول من البيت ، وقد جاء كلا النوعين : اللف والنشر المرتب وغير المرتب في التنزيل :
فمن المرتب ، وهو الأصل ، قوله تعالى : (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع) ، فقابل كل صنف بنظيره مع التزام الترتيب ، فأتى بالأعمى ثم الأصم ، ثم ذكر نقيض الأعمى وهو البصير ثم نقيض الأصم وهو السميع .
ومن غير المرتب ، وهو الفرع ، قوله تعالى : (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون) ، فأتى أولا بأصحاب الوجوه البيض ثم أتبعهم بأصحاب الوجوه السود ، ولما فرع بــــ "أما" ، ذكر الآخرين أولا والأولين آخرا .

والله أعلى وأعلم .
يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم

ثم شرع الناظم ، رحمه الله ، في بيان أحكام "أل" ولام الفعل فقال :
للام "أل" حالان قبل الأحرف ******* أولاهما : إظهارها فليعرف
فهذا نوع جديد من الإظهار ، وسبق لنا :
الإظهار الحلقي ، وهو من أحكام النون الساكنة ، إن أتى بعدها حرف من حروف الحلق ، كما تقدم بيان ذلك تفصيلا ولله الحمد .
والإظهار المطلق ، وهو من أحكام النون الساكنة ، إن اجتمعت مع حرف من حروف الإدغام في كلمة واحدة ، كقوله تعالى : (صنوان) ، فالنون الساكنة متبوعة بواو ، والواو من حروف الإدغام ، ومع ذلك أظهرت النون ، لأنه يشترط في الإدغام ، كما تقدم ، أن يكون من كلمتين ، كلمة فيها النون الساكنة ، وكلمة فيها حرف الإدغام .
والإظهار الشفوي ، وهو من أحكام الميم الساكنة ، وسبقت الإشارة إليه تفصيلا ، ولله الحمد .

وهذا الإظهار الرابع ، وهو إظهار لام أل إن جاء بعدها حرف من حروف : (ابغ حجك وخف عقيمه) .

وبداية مع تعريف لام "أل" : فهي لام ساكنة زائدة على بنية الكلمة ، مسبوقة بهمزة وصل ، مفتوحة ، عند البدء بها ، سواء صح تجريد الكلمة من اللام أم لم يصح .

وقيد : مسبوقة بهمزة وصل ، قيد مهم جدا ، فهي مسبوقة بهمزة وصل ، لا همزة قطع ، لأن :
همزة الوصل ليست من بنية الكلمة ، بل هي همزة زائدة ، تثبت في أول الكلام ، وتسقط في وسطه ، فلا اعتبار لها في النطق إذا جاءت في وسط الكلام ، وأما إذا ابتدئ الكلام بحرف ساكن ، فإنها تأتي قبله ، والسبب في ذلك ، كما يقول أحد المشايخ الكرام ، في مصر ، وهو الشيخ سيد أبو زيد ، حفظه الله ، وهو من المتخصصين في اللغة الإنجليزية :
أن العرب تستقبح البدء بساكن لثقل ذلك على لسان المتكلم ، فعلى سبيل المثال :
لفظ "اخرج" ، أوله ساكن ، وهو الخاء ، فأتي بهمزة الوصل لتفادي البدء بساكن ، مع ملاحظة أن حركة همزة الوصل تكون مماثلة لحركة الحرف قبل الأخير من مضارع الفعل الذي تأتي في أوله ، فالفعل "خرج" ، مضارعه : يخرج ، فقبل آخره مضموم ، وعليه يبدأ في الأمر بألف وصل مضمومة ، وأما في الفعل "ضرب" ، فالمضارع منه "يضرب" ، فقبل آخره مكسور ، وعليه يبدأ في الأمر بألف وصل مكسورة ، وهكذا .
وهذا ، كما يقول الشيخ سيد ، حفظه الله ، من لطائف اللغة العربية ، فالبدء بساكن أمر يستثقله اللسان ، ويظهر هذا جليا في النطق ببعض الكلمات الإنجليزية ككلمة : (street) ، على سبيل المثال ، وهي تعني بالعربية : طريق ، كما هو معلوم ، فإن الناطق بها يحرص على تسكين أولها ويركز على ذلك تركيزا شديدا ، فيه نوع مشقة ، ليخرج اللفظ صحيحا من جهة النطق ، والله أعلم .

وأما همزة القطع : فهي همزة أصلية ، لا تسقط أبدا ، لأنها من بنية الكلمة الأصلية ، كالهمزة في الفعل : "سأل" ، والفعل : "أكل" ، والفعل : "أمر" ................ الخ .

وظاهر كلام الناظم ، رحمه الله ، أنه يعتبر اللام فقط ، دون همزة القطع ، هي أداة التعريف في الكلمات التي تأتي في أولها ، وهي مسألة اختلف النحاة فيها :
فمن قائل بأن "أل" ، بأكملها ، هي أداة التعريف ، فتكون همزة الوصل داخلة فيها .
ومن قائل بأن أداة التعريف اللام فقط بدليل سقوط همزة الوصل عند وصل الكلام ، وإلى هذا الخلاف أشار الحريري ، رحمه الله ، في ملحة الإعراب ، بقوله :

وآلة التعريف "أل" فمن يرد ******* تعريف كبد مبهم قال "الكبد"
وقال قوم إنها اللام فقط ******* إذ ألف الوصل متى تدرج سقط

وجاء بعده ابن مالك ، رحمه الله ، فأشار إلى نفس الخلاف في ألفيته الشهيرة ، بقوله :
أل حرف تعريف ، أو اللام فقط ******* فنمط عرفت قل فيه : النمط .

ومن اعتبر "أل" بأكملها ، كالخليل بن أحمد ، رحمه الله ، قال بأن الهمزة فيها : همزة قطع ، واحتج لذلك بأنها مفتوحة ، والأصل في همزة القطع أن تكون مكسورة ، كقولك : ليقم الغلام ، ولا تفتح ولا تضم إلا لعارض ، وليس هنا عارض يقتضي ضمها أو فتحها ، وأما استعمالها كهمزة وصل عند النطق ، رغم أنها همزة قطع ، فهو من باب التسهيل في النطق لكثرة استعمال هذا اللفظ .
ومن اعتبر "اللام" فقط ، كسيبويه ، رحمه الله ، قال بأن الهمزة : همزة وصل ، أتي بها ليتوصل إلى نطق اللام الساكنة ، عند البدء بها ، لأن البدء بالساكن ، كما تقدم ، أمر مستقبح في لغة العرب ، وقد يرد على ذلك : القول بأن تحريك الساكن نفسه أولى من الإتيان بمتحرك قبله ، فإذا كانت اللام ساكنة ، فلم لا تحرك هي دون أن يلجأ إلى النطق بهمزة وصل متحركة قبلها ، والجواب : أنها لو حركت إلى الكسر لالتبست بلام الجر ، لأنها مكسورة دوما ، ولو حركت إلى الفتح لالتبست بلام الابتداء ، ولو حركت إلى الضم لكان هذا خروجا على لغة العرب ، فضم اللام في أول الكلام مما لا نظير له في لغة العرب ، والله أعلم . بتصرف من "منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل" ، للشيخ محمد محيي الدين ، رحمه الله ، (1/148) .

وكما سبق ، فإن اللام تظهر إذا أتى بعدها أحد حروف : (ابغ حجك وخف عقيمه) .

وهو ما أشار إليه الناظم ، رحمه الله ، بقوله :
قبل "أربع" مع "عشرة" خذ علمه ******* من (ابغ حجك وخف عقيمه) .

ومن ذلك :
قوله تعالى : (الأول)
قوله تعالى : (البر)
قوله تعالى : (الغني)
قوله تعالى : (الحليم)
قوله تعالى : (الجنة)
قوله تعالى : (الكبير)
قوله تعالى : (الودود)
قوله تعالى : (الخبير)
قوله تعالى : (الفتاح)
قوله تعالى : (العليم)
قوله تعالى : (القيوم)
قوله تعالى : (اليقين)
قوله تعالى : (الملك)
ولفظ (الهادي) ، ولم يضعه الشيخ الضباع ، رحمه الله ، في شرحه ، بين قوسي الآية المعروفين .

وأما حكمها الثاني فهو : الإدغام ، وهو ما أشار إليه الناظم ، رحمه الله ، بقوله :
ثانيهما : إدغامها في "أربع" ******* و "عشرة" أيضا فرمزها فع
فمع بقية الأحرف ، تدغم هذه اللام فيها ، بحيث تسقط من اللفظ ، وينطق بالحرف التالي لها مشددا ، كقولك : الشمس ، فلفظك بها يكون : أشمس ، بهمزة وصل إذا بدأت بها الكلام ، فشين مشددة مباشرة ، مع إسقاط "اللام" من اللفظ .

وأما إذا جاءت في وسط الكلام كقولك : رأيت الشمس بازغة ، فإن همزة الوصل واللام ، كليهما ، يسقط من اللفظ ويكون لفظك : رأيتشمس بازغة ، فبعد التاء تأتي الشين المشددة مباشرة ، والله أعلم .

ووجه الإدغام في هذه الحالة : التسهيل ، بحيث يسهل النطق باللفظ دون كلفة ، وهذا يظهر جليا عند محاولة إظهار اللام في مثل لفظ : الشمس ، ففيه من الكلفة والخروج عن مألوف النطق ما فيه ، والله أعلم .

وأما أحرف الإدغام فجمعها الناظم ، رحمه الله ، في هذا البيت :
طب ثم صل رحما تفز ضف ذا نعم ******* دع سوء ظن زر شريفا للكرم
بحيث يؤخذ من كل كلمة من كلمات البيت الحرف الأول منها ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (الطامة) .
وقوله تعالى : (الثواب)
وقوله تعالى : (الصادقين)
وقوله تعالى : (الراكعين)
وقوله تعالى : (التوابين)
وقوله تعالى : (الضالين)
وقوله تعالى : (والذاكرين)
وقوله تعالى : (الناصحين)
وقوله تعالى : (الدين)
وقوله تعالى : (السائحون)
وقوله تعالى : (الظالمين)
وقوله تعالى : (الزجاجة)
وقوله تعالى : (الشاكرين)
وقوله تعالى : (الليل)

وخرج بقيد "أل" المعرفة ، "أل" الموصولة ، في مثل قول الشاعر :
وما أنت بالحكم الترضى حكومته ******* ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
أي : ما أنت بالحكم الذي ترضى حكومته .
و "أل" الزائدة :
كقول الشاعر :
من القوم الرسول الله منهم ******* لهم دانت رقاب بني معد

وقول الآخر :
باعد أم العمرو من أسيرها ******* حراس أبواب لدى قصورها

وعند التحقيق لا يظهر كبير فرق ، لأن المراد هنا ليس تحديد نوع "أل" ، حتى يمكن الاستفادة من ذلك نحويا أو بلاغيا ، وإنما المراد معرفة كيفية التلفظ ، والقارئ قد ينطق اللفظ صحيحا دون معرفة معناه ، وإن كان لفظا قرآنيا ، فبعض ألفاظ القرآن قد تشكل على الأعاجم من المسلمين ، الذين لا دراية كبيرة لهم بلغة العرب ، بل قد تشكل على كثير من العرب ، أصحاب اللغة في زماننا الحاضر ، ومع ذلك ينطقونها نطقا سليما ، فتحديد نوع "أل" هل هي معرفة ، بضم الميم وكسر العين ، كقوله تعالى : (زين للناس حب الشهوات) ، أو موصولة كقوله تعالى : (والسارق والسارقة) أي والذي سرق والتي سرقت ، أو زائدة كما في لفظ : (الرسول) ولفظ (العمرو) في البيتين السابقين ، أو لبيان الجنس كقوله تعالى : (وجعلنا من الماء كل شيء حي) ، أو للاستغراق كقوله تعالى : (إن الإنسان لفي خسر) ، أو للمح الصفة كقولك : رأيت الفضل بن محمد ، .............. الخ ، تحديد كل ذلك ، وإن كان مهما لدارس علوم الشريعة ، وبالأخص علوم النحو والبلاغة ، فإنه لا يلزم دارس علم التجويد ، لأنه سيأتي على سبيل المثال لينطق : وما أنت بالحكم الترضى حكومته ، فيدغم اللام في التاء ، ويشدد التاء في لفظ "الترضى" ، فيكون نطقه : أترضى ، فلا يعنيه نوع "أل" ، وإنما يكفيه نطقها نطقا سليما ، والله أعلم .

وللشيخ الضباع ، رحمه الله ، رأي ينقض ما سبق ، لأنه رأى جواز إظهار اللام أو إدغامها في غير "أل" المعرفة ، وعليه يجوز أن ينطق باللام في لفظ "الترضى" ، ويجوز أن يخفيها ، وهنا يظهر فرق يستدعي معرفة نوع اللام ، فإذا ما كانت موصولة أو زائدة ، جاز فيها كلا الوجهين ، الإظهار والإدغام ، والله أعلم .

