شبهة (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ)

إنضم
18/12/2011
المشاركات
1,302
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
الإقامة
أنتويرب
يطرح الموضوع للتدبر والمناقشة

فكرت أن أضع هنا الرابط إلى فيديو الشبهة ورأيت الإمتناع عن ذلك لتضمن تلك المادة المرئية لعبارات الإستهزاء والسخرية مع صور تحاول تصوير المشهد في الآية؛ وصاحب الفيديو من المسيحيين الحاقدين المغرضين.

تدور الشبهة، أو بالأحرى الشبهات، حول الآية الكريمة 72 من سورة الأحزاب: {إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}. وملخص الشبهة: أولا؛ مقدمة اصطديادية هي أن القرآن قال عن نفسه جُعل وأُنزل قرآنا عربيا لعلنا نعقل، وبالتالي سنستخدم العقل، كما قال عن نفسه أنه لو لم يكن من عند الله لوجدنا فيه إختلافا كثيرا، وعليه سنختبر تحقق هذا الإختلاف. ثانيا؛ قام بتقسيم الآية إلى مقدمتين ونتيجة فالأولى عرض الأمانة على الجمادات فأبين حملها، والثانية عرض الأمانة على الإنسان فوافق عليها، والنتيجة الجمادات عادلة عالمة بينما الإنسان ظلوم جهول. ثالثا؛ بطلان المقدمة الأولى سيبطل النتيجة فرجع إلى التفاسير (الطبري، إبن كثير، والرازي) يبحث فيها عن معنى الأمانة والعرض والإختيار، ويذكر الإختلاف الذي نص عليه الطبري (واختلف أهل التأويل) معقبا أن ذكر الإختلاف مشهور عنهم، ويتساءل: كيف تحتج علي بآية أنت لا تَعرف معناها ولا نعرف هل عُرضت حقا على آدم، ولا نعرف كيف تُعرض على الجمادات وهي غير مدركة، وكيف تغتسل الجبال من الجنابة، وهل في حالة قبول الجبال (وهي جزء من الأرض) دون الأرض والسماوات لهذه الأمانة ستُحاسب إما عقاب أو ثواب .. ثم ينتهي بأسئلة الموضوع:
- كيف يكون الله هكذا يدور على مخلوقاته: "من يحمل الأمانة؟" ؟
- كيف عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال ؟
- هل هذه الجمادات لها عقل تفكر به وتختار وترفض ؟
- هل هذا يعني أنها أعقل من البشر ؟
- لماذا نتحمل ذنب قبول آدم للأمانة؟ هل نتحمل وزره؟
- بما أن الإنسان ظلوم جهول، فلماذا تعرض عليه الأمانة أصلا؟

توطئة
السؤال قبل الأخير هو السؤال الوحيد المناسب لما ذكره من إختبار لتحقق الإختلاف في القرآن لوجود هذا الإختلاف بين فهمه المعوج لحمل الإنسان للأمانة من جانب والآية {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} من جانب آخر، أما ما يتوهمه من إستحالة تحقق التعقّل (لعلكم تعقلون) فلا تنطبق عليه عملية إختبار الإختلاف. وبهذه المناسبة سنخرج قليلا في إطار الإختلاف إلى شبهة أخرى: توهم الإختلاف بين هذه الآية من سورة الأحزاب وقوله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}.

والمضحك في الأمر أن صاحب الشبهة من المسيحيين، ونحن لا نناقشه لأن مجادلة المغرضين من الجدال المنهي عنه، والهدف سيكون المناقشة والتدبر ثم نشر الرابط هناك حيث الإختلاط بين المغرضين والعوام من المسلمين والباحثين عن الصواب والجدية، أما هو وأمثاله فنذكّرهم بنص من متى ((ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟)) فقبل أن تقيم الشبهة على فهمك للتفاسير وهي غير مقدسة بقطع النظر عن صحة فهمك، وجب عليك النظر لما في نصوصك المقدسة؛ ثم عن أي شيء تتكلم إذا كان أهل التأويل لا يعرفون معنى {الأمانة}؟ لا هم عرفوا الأمانة، ولا أنت عرّفتها، وهذا يبيّن أنك مغرض فبطل ما أشرت إليه في المقدمة من ادعاء البحث عن الحقيقة!!

بالنسبة للذي ذكره أهل التأويل من القدامى فقد تحتار فيه العقول لكن لا تحيله، والأمثلة من الواقع واضحة فهل ستعترض عندما أخبرك أني سألت جوجل؟ أو أن الجماد (الحاسوب) يبحث في التفاسير ويحسب عدد الكلمات؟ هل له عقل ليبحث ويحسب؟ ومع ذلك لابد من مراعاة العرف وقاعدة مخاطبة الناس على قدر عقولهم، ولا نستند على نهج البلكفة (المصطلح الذي نحته الإمام الزمخشري رحمه الله) في كل صغيرة وكبيرة، فنقيل العقل بمناسبة وبغير مناسبة، لأن القرآن كريم غني بالتنوع الخطابي الحجاجي القصصي الأسلوبي الأدبي المعرفي لأنه بيان للناس كافة والناس معادن في قدراتهم الذهنية والعقلية والتخيلية والمعرفية.

