سلسلة: روائع واستنباطات من تفسير التحرير والتنوير للعلامة ابن عاشور

إنضم
22/03/2007
المشاركات
58
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
تبوك
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى الطيبين الطاهرين، وبعد:
فإن تفسير التحرير والتنوير من الكتب المتأخرة في زمانها المتقدمة في وزنها بين المفسرين، مجمع على روعته وبهائه وجماله، لا يمل القاريء من النظر فيه والقراءة، لايستغني عنه مفسر له ذوق في التفسير ، لا تدري أتعجب من حسن عرضه وعلو عبارته، أم من دقة استنباطه وروائعه، لن أطيل في وصفه ونعته، فلست ممن يحسن تنميق العبارات ، ولن أوفيه حقه من الثناء والمدح.
قال في مقدمة تفسيره واصفا له: (فَفِيهِ أَحْسَنُ مَا فِي التَّفَاسِيرِ، وَفِيهِ أَحْسَنُ مِمَّا فِي التَّفَاسِيرِ)، ويكفي أنه أمضى في تفسيره: تسع وثلاثون سنة، وختم كتابه بقوله: (وَأَرْجُو مِنْهُ تَعَالَى لِهَذَا التَّفْسِيرِ أَنْ يُنْجِدَ وَيَغُورَ، وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ الْخَاصَّةَ وَالْجُمْهُورَ، وَيَجْعَلَنِي بِهِ مِنَ الَّذِينَ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ).وأحسب أن الله تعالى قد استجاب دعائه.
هذه بعض الاستنباطات والروائع من هذا التفسير التي وقفت عليها، سأذكرها تبعا بدون ترتيب ، لك غنمها وعلي غرمها، وأرجو الاستزادة من الإخوة الفضلاء:
قال في قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى):
(وَقَدْ رُتِّبَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاث على الْآيَةِ عَلَى تَرْتِيبِ تَوَلُّدِهَا. فَأَصْلُهَا: إِزَالَةُ الْخَبَاثَةِ النَّفْسِيَّةِ مِنْ عَقَائِدَ بَاطِلَةٍ وَحَدِيثِ النَّفْسِ بِالْمُضْمِرَاتِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بقوله:(تَزَكَّى)، ثمَّ استحضار معرفَة الله بِصِفَات كَمَاله وحكمته لَيَخَافهُ ويرجوه وَهُوَ الْمشَاربقوله: (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ) ثمَّ الإقبال على طَاعَته وعبادته وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَصَلَّى) وَالصَّلَاةُ تُشِيرُ إِلَى الْعِبَادَةِ وَهِيَ فِي ذَاتِهَا طَاعَةٌ وَامْتِثَالٌ يَأْتِي بَعْدَهُ مَا يُشْرَعُ مِنَ الْأَعْمَالِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: 45] .)
التحرير والتنوير - (30 / 288)
قال في قوله تعالى: ( فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى):
(وَمِلَاكُ هَذَا الْإِيثَارِ هُوَ الطُّغْيَانُ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ سَادَتَهُمْ وَمُسَيِّرِيهِمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ الرَّسُولُ هُوَ الْحَقُّ وَلَكِنَّهُمْ يَكْرَهُونَ مُتَابَعَته استكبارا عَن أَنْ يَكُونُوا تَبَعًا لِلْغَيْرِ فَتَضِيعَ سِيَادَتُهُمْ. وَقَدْ زَادَ هَذَا الْمُفَادَ بَيَانًا قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ الْآيَةَ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مَنَاطَ الذَّمِّ فِي إِيثَارِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا هُوَ إِيثَارُهَا عَلَى الْآخِرَةِ، فَأَمَّا الْأَخْذُ بِحُظُوظِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا يُفِيتُ الْأَخْذُ بِهَا حُظُوظَ الْآخِرَةِ فَذَلِكَ غَيْرُ مَذْمُومٍ، وَهُوَ مَقَامُ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ).التحرير والتنوير - (30 / 92).
استنباطان دقيقان لصفات العامل، ولأصل وجود الملفات: من قوله تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12))
قال: (وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُنْتَزَعُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعَ هِيَ عِمَادُ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِي كُلِّ مَنْ يَقُومُ بِعَمَلٍ لِلْأُمَّةِ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْوُلَاةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ حَافِظُونَ لِمَصَالِحِ مَا اسْتُحْفِظُوا عِلْيَهِ وَأَوَّلُ الْحِفْظِ الْأَمَانَةُ وَعَدَمُ التَّفْرِيطِ.
فَلَا بُدَّ فِيهِمْ مِنَ الْكَرم وَهُوَ زكاء الْفِطْرَةِ، أَيْ طَهَارَةُ النَّفْسِ.
وَمِنَ الضَّبْطِ فِيمَا يَجْرِي عَلَى يَدَيْهِ بِحَيْثُ لَا تَضِيعُ الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ وَلَا الْخَاصَّةُ بِأَنْ يَكُونَ مَا يُصْدِرُهُ مَكْتُوبًا، أَوْ كَالْمَكْتُوبِ مَضْبُوطًا لَا يُسْتَطَاعُ تَغْيِيرُهُ ...وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي وَضْعِ الْمَلَفَّاتِ لِلنَّوَازِلِ وَالتَّرَاتِيبِ، وَمِنْهُ نَشَأَتْ دَوَاوِينُ الْقُضَاةِ، وَدَفَاتِرُ الشُّهُودِ، وَالْخِطَابُ عَلَى الرُّسُومِ، وَإِخْرَاجُ نُسَخِ الْأَحْكَامِ وَالْأَحْبَاسِ وَعُقُودِ النِّكَاحِ...وَمِنْ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْوَالِ الَّتِي تُسْنَدُ إِلَى الْمُؤْتَمَنِ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ أحد من المخالطين لوظيفه أَنْ يُمَوِّهَ عَلَيْهِ شَيْئًا). التحرير والتنوير - (30 / 181)
 
في مقدمة أغراض سورة عبس ومن حادثة ابن أم مكتوم: صدر الأغراض بقوله: (تَعْلِيم اللّه رَسُوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُوَازَنَةَ بَيْنَ مَرَاتِبِ الْمَصَالِحِ وَوُجُوبَ الاستقراء لخفياتها كَيْلا يُفِيتَ الِاهْتِمَامُ بِالْمُهِمِّ مِنْهَا فِي بادىء الرَّأْيِ مُهِمًّا آخَرَ مُسَاوِيًا فِي الْأَهَمِّيَّةِ أَوْ أَرْجَحَ.
وَلِذَلِكَ يَقُولُ عُلَمَاءُ أُصُولِ الْفِقْهِ: إِنَّ عَلَى الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ مُعَارِضِ الدَّلِيلِ الَّذِي لَاحَ لَهُ.) التحرير والتنوير - (30 / 102)
قال في قوله تعالى: (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) [عبس: 3] (إِيمَاءٌ إِلَى عُذْرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْخِيرِهِ إِرْشَادَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أَمْرٍ مَغْفُولٍ عَنْهُ...وَكَذَلِكَ عُذْرُهُ فِي الْحِرْصِ عَلَى إِرْشَادِ الْمُشْرِكِ بِقَوْلِهِ: (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) إِذْ كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْشَى تَبِعَةً مِنْ فَوَاتِ إِيمَانِ الْمُشْرِكِ بِسَبَبِ قِطْعِ الْمُحَاوَرَةِ مَعَهُ وَالْإِقْبَالِ عَلَى اسْتِجَابَةِ الْمُؤْمِنِ الْمُسْتَرْشِدِ.). التحرير والتنوير - (30 / 112)
قال في قوله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ(16) (فَالْمَعْنَى: أَنَّ لِشَأْنِ اللَّهِ فِي مُعَامَلَتِهِ النَّاسَ فِي هَذَا الْعَالَمِ أَسْرَارًا وَعِلَلًا لَا يُحَاطُ بِهَا، وَأَنَّ أَهْلَ الْجَهَالَةِ بِمَعْزِلٍ عَنْ إِدْرَاكِ سِرِّهَا بِأَقْيِسَةٍ وَهْمِيَّةٍ، وَالِاسْتِنَادِ لِمَأْلُوفَاتٍ عَادِيَّةٍ، وَأَنَّ الْأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يَتَطَلَّبُوا الْحَقَائِقَ مِنْ دَلَائِلِهَا الْعَقْلِيَّةِ، وَأَنْ يَعْرِفُوا مُرَادَ اللَّهِ مِنْ وَحْيِهِ إِلَى رُسُلِهِ. وَأَنْ يَحْذَرُوا مِنْ أَنْ يَحِيدُوا بِالْأَدِلَّةِ عَنْ مَدْلُولِهَا. وَأَنْ يَسْتَنْتِجُوا الْفُرُوعَ مِنْ غَيْرِ أُصُولِهَا.
وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ فَهُمْ يَضَعُونَ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، وَيَتَوَسَّمُونَ التَّوَسُّمَ الْمُسْتَنِدَ إِلَى الْهَدْيِ وَلَا يَخْلِطُونَ وَلَا يَخْبِطُونَ.) ( التحرير والتنوير - (30 / 331).
 
في قوله تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)):
قال: (وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نُورَ الْقَمَرِ مُسْتَفَادٌ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ، أَيْ مِنْ تَوَجُّهِ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ إِلَى مَا يُقَابِلُ الْأَرْضَ مِنَ الْقَمَرِ، وَلَيْسَ نَيِّرًا بِذَاتِهِ، وَهَذَا إِعْجَازٌ عِلْمِيٌّ مِنْ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ...وَابْتُدِئَ بِالشَّمْسِ لِمُنَاسَبَةِ الْمَقَامِ إِيمَاءً لِلتَّنْوِيهِ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ هَدْيَهُ كَنُورِ الشَّمْسِ لَا يَتْرُكُ لِلضَّلَالِ مَسْلَكًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْوَعْدِ بِانْتِشَارِهِ فِي الْعَالَمِ كَانْتِشَارِ نُورِ الشَّمْسِ فِي الْأُفُقِ، وَأُتْبِعَ بِالْقَمَرِ لِأَنَّهُ يُنِيرُ فِي الظَّلَامِ كَمَا أَنَارَ الْإِسْلَامُ فِي ابْتِدَاءِ ظُهُورِهِ فِي ظُلْمَةِ الشِّرْكِ، ثُمَّ ذُكِرَ النَّهَارُ وَاللَّيْلُ مَعَهُ لِأَنَّهُمَا مَثَلٌ لِوُضُوحِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ضَلَالَةِ الشِّرْكِ وَذَلِكَ عَكْسُ مَا فِي سُورَةِ اللَّيْلِ لِمَا يَأْتِي.) (30/367)
وفي قوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (12)
قال قدس الله روحه، ونور ضريحه، وأعلى درجته في عليين: (وَذَكَرَ مِنْ أَحْوَالِ السَّمَاءِ مَا لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْغَيْثُ الَّذِي بِهِ صَلَاحُ النَّاسِ، فَإِنَّ إِصْلَاحَ الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ كَإِصْلَاحِ الْمَطَرِ.وَفِي الْحَدِيثِ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا» (30/266).
وفي قوله تعالى: وَالضُّحى (1)
قال: (وَمُنَاسَبَةُ الْقَسَمِ بِ الضُّحى وَاللَّيْلِ أَنَّ الضُّحَى وَقْتُ انْبِثَاقِ نُورِ الشَّمْسِ فَهُوَ إِيمَاءٌ إِلَى تَمْثِيلِ نُزُولِ الْوَحْيِ وَحُصُولِ الِاهْتِدَاءِ بِهِ) (30/394).
استنباط وسائل التعلم من قوله تعالى: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5))
قال رحمه الله: (وَقَدْ حَصَلَتْ مِنْ ذِكْرِ التَّعْلِيمِ بِالْقَلَمِ وَالتَّعْلِيمِ الْأَعَمِّ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَتَلَقَّاهُ الْإِنْسَانُ مِنَ التَّعَالِيمِ سَوَاءٌ كَانَ بِالدَّرْسِ أَمْ بِمُطَالَعَةِ الْكُتُبِ وَأَنَّ تَحْصِيلَ الْعُلُومِ يَعْتَمِدُ أُمُورًا ثَلَاثَةً:
أَحَدُهَا: الْأَخْذُ عَنِ الْغَيْرِ بِالْمُرَاجَعَةِ، وَالْمُطَالَعَةِ، وَطَرِيقُهُمَا الْكِتَابَةُ وَقِرَاءَةُ الْكُتُبِ فَإِنَّ بِالْكِتَابَةِ أَمْكَنَ لِلْأُمَمِ تَدْوِينُ آرَاءِ عُلَمَاءِ الْبَشَرِ وَنَقْلُهَا إِلَى الْأَقْطَارِ النَّائِيَةِ وَفِي الْأَجْيَالِ الْجَائِيَةِ.
وَالثَّانِي: التَّلَقِّي مِنَ الْأَفْوَاهِ بِالدَّرْسِ وَالْإِمْلَاءِ.
وَالثَّالِثُ: مَا تَنْقَدِحُ بِهِ الْعُقُولُ مِنَ الْمُسْتَنْبَطَاتِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ وَهَذَانِ دَاخِلَانِ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .) (30/441)
 
قال في قصة الفيل: (وَلَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ إِهْلَاكِ أَصْحَابِ الْفِيلِ خِلَافًا لِقِصَصِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن إهلاك أَصْحَابِ الْفِيلِ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ تَكْذِيبِ رَسُولٍ مِنَ اللَّهِ،
وَثَانِيهِمَا: أَنْ لَا يَتَّخِذَ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ غُرُورًا بِمَكَانَةٍ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ كَغُرُورِهِمْ بِقَوْلِهِمْ الْمَحْكِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التَّوْبَة: 19] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). (30 / 544)
استنباطان في بعضهما نظر من قوله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
قال رحمه الله: (وَهَذَا تَعْلِيمٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَظِّمُوا أَيَّامَ فَضْلِهِمُ الدِّينِيِّ وَأَيَّامَ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِم، وَهُوَ ممائل لِمَا شَرَعَ اللَّهُ لِمُوسَى مِنْ تَفْضِيلِ بَعْضِ أَيَّامِ السِّنِينَ الَّتِي تُوَافِقُ أَيَّامًا حَصَلَتْ فِيهَا نِعَمٌ عُظْمَى مِنَ اللَّهِ عَلَى مُوسَى قَالَ تَعَالَى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إِبْرَاهِيم: 5] فَيَنْبَغِي أَنْ تُعَدَّ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عِيدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ....وَفِي هَذَا أَصْلٌ لِإِقَامَةِ الْمَوَاكِبِ لِإِحْيَاءِ ذِكْرَى أَيَّامِ مَجْدِ الْإِسْلَامِ وَفَضْلِهِ وَأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ فِي أَصْلِ تِلْكَ الذِّكْرَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْلُوَ عَنْهُ مَوْكِبُ الْبَهْجَةِ بِتِذْكَارِهَا.) (30 / 462)
قلت: لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا القرون المفضلة مع وجود سببه ومقتضاه فدل على عدم مشروعيته، والله أعلم.
في قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)
قال: (فَلَمَّا أَبْطَلَتِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى إِلَهِيَّةَ إِلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ بِالْأَصَالَةِ، وَأَبْطَلَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ إِلَهِيَّةَ غَيْرِ اللَّهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، أَبْطَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ إِلَهِيَّةَ غَيْرِ اللَّهِ بِالْفَرْعِيَّةِ وَالتَّوَلُّدِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ.)(30 / 619)
في قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)
قال: ( وَفِي هَذَا التَّرْتِيبِ إِشْعَارٌ أَيْضًا بِمَرَاتِبِ النَّظَرِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِن النَّاظر يعلم بادىء ذِي بَدْءٍ بِأَنَّ لَهُ رَبًّا يسبب مَا يَشْعُرُ بِهِ مِنْ وُجُودِ نَفْسِهِ، وَنِعْمَةِ تَرْكِيبِهِ، ثُمَّ يَتَغَلْغَلُ فِي النَّظَرِ فَيَشْعُرُ بِأَنَّ رَبَّهُ هُوَ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْغَنِيُّ عَنِ الْخَلْقِ، ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ إِلَهُ النَّاسِ كُلِّهِمْ).(30 / 633)
 
