قد مثل أهل العلم لشواذ مَن هو أجل من الشنقيطي رحمه الله بلا نزاع..
وهذا التتبع للشواذ-إن وجدت-إن كان بقصد التنبيه عليها منعاً للاغترار بمكانة الشيخ اغتراراً يؤدي لقبولها = فهو مسلك حسن معتبر ..
لكن الشأن : في تحقيق وجود هذه الشواذ مع ضبط مفهوم الشاذ،وفي أهلية المتصدر لهذا الباب،وليس المقصود بالأهلية أن يكون في مثل علم الشيخ فلا يشترط ذلك محقق،وإنما المراد أهليته العلمية في الجملة وتحقيقه لهذا الباب الخاص.
وباب نقد الأخطاء وبيان الزلات بالعلم والعدل والحلم نصيحة وبياناً = لا يليق بالباحثين أن يتعاملوا معه بنوع من الوسوسة والرهاب والمسارعة للتهويل ..
بل الصواب : هو التذكير بالأصول والشروط والضوابط ومتى ما وجدوا من الباحث إخلالاً بالضوابط أو دلائل فقدان للأهلية = سارعوا لبيانها وغلق الباب في وجهه بالحجة والبرهان لا بمجرد التهويل ووضع العقبات التي تعوق مسيرة العلم التي يدفعها التمحيص والنقد أكثر مما يدفعها التقرير والسرد..
ولا يضر أمثال هذه الأعمال خطأ المنتقد أو أن يعد شاذاً ما ليس بالشاذ فلا يزال هذا يقع لأهل العلم،فما أدى هذا لغلق باب النقد والتنبيه على الأخطاء والزلات والشواذ والأغلوطات..
ومعرفة أقدار الأئمة لا ينبغي أن تكون حجاباً عن إحقاق الحق وبيانه..
قال شيخ الإسلام :
((وَهَذَا إنْ قِيلَ(أي أن الأئمة وقع منهم خطأ في القطعيات) = كَانَ فِيهِ طَعْنٌ عَلَى الْأَئِمَّةِ لِمُخَالَفَةِ الْقَوَاطِعِ وَهَذَا قَدْحٌ فِي إمَامَتِهِمْ , وَحَاشَا اللَّهَ أَنْ يَقُولُوا مَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَ هَذَا . ثُمَّ قَدْ يَقْضِي ذَلِكَ إلَى الْمُقَابَلَةِ بِمِثْلِهِ , أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ , لَا سِيَّمَا مِمَّنْ يَحْمِلُهُ هَوَى دِينِهِ , أَوْ دُنْيَاهُ عَلَى مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ , وَفِي ذَلِكَ خُرُوجٌ عَنْ الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ , وَرُكُوبٌ لِلتَّفَرُّقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ , وَإِفْسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ , وَحِينَئِذٍ فَتَصِيرُ مَسَائِلُ الْفِقْهِ مِنْ بَابِ الْأَهْوَاءِ وَهَذَا غَيْرُ سَائِغٍ .
قُلْنَا :
نَعُوذُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ مِمَّا يَفضِي إلَى الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِ الْأَئِمَّةِ , أَوْ انْتِقَاصٍ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ , أَوْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِمَقَادِيرِهِمْ وَفَضْلِهِمْ , أَوْ مُحَادَّتِهِمْ وَتَرْكِ مَحَبَّتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ , وَنَرْجُو مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ يُحِبُّهُمْ وَيُوَالِيهِمْ وَيَعْرِفُ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَفَضْلِهِمْ مَا لَا يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ الْأَتْبَاعِ , وَأَنْ يَكُونَ نَصِيبُنَا مِنْ ذَلِكَ أَوْفَرَ نَصِيبٍ وَأَعْظَمَ حَظٍّ . وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ .
لَكِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَتِمُّ بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَعْرِفَةُ فَضْلِ الْأَئِمَّةِ وَحُقُوقِهِمْ وَمَقَادِيرِهِمْ , وَتَرْكُ كُلِّ مَا يَجُرُّ إلَى ثَلْمِهِمْ . وَالثَّانِي : النَّصِيحَةُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ , وَإِبَانَةُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى . وَلَا مُنَافَاةَ بَيَّنَ الْقِسْمَيْنِ لِمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ , وَإِنَّمَا يَضِيقُ عَنْ ذَلِكَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ : رَجُلٌ جَاهِلٌ بِمَقَادِيرِهِمْ وَمَعَاذِيرِهِمْ , أَوْ رَجُلٌ جَاهِلٌ بِالشَّرِيعَةِ وَأُصُولِ الْأَحْكَامِ...وَلَيْسَ فِي ذِكْرِ كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ قَطْعِيَّةً طَعْنٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَسَائِرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَفُ )).