مع الاسماء الحسنى
نعيش معها ونتدبر معانيها ونتفكر في مدلولاتها ونتمعن في آثارها وننعم بفوائدها ونرتقي بها لأعلى الدرجات وأرفع المنازل وأسمى الأحوال وأرقي المقامات .
[الشاكر - الشكور] جل جلاله
ورد اسمه سبحانه (الشكور) في القرآن الكريم أربع مرات كما في قوله سبحانه: { وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } [التغابن: 17] أما اسمه سبحانه (الشاكر)، فقد ورد في القرآن الكريم مرتين فقط وذلك في قوله - عز وجل -: { وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 158]، وقوله تبارك وتعالى: { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}[النساء: 147].
معنى الشكور : قال الخطابي: " (الشكور): هو الذي يشكر اليسير من الطاعة فَيُثيبُ عليه الكثير من الثواب، ويعطي الجزيلَ من النعمة، فيرضى باليسير من الشكر كقوله سبحانه: { إِن رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 34]"
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في نونيته:
"وهو الشكور فلن يضيع سعيهم*** لكن يضاعفه بلا حسبان
ما للعباد عليه حق واجب*** هو أوجب الأجر العظيم الشان
كلا ولا عمل لديه ضائع *** إن كان بالإخلاص والإحسان
إن عذبوا فبعدله أو نعموا*** فبفضله والحمد للمنان"
قال الشيخ السعدي: "ومن أسمائه تعالى الشاكر والشكور وهو الذي يشكر القليل من العمل الخالص النقي النافع، ويعفو عن الكثير من الزلل ولا يضيع أجر من أحسن عملاً، بل يضاعفه أضعافًا مضاعفة بغير عدٍ ولا حساب، ومن شكره أنه يجزي بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وقد يجزي الله العبد على العمل بأنواع من الثواب العاجل قبل الآجل. وليس عليه حق واجب بمقتضى أعمال العباد وإنما هو الذي أوجب الحق على نفسه كرمًا منه وجودًا، والله لا يضيع أجر العاملين إذا أحسنوا في أعمالهم وأخلصوا لله تعالى"
&الفرق بين الحمد والشكر:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "والفرق بينهما: أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه، وأخص من جهة متعلقاته، والحمد أعم من جهة المتعلقات وأخص من جهة الأسباب.
ومعنى هذا: أن الشكر يكون بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناءً واعترافًا، وبالجوارح طاعة وانقيادًا، ومتعلقه: النعم دون الأوصاف الذاتية، فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله، والشكر يكون على الإحسان والنعم."
& آثار الإيمان باسميه سبحانه (الشاكر، الشكور):
1 - محبته سبحانه والسعي في مرضاته حيث إنه سبحانه قد غمر العباد بفضله وإحسانه وكرمه، وهو الذي أنعم عليهم بنعمة الإيجاد والإعداد والإمداد، ومع ذلك فحينما يعملون العمل الصالح القليل الذي هو بتوفيقه وفضله يشكرهم عليه ويضاعف لهم الأجور ويغفر لهم الذنوب، فسبحانه من إله بر رحيم جواد كريم يستحق الحمد كله والحب كله وإفراده وحده بالعبادة لا شريك له.
2 - القيام بشكر الله - عز وجل - لا يتوقف على النطق فقط، وإنما هو من أعمال القلوب واللسان والجوارح، وقد مدح الله - عز وجل - أنبياءه وعباده الصالحين بأنهم من الشاكرين كما في قوله تعالى عن نوح عليه السلام: { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } [الإسراء: 3]، وقال عن خليله إبراهيم عليه السلام: { شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [النحل: 121]، وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما أشفقت عليه عائشة - رضي الله عنها - من طول القيام في العبادة: (أفلا أكون عبدًا شكورًا) ، وأمر الله - عز وجل - عباده بشكره فقال: { اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سبأ: 13]، وقال سبحانه: { وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [البقرة: 172]، وقال سبحانه: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } [البقرة: 152].
ويذكر ابن القيم رحمه الله تعالى: "أن الشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها وأن لا يستعمله فيما يكره، فهذه الخمس هي أساس الشكر وبناؤه عليها فمتى عدم منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة "
3 - ومن شكر الله - عز وجل - شكر من أجرى الله سبحانه النعمة على يده، فقد أمر الله سبحانه به في قوله تعالى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } [لقمان: 14] فأمر بشكره ثم بشكر الوالدين إذ كانا سبب وجوده في الدنيا، وسَهِرَا وتعبا في تربيته وتغذيته، فمن عقَّهما أو أساء إليهما فما شكرهما على صنيعهما، بل جحد أفضالهما عليه، ومن لم يشكرهما فإنه لم يشكر الله الذي أجرى تلك النعم على أيديهما، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من لا يشكر الناس لا يشكر الله).
4 - إن الله سبحانه وتعالى شكور يحب الشاكرين له، الشاكرين لعباده المحسنين، لذا فإن من آثار اسمه سبحانه (الشاكر، الشكور): الاتصاف بموجب هذا الاسم الكريم، والبعد عن ضده وهو الكفر والجحود.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "ولمّا كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة، كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر، كما أن أبغض خلقه إليه من عطَّلها واتصف بضدها"
5 - الاستزادة من الطاعات والتقرب بالصالحات وفعل الخيرات وعمل القربات بلا استصغار لعمل ولا احتقار لطاعة ولا استقلال لعبادة فربنا المولى شكور يهب الكثير ويجزي العظيم ويعطي الجليل ويثيب الكبير ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) رواه مسلم ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )