سُورة الحَفد وسُورة الخَلْع: هل هما فعلا قرآن؟

إنضم
18/03/2005
المشاركات
203
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
فى أحد المواقع النصرانية البَلْهاء التى تظن أن بمستطاعها إحداث ضجة حول صحة الإسلام وفتنة المسلمين واجتيالهم عن دينهم إلى ما عندهم من تخلف عقلى، وما أكثر هذه المواقع كثرة الواغش فى الأجساد والأسمال القذرة التى لا تعرف النظافة ولا الطهارة، قرأت ما يلى عن السورتين المذكورتين فى عنوان هذه الدراسة: "هذه السورتان كانت في مصحف أبي بن كعب، ولكننا لا نجدهم في مصاحف أيامنا هذه: سورة "الحَفْد": "اللهم إياك نعيد* ولك نصلى ونسجد* وإليك نسعى ونَحْفِد* نرجو رحمتك ونخشى عذابك* إن عذابك بالكفار ملحق"- سورة "الخَلْع: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك* ونُثْنِى عليك ولا نَكْفُرك* ونخلع ونترك من يَفْجُرك".نترك لك التقييم".
وبعد أن قرأت ما كتبوه كتبتُ ما تقرأون. ونبدأ بالصلاة على النبىّ المصطفى ثم نقول للقارئ الكريم: انظر إلى هؤلاء الحمقى وغبائهم وجهلهم باللغة العربية التى يتصدَّوْن للتشكيك فى كتابها الأول والأخير بجرأة منقطعة النظير لا يقدم عليها إلا الأوباش الأغبياء، وكيف يتبدى هذا الجهل والغباء فى السطرين السابقين اللذين ارتكبوا فيهما على قصرهما الشديد أخطاء مرعبة يمكن حتى القارئ العادى الذى لا يهتم بالنحو والصرف أن يعرفها إذا قارن بين ما كتبه الأوباش وما نكتبه نحن الآن: "هاتان السورتان كانتا فى مصحف أُبَىّ، ولكننا لا نجدهما فى مصاحف أيامنا هذه"، ودعنا من التشكيل الأعته لكلمات النصين، ودعنا قبل ذلك من ركاكة الكلام وفهاهته التى تدل على ركاكة العقل والخلق والذوق!
أما قولهم للقراء: "نترك لكم التقييم" فنرد عليه بقولنا: حسن أنكم يا أوباش قد تركتم لنا التقويم، فمثلكم فى جهلكم وغبائكم لتشبهون الثور الأحمق الذى لا يتعامل مع التحف الرقيقة إلا بقرونه وأظلافه، فأنتم فى الواقع قد حُرِمْتُم العقل، ووُهِبْتم مكانه قرونا وأظلافا وذيلا ومخا ثيرانيا غليظا. ومن أول نظرة نقول، ونحن موقنون بصحة ما نقول، إن هذه السطور لا تمتّ بأية وشيجة للقرآن الكريم إلا كما يمتّ الفُجْل للتفاح مثلا، فالمنطق العقلى والتاريخى والنفسى لا يقبلها بتاتا، كما أن الروايات التى يعتمد عليها أولئك الأغبياء الذين يطيرون فرحا بكل شىء دون عقل أو فهم ترفض هى نفسها مثل هذا الزعم حسبما سنبين بعد قليل. علاوة على أن الأسلوب فى هذين النصين ليس هو الأسلوب القرآنى، ولا اللفتات هى اللفتات، ولا الروح هى الروح. وإلى القارئ البيان:
ونبدأ بالروايات التى يعتمد عليها الحمقى الذين لا يفقهون، بل يرددون ما يقرأون دون فهم أو منطق، لأنهم فى الواقع والحقيقة لا يستطيعون إعمال عقولهم، إن كانت لهم مثل تلك العقول أصلا. ولقد فتشت عن تينك السورتين فى كتب الحديث التسعة الرئيسية: البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وأبى داود وابن ماجة والدارمى ومسند أحمد وموطأ مالك، فلم أجدهما، مما يدل على أن أمرهما من ناحية الرواية لا قيمة له أيضا. وأذكر أننى وأنا صغير كنت أحفظهما على أنهما من القنوت ليس إلا. والحق أنهما لا يمكن أن يكونا شيئا آخر سوى هذا. ولا أظن أنهما كانا فى مصحف أُبَىّ بن كعب أو غيره، إذ لا يُعْقَل أن ينفرد أحد الصحابة دونهم جميعا بإثبات سورتين لا يعرفهما سائر المسلمين، وبخاصة إذا علمنا أن جمع القرآن كان يعتمد على أن يكون هناك شاهدان من الصحابة لكل نص، علاوة على مظاهرة الكتابة عندذاك للذاكرة. فهل يعقل أن يستمر أُبَىٌّ أو غير أُبَىٍّ رغم ذلك على التمسك بظنه هو وحده بكون هذين النصين سورتبن قرآنيتين ويهمل آراء سائر الصحابة؟ وهذا لو كان للرواية وجه، وهو ما لا أظنه أبدا! أما إيراد بعض علمائنا القدامى لمثل تلك الروايات فهو إن دل على شىء فإنما يدل على أنهم كانوا لا يتحرجون فى أمور العلم والبحث، بل كانوا يوردون كل شىء يصلهم، عارفين أن العقل الإسلامى قادر على تمحيصه وإنزاله منزله الصحيح. لقد كانوا فى الواقع أوفياء لمنهج الحياد فكانوا يثبتون كل ما يقع لهم دون خشية، وإن لم نشاطرهم موقفهم ذلك رغم كل شىء.
وهذا هو السبب فى أن السيوطى رحمه الله قد أورد فى تفسيره المسمَّى: "الدر المنثور فى التفسير بالمأثور" النصوص التالية التى نقلها أصحاب الموقع الأبله مثلهم متصورين أنهم أَتَوْا بالذئب من ذيله، فإذا بهم أصحاب ذيول، بل إذا هم أنفسهم الذيول بعينها: "قال ابن الضريس في فضائله‏:‏ أخبرنا موسى بن إسماعيل، أنبانا حماد قال‏:‏ قرأنا في مصحف أبي بن كعب‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. قال حماد‏:‏ هذه الآن سورة، وأحسبه قال‏:‏ "اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نخشى عذابك، ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق". وأخرج ابن الضريس عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه قال‏:‏ "صليت خلف عمر بن الخطاب فلما فرغ من السورة الثانية قال‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير كله، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق‏".‏ وفي مصحف ابن عباس قراءة أبي وأبي موسى‏:‏ "بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك‏".‏ وفي مصحف حجر‏:‏ "اللهم إنا نستعينك"، وفي مصحف ابن عباس قراءة أبي وأبي موسى‏:‏ "اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نخشى عذابك ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق‏".
وأخرج أبو الحسن القطان في المطولات عن أبان بن أبي عياش قال‏:‏ "سألت أنس بن مالك عن الكلام في القنوت فقال‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونؤمن بك ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد، إن عذابك بالكفار ملحق‏".‏ قال أنس‏:‏ والله إن أُنْزِلَتا إلا من السماء"‏.‏
وأخرج محمد بن نصر والطحاوي عن ابن عباس: "إن عمر بن الخطاب كان يقنت بالسورتين‏:‏ اللهم إياك نعبد، واللهم إنا نستعينك".‏ وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبزي قال‏:‏ "قنت عمر رضي الله عنه بالسورتين‏".‏ وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر قنت بهاتين السورتين: "الله إنا نستعينك" و"اللهم إياك نعبد‏".‏ وأخرج البَيْهَقيّ عن خالد بن أبي عمران قال‏:‏ "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن اسكت فسكت، فقال: يا محمد، إن الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا، وإنما بعثك رحمة للعالمين، ولم يبعثك عذابا. ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوبَ عليهم أو يعذّبَهم فإنهم ظالمون. ثم علمه هذا القنوت‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك ونخضع لك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، إليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق‏".‏
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ومحمد بن نصر والبيهقي في سننه عن عبيد بن عمير أن "عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، ولك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق‏".‏ وزعم عبيد أنه بلغه أنهما سورتان من القرآن في مصحف ابن مسعود‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الملك بن سويد الكاهلي أن "عليا قنت في الفجر بهاتين السورتين‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك‏.‏ اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق‏". وأخرج ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر عن ميمون بن مهران قال‏:‏ "في قراءة أُبَيّ بن كعب‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق.
وأخرج محمد بن نصر عن ابن إسحق قال‏:‏ "قرأت في مصحف أبي بن كعب بالكتاب الأول العتيق‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم ‏‏قل هو الله أحد‏ إلى آخرها. بسم الله الرحمن الرحيم ‏قل أعوذ برب الفلق‏ إلى آخرها. بسم الله الرحمن الرحيم ‏قل أعوذ برب الناس‏ إلى آخرها. بسم الله الرحمن الرحيم‏،‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك‏.‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق. بسم الله الرحمن الرحيم‏:،‏ اللهم لا تنزع ما تعطي، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك وغفرانك وحنانيك إله الحق"‏.‏ وأخرج محمد بن نصر عن يزيد بن أبي حبيب قال‏:‏ "بعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن رزين الغافقي فقال له‏:‏ والله إني لأراك جافيا، ما أراك تقرأ القرآن‏؟‏ قال‏:‏ بلى، والله إني لأقرأ القرآن، وأقرأ منه ما لا تقرأ به‏.‏ فقال له عبد العزيز‏:‏ وما الذي لا أقرأ به من القرآن‏؟‏ قال‏:‏ القنوت‏.‏ حدثني علي بن أبي طالب أنه من القرآن"‏.‏ وأخرج محمد بن نصر عن عطاء بن السائب قال‏:‏ "كان أبو عبد الرحمن يقرئنا‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع ونترك من يَفْجُرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجِدّ، إن عذابك بالكفار مُلْحَق‏".‏ وزعم أبو عبد الرحمن أن "ابن مسعود كان يقرئهم إياها، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم إياها‏".‏ وأخرج محمد بن نصر عن الشعبي قال‏:‏ "قرأت، أو حدثني من قرأ في بعض مصاحف أبي بن كعب هاتين السورتين‏:‏ اللهم إنا نستعينك‏ والأخرى، بينهما بسم الله الرحمن الرحيم، قبلهما سورتان من المفصَّل، وبعدهما سُوَرٌ من المفصَّل‏".‏ وأخرج محمد بن نصر عن سفيان قال‏:‏ "كانوا يستحبون أن يجعلوا في قنوت الوتر هاتين السورتين‏:‏ اللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد".‏ وأخرج محمد بن نصر عن إبراهيم قال‏:‏ "يقرأ في الوتر السورتين: اللهم إياك نعبد، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك". وأخرج محمد بن نصر عن خصيف قال‏:‏ "سألت عطاء بن أبي رباح: أي شيء أقول في القنوت. قال‏:‏ هاتين السورتين اللتين في قراءة أبي‏:‏ اللهم إنا نستعينك واللهم إياك نعبد"‏.‏ وأخرج محمد بن نصر عن الحسن قال‏:‏ "نبدأ في القنوت بالسورتين، ثم ندعو على الكفار، ثم ندعو للمؤمنين والمؤمنات‏".
واضح أن النصين لا يخرجان عن أن يكونا قنوتا كان عمر أو علىّ يقنت به بعد القيام من الركوع، أو عقب الانتهاء من قراءة السورة التى بعد الفاتحة وقبل أن يركع. ومعروف أن المسلمين لا يقنتون فى صلاتهم بالقرآن! وحتى لو ضَرَبْنا عن كل ما سبق صَفْحًا وقلنا إن الرواية صحيحة وإن أُبَيًّا كان رغم ذلك يعتقد أن هذين النصين سورتان قرآنيتان فعلا فإن هذا لا يعدو أن يكون اجتهادا منه لا يُلْزِم غيره، ومن ثم لا يمكن أن نأخذ بما لديه ونهمل موقف الصحابة على بَكْرَة أبيهم، إذ ليس هذا من المنهج العلمى ولا المنطق العقلى فى شىء. وقد ألقى أبو الحسن الأشعرى الضوء على جانب مهم فى تلك المسألة بقوله: "قد رأيت أنا مصحف أَنـَسٍ بالبصرة عند قومٍ من ولدِه، فوجدتُه مساويًا لمصحف الجماعة، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خَطُّ أنـََسٍ وإملاء أُبَيّ بن كعب".
وقد قرأت فى "المصنَّف" لابن أبى شيبة تحت عنوان "مَا يَدْعُو بِهِ فِي قُنُوتِ الْفَجْرَِ" ما يلى: "حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْغَدَاةَ فَقَالَ فِي قُنُوتِهِ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ وَلا نَكْفُرُك، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، وَنَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك بِالْكُفَّارِ مُلْحِق. 2- حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زِرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ عُمَرَ فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ. 3- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سُوَيْد الْكَاهِلِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَنَتَ فِي الْفَجْرِ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ وَلا نَكْفُرُك، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ. 4- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُثْنِي عَلَيْك وَلا نَكْفُرُك، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى ونَحْفِد، وَنَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك بِالْكُفَّارِ مُلْحِق. 5- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنُؤْمِنُ بِك وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك، وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ وَلا نَكْفُرُك. ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ. اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِك. 6- َدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ قَالَ: صَلَّيْت الْغَدَاةَ ذَاتَ يَوْمٍ وَصَلَّى خَلْفِي عُثْمَانُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: فَقَنَتُّ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ قَالَ: فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلاتِي قَالَ لِي: مَا قُلْتَ فِي قُنُوتِك؟ قَالَ: فَقُلْتُ: ذَكَرْتُ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ وَلا نَكْفُرُك، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك. إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ. فَقَالَ عُثْمَانُ: كَذَا كَانَ يَصْنَعُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّان".
كما قرأت فى كتاب "التدوين فى أخبار قزوين" للإمام الرافعى أن هذين النصين قنوت من القنوت: "محمد بن أحمد بن جابارة أبو سليمان الجاباري القزويني سمع أبا طلحة الخطيب في "الطوالات" لأبي الحسن القطان بسماع الخطيب منه: أنبا أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة: ثنا يزيد بن هارون: أنبا أبان بن أبي عياش قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الكلام في القنوت، فقال: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق. اللهم عذب الكفرة، وألق في قلوبهم الرعب، وخالف بين كلمتهم، وأنزل عليهم رِجْزَك وعذابك. اللهم عذب الكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذّبون رسلك ويجحدون بآياتك، ويجعلون معك إلهًا لا إله غيرك. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأصلحهم واستصلحهم وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وثبّتْهم على ملة رسولك، وأَوْزِعْهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم، وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوهم وعدوك إله الحق. قال أنس: والله إِنْ أُنْزِلَتا إلا من السماء".
وفى الإصدار العاشر من "تيسير الوصول إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم" فى موقع "الدرر السنية" بحثت أيضا عن هذين النصين فوجدت أنهما، كما قلت وكما جاء فى الكتابين السابقين، لا يزيدان عن أن يكونا قنوتا. وهذه هى الأحاديث التى عثرت عليها فى هذا الصدد: "أن عمر رضي الله عنه قنت بعد الركوع فقال: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن كفرة أهل الكتاب، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، ولك نسعى ونحفد، ونخشى عذابك الجد، ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكافرين ملحق" (الراوي: عبيد بن عمير. خلاصة الدرجة: صحيح موصول. المحدث: البيهقي. المصدر: السنن الكبرى).
"أن عمر رضي الله عنه قنت بعد الركوع فقال: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن كفرة أهل الكتاب، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد. نخشى عذابك الجد، ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق" (الراوي: عبيد بن عمير الثقفي. خلاصة الدرجة: روي بعضه مرفوعا وهو مرسل. المحدث: ابن الملقن. المصدر: البدر المنير).
"أن عمر قنت بعد الركوع فقال: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، ولك نسعى ونحفد. نخشى عذابك الجد ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق" (الراوي: عبيد بن عمير الثقفي. خلاصة الدرجة: صحيح أو حسن روي بعضه مرفوعا مرسلا. المحدث: ابن الملقن. المصدر: تحفة المحتاج).
"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قنت بعد الركوع فقال: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن الكفرة كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل بهم الأرض، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق" (الراوي: عبيد بن عمير الثقفي. خلاصة الدرجة: موقوف صحيح. المحدث: ابن حجر العسقلاني. المصدر: نتائج الأفكار).
"أنه صلى خلف عمر فقنت فيها بعد الركوع وقال في قنوته: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق. إلا أن الخزاعي قال: ونثني عليك ولا نكفرك، ونخشى عذابك الجد" (الراوي: عبدالرحمن بن أبزى. خلاصة الدرجة: إسناده صحيح من الطريق الأولى، والأخرى فيها ابن أبي ليلى سيء الحفظ. المحدث: الألباني. المصدر: إرواء الغليل)
والآن نأتى إلى التحليل الأسلوبى رغم أن المسألة لا تستلزم مثل هذا التحليل، فالمنطق واتجاه الأحداث وتحليل الروايات يكفى تماما فى الحكم باستبعاد انتماء هذين النصين للقرآن المجيد دون نقض أو إبرام: وأول شىء نقوله فى هذا الصدد هو أن كلمة "اللهم" التى افْتُتِحت بها السورة الأولى المزعومة قد وردت فى القرآن خمس مرات لم تأت أى منها فى بداية أية سورة بتاتا.
ثانى شىء: لم يحدث أن ابتدأت أية سورة قرآنية بمناداة الله، وإنما بمناداة البشر: "يا أيها الناس"، "يا أيها الذين آمنوا"، "يا أيها المـُزَّمِّل"، "يا أيها المــُدَّثِّر".
ثالث شىء: لم تأت كلمة "اللهم" فى أية سورة إلا وسبقتها كلمة تدل على "القول" لفظا أو معنى. وهذه هى المرات الخمس المذكورة نسوقها أمام القارئ ليكون على بينة خالصة مما نقول واطمئنان تام إليه:
"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (آل عمران/ 26).
"قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ" (المائدة/ 114).
"وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (الأنفال/ 32).
"دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (يونس/ 10).
"قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" (الزمر/ 46).
رابع شىء: لم يرد بعد النداء بكلمة "اللهم" فى القرآن أى ضمير، فضلا عن أن يكون هذا الضمير منفصلا كـ"إياك" (كما فى السورة الأولى المزعومة: "اللهم إياك نعبد") أو "إنّ" الناسخة (كما فى السورة المزعومة الأخرى: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك").
خامسا: لا يوجد فى القرآن كله الفعل: "نُصَلِّى" أبدا، بل الذى فيه هو "صَلَّى"، "تُصَلِّ"، "يُصَلّوا"، "يُصَلّون"، "يُصَلِّى"، "صَلِّ"، "صَلُّوا".
سادسا: لم يحدث فى القرآن أن تَقَدَّم حرفُ الجر على الفعل الدال على الصلاة كما فى سورة "الحفد"، بل المشاهد أنه إذا كان هناك حرف جر فإنه يأتى بعد الفعل، أو تُذْكَر الصلاة مطلقة دون حرف جر أصلا. وهذه هى الشواهد القرآنية:
"فلا صدَّق ولا صلَّى* ولكنْ كذَّبَ وتولَّى" (القيامة/ 31- 32).
"وذَكَر اسْمَ ربِّه فصلَّى" (الأعلى/ 15).
"أرأيتَ الذى يَنْهَى* عبدًا إذا صلَّى" (العلق/ 9- 10).
"ولا تصلِّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره" (التوبة/ 84).
"ولْتَأْتِ طائفةٌ أخرى لم يُصَلُّوا فلْيُصَلُّوا معك" (النساء/ 102).
"إن الله وملائكته يُصَلُّون على النبىّ يا أيها الذين آمنوا صَلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما" (الأحزاب/ 56).
"هو الذى يُصَلِّى عليكم وملائكتُه ليُخْرِجَكم من النور إلى الظلمات" (الأحزاب/ 43).
"خذ من أموالهم صدقةً تطهِّرهم وتزكِّيهم بها وصَلِّ عليهم" (التوبة/ 103).
"إنّا أعطيناك الكَوْثَر* فصَلِّ لربك وانْحَرْ" (الكوثر/ 1- 2).
سابعا: ليس فى القرآن الفعل "يَسْعَى" أبدا، بل الذى فيه هو "سعى"، "سَعَوْا"، "تَسْعَى"، "تَسْعَوْن"، "يَسْعَوْن". وشواهد ما نقول موجودة فى المواضع التالية: البقرة/ 114، 205، والإسراء/ 19، والنجم/ 39، والنازعات/ 35، والحج/ 51، وسبأ/ 5، وطه/ 15، 20، 66، والقصص/ 20، ويس/ 20، والحديد/ 12، والتحريم/ 8، والنازعات/ 22، وعبس/ 8، والمائدة/ 33، 64، وسبأ/ 38، والجمعة/ 6.
ثامنا: ليس ذلك فقط، بل إن الفعل "سعى" فى القرآن لم يأت فى أى زمن أو فى أية صيغة مسبوقا بحرف جر ومجروره كما هو الحال هنا: "وإليك نسعى ونحفد". كما أن حرف الجر الغالب مجيئه معه هو "فى"، وليس "إلى" كما فى السورة الموهومة التى بين أيدينا.
تاسعا: ثم إنه فى المرة اليتيمة التى جاء بعده الحرف: "إلى" لم يدخل هذا الحرف على اسم الله أو ضميره، بل على كلمة "الذكر": "فاسْعَوْا إلى ذِكْر الله وذَرُوا البيع" (الجمعة/ 9). وكما تلاحظ فالفعل هنا فعلُ أمرٍ لا مضارعٌ كما هو فى الجملة التى معنا.
عاشرا: وفوق ذلك فالسعى فى القرآن غالبا ما يكون فى الخراب والفساد والمعاجزة كما فى البقرة/ 114، 205، والمائدة/ 33، 64، والحج/ 51، وسبإ/ 5، 38 على سبيل القول الصريح، وكما فى الكهف/ 104، والنازعات/ 22 على سبيل التضمين، أما فى الخير فأقل من ذلك، كما أن ذكر الخير فى معظم الأحيان ضمنى لا صريح.
حادى عشر: ولو ذهبت تفتش فى القرآن من أوله إلى آخره فلن تعثر على الفعل "يحفد" فى أى زمن من الأزمان أو أية صيغة من الصيغ. بل لا وجود لمادة "ح ف د" فيه على الإطلاق، اللهم إلا كلمة "حَفَدَة" (النحل/ 72)، وهم أبناء الأبناء، وهذا شىء مختلف عما نحن فيه، ومعناه الإسراع. أى أن مجىء ذلك الفعل فى سورة "الحَفْد" المدَّعاة هو أمر شاذ كسائر ما يتعلق بتلك السورة حسبما تبيِّن هذه الدراسة.
ثانى عشر: رغم ورود الفعل "رجا- يرجو" فى القرآن 22 مرة، فإنه لم يأت قط مضارعا مسندا إلى ضمير المتكلمين: "نرجو" كما هو الحال هنا. والشواهد متاحة لمن يريد فى المواضع التالية: القصص/ 86، والنساء/ 104، ونوح/ 13، والإسراء/ 28، والكهف/ 110، والعنكبوت/ 5، والأحزاب/ 21، والزمر/ 9، والممتحنة/ 6، والبقرة/ 218، والنساء/ 104، ويونس/ 7، 11، 15، والإسراء/ 57، والنور/ 60، والفرقان/ 21، 40، وفاطر/ 29، والجاثية/ 14، والنبأ/ 27، والعنكبوت/ 36.
ثالث عشر: لم تقع كلمة "رحمتك" فى المرات الثلاث التى تكررت فيها فى القرآن مفعولا به مباشرا قط كما هو وَضْعها فى سورة "الحفد"، بل كانت فى كل تلك المرات مجرورة بحرف جر. كما أنها لم تقترن فى أى من تلك المرات بفعل الرجاء على أى وضع من الأوضاع: "قال رب اغفر لى ولأخى وأَدْخِلْنا فى رحمتك" (الأعراف/ 151)، "ونجِّنا برحمتك من القوم الكافرين" (يونس/ 86)، "وأَدْخِلْنى برحمتك فى عبادك الصالحين" (النمل/ 19).
رابع عشر: لم يأت الفعل: "نخشى" فى القرآن سوى مرة واحدة: "يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة" (المائدة/ 52)، والملاحظ أنه إنما أتى على لسان المنافقين المذبذبين لا على لسان المؤمنين الموقنين. كما أنه لم يقع على العذاب، بل على إصابتهم بدائرة، فضلا عن أن المفعول به الذى وقع عليه فى الآية القرآنية كان مصدرا مؤولا بالصريح: "أن تصيبنا دائرة" لا مصدرا صريحا: "عذابك" كما هو الحال فى عبارة ما يسمى بـ"سورة الحفد". وأكثر من ذلك أنه لم يحدث أن وقع الفعل: "خَشِىَ- يخشَى" فى أية صورة منه على "العذاب" فى كتاب الله بتاتا
خامس عشر: مع أن كلمة "عذاب" قد تكررت فى القرآن المجيد بضع مئات من المرات: نكرةً ومعرَّفةً بــ"أل" ومضافةً، فلم يتصادف أن جاءت مضافة إلى "كاف الخطاب" قط كما هو وَضْعها هنا.
سادس عشر: لم يحدث البتة أن اقترن الرجاء والخشية فى كتاب الله كما هو الحال فى قول المبتهلين فى السورة الموهومة التى بين أيدينا: "نرجو رحمتك، ونخشى عذابك".
سابع عشر: لم يأت فى القرآن متعلِّق لخبر "إنّ" أو "أنّ" الداخلة على كلمة "عذاب"، فضلا عن أن يكون سابقا على ذلك الخبر كما هو الحال فى الجملة الأخيرة من السورة الموهومة التى نحن بصددها هنا: "إن عذابك بالكفار ملحق". هذا، وإذا كانت كلمة "عذاب" قد وردت خبرا لــ"إنّ"، و"أنّ" و"لكنّ" فى الشواهد التالية: "ولإن كفرتم إنّ عذابى لَشديد" (إبراهيم/ 7) ، "وأن عذابى هو العذاب الأليم" (الحجر/ 50)، "إن عذاب ربك كان محذورا" (الإسراء/ 57)، "إن عذابها كان غَرَاما" (الفرقان/ 65)، "ذلكم فذُوقُوه وأن للكافرين عذابَ النار" (الأنفال/ 14)، "إنّا قد أُوحِىَ إلينا أن العذاب على من كَذَّب وتولَّى" (طه/ 48)، "ولكن عذاب الله شديد" (الحج/ 2)، "إن عذاب ربك لَواقع" (الطور/ 7)، "إن عذاب ربهم غير مأمون" (المعارج/ 38)، فلن تجد للخبر فى أى منها متعلقا أصلا، فضلا عن أن يكون متعلق الخبر متقدما عليه كما هو الحال هنا.
ثامن عشر: وأما بالنسبة لاسم المفعول "مُلْحَق" الواقع خبرا لــ"إن" فى جملتنا الحالية فلا وجود له فى القرآن فى أى موضع منه. كذلك لم يحدث أن وقع فعل من أفعال "الإلحاق" فى القرآن على العذاب قط، بل على ذرية المؤمنين أو على المؤمنين أو على الشركاء الذين كان الكفار يعبدونهم مع الله، أما على العذاب فلا: "قل أَرُونِىَ الذين أَلْحَقْتم به شركاء" (سبأ/ 27)، "والذين آمنوا واتَّبَعَتْهم ذريتُهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذريتَهم" (الطور/ 21)، "توفَّنى مُسْلِمًا وأَلْحِقْنى بالصالحين" (يوسف/ 101)، "ربِّ هَبْ لى حُكْمًا وأَلْحِقْنى بالصالحين" (الشعراء/ 83).
تاسع عشر: جاء الفعل: "استعان" فى القرآن على كل التصريفات أربع مرات لم يحدث أن خلا مفعوله المتقدم عليه من "باء" الجر: "واستعينوا بالصبر والصلاة" (البقرة/ 45)، "استعينوا بالصبر والصلاة" (البقرة/ 152)، "استعينوا بالله واصبروا" (الأعراف/ 138)، كما لم يحدث أن جاء هذا المفعول ضميرا إلا مرة واحدة تقدم فيها المفعول على الفعل، ومن ثم كان ضميرا منفصلا لا متصلا (هكذا: "إياك نعبد وإياك نستعين")، على عكس الوضع تماما من هذا وذاك فى الجملة الأولى من السورة المزعومة الثانية: (هكذا: "اللهم إنا نستعينك").
عشرين: وكذلك لم يتفق أن اقترنت الاستعانة بالاستغفار فى القرآن قط كما هو الأمر فى الجملة التى نحن أمامها: "نستعينك ونستغفرك".
حاديًا وعشرين: لم يقع أن استعمل الفعل "استغفر" فى كتاب الله الكريم مضارعا مسندا إلى ضمير جماعة المتكلمين بتاتا أو جاء مفعوله "كاف خطاب" قط كما فى الجملة الحالية: "نستغفرك".
ثانيًا وعشرين: برغم ورود كلمة "الحمد" واشتقاقاتها فى القرآن نحو سبعين مرة، فإن كلمة "الثناء" المقتربة منها فى المعنى إلى حد بعيد والمشتق منها الفعل: "نُثْنِى" فى الجملة الثالثة من سورة "الخلع" التى نحن بصددها هنا (وهى: "ونُثْنِى عليك ولا نَكْفُرك")، هذه الكلمة غائبة تماما عن كتاب الله هى وكل مشتقاتها.
ثالثا وعشرين: بالنسبة لجملة "نَكْفُرك" نقول إنه قد ورد الفعل المضارع: "يَكْفُر" فى القرآن الكريم بتصريفات مختلفة ما يقرب من ستين مرة، ومع هذا لم يحدث أن أُسْنِد هذا الفعل إلى ضمير جماعة المتكلمين فى أية مرة منها. كما لم يحدث أن توصَّل ذلك الفعل إلى مفعوله مباشرة دون "باء الجر" كما هو الحال هنا، اللهم إلا مرة واحدة أتى فيها مبنيا للمجهول ووقع على ضمير الغائب لا المخاطب وكان ذلك الضمير عائدا على عمل الإنسان لا على الله سبحانه، وهو ما يختلف فيه مع الجملة التى نحن بصددها اختلافا تاما. وهذا هو الشاهد القرآنى اليتيم: "وما يَفْعَلوا من خير فلن يُكْفَروه" (آل عمران/ 115).
رابعا وعشرين: ليس فى القرآن كله كلمة "خَلْع" التى تدور عليها السورة المدَّعاة وعُنْوِنَتْ بها، بل ليس فيه من ذات المادة إلا فعل الأمر: "اخلع": "فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدَّس طُوًى" (طه/ 12)، وهو خطاب من الله لواحد من البشر هو موسى عليه السلام، وليس خطابا من البشر له عز وجل كما فى الجملة التى يدور الكلام عليها حاليًّا والتى ورد فيها الفعل مضارعًا لا أَمْرًا مع ذلك. كما أن الخلع فى الآية القرآنية حقيقى، بخلافه فى آية السورة المزعومة، إذ معناه فيها مجازى كما هو واضح.
خامسا وعشرين: لم يرد الفعل المضارع: "نترك" فى كتاب الله سوى مرة واحدة وقع فيها مفعوله اسما موصولا غير عاقل عائدا على الأصنام التى يعبدها آباء المتكلمين الكافرين: "قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا" (هود/ 87)، لا اسما موصولا عاقلا عائدا على من يفجر الله سبحانه كما هو الوضع فى الجملة التى بين أيدينا: "ونخلع ونترك من يَفْجُرك".
سادسا وعشرين: على الرغم من مجىء مشتقات مادة "ت ر ك" نيفا وأربعين مرة فى القرآن المجيد لم يحدث أن أتى الاسم الموصول: "من" مفعولا لأى من هذه المشتقات كما هو الوضع فى الجملة التى معنا الآن: "ونترك من يَفْجُرك".
سابعا وعشرين: لا يوجد الفعل: "نَفْجُر" (مضارعا مسندا إلى جماعة المتكلمين وبمعنى "الفُجُور" لا التفجير) فى القرآن المجيد أبدا. كما أن الفعل: "يَفْجُر" (المضارع المسند لضمير الغائب المفرد المذكَّر) الذى ورد فيه مرة واحدة لا غير لم يُذْكَر معه مفعول به، فضلا عن أن يكون المفعول به مفعولا مباشرا: "بل يريد الإنسان ليَفْجُر أمامه" (القيامة/ 5)، بَلْهَ أن يكون ذلك الضمير عائدا على الله جل وعلا كما هو الحال معنا الآن.
والآن يستطيع القراء الكرام أن يَرَوْا معنا بكل وضوح وجلاء أن هذين النصين لا علاقة لهما من قريب أو من بعيد بالقرآن من ناحية الأسلوب والروح أيضا، فبصماتهما اللغوية والذوقية ليست هى بصمات الأسلوب القرآنى كما هو بين، مثلما رَأَوْا قبلاً أنهما لا يمكن أن يكونا من القرآن بحكم المنطق العقلى وبناء على تحليل الروايات.
 
حقيقة أن ما وصل إليه الشيخ الفاضل إبراهيم عوض من أن هاتين السورتين استقر الحال على القنوت بهما - في النصف الثاني من رمضان - أوافقه عليه لصحة الحديث بذلك عن سيدنا عمر رضي الله عنه كما عند ابن خزيمة .
إلا أن ترجيح أنهما ليسا من القرآن فهذا محل نظر ، بل الراجح كما ذهب إليه جماعة من العلماء أنهما من القرآن وأنهما مما نسخ لفظا وحكما ، وكيف يستجيز سيدنا أبي وغيره من الصحابة كتابتهما في المصحف ، وهما ليستا من القرآن .

قال العلامة الشنقيطي (مالكي) في أضواء البيان : ومثال نسخ الكتاب بالسنة : نسخ آية عشر رضعات تلاوة وحكماً بالسنة المتواترة . ونسخ سورة الخلع وسورة الحفد تلاوة وحكماً بالسنة المتواترة . وسورة الخلع وسورة الحفد : هما القنوت في الصبح عند المالكية . وقد أوضح صاحب ( الدر المنثور ) وغيره تحقيق أنهما كانتا سورتين من كتاب الله ثم نسختا .اهـ

وقال الشيخ أحمد الطحاوي ( حنفي) في حاشيته على مراقي الفلاح : ذكر السيوطي أن دعاء القنوت من جملة الذي أنزله الله على النبي صلى الله عليه وسلم وكانا سورتين كل سورة ببسملة وفواصل إحداهما تسمى سورة الخلع وهي بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك إلى قوله من يكفرك والأخرى تسمى سورة الحفد وهي بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد إلى ملحق وقد اختلفت الصحابة في نسخهما وكتبهما أبي في مصحفه فعدة سور القرآن عنده مائة وست عشرة سورة . اهـ

وقال الشيخ زكريا الأنصاري ( شافعي) في البهجة الوردية : وَرَأَيْتُ فِي رِسَالَةِ الْإِمَامِ السُّيُوطِيّ أَنَّهُ كَانَ سُورَتَيْنِ أَنْزَلَهُمَا اللَّهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِبَسْمَلَةٍ تَنْتَهِي الْأُولَى الْمُسَمَّاةُ سُورَةَ الْخُلْعِ بِيَفْجُرُكَ وَمَبْدَأُ الثَّانِيَةِ الْمُسَمَّاةِ سُورَةَ الْحَفْدِ إيَّاكَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِمَا هَلْ نُسِخَا أَمْ لَا حَتَّى كَتَبَهُمَا بَعْضُهُمْ فِي مُصْحَفٍ فَجَعَلَ عَدَدَ السُّوَرِ مِائَةً وَسِتَّةَ عَشَرَ سُورَةً .اهـ .

والله أعلم .،
 
أشكر الأخ أبا منذر المنياوي على تعقيبه ، وأعيد نشر الموضوع بعد إضافة فقرات مهمة ظللتها باللون الأزرق .