وطبعا هذا لا يعني أن هذا المغرض المسيحي، المجادل بالباطل، قد فهم التفاسير. أما الإختلاف الذي ذكره مستهزئا فمنه الإختلاف على ظاهره، والإختلاف المجازي الذي اصطلح عليه بإختلاف تنوع؛ وأكثر الإختلافات بين القدامى هي من الإختلاف المجازي، وهذا الإختلاف ظاهرة صحية بل هو من عجائب القرآن ومدهشاته إذ تتحقق في الواقع وعلى المستوى المعرفي صفة من صفات القرآن أنه بيان للناس كافة والإنسانية عرفت ولا زالت تعرف التنوع من جميع الوجوه، لكن لن ينتفع بالقرآن إلا أهل التقوى الذين يعملون العقل بشكل صريح، أما العقلانية المغرضة فينطبق عليها ما حكي عن فولتير: "أعطني جملة واحدة وأنا أضمن تعليق صاحبها على حبل المشنقة" أي يمكن التلاعب بالجملة من خلال الإنتقاء والبتر وحمل التنوع على التضاد والإسقاط وغيرها فتؤدي الجملة البريئة بالمفكر العبقري إلى حبل المشنقة.

فلنقل مثلا: قام زيد بحساب متوسط درجة الحرارة الأدنى بالقاهرة في الشهر الفائت فكتب 14 درجة مئوية، وقام الحاسوب بحسابها فكتب 13 درجة مئوية. والأفضل أن نقول طلب عمرو من زيد القيام بالحساب وطلب من الحاسوب نفس الشيء. إن كنت لا تعلم كيف يُطالب بشيء من الحاسوب فمن غير المعقول أن تسأل كيف طلب عمرو هذا، ومن غير المعقول أن تسأل وهل لهذا الجماد عقل ليحسب، أو هل يتصف بالحواس ليرى ويقرأ، أو تسأل وهل له يد يمسك بقلم ليكتب؟ هذه أسئلة لا يطرحها من يعمل عقله بشكل صريح. أما إن كنت تعرف أن هذا الجماد فعلا يحسب ويقرأ ويكتب، فلا يحق لك حمل المراد بالحساب عند زيد بمعنى الحساب عند الجهاز. إذا شرحنا الطلب بقولنا أنه يعني: خذ سيارة أجرة و اذهب إلى مصلحة الارصاد الجوية وفي يدك الورق والقلم لتكتب ما يمليه عليك الموظف في تلك المصلحة، ثم اكتب الأرقام في الجدول حسب التقويم .. فوجب حمل هذا المعنى على عمل زيد لا الجهاز، فكذلك ما قيل في التفاسير عن الأمانة عندما تقرأ الحج والإغتسال من الجنابة وحفظ الفرج وغيرها فسوف تحملها على المراد من أفعال الإنسان لا الجمادات، كذلك عملية عرض هذه الأمانة. والأمانة هنا بمثابة المهمة في المثال الذي نعلق به على التفاسير، بينما يُمثل للعرض بالطلب. إذا أخطأ زيد في الدرجة المتوسطة وأصاب الحاسوب، لا يعقل أن نصف الجهاز بالعلم أو الجهل، فهو جماد وذكرنا للخطأ والصواب فشي يتعلق بزيد حصرا، فبطل السؤال هل الحاسوب أعقل من زيد.

وفيما يتعلق بالإختلاف فإنه تنوع فالحساب نقصد به تفاصيل أو عمليات المهمة وهي متعددة متنوعة، كذلك الأمانة والعرض في التفاسير. وما قيل فيها يدخل في عموم الأمانة لا الأمانة المخصصة، ولسنا مُلزَمين بالدفاع عن التفاسير، خاصة الإسرائيليات فيها إذ هي من أساطير آبائكم والقرآن العظيم منزه عنها، لكن المراد أن نبيّن أن أهل التفسير لم يكونوا أغبياء فهم كانوا يعلمون أن الجمادات لا عقل لها ولا حرية اختيار، كما كانوا يعلمون أنها خاضعة لله بالإستسلام الكوني، وما ذكروه من إسرائيليات وتفاصيل تأويلية فهي للإغناء المعرفي وهذا كان دور الثقافة الإسلامية في أوج عطائها أن تدفع بالبحث والسؤال والتنقيب إلى الأمام، ولا واحد منهم ادعى أن تأويله هو المراد المطابق لكلام الله، وحاشاهم ولذلك نحن نقول الإمام الطبري لا القدّيس الطبري.

هذا فيما يتعلق بالتفاسير، وتلك الإقتباسات الإنتقائية منها، عند من يحمل الآية على ظاهرها دون العودة إلى السياق والدلائل الدالة على وجوب حملها على المجاز، خاصة وأن تلك الجمادات من هذا العالم نعرفها وقابلة للدراسة والاستنطاق، وليست من الغيب بله الغيب المكنون .. وهذا هو مذهب أهل التحقيق مثل الإمام محمد الطاهر بن عاشور.