قال في قصة الفيل: (وَلَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ إِهْلَاكِ أَصْحَابِ الْفِيلِ خِلَافًا لِقِصَصِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن إهلاك أَصْحَابِ الْفِيلِ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ تَكْذِيبِ رَسُولٍ مِنَ اللَّهِ،
وَثَانِيهِمَا: أَنْ لَا يَتَّخِذَ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ غُرُورًا بِمَكَانَةٍ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ كَغُرُورِهِمْ بِقَوْلِهِمْ الْمَحْكِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التَّوْبَة: 19] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). (30 / 544)
استنباطان في بعضهما نظر من قوله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
قال رحمه الله: (وَهَذَا تَعْلِيمٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَظِّمُوا أَيَّامَ فَضْلِهِمُ الدِّينِيِّ وَأَيَّامَ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِم، وَهُوَ ممائل لِمَا شَرَعَ اللَّهُ لِمُوسَى مِنْ تَفْضِيلِ بَعْضِ أَيَّامِ السِّنِينَ الَّتِي تُوَافِقُ أَيَّامًا حَصَلَتْ فِيهَا نِعَمٌ عُظْمَى مِنَ اللَّهِ عَلَى مُوسَى قَالَ تَعَالَى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إِبْرَاهِيم: 5] فَيَنْبَغِي أَنْ تُعَدَّ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عِيدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ....وَفِي هَذَا أَصْلٌ لِإِقَامَةِ الْمَوَاكِبِ لِإِحْيَاءِ ذِكْرَى أَيَّامِ مَجْدِ الْإِسْلَامِ وَفَضْلِهِ وَأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ فِي أَصْلِ تِلْكَ الذِّكْرَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْلُوَ عَنْهُ مَوْكِبُ الْبَهْجَةِ بِتِذْكَارِهَا.) (30 / 462)
قلت: لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا القرون المفضلة مع وجود سببه ومقتضاه فدل على عدم مشروعيته، والله أعلم.
في قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)
قال: (فَلَمَّا أَبْطَلَتِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى إِلَهِيَّةَ إِلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ بِالْأَصَالَةِ، وَأَبْطَلَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ إِلَهِيَّةَ غَيْرِ اللَّهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، أَبْطَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ إِلَهِيَّةَ غَيْرِ اللَّهِ بِالْفَرْعِيَّةِ وَالتَّوَلُّدِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ.)(30 / 619)
في قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)
قال: ( وَفِي هَذَا التَّرْتِيبِ إِشْعَارٌ أَيْضًا بِمَرَاتِبِ النَّظَرِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِن النَّاظر يعلم بادىء ذِي بَدْءٍ بِأَنَّ لَهُ رَبًّا يسبب مَا يَشْعُرُ بِهِ مِنْ وُجُودِ نَفْسِهِ، وَنِعْمَةِ تَرْكِيبِهِ، ثُمَّ يَتَغَلْغَلُ فِي النَّظَرِ فَيَشْعُرُ بِأَنَّ رَبَّهُ هُوَ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْغَنِيُّ عَنِ الْخَلْقِ، ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ إِلَهُ النَّاسِ كُلِّهِمْ).(30 / 633)
 
رد على استنباط للزمخشري في قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22))
قال:(وَمِنْ أَسْمَجِ الْكَلَامِ وَأَضْعَفِ الِاسْتِدْلَالِ قَوْلُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» : «وَنَاهِيكَ بِهَذَا دَلِيلًا عَلَى جَلَالَةِ مَكَانَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمُبَايَنَةِ مَنْزِلَتِهِ لِمَنْزِلَةِ أَفْضَلِ الْإِنْسِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَازَنْتَ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ وَقَايَسْتَ بَيْنَ قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير: 19، 20] ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ اهـ.)
ثم قال معلقاً: (وَكَيْفَ انْصَرَفَ نَظَرُهُ عَنْ سِيَاقِ الْآيَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُولُوا فِي جِبْرِيلَ شَيْئًا لِأَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ رَامَ أَنْ يَنْتَزِعَ مِنَ الْآيَةِ دَلِيلًا لِمَذْهَبِ أَصْحَابِ الِاعْتِزَالِ مِنْ تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ...وَقَدْ يَطْغَى عَلَيْهِ حُبُّ الِاسْتِدْلَالِ لِعَقَائِدِ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ طُغْيَانًا يَرْمِي بِفَهْمِهِ فِي مَهَاوِي الضَّآلَةِ، وَهَلْ يَسْمَحُ بَالُ ذِي مُسْكَةٍ مِنْ عِلْمٍ بِمَجَارِي كَلَامِ الْعُقَلَاءِ أَنْ يَتَصَدَّى مُتَصَدٍّ لِبَيَانِ فَضْلِ أَحَدٍ بِأَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ) (30/158ـ159).
في قوله تعالى: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17))
قال: (وَخَصَّ بِالذِّكْرِ مِنْ أَوْصَافِ الْمُؤْمِنِينَ تَوَاصِيَهِمْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصِيَهِمْ بِالْمَرْحَمَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشْرَفُ صِفَاتِهِمْ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ الصَّبْرَ مِلَاكُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كُلِّهَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ كَبْحِ الشَّهْوَةِ النَّفْسَانِيَّةِ وَذَلِكَ مِنَ الصَّبْرِ.
وَالْمَرْحَمَةُ مِلَاكُ صَلَاحِ الْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ قَالَ تَعَالَى: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الْفَتْح: 29] .) (30/361).
استنباط دقيق في حكم الله في القدر من قوله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16))
قال رحمه الله تعالى في كلام طويل: (وَذَلِكَ مَا صَرَفَ الضَّالِّينَ عَنْ تَطَلُّبِ الْحَقَائِقِ مِنْ دَلَائِلِهَا، وَصَرَفَهُمْ عَنِ التَّدَبُّرِ فِيمَا يُنِيلُ صَاحِبَهُ رِضَى اللَّهِ وَمَا يُوقِعُ فِي غَضَبِهِ، وَعِلْمُ اللَّهِ وَاسِعٌ وَتَصَرُّفَاتُهُ شَتَّى وَكُلُّهَا صَادِرَةٌ عَنْ حِكْمَةٍ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ [الْبَقَرَة: 255] . فَقَدْ يَأْتِي الضُّرُّ لِلْعَبْدِ مِنْ عِدَّةِ أَسْبَابٍ وَقَدْ يَأْتِي النَّفْعُ مِنْ أُخْرَى. وَبَعْضُ ذَلِكَ جَارٍ فِي الظَّاهِرِ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَمِنْهُ مَا فِيهِ سِمَةُ خَرْقِ الْعَادَةِ. فَرُبَّمَا أَتَتِ الرَّزَايَا مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ، وَالْمُوَفَّقُ يَتَيَقَّظُ لِلْأَمَارَاتِ قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ [الْأَنْعَام: 44] وَقَالَ: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ...فَالْمَعْنَى: أَنَّ لِشَأْنِ اللَّهِ فِي مُعَامَلَتِهِ النَّاسَ فِي هَذَا الْعَالَمِ أَسْرَارًا وَعِلَلًا لَا يُحَاطُ بِهَا، وَأَنَّ أَهْلَ الْجَهَالَةِ بِمَعْزِلٍ عَنْ إِدْرَاكِ سِرِّهَا بِأَقْيِسَةٍ وَهْمِيَّةٍ، وَالِاسْتِنَادِ لِمَأْلُوفَاتٍ عَادِيَّةٍ، وَأَنَّ الْأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يَتَطَلَّبُوا الْحَقَائِقَ مِنْ دَلَائِلِهَا الْعَقْلِيَّةِ، وَأَنْ يَعْرِفُوا مُرَادَ اللَّهِ مِنْ وَحْيِهِ إِلَى رُسُلِهِ. وَأَنْ يَحْذَرُوا مِنْ أَنْ يَحِيدُوا بِالْأَدِلَّةِ عَنْ مَدْلُولِهَا. وَأَنْ يَسْتَنْتِجُوا الْفُرُوعَ مِنْ غَيْرِ أُصُولِهَا.
وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ فَهُمْ يَضَعُونَ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، وَيَتَوَسَّمُونَ التَّوَسُّمَ الْمُسْتَنِدَ إِلَى الْهَدْيِ وَلَا يَخْلِطُونَ وَلَا يَخْبِطُونَ).(30/327ـ331).
 
