موسى أحمد زغاري
New member
- إنضم
- 07/03/2006
- المشاركات
- 14
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) }
سورة الكوثر أقصر سورة في القرآن الكريم ، وقد تحدى الله العرب وهم أهل البلاغة والفصاحة أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو حتى بسورة من مثله ، قال الله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } يونس 38
نعم كان التحدي من الله ولا زال . للإنس والجن ، فتعاول نتبصر في سورة الكوثر وندقق النظر فيها ، ولتدبرها كما أمر الله .
إن في هذه السورة من المعاني البديعة والفصاحة التي تسدّ بها عن معارضته الذريعة ، وسورة الكوثر فيها من الألفاظ البديعة الرائقة التي اقتضت بها أن تكون مبهجة ، والمعاني المنيعة الفائقة التي اقتضت بها أن تكون معجزة . ولقد وجد بها أحد وعشرون موقعا دل كل الدلالة على إعجازها وهي مقسمة كما يلي :
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) : ثمانية فوائد .
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) : ثمانية فوائد .
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) : خمسة فوائد .
أما الثمانية الأولى في قوله : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) :
1) إن قوله : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ؛ دلَّ على عطيةٍ كثيرة مُسندة إلى مُعطٍ كبير ، ومن كان كذلك كانت النعمة عظيمة عنده ، وأراد بالكوثر الخير الكثير ، ومن ذلك الخير الكثير ينال أولاده إلى يوم القيامة من أمته . جاء في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه _ النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم وهو أب لهم وأزواجه امهاتهم _ "" ونص الآية في حفص : { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } "" .
ومن الخير الذي وعد به ما أعطاه الله في الدارين من مزايا التعظيم والتقديم والثواب ما لم يعرفه إلا الله . وقيل أن الكوثر ما اختص به من النهر الذي ماؤه أحلى من كل شيء وعلى حافاته أواني الذهب والفضة كالنجوم أو كعدد النجوم .
2) أنه جمع ضمير المتكلم وهو يُشعر بعظم الربوبية "" يعني قال: إنَّا ولم يقل أنَا .
3) أنه بنى الفعل على المبتدأ فدل على خصوصية ، بناء على التقديم تبعاً للأهمية "" يعني جعل الفعل أعطيناك خبرا لمبتدأ هو إنَّا .
4) أنه صدر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم ، وهو إنَّـ ـا .
5) أنه أورد الفعل بلفظ الماضي دلالة على أن الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة دون عطاء الآجلة . ودلالة على أن المتوقع من سيب الكريم في حكم الواقع .
و السَّيْبُ: العَطاءُ، والعُرْفُ، والنافِلةُ. وفي حديث الاستسقاءِ: واجْعَلْه سَيْباً نافِعاً أَي عَطاءً، ويجوز أَن يريد مَطَراً سائباً أَي جارياً.
6) جاء بالكوثر محذوف الموصوف .لأن المثبت ليس فيه ما في من المحذوف من فرط الإيهام والشياع والتناول عن طريق الاتساع .
7) اختيار الصفة المؤذنة بالكثرة " وهي الكوثر " .
8) أتى بهذه الصفة مُصدرة باللام المعروف بالاستغراق لتكون لما يوصف بها شاملة ، وفي إعطاء معنى الكثرة كاملة .
************************************
أما الثمانية في قوله : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) :
1) فاء التعقيب ها هنا مستفادة من معنى التسبب لمعنيين ؛ أحدهما ، جعل الأنعام الكثيرة سببا للقيام بشكر المنعم وعبادته .
2) والثانية ، جَعُْلهُ لترك المبالاة بقول العدو فإن سبب نزول هذه السورة أن العاص بن وائل قال ان محمدا صنبور _ والصنبور _ الذي لا عقب له ، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى السورة .
3) قصده بالأمر التعريض بذكر العاص وأشباهه ممن كانت عبادته ونحره لغير الله ، وتثبيت قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصراط المستقيم وإخلاصه العبادة لوجهه الكريم .
4) أشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات ، أعني الأعمال البدنية التي الصلاة قوامه ، والمالية التي نحر الإبل سنامها للتنبيه على ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الاختصاص في الصلاة التي جُعلت فيها قرة عينه ونحر الإبل التي همته فيه قوية
5) حذف اللام الأُخرى لدلالة الأولى عليها .
6) مراعاة حق السجع الذي هو من جملة صنعة البديع إذا ساقه قائله مساقا مطبوعا ولم يكن متكلفا .
7) قوله : لربك . فيه حُسنان ؛ وروده على طريق الالتفات التي هي امٌ من الأُمهات . وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المُظهر ، وفيه إظهار لكبرياء شأنه وإثباته لعز سلطانه ، ومنه أخذ الخلفاء فمثلا يقولون :( يأمرك أمير المؤمنين بكذا _ وعن عمر رضي الله عنه حين خطب الأزدية إلى أهلها فقال : إليكم سيد قريش مروان بن الحكم ) .
8) علَّم بهذا أن من حقوق الله تبارك وتعالى التي تعبد العباد بها أنه ربهم ومالكهم وعرّض بترك التماس العطاء من عبد مربوب ترك عبادة ربه .
*******************************************
أما الخمسة في قوله : إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) :
1) أنه علل الأمر بالإقبال على شأنه وترك الاحتفال بشانيه ( بشانئه ) على سبيل الإستئناف الذي هو حسنٌ حُسنُ الموقع ، وقد كثرت في التنزيل مواقعه .
2) ويتجه أن نجعلها جملة الإعتراض مرسلة إرسال الحكمة الخاتمة الأغراض ؛ كقوله تعالى : ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) وعنى بالشانئ العاص بن وائل .
3) إنما لم يسمه باسمه ليتناول كل من كان في حاله .
4) صدّر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم ، وعبر عنه بالاسم الذي فيه دلالة على أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق ولم يقصد بلسانه الإفصاح عن الحق بل نطق بالشنآن الذي هو قرين البغي والحسد وعين البغضاء والحرد ، ولذلك وسمه بما ينبئ عن الحقد .
5) جعل الخبر معرفة وهو الأبتر والشانئ حتى كأنه الجمهور الذي يقال له الصنبور .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .
__________________
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) }
سورة الكوثر أقصر سورة في القرآن الكريم ، وقد تحدى الله العرب وهم أهل البلاغة والفصاحة أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو حتى بسورة من مثله ، قال الله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } يونس 38
نعم كان التحدي من الله ولا زال . للإنس والجن ، فتعاول نتبصر في سورة الكوثر وندقق النظر فيها ، ولتدبرها كما أمر الله .
إن في هذه السورة من المعاني البديعة والفصاحة التي تسدّ بها عن معارضته الذريعة ، وسورة الكوثر فيها من الألفاظ البديعة الرائقة التي اقتضت بها أن تكون مبهجة ، والمعاني المنيعة الفائقة التي اقتضت بها أن تكون معجزة . ولقد وجد بها أحد وعشرون موقعا دل كل الدلالة على إعجازها وهي مقسمة كما يلي :
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) : ثمانية فوائد .
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) : ثمانية فوائد .
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) : خمسة فوائد .
أما الثمانية الأولى في قوله : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) :
1) إن قوله : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ؛ دلَّ على عطيةٍ كثيرة مُسندة إلى مُعطٍ كبير ، ومن كان كذلك كانت النعمة عظيمة عنده ، وأراد بالكوثر الخير الكثير ، ومن ذلك الخير الكثير ينال أولاده إلى يوم القيامة من أمته . جاء في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه _ النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم وهو أب لهم وأزواجه امهاتهم _ "" ونص الآية في حفص : { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } "" .
ومن الخير الذي وعد به ما أعطاه الله في الدارين من مزايا التعظيم والتقديم والثواب ما لم يعرفه إلا الله . وقيل أن الكوثر ما اختص به من النهر الذي ماؤه أحلى من كل شيء وعلى حافاته أواني الذهب والفضة كالنجوم أو كعدد النجوم .
2) أنه جمع ضمير المتكلم وهو يُشعر بعظم الربوبية "" يعني قال: إنَّا ولم يقل أنَا .
3) أنه بنى الفعل على المبتدأ فدل على خصوصية ، بناء على التقديم تبعاً للأهمية "" يعني جعل الفعل أعطيناك خبرا لمبتدأ هو إنَّا .
4) أنه صدر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم ، وهو إنَّـ ـا .
5) أنه أورد الفعل بلفظ الماضي دلالة على أن الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة دون عطاء الآجلة . ودلالة على أن المتوقع من سيب الكريم في حكم الواقع .
و السَّيْبُ: العَطاءُ، والعُرْفُ، والنافِلةُ. وفي حديث الاستسقاءِ: واجْعَلْه سَيْباً نافِعاً أَي عَطاءً، ويجوز أَن يريد مَطَراً سائباً أَي جارياً.
6) جاء بالكوثر محذوف الموصوف .لأن المثبت ليس فيه ما في من المحذوف من فرط الإيهام والشياع والتناول عن طريق الاتساع .
7) اختيار الصفة المؤذنة بالكثرة " وهي الكوثر " .
8) أتى بهذه الصفة مُصدرة باللام المعروف بالاستغراق لتكون لما يوصف بها شاملة ، وفي إعطاء معنى الكثرة كاملة .
************************************
أما الثمانية في قوله : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) :
1) فاء التعقيب ها هنا مستفادة من معنى التسبب لمعنيين ؛ أحدهما ، جعل الأنعام الكثيرة سببا للقيام بشكر المنعم وعبادته .
2) والثانية ، جَعُْلهُ لترك المبالاة بقول العدو فإن سبب نزول هذه السورة أن العاص بن وائل قال ان محمدا صنبور _ والصنبور _ الذي لا عقب له ، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى السورة .
3) قصده بالأمر التعريض بذكر العاص وأشباهه ممن كانت عبادته ونحره لغير الله ، وتثبيت قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصراط المستقيم وإخلاصه العبادة لوجهه الكريم .
4) أشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات ، أعني الأعمال البدنية التي الصلاة قوامه ، والمالية التي نحر الإبل سنامها للتنبيه على ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الاختصاص في الصلاة التي جُعلت فيها قرة عينه ونحر الإبل التي همته فيه قوية
5) حذف اللام الأُخرى لدلالة الأولى عليها .
6) مراعاة حق السجع الذي هو من جملة صنعة البديع إذا ساقه قائله مساقا مطبوعا ولم يكن متكلفا .
7) قوله : لربك . فيه حُسنان ؛ وروده على طريق الالتفات التي هي امٌ من الأُمهات . وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المُظهر ، وفيه إظهار لكبرياء شأنه وإثباته لعز سلطانه ، ومنه أخذ الخلفاء فمثلا يقولون :( يأمرك أمير المؤمنين بكذا _ وعن عمر رضي الله عنه حين خطب الأزدية إلى أهلها فقال : إليكم سيد قريش مروان بن الحكم ) .
8) علَّم بهذا أن من حقوق الله تبارك وتعالى التي تعبد العباد بها أنه ربهم ومالكهم وعرّض بترك التماس العطاء من عبد مربوب ترك عبادة ربه .
*******************************************
أما الخمسة في قوله : إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) :
1) أنه علل الأمر بالإقبال على شأنه وترك الاحتفال بشانيه ( بشانئه ) على سبيل الإستئناف الذي هو حسنٌ حُسنُ الموقع ، وقد كثرت في التنزيل مواقعه .
2) ويتجه أن نجعلها جملة الإعتراض مرسلة إرسال الحكمة الخاتمة الأغراض ؛ كقوله تعالى : ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) وعنى بالشانئ العاص بن وائل .
3) إنما لم يسمه باسمه ليتناول كل من كان في حاله .
4) صدّر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم ، وعبر عنه بالاسم الذي فيه دلالة على أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق ولم يقصد بلسانه الإفصاح عن الحق بل نطق بالشنآن الذي هو قرين البغي والحسد وعين البغضاء والحرد ، ولذلك وسمه بما ينبئ عن الحقد .
5) جعل الخبر معرفة وهو الأبتر والشانئ حتى كأنه الجمهور الذي يقال له الصنبور .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .
__________________