فى أحد المواقع النصرانية البَلْهاء التى تظن أن بمستطاعها إحداث ضجة حول صحة الإسلام وفتنة المسلمين واجتيالهم عن دينهم إلى ما عندهم من تخلف عقلى، وما أكثر هذه المواقع كثرة الواغش فى الأجساد والأسمال القذرة التى لا تعرف النظافة ولا الطهارة، قرأت ما يلى عن السورتين المذكورتين فى عنوان هذه الدراسة: "هذه السورتان كانت في مصحف أبي بن كعب، ولكننا لا نجدهم في مصاحف أيامنا هذه: سورة "الحَفْد": "اللهم إياك نعيد* ولك نصلى ونسجد* وإليك نسعى ونَحْفِد* نرجو رحمتك ونخشى عذابك* إن عذابك بالكفار ملحق"- سورة "الخَلْع: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك* ونُثْنِى عليك ولا نَكْفُرك* ونخلع ونترك من يَفْجُرك".نترك لك التقييم".
وبعد أن قرأتُ ما كتبوه كتبتُ ما تقرأون. ونبدأ بالصلاة على النبىّ المصطفى ثم نقول للقارئ الكريم: انظر إلى هؤلاء الحمقى وغبائهم وجهلهم باللغة العربية التى يتصدَّوْن للتشكيك فى كتابها الأول والأخير بجرأة منقطعة النظير لا يقدم عليها إلا الأوباش الأغبياء، وكيف يتبدى هذا الجهل والغباء فى السطرين السابقين اللذين ارتكبوا فيهما على قصرهما الشديد أخطاء مرعبة يمكن حتى القارئ العادى الذى لا يهتم بالنحو والصرف أن يعرفها إذا قارن بين ما كتبه الأوباش وما نكتبه نحن الآن: "هاتان السورتان كانتا فى مصحف أُبَىّ، ولكننا لا نجدهما فى مصاحف أيامنا هذه"، ودعنا من التشكيل الأعته لكلمات النصين، ودعنا قبل ذلك من ركاكة الكلام وفهاهته التى تدل على ركاكة العقل والخلق والذوق!
أما قولهم للقراء: "نترك لكم التقييم" فنرد عليه بقولنا: حسن أنكم يا أوباش قد تركتم لنا التقويم، فمثلكم فى جهلكم وغبائكم لتشبهون الثور الأحمق الذى لا يتعامل مع التحف الرقيقة إلا بقرونه وأظلافه، فأنتم فى الواقع قد حُرِمْتُم العقل، ووُهِبْتم مكانه قرونا وأظلافا وذيلا ومخا ثيرانيا غليظا. ومن أول نظرة نقول، ونحن موقنون بصحة ما نقول، إن هذه السطور لا تمتّ بأية وشيجة للقرآن الكريم إلا كما يمتّ الفُجْل للتفاح مثلا، فالمنطق العقلى والتاريخى والنفسى لا يقبلها بتاتا، كما أن الروايات التى يعتمد عليها أولئك الأغبياء الذين يطيرون فرحا بكل شىء دون عقل أو فهم ترفض هى نفسها مثل هذا الزعم حسبما سنبين بعد قليل. علاوة على أن الأسلوب فى هذين النصين ليس هو الأسلوب القرآنى، ولا اللفتات هى اللفتات، ولا الروح هى الروح. وإلى القارئ البيان:
ونبدأ بالروايات التى يعتمد عليها الحمقى الذين لا يفقهون، بل يرددون ما يقرأون دون فهم أو منطق، لأنهم فى الواقع والحقيقة لا يستطيعون إعمال عقولهم، إن كانت لهم مثل تلك العقول أصلا. ولقد فتشت عن تينك السورتين فى كتب الحديث التسعة الرئيسية: البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وأبى داود وابن ماجة والدارمى ومسند أحمد وموطأ مالك، فلم أجدهما، مما يدل على أن أمرهما من ناحية الرواية لا قيمة له أيضا. وأذكر أننى وأنا صغير كنت أحفظهما على أنهما من القنوت ليس إلا. والحق أنهما لا يمكن أن يكونا شيئا آخر سوى هذا. ولا أظن أنهما كانا فى مصحف أُبَىّ بن كعب أو غيره، إذ لا يُعْقَل أن ينفرد أحد الصحابة دونهم جميعا بإثبات سورتين لا يعرفهما سائر المسلمين، وبخاصة إذا علمنا أن جمع القرآن كان يعتمد على أن يكون هناك شاهدان من الصحابة لكل نص، علاوة على مظاهرة الكتابة عندذاك للذاكرة. فهل يعقل أن يستمر أُبَىٌّ أو غير أُبَىٍّ رغم ذلك على التمسك بظنه هو وحده بكون هذين النصين سورتبن قرآنيتين ويهمل آراء سائر الصحابة؟ وهذا لو كان للرواية وجه، وهو ما لا أظنه أبدا!
وهناك رواية أوردها السجستانى فى كتابه: "المصاحف" (دار الكتب العلمية/ بيروت/ 15) تقول إن أُبَيًّا اشترك فى كتابة المصحف الذى تم جمعه أيام أبى بكر، إذ كان رجال يُمْلُون عليه فيكتب. فلو كانت فى مصحفه تانك السورتان لقد كان يعتقد إذن أنهما قرآن فعلا، فلماذا لم يثر هذه المسألة على أعين الناس حينها وآذانهم؟ ولو كان فعل لكان قد رُوِىَ هذا الذى فعل. أليس كذلك؟ أمّا، ولم يصلنا شىء عن هذا، فمعناه أنه لم يُثِر الأمر وأنه لم يكن يعتقد أن هاتين السورتين من القرآن فعلا، إذ لا يُعْقَل أنه كان يؤمن بأنهما سورتان قرآنيتان ثم يسكت فلا يفاتح إخوانه الصحابة فى مثل ذلك الموضوع الخطير، فإما أقنعهم وإما أقنعوه! وقد ألقى أبو الحسن الأشعرى الضوء على جانب مهم فى تلك المسألة بقوله: "قد رأيت أنا مصحف أَنـَسٍ بالبصرة عند قومٍ من ولدِه، فوجدتُه مساويًا لمصحف الجماعة، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خَطُّ أنـََسٍ وإملاء أُبَيّ بن كعب". أما إيراد بعض علمائنا القدامى لمثل تلك الروايات فإن دلّ على شىء فعلى أنهم كانوا لا يتحرجون فى أمور العلم والبحث، بل كانوا يوردون كل شىء يصلهم، عارفين أن العقل الإسلامى قادر على تمحيصه وإنزاله منزله الصحيح. لقد كانوا فى الواقع أوفياء لمنهج الحياد فكانوا يثبتون كل ما يقع لهم دون خشية، وإن لم نشاطرهم موقفهم ذلك رغم كل شىء.
أما ما كتبه، مشكورا ومأجورا إن شاء الله، أحد القراء الأفاضل تعليقا على هذه الدراسة فى نسختها الأولى فى موقع "ملتقى أهل التفسير" بقوله: "حقيقة أن ما وصل إليه الشيخ الفاضل إبراهيم عوض من أن هاتين السورتين استقر الحال على القنوت بهما في النصف الثاني من رمضان أوافقه عليه لصحة الحديث بذلك عن سيدنا عمر رضي الله عنه كما عند ابن خزيمة. إلا أن ترجيح أنهما ليسا من القرآن فهذا محل نظر، بل الراجح كما ذهب إليه جماعة من العلماء أنهما من القرآن وأنهما مما نُسِخ لفظا وحكما. وكيف يستجيز سيدنا أُبَيٌّ وغيره من الصحابة كتابتهما في المصحف، وهما ليستا من القرآن؟ قال العلامة الشنقيطي (مالكي) في "أضواء البيان": ومثال نسخ الكتاب بالسنة نسخ آية عشر رضعات تلاوة وحكما بالسنة المتواترة، ونسخ سورة "الخلع" وسورة "الحفد" تلاوة وحكمًا بالسنة المتواترة. وسورة "الخلع" وسورة "الحفد" هما القنوت في الصبح عند المالكية. وقد أوضح صاحب "الدر المنثور" وغيره تحقيق أنهما كانتا سورتين من كتاب الله ثم نُسِخَتا. اهـ. وقال الشيخ أحمد الطحاوي حنفي في حاشيته على "مراقي الفلاح": ذكر السيوطي أن دعاء القنوت من جملة الذي أنزله الله على النبي صلى الله عليه وسلم، وكانا سورتين، كلّ سورة ببسملة وفواصل، إحداهما تسمى: سورة "الخلع"، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك.. إلى قوله: من يكفرك، والأخرى تسمى: سورة "الحفد"، وهي بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد... إلى: ملحق. وقد اختلفت الصحابة في نسخهما، وكتبهما أُبَيٌّ في مصحفه، فعِدّة سور القرآن عنده مائة وست عشرة سورة. اهـ. وقال الشيخ زكريا الأنصاري ( شافعي) في "البهجة الوردية": وَرَأَيْتُ فِي رِسَالَةِ الإِمَامِ السُّيُوطِيّ أَنَّهُ كَانَ سُورَتَيْنِ أَنْزَلَهُمَا اللَّهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِبَسْمَلَةٍ: تَنْتَهِي الأُولَى الْمُسَمَّاةُ: سُورَةَ "الْخُلْعِ" بِــ"يَفْجُرُكَ"، وَمَبْدَأُ الثَّانِيَةِ الْمُسَمَّاةِ: سُورَةَ "الْحَفْدِ": "إيَّاكَ". ثُمَّ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِمَا هَلْ نُسِخَا أَمْ لا حَتَّى كَتَبَهُمَا بَعْضُهُمْ فِي مُصْحَفٍ فَجَعَلَ عَدَدَ السُّوَرِ مِائَةً وَسِتَّةَ عَشَرَ سُورَةً. اهـ"، والله أعلم"، فرغم سعادتى به لدلالته على اهتمام القراء بالمسألة المطروحة فى تلك الدراسة ذلك الاهتمام العلمى الراقى وكذلك لنجاحه فى تحريك عقلى، فهو غير مقنع للأسباب التالية:
فأولا: كيف يقال إن السورتين قد نُسِخَتا لفظا، وهما ما زالتا موجودتين بألفاظهما؟ إن هذا كمن يقول: "سعيد غائبٌ حاضرٌ"، أو "حىٌّ ميتٌ" مثلا، وهو ما لا يجوز فى شرعة العقل. ثم ما معنى أنهما نُسِخَتا حكما؟ إنهما لا تتعرضان لمسألة تشريعية حتى يمكن أن يقال إن الحكم التشريعى الذى كان فيهما قد تغير. ومعروف أنه لا نسخ فى مسائل الاعتقادات والتاريخ، ويلحق بهما الأدعية، والسورتان منها. وعلى أية حال فما زلنا ندعو بالسورتين ولم يقل أحد إن الدعاء بهما أصبح لاغيا، فما القول إذن؟ وثانيا: كيف يقال إنهما قد نسختا، ومع ذلك يستمر أُبَىٌّ فى إثباتهما بمصحفه؟ والعجيب أن يستدل بعض العلماء على قرآنيتهما من وجودهما فى مصحف ذلك الصحابى الكريم، وكان الأحرى أن يتعجبوا من بقائهما فيه رغم ذلك بدلا من استدلالهم بهذا البقاء على أنهما من القرآن! وثالثا: هل من المعقول أن تُنْسَخ السورتان ولا يدور بين الصحابة أخذ ورد حول إبقاء أُبَىٍّ عليهما فى نسخته، بل يمرّ الأمر مرور الكرام، وكأن أمرهما من الهوان بمكان؟ ألا إن ذلك لأمرٌ غريبٌ وبعيدٌ جِدُّ بعيدٍ! ورابعا: إذا كان هذان النصان فى البداية قرآنا، فيا ترى ما حكمهما الآن؟ ألا يزالان قرآنا؟ إذن فهما لم يُنْسَخا؟ أم لم يعودا قرآنا؟ فكيف ننظر إليهما الآن إذن من ناحية الإعجاز مثلا؟ أما فتئا معجزين رغم زوال قرآنيتهما عنهما؟ كيف، ولا مُعْجِز من الكلام إلا القرآن؟ أم نقول إنهما قد زالت عنهما تلك الإعجازية؟ فكيف؟ نعم كيف يسع المسلمَ الزعمُ بأن كلام الله قد تحول وزالت عنه طبيعته التى كانت له؟ أم نقول إنهما لم يبقيا كلاما من كلام الله؟ ألا إن ذلك لخطيرٌ جِدُّ خطيرٍ! وخامسا: فإن الرد على التساؤل الهام الذى طرحه المعلق الكريم قائلا: كيف يستجيز سيدنا أبي وغيره من الصحابة كتابتهما في المصحف، وهما ليستا من القرآن؟ هو تساؤل لا يقل بل يزيد عنه أهمية، ألا وهو: وكيف يستجيز سائر الصحابة عدم إثباتهما فى مصاحفهم وهما من القرآن؟ وبهذا نعود إلى ما قلتُه آنفا من أنه ليس من المقبول منطقا ولا عقلا ولا شرعا أن نأخذ برأى سيدنا أُبَىّ بن كعب وحده ونهمل آراء سادتنا الصحابة أجمعين، وعلى رأسهم اللجنتان اللتان كُلِّفَتا فى عهد أبى بكر وعثمان بجمع القرآن! وهذا لو كان ثمة وجه لتلك الرواية القائلة بأن أبيا كان يثبتهما فى مصحفه، وهو ما قلت إننى غير مقتنع به.

