سلسلة أقوال الإمام الشاطبي في التفسير

إنضم
18/04/2014
المشاركات
270
مستوى التفاعل
6
النقاط
18
الإقامة
القصيم
بسم1
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعضاء الملتقى الكرام يسرني أن نلتقى في كل جمعة -إن شاء الله تعالى- على مائدة من موائد التفسير الزاخرة بأطايب العلم, من خلال سلسلة حلقات ننظمها من أقوال الإمام الشاطبي في التفسير؛ إذ لا يخفى على قدير علمكم القيمة العلمية لتراث ذلكم العلم الجهبذ الذي يجدر بطالب العلم أن يأخذ من علمه بسجلٍ وافرٍ.
ومن توفيق الله تعالى أن هيأ لذلكم الجانب العلمي –التفسير وعلومه- من علم الإمام الشاطبي من يجمعه ويعتني به, فكان من أبرز تلك الجهود؛ كتاب: ((علوم القرآن عند الإمام الشاطبي)) لفضيلة الشيخ أ.د. مساعد بن سليمان الطيار.
وكتاب: ((أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- جمعًا ودراسةً)) الذي نحن بصدد قراءته والتعريف به.
فهذا الكتاب في أصله رسالة دكتوراه لفضيلة الشيخ أ.د.محمد بن عبدالله الضالع, أستاذ القرآن وعلومه بجامعة القصيم, وقد بذل جهدًا واسعًا في جمع أقوال الإمام الشاطبي ودراستها, مع بيان منهجه في التفسير وعنايته بعلوم القرآن.
وكان من ثمار تميز هذا البحث وأهميته أن تولى مركز تفسير نشره وإخراجه في طبعةٍ تسرُّ الناظرين..فجزاهم الله جميعًا عن القرآن وأهله خير الجزاء وأوفره.
وإني في هذه السلسلة سأنتقي بعضًا من أقوال الإمام الشاطبي من هذا الكتاب, وأطرحها ههنا كل يوم جمعة -بإذن الله تعالى-, وهدفي من ذلك تشجيع نفسي وغيري على قراءة هذا الكتاب, أو الإفادة مما فيه وأخذ فكرة وافية عنه لمن لم يستطع قراءته كاملًا.
ولكن قبل أن أشرع في ذلك, أود أن أعرض لكم بإيجاز خطة المؤلف في كتابه على النحو التالي:
المقدمة.
التمهيد.
القسم الأول: أبو إسحاق الشاطبي ومنهجه في التفسير.
الفصل الأول: حياة أبي إسحاق الشاطبي (وفيه جملة مباحث ومطالب).
الفصل الثاني: مصادر أبي إسحاق الشاطبي في التفسير.
الفصل الثالث: منهج أبي إسحاق الشاطبي في التفسير: (وفيه خمسة عشر مبحثًا).
الفصل الرابع: القواعد التفسيرية عند أبي إسحاق الشاطبي بين النظرية والتطبيق.
القسم الثاني: أقوال أبي إسحاق الشاطبي في التفسير.



___
 
الحلقة الأولى: سورة الفاتحة [6 – 7].
الجمعة: 29/ محرم/ 1440هـ.