أترك الباقي للمناقشة والتدبر..
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم1
قال الله سبحانه(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) وقال الله (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ).
وهذا دليل قاطع علي أن الأرض والسماوات خلق يعقل ويحس أيضاً، فلا يقول ولا يأبي ولا يشفق الا من يعقل وهي تحس وإن لم تحس لما أطاعة الله خشية من غضبه وعقابه. وقال تعالي {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }.

روى الترمذي رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قرأ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (سورة الزلزلة)قال: (أتدرون ما أخبارها؟)قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (فإن أخبارها يوم تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول – أي الأرض -: عمل كذا وكذا، يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها).

أمَّا الأمانة التي أبن حِملها وأشفقنا منها هي(المسئولية) فلأرض غير مسئولة علي من يهلك عليها بسبب طبيعتها من براكين أو زلازل أو جفاف أو من يسقط من جبالها..ألخ وكذالك السماوات غير مسئولة علي من يهلك بسب طبيعتها وهذا يستثنيهن من الحساب الذي أشفقن منه. وأما الأنسان حملها فهوا مسئول عنها. فالأمانة هي مابين السماوات والأرض.
والأمانة لم تعرض علي آدم وحده بل علي الإنسان عامة فلقد أخرج الله من آدم ذريته وأشهدهم علي نفسه وقد يكون العرض تم في نفس الموقف وكان الإنسان ظلوماً جهولاً في جهله لحجم المسئولية وظلمه لنفسه والأرض والسماوات والخلق الذين اليوم يعانون من ظلمه وفساده ولا أعتقد إن أولي الالباب والأنبياء والصالحين من البشر حملوها ولكن غلبة عليهم الاغلبية ففُرضة عليهم لأنهُ لا تكتمل حلقة السلالة إلا بهم ولكن الله إستثانهم فيها فحفظهم في الدنيا وهداهم. والله أعلم.
 
بسمالله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من ﻻ نبي بعده
اخي الفاضل وفقك الله وأحسن إليك لطرحك هذه المدارسة الهامة لهذه الآية العظيمة ولعلنا نتعاون لتحرير هذا المفهوم وتحقيق اقرب التفسيرات للحق والله الهادي إلى سواء السبيل.
عندما نستعرض اقوال المفسرين رحمهم الله نجد العديد من التوجيهات المتغايرة والتي قد ﻻ نتمكن من فهم السبب الذي قاد للوصول اليها ، فقد قيل أن الأمانة هي غسل الجنابة وﻻ علم لي كيف يكون ذلك ؟؟ ، وقيل طاعة الله وحدوده وفرائضه ولكن كيف يكون ذلك وهي من الجمادات الغير مكلفة ؟؟ ولوفرضنا صحة ذلك فقد أبين أن يحملن تلك الأمانة فهذا قطعا يعني رفض الفرائض والشرائع والحدود!.
والحقيقة أن الأمر لا شبهة فيه ولكن الاشتباه في فهمنا نحن أما الآية فلو أعطيت حقها من البحث والتدبر لفتح الله على الباحث بفهم يطمئن إليه قلبه.

وقد سبق لي بحث الآية الكريمة ضمن بحث السجود لله طوعا وكرها ومفهوم الطاعة والإكراه وكان أول ما يجب فعله هو جمع الآيات المتعلقة بهذا الامر يقول الحق سبحانه وتعالى:

{ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [فصلت:111]


{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } [الأحزاب:722]

{ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } [آل عمران:833]

{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } [الرعد:15]

مفهوم الطاعة والإكراه :

سأبدأ بالتعريف الذي وصلت إليه لمفهومي (طوعاً و كرهاً) ثم ابدأ في تفصيل تطبيق هذين المفهومين على الآيات الكريمة لنرى مدى اتساق المعنى من النص والسياق:

المفهوم العام للطاعة والاكراه

فإتيان الأمر (كَرْهَاً و كُرْهَاً ) هو: مُغَالَبَةُ النَّفْسِ وَإكْرَاهُهَا لإتْيَانِ خِلاَفِ مَا تُرِيْدُ أوْ تَرْكِ مَا تَرْغَب سَوَاءً كَانَ ذَلكَ بِعِلَّةِ خَارِجِيَّةٍ كَالإكْرَاَهِ بِالقُوَّةِ أوْ بِعِلَّةٍ دَاخِلِيَّةٍ كَمُغَالَبَةِ النَّفْسِ رَهْبَةً وَتُقْيَةً مِنْ خَلْقِ أوْ تَقْوَى وَخِشْيَةً مِنْ اللهِ جلَّ وَعَلا .

وإتيان الأمر (طوعاً) هو: الانْدِفَاعُ لِإتْيَانِ الفِعْلِ رِضَاً وَرَغْبَةً بِلا مُغَالَبَةِ وَلاَ تَرَدُّدْ.