وهذا هو السبب فى أن السيوطى رحمه الله قد أورد فى تفسيره المسمَّى: "الدر المنثور فى التفسير بالمأثور" النصوص التالية التى نقلها أصحاب الموقع الأبله مثلهم متصورين أنهم أَتَوْا بالذئب من ذيله، فإذا بهم أصحاب ذيول، بل إذا هم أنفسهم الذيول بعينها. قال رحمه الله: "قال ابن الضريس في فضائله‏:‏ أخبرنا موسى بن إسماعيل، أنبانا حماد قال‏:‏ قرأنا في مصحف أبي بن كعب‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. قال حماد‏:‏ هذه الآن سورة، وأحسبه قال‏:‏ "اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نخشى عذابك، ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق". وأخرج ابن الضريس عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه قال‏:‏ "صليت خلف عمر بن الخطاب فلما فرغ من السورة الثانية قال‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير كله، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق‏".‏ وفي مصحف ابن عباس قراءة أبي وأبي موسى‏:‏ "بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك‏".‏ وفي مصحف حجر‏:‏ "اللهم إنا نستعينك"، وفي مصحف ابن عباس قراءة أبي وأبي موسى‏:‏ "اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نخشى عذابك ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق‏".
وأخرج أبو الحسن القطان في المطولات عن أبان بن أبي عياش قال‏:‏ "سألت أنس بن مالك عن الكلام في القنوت فقال‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونؤمن بك ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد، إن عذابك بالكفار ملحق‏".‏ قال أنس‏:‏ والله إن أُنْزِلَتا إلا من السماء"‏.‏
وأخرج محمد بن نصر والطحاوي عن ابن عباس: "إن عمر بن الخطاب كان يقنت بالسورتين‏:‏ اللهم إياك نعبد، واللهم إنا نستعينك".‏ وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبزي قال‏:‏ "قنت عمر رضي الله عنه بالسورتين‏".‏ وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر قنت بهاتين السورتين: "الله إنا نستعينك" و"اللهم إياك نعبد‏".‏ وأخرج البَيْهَقيّ عن خالد بن أبي عمران قال‏:‏ "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن اسكت فسكت، فقال: يا محمد، إن الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا، وإنما بعثك رحمة للعالمين، ولم يبعثك عذابا. ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوبَ عليهم أو يعذّبَهم فإنهم ظالمون. ثم علمه هذا القنوت‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك ونخضع لك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، إليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق‏".‏
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ومحمد بن نصر والبيهقي في سننه عن عبيد بن عمير أن "عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، ولك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق‏".‏ وزعم عبيد أنه بلغه أنهما سورتان من القرآن في مصحف ابن مسعود‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الملك بن سويد الكاهلي أن "عليا قنت في الفجر بهاتين السورتين‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك‏.‏ اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق‏". وأخرج ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر عن ميمون بن مهران قال‏:‏ "في قراءة أُبَيّ بن كعب‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق.
وأخرج محمد بن نصر عن ابن إسحق قال‏:‏ "قرأت في مصحف أبي بن كعب بالكتاب الأول العتيق‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم ‏‏قل هو الله أحد‏ إلى آخرها. بسم الله الرحمن الرحيم ‏قل أعوذ برب الفلق‏ إلى آخرها. بسم الله الرحمن الرحيم ‏قل أعوذ برب الناس‏ إلى آخرها. بسم الله الرحمن الرحيم‏،‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك‏.‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق. بسم الله الرحمن الرحيم‏:،‏ اللهم لا تنزع ما تعطي، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك وغفرانك وحنانيك إله الحق"‏.‏ وأخرج محمد بن نصر عن يزيد بن أبي حبيب قال‏:‏ "بعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن رزين الغافقي فقال له‏:‏ والله إني لأراك جافيا، ما أراك تقرأ القرآن‏؟‏ قال‏:‏ بلى، والله إني لأقرأ القرآن، وأقرأ منه ما لا تقرأ به‏.‏ فقال له عبد العزيز‏:‏ وما الذي لا أقرأ به من القرآن‏؟‏ قال‏:‏ القنوت‏.‏ حدثني علي بن أبي طالب أنه من القرآن"‏.‏ وأخرج محمد بن نصر عن عطاء بن السائب قال‏:‏ "كان أبو عبد الرحمن يقرئنا‏:‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع ونترك من يَفْجُرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجِدّ، إن عذابك بالكفار مُلْحَق‏".‏ وزعم أبو عبد الرحمن أن "ابن مسعود كان يقرئهم إياها، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم إياها‏".‏ وأخرج محمد بن نصر عن الشعبي قال‏:‏ "قرأت، أو حدثني من قرأ في بعض مصاحف أبي بن كعب هاتين السورتين‏:‏ اللهم إنا نستعينك‏ والأخرى، بينهما بسم الله الرحمن الرحيم، قبلهما سورتان من المفصَّل، وبعدهما سُوَرٌ من المفصَّل‏".‏ وأخرج محمد بن نصر عن سفيان قال‏:‏ "كانوا يستحبون أن يجعلوا في قنوت الوتر هاتين السورتين‏:‏ اللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد".‏ وأخرج محمد بن نصر عن إبراهيم قال‏:‏ "يقرأ في الوتر السورتين: اللهم إياك نعبد، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك". وأخرج محمد بن نصر عن خصيف قال‏:‏ "سألت عطاء بن أبي رباح: أي شيء أقول في القنوت. قال‏:‏ هاتين السورتين اللتين في قراءة أبي‏:‏ اللهم إنا نستعينك واللهم إياك نعبد"‏.‏ وأخرج محمد بن نصر عن الحسن قال‏:‏ "نبدأ في القنوت بالسورتين، ثم ندعو على الكفار، ثم ندعو للمؤمنين والمؤمنات‏".
واضح أن النصين لا يخرجان عن أن يكونا قنوتا كان عمر أو علىّ يقنت به بعد القيام من الركوع، أو عقب الانتهاء من قراءة السورة التى بعد الفاتحة وقبل أن يركع. ومعروف أن المسلمين لا يقنتون فى صلاتهم بالقرآن! وحتى لو ضَرَبْنا عن كل ما سبق صَفْحًا وقلنا إن الرواية صحيحة وإن أُبَيًّا كان رغم ذلك يعتقد أن هذين النصين سورتان قرآنيتان فعلا على عكس ما كان الصحابة جميعا يؤمنون، فإن هذا لا يعدو أن يكون اجتهادا منه لا يُلْزِم غيره، ومن ثم لا يمكن أن نأخذ بما لديه ونهمل موقف الصحابة على بَكْرَة أبيهم، إذ ليس هذا من المنهج العلمى ولا المنطق العقلى فى شىء.
وقد قرأت فى "المصنَّف" لابن أبى شيبة تحت عنوان "مَا يَدْعُو بِهِ فِي قُنُوتِ الْفَجْرَِ" ما يلى: "حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْغَدَاةَ فَقَالَ فِي قُنُوتِهِ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ وَلا نَكْفُرُك، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، وَنَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك بِالْكُفَّارِ مُلْحِق. 2- حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زِرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ عُمَرَ فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ. 3- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سُوَيْد الْكَاهِلِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَنَتَ فِي الْفَجْرِ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ وَلا نَكْفُرُك، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ. 4- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُثْنِي عَلَيْك وَلا نَكْفُرُك، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى ونَحْفِد، وَنَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك بِالْكُفَّارِ مُلْحِق. 5- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنُؤْمِنُ بِك وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك، وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ وَلا نَكْفُرُك. ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ. اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِك. 6- َدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ قَالَ: صَلَّيْت الْغَدَاةَ ذَاتَ يَوْمٍ وَصَلَّى خَلْفِي عُثْمَانُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: فَقَنَتُّ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ قَالَ: فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلاتِي قَالَ لِي: مَا قُلْتَ فِي قُنُوتِك؟ قَالَ: فَقُلْتُ: ذَكَرْتُ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ وَلا نَكْفُرُك، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك. إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ. فَقَالَ عُثْمَانُ: كَذَا كَانَ يَصْنَعُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّان".
كما قرأت فى كتاب "التدوين فى أخبار قزوين" للإمام الرافعى أن هذين النصين قنوت من القنوت: "محمد بن أحمد بن جابارة أبو سليمان الجاباري القزويني سمع أبا طلحة الخطيب في "الطوالات" لأبي الحسن القطان بسماع الخطيب منه: أنبا أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة: ثنا يزيد بن هارون: أنبا أبان بن أبي عياش قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الكلام في القنوت، فقال: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق. اللهم عذب الكفرة، وألق في قلوبهم الرعب، وخالف بين كلمتهم، وأنزل عليهم رِجْزَك وعذابك. اللهم عذب الكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذّبون رسلك ويجحدون بآياتك، ويجعلون معك إلهًا لا إله غيرك. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأصلحهم واستصلحهم وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وثبّتْهم على ملة رسولك، وأَوْزِعْهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم، وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوهم وعدوك إله الحق. قال أنس: والله إِنْ أُنْزِلَتا إلا من السماء".
وفى الإصدار العاشر من "تيسير الوصول إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم" فى موقع "الدرر السنية" بحثت أيضا عن هذين النصين فوجدت أنهما، كما قلت وكما جاء فى الكتابين السابقين، لا يزيدان عن أن يكونا قنوتا. وهذه هى الأحاديث التى عثرت عليها فى هذا الصدد: "أن عمر رضي الله عنه قنت بعد الركوع فقال: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن كفرة أهل الكتاب، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، ولك نسعى ونحفد، ونخشى عذابك الجد، ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكافرين ملحق" (الراوي: عبيد بن عمير. خلاصة الدرجة: صحيح موصول. المحدث: البيهقي. المصدر: السنن الكبرى).
"أن عمر رضي الله عنه قنت بعد الركوع فقال: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن كفرة أهل الكتاب، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد. نخشى عذابك الجد، ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق" (الراوي: عبيد بن عمير الثقفي. خلاصة الدرجة: روي بعضه مرفوعا وهو مرسل. المحدث: ابن الملقن. المصدر: البدر المنير).
"أن عمر قنت بعد الركوع فقال: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، ولك نسعى ونحفد. نخشى عذابك الجد ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق" (الراوي: عبيد بن عمير الثقفي. خلاصة الدرجة: صحيح أو حسن روي بعضه مرفوعا مرسلا. المحدث: ابن الملقن. المصدر: تحفة المحتاج).
"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قنت بعد الركوع فقال: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن الكفرة كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل بهم الأرض، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق" (الراوي: عبيد بن عمير الثقفي. خلاصة الدرجة: موقوف صحيح. المحدث: ابن حجر العسقلاني. المصدر: نتائج الأفكار).
"أنه صلى خلف عمر فقنت فيها بعد الركوع وقال في قنوته: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق. إلا أن الخزاعي قال: ونثني عليك ولا نكفرك، ونخشى عذابك الجد" (الراوي: عبدالرحمن بن أبزى. خلاصة الدرجة: إسناده صحيح من الطريق الأولى، والأخرى فيها ابن أبي ليلى سيء الحفظ. المحدث: الألباني. المصدر: إرواء الغليل)
والآن نأتى إلى التحليل الأسلوبى رغم أن المسألة لا تستلزم مثل هذا التحليل، فالمنطق واتجاه الأحداث وتحليل الروايات يكفى تماما فى الحكم باستبعاد انتماء هذين النصين للقرآن المجيد دون نقض أو إبرام: وأول شىء نقوله فى هذا الصدد هو أن كلمة "اللهم" التى افْتُتِحت بها السورة الأولى المزعومة قد وردت فى القرآن خمس مرات لم تأت أى منها فى بداية أية سورة بتاتا.
ثانى شىء: لم يحدث أن ابتدأت أية سورة قرآنية بمناداة الله، وإنما بمناداة البشر: "يا أيها الناس"، "يا أيها الذين آمنوا"، "يا أيها المـُزَّمِّل"، "يا أيها المــُدَّثِّر".
ثالث شىء: لم تأت كلمة "اللهم" فى أية سورة إلا وسبقتها كلمة تدل على "القول" لفظا أو معنى. وهذه هى المرات الخمس المذكورة نسوقها أمام القارئ ليكون على بينة خالصة مما نقول واطمئنان تام إليه:
"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (آل عمران/ 26).
"قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ" (المائدة/ 114).
"وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (الأنفال/ 32).
"دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (يونس/ 10).
"قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" (الزمر/ 46).
رابع شىء: لم يرد بعد النداء بكلمة "اللهم" فى القرآن أى ضمير، فضلا عن أن يكون هذا الضمير منفصلا كـ"إياك" (كما فى السورة الأولى المزعومة: "اللهم إياك نعبد") أو "إنّ" الناسخة (كما فى السورة المزعومة الأخرى: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك").
خامسا: لا يوجد فى القرآن كله الفعل: "نُصَلِّى" أبدا، بل الذى فيه هو "صَلَّى"، "تُصَلِّ"، "يُصَلّوا"، "يُصَلّون"، "يُصَلِّى"، "صَلِّ"، "صَلُّوا".
سادسا: لم يحدث فى القرآن أن تَقَدَّم حرفُ الجر على الفعل الدال على الصلاة كما فى سورة "الحفد"، بل المشاهد أنه إذا كان هناك حرف جر فإنه يأتى بعد الفعل، أو تُذْكَر الصلاة مطلقة دون حرف جر أصلا. وهذه هى الشواهد القرآنية:
"فلا صدَّق ولا صلَّى* ولكنْ كذَّبَ وتولَّى" (القيامة/ 31- 32).
"وذَكَر اسْمَ ربِّه فصلَّى" (الأعلى/ 15).
"أرأيتَ الذى يَنْهَى* عبدًا إذا صلَّى" (العلق/ 9- 10).
"ولا تصلِّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره" (التوبة/ 84).
"ولْتَأْتِ طائفةٌ أخرى لم يُصَلُّوا فلْيُصَلُّوا معك" (النساء/ 102).
"إن الله وملائكته يُصَلُّون على النبىّ يا أيها الذين آمنوا صَلُّوا عليه وسَلِّموا تسليما" (الأحزاب/ 56).
"هو الذى يُصَلِّى عليكم وملائكتُه ليُخْرِجَكم من النور إلى الظلمات" (الأحزاب/ 43).
"خذ من أموالهم صدقةً تطهِّرهم وتزكِّيهم بها وصَلِّ عليهم" (التوبة/ 103).
"إنّا أعطيناك الكَوْثَر* فصَلِّ لربك وانْحَرْ" (الكوثر/ 1- 2).
سابعا: ليس فى القرآن الفعل "يَسْعَى" أبدا، بل الذى فيه هو "سعى"، "سَعَوْا"، "تَسْعَى"، "تَسْعَوْن"، "يَسْعَوْن". وشواهد ما نقول موجودة فى المواضع التالية: البقرة/ 114، 205، والإسراء/ 19، والنجم/ 39، والنازعات/ 35، والحج/ 51، وسبأ/ 5، وطه/ 15، 20، 66، والقصص/ 20، ويس/ 20، والحديد/ 12، والتحريم/ 8، والنازعات/ 22، وعبس/ 8، والمائدة/ 33، 64، وسبأ/ 38، والجمعة/ 6.
ثامنا: ليس ذلك فقط، بل إن الفعل "سعى" فى القرآن لم يأت فى أى زمن أو فى أية صيغة مسبوقا بحرف جر ومجروره كما هو الحال هنا: "وإليك نسعى ونحفد". كما أن حرف الجر الغالب مجيئه معه هو "فى"، وليس "إلى" كما فى السورة الموهومة التى بين أيدينا.
تاسعا: ثم إنه فى المرة اليتيمة التى جاء بعده الحرف: "إلى" لم يدخل هذا الحرف على اسم الله أو ضميره، بل على كلمة "الذكر": "فاسْعَوْا إلى ذِكْر الله وذَرُوا البيع" (الجمعة/ 9). وكما تلاحظ فالفعل هنا فعلُ أمرٍ لا مضارعٌ كما هو فى الجملة التى معنا.
عاشرا: وفوق ذلك فالسعى فى القرآن غالبا ما يكون فى الخراب والفساد والمعاجزة كما فى البقرة/ 114، 205، والمائدة/ 33، 64، والحج/ 51، وسبإ/ 5، 38 على سبيل القول الصريح، وكما فى الكهف/ 104، والنازعات/ 22 على سبيل التضمين، أما فى الخير فأقل من ذلك، كما أن ذكر الخير فى معظم الأحيان ضمنى لا صريح.
حادى عشر: ولو ذهبت تفتش فى القرآن من أوله إلى آخره فلن تعثر على الفعل "يحفد" فى أى زمن من الأزمان أو أية صيغة من الصيغ. بل لا وجود لمادة "ح ف د" فيه على الإطلاق، اللهم إلا كلمة "حَفَدَة" (النحل/ 72)، وهم أبناء الأبناء، وهذا شىء مختلف عما نحن فيه، ومعناه الإسراع. أى أن مجىء ذلك الفعل فى سورة "الحَفْد" المدَّعاة هو أمر شاذ كسائر ما يتعلق بتلك السورة حسبما تبيِّن هذه الدراسة.
ثانى عشر: رغم ورود الفعل "رجا- يرجو" فى القرآن 22 مرة، فإنه لم يأت قط مضارعا مسندا إلى ضمير المتكلمين: "نرجو" كما هو الحال هنا. والشواهد متاحة لمن يريد فى المواضع التالية: القصص/ 86، والنساء/ 104، ونوح/ 13، والإسراء/ 28، والكهف/ 110، والعنكبوت/ 5، والأحزاب/ 21، والزمر/ 9، والممتحنة/ 6، والبقرة/ 218، والنساء/ 104، ويونس/ 7، 11، 15، والإسراء/ 57، والنور/ 60، والفرقان/ 21، 40، وفاطر/ 29، والجاثية/ 14، والنبأ/ 27، والعنكبوت/ 36.
ثالث عشر: لم تقع كلمة "رحمتك" فى المرات الثلاث التى تكررت فيها فى القرآن مفعولا به مباشرا قط كما هو وَضْعها فى سورة "الحفد"، بل كانت فى كل تلك المرات مجرورة بحرف جر. كما أنها لم تقترن فى أى من تلك المرات بفعل الرجاء على أى وضع من الأوضاع: "قال رب اغفر لى ولأخى وأَدْخِلْنا فى رحمتك" (الأعراف/ 151)، "ونجِّنا برحمتك من القوم الكافرين" (يونس/ 86)، "وأَدْخِلْنى برحمتك فى عبادك الصالحين" (النمل/ 19).
رابع عشر: لم يأت الفعل: "نخشى" فى القرآن سوى مرة واحدة: "يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة" (المائدة/ 52)، والملاحظ أنه إنما أتى على لسان المنافقين المذبذبين لا على لسان المؤمنين الموقنين. كما أنه لم يقع على العذاب، بل على إصابتهم بدائرة، فضلا عن أن المفعول به الذى وقع عليه فى الآية القرآنية كان مصدرا مؤولا بالصريح: "أن تصيبنا دائرة" لا مصدرا صريحا: "عذابك" كما هو الحال فى عبارة ما يسمى بـ"سورة الحفد". وأكثر من ذلك أنه لم يحدث أن وقع الفعل: "خَشِىَ- يخشَى" فى أية صورة منه على "العذاب" فى كتاب الله بتاتا
خامس عشر: مع أن كلمة "عذاب" قد تكررت فى القرآن المجيد بضع مئات من المرات: نكرةً ومعرَّفةً بــ"أل" ومضافةً، فلم يتصادف أن جاءت مضافة إلى "كاف الخطاب" قط كما هو وَضْعها هنا.
سادس عشر: لم يحدث البتة أن اقترن الرجاء والخشية فى كتاب الله كما هو الحال فى قول المبتهلين فى السورة الموهومة التى بين أيدينا: "نرجو رحمتك، ونخشى عذابك".
سابع عشر: لم يأت فى القرآن متعلِّق لخبر "إنّ" أو "أنّ" الداخلة على كلمة "عذاب"، فضلا عن أن يكون سابقا على ذلك الخبر كما هو الحال فى الجملة الأخيرة من السورة الموهومة التى نحن بصددها هنا: "إن عذابك بالكفار ملحق". هذا، وإذا كانت كلمة "عذاب" قد وردت خبرا لــ"إنّ"، و"أنّ" و"لكنّ" فى الشواهد التالية: "ولإن كفرتم إنّ عذابى لَشديد" (إبراهيم/ 7) ، "وأن عذابى هو العذاب الأليم" (الحجر/ 50)، "إن عذاب ربك كان محذورا" (الإسراء/ 57)، "إن عذابها كان غَرَاما" (الفرقان/ 65)، "ذلكم فذُوقُوه وأن للكافرين عذابَ النار" (الأنفال/ 14)، "إنّا قد أُوحِىَ إلينا أن العذاب على من كَذَّب وتولَّى" (طه/ 48)، "ولكن عذاب الله شديد" (الحج/ 2)، "إن عذاب ربك لَواقع" (الطور/ 7)، "إن عذاب ربهم غير مأمون" (المعارج/ 38)، فلن تجد للخبر فى أى منها متعلقا أصلا، فضلا عن أن يكون متعلق الخبر متقدما عليه كما هو الحال هنا.
ثامن عشر: وأما بالنسبة لاسم المفعول "مُلْحَق" الواقع خبرا لــ"إن" فى جملتنا الحالية فلا وجود له فى القرآن فى أى موضع منه. كذلك لم يحدث أن وقع فعل من أفعال "الإلحاق" فى القرآن على العذاب قط، بل على ذرية المؤمنين أو على المؤمنين أو على الشركاء الذين كان الكفار يعبدونهم مع الله، أما على العذاب فلا: "قل أَرُونِىَ الذين أَلْحَقْتم به شركاء" (سبأ/ 27)، "والذين آمنوا واتَّبَعَتْهم ذريتُهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذريتَهم" (الطور/ 21)، "توفَّنى مُسْلِمًا وأَلْحِقْنى بالصالحين" (يوسف/ 101)، "ربِّ هَبْ لى حُكْمًا وأَلْحِقْنى بالصالحين" (الشعراء/ 83).
تاسع عشر: جاء الفعل: "استعان" فى القرآن على كل التصريفات أربع مرات لم يحدث أن خلا مفعوله المتقدم عليه من "باء" الجر: "واستعينوا بالصبر والصلاة" (البقرة/ 45)، "استعينوا بالصبر والصلاة" (البقرة/ 152)، "استعينوا بالله واصبروا" (الأعراف/ 138)، كما لم يحدث أن جاء هذا المفعول ضميرا إلا مرة واحدة تقدم فيها المفعول على الفعل، ومن ثم كان ضميرا منفصلا لا متصلا (هكذا: "إياك نعبد وإياك نستعين")، على عكس الوضع تماما من هذا وذاك فى الجملة الأولى من السورة المزعومة الثانية: (هكذا: "اللهم إنا نستعينك").
عشرين: وكذلك لم يتفق أن اقترنت الاستعانة بالاستغفار فى القرآن قط كما هو الأمر فى الجملة التى نحن أمامها: "نستعينك ونستغفرك".
حاديًا وعشرين: لم يقع أن استعمل الفعل "استغفر" فى كتاب الله الكريم مضارعا مسندا إلى ضمير جماعة المتكلمين بتاتا أو جاء مفعوله "كاف خطاب" قط كما فى الجملة الحالية: "نستغفرك".
ثانيًا وعشرين: برغم ورود كلمة "الحمد" واشتقاقاتها فى القرآن نحو سبعين مرة، فإن كلمة "الثناء" المقتربة منها فى المعنى إلى حد بعيد والمشتق منها الفعل: "نُثْنِى" فى الجملة الثالثة من سورة "الخلع" التى نحن بصددها هنا (وهى: "ونُثْنِى عليك ولا نَكْفُرك")، هذه الكلمة غائبة تماما عن كتاب الله هى وكل مشتقاتها.
ثالثا وعشرين: بالنسبة لجملة "نَكْفُرك" نقول إنه قد ورد الفعل المضارع: "يَكْفُر" فى القرآن الكريم بتصريفات مختلفة ما يقرب من ستين مرة، ومع هذا لم يحدث أن أُسْنِد هذا الفعل إلى ضمير جماعة المتكلمين فى أية مرة منها. كما لم يحدث أن توصَّل ذلك الفعل إلى مفعوله مباشرة دون "باء الجر" كما هو الحال هنا، اللهم إلا مرة واحدة أتى فيها مبنيا للمجهول ووقع على ضمير الغائب لا المخاطب وكان ذلك الضمير عائدا على عمل الإنسان لا على الله سبحانه، وهو ما يختلف فيه مع الجملة التى نحن بصددها اختلافا تاما. وهذا هو الشاهد القرآنى اليتيم: "وما يَفْعَلوا من خير فلن يُكْفَروه" (آل عمران/ 115).
رابعا وعشرين: ليس فى القرآن كله كلمة "خَلْع" التى تدور عليها السورة المدَّعاة وعُنْوِنَتْ بها، بل ليس فيه من ذات المادة إلا فعل الأمر: "اخلع": "فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدَّس طُوًى" (طه/ 12)، وهو خطاب من الله لواحد من البشر هو موسى عليه السلام، وليس خطابا من البشر له عز وجل كما فى الجملة التى يدور الكلام عليها حاليًّا والتى ورد فيها الفعل مضارعًا لا أَمْرًا مع ذلك. كما أن الخلع فى الآية القرآنية حقيقى، بخلافه فى آية السورة المزعومة، إذ معناه فيها مجازى كما هو واضح.
خامسا وعشرين: لم يرد الفعل المضارع: "نترك" فى كتاب الله سوى مرة واحدة وقع فيها مفعوله اسما موصولا غير عاقل عائدا على الأصنام التى يعبدها آباء المتكلمين الكافرين: "قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا" (هود/ 87)، لا اسما موصولا عاقلا عائدا على من يفجر الله سبحانه كما هو الوضع فى الجملة التى بين أيدينا: "ونخلع ونترك من يَفْجُرك".
سادسا وعشرين: على الرغم من مجىء مشتقات مادة "ت ر ك" نيفا وأربعين مرة فى القرآن المجيد لم يحدث أن أتى الاسم الموصول: "من" مفعولا لأى من هذه المشتقات كما هو الوضع فى الجملة التى معنا الآن: "ونترك من يَفْجُرك".
سابعا وعشرين: لا يوجد الفعل: "نَفْجُر" (مضارعا مسندا إلى جماعة المتكلمين وبمعنى "الفُجُور" لا التفجير) فى القرآن المجيد أبدا. كما أن الفعل: "يَفْجُر" (المضارع المسند لضمير الغائب المفرد المذكَّر) الذى ورد فيه مرة واحدة لا غير لم يُذْكَر معه مفعول به، فضلا عن أن يكون المفعول به مفعولا مباشرا: "بل يريد الإنسان ليَفْجُر أمامه" (القيامة/ 5)، بَلْهَ أن يكون ذلك الضمير عائدا على الله جل وعلا كما هو الحال معنا الآن.
والآن يستطيع القراء الكرام أن يَرَوْا معنا بكل وضوح وجلاء أن هذين النصين لا علاقة لهما من قريب أو من بعيد بالقرآن من ناحية الأسلوب والروح أيضا، فبصماتهما اللغوية والذوقية ليست هى بصمات الأسلوب القرآنى كما هو بين، مثلما رَأَوْا قبلاً أنهما لا يمكن أن يكونا من القرآن بحكم المنطق العقلى وبناءً على تحليل الروايات.
 
الشيخ الفاضل د. إبراهيم عوض جزاك الله خيرا على غيرتك على القرآن ، وعلى سعة صدرك ، واسمح لي أن أتوقف معك قليلا حول هذه النقاط :
فرغم سعادتى به لدلالته على اهتمام القراء بالمسألة المطروحة فى تلك الدراسة ذلك الاهتمام العلمى الراقى وكذلك لنجاحه فى تحريك عقلى، فهو غير مقنع للأسباب التالية:
فأولا: كيف يقال إن السورتين قد نُسِخَتا لفظا، وهما ما زالتا موجودتين بألفاظهما؟ إن هذا كمن يقول: "سعيد غائبٌ حاضرٌ"، أو "حىٌّ ميتٌ" مثلا، وهو ما لا يجوز فى شرعة العقل..
الشيخ الفاضل : معنى أنهما منسوختان لفظا أي من العرضة الأخيرة ، ومن كتابتهما في المصحف الإمام دون غيره من المصاحف ، وهذا لا يمنع من بقاء لفظهما محفوظا للقنوت بهما لا الصلاة فلا معارضة والحمد لله .

ثم ما معنى أنهما نُسِخَتا حكما؟ إنهما لا تتعرضان لمسألة تشريعية حتى يمكن أن يقال إن الحكم التشريعى الذى كان فيهما قد تغير. ومعروف أنه لا نسخ فى مسائل الاعتقادات والتاريخ، ويلحق بهما الأدعية، والسورتان منها. وعلى أية حال فما زلنا ندعو بالسورتين ولم يقل أحد إن الدعاء بهما أصبح لاغيا، فما القول إذن؟
الشيخ الفاضل : ومن قال أن الدعاء لا يدخله النسخ مع أنه من باب الإنشاء لا الخبر ، ألم يقنت النبي صلى الله عليه وسلم بلعن فلان وفلان فنزلك : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) ، وهذا خبر مضمن معنى النهي عن هذا الدعاء .

وعلى أية حال فما زلنا ندعو بالسورتين ولم يقل أحد إن الدعاء بهما أصبح لاغيا، فما القول إذن؟

الشيخ الفاضل : وهذا محل اتفاق ، وهو خارج محل النزاع ، ولا يمنع صدق الخبر بنسخهما كقرآن يتلى في الصلاة .

وثانيا: كيف يقال إنهما قد نسختا، ومع ذلك يستمر أُبَىٌّ فى إثباتهما بمصحفه؟ والعجيب أن يستدل بعض العلماء على قرآنيتهما من وجودهما فى مصحف ذلك الصحابى الكريم، وكان الأحرى أن يتعجبوا من بقائهما فيه رغم ذلك بدلا من استدلالهم بهذا البقاء على أنهما من القرآن! وثالثا: هل من المعقول أن تُنْسَخ السورتان ولا يدور بين الصحابة أخذ ورد حول إبقاء أُبَىٍّ عليهما فى نسخته، بل يمرّ الأمر مرور الكرام، وكأن أمرهما من الهوان بمكان؟ ألا إن ذلك لأمرٌ غريبٌ وبعيدٌ جِدُّ بعيدٍ!
الشيخ الفاضل : عدم النقل لا يدل على العدم ، والمثبت مقدم على النافي .
وأماإثبات أبي وابن مسعود وشهادة أنس أنهما مما نزل من السماء وغيرهم إلخ ... فهو وارد في روايات كثيرة ذكرها السيوطي في الدر المنثور في آخره ، وأثبت غيره ممن اهتم بترتيب المصاحف مكانهما في مصاحف أبي وابن مسعود .
وأما السبب في استمرار كتابتهما في مصاحفهما فهذا دليل على أنهما من القرآن ، ولعل النسخ لم يصل إليهما ، ثم استقر الإجماع الذي لا يجوز مخالفته بأنهما نسخا من القرآن .
وابن مسعود كان يرى أن المعوذتين ليستا من القرآن فلم يكتبهما في مصحفه ، ومن الاستدلال بقياس العكس نرى أن أبي وابن مسعود كانا يريان - أي سورتي الحفد والخلع - أنهما من القرآن وإلا لما استجازا كتابتهما في مصحفيهما .


ورابعا: إذا كان هذان النصان فى البداية قرآنا، فيا ترى ما حكمهما الآن؟ ألا يزالان قرآنا؟ إذن فهما لم يُنْسَخا؟ أم لم يعودا قرآنا؟ فكيف ننظر إليهما الآن إذن من ناحية الإعجاز مثلا؟ أما فتئا معجزين رغم زوال قرآنيتهما عنهما؟ كيف، ولا مُعْجِز من الكلام إلا القرآن؟ أم نقول إنهما قد زالت عنهما تلك الإعجازية؟ فكيف؟ نعم كيف يسع المسلمَ الزعمُ بأن كلام الله قد تحول وزالت عنه طبيعته التى كانت له؟ أم نقول إنهما لم يبقيا كلاما من كلام الله؟ ألا إن ذلك لخطيرٌ جِدُّ خطيرٍ!
الشيخ الفاضل :هذا استدلال منك بمحل النزاع ، وأما كلامك السابق عن أنهما ليستا بمعجزتين ، فهذا ليس من تخصصي ، ولست أهلا لمناقشتك فيه ، ولعل فضيلتكم تعيد النظر فيه إن ثبت عندك ما أقول .


وخامسا: فإن الرد على التساؤل الهام الذى طرحه المعلق الكريم قائلا: كيف يستجيز سيدنا أبي وغيره من الصحابة كتابتهما في المصحف، وهما ليستا من القرآن؟ هو تساؤل لا يقل بل يزيد عنه أهمية، ألا وهو: وكيف يستجيز سائر الصحابة عدم إثباتهما فى مصاحفهم وهما من القرآن؟ وبهذا نعود إلى ما قلتُه آنفا من أنه ليس من المقبول منطقا ولا عقلا ولا شرعا أن نأخذ برأى سيدنا أُبَىّ بن كعب وحده ونهمل آراء سادتنا الصحابة أجمعين، وعلى رأسهم اللجنتان اللتان كُلِّفَتا فى عهد أبى بكر وعثمان بجمع القرآن! وهذا لو كان ثمة وجه لتلك الرواية القائلة بأن أبيا كان يثبتهما فى مصحفه، وهو ما قلت إننى غير مقتنع به.
الشيخ الفاضل : السبب واضح وهو عدم علم أبي وابن مسعود بالنسخ وعلم غيرهما به .
الشيخ الفاضل بنظرة عابرة إلى الروايات الواردة في قرآنية هاتين السورتين نرى أنه لم ينفرد سيدنا أبي رضي الله عنه بإثبات قرآنيتهما بل واقفة عدد من الصحابة والتابعين على ذلك - واعترف أنني لم أوثق تلك الروايات ، ولعلي أتفرغ للنظر في أسانيدها فيما بعد - وهم :
أبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس ، وأبو موسى الأشعري ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن مسعود ، وإبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري ، والحسن البصري ، وعطاء بن رباح ، وأبو عبد الرحمن بزعم عطاء بن السائب.

وأخيرا شيخنا الفاضل أرجو ألا يضيق صدرك من هذه المناقشة فإنما أردت الاستزادة والاستفادة من علمكم .
بارك الله فيكم وفي علمكم .
 
سادتي الأفاضل أعتقد أن الواجب علينا قبل كل هذا الأخذ والرد أن نبحث هذه الروايات من حيث الصحة والضعف فإن ثبتت صحتها وخلوها من
الشذوذ والعلل - وهذا مستحيل - تكلمنا فيما يزيل عنها الإشكال.
 