قال تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.
قال الشاطبي: "... الضلال في غالب الأمر إنما يُستعمل في موضع يَزِلُّ صاحبه لشبهةٍ تعرض له, أو تقليد من عُرضت له الشبهة, فيتخذ ذلك الزلل شرعًا ودينًا يدين به, مع وجود واضحة الطريق الحقّ ومحض الصواب.
ولما لم يكن الكفر في الواقع مقتصرًا على هذا الطريق, بل ثَمّ طريق آخر؛ وهو الكفر بعد العرفان عنادًا أو ظلمًا؛ ذكر الله تعالى الصنفين في السورة الجامعة, وهي أم القرآن:
فقال تعالى:
{اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
فهذه هي المحبة العظمى التي دعا الأنبياء عليهم السلام إليها.
ثم قال: {
غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
فالمغضوب عليهم هم اليهود؛ لأنهم كفروا بعد معرفتهم نبوة محمد
صلى الله عليه وسلم, ألا ترى إلى قول الله فيهم: {الذين ءاتينهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}[البقرة: 146] يعني اليهود.
والضالون هم النصارى لأنهم ضلوا عن الحجة في عيسى عليه السلام , وعلى هذا التفسير أكثر المفسرين, وهو مرويٌّ عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ويلحق بهم في الضلال المشركون الذين أشركوا مع الله إلهًا غيره؛ لأنه قد جاء في أثناء القرآن ما يدل على ذلك؛ ولأن لفظ القرآن في قوله تعالى: {
ولا الضالين} يعمهم وغيرهم, فكل من ضلّ عن سواء السبيل داخل فيه.
ولا يبعد أن يُقال: إن {
الضالين} يدخل فيه كل من ضلّ عن الصراط المستقيم؛ كان من هذه الأمة أو لا؛ إذ قد تقدّم في الآيات المذكورة قبل هذا مثله, فقوله تعالى: {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}[الأنعام: 153] عام في كل ضال؛ كان ضلاله كضلال أهل الشرك والنفاق, أو كضلال الفرق المعدودة في الملة الإسلامية, وهو أبلغ وأعلى في قصد حصر أهل الضلال, وهو اللائق بكليَّة فاتحة الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم الذي أُوتيه محمد صلى الله عليه وسلم"(1).


______
(1) أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير -جمعًا ودراسة, د.محمد الضالع: (1/ 157 - 159).
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيراً وزادك علماً وفهماً وبركة وهدى ورحمة
أولاًا الفكرة راااائعة جداً
ولكن زيدي علينا قليلاً من مائدة التفسير واطايب الكلام
لنُغذي قلوبنا وعقولنا بارك الله فيك
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيراً وزادك علماً وفهماً وبركة وهدى ورحمة
أولاًا الفكرة راااائعة جداً
ولكن زيدي علينا قليلاً من مائدة التفسير واطايب الكلام
لنُغذي قلوبنا وعقولنا بارك الله فيك


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
حياك الله أختي المباركة رقية, وشكر لكِ حرصك وتشجيعك, وآتاك مثل سؤلكِ وزيادة.
لم يتضح لي مرادك, فهل تقصدين أن أجعل حلقتين في الأسبوع ؟ أو قصدك زيادة النصّ؟
إن كان مرادك الثاني, فأنا أتقيد بالنصّ الموجود في الكتاب إذا كان واضحًا, وربما في بعض الحلقات القادمة أُضيف شيئًا من دراسة المؤلف, مع النصوص التي تحتاج لمزيد بيان وتوجيه.
وإن كان قصدك الأول؛ فهذا ما يسمح به وقتي.
شاكرة لمرورك وتوجيهك.
وفقنا الله جميعًا لما يُحب.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك وفي وقتك وصحتك اختي
عندما قرأت الاسبوع الماضي
فجأة انتهى النص وتمنيت المزيد
لاستمتاعي به
فممكن ان ترسلي كل جمعة حلقتين إذا كان النص قصير
وزاد الله أجرك ورفع درجاتك في الجنة
 
الحلقة الثانية: نزول سورة البقرة.
الجمعة: 7/ محرم/ 1441هـ.

قال الشاطبي: "ثم لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان من أول ما نزل عليه سورة البقرة, وهي التي قررت قواعد التقوى المبنية على قواعد سورة الأنعام؛ فإنها بيَّنت من أقسام أفعال المكلفين جملتها, وإن تبين في غيرها تفاصيلٌ لها؛ كالعبادات التي هي قواعد الإسلام, والعادات من أصل المأكول والمشروب وغيرهما, والمعاملات من البيوع والأنكحة وما دار بها, والجنايات من أحكام الدماء وما يليها.
وأيضًا فإن حفظ الدين فيها, وحفظ النفس والعقل والنسل والمال مضمن فيها, وما خرج عن المقرر فيها؛ فبحكم التكميل, فغيرها من السور المدنية المتأخرة عنها مبني عليها, كما كان غير الأنعام من المكي المتأخر عنها مبنيًا عليها, وإذا تنزَّلت إلى سائر السور بعضها مع بعض في الترتيب؛ وجدتها كذلك حذو القذَّة بالقذَّة, فلا يغيبنّ عن الناظر في الكتاب هذا المعنى؛ فإنه من أسرار علوم التفسير, وعلى حسب المعرفة به تحصل له المعرفة بكلام ربه سبحانه" ا.هـ.
قال المؤلِّف: ما ذكره الشاطبي بأن سورة البقرة مدنية؛ فهذا بالإجماع؛ كما حكاه الماوردي, والواحدي, وابن كثير, وابن حجر, والقاسمي.
وما ذهب إليه بأن سورة البقرة من أول ما نزل بالمدينة؛ فقد حكى ابن حجر الاتفاق عليه.
قال ابن كثير: "والبقرة مدنية بلا خلاف, وهي من أوائل ما نزل بها".
وقال ابن حجر: "واتفقوا على أنها مدنية, وأنها أول سورة نزلت بها, وسيأتي قول عائشة رضي الله عنها:
((وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله عليه وسلم)) ولم يدخل عليها إلا بالمدينة" (1).


______
(1)
انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: ( 1/ 165 – 167 ).
 
الحلقة الثالثة: [آية 3 – سورة البقرة].
الجمعة: 14/ محرم/ 1441هـ.

قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)}
قال الشاطبي: "وقوله: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}, وإقام الصلاة بمعنى الدوام عليها؛ بهذا فُسرت الإقامة؛ حيث ذُكرت مضافة إلى الصلاة, وجاء هذا كله في معرض المدح, وهو دليل على قصد الشارع إليه, وجاء الأمر به صريحًا في مواضع كثيرة؛ كقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}".
قال المؤلف:
"فسّر الشاطبي إقام الصلاة بمعنى الدوام عليها؛ وما ذهب إليه الشاطبي ذهب إليه بعض المفسرين؛ كالسمرقندي, وابن عطية, والبقاعي, وهذا أحد الوجهين في معنى الآية.
والوجه الثاني: أن المراد بإقام الصلاة؛ إتمام فعلها على الوجه المأمور به.
وذهب إليه بعض المفسرين؛ كالبيضاوي, وأبي السعود, والألوسي.
وعبارات المفسرين ترجع إلى هذين الوجهين, والذي يظهر أنهما من اختلاف التنوع, إذ هما معنيان صحيحان داخلان في معنى إقامة الصلاة, إذ إقامة الصلاة لا تكون إلا بأدائها على الوجه الشرعي مع المداومة عليها, فكل منهما يستلزم الآخر, واقتصار المفسر على أحد الوجهين لا يستلزم نفي الآخر, ولذا من المفسرين من فسر إقامة الصلاة بما يدل على هذين الوجهين؛ كالطبري, والجصاص, والبغوي, والرازي, والقرطبي, والشوكاني, والقاسمي.
قال البغوي: "قوله تعالى: {
وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} ؛ أي: يؤدونها بحدودها وفروضها الظاهرة والباطنة؛ كالخشوع والمراقبة وتدبر المتلو والمقروء".

______
انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: (1/ 168).
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين اما بعد جزاكم الله تعالى خيرا الاستاذة الفاضلة على هذه المشاركة النافعة إن شاء الله تعالى ، وقد وجدت وجهاً ثالثاً ذكره صاحب المنار نقلاُ عن الامام محمد عبده وهو :(
قَالَ : ( وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ) إِلَخْ ، الصَّلَاةُ : إِظْهَارُ الْحَاجَةِ وَافْتِقَارٌ إِلَى الْمَعْبُودِ بِالْقَوْلِ أَوِ الْعَمَلِ أَوْ كِلَيْهِمَا ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمُ ( ( الصَّلَاةُ مَعْنَاهَا الدُّعَاءُ ) ) لِأَنَّ إِظْهَارَ الْحَاجَةِ إِلَى الْعَظِيمِ الْكَرِيمِ وَلَوْ بِالْفِعْلِ فَقَطِ الْتِمَاسٌ لِلْحَاجَةِ وَاسْتِدْرَارٌ لِلنِّعْمَةِ ، أَوْ طَلَبٌ لِدَفْعِ النِّقْمَةِ ، أَرَأَيْتُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَقِفُونَ بَيْنَ أَيْدِي الْمُلُوكِ نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ حَانِيِي ظُهُورِهِمْ ، وَتَارَةً يَقَعُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ يُقَبِّلُونَهَا ، أَلَيْسَ الْبَاعِثَ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ إِمَّا خَوْفٌ مِنْ عُقُوبَةٍ يَطْلُبُونَ بِهِ دَفْعَهَا ، وَإِمَّا حَذَرٌ عَلَى نِعْمَةٍ يَتَوَقَّوْنَ سَلْبَهَا وَرَفْعَهَا ، فَيَلْتَمِسُونَ بَقَاءَهَا وَيَرْجُونَ زِيَادَتَهَا وَنَمَاءَهَا ؟ ) تفسير المنار- 107/1 .
والله تعالى اعلم .
 
حياكم الله, وبارك فيكم, وشكر لكم هذا الإثراء الذي تفضلتم بنقله.
لا شك أن ما ذكرتموه هو من ملزومات إقامة الصلاة الذي تتحقق به العبودية لله تعالى..
فركوع العبد وسجوده وتسبيحه... هو غاية الذل لله تعالى, وبُغية العبد من ذلك هي تحصيل الثواب والنجاة من العقاب, ولكن يتفاوت الناس في مقام تحقيق العبودية على الوجه الأكمل فكل بحسبه, وإن اتحد مقصودهم, والله أعلم.
 
الحلقة الرابعة: [الآيات 8-14/ سورة البقرة].
الجمعة: 21/ محرم/ 1441هـ.

قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ (13) }
قال الشاطبي: "...فمن الكتاب: ما وصف الله به المنافقين في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ...} إلى آخر الآيات, فذمَّهم وتوعدهم وشنّع عليهم, وحقيقة أمرهم أنهم أظهروا كلمة الإسلام إحرازًا لدمائهم وأموالهم, لا لما قصد له في الشرع من الدخول تحت طاعة الله على اختيار وتصديق قلبي؛ وبهذا المعنى كانوا في الدرك الأسفل من النار.
وقيل فيهم: إنهم {
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا}
وقالوا عن أنفسهم: {
إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}؛ لأنهم تحيَّلوا بملابسة الدين وأهله إلى أغراضهم الفاسدة.
قال المؤلف:
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى: {
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ...} إلى آخر الآيات, إنما هو في وصف المنافقين.
وما ذهب إليه الشاطبي؛ هو الثابت عن جميع المفسرين, وقد حكى ابن جرير الطبري الإجماع على نزول هذه الآيات في المنافقين.
قال الطبري: "وأجمع جميع أهل التأويل على أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل النفاق, وأن هذه الصفة صفتهم"(1).

______
(1)انظر: أقوال الإمام أبي اسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: 1/ 171.
 
الحلقة الخامسة: [الآية 26 - سورة البقرة].
الجمعة: 28/ محرم/ 1441هـ.

قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)}
قال الشاطبي: "...فإنهم لما مثلت أصنامهم التي اتخذوها من دون الله ببيت العنكبوت في ضعفه؛ تركوا التأمل والاعتبار فيما قيل لهم حتى يتحققوا أن الأمر كذلك, وأخذوا في ظاهر التمثيل بالعنكبوت من غير التفات إلى المقصود, وقالوا: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا}؛ فأخبر الله تعالى عن الحقيقة السابقة فيمن شأنه هذا بقوله:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}؛ ثم استدرك البيان المنتظر بقوله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} ؛ نفيًا لتوهم من يتوهم أنه أنزل بقصد الإضلال لقوم, والهداية لقوم؛ أي: هو هدى؛ كما قال أولًا: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}, لكن الفاسقين يضلون بنظرهم إلى غير المقصود من إنزال القرآن؛ كذلك هو هدًى للمتقين الذين ينظرون إلى صواب الحقيقة فيه, وهو الذي أنزل من أجله.."(1).



______
(1) انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: (1/ 181).
 
الحلقة السادسة: [الآية 30 - سورة البقرة].
الجمعة: 5/ صفر/ 1441هـ.

قال تعالى:{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)}
قال الشاطبي: "ورُوي في الأخبار أن الملائكة لما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} الآية؛ فرد الله عليهم بقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ؛ أرسل الله عليهم نارًا فأحرقتهم".
قال المؤلف:
ذكر الشاطبي هذا الخبر بصيغة التمريض (رُوي)؛ وهو كذلك؛ لأن هذا الخبر لا يصح.
قال ابن كثير – بعد أن أورد هذا الخبر مع وصفه بالغرابة -: "وهذا أيضًا إسرائيلي منكر...".
وقال الألوسي – بعد أن أورد هذا الخبر-: "وعندي أن ذلك غير صحيح"(1).


______
(1)أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: 1/ 188.
 
الحلقة السابعة: [الآية 45 -46 / سورة البقرة].
الجمعة: 12/ صفر/ 1441هـ.

قال تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)}
قال الشاطبي: "...وحسبك من ذلك الصلاة؛ فإنها من جهة حقيقتها خفيفة؛ فإذا انضم إليها معنى المداومة ثقلت, والشاهد لذلك قوله تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)}؛ فجعلها كبيرة حتى قرن بها الأمر بالصبر, واستثنى الخاشعين؛ فلم تكن عليهم كبيرة؛ لأجل ما وصفهم به من الخوف, الذي هو سائق, والرجاء الذي هو حادٍ, وذلك ما تضمنه قوله:{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ}الآية؛ فإن الخوف والرجاء يسهلان الصعب, فإن الخائف من الأسد يسهل عليه تعب الفرار, والراجي لنيل مرغوبه يقصر عليه الطويل من المسافة؛ ولأجل الدخول في الفعل على قصد الاستمرار وُضعت التكاليف على التوسط وأُسقط الحرج, ونُهي عن التشديد"(1).


______
(1)انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير-د.محمد الضالع: (1/ 196).
 
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم
الاستاذة الفاضلة ارجو من حضرتكم التعليق على ما يكتبه الامام بما يتلاءم مع ما ذهب اليوم او بذكر أقوال لمفسرين آخرين وفقنا الله تعالى وإياكم .
 
حياكم الله ..
الإشكالية أن الدراسة أحيانًا يكون فيها تفصيلات فأكره الاجتزاء الذي قد يفوت مقصود المؤلف، أو التطويل الذي يمله القارئ، لذا أكتفي أحيانًا بكلام الشاطبي إذ هو المقصود الأهم من هذه السلسلة،
ولعلي إن شاء الله في الحلقات القادمة أراعي ذلك الجانب..
شكر الله تعاونكم..
 
الحلقة الثامنة: [الآية 104 / سورة البقرة].
الجمعة: 19/ صفر/ 1441هـ.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}
قال الشاطبي: "ونهى الله تعالى المؤمنين أن يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم{رَاعِنَا} مع قصدهم الحسن؛ لاتخاذ اليهود لها ذريعة إلى شتمه – عليه الصلاة والسلام".
قال المؤلف: "..ما ذهب إليه الشاطبي؛ ذهب إليه جمهور المفسرين.
وما ذكره ابن جرير, وأبو حيان, وابن كثير, بأن سبب النهي عن كلمة
{رَاعِنَا} لأن فيها شيئًا من الجفاء, وهو خلاف التوقير للنبي صلى الله عليه وسلم, وأن في هذا مشابهة لليهود في أقوالهم وأفعالهم مع أنبياء الله تعالى؛ فإن هذا داخل في معنى النهي أيضًا.
وقد دلّ على فعل اليهود هذا قوله تعالى:
مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) [النساء: 64].
قال ابن القيم: "قوله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}نهاهم سبحانه أن يقولوا هذه الكلمة مع قصدهم بها الخير؛ لئلا يكون قولهم ذريعة إلى التشبه باليهود في أقوالهم وخطابهم, فإنهم كانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويقصدون السبّ..فنهى المسلمون عن قولها سدًا لذريعة المشابهة, ولئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يقولها اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم تشبهًا بالمسلمين يقصدون بها غير ما قصده المسلمون".
وقال السعدي: "كان المسلمون يقولون حين خطبهم للرسول
صلى الله عليه وسلم عن تعلمهم أمر الدين {رَاعِنَا} ؛ أي راع أحوالنا, فيقصدون بها معنى صحيحًا, وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدًا, فانتهزوا الفرصة, فصاروا يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك, ويقصدون المعنى الفاسد؛ فنهى الله المؤمنين عن هذا الكلمة سدًا لهذا الباب"(1).


______
(1) انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير-د.محمد الضالع: 1/ 209.
 
الحلقة التاسعة: [الآية 114 / سورة البقرة].
الجمعة: 26/ صفر/ 1441هـ.

قال الله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)}
قال الشاطبي:"وقد وقعت في القرآن تفاسير مشكلة يمكن أن تكون من هذا القبيل -يعني تفاسير الباطنية المنحرفة- أو من قبيل الباطن الصحيح, وهي منسوبة لأناس من أهل العلم؛ وربما نُسِب منها إلى السلف الصالح..وقد حمل بعضهم قوله تعالـــى:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}على أن المساجد؛ القلوب تُمنع بالمعاصي من ذكر الله..وهذا كله إن صحَّ نقله خارج عمّا تفهمه العرب, ودعوى ما لا دليل عليه في مراد الله بكلامه".
قال المؤلِّف:
"ذهب الشاطبي إلى أن حمل المساجد في الآية على القلوب تُمنع من ذكر الله تعالى؛ بأن هذا خارج عما تفهمه العرب , ودعوى ما لا دليل عليه في مراد الله بكلامه.
وما ذهب إليه الشاطبي هو الظاهر؛ لأن هذا التفسير لم ينقل عن أحد من المفسرين, سوى أهل النظر والاعتبار من الصوفية.
وهذا المنقول عنهم ليس عليه دليل, وهو مخالف لقبول التفسير الباطن فلا يصحّ؛ فهو خارج عما تفهم العرب, ودعوى في كتاب الله بلا دليل.
والمنقول عن السلف أنهم فسروا المساجد بمواضع العبادة.
قال ابن جرير في الآية: "والمساجد جمع مسجد؛ وهو كل موضع عُبد الله فيه".
وقال الماوردي في تفسيرها: "أما المساجد فهي مواضع العبادات, وفي المراد بها هنا قولان:
أحدهما: ما نُسب إلى التعبد من بيوت الله تعالى استعمالًا لحقيقة الاسم.
والثاني: أن كل موضع من الأرض, أُقيمت فيه عبادة, من بيوت الله وغيرها؛ مسجد"(1).


______
(1) انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير-د.محمد الضالع: 1/ 212.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم وهنا مسألة بحاجة إلى تعليق وتذكير ألا وهي التفاسير الشاذة عند بعض الصوفية ...ونظرا لانشغالي ارجو ممن عنده وقتا كافيا أن يكتب لإثراء الموضوع وفقنا الله تعالى وإياكم
 
الحلقة العاشرة: [الآية 173 / سورة البقرة].
الجمعة: 4/ ربيع أول/ 1441هـ.

قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173)}
قال الشاطبي: "واستدل بعضهم على تحليل شحم الخنزير بقوله تعالى: {وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ}, فاقتصر على تحريم اللحم دون غيره؛ فدل على أنه حلال (1), وربما سلَّم بعض العلماء ما قالوا, وزعم أن الشحم إنما حرم بالإجماع, والأمر أيسر من ذلك؛ فإن اللحم ينطلق على الشحم وغيره حقيقة, حتى إذا خُصَّ بالذكر؛ قيل: لا يكون العرق, ولا العصب, ولا الجلد, ولا المخ, ولا النخاع, ولا غير ذلك مما خصّ بالاسم محرّمًا؛ وهو خروج عن القول بتحريم الخنزير"(2).