في قوله تعالى: (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)
قال رحمه الله: (وَعدل عَن اسْمِ الْجَلَالَةِ إِلَى ذِي الْعَرْشِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جِبْرِيلَ لِتَمْثِيلِ حَالِ جِبْرِيلَ وَمَكَانَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ بِحَالَةِ الْأَمِيرِ الْمَاضِي فِي تَنْفِيذِ أَمْرِ الْمَلِكِ وَهُوَ بِمَحَلِّ الْكَرَامَةِ لَدَيْهِ.) (30/156).
في قوله تعالى: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)
قال: (وَمَعْنَى شِدَّةِ الْكُفْرِ أَنَّ كُفْرَهُ شَدِيدٌ كَمًّا وَكَيْفًا، وَمَتًى، لِأَنَّهُ كُفْرٌ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَبِقُدْرَتِهِ عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِ الْأَجْسَامِ بَعْدَ الْفَنَاءِ، وَبِإِرْسَالِهِ الرَّسُولَ، وَبِالْوَحْيِ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ كُفْرٌ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ اعْتِقَادٌ قَوِيٌّ لَا يَقْبَلُ التَّزَحْزُحَ، وَأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ لَا يُقْلَعُ عَنْهُ مَعَ تَكَرُّرِ التَّذْكِيرِ وَالْإِنْذَارِ وَالتَّهْدِيدِ.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَلَغَتْ نِهَايَةَ الْإِيجَازِ وَأَرْفَعَ الْجَزَالَةِ بِأُسْلُوبٍ غَلِيظٍ دَالٍّ عَلَى السُّخْطِ بَالِغِ حَدِّ الْمَذَمَّةِ، جَامِعٍ لِلْمَلَامَةِ، وَلَمْ يُسْمَعْ مِثْلُهَا قَبْلَهَا، فَهِيَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الْقُرْآنِيَّةِ).(30/121).
ولعلي أختم هذا المقطع بهذه الطرفة عن الرافضة: نقلها ابن عاشور عن الزمخشري في قوله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69))
قال رحمه الله، ونور قبره، وجمعنا به في جنات ونهر:(وَمِنْ لَطِيفِ النَّوَادِرِ مَا فِي «الْكَشَّافِ» : أَنَّ مِنْ تَأْوِيلَاتِ الرَّوَافِضِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّحْلِ فِي الْآيَةِ عَلِيٌّ وَآلِهِ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْمَهْدِيِّ: إِنَّمَا النَّحْلُ بَنُو هَاشِمٍ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهِمُ الْعِلْمُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: جَعَلَ اللَّهُ طَعَامك وشرابك مِمَّا يخرج من بطُون بني هَاشم، فَضَحِك الْمهْدي وحدّث بِهِ الْمَنْصُور فاتّخذوه أُضْحُوكَةً مِنْ أَضَاحِيكِهِمْ.
قُلْتُ: الرَّجُلُ الَّذِي أَجَابَ الرَّافِضِيَّ هُوَ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ. وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مَذْكُورَةٌ فِي أَخْبَارِ بِشَّارٍ).(14/210)
 
في قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21))
قال رحمه الله: (ويَشْهَدُه:ُ يَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ، أَيْ: يُعْلَنُ بِهِ عِنْدَ الْمُقَرَّبِينَ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ إِعْلَانُ تَنْوِيهٍ بِصَاحِبِهِ كَمَا يُعْلَنُ بِأَسْمَاءِ النَّابِغِينَ فِي التَّعْلِيمِ، وَأَسْمَاءِ الْأَبْطَالِ فِي الْكَتَائِب).(30/204).
وفي قوله تعالى: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6))
نقل عن الزمخشري قوله في الكشاف: ( «وَفِي هَذَا الْإِنْكَارِ، وَالتَّعْجِيبِ، وَكَلِمَةِ الظَّنِّ، وَوَصْفِ الْيَوْمِ بِالْعَظِيمِ، وَقِيَامِ النَّاس فِيهِ الله خَاضِعِينَ، وَوَصْفِ ذَاتِهِ بِ «رَبِّ الْعَالَمِينَ» بَيَانٌ بَلِيغٌ لِعَظِيمِ الذَّنْبِ وَتَفَاقُمِ الْإِثْمِ فِي التَّطْفِيفِ وَفِيمَا كَانَ مِثْلُ حَالِهِ مِنَ الْحَيْفِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ وَالْعَمَلِ عَلَى السَّوِيَّةِ» اهـ.(30/193).
وفي قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7))
رجح أن المراد أنها استعارة تهكمية، وأن المراد أنهم لا يصلون مطلقا ثم قال: (وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِنْزَالَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ مُلْحَقًا بِشَيْءٍ قَبْلَهُ جَعَلَ نَظْمَ الْمُلْحَقِ مُنَاسِبًا لِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ، فَتَكُونُ الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ. وَهَذِهِ نُكْتَةٌ لَمْ يَسْبِقْ لَنَا إظهارها فَعَلَيْك بملاحظتها فِي كُلِّ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ مُلْحَقًا بِشَيْءٍ نَزَلَ قَبْلَهُ مِنْهُ.)(30/569).
وفي قوله تعالى: (وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى).
قال: (وَذُكِرَ لَهُ الْإِلَهُ الْحَقُّ بِوَصْفِ رَبِّكَ دُونَ أَن يذكر لَهُ اسْمُ اللَّهِ الْعَلَمُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ طُرُقِ التَّعْرِيفِ إِلْطَافًا فِي الدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَتَجَنُّبًا لِاسْتِطَارَةِ نَفْسِهِ نُفُورًا، لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي لُغَةِ فِرْعَوْن اسْم لله تَعَالَى، وَلَوْ عَرَّفَهُ لَهُ بِاسْمِهِ فِي لُغَةِ إِسْرَائِيلَ لَنَفَرَ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَعْبُدُ آلِهَةً بَاطِلَةً، فَكَانَ فِي قَوْلِهِ: إِلى رَبِّكَ، وَفِرْعَوْنُ يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ رَبًّا إِطْمَاعٌ لَهُ أَنْ يُرْشِدَهُ مُوسَى إِلَى مَا لَا يُنَافِي عَقَائِدَهُ فَيُصْغِي إِلَيْهِ سَمْعَهُ حَتَّى إِذَا سَمِعَ قَوْلَهُ وَحُجَّتَهُ دَاخَلَهُ الْإِيمَانُ الْحَقُّ مُدَرَّجًا، فَفِي هَذَا الْأُسْلُوبِ اسْتِنْزَالٌ لِطَائِرِهِ.)(30/78).
 
هناك رسالة بعنوان: آليات الاستنباط عند الطاهر ابن عاشور من خلال تفسيره التحرير والتنوير ، للباحث / أبو فراس مراد بن أحمد عطاسي ، وهي رسالة مفيدة ، ومتاحة للتحميل هنا
وذكر الباحث أن آليات الاستنباط متعددة عند ابن عاشور، فمنها آليات نحوية ، وآليات صرفية ، وبلاغية، وأصولية ، وتحت كل واحدة من هذه الآليات أنواع متعددة أشار إليها الباحث ومثل لكل منها في ثنايا رسالته .
ومن لطائف آليات الاستنباط : الاستنباط بالالتفات ، ومن الأمثلة المبينة له : ما ذكره ابن عاشور عند قوله تعالى (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) قال رحمه الله " والعدول عن ضمير الخطاب في إسناد فعل الظن إلى المؤمنين التفات ، فمقتضى الظاهر أن يقال : ظننتم بأنفسكم خيراً ، فعدل عن الخطاب للاهتمام بالتوبيخ فإن الإلتفات ضرب من الاهتمام بالخبر ، وليُصرَّح بلفظ الإيمان ، دلالة على أن الاشتراك في الإيمان يقتضي أن لا يصدق مؤمن على أخيه وأخته في الدين ولا مؤمنة على أخيها وأختها في الدين قول عائب ولا طاعن . وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع قالة في مؤمن أن يبني الأمر فيها على الظن لا على الشك ثم ينظر في قرائن الأحوال وصلاحية المقام فإذا نسب سوءٌ إلى من عُرف بالخير ظن أن ذلك إفك وبهتان حتى يتضح البرهان"
 
شكر الله لك أخي الفاضل، وأنبه أن الواو هنا: (روائع واستنباطات)، للمغايرة،
فالروائع تشمل كل فائدة وقفت عليها في هذا التفسير من الاستنباط وغيره.​
 
شكر الله لك وبارك فيك ولا حرمنا من إتحافاتك ، وإنما قصدت الإشارة إلى هذه الرسالة لارتباطها بمقالتكم
وفقكم الله ورعاكم
 
استنباط بديع من قوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)
قال: (وَيُؤْخَذُ من هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ قِوَامَ الصَّلَاحِ فِي حُسْنِ التَّلَقِّي وَحُسْنِ النَّظَرِ وَأَنَّ الْأَثَرَ وَالنَّظَرَ، أَيِ الْقِيَاسُ هُمَا أَصْلَا الْهُدَى، وَمِنَ الْعَجِيبِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : إِنَّ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَالَ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ: لَوْ كُنَّا عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَوْ عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ مَنْ فَسَّرَ الْآيَةَ بِهَذَا وَلَا أَحْسُبُهُ إِلَّا مِنْ قَبِيلِ الْاسْتِرْوَاحِ.) (29 / 28)
وفي قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)
قال رحمه الله، وغفر له: (وَالْإِهْلَاكُ: الْإِمَاتَةُ، وَمُقَابَلَةُ أَهْلَكَنِيَ بِ رَحِمَنا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: أَوْ رَحِمْنَا بِالْحَيَاةِ، فَيُفِيدُ أَنَّ الْحَيَاةَ رَحْمَةٌ، وَأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَجَلَ مِنَ النِّعَمِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَخِّرِ اللَّهُ أَجْلَ نَبِيئَهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ أَشْرَفُ الرُّسُلِ لِحِكَمٍ أَرَادَهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ وَمَوْتِي خَيْرٌ لَكُمْ»). (29 / 52).
وفي قوله تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
قال: (وَقَدْ يُفِيدُ مَوْقِعُ الْفَاءِ تَعْلِيلًا لِمَوَدَّتِهِمْ مِنْهُ أَنْ يُدْهِنَ، أَيْ وَدُّوا ذَلِكَ مِنْكَ لِأَنَّهُمْ مُدْهِنُونَ، وَصَاحِبُ النِّيَّةِ السَّيِّئَةِ يَوَدُّ أَنْ يَكُونَ النَّاس مثله.). (29 / 70)
نقل استنباطا عن ابن الفرس في قصة أصحاب الجنة، فقال: (قَالَ ابْنُ الْفَرْسِ فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» : اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَعْمَّدَ إِلَى نَقْصِ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ قَصْدًا لِلْفِرَارِ مِنَ الزَّكَاةِ أَوْ خَالَطَ غَيْرَهُ، أَوْ فَارَقَهُ بَعْدَ الْخِلْطَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ عَنْهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.) (29 / 89)
في قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ).
قال رحمه الله: (وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُبْقِي أَحَدًا يَدَّعِي أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ كَلَامًا يُبَلِّغُهُ إِلَى النَّاس، وَأَنه يَجْعَل بِهَلَاكِهِ.فَأَمَّا من يَدعِي النبوءة دُونَ ادِّعَاءِ قَوْلٍ أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ يُهْلِكُهُ بَعْدَ حِينٍ كَمَا كَانَ فِي أَمْرِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ الَّذِي ادّعى النبوءة بِالْيَمَنِ، وَمُسَيْلَمَةَ الْحَنَفِيِّ). (29 / 147)
 
في قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30))
قال: (وَمِنَ النَّوَادِرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» مَعَ مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي «بَيَانِهِ» :، قَالَ: وَعَنْ بَعْضِ الشُطَّارِ (هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ الطَّبِيبُ كَمَا بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ) أَنَّهَا (أَيْ هَذِهِ الْآيَةِ) تُلِيَتْ عِنْدَهُ فَقَالَ: تَجِيءُ بِهِ (أَي المَاء) الفؤوس وَالْمَعَاوِلُ، فَذَهَبَ مَاءُ عَيْنَيْهِ. نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى آيَاتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ).(29/56).
وفي قوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) )
قال: (وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ اللَّهَ يُجَازِي عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ بِطِيبِ الْعَيْشِ). (29/199).
استنباط علمي من قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)).قال رحمه الله: (وَفِي جَعْلِ الْقَمَرِ نُورًا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ ضَوْءَ الْقَمَرِ لَيْسَ مِنْ ذَاتِهِ فَإِنَّ الْقَمَرَ مُظْلِمٌ وَإِنَّمَا يَسْتَضِيءُ بِانْعِكَاسِ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ عَلَى مَا يَسْتَقْبِلُهَا مِنْ وَجْهِهِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ ذَلِكَ الِاسْتِقْبَالِ مِنْ تَبَعُّضٍ وَتَمَامٍ وهُوَ أَثَرُ ظُهُورِهِ هِلَالًا ثُمَّ اتِّسَاعُ اسْتِنَارَتِهِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ بَدْرًا، ثُمَّ ارْتِجَاعُ ذَلِكَ، وَفِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ يُضِيءُ عَلَى الْأَرْضِ إِلَى أَنْ يَكُونَ الْمَحَاقُ. وَبِعَكْسِ ذَلِكَ جُعِلَتِ الشَّمْسُ سِرَاجًا لِأَنَّهَا مُلْتَهِبَةٌ وَأَنْوَارُهَا ذَاتِيَّةٌ فِيهَا صَادِرَةٌ عَنْهَا إِلَى الْأَرْضِ وَإِلَى الْقَمَرِ مِثْلَ أَنْوَارِ السِّرَاجِ تَمْلَأُ الْبَيْتَ وَتَلْمَعُ أَوَانِي الْفِضَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِي الْبَيْتِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُقَابِلَةِ.). (29/204).
استنباط بديع من قوله تعالى: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)). قال رحمه الله: (وَفِي كَلَامِ نُوحٍ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُصْلِحِينَ يَهْتَمُّونَ بِإِصْلَاحِ جِيلِهِمُ الْحَاضِرِ وَلَا يُهْمِلُونَ تَأْسِيسَ أُسُسِ إِصْلَاحِ الْأَجْيَالِ الْآتِيَةِ إِذِ الْأَجْيَالُ كُلُّهَا سَوَاءٌ فِي نَظَرِهِمُ الْإِصْلَاحِيِّ. وَقَدِ انْتَزَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ [الْحَشْر: 10] دَلِيلًا عَلَى إِبْقَاءِ أَرْضِ سَوَادِ الْعِرَاقِ غَيْرَ مَقْسُومَةٍ بَيْنَ الْجَيْشِ الَّذِي فَتَحَ الْعِرَاقَ وَجَعَلَهَا خَرَاجًا لِأَهْلِهَا قَصْدًا لِدَوَامِ الرِّزْقِ مِنْهَا لِمَنْ سَيَجِيءُ من الْمُسلمين). (29/214).
قلت: ما أبدع ذكر النظائر عند ابن عاشور فلما ذكر استصلاح الدين عند نوح عليه السلام، قرنه باستصلاح الدنيا في استنباط عمر بن الخطاب.
في قوله تعالى: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)
قال: (وَفِي هَذِهِ الْآيَةَ إِشَارَةٌ إِلَى خَطَرِ التَّقْلِيدِ فِي الْعَقِيدَةِ، وَأَنَّهَا لَا يَجُوزُ فِيهَا الْأَخْذُ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُقَلَّدِ بِفَتْحِ اللَّامِ بَلْ يَتَعَيَّنُ النَّظَرُ وَاتِّهَامُ رَأْيِ الْمُقَلَّدِ حَتَّى يَنْهَضَ دَلِيلُهُ.). (29/224).
 