[align=right]
شيخنا العلامة الجليل الفاضل د. إبراهيم عوض
أثابك الله خيرا على غيرتك على القرآن الكريم
وأحب هنا أن أرفد ما تفضلتم به ـ مشكورين ـ
ماجاء ـ بإيجاز ؛ لكن له دلالته المعبرة ، في هذا الموقف ـ
في كتاب :

جمال القراء ، وكمال الإقراء ؛ لعلم الدين السخاويّ ،
المتوفى سنة 643 هـ ، الجزء الأول / 94 ـ 95 ( بتحقيقنا ) :


((ومثل هذا ما حكي عن أبيّ أنه زاد في مصحفه سورتين ، وهي :
إحداهما تسمى سورة الخلع ، وهي :
اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ونؤمن بك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يهجرك .
وتسمى الثانية سورة الحفد ، وهي :
اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، وَنَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى
عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك بِالْكُفَّارِ مُلْحِق .
فهذا أيضا مما أجمع المسلمون على خلافه )) .

وانظر أيضا نكت الانتصار ؛ للباقلاني 79 ـ 81
[/align]
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،

جزى الله الدكتور إبراهيم عوض خيرًا عن هذا البحث المفيد ، والواقع أن القول بكون الحفد والخلع مما نسخ لفظه إنما هو قول لبعض أهل العلم وليس لهم كلهم ، بل قول غالبيتهم بخلافه والله أعلم .

والواضح أنه اجتهاد لم تقم عليه حجة قاطعة ، بل لابد من حجة وبينة حتى يصح القول بهذا ؛ فنحن لا نقول في كتاب الله بغير علم ، ولا نثبت قرآنية أي نص - ولو كان منسوخًا - إلا بدليل صحيح .

ثم إنه من المعلوم أن الصحابة كانوا يكتبون في مصاحفهم ما ليس بقرآن من دعاء وتفسير وغيرهما ، وهم يعلمون أنه ليس بقرآن ، ولكن ندرة أدوات الكتابة وكونهم يكتبون هذه المصاحف لأنفسهم هوّن عليهم ذلك ، لأنهم أمنوا من اللبس واشتباه القرآن بغيره .
 
الذي يدعي أن تلك السورتين كانتا من القرآن، فليأت بإسناد صحيح يثبت ذلك

أما مجرد نقل إسناد بغير تحقيق أو نقل عن متأخر مثل السيوطي فلا يغني هذا شيئا
 
ومن قال أن الدعاء لا يدخله النسخ مع أنه من باب الإنشاء لا الخبر ، ألم يقنت النبي صلى الله عليه وسلم بلعن فلان وفلان فنزلك : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) ، وهذا خبر مضمن معنى النهي عن هذا الدعاء.

المثال فيه نظر؛ لأن لفظ الدعاء المنهي عنه لم يثبت أنه موحىً به أصلاً حتى يجوز القول بالنسخ فيه.

وهذا مع القول بالنهي عن هذا الدعاء وإلا فقد قال القرطبي في تفسيره لآية (آل عمران 128): زعم بعض الكوفيين أن هذه الآية ناسخة للقنوت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ... قال القرطبي: وليس هذا موضع نسخ، وإنما نبه الله تعالى نبيه على أن الأمر ليس إليه، وأنه لا يعلم من الغيب شيئا إلا ما أعلمه، وأن الأمر كله لله يتوب على من يشاء ويعجل العقوبة لمن يشاء، والتقدير: ليس لك من الأمر شيء ولله مافي السموات وما في الأرض دونك ودونهم يغفر لمن يشاء ويتوب على من يشاء، فلا نسخ، والله أعلم. اهـ.

ولكن -بعيدًا عن المثال المضروب- قد يقال: علة منع نسخ الأخبار هي أنه يئول إلى تكذيب الخبر المنسوخ، فهل هذه العلة حاصلة في نسخ الأدعية ؟ نحتاج إلى مشاركة أساتذتنا الكرام.
 
الواجب علينا قبل كل هذا الأخذ والرد أن نبحث هذه الروايات من حيث الصحة والضعف

هناك بحث للأستاذ الكريم أبي يعلى البيضاوي باسم (تحفة الوفد بما ورد في سورتي الخلع والحفد) على هذا الرابط:
http://saaid.net/book/open.php?cat=3&book=1753
وهو في المكتبة الشاملة آخر إصدار (7 جيجا) تحت اسم (اتحاف الوفد)

وفي المكتبة الشاملة أيضًا بحث في:
مجلة جامعة أم القرى - (ج 12 / ص 319)
الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر - رواية ودراية
د. محمد بن عمر بن سالم بازمول
الأستاذ المشارك بقسم الكتاب والسنة - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
 
قال القاضي أبو بكر ابن الطيب الباقلاني (ت403هـ) في كتابه (الانتصار للقرآن 1/267):

باب القول في بيان حكم كلام القنوت، وما رُوي عن (أُبيّ) من الخلاف في ذلك ...

حكى الشبهة رحمه الله ثم قال:

يقال لهم: الذي عندنا في هذا أن دعاء القنوت ليس من القرآن بسبيل، ولأنه لو كان من القرآن لكان بيان النبي صلى الله عليه وإيعازه في أمره كبيانه لسائر القرآن، ولكانت الحجة قائمة والعادة جارية بضبطه عنه وحفظه، وتوفر الهمم والدواعي على إظهاره وإشهاره، فإذا لم يكن أمره كذلك بطل بطلانًا بينًا أنه من القرآن.

ولأننا أيضًا قد علمنا قصور نظمه في البلاغة والفصاحة عن رتبة القرآن، وإن كان أفصح وأوجز وأحسن من كثير من كلام العرب، وإنما يعلم ذلك ويتأمله أهل العلم والفصاحة وأهل البيان والبلاغة والمعرفة بنظوم الكلام وأوزانه وموقع معانيه وشرف تأليفه ومعانيه، ومباينته لسائر ما قصر عن بلاغته.

ويدل على ذلك أيضًا ما سنذكره من اتفاق (أُبيّ) وعبد الله وجميع الأمة على تصحيح مصحف عثمان، وأن ما انطوى عليه هو جميع القرآن الثابت الرسم، وأن ما خالفه وزاد عليه فليس بقرآن، والأمة لا تجتمع على خطأ وضلال، وقد ثبت أن (أُبيًّا) عُمِّر إلى زمن جمع عثمان الناس على مصحفه، وأنه كان أحد من حضر ذلك وأشاد به بما سنذكره فيما بعد إن شاء الله، فلعل (أُبيًّا) -إن كان قال ذلك أو كتب الدعاء في مصحفه ورقعه التي كان يثبت فيها القرآن- إنما قاله وأثبته على وجه التوهم والغلط، ثم استدرك ذلك واسترجع لما وجد الأمة دافعة لذلك وراغبة عنه، ولما علم أنها لا تجمع على خطأ وتضييع للحق.

وهذا هو المعتمد، لأن ذلك لو كان قرآنًا على ما ظنه لوجب ظهوره وانتشاره ومعرفة الكافة به، وعُلم أن هذا هو العادة في نقل ما يقتضي أحواله تحرك الدواعي والأسباب على نقله وإذاعته، فكل هذا يدل دلالة قاطعة على أن القنوت ليس من القرآن بسبيل.

وأول ما نقول ما روي عن (أُبيّ) بعد تقريرنا لهذه الدلالة على أن دعاء القنوت ليست من القرآن في شيء أن أحدًا لا يقدر أن يروي عن (أُبيّ) لفظة واحدة في أن دعاء القنوت قرآن منزل، وإنما روى قوم عنه أنه أثبت دعاء القنوت في مصحفه، وإذا لم يقل ذلك تصريحًا ولا حُفظ عليه، ولم يكن إثباته له في مصحفه أو رقعة من مصحفه يدل دلالة قاطعة على أنه يعتقد كونه قرآنًا لما سنبينه فيما بعد، بان بهذه الجملة أنه لا حجة لأحد فيما يروى من إثبات (أُبيّ) لهذا الدعاء.

ثم إذا صرنا إلى القول فيما روي عنه من إثبات هذا الدعاء في مصحفه لم نجده ظاهرًا منتشرًا، ولا مما يلزم قلوبنا العلم بصحته ويلزمنا الإقرار به والقطع على (أُبيّ) بأنه كتب ذلك، بل إنما يُروى ذلك من طرق يسيرة نزرة رواية الآحاد التي لا توجب العلم ولا تقطع العذر.

ولا ينبغي لمسلم عرف فضل (أُبيّ) وعقله وحسن هديه وكثرة علمه ومعرفته بنظم القرآن ووزنه وما هو منه مما ليس من جملته: أن تنسب إليه أنه كتب دعاء القنوت في مصحفه أو اعتقد أنه قرآن ! فإن اعتقاد كونه قرآنًا أبين وأفحش في الغلط من كتابته في المصحف وأن يُقطع على (أُبيّ) الشهادة بذلك من جهة أخبار الآحاد ويُشهد بذلك عليه، ويُشهد به على من دون (أُبيّ) من العلماء المؤمنين، وإذا كان ذلك كذلك وكنا لا نعرف صحة إثباته له بهذه الرواية: فسقط التعلق بها سقوطًا ظاهرًا.

ومما يدل على وهاء هذا الخبر عن (أُبيّ) علمنا بأن عثمان يشدد ويصعب في قبض المصاحف المخالفة لمصحفه، وفي المطالبة بها وتحريقها ودرس آثارها والمنع من العمل على ما فيها، وإذا كان ذلك كذلك كانت العادة توجب أن يكون مصحف (أُبيّ) أول مقبوض ومأخوذ، وأن يكون عثمان تسرع إلى مطالبته وحرصه على قبضه وتحصيله أشد من تسرعه إلى مصحف غيره ممن تنقص رتبته عن منزلته ولا تتعلق القلوب وتتطلع النفوس إلى ما عنده وما في مصحفه، وقد جاءت الرواية عن محمد والطفيل ابني (أُبيّ بن كعب) وأنهما قالا لوفد من أصحاب عبد الله عليهما يطلب مصحف أبيهما، فذكرا أنه قد قبضه عثمان منه، وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن يكون مصحف (أُبيّ) الذي فيه إثبات هذا الدعاء -إن كان ذلك على ما رُوي- مما قد أُخذ وقبض، فكيف بقي حتى رآه الناس ورووا أنه كان عند أنس بن مالك وأنه كان فيه دعاء القنوت ؟!

ويقول بعضهم: هذا لا أصل له، وقد رأينا مصحف أنس الذي ذكر أنه مصحف (أُبيّ) وكان موافقًا لمصاحف الجماعة بغير زيادة ولا نقصان، ولو صح وثبت أنه وجد مصحف ينسب إلى (أُبيّ) فيه دعاء القنوت لوجب أن يُعلم أنه متكذب موضوع قُصد بوضعه لفساد الدين وتفريق كلمة المسلمين والقدح في نقلهم والطعن في مصحفهم الذي هو إمامهم، ولا ينبغي لعاقل أن يقطع الشهادة على (أُبيّ) بأنه أثبت دعاء القنوت في مصحفه واعتقد أنه قرآن بوجود صحيفة ذلك فيها يُذكر أنه مصحف (أُبيّ) من وجه لا يوجب العلم ولا يقطع العذر ولا يحل في الظهور والانتشار محل ما من شأنه أن يظهر عن مثل (أُبيّ) ويكثر الخوض فيه والرواية له.

وكذلك فلا يجب أن تقطع الشهادة بذلك برؤية صحيفة هذه سبيلها على من هو دون (أُبيّ) من المؤمنين، وأن الوضع والكذب والتلفيق قد يُرسم في المصحف ويُنسب إلى أهل الفضل لقصد ما ذكرناه، وإنما يجب أن يُقطع على أن الكتاب والمصنف كتاب الرجل وتأليفه وثبتت الشهادة عليه بذلك بالأخبار المتظاهرة المستفيضة الموجبة للعلم دون وجود الكتاب فقط، وبمثل هذه الأخبار أثبتنا مصحف عثمان وأنه جمعه، وبمثلها علمنا أن (موطأ مالك) و(رسالة الشافعي) و(مختصر المُزني) و(العين للخليل) و(المقتضب للمبرد) من تصنيف [من] ينسب إليه من العلماء، لا بوجود الكتب والصحف فقط التي لا تبين عن نفسها ولا تخبر عن صحتها وبطلانها، فإذا كان ذلك كذلك لم يكن في وجودنا أية نسخة أو بأية نسخة فيها دعاء القنوت منسوبة إلى (أُبيّ) ما يوجب القطع عليه بذلك والعلم بأنه من جمعه وإثباته، فبان أنه لا تعلق لهم في هذه الآية.

وقد ذكر الناس أن الذي لهج بذكر ذلك على (أُبيّ) وخاض فيه وأشاع ذكره عنه أصحاب عبد الله بن مسعود، وأن الداعي كان لهم إلى ذلك شدة حرصهم وعنايتهم بطلب كل مصحف يخالف مصحف عثمان بما قل أو كثر ليجعلوا ذلك حجة وذريعة إلى تسهيل سبيل مخالفة الناس لمصحف عثمان والعمل به وبغيره من مصحف عبد الله و(أُبيّ) وغيرهما، وكان هذا سبب ذكر الناس لهذه القصة عن (أُبيّ)، فروى بشر بن سعيد عن محمد بن (أُبيّ بن كعب) أنه قال: قدم ناس من أهل العراق إليّ فقالوا: إنا قد أعملنا إليك المطي من العراق، فأخرج لنا مصحف (أُبيّ)، فقلت لهم: قد قبضه عثمان. فقالوا: سبحان الله ! أخرجه إلينا. فقلت: قد قبضه عثمان.

وروى صدقة بن زياد عن أبي نعيم عن الطفيل بن (أُبيّ بن كعب) أنه قال: قدم أربعة نفر من أهل الكوفة بعد وفاة (أُبيّ) في خلافة عثمان فقالوا: إنا قدمنا إليك لتخرج إلينا مصحف أبيك لننظر فيه، فإن أباك كان أعلم الناس بالقرآن. فقلت: قد قبضه عثمان. فقالوا: سبحان الله ! ما لعثمان ولمصحف أبيك ؟ قلت: ما لعثمان ولكن عمر بن الخطاب حرقها.

فهذا ينبئ عن قبض عثمان لمصحف (أُبيّ) على ما قد بيناه من قبل، وعلى ما ذكرناه من شدة حرص أهل العراق وطمعهم في أن يعثروا على مصحف يخالف مصحف عثمان، فقد يجوز إذا كان ذلك كذلك وتحدث متحدث وقال: إني رأيت عند أنس بن مالك أو غيره مصحفًا هو مصحف (أُبيّ) في دعاء القنوت: أن يكثر أصحاب عبد الله ذكر ذلك ويجعلوه حجة في الامتناع من تسليم مصحف عبد الله وغيره من المصاحف الخالفة لمصحف عثمان، لظنهم صدق هذا الراوي وإن لم يكن لذلك أصل، وإذا كان ذلك كذلك بطل التعلق بهذه الرواية الشاذة الموجبة لخلاف ما عليه العادة في شهرة ذلك عن (أُبيّ) وما هو عليه من معرفة القرآن وحسن تلقيه ووجوب علمه ومعرفته بتمييزه من غيره.