مفهوم إتيان الخلق لله طوعاً وكرهاً

مفهوم إتيان الخلق لله كرهاً : هُوَ امْتِلاكُ المَخْلُوْق لِإرَاَدَةِ الاخْتِيَارِ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالعِصْيَانِ ، وَإعْطَاءُ اللهِ لَهُ قُدْرَةَ التَّمْيِيِزِ بَيْنَهُمَا وَاخْتِيَارِ أحَدَهُمَا وإكراه نفسه على إتيانه وإكراهها على ترك ما سواه .(كالإنس والجان)

مفهوم إتيان الخلق لله طوعاً : هُوَ سَلْبُ حُرِّيَّة ِالاخْتِياَرِ مِنَ المَخْلُوقِ فيَكَوُنَ مَجْبُورَاً عَلَى الطَّاعَةِ مجْبُولاً عَليْها لا يَعْصِيْ للهِ أمْراً وَيَفْعَلُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ بِلا َاخْتِيَارٍ وَلاَ مُغَالَبَة.(كبقية الخلق)

ومنه (تطويع) الحديد وهو تشكيله حال تخليقه وصنعه فإذا بقي حتى يبرد بقي بصورته التي صنع وتشكل عليها ،وسنرى كيف أن الطائعين من خلق الله لم يخلقهما الله كذلك إلا باختيار سابق بأن يكونوا طائعين غير مكرهين ، فالاختيار كان حاضراً ولو لمرة واحدة.

والآن سنبدأ في تقصي معاني تلك الآيات:

أول هذه الآيات قوله تعالى:

{ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [فصلت:111]

وكان ذلك دليل رحمة الله جل وعلا وحكمته وسعة علمه فقد خيَّر السماء والأرض حين شرع في خلقهما إمَّا أنْ يكونا بعد تكوينهما و اكتمال خلقهما عابدين لله (طوعاً) أم يختارا أن يعبدان الله (كرهاً) فاختارا أن يكونا طائعين ، فيكونا مطيعين لله لا خيار لهما في منهجهما بل يمتنع عليهما العصيان ولا يملكان من أمرهما سوى المضي في أمر الله على كل حال.

ومفهوم (الإتيان) هنا هو الكينونة ، فكأنه يقول جل جلاه (اختارا أن تكونا بعد اكتمال خلقكما طائعين أو تكونا مكرهين) تخييراً فاختارا الطاعة على الإكراه.

هذا اختيارهما ، ولو كانا اختارا الإتيان كرها فإن هذا يعني أن طاعتهما لله تكون بمغالبة أنفسهما عن عصيانه وأن تستلزم الطاعة إرادة تسيطر عليهما وتغلب نفساً أمارة بالسوء حتى تتحقق الطاعة ، وهنا قد يخضعا للنفس الأمّارة فيعصيان الله ، لهذا فقد أشفقا من ذلك واختارا الجبر على الطاعة.

ولو تتبعنا السياق بعد تلك الآية لرأينا كيف أصبحت طاعتهما لا تردد فيها ولا نقص فكل من عذبه الله بتسخيرهما لتنفيذ أمر الله في حق كل عاصٍ مجرم بلا تردد ولا إعراض عن أمر الله يقول جل وعلا في سياق تلك الآية:

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)

فسخر الله هذه المخلوقات العظيمة الطائعة كطاعة الملائكة لا خيار فيها ولا إرادة تحتمل الرفض والعصيان والخروج عن منهج الله.

ثاني هذه الآيات قوله تعالى:

{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } [الأحزاب:722]

وهذه صورة أخرى من الصور التي يعرضها لنا ربنا جلت قدرته حين خلق السماوات والأرض والجبال فكانت الأمانة التي خيَّروا أن يحملوها وهي ( الإرادة والاختيار) فكان الاختيار لمرة واحدة فاختارا أن يكونا طائعين لا إرادة لهما في الطاعة فيكونا كالملائكة:

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (500)

فانضم لجمع الطائعين كلُّ مخلوقات الله إلا الإنس والجن فهما يملكان إرادة الاختيار والتمييزيقهران أنفسهما طاعة لله ويكرهانها على التزام التقوى وإتباع أوامر الله وترك نواهيه أو يخضعان لأهواهما فيكون منهما العصيان والخلود للشهوة والشيطان.

وإشفاق السموات والأرض والجبال من الأمانة ( أمانة الاختيار) لأنهم يعلمون أنهم لو انحرفوا عن منهج الله لكان انحرافاً قد يقود الكون للفناء فانحراف الشمس مثلاً بأن تعصي الله فتتوقف عن أداء وظائفها في حين ضعفٍ أمام شهوة أو نفس أمارة فماذا عسى نتيجة ذلك إلا هلاك كل حي على وجه الأرض ؟؟ فيكون إشفاقا مما سيلحق بهم من عذاب الله بعد انحرافهم وعصيانهم فكان اختيارهم الأول أن يكونا في طاعة لا سبيل معها للاختيار أو الانحراف.
ولكن الإنسان حملت خلقته وطبيعته أمانة الاختيار فكان (ظلوماً) لنفسه عندما لم يدرك القيمة العظيمة للإرادة التي سلبت من سواه وكان (جهولا) بما ينتظره من نعيم إن هو أكره نفسه على الطاعة وعسفها عن المعصية بما لا يتأتى لسواه من المخلوقات.


ثالث هذه الآيات قوله تعالى:

{ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } [آل عمران:83]

فتقدير الآية ( أفغير دين الله يبغون وإليه يرجعون ؟) واعترضت جملة (وله اسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً) فكان الإرجاع في الأصل مقصود به الكافرين واعتراض الجملة شَمِلَ المذكورين فيها مع المقصودين الأصليين.
وترتيب الله (للسماوات ثم الأرض) وترتيبه جل وعلا (طوعاً و كرهاً) فقدم السماوات التي تحمل الطائعين من الملائكة والجنة والنار والسماء وأخر (الكره والإكراه) مع الأرض وهي التي تحمل على ظهرها الإنس والجن المخلوقين بقدرة الإدراك والاختيار.
وهذا الترتيب نلحظه في كل المواضع التي نتحدث عنها فدائما يكون تقديم الطائعين وتأخير المختارين ، وفي هذه الآية تُصرف مفردة (طوعاً) لمن اختار الطاعة الدائمة بلا اختيار لما سواهاوهم الملائكة والجنة والنار والسموات والأرض ، وتصرف مفردة (كرهاً) لمن أكرمه الله بأمانة الاختيار والإدراك والتمييز ومغالبة النفس وإكراهها على الخير ولو رغبت عنه وأطرُها على الطاعة ولو ركنت لسواها وهم الإنس والجان ، فهم كلهم مسلمين مقرين مستسلمين لله جل وعلا بعكس فئة قليلة منحرفة هم من يبتغي غير دين الله وسيرجعون إليه فيحاسبهم على كفرهم.


رابع هذه الآيات قوله تعالى:

{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } [الرعد:15]

وهي موضعُ هذا البحث ، فاللهُ جلت قدرته يخبرنا بأن كل من خلقه الله (طائعاً) لا إرادة له من ملائكة وجبال وشجر وجماد وحيوان ونحوه يسجد لله ، وكل من خلقه الله ذا إرادة يُـكْرِهُ نفسه الأمارة على التزام الطاعة وينهاها عن المعصية (كالبشر والجن) يسجدان أيضاً لله وظلال هؤلاء وهؤلاء تسجدُ للهِ بسجودهم ، ويبين تعالى أن حركة ظلال الأشياء في وقت الغدوة والروحة سجوداً لهُ جلَّ وعلا.

فكل أولئكَ يسجدونَ لله وظلالهم كذلك فلا يحسبنَّ الكافر العاصي أن السموات والأرض خلت من الساجدين لله وهو لا يعلم أن كل طائع بفطرتهِ وكل مؤمن بإرادتهِ يسجدون لله وظلالهم تسجد لله وتلك المخلوقات تسبحه وتذكره ولم تخلوا الأرض من الطائعين الأبرار بل إنها كلها طائعة عابدة لله عدا أولئك الكافرين المنحرفين الذين أساءوا استخدام ما فطرهم الله عليه ، وفشلوا في حمل الأمانة التي حُمِّلوا إيَّاها وخانوا الله فمالوا عن منهج الله وأطاعوا الشيطان وأنفسهم الأمارة وشهواتهم الدنيئة.

ومفهوم الإكراه مرتبط أيضاً بمفهوم (الكُره) بهذه الصورة في كتاب الله ليس بجديد ، فيقول جل جلاله:

{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [الأحقاف:155]

فقد خلق الله للمرأة آلة الحمل والولادة وأعضائها تؤدي هذه المهمة ، ولو كرهت بذاتها ذلك أوأكرهت من بعلها عليه فإنها لا تملك منعه بكرهها أو إكراهها فقد فطرها الله على أن تحمل وتضع وترضع فكان جسدها قابلا لذلك مهيئاً له ، وكذلك الإنسان في حمله للأمانة ، فقد هيأ الله نفسه أن يملك أمره بنفسه فيختار الإيمان أو ينحرف للكفر فلا يمكن أن يسلبه احد إرادته ولو تمنى أن يكون طائعاً تبقى فطرته لا تخلو من المغالبة بين الحق والباطل ، والطاعة والعصيان.
والآية السابقة مثال ناصع على أن الحمل (كَرْهَاً) مرغوب برغم مشقته وجسد المرأة مهيأ لذلك ولعل منشأ القول بأن (كرهاً) يقصد بها إكراه الكفار على السجود لوجود ( علة خارجية ) تكرههم على فعل السجود وكأنها غابت عنهم وجود علة داخلية (تكره) الفاعل على الفعل لاتساقها مع تكوين الفاعل وخلقه ولا شك أن حمل المرأة ووضعها دليل على ذلك.


والشرع الحنيف يرفض إثبات العمل الناتج عن العلة الخارجية فلا يستقيم أن يستشهد به فالله جل وعلا يقول:

{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النحل:1066]

فلا يثبت الله جل وعلا كفر المُكْرَه على الكفر ولا إيمان المُكْرَه على الإيمان فالاختيار والولوج في الأمر بإرادة تامة وتمييز تام من شروط القبول ومن مميزات بني آدم إذ جعل لهم الادراك والارادة فيما نزعها من سواهم ،فكان مفهوم الآية الكريمة في مسألة الطاعة والإكراه إذ ذاك يتحدث عن المؤمنين فقط ، المؤمنين فطرةً ، والمؤمنين اختياراً، وهذا (في نظري) أدق من القول بأن المراد هو الطائعين بلا مشقة والطائعين بتثاقل ومشقة ، فالمفهوم الذي تحدثنا عنه أوسع واشمل وأكثر تماهيا مع السياق وموافقة للمراد.

قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (544) سـورة التوبة

هذه الآية الكريمة تحمل الحجة على عدم صحة القول بأن (طوعاً) للمؤمنين الطائعين و(كرهاً) للكافرين المكرهين على السجود ، وللاحتجاج بها وجهين :

أولهما أن الله رد على المنافقين نفقاتهم فلم يقبلها سواءً كان الإنفاق بطيب نفس ومسارعة أو بمغالبة نفس كارهة أوبإكراهها إتقاءً من المؤمنين، وبين جل وعلا على ذلك فقال : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ ) فكان الكفر مانعاً وحاجباً وحيداً ووجيهاً لقبول الطاعات ككل ومنها النفقات ، فكيف يحتج ربنا جل وعلا بسجود الكافر المكره على السجود وهو جل وعلا يرفض نفقة الكافر الذي ينفق بطيب نفس ومسارعة ؟؟ ، فالقول بأن المُكْره هو الكافر غير دقيق البتة فالله لا يقبل منه طاعة فيذكرها ويحتج بها ثم في هذه الآية يأنف منها ويرفضها بسبب كفر صاحبها.

ثاني أوجه الاحتجاج :

أن (كرهاً) في عمومها لا تعني بالضرورة الإكراه والإجبار تحت حد السيف وفي هذه الآية الكريمة لا تعني ذلك قطعاً وإلا فإنها لا تسمى نفقة أصلا بل مالاً مغتصباً من صاحبه ، وهذا خلاف مفهومالكره الذي يقول القائل بأنه الإكراه بالقوة.

فإتيان الأمر (كَرْهَاً و كُرْهَاً ) هو: مُغَالَبَةُ النَّفْسِ وَإكْرَاهُهَا لإتْيَانِ خِلاَفِ مَا تُرِيْدُ أوْ تَرْكِ مَا تَرْغَب سَوَاءً كَانَ ذَلكَ بِعِلَّةِ خَارِجِيَّةٍ كَالإكْرَاَهِ بِالقُوَّةِ أوْ بِعِلَّةٍ دَاخِلِيَّةٍ كَمُغَالَبَةِ النَّفْسِ رَهْبَةً وَتُقْيَةً مِنْ خَلْقِ أوْ تَقْوَى وَخِشْيَةً مِنْ اللهِ جلَّ وَعَلا .

وإتيان الأمر (طَوْعَاً) هو: الانْدِفَاعُ لِإتْيَانِ الفِعْلِ المطلوب رِضَاً وَرَغْبَةً بِلا مُغَالَبَةِ وَلاَ تَرَدُّدْ.

وفي هذه الآية يوجه الله جل وعلا نبيه أن يقول للمنافقين بأنكم سواء انفقتم خشية المؤمنين وأنفسهم كارهة أو بادرتم للانفاق راغبين بلا تردد ولا مغالبة نفس فلن يقبل الله منكم لأنكم كفار والله لا يقبل من الكفار طاعة وليس بعد الكفر ذنب.

ولكن هل (الكُرْه والكَرْه) يقتصر على الكفار والمنافقين ؟؟ ، لا بل أن كثير من الطاعات يأتيها المؤمنين كارهين مكرهي أنفسهم لإتيانها وهذا أحد محاور هذا البحث ودليل ذلك من كتاب الله:

{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [البقرة:216]

فتكره أنفسهم القتال ولكنهم طاعة لله وخشية من غضبه ورغبة فيما عنده يكرهون أنفسهم على القتال ومنها أسميت المعركة (بالكريهة) لثقلها على النفس ونفورها منها. وقوله تعالى (تكرهوا شيئاً) يجوِّزُ كراهة ما سوى القتال من الطاعات الثقيلة على النفس.
 
بسم1
السلام عليكم ورحمة الله.
أخي عدنان الغامدي لا يجوز أن تقول إن حرية الإرادة والأختيار هما الأمانة فإنك بذالك أشركة الجان في حِملِها وهم لم يحمِلوها وليس ُخلفاء في الأرض.
حرية الإردة والأختيار هي لِعلم الله من يؤمن به ويخافهُ بالغيب ويحفظ الأمانة ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة )،،،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)،،،(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).

كيف تكون الأمانة هي حرية الإرادة والإختيار والسماوات والأرض يملكونها أصلاً فعندما دعاهم خيّرهم بين أمرين فأردنا أن لايغضب الله فاختارا الطاعة ثم خيّرهم في حمل الأمانة، فلم يُريدنها فختاراً رفضها.

وإن كانت حرية الأختيار والإرادة هي الأمانة فلن يحاسبهم الله علي شئ لأنه أعطاهم حرية الإرادة والأختيار.