في قوله تعالى: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)
استنباط دعوي بديع، قال رحمه الله: (ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ آثَارُ التَّوْفِيقِ فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ أَصْبَحُوا فَرِيقَيْنِ فَرِيقٌ صَالِحُونَ وَفَرِيقٌ لَيْسُوا بِصَالِحِينَ، وَهُمْ يَعْنُونَ بِالصَّالِحِينَ أَنْفُسَهُمْ وَبِمَنْ دُونَ الصَّلَاحِ بَقِيَّةُ نَوْعِهِمْ، فَلَمَّا قَامُوا مَقَامَ دَعْوَةِ إِخْوَانِهِمْ إِلَى اتِّبَاعِ طَرِيقِ الْخَيْرِ لَمْ يُصَارِحُوهُمْ بِنِسْبَتِهِمْ إِلَى الْإِفْسَادِ بَلْ أُلْهِمُوا وَقَالُوا مِنَّا الصَّالِحُونَ، ثُمَّ تَلَطَّفُوا فَقَالُوا: وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ، الصَّادِقُ بِمَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَةٍ فِي الشَّرِّ وَالْفَسَادِ لِيَتَطَلَّبَ الْمُخَاطَبُونَ دَلَائِلَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، عَلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا لَهُمُ احْتِمَالَ أَنْ يُعْنَى بِالصَّالِحِينَ الْكَامِلُونَ فِي الصَّلَاحِ فَيَكُونُ الْمَعْنِيُّ بِمَنْ دُونَ ذَلِكَ مَنْ هُمْ دُونَ مَرْتَبَةِ الْكَمَالِ فِي الصَّلَاحِ، وَهَذَا مِنْ بَلِيغِ الْعِبَارَاتِ فِي الدَّعْوَةِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى الْخَيْرِ). (29 / 232)
في قوله تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)
قال رحمه الله: (وَقَدِ انْتَزَعَ فَخْرُ الدِّينِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَنْزَعًا خُلُقِيًّا بِأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ فِي مُخَالَطَةِ النَّاسِ فِي هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَرْءَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِطًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ وَإِيحَاشِهِمْ لِأَنَّهُ إِنْ أَطْمَعَ نَفْسَهُ بِالرَّاحَةِ مَعَهُمْ لَمْ يَجِدْهَا مُسْتَمِرَّةً فَيَقَعُ فِي الْغُمُومِ إِنْ لَمْ يَرِضْ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ، وَإِنْ تَرَكَ الْمُخَالَطَةَ فَذَلِكَ هُوَ الهجر الْجَمِيل). (29 / 269)
في قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ..)
قال : (وطائِفَةٌ عَطْفٌ عَلَى اسْمِ إِنَّ بِالرَّفْعِ وَهُوَ وَجْهٌ جَائِزٌ إِذَا كَانَ بَعْدَ ذِكْرِ خَبَرِ إِنَّ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ رَفْعُهُ حِينَئِذٍ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التَّوْبَة: 3] . وَهُوَ مِنَ اللَّطَائِفِ إِذَا كَانَ اتِّصَافُ الِاسْمِ وَالْمَعْطُوفِ بِالْخَبَرِ مُخْتَلِفًا فَإِنَّ بَيْنَ قِيَامِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيَامِ الطَّائِفَةِ الَّتِي مَعَهُ تَفَاوُتًا فِي الْحُكْمِ وَالْمِقْدَارِ، وَكَذَلِكَ بَرَاءَةُ اللَّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَرَاءَةُ رَسُولِهِ. فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ وَيُعَامِلُهُمْ، وَأَمَّا اللَّهُ فغاضب عَلَيْهِم وَلَا عَنْهُم.) (29 / 281)
في قوله تعالى: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
قال: ( وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَتَأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَضِيلَةَ التِّجَارَةِ وَالسَّفَرِ لِلتَّجْرِ حَيْثُ سَوَّى اللَّهُ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ وَالْمُكْتَسِبِينَ الْمَالَ الْحَلَالَ، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ مَا ذَكَرَ هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ لِنَسْخِ تَحْدِيدِ الْقِيَامِ إِلَّا تَنْوِيهًا بِهِمَا لِأَنَّ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَعْذَارِ مَا هُوَ أَشْبَهُ بِالْمَرَضِ، وَدَقَائِقُ الْقُرْآنِ وَلَطَائِفُهُ لَا تَنْحَصِرُ.) (29 / 285)
في الآية السابقة وهي آخر آية في سورة المزمل، وفي تخفيف القيام عن المسافر والمريض والمجاهد يقول قرة عيني، ومهجة فؤادي ابن عاشور رحمه الله: ( فَهَذِهِ الْآيَةُ صَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ أَصْلًا لِلْتَعْلِيلِ بِالْمَظِنَّةِ وَصَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ أَصْلًا تُقَاسُ عَلَيْهِ الرُّخَصُ الْعَامَّةُ الَّتِي تُرَاعَى فِيهَا مَشَقَّةُ غَالِبِ الْأُمَّةِ مِثْلَ رُخْصَةِ بَيْعِ السَّلَمِ دُونَ الْأَحْوَالِ الْفَرْدِيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ.) (29 / 287)
في قوله تعالى: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
يقول رحمه الله: ( وَأَحْسَبُ أَنَّ فِي ذِكْرِ التَّكْبِيرِ إِيمَاءً إِلَى شَرْعِ الصَّلَاةِ الَّتِي أَوَّلُهَا التَّكْبِيرُ وَخَاصَّةً اقْتِرَانُهُ بِقَوْلِهِ: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 4] فَإِنَّهُ إِيمَاءٌ إِلَى شَرْعِ الطَّهَارَةِ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ إِعْدَادٌ لِشَرْعِ الصَّلَاةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنْ قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ عَقِبَ هَذِهِ السُّورَةِ وَهِيَ غَيْرُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى فِي الْمَسْجِد الْحَرَام.) (29 / 296)
في قوله تعالى: ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا)
يقول رحمه الله: ( وَفِي هَذَا الْإِبْطَالِ وَالرَّدْعِ إِيذَانٌ بِأَنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ سَبَبٌ لِقَطْعِهَا قَالَ تَعَالَى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [إِبْرَاهِيم: 7] ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النِّعَمَ فَقَدْ تَعْرَّضَ لِزَوَالِهَا، وَمَنْ شَكَرَهَا فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِهَا» .(29 / 305)
 
جزاكم الله خيرا
ما سنة وفاته بارك الله فيكم؟ له استنباطات عجيبة و نفيسة.
لفتت انتباهي إشاراته للإعجاز العلمي
 
بارك الله في الأخوين الفاضلين ، وقد توفي ابن عاشور والأمين الشنقيطي في سنة واحدة وهي سنة 1393هـ، ورغم قربهما في البلدان إلا أنهما لم يلتقيا جمعنا الله بهم في جنات النعيم، وأما ما يسمى الإعجاز العلمي عند ابن عاشور فهو ظاهر بل يرجح أقوالا في بعض الأحيان بناء على هذه القرينة كما في ترجيحه خلق السماء قبل الأرض، حيث اعتمد كلام علماء الهيئة، وليت باحث يدرس هذا الأصل عند ابن عاشور.
في قوله تعالى: (كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34))
قال رحمه الله: (ومناسبة الْقسم ب الْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ تَظْهَرُ بِهَا أَنْوَارٌ فِي خِلَالِ الظَّلَامِ فَنَاسَبَتْ حَالَيِ الْهُدَى وَالضَّلَالِ مِنْ قَوْلِهِ: (كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ [المدثر: 31] وَمن قَوْلِهِ: وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ [المدثر: 31] فَفِي هَذَا الْقَسَمِ تَلْوِيحٌ إِلَى تَمْثِيلِ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ النَّاسِ عِنْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِحَالِ اخْتِرَاقِ النُّورِ فِي الظُّلْمَةِ.)(29 / 322)
وفي قوله تعالى: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)
قال رحمه الله: (وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُ عُلَمَائِنَا الَّذِينَ يَرَوْنَ جَوَازَ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنِ الْمُبِينِ مُتَمَسِّكِينَ بِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَهُوَ مُتَمَسَّكٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّرَاخِيَ الَّذِي أَفَادَتْهُ ثُمَّ إِنَّمَا هُوَ تَرَاخٍ فِي الرُّتْبَةِ لَا فِي الزَّمَنِ، وَلِأَنَّ ثُمَّ قَدْ عَطَفَتْ مَجْمُوعَ الْجُمْلَةِ وَلَمْ تَعْطِفْ لَفَظَ بَيانَهُ خَاصَّةً، فَلَوْ أُرِيدَ الِاحْتِجَاجُ بِالْآيَةِ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ حَقًّا لَا يَخْلُو عَنْهُ الْبَيَانُ وَذَلِكَ غير صَحِيح).(29/350).
وفي قوله تعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46))
قال رحمه الله: (وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ، سَلَكُوا بِهَا طَرِيقَ الْإِطْنَابِ الْمُنَاسِبَ لِمَقَامِ التَّحَسُّرِ وَالتَّلَهُّفِ عَلَى مَا فَاتَ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: لِأَنَّا لَمْ نَكُنْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ اشْتَهَرُوا بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الصَّلَاةِ، وَبِأَنَّهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، وَبِأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَبِيَوْمِ الدِّينِ وَيُصَدِّقُونَ الرُّسُلَ.... وَبِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ فِي جَوَابِهِمْ فَضْلًا عَنْ مَعْنَى الْكِنَايَةِ، لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ).(29 / 327)
وفي قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
قال رحمه الله: (وَمِنَ النَّوَادِرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» مَعَ مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي «بَيَانِهِ» :، قَالَ: وَعَنْ بَعْضِ الشُطَّارِ (هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ الطَّبِيبُ كَمَا بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ) أَنَّهَا (أَيْ هَذِهِ الْآيَةِ) تُلِيَتْ عِنْدَهُ فَقَالَ: تَجِيءُ بِهِ (أَي المَاء) الفؤوس وَالْمَعَاوِلُ، فَذَهَبَ مَاءُ عَيْنَيْهِ. نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى آيَاتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ).(29 / 56)
وفي قوله تعالى: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)
قال رحمه الله: (وَأُوثِرَ نَفْيُ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ فِي جَانِبِ انْتِفَاءِ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ شَاعِرٍ، وَنَفْيُ التَّذَكُّرِ فِي جَانِبِ انْتِفَاءِ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ كَاهِنٍ، لِأَنَّ نَفْيَ كَوْنِ الْقُرْآنِ قَوْلَ شَاعِرٍ بَدِيهِيٌّ إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُشْبِهُ الشِّعْرَ مِنِ اتِّزَانِ أَجْزَائِهِ فِي الْمُتَحَرِّكِ وَالسَّاكِنِ وَالتَّقْفِيَةِ الْمُتَمَاثِلَةِ فِي جَمِيعِ أَوَاخِرِالْأَجْزَاءِ، فَادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُ قَوْلُ شَاعِرٍ بُهْتَانٌ مُتَعَمَّدٌ يُنَادِي عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُرْجَى إِيمَانُهُمْ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ كَوْنِ الْقُرْآنِ قَوْلَ كَاهِنٍ فَمُحْتَاجٌ إِلَى أَدْنَى تَأَمُّلٍ إِذْ قد يشبّه فِي بادىء الرَّأْيِ عَلَى السَّامِعِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَلَامٌ مَنْثُورٌ مُؤَلَّفٌ عَلَى فَوَاصِلَ وَيُؤَلَّفُ كَلَامُ الْكُهَّانِ عَلَى أَسْجَاعٍ مُثَنَّاةٍ مُتَمَاثِلَةٍ زَوْجَيْنِ زَوْجَيْنِ، فَإِذَا تَأَمَّلَ السَّامِعُ فِيهِ بِأَدْنَى تَفَكُّرٍ فِي نَظْمِهِ وَمَعَانِيهِ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ، فَنَظَمُهُ مُخَالِفٌ لِنَظْمِ كَلَامِ الْكُهَّانِ إِذْ لَيْسَتْ فَقَرَاتُهُ قَصِيرَةً وَلَا فَوَاصِلُهُ مُزْدَوِجَةً مُلْتَزَمٌ فِيهَا السَّجْعُ، وَمَعَانِيهِ لَيْسَتْ مِنْ مَعَانِي الْكَهَانَةِ الرَّامِيَةِ إِلَى الْإِخْبَارِ عَمَّا يَحْدُثُ لِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ أَحْدَاثٍ، أَوْ مَا يُلِمُّ بِقَوْمٍ مِنْ مَصَائِبَ مُتَوَقَّعَةٍ لِيَحْذَرُوهَا).(29 / 143)
وفي قوله تعالى: (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)
قال رحمه الله: (وَفِي الْكَلَامِ احْتِبَاكٌ لِأَنَّ الضُّرَّ يُقَابِلُهُ النَّفْعُ، وَالرَّشَدُ يُقَابِلُهُ الضَّلَالُ، فَالتَّقْدِيرُ: لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا ضَلَالًا وَلَا رَشَدًا).(29 / 243)
وفي قوله تعالى: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)
قال رحمه الله: (...وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الْمُرَادُ بِالشَّمْسِ حَقِيقَتُهَا وَبِالزَّمْهَرِيرِ الْبَرْدُ وَإِنَّ فِي الْكَلَامِ احْتِبَاكًا، وَالتَّقْدِيرُ: لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا حَرًّا وَلَا زَمْهَرِيرًا وَجَعَلُوهُ مِثَالًا لِلِاحْتِبَاكِ فِي الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ نُورَهَا مُعْتَدِلٌ وَهَوَاءَهَا مُعْتَدِلٌ).(29 / 390)
 
بارك الله في الأخوين الفاضلين ، وقد توفي ابن عاشور والأمين الشنقيطي في سنة واحدة وهي سنة 1393هـ، ورغم قربهما في البلدان إلا أنهما لم يلتقيا جمعنا الله بهم في جنات النعيم، وأما ما يسمى الإعجاز العلمي عند ابن عاشور فهو ظاهر بل يرجح أقوالا في بعض الأحيان بناء على هذه القرينة كما في ترجيحه خلق السماء قبل الأرض، حيث اعتمد كلام علماء الهيئة، وليت باحث يدرس هذا الأصل عند ابن عاشور.

جزاكم الله خيرا
تكلم الشيخ مساعد في كتابه "الإعجاز العلمي إلى أين؟" في مقالته السابعة عن "مصطلح الإعجاز العلمي عند الطّاهر بن عاشور" في 10 صفحات و لم أكمل الاطّلاع عليها، رعاكم الله.
 
أشار الدكتور مساعد في بداية حديثه أنه حديث مختصر، ويحتاج إلى مزيد بحث، والحقيقة أني لم أطلع على بحثه إلا بعد إشارتك
وفقك الله فهنيئا لك اطلاعك وسبقك وحرصك ، وأنت في بلاد فرنسا! (ابتسامة).
 
اللهمّ اغفر لي ما لا يعلمون و اجعلني خيرا ممّا يظنّون ؛ الكتاب، لا أخفيكم أنّه نفيس و يحتاج إلى مزيد بسط و أهداه لي المشرف الشيخ عبد الرحمن الشهري، جزاه الله و جزاكم خيرا.
ما أحلى الحب في الله و التعاون في تدبّر كلامه.
كلام الشيخ مختصر و لكنّه بيّن بوضوح أنّ المفسّر رحمه الله كان يرى الإعجاز العلمي" بلا إفراط و لا تفريط" ، رحمه الله .
رعاكم الله و في انتظار استنباطات جديدة
 
في قوله تعالى: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
يقول رحمه الله: ( وَهَذَا تَمْهِيدٌ لِإِبْطَالِ أَثَرِ صِيغَةِ الظِّهَارِ فِي تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، بِمَا يُشِيرُ إِلَى أَن الأمومة حَقِيقَة ثَابِتَةٌ لَا تُصْنَعُ بِالْقَوْلِ إِذِ الْقَوْلُ لَا يُبَدِّلُ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [4] : ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَلِذَلِكَ أَعْقَبَ هُنَا بِقَوْلِهِ: إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ)(28 / 12).
ومن باب الاستطراد فقد أوضح هذا الاستنباط البديع في سورة الأحزاب فقال عند قوله تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) : قال: (فَهَذَا مُقَدِّمَةٌ لِمَا أُمِرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِهِ مِمَّا يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ تَشْرِيعُ الِاعْتِبَارِ بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَمَعَانِيهَا، وَأَنَّ مَوَاهِيَ الْأُمُورِ لَا تَتَغَيَّرُ بِمَا يُلْصَقُ بِهَا مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلْحَقَائِقِ، وَأَنَّ تِلْكَ الْمُلْصَقَاتِ بِالْحَقَائِقِ هِيَ الَّتِي تَحْجُبُ الْعُقُولَ عَنِ التَّفَهُّمِ فِي الْحَقَائِقِ الْحَقِّ، وَهِيَ الَّتِي تَرِينُ عَلَى الْقُلُوبِ بتلبيس الْأَشْيَاء.
وَذكر هَاهُنَا نَوْعَينِ مِنَ الْحَقَائِقِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ حَقَائِقِ الْمُعْتَقَدَاتِ لِأَجْلِ إِقَامَةِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ، وَنَبْذِ الْحَقَائِقِ الْمَصْنُوعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْوَاقِعِ لِأَنَّ إِصْلَاحَ التَّفْكِيرِ هُوَ مِفْتَاحُ إِصْلَاحِ الْعَمَلِ، وَهَذَا مَا جَعَلَ تَأْصِيلَهُ إِبْطَالَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَعَلَ فِي خَلْقِ بَعْضِ النَّاسِ نِظَامًا لَمْ يَجْعَلْهُ فِي خَلْقِ غَيْرِهِمْ.
وَثَانِي النَّوْعَيْنِ: مِنْ حَقَائِقِ الْأَعْمَالِ لِتَقُومَ الشَّرِيعَةُ عَلَى اعْتِبَارِ مَوَاهِي الْأَعْمَالِ بِمَا هِيَ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لا بِالتَّوَهُّمِ وَالِادِّعَاءِ).(21 / 254).
وفي قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
قال رحمه الله: (وَعَدَ بِالْجَزَاءِ عَلَى الِامْتِثَالِ لِلْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ فِيمَا فِيهِ أَمْرٌ أَوْ لِمَا يَقْتَضِي الْأَمْرُ مِنْ عِلَّةٍ يُقَاسُ بِهَا عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ أَمْثَالُهُ مِمَّا فِيهِ عِلَّةُ الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَافْسَحُوا.وَلَمَّا كَانَ النُّشُوزُ ارْتِفَاعًا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ بِهِ كَانَ جَزَاؤُهُ مِنْ جِنْسِهِ).(28 / 40)
وفي قوله تعالى: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18)
يقول رحمه الله في فائدة نفيسة: (وَهَذَا يَقْتَضِي تَوَغُّلَهُمْ فِي النِّفَاقِ وَمُرُونَتَهُمْ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ بَاقٍ فِي أَرْوَاحِهِمْ بَعْدَ بَعْثِهِمْ لِأَنَّ نُفُوسَهُمْ خَرَجَتْ مِنْ عَالَمِ الدُّنْيَا مُتَخَلِّقَةً بِهِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ إِنَّمَا تَكْتَسِبُ تَزْكِيَةً أَوْ خُبْثًا فِي عَالَمِ التَّكْلِيفِ. وَحِكْمَةُ إِيجَادِ النُّفُوسِ فِي الدُّنْيَا هِيَ تَزْكِيَتُهَا وَتَصْفِيَةُ أَكْدَارِهَا لِتَخْلُصَ إِلَى عَالَمِ الْخُلُودِ طَاهِرَةً، فَإِنْ هِيَ سَلَكَتْ مَسْلَكَ التَّزْكِيَةِ تَخَلَّصَتْ إِلَى عَالَمِ الْخُلُودِ زَكِيَّةً وَيَزِيدُهَا اللَّهُ زَكَاءً وَارْتِيَاضًا يَوْمَ الْبَعْثِ. وَإِنِ انْغَمَسَتْ مُدَّةَ الْحَيَاةِ فِي حَمْأَةِ النَّقَائِصِ وَصَلْصَالِ الرَّذَائِلِ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ تَشْوِيهًا لِحَالِهَا لِتَكُونَ مَهْزَلَةً لِأَهْلِ الْمَحْشَرِ.
وَقَدْ تَبْقَى فِي النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ خَلَائِقُ لَا تُنَافِي الْفَضِيلَةَ وَلَا تُنَاقِضُ عَالَمَ الْحَقِيقَةِ مِثْلُ الشَّهَوَاتِ الْمُبَاحَةِ وَلِقَاءِ الْأَحِبَّةِ قَالَ تَعَالَى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ يَا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ [الزخرف: 67- 70] .وَفِي الحَدِيث: أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَسْتَأْذِنُ رَبَّهُ أَنْ يَزْرَعَ، فَيَقُول الله: أَو لست فِيمَا شِئْتَ قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ فَيُبَادِرُ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ. وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عِنْد النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نَجْدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زرع، فَضَحِك النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِقْرَارًا لِمَا فَهِمَهُ الْأَعْرَابِيُّ» .(28 / 53)
وفي قوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)
قال رحمه الله: (وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ لِإِثْبَاتِ حُجِّيَّةِ الْقِيَاسِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الِاعْتِبَارِ).(28 / 72)
وفي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)
يقول رحمه الله: (وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذْكُرُوا سَلَفَهُمْ بِخَيْرٍ، وَأَنَّ حَقًّا عَلَيْهِمْ مَحَبَّةُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَتَعْظِيمُهُمْ، قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ يُبْغِضُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَانَ قَلْبُهُ عَلَيْهِ غِلٌّ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَرَأَ وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ الْآيَةَ.
فَلَعَلَّهُ أَخَذَ بِمَفْهُومِ الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا الْآيَةَ، فَإِنَّ الْمَقْصِدَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ أَنْ يُضْمِرُوا مَضْمُونَهُ فِي نُفُوسِهِمْ فَإِذَا أَضْمَرُوا خِلَافَهُ وَأَعْلَنُوا بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ فَقَدْ تَخَلَّفَ فِيهِمْ هَذَا الْوَصْفُ، فَإِنَّ الْفَيْءَ عَطِيَّةٌ أَعْطَاهَا اللَّهُ تِلْكَ الْأَصْنَافَ وَلَمْ يَكْتَسِبُوهَا بِحَقِّ قِتَالٍ، فَاشْتَرَطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي اسْتِحْقَاقِهَا أَنْ يَكُونُوا مُحِبِّينَ لِسَلَفِهِمْ غَيْرَ حَاسِدِينَ لَهُمْ.)(28 / 97)
 