وقد اصطلح العلماء على تسمية اللام في حالة الإظهار بــــ : "اللام القمرية" ، تشبيها لها بلام القمر ، بجامع الظهور في كل ، وفي حالة الإدغام بـــــ : "اللام الشمسية" تشبيها لها بلام الشمس ، بجامع الإدغام في كل ، وإلى هذا أشار الناظم ، رحمه الله ، بقوله :
واللام الاولى سمها "قمرية" ******* واللام الاخرى سمها "شمسية"
منحة ذي الجلال ص78 .
والله أعلى وأعلم

يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم
ثم بدأ الناظم ، رحمه الله ، الكلام على "لام الفعل" ، فقال :
وأظهرن لام فعل مطلقا ******* في نحو : قل نعم وقلنا والتقى

فمثل الناظم ، رحمه الله ، بقوله : "قل نعم" لـــــ : لفعل الأمر الذي وقعت اللام في آخره ، ومنه :
قوله تعالى : (أنزلني) ، فلام "أنزل" ، متصلة بنون الوقاية ، التي جيء بها ليسوغ اتصال الفعل بياء المتكلم التي يناسبها الكسر ، والفعل لا يكسر لثقله ، فأتي بنون الوقاية لتقي الفعل كسرة ياء المتكلم ، وأظهرت اللام لأن حكمها الإظهار مطلقا ، ما لم تتصل بلام أو راء ، كما سيأتي إن شاء الله .

وقوله تعالى : (اجعلني) ، وما قيل في "أنزلني" يقال في "اجعلني" تماما بتمام ، والله أعلم .

ومثل ، رحمه الله ، بقوله : "قلنا" لــــ : الفعل الماضي الذي وقعت اللام في آخره ، ومنه :
قوله تعالى : (جعلنا) ، فلام الفعل "جعل" ، وهو مبنى على الفتح المقدر لاتصاله بـــ "نا" الدالة على الفاعلين ، وإن شئت قلت : مبني على السكون العارض لاتصاله بــــ "نا" ، لامه متصلة بالنون ، فحكمها الإظهار مطلقا .

وقوله تعالى : (أنزلنا) ، وما قيل في "جعلنا" يقال في "أنزلنا" تماما بتمام ، والله أعلم .

وكأن الشارح ، رحمه الله ، تعمد الإتيان بالفعلين : "جعل" و "أنزل" ، في صورتي : الأمر تارة والماضي تارة أخرى ، ليسهل حفظ شواهد المسألة ، والله أعلم .

ومثل الناظم ، رحمه الله ، بقوله : "التقى" لـــــ : الفعل الماضي الذي وقعت اللام في وسطه ، ومنه :
قوله تعالى : (فالتقمه الحوت) ، فلام الفعل "التقم" ، اتصلت بالتاء ، وعليه فحكمها الإظهار مطلقا .
وقوله تعالى : (ألحقنا بهم) ، فلام الفعل "ألحقنا" ، اتصلت بالحاء ، وعليه فحكمها الإظهار مطلقا .

وينبه الشيخ الضباع ، رحمه الله ، على قصر هذا الحكم على ما عدا اللام والراء بقوله :
ومحل هذا الإظهار إذا لم تقع ، (أي لام الفعل) ، قبل لام أو راء ، فإن وقعت قبلهما أدغمت فيهما وجوبا نحو :
قوله تعالى : (وقل لهم) ، ومسوغ الإدغام هنا : التماثل ، فاللامان متماثلان اسما وصفة ، فكلاهما اسمه اللام ، والصفات واحدة تبعا لاتحاد الموصوفين في الحقيقة ، فحقيقة اللام الأولى هي نفسها حقيقة اللام الثانية ، وان اختلفت حركتهما ، فالأولى ساكنة ، والثانية متحركة ، وسبق أن الإدغام في هذه الحالة يسمى : إدغام مثلين صغير ، لأن الأول منهما ساكن والثاني متحرك ، وحكمه : وجوب الإدغام ، والله أعلم .

وقوله تعالى : (وقل رب) ، فاللام والراء : متقاربان ، لأن مخرجهما متقارب :
فمخرج اللام : أدنى إحدى حافتي اللسان بعيد مخرج الضاد إلى منتهى طرفه مع ما يحاذيها من لثة الأسنان العليا .
ومخرج الراء : ظهر طرف اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى فويق الثنيتين .
فكلاهما يطلق عليه وصف : "الذلاقة" ، لخروجهما من ذلق اللسان أي : طرفه ، وإن اختلف المخرج عند التحقيق الدقيق ، فضلا عن تعلق مخرج كل منهما باللثة العليا ، وإن كان مخرج الراء أخص ، لأنه يتعلق باللثة التي تعلو الثنيتين فقط ، والله أعلم .

وصفاتهما متقاربة :
فكلاهما متوسط بين الرخاوة والشدة ، لأنهما من حروف "لن عمر" .
وكلاهما ذلق ، أي خفيف سريع النطق يخرج من طرف اللسان ، لأنهما من حروف "فر من لب" .
وكلاهما مستفل ، منفتح ، منحرف عن مخرجه إلى مخرج غيره .

وتستقل الراء بأن من صفاتها : "التكرير" ، وهو قبولها التكرير ، لارتعاد طرف اللسان عند النطق بها ، وهذه الصفة تعرف لتجتنب لا ليعمل بها ، منحة ذي الجلال ص27_29 .



والله أعلى وأعلم
يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم

ثم بدأ الناظم ، رحمه الله ، الكلام على المثلين والمتقاربين والمتجانسين فقال :
إن في الصفات والمخارج اتفق ******* حرفان فـــــ "المثلان" فيهما أحق

أي إن اتفق الحرفان ، مخرجا ، وصفة ، فوصف "المثلين" فيهما أحق ، ولا يكون ذلك ، عند التحقيق إلا في حالة تماثل الحرفين اسما ورسما ، أي أنهما بالفعل متماثلان ، تماثلا كاملا :

كالباءين في :
قوله تعالى : (اذهب بكتابي) ، مع ملاحظة أنه في هذا المثال : الحرف الأول ساكن ، والثاني متحرك ، فيأخذ المثلان هنا وصفين إضافيين ، هما :
"الصغير" ، فيقال بأن حكمهما : "مثلين صغير"
و"الإدغام" ، فيقال بأنهما مثلان صغيران يجب فيهما الإدغام ، ويكون نوع الإدغام هنا : "إدغام مثلين صغير" ، ويستثنى من ذلك ما إذا كان أولهما حرف مد ، فحرف المد : حرف ساكن ، والذي بعده متحرك ، فتحققت صورة المثلين الصغير ، في نحو :
قوله تعالى : (في يومين) ، فياء المد الطبيعي الساكنة في : "في" يليها ياء متحركة .
وقوله تعالى : (قالوا وهم) ، فواو المد الطبيعي الساكنة في : "قالوا" يليها واو ساكنة .
ومع تحقق شروط المثلين الصغير إلا أن الإدغام لا يصح في هذين الموضعين لأن السكون هنا سكون اصطلاحي ، لا لفظي ، فحقيقته تؤول إلى الكسر في الآية الأولى ، وإلى الضم في الآية الثانية ، لأن حرف المد الساكن يأخذ حركة الحرف المتحرك الذي يسبقه ، فكأن الحرفين في الحقيقة متحركان ، "والله أعلم .


وقوله تعالى : (يذهب بالأبصار) ، مع ملاحظة أن الحرفين متحركان ، فيأخذ المثلان هنا وصفين إضافيين هما :
"الكبير" ، فيقال بأن حكمهما : "مثلين كبير" .
و "الإظهار" عند الجمهور ، و"الإدغام " في أحد الوجهين عن "أبي عمرو" و"يعقوب" .

وكالتاءين في :
قوله تعالى : (ربحت تجارتهم) ، فالتاء الأولى ساكنة والثانية متحركة ، فيكون الحكم : "إدغام مثلين صغير" .
وقوله تعالى : (الموت تحبسونهما) ، فالتاءان متحركان ، فيكون حكمهما : "مثلين كبير" ، وإظهاره واجب عند الجمهور .

وكاللام في :
قوله تعالى : (بل لا يخافون) ، فاللام الأولى ساكنة والثانية متحركة ، فيكون الحكم : "إدغام مثلين صغير" .

وكالميمين في :
قوله تعالى : (الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين)
عند وصل "الرحيم" بــــ "مالك" ، وكلاهما متحرك فيكون الحكم "إدغام مثلين كبير" ، وإظهاره واجب ، ولكن هذا التخريج مقتصر على قراءة حفص فقط ، خلاف بقية القراءات ، حيث يقف القارئ على ميم "الرحيم" ، فيسكنها ، ويمد مدا عارضا للسكون (2 أو 4 أو 6 حركات ، كما سيأتي إن شاء الله) ، ثم يدغمها في ميم "مالك" ، والله أعلم .

ثم انتقل الناظم ، رحمه الله ، إلى الكلام على المتقاربين ، فقال :
وإن يكونا مخرجا تقاربا ******* وفي الصفات اختلفا يلقبا
متقاربين .....................

ففي البيت "تضمين" ، وهو الإتيان بما يتم معنى بيت في بيت تال له ، وهو مما يعاب في النظم ، وعذر الناظم ، رحمه الله ، أنه لم يؤلف هذا النظم كنظم الشعراء ، وإنما نظمه كبقية المنظومات العلمية ، لبيان مسائل علمية ، فالشعر فيها تابع لا متبوع ، وخادم لا مخدوم ، والله أعلم .

فالمتقاربان : حرفان تقارب مخرجاهما ، ولم يتحد ، واختلفت صفاتهما ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (قد سمع) :
فمخرجهما : طرف اللسان مع ما يقابله من أصلي الثنيتين العليين مصعدا إلى جهة الحنك الأعلى ، ولكن الدال تخرج قبل التاء ، فترتيب خروج حروف هذا المخرج : الطاء ثم الدال ثم التاء ، فمخرجهما عند التحقيق متقارب جدا ، ولكنه مختلف ، والله أعلم .
وهذه الحروف يقال لها : "نطعية" ، لخروجها من نطع الغار أي سقفه . "منحة ذي الجلال" ، ص25 .

وأما صفاتهما فهي مختلفة :
فالسين حرف مهموس ، من حروف : "سكت فحثه شخص" ، والهمس هو : خفاء الصوت بالحرف لضعفه بسبب جريان النفس معه حالة النطق به ، والدال غير مهموسة ، فهي من الحروف الجهرية .
والدال من الحروف الشديدة ، لأنها من حروف "أجد قط بكت" ، بينما السين من الحروف الرخوة .
والدال من حروف القلقلة : (قطب جد) ، والسين لا قلقلة فيها .
والسين من حروف الصفير : "الصاد والزاي والسين" ، والدال لا صفير فيها .
بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص27_29 .



والله أعلى وأعلم
يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم

معذرة على الخطأ في المشاركة السابقة ، عند الكلام على الدال والسين ، كمثالين على المتقاربين ، فقد جاء بها :
فمخرجهما : طرف اللسان مع ما يقابله من أصلي الثنيتين العليين مصعدا إلى جهة الحنك الأعلى ، ولكن الدال تخرج قبل التاء ، فترتيب خروج حروف هذا المخرج : الطاء ثم الدال ثم التاء ، فمخرجهما عند التحقيق متقارب جدا ، ولكنه مختلف ، والله أعلم .
وهذه الحروف يقال لها : "نطعية" ، لخروجها من نطع الغار أي سقفه . "منحة ذي الجلال" ، ص25 .

وهذا خطأ ، بطبيعة الحال ، لأن محل الدراسة حرفا الدال والسين ، وليس الدال والتاء ، فالدال والتاء من المتجانسين ، كما سيأتي إن شاء الله ، وأما الدال والسين فهما من المتقاربين ، لأنهما ، كما تقدم ، مختلفان في الصفات ، وأما المخرج ، وهو محل الخطأ في المشاركة السابقة ، فمتقارب :
فالدال مخرجها : طرف اللسان مع ما يقابله من أصلي الثنيتين العليين مصعدا إلى جهة الحنك الأعلى ، وحروف هذا المخرج يقال لها : "نطعية" ، لخروجها من نطع الغار أي سقفه . "منحة ذي الجلال" ، ص25 .
وأما السين فمخرجها : طرف اللسان وفويق الثنيتين السفليتين ، ويقال لحروف هذا المخرج : "أسلية" ، لخروجها من أسلة اللسان : أي ما دق منه ومن بين الثنايا .

وبهذا يتضح أن مخرجي الدال والسين متقاربان ، فكلاهما من حروف طرف اللسان ، ولكن الدال تتعلق بالثنيتين العلويتين ، وسقف الحنك ، وأما السين ، فتتعلق بفويق الثنيتين السفليتين ، المقابلتين للعلويتين ، والله أعلم .