على أنه لو صحت الرواية عن (أُبيّ) بإثبات دعاء القنوت في مصحفه من وجه لا يمكن جحده والشك فيه لوجب أن يُحمل ذلك منه على وجه لا يقتضي اعتقاد كونه قرآنًا ومخالفة الجماعة في ذلك، بل على ما يوجب موافقة الأدلة التي قدمنا ذكرها، وهو أن يكون (أُبيّ) لما وجد دعاء القنوت وداوم عليه رسول الله صلى الله عليه وصار سنة متأكدة وبابًا من أبواب الشريعة وعملاً من أعمال الصلاة يجب حفظه والمواظبة عليه: رأى أن يثبته في آخر مصحفه أو تضاعيفه إن كان مصحفه مثبتًا على قدر ما كان من أخذه وحفظه للقرآن على غير ترتيب السور وتاريخ نزوله، لكي لا يذهب عليه كلمة ولا حرف من الدعاء، لا على أنه قرآن منزل ومما قد قامت الحجة به، فهذا غير ممتنع ولا مدفوع.

ويمكن أيضًا أن يكون لم يثبت دعاء القنوت في مصحفه، ولكن في صحيفة أو ورقة كان فيها كلام أراد نقله وضمه إلى المصحف، وكما يتفق للناس مثل ذلك عند الحاجة إلى التعليق والضبط، فلما حُملت الصحف والرقاع إلى أبي بكر الصديق رضوان الله عليه ليجمع ما فيها ويضمه ويجعله إمامًا وجد دعاء القنوت في بعض ما كان عند (أُبيّ)، ثم درس ذكر ذلك والخوض فيه والسؤال (لأُبيّ) عنه لعلمه بارتفاع الشبهة عنه في أنه دعاء ليس بقرآن، فلما تمادى الزمان وجمع عثمان الناس على مصحفه وحرقه جدد ذكره لذلك مجددًا وأعاده وأبداه ليجعل ذلك ذريعة إلى مخالفة عثمان وتسهيل سبيل القرآن غير ما في مصحفه وظهوره ...

قال: وقد زعم قوم أنه لا يمتنع أن يكون دعاء القنوت كان قرآنًا فنسخ أو أزيل فرض كتابته وتلاوته مع القرآن لما فيه من فصاحة النظم وجزالته ومناسبته ومقاربته لنظم القرآن، وإن كان هذا هكذا فإثبات (أُبيّ) له كإثبات قوم غيره لأشياء نسخت بعد أن أنزلت، وإنما لم يجب أن يسيغ نقل دعاء القنوت ما يظهر على هذا الجواب كظهور نقل غيره مما يثبت، لأجل أنه لما نسخ انصرفت الهمم والدواعي عن نقله وإحاطته إلا في موضع الدعاء به فقط، كما انصرفت هممهم عن نقل كثير مما نسخ رسمه وتلاوته، ففي هذا نظر ! أعني قولهم إنه معجز، لأن نظمه مباين لنظم القرآن وغير خارج عن وزن كلام العرب، ولكن يحتاج ذلك إلى لطيف فكر وتدبر ونقل وتأمل ...

ثم حكى رحمه الله قولاً آخر ورفضه، ثم قال:

فوجب أنه لا معنى لهذا القول ولا الذي قبله، ووجب أن يُحمل أمر (أُبيّ) في ذلك -إن صح الخبر عنه- على بعض ما قدمناه. وإن لم يصح فقد كُفينا مؤنة تطلب تأويل له. وهذا هو الثابت، أعني بطلان هذه الرواية عنه وتكذبها، وليس يُروى ذلك إلا عن ابن سيرين وآخر معه، أنهم قد وجدوا مصحفًا عند أنس ذكر أنه مصحف (أُبيّ)، فيه دعاء القنوت، ومثل هذا لا يثبت فيه على (أُبيّ) إدخال شيء في القرآن ليس منه.

وروى بعض المعتزلة القدرية عن عمرو بن عبيد أنه قال: رأيت مصحفًا كان لأنس بن مالك قرأه على (أُبيّ بن كعب)، فكان فيه دعاء القنوت.

وهذا أوهى وأضعف وأولى بالرد من الأول. قال أبو الحسن عليُ بن إسماعيل الأشعري: وقد رأيت أنا مصحف أنس بالبصرة عند بعض ولد أنس، فوجدته مساويًا لمصحف الجماعة لا يغادر منه شيئًا. وكان يُروى عن ولد أنس عن أنس أنه خط أنس وإملاء (أُبيّ).

وإذا كان ذلك كذلك وجب أن يكون ما رواه من ذلك باطلاً لما ذكرناه من العادة في بيان القرآن وقلة شهرة ذلك عن (أُبيّ)، ومعارضة الأخبار الثابتة لهذه الرواية بأن مصحف أنس كان موافقًا له، وشهادة الطفيل ومحمد ابني (أُبيّ) أن عثمان قبض مصحف (أُبيّ)، فوجب بهذه الجملة وضوح سقوط التعلل بهذه الرواية والاستناد في الطعن في نقل القرآن وإبطال شهرة بيانه وظهور نقله وحفظ الأمة لجميعه إلى مثلها والاعتماد عليها.

انتهى كلام الباقلاني رحمه الله.

(الانتصار للقرآن، للباقلاني، تحقيق محمد عصام القضاة، دار الفتح بالأردن ودار ابن حزم ببيروت، ط 1، 1422هـ/2001م)

وخلاصة كلامه رحمه الله:

أولاً: دعاء القنوت ليس من القرآن:
1 - لأنه لو كان من القرآن لتوافرت الهمم والدواعي على حفظه وإشاعته، ولتواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام كتواتر باقي القرآن عنه.
2 - لأن نظمه قاصر في البلاغة والفصاحة عن رتبة القرآن.

ثانيًا: روايات وجود الدعاء في مصحف (أُبيّ) -رضي الله عنه-:
1 - ليس لهذه الروايات سند ثابت يوجب العلم.
2 - غاية ما في الروايات أن (أبيًّا) أثبت دعاء القنوت في مصحفه، ولا يلزم من ذلك أنه قرآن منزل، ولا أنه -رضي الله عنه- عده كذلك.
3 - يبطل الروايةَ الثابتُ المشهور عن (أُبيّ) -وجميع الأمة- على تصحيح مصحف عثمان رضي الله عنه. بل كان (أُبيّ) -رضي الله عنه- مثنيًا على ما جمعه للناس على مصحفه.
4 - الثابت من كثرة علم (أُبيّ) ومعرفته بالقرآن ونظمه يبطل أن يكون -رضي الله عنه- قد اعتقد بقرآنية دعاء القنوت.
5 - الثابت من تشديد عثمان -رضي الله عنه- في تحريق المصاحف المخالفة لمصحفه يوجب أن يكون مصحف (أُبيّ) أولها فناءً، وقد وردت روايات بذلك. فكيف بقي مصحفه حتى رآه الناس ورووا أنه كان عند أنس بن مالك وأنه كان فيه دعاء القنوت ؟! يؤيد ذلك تصريح أبي الحسن الأشعري برؤيته لمصحف أنس الذي ذُكر أنه مصحف (أُبيّ)، وأنه كان موافقًا لمصحف الجماعة.
6 - لو ثبتت الرواية فغاية ما فيها رؤية البعض لمصحف منسوب إلى (أُبيّ) رضي الله عنه، وليس بمثل ذلك تثبت نسبة الكتب إلى أصحابها، بل تثبت بالأخبار المتظاهرة المستفيضة الموجبة للعلم.
7 - لو صحت الرواية لوجب حملها على وجه لا يقتضي مخالفة كل الثوابت المتقدمة، فمن المحتمل أن يكون (أُبيّ) أثبت دعاء القنوت لمداومة الرسول عليه الصلاة والسلام عليه لا لاعتقاده بقرآنيته، ومن المحتمل ألا يكون أثبت الدعاء في صلب المصحف ولكن في صحيفة أخرى ضمها إليه لسبب أو لآخر.
 
وأحسب أن المقام لن يُستوفي حقه في البيان إلا بالتفرقة بين عدة مسائل:

الأولى: هل يلزم المسلمين ضمُ السورتين إلى القرآن ؟
الثانية: هل كانتا من القرآن ثم نسختا ؟ وهل كانتا قبل النسخ بألفاظهما الواردة في الروايات أم لا ؟
الثالثة: هل أثبتهما أُبيّ -رضي الله عنه- في مصحفه ؟

ومثال الاستفادة من هذه التفرقة: أن الباقلاني -رحمه الله- اعتمد في نفي القرآنية عن السورتين على أمرين: أولهما: نزولهما في البلاغة عن رتبة القرآن، وثانيهما: عدم التواتر. والأمران نافعان في المسألة الأولى، وليسا كذلك في الثانية. فالأمران يثبتان حقية المسلمين في عدم ضم السورتين إلى القرآن، لكنهما لا يمنعان أنهما كانتا من القرآن ثم نسختا، فالنزول عن بلاغة القرآن لا يمنع لأنه قد يقال بأنهما حفظتا بغير اللفظ المعجز المنزل، وعدم التواتر لا يمنع لأنه قد يقال بأن الدواعي والهمم لا تتوافر على حفظ المنسوخ.

وكذلك ما أثبته د/ إبراهيم عوض -حفظه الله- من مفارقة نص السورتين للنص القرآني، لا يمنع أن تكونا منسوختين مع القول بأن نصوص الروايات جاءت بغير اللفظ الأول المنزل.

وكذلك ما أثبته بعض الباحثين من تجريح كل الروايات المرفوعة إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فذلك يمنعنا من ضمهما إلى القرآن، لكنه لا يمنع أن تكونا منسوختين كما تقدم.

والله تعالى أعلى وأعلم بغيبه وأحكم.
 
جزاك الله خيراً . ووفقكم لما يحب ويرضاه , ولا يستبعد كما ذكره بعض الأخوة أنه مما نسخ من القرآن وبقي دعاء يقال في القنوت إذ لو صحت الرويات أنهما سورتان , فليس انا إلا القول بذلك ( أنهما مما نسخ ) .

ثم لنتذكر أن القرآن تكفل الله بحفظه فلن يمس بسوء , ولا يضيرنا ما يقوله العداة من النصارى واليهود .

وفق الله الجميع...

* شيخنا الدكتور إبراهيم: أرجو مراجعة الخاص.
 
فروى بشر بن سعيد عن محمد بن (أُبيّ بن كعب) أنه قال: قدم ناس من أهل العراق إليّ فقالوا: إنا قد أعملنا إليك المطي من العراق، فأخرج لنا مصحف (أُبيّ)، فقلت لهم: قد قبضه عثمان. فقالوا: سبحان الله ! أخرجه إلينا. فقلت: قد قبضه عثمان.

وروى صدقة بن زياد عن أبي نعيم عن الطفيل بن (أُبيّ بن كعب) أنه قال: قدم أربعة نفر من أهل الكوفة بعد وفاة (أُبيّ) في خلافة عثمان فقالوا: إنا قدمنا إليك لتخرج إلينا مصحف أبيك لننظر فيه، فإن أباك كان أعلم الناس بالقرآن. فقلت: قد قبضه عثمان. فقالوا: سبحان الله ! ما لعثمان ولمصحف أبيك ؟ قلت: ما لعثمان ولكن عمر بن الخطاب حرقها.

هو بسر بن سعيد المدني ثقة جليل، وليس بشر.

واشكل علي قول الطفيل: ما لعثمان ولكن عمر بن الخطاب حرقها..
 
[align=center]الإخوة الكرام : الموضوع الذي طرحه الشيخ الفاضل في غاية الأهمية ؛ لأنه يتعلق بكتاب ربنا سبحانه وتعالى ، وفي الحقيقة أن أعداء الدين كانوا وما زالوا ولا يزالون يكيلون التهم ، ويبثون السموم للطعن في هذا الدين ، ولكن !! ( يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ) .[/align]

وإنني إذ أقدم الشكر الجزيل للشيخ الفاضل طرحه هذا الموضوع ، فإنني أحب أن أعلق ـ إن سمحتم لي ـ عن هذا الموضوع بالإجابة عن صحة هذا الخبر من عدمه ، فأقول وبالله التوفيق :
إن الأصل في هاتين السورتين : 1 / ما أخرجه ابن الضريس في فضائله قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل، أنبأنا حماد قال: قرأت في مصحف أبي بن كعب: اللهم إنا نستعينك .. فذكرهما . الأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور ( 6/ 722 ) ، والإسناد إلى حماد صحيح، فالراوي عن حماد هو موسى ابن إسماعيل المنقري، أبو سلمة التبوذكي، ثبت مأمون ثبت . انظر : تهذيب الكمال (18/104) ، وتقريب التهذيب (ص549) .
2 / وما أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائله أيضا عن ابن سيرين أنه قال: كتب أبي بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين، واللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد . وتركهن ابن مسعود، وكتب عثمان منهن : فاتحة الكتاب والمعوذتين. انظر : فضائل القرآن لأبي عبيد (ص189 190).
والإسناد صحيح ، فرجاله كلهم ثقات أثبات .
ولمزيد من النصوص والآثار انظر : فضائل القرآن لأبي عبيد ( ص189 وما بعدها ) ، والدر المنثور ( 6/ 723 ، 724 ).

والله تعالى أعلم .......
 
أخي الكريم: مصاحف الصحابة لم تكن وقفاً على القرآن فحسب، بل كان فيها التفسير أيضاً وهذا كثير شائع.
 
أنبأنا حماد قال: قرأت في مصحف أبي بن كعب: اللهم إنا نستعينك .. ..

إذا كان أولاد أبي يقولون أنهم لا يملكون مصحف أبيهم وأن عثمان أحرقه، فمن أين جاء حماد به؟ لا شك أنه مصحف مزور إما عمدا وإما خطأ
 
عودة
أعلى