الأمانة هي الخلافة علي الأرض ومادام الله إستئمنّا عليها فمن الطبيعي أن يغيب عنّا فزيائياً وإلا لما كانت أمانة أستئمنك عليها وأبقي حاضراً معك وطبيعي إذا غاب هو أن نملك بغيابهِ حرية التصرف في ماأستخلفنا فيه. والله أعلم.

 
قال تعالى (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) الأحقاف

وقال جل جلاله :
{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } [الأنعام:128]

وقال جل شأنه:
{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [الأعراف:179]

وقل تعالى:
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات:56]


احييك اخي الكريم واعقب على ما تفضلت به بما يلي :
أولاً : نعم الجان مكلفين كالإنس ويملكون حرية الاختيار بين الايمان والكفر وهذه الحرية هي الامانة التي اشفقت منها السموات والأرض.
المنتظر منك اخي وفقك الله أن تثبت أن الامانة (حرية الاختيار) مقتصرة على بني آدم دون غيرهم كما تفضلت ، والآيات البينات توضح أنا نحن والجن في التكليف والعبادات على قدم المساواة.

ثانياً : تفضلت بالقول :
[FONT=&quot]كيف تكون الأمانة هي حرية الإرادة والإختيار والسماوات والأرض يملكونها أصلاً فعندما دعاهم [/FONT][FONT=&quot]خيّرهم [/FONT][FONT=&quot]بين أمرين [/FONT][FONT=&quot]فأردنا [/FONT][FONT=&quot]أن لايغضب الله [/FONT][FONT=&quot]فاختارا [/FONT][FONT=&quot]الطاعة ثم [/FONT][FONT=&quot]خيّرهم [/FONT][FONT=&quot]في حمل الأمانة، فلم يُريدنها فختاراً رفضها.[/FONT]
أنا لم اقل إنهما يملكانها أصلا بل استوى جل جلاله إليهن وهن دخان أي في مرحلة الخلق فخيرهما (وعرض عليهما)ولم يأمرهما فلو كان ذلك أمراً لما جاز لهن أن يأبين ويرفضن أمر الله فهذا واضح من الآية تمام الوضوح ، وكذلك بني آدم فقد أخذ ميثاقهم وهم في عالم الذر ، وهذه أيضاً تبين أن كل المخلوقات حال خلقها وتكوينها يعطيها الله حق الاختيار بين الطاعة والاكراه.
ثالثاً: تفضلت في ردك وقلت ان الامانة هي المسئولية عمن يعيش على ظهر الارض وتحت أديم السماء ، في حين انها مسلوبة الارادة والاختيار فكيف تكون مسئولة عن فعلها وهي لا تملك تغييره لانها ليست كائنات مكلفة ؟؟
وكيف يحاسبها الله وتلتمس منه العفو عما لا تسأل عنه أصلا لأنها طائعة لا تملك التحكم في ذاتها بل تسير وفق سنن وقوانين ربانية بعكس البشر والجان الذين يملكون الارادة الحرة لمخالفة القوانين والشرائع.

رابعاً : تفضلت بالقول :
[FONT=&quot]الأمانة هي الخلافة علي الأرض ومادام الله إستئمنّا عليها [/FONT]
[FONT=&quot]فمن الطبيعي أن يغيب عنّا فزيائياً [/FONT]​
[FONT=&quot]وإلا لما كانت أمانة أستئمنك عليها وأبقي حاضراً معك [/FONT]
[FONT=&quot]وطبيعي إذا غاب هو أن نملك بغيابهِ حرية التصرف[/FONT]​
[FONT=&quot] في ماأستخلفنا فيه. والله أعلم.[/FONT]

الله تعالى معنا حيثما كنا وليس غائباً ولا ينبغي عليه التحيز لمكان فلا يقال "غائب فيزيائيا" والانسان لا يملك حرية التصرف في غياب الله تعالى معاذ الله ، فالله مطلع حاضر وهذا أصل ايماني لا ينبغي اعتقاد سواه ، فهو استخلفنا "لينظر كيف نفعل" والمؤمن يعلم أنه تعالى محيط بنا وبعملنا ونعبده كأننا نراه رغباً ورهباً فإن لم نكن نراه فإنه يرانا.

سدد الله رأيك
 
جزاكما الله خيرا. مواضيع الشبهات والمشكلات مجال خصب لإنعاش الحياة التدبرية، فتدبروا..

سألت واحد أسلم حديثا عن الآية حيث اخترت من الترجمات الأكثر لفظية (حرفية) لنقل الظاهر مباشرة؛ ثم تذكرت ما كنت أفهمه قبل معرفة ما كتب وقيل في تفسيرها.

ماذا كنت تفهم قبل التعرف على ما قيل حولها وفي تفسيرها؟
 
احييك اخي الكريم واعقب على ما تفضلت به بما يلي :
أولاً : نعم الجان مكلفين كالإنس ويملكون حرية الاختيار بين الايمان والكفر وهذه الحرية هي الامانة التي اشفقت منها السموات والأرض.
المنتظر منك اخي وفقك الله أن تثبت أن الامانة (حرية الاختيار) مقتصرة على بني آدم دون غيرهم كما تفضلت ، والآيات البينات توضح أنا نحن والجن في التكليف والعبادات على قدم المساواة.