وبعد ذلك انتقل الناظم ، رحمه الله ، إلى الكلام على المتجانسين فقال :

متقاربين ، أو يكونا اتفقا ******* في مخرج دون الصفات حققا
بـــ "المتجانسين" ثم إن سكن ******* أول كل فـــ "الصغير" سمين
أو حرك الحرفان في كل فقل ******* كل "كبير" وافهمنه بالمثل

فالمتجانسان ، حرفان لهما نفس المخرج ، ولكنهما مختلفان في الصفات ، فمن ذلك :

الطاء والتاء :
فكلاهما يخرج من طرف اللسان مع ما يقابله من أصلي الثنيتين العلويتين مصعدا إلى جهة الحنك الأعلى ، فهما من الحروف النطعية كالدال تماما ، لاتحادهم في المخرج .

وأما صفاتهما فمختلفة :
فالتاء من الحروف المهموسة ، لأنها من حروف "سكت فحثه شخص" ، والهمس هو عبارة عن خفاء التصويت بالحرف لضعفه بسبب جريان النفس معه حالة النطق به ، وأما الطاء فهي من الحروف الجهرية ، والجهر هو عبارة عن ظهور التصويب بالحرف لقوته بسبب انحصار الصوت الحاصل من عدم جريان النفس معه في حالة النطق به .
والتاء من حروف الاستفال ، والاستفال هو عبارة عن تسفل اللسان وانخفاضه إلى قاع الفم عند النطق بالحرف ، والطاء من حروف الاستعلاء ، لأنها من حروف "خص ضغط قظ" ، والاستعلاء هو عبارة عن استعلاء طائفة من اللسان عند النطق بالحرف .
والتاء من حروف الانفتاح ، وهو عبارة عن انفتاح ما بين اللسان والحنك الأعلى وخروج الريح من بينهما عند النطق بحروفه ، والطاء من حروف الإطباق ، وهو عبارة عن انطباق طائفة من اللسان على ما يحاذيها من سقف الحنك وانحصار الصوت بينهما عند النطق بحروفه .
والطاء من حروف القلقلة ، لأنها من حروف "قطب جد" ، بينما التاء ليست من حروف القلقلة ، والقلقلة هي عبارة عن تقلقل المخرج بالحرف عند خروجه ساكنا حتى يسمع له نبرة قوية .

ويشتركان في :
وصف الشدة ، فكلاهما من حروف : "أجد قط بكت" ، والشدة هي عبارة عن لزوم الحرف لمخرجه وحبس الصوت من أن يجري معه .
ووصف الإصمات ، وهو عكس الذلاقة ، التي تعني سرعة النطق بالحرف لخفته .

فاتضح مما سبق أن التاء والطاء ، من الحروف المتجانسة ، لأن المخرج واحد ، والصفات ، أو معظمها إن أردت الدقة ، مختلفة ، وهذا هو حد المتجانسين ، كما سبق ، ومن أمثلة ذلك :

قوله تعالى : (أحطت) ، فالطاء ساكنة متبوعة بتاء متحركة ، فيكون الحكم هنا : "إدغام متجانسين صغير" ، لأن الأول ساكن والثاني متحرك ، والإدغام هنا واجب ، كما هو الحال في "إدغام المثلين الصغير" ، والله أعلم .

وقوله تعالى : (الصالحات طوبى) ، فالتاء والطاء ، كلاهما ، متحرك ، فيكون الحكم هنا : "متجانسين كبير" ، وإظهاره كإظهار "المثلين الكبير" ، عند الجمهور ، ما عدا "أبا عمرو" و "يعقوب" ، رحمها الله ، في أحد الوجهين عنهما ، فقد اختارا فيه الإدغام ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، والله أعلم .

ومن ذلك أيضا :
الدال والتاء :
فالمخرج واحد وهو : طرف اللسان مع ما يقابله من أصلي الثنيتين العلويتين مصعدا إلى جهة الحنك الأعلى ، كما تقدم عند الكلام على التاء والطاء .

والصفات مختلفة :
فالتاء مهموسة والدال جهرية .
والدال مقلقلة ، لأنها من حروف "قطب جد" ، والتاء غير مقلقلة .

ويشتركان في الشدة لأنهما من حروف "أجد قط بكت" ، والاستفال ، والانفتاح ، والإصمات .

ومن أمثلة ذلك :
قوله تعالى : (قد تبين) ، فالدال ساكنة متبوعة بتاء متحركة ، فيكون الحكم هنا : "إدغام متجانسين صغير" ، لأن الأول ساكن والثاني متحرك ، والإدغام هنا واجب ، كما هو الحال في "إدغام المثلين الصغير" ، والله أعلم .

وقوله تعالى : (المساجد تلك) ، فالدال والتاء ، كلاهما ، متحرك ، فيكون الحكم هنا : "متجانسين كبير" ، وإظهاره كإظهار "المثلين الكبير" ، عند الجمهور ، ما عدا "أبا عمرو" و "يعقوب" ، في أحد الوجهين عنهما ، فقد اختارا فيه الإدغام ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، والله أعلم .

وأخيرا وضع الناظم ، رحمه الله ، قاعدة كلية لمعرفة "الصغير" و "الكبير" ، سواء كان في المتماثلين أو المتقاربين أو المتجانسين ، فقال :

بـــ "المتجانسين" ثم إن سكن ******* أول كل فـــ "الصغير" سمين
أو حرك الحرفان في كل فقل ******* كل "كبير" وافهمنه بالمثل

فإذا سكن الأول وتحرك الثاني فهو : "صغير" ، واجب الإدغام .
وإذا حرك الاثنان فهو : "كبير" ، حكمه الإظهار عند الجمهور ، خلاف "أبي عمرو" و "يعقوب" ، في أحد الوجهين عنهما ، فقد اختارا فيه الإدغام ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .
وبالإضافة إلى ذلك يوجد نوع ثالث في حالة :
تحريك الأول وتسكين الثاني ، أي عكس الصغير فهو : "المطلق" ، ومنه قوله تعالى : (ما ننسخ) ، فنون "ننسخ" الأولى متحركة والثانية ساكنة ، وحكمه : "الإظهار" .


والله أعلى وأعلم
يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم

ثم بدأ الناظم ، رحمه الله ، الكلام على المد ، أنواعه ، أحكامه ، فقال :
والمد أصلي وفرعي له ******* وسم أولا "طبيعيا" وهو
ما لا توقف له على سبب ******* ولا بدونه الحروف تجتلب
بل أي حرف غير همز أو سكون ******* جا بعد مد فـــ "الطبيعي" يكون

وبداية مع تعريف المد :
فهو لغة : المط والزيادة ، ومنه :
قوله تعالى : (كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا) ، أي سنزيده من العذاب ، وأكد الفعل "نمد" ، بالمصدر "مدا" ، والله أعلم .

واصطلاحا : عبارة عن إطالة الصوت بالحروف .
أو : إطالة زمن الصوت بحرف عن مقدار المد الطبيعي عند وجود سببه .
فالمد الطبيعي ، "ومقداره حركتان" كما سيأتي إن شاء الله ، لازم لاجتلاب أي حرف ، فإذا ما وجد سبب إضافي غير اجتلاب الحرف ، كأن يقع بعد حرف المد همز كما في قوله تعالى : (السماء) ، لزمت إطالة زمن الصوت ، تبعا لنوع المد ، فهو في هذا المثال ، يطول إلى 4 أو 5 حركات ، أو 6 حركات عند الوقوف على الهمزة المتطرفة "أي التي جاءت في آخر الكلمة" ، فالزيادة حاصلة على مقدار المد الطبيعي بمقدار 2 أو 3 أو 4 حركات على التفصيل السابق ، والله أعلم .

ويقابل المد : القصر ، وهو :
لغة : الحبس أو المنع ، ومنه قوله تعالى : (حور مقصورات في الخيام) .
ومنه قول البلاغيين والأصوليين : تقديم المعمول على العامل يفيد القصر والحصر ، كما في قوله تعالى : (إياك نعبد) ، فتقدم المعمول ، أي المفعول به ، ضمير النصب المتصل "إياك" ، على عامله ، أي الفعل ، "نعبد" ، فلزم من ذلك قصر العبادة على الله ، عز وجل ، دون من سواه ، وحصر هذا المعنى في صرف العبادة لله ، عز وجل ، دون من سواه ، خلاف قولك : نعبد إياك ، فإنه لا يمنع وجود معبود آخر ، كأن يقول قائل : أعبدك وأعبد سواك ، "لأن ضمير النصب المنفصل إذا تأخر فالأصل فيه الاتصال ، وهو هنا كاف المخاطب الراجعة إلى الله عز وجل" ، فقوله صحيح لغة وإن كان فاسدا معنى ، خلاف قوله : إياك أعبد وفلان ، فهو فاسد لغة ومعنى ، والله أعلم .

واصطلاحا : إثبات حرف المد من غير زيادة عليه .
أو : عدم الزيادة على المد الطبيعي لعدم وجود سبب لها .
فعلى سبيل المثال : في قوله تعالى : (قال) ، لم يأت بعد حرف الألف ، حرف المد ، همز أو سكون ، وهما سببا المد على تفصيل يأتي إن شاء الله ، بل جاء بعدها حرف اللام ، فامتنعت الزيادة عن حركتين ، المقدار الطبيعي في هذه الصورة لتخلف شرط الزيادة ، وهو مجيء الهمز أو السكون بعد ألف المد ، كما تقدم ، والله أعلم .
والمد كما ذكر الناظم ، رحمه الله ، ينقسم ، بشكل رئيسي ، لقسمين :

المد الطبيعي : وهو المد اللازم لاجتلاب الحروف ، فبدونه لا يمكن النطق بالحرف أصلا ، لأن أي حرف ، غير الهمز أو الحرف المسكن ، يأتي بعد حرف المد ، يلزم للنطق بالحرف السابق للمد حركتان :
حركة الحرف نفسه ، وحركة حرف المد ، كما في قوله تعالى : (قال) و : (قيل) و : (نوحيها) .

فلفظ : قال : عند النطق به ، يمد القارئ ألف المد بمقدار حركتين ، ليأتي باللفظ على وجهه ، لأنه إن أهمل المد الطبيعي في هذا اللفظ ، بأن أتى بحركة القاف فقط ، فسوف تكون صورة النطق : قل ، بفتح القاف مع نطقها بسرعة وفتح اللام ، وهذا فساد في النطق يترتب عليه فساد في المعنى .
وكذا في قوله تعالى : (قيل) ، بإهمال المد الطبيعي ، وإسقاط ياء المد ، تكون صورة اللفظ : قل ، بكسر القاف مع نطقها بسرعة وفتح اللام .
وكذا في قوله تعالى : (نوحيها) ، وهي لفظة حوت حروف المد الثلاثة : الألف والواو والياء ، فبإهمال المد الطبيعي فيها ، تكون صورة اللفظ : نحه ، بضم النون وكسر الحاء وفتح الهاء ، والنطق بجميعها سريعا دون إعطاء الضم أو الكسر أو الفتح حقه ، لإهمال حروف المد ، والله أعلم .


وبهذا يتضح قول الناظم رحمه الله :
ما لا توقف له على سبب ******* ولا بدونه الحروف تجتلب
فهو لا سبب له ، لأنه لم يأت بعد حرف المد همز أو سكون أصلي أو عارض ، وبدون المد الطبيعي لا تجتلب الحروف ، بل يفسد النطق أصلا والمعنى تبعا ، كما تقدم ، والله أعلم .

وشرطه أن يأتي بعد حرف المد ، أي حرف ، إلا الهمز والسكون ، لأنهما سببا المد الفرعي بأنواعه ، كما سيأتي إن شاء الله ، والكلام هنا على المد الأصلي .

وأما المد الفرعي ، فقد أشار إليه الناظم ، رحمه الله ، بقوله :
والآخر الفرعي موقوف على ******* سبب كهمز أو سكون مسجلا
فالفرعي ، خلاف الأصلي ، مبني على سبب ألا وهو :
وقوع الهمز بعد حرف المد ، سواء كانا بكلمة واحدة ، كما في قوله تعالى : (السماء) ، فألف المد متبوعة بهمز ، وكلاهما جاء في كلمة واحدة ، أو كانا بكلمتين منفصلتين ، كما في قوله تعالى : (لا إله إلا الله) ، فألف المد في "لا"، والهمز في كلمة "إله" .

أو وقوع السكون بعد حرف المد ، سواء كان أصليا ، كما في قوله تعالى : (الحاقة) ، فألف المد متبوعة بقاف مشددة ، وهي في حقيقتها : قاف ساكنة متبوعة بقاف متحركة ، فحصل تلاقي الساكنين ، (ألف المد الساكنة والقاف الساكنة ، أي أولى القافين) ، والسكون أصلي .