في قوله تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
قال رحمه الله، وقدس روحه، ونور ضريحه في فائدة نفيسة، ودسيسة من دسائس الأعداء: (بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَالَهُمْ فِي اخْتِلَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ذَكَرَ حَالَ نِيَّاتِهِمُ الْخَبِيثَةِ عِنْدَ الْحُضُورِ فِي مجْلِس النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ يَتَتَبَّعُونَ سُوءَ نِيَّاتِهِمْ مِنْ كَلِمَاتٍ يَتَبَادَرُ مِنْهَا لِلسَّامِعِينَ أَنَّهَا صَالِحَةٌ فَكَانُوا إِذَا دَخَلُوا على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْفِتُونَ لَفْظَ «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» لِأَنَّهُ شِعَارُ الْإِسْلَامِ وَلِمَا فِيهِ من جمع مَعْنَى السَّلَامَةِ يَعْدِلُونَ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ: أَنْعِمْ صَبَاحًا، وَهِيَ تَحِيَّةُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ أَنْ يَتْرُكُوا عَوَائِدَ الْجَاهِلِيَّةِ. نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.) (28/31).
وهذا يذكرني بقرينة لهذه الفائدة ذكرها السعدي عند قوله تعالى: ({ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ } من المنافقين، بعد ما جزعوا وقلَّ صبرهم، وصاروا أيضًا من المخذولين، فلا صبروا بأنفسهم، ولا تركوا الناس من شرهم، فقالت هذه الطائفة: { يَا أَهْلَ يَثْرِبَ } يريدون " يا أهل المدينة " فنادوهم باسم الوطن المنبئ عن التسمية فيه إشارة إلى أن الدين والأخوة الإيمانية، ليس له في قلوبهم قدر، وأن الذي حملهم على ذلك، مجرد الخور الطبيعي).(660).
فمن طبع المنافقين ترك التسمية الشرعية.
في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
قال رحمه الله: (وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَنْبِيهِهِمْ عَلَى هَذَا التَّصْدِيقِ حِينَ ابْتَدَأَهُمْ بِالدَّعْوَةِ تَقْرِيبُ إِجَابَتِهِمْ وَاسْتِنْزَالُ طَائِرِهِمْ لِشِدَّةِ تَمَسُّكِهِمْ بِالتَّوْرَاةِ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ أَحْكَامَهَا لَا تَقْبَلُ النَّسْخَ، وَأَنَّهَا دَائِمَةٌ. وَلِذَلِكَ لَمَّا ابْتَدَأَهُمْ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا مَا حَكَى عَنْهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [50] مِنْ قَوْلِهِ: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، فَيُحْمَلُ مَا هُنَالِكَ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ وَاقِعٌ بَعْدَ أَوَّلِ الدَّعْوَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُوحِ إِلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِنَسْخِ بَعْضِ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ ثُمَّ أَوْحَاهُ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. فَحِينَئِذٍ أَخْبَرَهُمْ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ شَأْنُ التَّشْرِيعِ أَنْ يُلْقَى إِلَى الْأُمَّةِ تَدْرِيجًا). (28/180).
وفي قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
قال رحمه الله: (وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ حُضُورِ الْخُطْبَةِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِذْ لَمْ يَقُلْ: وَتَرَكُوا الصَّلَاةَ.). (28/229).
وفي قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
قال رحمه الله: (يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ جُمْلَةِ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ لِغَرَابَةِ مَعْنَاهَا تُثِيرُ سُؤَالًا عَنْ سَبَبِ هَلَعِهِمْ وَتَخَوُّفِهِمْ مِنْ كُلِّ مَا يَتَخَيَّلُ مِنْهُ بَأْسُ الْمُسْلِمِينَ فَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِأَنِّهُمْ أَعْدَاءٌ أَلَدَّاءٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَنْظُرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَرْآةِ نُفُوسِهِمْ فَكَمَا هُمْ يَتَرَبَّصُونَ بِالْمُسْلِمِينَ الدَّوَائِرَ وَيَتَمَنَّوْنَ الْوَقِيعَةَ بِهِمْ فِي حِينَ يُظْهِرُونَ لَهُمُ الْمَوَدَّةَ كَذَلِكَ يَظُنُّونَ بِالْمُسْلِمِينَ التَّرَبُّصَ بِهِمْ وَإِضْمَارَ الْبَطْشِ بِهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ:
إِذَا سَاءَ فِعْلُ الْمَرْءِ سَاءَتْ ظُنُونُهُ ... وَصَدَّقَ مَا يَعْتَادُهُ مِنْ تَوُهُّمِ).(28/241).
في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
قال رحمه الله: (وَهَذَا يومىء إِلَى ضَبْطِ مَا يُرَاعَى مِنَ الْغَيْرَةِ وَمَا لَا يُرَاعَى.).(28/346).
وقال أيضاً في كلام بديع: (وَفِي قَوْله: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ عذر للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا فَعَلَهُ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ خَيْرًا وَهُوَ جَلْبُ رِضَا الْأزْوَاج لِأَنَّهُ أعون عَلَى مُعَاشَرَتِهِ مَعَ الْإِشْعَارِ بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَرْضَاةِ لَا يَعْبَأُ بِهَا لِأَنَّ الْغَيْرَةَ نَشَأَتْ عَنْ مُجَرَّدِ مُعَاكَسَةِ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا وَذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلُّ بِهِ حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ بَيْنَهُنَّ، فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الِاجْتِهَادَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ يُفْضِي إِلَى قَطْعِ كَثِيرٍ مِنْ أَسْبَابِ شُكْرِ اللَّهِ عِنْدَ تَنَاوُلِ نِعَمَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ يَنْبَغِي إِبْطَالُهُ فِي سِيرَةِ الْأُمَّةِ.
وَذُيِّلَ بِجُمْلَةِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ استئناسا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَحْشَةِ هَذَا الْمَلَامِ).(28/347)
 
عودة
أعلى