أخي الكريم أنا لم أقول أن حرية الإختيار مقتصرة علي بني آدم فقط ولكنها ليست هيا الأمانة. والأنس والجان مأمورين بعبادة الله وطاعته في أمره ونهيه علي سواء ولكن خليفة الله في الأرض هو الإ نسان لا الجان وهذا سبب الخلاف بين الإنس والجان، فهدف إبليس لعنه الله هو أن يثبت أن الإنسان لا يصلح للخلافة وليس أهلاً لحمل الأمانة. هل رأيت في الأرض فساد من الجان إلا إذا وسوس للإنسان بلفساد؟ وهل الأرض مسخّرة للإنس أم للجان؟ إنهم لايملكون حتي أن يعمّرو فيها بيوت الا بأذن الخليفة(الانسان) ويعيشون في الخلاء والمقابر. ثم إن الله لم يذكر الجان في آية عرض الأمانة.
ويقول عز وجل(مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) فكيف يستأمنهم أو يخلفهم عليها؟

أنا لم اقل إنهما يملكانها أصلا بل استوى جل جلاله إليهن وهن دخان أي في مرحلة الخلق فخيرهما (وعرض عليهما)ولم يأمرهما فلو كان ذلك أمراً لما جاز لهن أن يأبين ويرفضن أمر الله فهذا واضح من الآية تمام الوضوح ، وكذلك بني آدم فقد أخذ ميثاقهم وهم في عالم الذر ، وهذه أيضاً تبين أن كل المخلوقات حال خلقها وتكوينها يعطيها الله حق الاختيار بين الطاعة والاكراه.

أنا لم أقل إنك قلت ذالك ولكن الأية هي التي تقول. لقد أمرهما بأن يأتوا طوعاً أو كرهاً ولأنَّ إرادة الله فوق إرادتهم فختارُ طوعاً فهم إذا يملكون الإختيار والإرادة وفي الثانية خيرهم في حمل الأمانة فرفضوها وهنا كانت لديهم حرية الإرادة والإختيار، فكيف يعرض الله عليهم شئ هم يملكونه؟


ثالثاً: تفضلت في ردك وقلت ان الامانة هي المسئولية عمن يعيش على ظهر الارض وتحت أديم السماء ، في حين انها مسلوبة الارادة والاختيار فكيف تكون مسئولة عن فعلها وهي لا تملك تغييره لانها ليست كائنات مكلفة ؟؟
وكيف يحاسبها الله وتلتمس منه العفو عما لا تسأل عنه أصلا لأنها طائعة لا تملك التحكم في ذاتها بل تسير وفق سنن وقوانين ربانية بعكس البشر والجان الذين يملكون الارادة الحرة لمخالفة القوانين والشرائع.

أفهم من سؤالك أنه إذا كانت الأمانة هيا ماعلي الأرض من كائنات فكيف يطلب الله من السماوات والأرض حملها وهم مسيّرون لا مخيّرون. إذا حملوها لأصبحت لديهم حرية التصرف وبما إنهم رفضوا حمل الأمانة سلب الله منهم ذالك. ولولا الله لأهلكتنا الأرض والسماء مع الأمانة. ياأخي أنت تتحدث عن حرية التصرف في الأمانة لا عن الأمانة بذاتها وهناك فرق، الأمانة هي كل ماعلي الأرض من كائن حي أو جماد وعلي الإنسان حفظها بلإصلاح والعدل وليس له حرية التصرف فيها الا بالخيروالحفظ ولو كانت الأمانة هي حرية الأختيار بذاتها يبقي الله قد أعطي الإنس الحق في أن يفعل مايشاء خيراً كان أم شر ويبقي السؤال في ماذا يفعل مايشاء؟ ماهو هذا الشئ؟ إذا أعطيتك مال أمانة عندك، هل أعطيتك حرية التصرف أم أعطيتك مال، أيّن منهن الأمانة؟


الله تعالى معنا حيثما كنا وليس غائباً ولا ينبغي عليه التحيز لمكان فلا يقال "غائب فيزيائيا" والانسان لا يملك حرية التصرف في غياب الله تعالى معاذ الله ، فالله مطلع حاضر وهذا أصل ايماني لا ينبغي اعتقاد سواه ، فهو استخلفنا "لينظر كيف نفعل" والمؤمن يعلم أنه تعالى محيط بنا وبعملنا ونعبده كأننا نراه رغباً ورهباً فإن لم نكن نراه فإنه يرانا.

ياأخي الكريم أنا مؤمن والحمد الله وأعلم علم اليقين أن الله معنا وهو أقرب منا لأنفسنا ولكن هل يستوي هذا الجضور بيوم يأتي الله بلغمام وهل المؤمن فقط الحامل للأمانة والمحاسب عليها وهل كل المؤمنون يخشون حضورهِ الحالي.
سدد الله رأيي ورأيك.
 
عودة
أعلى