أو كان عارضا في الوقف دون الوصل ، كما في قوله تعالى : (الحمد لله رب العالمين) ، بالوقوف على العالمين ، وأما إن وصلت فلا سكون ، وكذا في قوله تعالى : (يرونهم مثليهم رأي العين) ، بالوقوف على العين فإن وصلت فلا سكون ، وعليه لا مد لأن السكون طارئ يزول بالوصل ، ويأتي مزيد بيان لكل هذه الأنواع ، إن شاء الله ، والله أعلم .

وقد زاد الشيخ الضباع ، رحمه الله ، سببين آخرين من الأسباب المعنوية ، وهما :
التعظيم : وهو في "لا" النافية للجنس ، أو لا "التبرئة" ، في كلمة التوحيد نحو قوله تعالى : (لا إله إلا الله) ، وهو في نفس الوقت مد منفصل ، جائز المد ، كما سيأتي إن شاء الله ، فلا يظهر سبب التعظيم في حالة المد المنفصل ، لأن القارئ سينصرف أول ما ينصرف إلى السبب اللفظي ، أي سبب المد المنفصل ، فيمد 2 أو 4 أو 5 حركات ، ولكنه إن كان ممن يلتزم قصر المنفصل ، أي لا يمده ، فعندئذ ، يكون مده تعظيما ، بالأصالة ، لأنه لولا هذا السبب المعنوي لما مد أصلا لأنه لا يمد المنفصل ، كما تقدم ، فلا تخريج لمده في تلك الحالة إلا كونه مد تعظيم ، والله أعلم .

والتبرئة : وهو مد "لا" التبرئة ، أيضا ، وقد روي عن حمزة ، رحمه الله ، في نحو قوله تعالى : (لا ريب) ، فهنا ألف مد بعدها راء ، فالصورة صورة المد الطبيعي الذي لا يزاد فيه عن حركتين ، ورغم ذلك مد حمزة ، رحمه الله ، مراعاة للمعنى ، فالآية تبرئ كتاب الله ، عز وجل ، من الريب وهذا معنى يحسن التنبيه عليه بالمد ، ووجه المد فيه : التوسط ، أي 4 حركات ، وإذا جاء بعد "لا" همزة ، أشبع المد ، كما في قوله تعالى : (لا إكراه) ، ففي هذه الصورة المد مد منفصل ، فيعمل القارئ المد المنفصل ويهمل مد التبرئة عملا بأقوى السببين ، لأن المد المنفصل أقوى من مد التبرئة ، فالسبب اللفظي أقوى من السبب المعنوي ، والله أعلم . بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص91 .

ثم انتقل الناظم ، رحمه الله ، إلى ذكر حروف المد وشروطها ، وحروف اللين ، فقال :
حروفه "ثلاثة" فعيها ******* من لفظ "واي" وهي في "نوحيها"
والكسر قبل الياء وقبل الواو ضم ******* شرط وفتح قبل ألف يلتزم
واللين منها الياء وواو سكنا ******* إن انفتاح قبل كل أعلنا

فحروف المد هي : "الألف والواو والياء" ، وهي مجموعة في لفظ : "واي" ، وهو لفظ لا معنى له ، ولذا عبر عنه الناظم ، رحمه الله ، بقوله : من لفظ "واي" ، ولم يقل : من كلمة "واي" ، لأن الكلمة لفظ مفيد ، كما أشار إلى ذلك ابن مالك ، رحمه الله ، في أول ألفيته بقوله :
كلامنا لفظ مفيد كاستقم ******* واسم وفعل ثم حرف الكلم
واللفظ غير المفيد كـــ "واي" يسميه النحويون : مهملا ، والله أعلم . شرح ابن عقيل رحمه الله (1/15) .

وقد أتت هذه الحروف مستوفية شروطها ، في كلمة واحدة هي :
قوله تعالى : (نوحيها) ، فالواو مضموم ما قبلها ، والياء مكسور ما قبلها ، والألف مفتوح ما قبلها .
وكذا في قوله تعالى : (وأوتينا) .
بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص92 .

ولكن هذه الحروف لا تكون حروف مد إلا وفق قيد ، ذكره الناظم ، رحمه الله ، في البيت التالي :
والكسر قبل الياء وقبل الواو ضم ******* شرط وفتح قبل ألف يلتزم
فيلزم أن تكون هذه الحروف ساكنة ، فخرج بذلك الألف والواو والياء ، إن تحركت ، فلا يقال عن الواو في قوله تعالى : (ولقد أهلكنا) ، بأنها واو مد ، لأنها متحركة بالفتح .
ولا يقال عن الياء في قوله تعالى : (كذلك زين) ، بأنها ياء مد لأنها متحركة بالكسر .

ويلزم أيضا : أن تكون حركة الحرف الذي يسبقها موافقة لجنسها :
فجنس الألف : الفتح ، فيلزم أن يكون ما قبلها مفتوح ، والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا .
وجنس الواو : الضم ، فيلزم أن يكون ما قبلها مضموم .
وجنس الياء : الكسر ، فيلزم أن يكون ما قبلها مكسور .

وأما إذا سكنت الواو والياء ، وفتح ما قبلها ، فيقال عندئذ :
بأنهما استوفيا الشرط الأول : وهو كونهما ساكنتين ، ولكن الشرط الثاني : اختل ، لأن الفتح ليس من جنس الواو أو الياء ، فيقال لهما في هذه الحالة : حرفا "لين" ، لسهولة خروجهما بهذه الصورة ، وحروف اللين هي سبب مد اللين العارض للسكون ، كما سيأتي إن شاء الله ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (بيت) ، إن وقفت على التاء ، فالياء ساكنة مفتوح ما قبلها ، ولذا يسمى هذا المد : مد لين عارض للسكون ، لأن السكون غير أصلي ، فالتاء متحركة ، فلما وقف القارئ عليها سكنها ، فعرض السكون لحرف اللين فتولد مد اللين العارض للسكون ، كما سيأتي إن شاء الله .

وقوله تعالى : (خوف) ، إن وقفت على الفاء ، فالواو ساكنة مفتوح ما قبلها .

وعليه يقال بأن حروف المد ثلاثة : الألف المفتوح ما قبلها ، والواو المضموم ما قبلها ، والياء المكسور ما قبلها .
وحروف اللين : الواو الساكنة المفتوح ما قبلها ، والياء الساكنة المفتوح ما قبلها .

وحروف المد أقوى من حروف اللين ، لأن موافقة ما قبلها لها في الحركة يكسبها قوة ليست موجودة في حروف اللين التي يكسبها فتح ما قبلها ، والفتح أخف من الضم والكسر ، يكسبها ليونة تجعلها أدنى من حروف المد ، وترتب على ذلك :

أن المد المبني على حروف اللين أضعف من المد المبني على حروف المد ، فعلى سبيل المثال : مد اللين العارض للسكون في قوله تعالى : (بيت) ، إن وقفت عليها ، أضعف من المد العارض للسكون في قوله تعالى : (رب العالمين) ، إن وقفت على : "العالمين" ، لأن الياء في "بيت" ياء لينة ساكنة مفتوح ما قبلها ، بينما الياء في "العالمين" ياء مدية ، مكسور ما قبلها ، فكأن المد فرع عن سببه قوة وضعفا ، فكلما كان السبب أقوى كان المد أقوى ، والعكس صحيح ، ويأتي مزيد بيان لذلك إن شاء الله عند الكلام على هذين المدين ، والله أعلم .

فائدة : الألف يقال عنها بأنها : حرف مد ولين في نفس الوقت ، لأنه لا يتصور وجود ألف ما قبلها غير مفتوح ، فدائما ما قبلها مفتوح ليناسب جنسها ، وهذا حد حرف المد .
وهي في نفس الوقت ساكنة مفتوح ما قبلها ، وهذا حد حرف اللين ، فاجتمع فيها الوصفان في نفس الوقت بشكل لا ينفك عنها أبدا ، خلاف الواو والياء اللتان تستقلان بأحد الوصفين دون الآخر ، ولا يمكن اجتماع كلا الوصفين فيهما في نفس الوقت ، كما تقدم في الأمثلة .

والله أعلى وأعلم
يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم

ثم شرع الناظم ، رحمه الله ، في بيان أحكام المد ، فقال :
للمد أحكام ثلاثة تدوم ******* وهي الوجوب والجواز واللزوم
فأحكام المد ثلاثة :
الوجوب : ويكون في المد المتصل .
والجواز : في المد المنفصل ، ويلحق به : المد العارض للسكون ، ومد اللين العارض للسكون ، ومد البدل ، ومد الصلة الكبرى ومد الصلة الصغرى .
واللزوم : كما في المد اللازم بأقسامه الأربعة : الكلمي المثقل ، والكلمي المخفف ، والحرفي المثقل ، والحرفي المخفف ، على تفصيل يأتي إن شاء الله .

مسألة : أحوال حرف المد مع الهمز :
أولا : أن يتقدم حرف المد وتأتي الهمزة بعده في نفس الكلمة ، وهذه هي صورة المد المتصل ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (جاء) ، فألف المد متبوعة بالهمز المتطرف .
وقوله تعالى : (قروء) ، فواو المد متبوعة بالهمز المتطرف .
وقوله تعالى : (بريء) ، فياء المد متبوعة بالهمز المتطرف .

ثانيا : أن يكون حرف المد في آخر كلمة والهمزة أول كلمة أخرى ، وهذه هي صورة المد المنفصل ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (بما أنزل) ، فألف المد في "بما" متبوعة بالهمز الذي جاء في أول الكلمة التالية : "أنزل" .
وقوله تعالى : (قوا أنفسكم) ، فواو المد في "قوا" متبوعة بالهمز الذي جاء في أول الكلمة التالية : "أنفسكم" .
وقوله تعالى : (في أمها) ، فياء المد في "في" متبوعة بالهمز الذي جاء في أول الكلمة التالية : "أمها" .

ثالثا : أن تتقدم الهمزة على حرف المد ، وهذه صورة مد البدل ، وهو كالمد الطبيعي ، يمد بمقدار حركتين ، عند غير ورش ، رحمه الله ، كما سيأتي إن شاء الله ، ومن ذلك :
قوله تعالى : (ءامن) ، فالهمز قد سبق ألف المد .
وقوله تعالى : (أوتي) ، فالهمز قد سبق واو المد .
وقوله تعالى : (إيمانا) ، فالهمز قد سبق ياء المد ، والله أعلم .

بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص94_95 .

ومن المسائل التي تحسن الإشارة إليها قبل الخوض في بيان أنواع المد ، مسألة مقاديره ، بشكل إجمالي ، ومن ثم يأتي تفصيلها عند بيان كل نوع إن شاء الله ، لأن لكل نوع مقدارا معينا ، فهي إجمالا :

6 حركات : وهي أعلاها ، وتكون في المد اللازم وما يندرج تحته كمد الفرق وجوبا ، والمد المتصل عند ورش وحمزة رحمهما الله ، والمد المتصل إن تطرف ووقف القارئ عليه عند عاصم رحمه الله ، والمد المنفصل عند ورش وحمزة رحمهما الله جوازا ، والمد العارض للسكون ومد اللين العارض للسكون جوازا ، والحركة مقدار ضم الإصبع ، وهي تختلف بطبيعة الحال تبعا لطريقة التلاوة ، فلا يتصور أن مقدار الحركة عند من يقرأ بقراءة التحقيق المتأنية ، هو نفس مقدارها عند من يقرأ بقراءة الحدر السريعة ، والله أعلم .

5 حركات : وتكون في المد المتصل وجوبا ، والمنفصل ومد الصلة الكبرى جوازا ، ويطلق على هذا المقدار : "فويق التوسط" .

4 حركات : وتكون في المد المتصل ، في أحد أوجهه ، وجوبا ، والمنفصل والمد العارض للسكون ومد اللين العارض للسكون جوازا ، ويطلق على هذا المقدار : "التوسط" .

حركتان : وتكون في المد الطبيعي وما يندرج تحته كمد الصلة الصغرى ومد العوض ومد التمكين ، ومد البدل عند غير ورش ، رحمه الله ، والمد المنفصل والمد العارض للسكون ومد اللين العارض للسكون ومد الصلة الكبرى إن قصرتها ، على تفصيل يأتي لكل ذلك إن شاء الله .

ثم شرع الناظم ، رحمه الله ، في بيان أول الأنواع ، فقال :
فواجب إن جاء همز بعد مد ******* في كلمة وذا بمتصل يعد
فالمد المتصل صورته : أن يأتي بعد حرف المد همز في نفس الكلمة ، سواء تطرفت الهمزة ، أي جاءت في آخر الكلمة ، كما في :
قوله تعالى : (جاء) ، وقوله تعالى : (سيئ) ، وقوله تعالى : (قروء) .
أو لم تتطرف ، كما في :
قوله تعالى : (أولئك) .

وأما حكمه : فهو الوجوب شرعا ، لوروده نصا عن ابن مسعود رضي الله عنه .
يقول ابن الجزري رحمه الله : (تتبعت قصر المتصل ، فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة) ، وهذا استقراء كامل من إمام معتمد في هذا الفن ، فلا محيد عنه ، والله أعلم .

يقول الشيخ الضباع رحمه الله :
وله ، أي المد المتصل ، محل اتفاق ومحل اختلاف :
فمحل الاتفاق : هو أن القراء اتفقوا على اعتبار أثر الهمزة ، وهو الزيادة المسماة بالمد الفرعي . اهـــــ ، فلا يوجد قارئ إلا وقد اعتبر هذا الأثر ، ولو بحركة واحد زائدة عن مقدار المد الطبيعي كما سيأتي إن شاء الله .

ومحل الاختلاف هو : تفاوتهم في مقدار تلك الزيادة ، على حسب مذاهبهم فيه :
فأطولهم مدا : "ورش" و"حمزة" ، رحمهما الله ، وقدر بثلاث ألفات ، والألف هنا هي : ألف المد ، ومقدار مدها في حالة المد الطبيعي : حركتان ، فيكون المجموع 3 * 2 = 6 حركات ، وهذا حالهما في المنفصل ، فهما أطول الناس مدا في البابين ، والله أعلم .

ثم عاصم ، رحمه الله ، بألفين وألفين ونصف ، (أي 4 أو 5 حركات) ، وإن تطرف الهمز ووقف القارئ عليه ، كما في قوله تعالى : (والسماء) ، زيد في الحركات حركة واحدة فأصبحت : 6 حركات .

ثم الشامي وعلي ، رحمهما الله ، بألفين ، (أي 4 حركات) .

ثم قالون وابن كثير وأبو عمرو ، رحمهم الله ، بألفين وألف ونصف ، (أي 4 أو 3 حركات) ، وهذا أقل ما ورد في هذا النوع ، والله أعلم .

والحاصل بالنسبة لمن يقرأ بقراء حفص عن عاصم ، كما هو الحال عندنا في مصر ، أنه يمد المتصل (4 أو 5 حركات) ، إلا إن تطرف الهمز ووقف القارئ عليه فإنه يمد (6 حركات) ، والله أعلم .
بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص97 .

مسألة :
وجه المد في هذا النوع : أن حرف المد ضعيف والهمز قوي صعب ، لأنه من حروف الحلق ، وهي أشد الحروف ، فزيد في المد تقوية للضعيف عند مجاورة القوي ، فكأن المد عماد لحرف المد الضعيف ليقوى على النهوض أمام الهمز القوي .

وقيل : ليتمكن من النطق بالهمزة على حقها من شدتها وجهرها ، فكأن المد هنا لمراعاة الأقوى لا الأضعف ، لأنه يخشى من سريان الضعف من حرف المد إلى الهمزة المجاورة له عند النطق .

وقيل : ليستعان به على النطق بالهمزة ، وليكون صونا لحرف المد عن أن يسقط عند الإسراع لخفائه وصعوبة الهمز ، فكأن هذا القول قد جمع القولين السابقين فراعى ضعف حرف المد ، وشدة الهمز ، والله أعلم .

وأما وجه التفاوت في مراتب المد فلأجل مراعاة سنن القراءة ، فالقراءة سنة متبعة ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، وكل قارئ يلتزم في قراءته بما صح إسناده عنده .

بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص97 .


والله أعلى وأعلم

يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم

ثم شرع الناظم ، رحمه الله ، في بيان أحكام المد الجائز ، فبدأ بـــ "المد المنفصل" :
وجائز مد وقصر إن فصل ******* كل بكلمة وهذا "المنفصل"
فالمد المنفصل ، كالمتصل ، يشترط فيه وقوع الهمز بعد حرف المد ، ولكن في المنفصل يلزم أن يكون حرف المد في آخر كلمة ، والهمز في أول الكلمة التالية ، أي أنه لا يقع إلا من كلمتين منفصلتين ، خلاف المتصل الذي يقع من كلمة واحدة كما سبقت الإشارة إلى ذلك .

ومن أمثلته :
قوله تعالى : (بما أنزل) ، فحرف المد ، الألف ، وقع في آخر كلمة "بما" ، والهمز وقع في أول الكلمة التالية "أنزل" .

قوله تعالى : (قوا أنفسكم) ، فحرف المد ، الواو ، وقع في آخر كلمة "قوا" ، والهمز وقع في أول الكلمة التالية "أنفسكم" .

قوله تعالى : (في أمها) ، فحرف المد ، الياء ، وقع في آخر كلمة "في" ، والهمز وقع في أول الكلمة التالية "أمها" .

وكما هو الحال في المتصل ، فإن القراء متفاوتون في المنفصل على قدر مراتبهم في التحقيق والترتيل والتوسط والحدر أيضا .

فأطولهم مدا : "ورش" و"حمزة" ، رحمهما الله ، وقدر بثلاث ألفات ، فهما أطول الناس مدا في بابي المتصل والمنفصل ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، والله أعلم .

ثم عاصم ، رحمه الله ، بألفين وألفين ونصف .
ثم ابن عامر الشامي والكسائي ، رحمهما الله ، بألفين .
ثم ابن كثير والسوسي ، رحمهما الله ، بألف فقط ، وهذا أقل ما ورد في هذا النوع ، والله أعلم .

يقول الشيخ الضباع رحمه الله :
وهذه الرتبة الأخيرة ، "أي رتبة ابن كثير والسوسي رحمهما الله" ، عارية عن المد الفرعي ، وهي الخامسة الزائدة على المتصل .
فهي لا مد فرعي فيها أصلا ، وإنما يقتصر فيها على المد الطبيعي .

ويواصل الشيخ ، رحمه الله ، فيقول :
والحاصل : أن المد المنفصل والمتصل اتفقا في الزيادة ، وتفاوتا في النقص ، فلا يجوز فيهما الزيادة على ست حركات ، ولا يجوز نقص المتصل عن ثلاث حركات ولا المنفصل عن حركتين .

ثم إن المد المنفصل لا يجري حكمه المتقدم من اعتبار المراتب إلا في الوصل ، فلو وقف القارئ على حرف المد عاد إلى أصله وسقط المد الزائد لعدم موجبه .
بتصرف يسير من "منحة ذي الجلال" ص98_99 .

بمعنى أنه إذا وقف القارئ ، على سبيل المثال ، على : (بما) ، في قوله تعالى : (بما أنزل) ، وكان ممن يمد المنفصل ، فإنه لا يمد ، لأن هذا المد لا يثبت إلا في حالة الوصل فقط ، وبطبيعة الحال ، هذا الوقف غير متصور في المد المتصل ، لأنه يقع في كلمة واحدة ، ولا يتصور أن يقف القارئ على جزء كلمة إلا لعارض طارئ لا يصح إطلاق الوقف عليه أصلا ، فهو خلاف الوقف الاضطراري على آخر كلمة لقصر النفس أو ما شابه ذلك ، والله أعلم .

ثم شرع الناظم ، رحمه الله ، في الكلام على المد العارض بالسكون ، فقال :
ومثل ذا إن عرض السكون ******* وقفا كــــ "تعلمون" "نستعين"

ويندرج في المد العارض للسكون ، مد اللين العارض للسكون ، لاشتراكهما في السكون وقفا لا وصلا ، فهو يقع في حالة إذا ما كان حرف المد أو حرف اللين ، هو الحرف قبل الأخير في الكلمة ، وتبعهما حرف متحرك ، فلما وقف القارئ على الحرف المتحرك سكن ، فنجم عن ذلك التقاء ساكنين ، أحدهما أصلي وهو : سكون حرف المد (الذي يكون دائما ساكنا موافقا لجنس حركة الحرف الذي يسبقه) ، أو حرف اللين (الذي يكون ساكنا ما قبله مفتوح) ، والآخر عارض وهو : سكون الحرف الأخير في الكلمة ، وهو أصلا متحرك ، إلا أن القارئ لما وقف عليه سكنه ، والتقاء الساكنين سواء كان أحدهما أصلي والآخر عارض كما في هذه الصورة ، أو كان كلاهما أصلي كما في المد اللازم ، أمر مستقبح في لغة العرب ، فيجتنب بالمد ، وعليه يمد القارئ هنا : المد العارض للسكون ، أو مد اللين العارض للسكون ، ويكون مقدار المد : 2 أو 4 أو 6 حركات ، ومن ذلك :

قوله تعالى : (تعلمون) ، إن وقفت على النون ، فالحرف قبل الأخير ، حرف مد ، وهو واو المد ، وما بعده أصله متحرك بالفتح ، وهو حرف النون ، فلما وقف القارئ على النون ، سكنت ، فالتقت واو المد الساكنة مع النون الساكنة عرضا ، وهذا هو السبب الثاني من أسباب المد الفرعي ، وهو مجيء السكون ، الأصلي أو العارض كما في هذا المثال ، بعد حرف المد ، فيمد القارئ عند الوقوف على النون : 2 أو 4 أو 6 حركات ، والله أعلم .

وكذا قوله تعالى : (نستعين) ، إن وقفت على النون ، فيكون سبب المد التقاء ياء المد الساكنة مع النون الساكنة عرضا .

وقوله تعالى : (المآب) ، إن وقفت على الباء ، فيكون سبب المد التقاء ألف المد الساكنة مع الباء الساكنة عرضا .


وأما في قوله تعالى : (خوف) ، فالواو هنا واو لين لا مد ، لأنها ساكنة مفتوح ما قبلها ، فلا تكون واو مد لأنها ليست من جنس حركة ما قبلها ، أو لأن حركة ما قبلها ليست من جنسها ، فإذا وقف القارئ على الفاء تولد سكون عارض ، فالتقى الساكنان : سكون واو اللين ، وسكون الفاء العارض ، فيمد القارئ : 2 أو 4 أو 6 حركات ، ولكن يميز هذا المد بوجود حرف لين فيه ، فيقال : مد لين عارض للسكون ، والله أعلم .

وكذا في قوله تعالى : (والصيف) ، إن وقفت على الفاء ، فيكون سبب المد التقاء ياء اللين الساكنة مع الفاء الساكنة عرضا .

وقوله تعالى : (العين) ، إن وقفت على النون ، فيكون سبب المد التقاء ياء اللين الساكنة مع النون الساكنة عرضا .

ملاحظات :
أولا : المد العارض للسكون أقوى من مد اللين العارض للسكون ، وإن تساويا في مقدار المد ، لأن حرف المد الأصلي أقوى من حرف اللين .

ثانيا : لا تتحقق صورة هذين المدين إلا عند الوقف ، أما إن وصل القارئ ، فلا مد فرعي ، وإنما يكون المد هنا مدا طبيعيا مقداره حركتان ، فهو ، من اسمه ، مد عارض ، شرطه الوقف العارض .

ثالثا : يلزم القارئ توحيد القراءة ، فإن التزم المد في هذه الصورة : حركتين ، فليمد طوال قراءته بهذا المقدار كلما عرض له هذا المد ، وإن التزم : أربعا فأربع ، وإن التزم ستا فست ، وهناك وجه آخر يجوز اختلاف مقدار المد في القراءة الواحدة ، فيمد مرة حركتين ، ومرة 4 حركات ، ومرة 6 حركات ، أو 2 و 4 ، أو 2 و 6 ، أو 4 و 6 .......................... ، وتوحيد القراءة أصح ، والله أعلم .

رابعا : لهذا المد ، كما تقدم ، 3 أوجه :
أولا : وجه الطول : ومقداره 6 حركات ، وتخريج هذا الوجه : مساواته بالمد اللازم ، الذي يكون فيه كلا السكونين أصليا ، فكأن القارئ هنا يعتد بالسكون العارض اعتدادا كاملا ، فينزله منزلة السكون الأصلي ، ويمد تبعا لذلك 6 حركات كالمد اللازم .
ثانيا : وجه التوسط : ومقداره 4 حركات ، وتخريج هذا الوجه : أن القارئ يراعي اجتماع الساكنين
ولكنه في نفس الوقت لا يسوي بين سكونين أصليين كسكوني اللازم ، وسكونين أحدهما أصلي والآخر عارض كما في هذا النوع .
ثالثا : وجه القصر : ومقداره حركتان ، وتخريج هذا الوجه : أن السكون عارض لا أصلي ، والوقف يجوز فيه التقاء الساكنين بلا إشكال ، فكأن القارئ هنا يهمل التقاء هذين الساكنين إهمالا كاملا لجواز التقاءهما وقفا ، كما تقدم ، دون إشكال ، والله أعلم .

بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص100_101 .

وبعده مد البدل ، وفيه يقول الناظم رحمه الله :
أو قدم الهمز على المد وذا ******* بدل كـــ "ءامنوا" و "إيمانا" خذا

وسبب هذا المد ، كما أشار إلى ذلك الناظم رحمه الله ، تقدم سبب المد "الهمز" ، على حرف المد ، عكس الصورة القياسية للمد ، كما في :

قوله تعالى : (ءامنوا) : حيث تقدم الهمز على ألف المد ، وأصل الكلمة : أأمنوا ، بهمزة مفتوحة يليها همزة ساكنة ، والقاعدة الصرفية : أنه إذا اجتمع مثلان "أي حرفان متماثلان" ، كالهمزتين في "أأمنوا" ، أولهما متحرك والثاني ساكن ، فإن الثاني يقلب إلى حرف مد من جنس حركة الحرف الأول ، وجنس حركة الحرف الأول هنا الفتح ، فناسب أن تقلب الهمزة الثانية إلى ألف مد ، لأن الفتح يناسبه الألف ، فأصبح اللفظ : "ءامنوا" ، والله أعلم .

وكذا قوله تعالى : (إيمانا) : حيث تقدم الهمز على ياء المد ، وأصل الكلمة : إأمانا ، بهمزة مكسورة يليها همزة ساكنة ، فناسب أن تقلب الهمزة الثانية إلى ياء مد ساكنة ، فأصبح اللفظ : "إيمانا" .

وقوله تعالى : (أوتي) : حيث تقدم الهمز على واو المد ، وأصل الكلمة : أأتي ، بهمزة مضمومة يليها همزة ساكنة ، فناسب أن تقلب الهمزة الثانية إلى واو مد ساكنة ، فأصبح اللفظ : "أوتي" .

ومقدار هذا المد ، عند غير ورش رحمه الله ، حركتان ، فهو كالمد الطبيعي ، والله أعلم .

ملاحظة :
قد يجتمع مد البدل مع مد آخر في نفس الموضع ، وعليه يقال بأنه : إذا اجتمع سببان للمد قدم أقواهما ، فعلى سبيل المثال :
يقدم المد المنفصل على مد البدل في قوله تعالى : (رءا أيديهم) ، فــ "ألف المد" في "رءا" ، مسبوقة بهمزة ، وهذا هو سبب مد البدل ، ومتبوعة بهمزة "أيديهم" ، التي وقعت في الكلمة التالية ، وهذا هو سبب المد المنفصل ، فيقدم المنفصل على البدل لأنه أقوى منه ، والله أعلم .

وكذا في قوله تعالى : (وجاءوا أباهم) ، فــ " واو المد" في "جاءوا" ، مسبوقة بهمزة ، وهذا هو سبب مد البدل ، ومتبوعة بهمزة "أباهم" ، التي وقعت في الكلمة التالية ، وهذا هو سبب المد المنفصل ، فيقدم المنفصل على البدل لأنه أقوى منه ، والله أعلم .

ويقدم المد المتصل على مد البدل في قوله تعالى : (ورئاء الناس) ، فــ " ألف المد" في "رئاء" ، مسبوقة بهمزة ، وهذا هو سبب مد البدل ، ومتبوعة بهمزة وقعت في نفس الكلمة ، وهذا هو سبب المد المتصل ، فيقدم المتصل على البدل لأنه أقوى منه ، والله أعلم .

ويقدم المد اللازم على مد البدل في قوله تعالى : (ءآمين) ، فــ " ألف المد" في "ءآمين" ، مسبوقة بهمزة ، وهذا هو سبب مد البدل ، ومتبوعة بسكون أصلي ، هو سكون أولى ميمي الميم المشددة الواقعة بعد حرف المد ، وهذا هو سبب المد اللازم ، فيقدم اللازم على البدل لأنه أقوى منه .

بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص105_106 .


والله أعلى وأعلم

يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم

ثم شرع الناظم ، رحمه الله ، في الكلام على المد اللازم ، وهو أقوى المد ، وأعلاها مقدارا ، فقال :
ولازم إن السكون أصلا ******* وصلا ووقفا بعد مد طولا

فالمد اللازم ، كما يظهر من البيت السابق ، شرطه : أن يأتي بعد حرف المد السكون ، وهو السبب الثاني من أسباب المد ، فخرج بذلك المد المتصل والمنفصل لأن حرف المد فيهما يأتي بعده السبب الأول من أسباب المد وهو الهمز ، ولكن هذا السكون مقيد بكونه "أصليا" ، أي أنه من نفس بنية الكلمة لا عارض عليها بسبب الوقف ، فخرج بهذا القيد المد العارض للسكون ومد اللين العارض للسكون لأن السكون التالي لحرف المد فيهما سكون عارض نتيجة الوقف كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، وهو ما أكده الناظم ، رحمه الله ، بقوله : وصلا ووقفا ، ليشير إلى أن السكون هنا من نفس بنية الكلمة لا كسكون المد العارض الذي يثبت وقفا لا وصلا ، والله أعلم .

وهو أقوى أنواع المد ، كما تقدم ، وحكمه : الوجوب ، ومقداره : 6 حركات ، ومن ذلك :

قوله تعالى : (الصاخة) ، فألف المد متبوعة بخاء مشددة ، والخاء المشددة في حقيقتها : خاء ساكنة متبوعة بخاء متحركة ، فتحصل لدينا : ألف مد ساكنة متبوعة بخاء ساكنة سكونا أصليا ، والتقاء ساكنين أمر مستقبح ، كما تقدم ، فيجتنب في هذه الصورة بالمد ، وبما أن السكون التالي لحرف المد هنا أصلي ، وقفا ووصلا ، فالمد حتم لازم في جميع الحالات ، والله أعلم .

وقوله تعالى : (الطامة) ، وما قيل في الآية السابقة يقال في هذه الآية ، إلا أن الحرف المشدد التالي لألف المد هنا هو الميم المشددة ، فنتج لدينا ، تبعا للتفصيل السابق ، ألف مد ساكنة متبوعة بميم ساكنة سكونا أصليا ، وعليه لزم المد .

وقوله تعالى : (الضالين) ، وقد اجتمع فيه نوعان من المد سببهما السكون :

فالأول : هو المد اللازم ، الذي سببه مجيء اللام المشددة بعد ألف المد الساكنة ، فنتج لدينا : ألف مد ساكنة متبوعة بلام ساكنة سكونا أصليا ، وهذا هو سبب المد اللازم ، فيمد القارئ وجوبا 6 حركات .

والثاني : مد عارض للسكون ، عند الوقوف على آخر الكلمة ، فينتج لدينا ياء مد ساكنة متبوعة بسكون غير أصلي ، وهذا قيد مهم جدا يتبين به الفرق بين النوعين ، كما تقدم ، وهذه صورة المد العارض ، ولكن لما كان سببه هنا غير أصلي ، أي أنه ليس من نفس بنية الكلمة ، كما هو الحال في اللازم ، جاز فيه المد والتوسط والقصر ، 2 أو 4 أو 6 حركات ، على التفصيل السابق في المد العارض ، والله أعلم .

وقوله تعالى : (أتحاجوني) ، وقد وقع فيه المد اللازم في موضعين :

الموضع الأول : ألف المد الساكنة المتبوعة بالجيم المشددة ، فينتج لدينا ألف مد ساكنة متبوعة بجيم ساكنة ، على التفصيل السابق .
والموضع الثاني : واو المد الساكنة المتبوعة بالنون المشددة ، فينتج لدينا واو مد ساكنة متبوعة بنون ساكنة ، على التفصيل السابق .

ويضيف الشيخ الضباع ، رحمه الله ، قيدا مهما لالتقاء الساكنين في هذا النوع ، فيقول :
ويشترط أن يكون الساكن متصلا بحرف المد في كلمته ، كما مثلنا ، فإن انفصل عنه تعين حذف المد لفظا نحو:

قوله تعالى : (وقالوا اتخذ) ، فواو المد الساكنة في "قالوا" منفصلة عن ألف الوصل الساكنة في "اتخذ" ، لذا يكون المد هنا مدا طبيعيا مقداره حركتان .

وقوله تعالى : (والمقيمي الصلاة) ، فياء المد الساكنة في "المقيمي" منفصلة عن ألف الوصل الساكنة في "الصلاة" ، لذا يكون المد هنا ، أيضا ، مدا طبيعيا مقداره حركتان .

وقوله تعالى : (إذا السماء) ، فألف المد الساكنة في "إذا" منفصلة عن ألف الوصل الساكنة في "السماء" ، لذا يكون المد هنا ، أيضا ، مدا طبيعيا مقداره حركتان .
بتصرف من منحة الجليل ص107_108 .

ثم شرع الناظم ، رحمه الله ، في بيان أقسام هذا المد فقال :
أقسام لازم لديهم أربعة ******* وتلك كلمي وحرفي معه
كلاهما "مخفف مثقل" ******* فهذه "أربعة" تفصل

فتبين لنا من البيتين السابقين أن أقسام المد اللازم تؤول إلى 4 أقسام :
المد اللازم الكلمي ، ويتفرع عنه نوعان : كلمي مخفف وكلمي مثقل .
والمد اللازم الحرفي : ويتفرع عنه نوعان : حرفي مخفف وحرفي مثقل .

ثم شرع ، رحمه الله ، في بيان المد الكلمي ، بصفة عامة دون التطرق لأنواعه ، فقال :

فإن بكلمة سكون اجتمع ******* مع حرف مد فهو كلمي وقع

فشرطه ، كما تبين من الأمثلة السابقة ، أن يجتمع سكون أصلي مع حرف المد ، في كلمة واحدة ، ولذا سمي بالكلمي ، نحو :

قوله تعالى : (دابة) ، فلفظ : "دابة" كلمة تتكون من أكثر من حرف من حروف المعجم ، وقد وقعت فيها باء مشددة بعد ألف المد الساكنة ، فنتج لدينا اجتماع ساكنين أصليين : ألف المد والباء الأولى من بائي الباء المشددة ، فلزم المد ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع .

وثناه ببيان المد الحرفي ، بصفة عامة أيضا دون التطرق لأنواعه ، فقال :
أو في ثلاثي الحروف وجدا ******* والمد وسطه فحرفي بدا
فهو يقع في الحروف المقطعة الموجودة في أول السور بشرط : أن يكون هجاء الحرف على ثلاثة أحرف أوسطها حرف مد ، كما في :

قوله تعالى : (ن) ، فهجاء حرف (ن) : نون ، وهو كما يظهر يتكون من 3 أحرف ، أوسطها حرف مد وهو "الواو" ، وهو حرف ساكن جاء بعده نون ساكنة سكونا أصليا ، باعتبار أن الحروف المقطعة تقرأ منفصلة حرفا حرفا ، ولازم ذلك الوقوف على كل حرف ، فيتولد سكون في آخر هجائه ، كما هو الحال في النون التالية لواو المد في هذا المثال ، وعليه تتحقق صورة المد اللازم : اجتماع ساكنين أصليين ، أولهما حرف مد ، فيمده القارئ 6 حركات ، كما تقدم ، والله أعلم .

ومنه قوله تعالى : (ص) ، فهجاء حرف (ص) : صاد ، فهو أيضا ثلاثي ، وسطه ألف مد ساكنة متبوعة بدال ساكنة سكونا أصليا ، على التفصيل السابق ، وعليه تتحقق صورة المد اللازم ، فيمده القارئ 6 حركات ، والله أعلم .

بتصرف من منحة ذي الجلال ص110_111 .




والله أعلى وأعلم
يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم

ومن الإجمال إلى التفصيل حيث يقول الناظم رحمه الله :
كلاهما مثقل إن أدغما ******* مخفف كل إذا لم يدغما
فاللازم الكلمي ، كما تقدم ، ينقسم إلى قسمين :

القسم الأول : الكلمي مخفف :
وصورته أن يأتي في الكلمة بعد حرف المد ، حرف غير مشدد ، بشرط أن يكون ساكنا ، وقد ورد في موضعين في سورة يونس في :
قوله تعالى : (ءآلآن) ، فألف المد الساكنة متبوعة بلام ساكنة غير مشددة ، فيمد القارئ 6 حركات ، لاجتناب التقاء الساكنين ، كما تقدم ، دون تشديد ، لأن الحرف التالي لحرف المد غير مشدد ، فلا يتكلف القارئ تشديدا لا سبب له ، وفي الآية دلالة على ما تقدم في مسألة : إعمال أقوى السببين ، فقد اجتمع في هذه الكلمة سببان للمد :
أحدهما : المد اللازم ، وسبق تفصيله .
والآخر : مد البدل حيث تقدمت همزة الاستفهام ، سبب المد ، على حرف المد ، الألف الساكنة ، ومقداره حركتان .
وبطبيعة الحال يعمل هنا بأقوى السببين وهو المد اللازم ، فهو أقوى أنواع المد على الإطلاق ، والله أعلم .

ومن ذلك أيضا :
قوله تعالى : (محياي) ، عند من أسكن الياء سكونا أصليا ، لا عارضا ، فاجتمع ساكنان أصليان : ألف المد والياء الساكنة غير المشددة ، فيكون المد : مدا لازما مخففا ، مقداره : 6 حركات ، وأما من وقف اضطرارا فإنه يمد أيضا 6 حركات أو 2 أو 4 ، لأن سبب المد في هذه الحالة ، وهو السكون ، غير أصلي ، فسكونه لأجل الوقف ، كما تقدم في المد العارض للسكون ، والله أعلم .

وأما القسم الثاني : فهو الكلمي المثقل :
وصورته أن يأتي بعد حرف المد ، حرف مشدد ، وهو كما سبق مكون من حرفين مدغمين أولهما ساكن وثانيهما متحرك ، فالتقى ساكنان أصليان ، كما في المد الكلمي المخفف ، فيمد القارئ ، أيضا ، 6 حركات ، ولكنه يراعي التشديد في الحرف التالي لحرف المد ، وهذا هو الفرق بين النوعين : المثقل والمخفف ، فمن ذلك :
قوله تعالى : (الحاقة) ، فألف المد الساكنة متبوعة بقاف مشددة .
وقوله تعالى : (الصاخة) ، فألف المد الساكنة متبوعة بخاء مشددة ، وسبقت الإشارة إلى هذه الأمثلة تفصيلا ، والله أعلم .

وأما الحرفي ، فهو لا يقع إلا في أوائل السور ، في الحروف المقطعة ، وهو ينقسم أيضا إلى قسمين :
القسم الأول : الحرفي المخفف ، وصورته أن يأتي حرف مد هجاءه 3 أحرف أوسطها حرف مد ، ولا يأتي بعده ما يوجب إدغامه فيه ، لئلا يتولد من هذا الإدغام حرف مشدد ينقل الصورة من المد الحرفي المخفف إلى المد الحرفي المثقل ، كما سيأتي إن شاء الله ، فمن ذلك :
قوله تعالى : (ص * والقرآن ذي الذكر) ، فــــ "ص" هجاءه : صاد ، بتسكين الدال ، فتحققت صورة المد اللازم : حرف مد متبوع بسكون أصلي ، ولم يأت بعد الدال في : صاد ما يوجب إدغامها فيه ، فالقارئ إن وقف عليها فلا شيء بعدها أصلا ، وإن وصل فلا إدغام للدال في الواو في "والقرآن" ، وعليه فلا حرف مشدد هنا يعقب حرف المد ، بل يعقبه حرف ساكن
مخفف ، وهذه هي صورة المد اللازم الحرفي المخفف .

وقوله تعالى : (ق * والقرآن المجيد) ، فــــ "ق" هجاءه : قاف ، بتسكين الفاء ، فتحققت صورة المد اللازم : حرف مد متبوع بسكون أصلي ، ولم يأت بعد الفاء في : قاف ما يوجب إدغامها فيه ، فالقارئ إن وقف عليها فلا شيء بعدها أصلا ، وإن وصل فلا إدغام للفاء في الواو في "والقرآن" ، وعليه فلا حرف مشدد هنا يعقب حرف المد ، بل يعقبه حرف ساكن مخفف ، وهذه هي صورة المد اللازم الحرفي ، كما تقدم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : (ن * والقلم وما يسطرون) ، عند من يقف على "ن" ، ولا يصلها بما بعدها ، لأنه إن وصلها انقلبت الصورة إلى مد لازم حرفي مثقل ، كما سيأتي تفصيلا إن شاء الله ، فإن وقف على "نون" ، تحققت صورة المد اللازم الحرفي المخفف : واو مد ساكنة في "نون" بعدها نون ساكنة سكونا أصليا ، فيمد القارئ 6 حركات دون تشديد .

وقوله تعالى : (يس * والقرآن الحكيم) ، عند من يقف على "يس" ، ولا يصلها بما بعدها ، لأنه إن وصلها انقلبت الصورة إلى مد لازم حرفي مثقل ، كما سيأتي تفصيلا إن شاء الله ، فإن وقف على "يس" ، تحققت صورة المد اللازم الحرفي المخفف : ياء مد ساكنة في "سين" بعدها نون ساكنة سكونا أصليا ، فيمد القارئ 6 حركات دون تشديد .




وأما القسم الثاني فهو : الحرفي المثقل ، وصورته أن يأتي بعد حرف هجاءه 3 أحرف أوسطها حرف مد كاللام فهجائها : (لام) ، أن يأتي بعده حرف أول حرف في هجائه يدغم في آخر حرف من هجاء الحرف الأول ، كالميم فإن هجائها : (ميم) ، فيدغم القارئ ميم آخر لفظ : لام في ميم أول لفظ : ميم ، وهو إدغام مثلين صغير كما تقدم ، فيتولد من هذا الإدغام ميم مشددة ، فتتحقق صورة المد اللازم المثقل ، لأن حرف المد ، وهو الألف الساكنة في : لام ، يكون في هذه الصورة متبوعا بميم مشددة ، نتجت من الإدغام السابق ، فمن ذلك :

قوله تعالى : (الم) ، فاللام تمد مدا لازما حرفيا مثقلا على التفصيل السابق .
وقوله تعالى : (طسم) ، فالسين هجاؤها : (سين) ، والميم بعدها هجاؤها : (ميم) ، فيدغم القارئ النون الساكنة في آخر : سين في الميم في أول : ميم ، كما سبق في أحكام النون الساكنة ، فيتولد من ذلك ميم مشددة ، فتتحقق صورة المد اللازم المثقل ، بوقوع حرف مشدد بعد حرف المد ، الياء الساكنة في "سين" ، على التفصيل السابق .

وقوله تعالى : (يس * والقرآن الحكيم) ، عند من يصل "يس" بـــ "والقرآن الحكيم" ، فلفظ : سين ، متبوع بواو ، فيكون الحكم عند الوصل : إدغام النون الساكنة في الواو كما تقدم في أحكام النون الساكنة ، فيتولد من ذلك واو مشددة ، فتتحقق صورة المد اللازم المثقل ، بوقوع حرف مشدد بعد حرف المد ، الياء الساكنة في "سين" ، على التفصيل السابق .

وقوله تعالى : (ن * والقلم وما يسطرون) ، عند من يصل "ن" بــــ "والقلم وما يسطرون" ، كالمثال السابق تماما .

بتصرف من منحة ذي الجلال ص112_113 .




والله أعلى وأعلم

يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم

جزاكما الله خيرا أيها الكريمان ، وبارك فيكما ، ونفعكما ونفع بكما

وعودة للمنظومة :
حيث بدأ الناظم ، رحمه الله ، تفصيل القول في المد اللازم الحرفي فقال :
واللازم الحرفي أول السور ******* وجوده وفي "ثمان" انحصر
يجمعها حروف "كم عسل نقص" ******* وعين ذو وجهين والطول أخص

فالمد اللازم الحرفي بنوعيه المخفف والمثقل ، لا يقع إلا في أول السور ، أي في الحروف المقطعة في أوائل السور ، فلا يقع ، كالمد اللازم الكلمي ، في أواسط السور ، لأنه لا توجد في القرآن حروف تنطق مفردة مقطعة إلا في أوائل السور .

وحروف المد اللازم الحرفي يجمعها قولك : "كم عسل نقص" ، أو "سنقص علمك" ، أو
"عسلكم نقص" ، وكلها تمد مدا لازما حرفيا ، مقداره 6 حركات ، كما تقدم ، باستثناء "العين" ، فلها وجهان :
التوسط : ومقداره 4 حركات .
والطول : ومقداره 6 حركات ، وهو الأشهر ، كما أشار إلى ذلك الناظم ، رحمه الله ، بقوله :
"وعين ذو وجهين والطول أخص".
وقيل هما :
الطول : ومقداره 6 حركات كما تقدم .
والقصر : ومقداره حركتان .
يقول الشيخ الضباع رحمه الله : ويتحصل منهما جواز الثلاثة . اهـــ ، وفي نسخة للناظم بدل الشطر الثاني من البيت الثاني "وعين ذو وجهين والطول أخص" : "وعين ثلث لكن الطول أخص" ، أي لها 3 أوجه ، أشهرها : الطول ، وهذا يؤيد القول بجواز جميع الأوجه المذكورة ، والله أعلم .

بتصرف يسير من "منحة ذي الجلال" ص115 .

وقد قسم الناظم ، رحمه الله ، حروف المد اللازم الحرفي إلى 3 أقسام ، فقال :
وما سوى الحرف الثلاثي لا ألف ******* فمده مدا طبيعيا ألف
وذاك أيضا في فواتح السور ******* في لفظ "حي طاهر" قد انحصر

فالقسم الأول : ما يمد مدا لازما ، وهو سبعة أحرف يجمعها قولك "من قص سلك" ، ولو تتبعت هذه الحروف في فواتح السور فإنك ستجد علامة المد عليها ، فهي تمد مدا لازما مقداره 6 حركات على الدوام ، ونلاحظ أن هذه الحروف عند كتابتها ، كـــ "ميم" و"نون" ، و"قاف" و"صاد" و"سين" و"لام" و"كاف" ، فإنها تتكون من 3 حروف ، أوسطها حرف مد من جنس حركة الحرف الذي يسبقه ، كـــ "الألف" في "قاف" و"الواو" في "نون" و"الياء" في "سين" ، ولما كانت هذه الحروف تنطق مقطعة ، فإن القارئ سيقف لا محالة على آخرها ، فيلتقي حرف المد الساكن مع سكون آخر الحرف عند قطعه ، فيمد القارئ مدا لازما لاجتناب التقاء الساكنين ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .

والقسم الثاني : ما يمد مدا طبيعيا ، وهو خمسة أحرف يجمعها قولك : "حي طهر" ، وقد أدخل الناظم ، رحمه الله ، معها الألف ، فقال : "حي طاهر" ، رغم أن الألف ، عند التحقيق ، كما أشار هو نفسه بقوله : "وما سوى الحرف الثلاثي لا ألف" ، عند التحقيق لا تدخل في هذا القسم لأنه لا حرف مد في هجاء الألف أصلا ، فلفظ "ألف" ، لا يوجد فيه حرف مد حتى يقال بمده مدا طبيعيا ، والملاحظ في حروف هذا القسم أنها تكتب على حرفين آخرهما حرف مد : "حا" ، "يا" ، "طا" ، "ها" ، "را" ، وعليه لا سبب للمد اللازم فيها لعدم التقاء ساكنين ، ولو تتبعت هذه الحروف في فواتح السور فإنك لن تجد علامة المد عليها ، فمدها ، كما تقدم : مد طبيعي مقداره حركتان ، والله أعلم .

والقسم الثالث : ما لا يمد أصلا ، وهو حرف "الألف" ، كما تقدم ، لأنه لا يوجد في بنيته حرف مد أصلا .

والقسم الرابع : ما يجوز فيه القصر والتوسط والمد وهو حرف "العين" ، من فاتحتي مريم والشورى ، "كهيعص" و "عسق" ، فالعين تختلف عن حروف القسم الأول في كونها تكتب على 3 أحرف أوسطها حرف لين ساكن ، وليس حرف مد ، لأن الياء في "عين" ، ساكنة مفتوح ما قبلها ، وعليه فإن حركة الحرف السابق لحرف المد ليست من جنس حرف المد ، فالعين في "عين" ، كما تقدم ، مفتوحة فناسبها من حروف المد الألف ومع ذلك جاء بعدها ياء لين ساكنة ، ولعل هذا هو السر في جواز القصر والتوسط بالإضافة إلى الطول ، لأن القارئ عندما يقطع الحرف عن تاليه سيقف على النون في "عين" ، فيتولد سكون بعد حرف اللين الساكن ، وهذه صورة مد اللين ، ومد اللين ، كما تقدم ، يمد : 2 أو 4 أو 6 حركات ، والله أعلم .
والعين ترسم عليها علامة المد تماما كحروف القسم الأول .
بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص117_118 .

مسألة : كم حركة مد في : "الم" و "عسق" :
في "الم" ، "الألف" لا مد فيها أصلا ، و "اللام" من حروف القسم الأول التي تمد 6 حركات ، ويتولد عند إدغام ميم آخر "لام" في ميم أول "ميم" ، وهو إدغام مثلين صغير ، كما تقدم ، يتولد منه حركتان ، و"الميم" من حروف القسم الأول فتمد 6 حركات ، فيكون المجموع :
0+6+2+6=14 .

وفي "عسق" ، "العين" يجوز فيها 3 أوجه ، كما تقدم ، فيكون مدها على : 2 أو 4 أو 6 حركات ، ويتولد عند إخفاء النون في آخر"عين" وأول "سين" ، حركتان ، لأن النون الساكنة إذا أتى بعدها سين فإنها تخفى ، والغنة ملازمة للإخفاء ومقدارها حركتان كما تقدم ، و"السين" من حروف القسم الأول فتمد 6 حركات ، ويتولد عند إخفاء النون في آخر "سين" وأول "قاف" ، حركتان ، والقاف من حروف القسم الأول فتمد 6 حركات فيكون المجموع :
2+2+6+2+6=18 ، في حالة القصر في العين .
أو : 4+2+6+2+6=20 ، في حالة التوسط في العين .
أو : 6+2+6+2+6=22 ، في حالة الطول في العين ، والله أعلم .

ثم ختم الناظم ، رحمه الله ، بذكر كلمة جامعة لكل فواتح السور سواء كانت ممدودة أم مقصورة أم لا مد فيها أصلا أم يجوز فيها كل الأوجه فقال :
ويجمع الفواتح الأربع عشر ******* "صله سحيرا من قطعك" ذا اشتهر .

فهي : 14 حرف يجمعها :
قولك : "صله سحيرا من قطعك" ، أي بادر بصلح من قطعك ، ولو في وقت السحر قبل أن يسبقك إلى الفضل فيبدأ هو بصلحك .
أو قولك : "نص حكيم له سر قاطع" .
أو قولك : "سر حصين كلامه قطع" .
أو قولك : "طرق سمعك النصيحة" .
بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص118 .

وبهذا تكون أبيات المسائل العلمية في هذه المنظومة المباركة قد انتهت وبقيت بعض المسائل الإضافية في باب المد يأتي الكلام عنها إن شاء الله .

والله أعلى وأعلم

يتبع إن شاء الله
 
بسم الله

السلام عليكم

وتلخيص الأنواع السابقة :
أولا : المد الأصلي : وهو المد الطبيعي : وهو المد اللازم لاجتلاب النطق بالحرف ، ومقداره ، كما تقدم ، حركتان ، كما في قوله تعالى : (قال) ، فألف المد لم يأت بعدها أحد سببي المد الفرعي : الهمز أو السكون .

ثانيا : المد الفرعي : وهو المد الذي أتى فيه بعد حرف المد أحد سببي المد الفرعي : الهمز أو السكون ، وترتيبه تنازليا من حيث القوة :

أولا : المد اللازم : وهو أقوى الأنواع ، وسببه ، كما تقدم ، السكون الأصلي وقفا ووصلا الذي يأتي بعد حرف المد في كلمة واحدة ، كقوله تعالى : (الحاقة) ، ومقداره : 6 حركات .

ثانيا : المد المتصل : وسببه ، كما تقدم ، مجيء الهمز بعد حرف المد في كلمة واحدة ، كقوله تعالى : (السماء) ، ومقداره 4 أو 5 حركات (إذا تطرف الهمز ووقف القارئ عليه ، كالوقوف على الهمز في "السماء") ، وقد يقال في حالة الوقوف على الهمز في قوله تعالى : (السماء) ، أن حرف المد ساكن ، والسكون طارئ على الهمز بعده فوقع التقاء الساكنين في مد واجب المد ، وهذه هي صورة المد العارض للسكون ، وهو ، كما سبق يمد : 2 أو 4 أو 6 حركات ، فلقائل أن يقول : فلنمده بمقدار حركتين ، وهذا بطبيعة الحال غير جائز هنا لأنه ليس عارضا للسكون مطلقا ، فالحرف الساكن هنا هو الهمز ، وهو سبب أصيل للمد ، لا أي حرف ساكن آخر ، فيلزم هنا مراعاة سبب المد الأصلي الهمز ، فلا يمكن إهماله بأي حال من الأحوال ، ولو كان ساكنا ، ولقائل أن يقول : فلنمده بمقدار 4 حركات ، وهذا أيضا غير دقيق ، لأن المد المتصل يمد في حالة الوصل بمقدار 4 حركات ، فلم يحصل التمايز بين الصورتين ، فبقي لدينا احتمال واحد وهو مده بمقدار 6 حركات وهو الاحتمال الأخير وهو الصحيح هنا لأنه به يحصل التمايز بين صورة وصل الكلام أو الوقف على الهمز ، وفي نفس الوقت يراعي القارئ فيه سبب المد الأصلي الواجب ، والله أعلم .

ثالثا : المد العارض للسكون : وسببه ، كما تقدم ، سكون غير لازم أتى بعد حرف المد في كلمة واحدة ، كما في قوله تعالى : (وإياك نستعين) ، بالوقوف على النون ، ومقداره : 2 أو 4 أو 6 حركات .

رابعا : المد المنفصل : وسببه ، كما تقدم ، مجيء الهمز بعد حرف المد في كلمتين بحيث يكون حرف المد آخر كلمة والهمز في أول الكلمة التالية ، كما في قوله تعالى : (بما أنزل) ، ومقداره : 2 أو 4 أو 5 حركات ، وسبب تأخر هذا المد في الرتبة : أن حرف المد وسببه قد انفصلا بحيث أتى حرف المد في كلمة وسبب المد في كلمة أخرى ، بخلاف الأنواع السابقة التي اجتمع فيها حرف المد مع سببه في كلمة واحدة ، ولو وقف القارئ على الكلمة الأولى "التي تنتهي بحرف المد" ، كـــ : (بما) في هذه الآية ، لسقط المد وتحول إلى مد طبيعي .

خامسا : مد البدل : وسببه كما تقدم ، تقدم الهمز على حرف المد ، كما في قوله تعالى : (ءامنوا) ، ومقداره حركتان ، وهو أضعف أنواع المد ، لمخالفته الصورة الأصلية للمد الفرعي : وهي تقدم حرف المد على سببه لا العكس كما هو حاصل هنا ، والله أعلم .


وبهذا الترتيب قال الناظم :
أقوى المدود لازم فما اتصل ******* فعارض فذو انفصال فبدل .

وفائدة الترتيب السابق تظهر في أمرين :

أولا : عند اجتماع نوعين من المد في آية واحدة :
فإذا جاء مد منفصل بعد مد متصل في آية واحدة ، على سبيل المثال ، فمد القارئ المتصل : 4 حركات ، فإنه لا يصح أن يمد المنفصل بعده بمقدار 5 حركات ، وإن كان هذا جائز في الأصل ، لأن المنفصل يمد : 2 أو 4 أو 5 حركات ، كما تقدم ، لأن هذا يوهم السامع أن المنفصل أقوى من المتصل ، لأن الأول مد بمقدار : 5 حركات والثاني بمقدار 4 حركات ، وهذا أمر غير صحيح ، بطبيعة الحال ، وعليه يمد المنفصل في هذه الحالة بمقدار : 2 أو 4 حركات .

والعكس بالعكس ، فإذا جاء المتصل بعد المنفصل ، ومد القارئ المنفصل : 5 حركات ، فإن القارئ يمد المتصل : 5 حركات ، على الأقل ، أيضا ولا يمده : 4 حركات ، وإن كان هذا جائزا في الأصل ، لئلا يظن السامع أن المتصل أضعف من المنفصل حيث مد الأول 4 حركات والثاني 5 حركات .

ثانيا : عند اجتماع سببين للمد في كلمة واحدة ، فيقدم سبب المد الأقوى ، وسبقت الإشارة إلى ذلك ، كما في قوله تعالى : (ءآمين) : حيث اجتمع سبب مد البدل "بتقدم الهمز على حرف المد" ، وسبب المد اللازم "بمجيء سكون أصلي بعد حرف المد" ، فيقدم الثاني على الأول لأنه أقوى .

وكما في قوله تعالى : (وجاءوا أباهم) ، حيث اجتمع سببان للمد : سبب المد المنفصل "بمجيء الهمز بعد واو المد في كلمتين" وسبب مد البدل "بتقدم الهمز على واو المد" ، فيقدم المنفصل لأنه أقوى ، والله أعلم .

وبقيت بعض أنواع المد التي يذكرها علماء التجويد في كتبهم ومن أبرزها :

مد هاء الصلة ، وهو ينقسم إلى نوعين :
مد هاء الصلة الصغرى : وفيه تأتي هاء ضمير الغائب بين متحركين ، ليس الثاني منهما ، أي الذي يأتي بعدها ، همزا ، ومقداره : حركتان ، كما في :
قوله تعالى : (به قبل) ، فهاء ضمير الغائب وقعت بين باء وقاف متحركتين ، والثاني بطبيعة الحال ليس همزا ، والله أعلم .

وقد وقعت بعض الحالات الاستثنائية التي تحققت فيها صورة مد الصلة الصغرى ، ومع ذلك لا يمده القارئ ، كما في :
قوله تعالى : (يرضه لكم) ، فهاء الضمير وقعت بين ضاد ولام متحركتين ، ومع ذلك لم يحصل مد الصلة الصغرى في هذه الآية ، فتحقق السبب وتخلف المسبب ، ولا يسأل في هذا الموضع عن سبب تخلف المد رغم تحقق صورته مراعاة لسنة القراءة ، فهي الضابط الأول في هذا الأمر ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .
وقوله تعالى : (أرجه وأخاه) : فهاء الضمير وقعت بين جيم وواو متحركتين ، ومع ذلك لم يحصل مد الصلة الصغرى ، والله أعلم .

والنوع الثاني هو : مد هاء الصلة الكبرى : وفيه تأتي هاء الضمير بين متحركين ثانيهما ، أي الحرف الذي يأتي بعد الهاء : همز ، ومقداره : 2 أو 4 أو 6 حركات ، كما في :
قوله تعالى : (مقداره ألف) ، فهاء الضمير وقعت بين راء وهمزة متحركتين ، والهمزة هي التي وقعت بعد الهاء .

وكمد هاء الصلة الصغرى ، وقعت بعض الحالات الاستثنائية ، التي تحقق فيها السبب وتخلف المسبب مراعاة لسنة القراءة ، كما في :
قوله تعالى : (فألقه إليهم) ، فهاء الضمير وقعت بين قاف وهمزة متحركتين ، والهمزة هي الواقعة بعد الهاء ، ومع ذلك لا يمد القارئ لعدم مجيء الرواية بالمد .

وأما في قوله تعالى : (افتراه بل) : فيظهر أن الهاء وقعت بين ساكن "وهو ألف المد" ومتحرك وهو "الباء" فلم تتحقق صورة مد الصلة الصغرى فلا يمد القارئ ، وقد يشتبه الأمر على القارئ إذا اعتبر حركة الحرف السابق لحرف المد ، وهو بطبيعة الحال متحرك بحيث يلائم حرف المد ، فيعتبرها حركة سابقة ، وحركة الحرف التالي للهاء حركة لاحقة ، وعليه يقال بأن صورة مد الصلة الصغرى قد تحققت فيمده القارئ ، وهذا أمر غير صحيح لأن الحركة السابقة ، كما تقدم ، ليست حركة حرف المد ، فهو ساكن دوما ، ولكنها حركة الحرف السابق له .

ورغم ذلك وقعت صورة استثنائية وهي :
قوله تعالى : (فيه مهانا) ، فالهاء وقعت بين حرف مد ساكن سابق "ياء المد" وميم متحركة لاحقة ، ومع ذلك وردت الرواية بالمد ، فتحقق المسبب رغم تخلف السبب ، والله أعلم .

ومن أنواعه أيضا :
مد العوض : وفيه يقف القارئ على تنوين مفتوح ، وهو عند التحقيق أحد فروع المد الطبيعي ، كما في قوله تعالى : (وجنات ألفافا) ، فإذا وقف القارئ على "ألفافا" ، فإنه يمد حركتين عوضا عن التنوين .

ومد التمكين : للفصل بين واوين أو ياءين ، وهو أيضا ، عند التحقيق ، أحد فروع المد الطبيعي ، كما في قوله تعالى : (آمنوا وعملوا) ، فيمد القارئ حركتين للفصل بين : واو المد في "آمنوا" والواو المتحركة في "وعملوا" .

ومد الفرق : وهو عبارة عن مد الألف التي يؤتى بها بدلا من همزة الوصل في قوله تعالى : (الآن) ، وسميت بذلك لأنها تفرق بين الاستفهام والخبر ، فهي بالمد استفهامية ، وبالقصر خبرية ، ومقدار هذا المد : 6 حركات ، فهو عند التحقيق : مد لازم كلمي مخفف ، لأن ألف المد متبوعة بلام ساكنة في كلمة واحدة ، والله أعلم .

وبهذا ينتهي هذا الشرح المختصر لهذه المنظومة المباركة ، وإحقاقا للحق ، فإن معظم المعلومات التي ذكرتها فيه زيادة على كلام الشيخ علي محمد الضباع ، رحمه الله ، في "منحة ذي الجلال في شرح تحفة الأطفال" ، هي من كلام أحد المشايخ الكرام ، عندنا في مصر ، ويدعى الدكتور : عبد الله ، ومن العجيب أنني لا أعرف بقية اسمه ، رغم حضوري لمجلسه في المركز الإسلامي في حي الزيتون بمدينة القاهرة ، وهذا بطبيعة الحال تقصير مني ، فجزاه الله عني وعن إخواني خيرا ، والله أعلم .


تم بحمد الله
 
عودة
أعلى