(1) هو قول لبعض الظاهرية, وقد عقب المؤلف بتفصيل هذه المسألة, ولطولها لم أنقلها ههنا.

(2) انظر: أقوال الإمام الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: 1/ 226.
 
الحلقة الحادية عشرة: [الآية 189 / سورة البقرة].
الجمعة: 11/ ربيع أول/ 1441هـ.

قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
قال الشاطبي: "كل مسألة لا ينبني عليها عمل؛ فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي, وأعني بالعمل: عمل القلب وعمل الجوارح, من حيث هو مطلوب شرعًا.
والدليل على ذلك استقراء الشريعة؛ فإنا رأينا رأينا الشارع يُعرِض عما لا يفيد عملًا مكلفًا به, ففي القرآن الكريم:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ} فوقع الجواب بما يتعلق به العمل؛ إعراضًا عمّا قصده السائل من السؤال عن الهلال: ((لم يبدو في أول الشهر دقيقًا كالخيط, ثم يمتلئ حتى يصير بدرًا, ثم يعود إلى حالته الأولى؟)).
ثم قال:
{​وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} بناءً على تأويل من تأوَّل أن الآية كلها نزلت في هذا المعنى؛ فكان من جملة الجواب أن هذا السؤال في التمثيل إتيانٌ للبيوت من ظهورها, والبرُّ إنما هو التقوى, لا العلم بهذه الأمور التي لا تفيد نفعًا في التكليف, ولا تجرُّ إليه"(1).


______
(1) انظر: أقوال الإمام أبي إٍسحاق الشاطبي في التفسير-د.محمد الضالع: (1/ 263)
 
بسم1​
رحم الله الإمام الشاطبي.
الآية واضحة الدلالة أن فيها جوابًا شافيًا لسؤال المسلمين واليهود عن الأهلةِ؛ وسياقها بعد الحديث عن الصيامِ وما يلازمُهُ من اعتناء الصحابة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم من تَرقُّبِ إهلال القمر بعد استسراره.
ومنهُ ما «رُوِيَ أنَّ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ وثَعْلَبَةَ بْنَ غَنْمٍ وكُلَّ واحِدٍ مِنهُما كانَ مِنَ الأنْصارِ قالا يا رَسُولَ اللَّهِ: ما بالُ الهِلالِ يَبْدُو دَقِيقًا مِثْلَ الخَيْطِ ثُمَّ يَزِيدُ حَتّى يَمْتَلِئَ ويَسْتَوِيَ، ثُمَّ لا يَزالُ يَنْقُصُ حَتّى يَعُودَ كَما بَدَأ، لا يَكُونُ عَلى حالَةٍ واحِدَةٍ كالشَّمْسِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ» ويُرْوى أيْضًا عَنْ مُعاذٍ أنَّ اليَهُودَ سَألَتْ عَنِ الأهِلَّةِ.

فإن العادة جرتْ في الناسِ أيام الجاهليةِ بالابتداعِ واستحداث عقائدَ زائفة لم يشرعها الله تبارك وتعالى؛ فصَرَفَ اللهُ الأنظارَ عما قد يبدرُ إلى الأفهامِ ممَّا ليسَ من حِكَمِ الله في خلق الأهلة بجوابٍ كافٍ شافٍ ما أخصر مبناه وأغزر معناه؛ فقالَ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ}، وكان الشق الثاني من الآيةِ مثالًا دقيقًا لحدود العباداتِ والاستغلال المشروع غير الغالي فيما هيَّأَ الله للناس من المسخرات العلويَّة والسُّفليةِ؛ بلا شركٍ ولا بدع، فقالَ عز وجل: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ}.

فإن جمعت إلى قوله سبحانه هذا آياتٍ كثيرةً في باب المواقيت؛ عقلت حضَّه على الاعتناء بعلم المواقيتِ.

والله أعلى وأعلم.
 
الحلقة الثانية عشرة: [الآية 213 / سورة البقرة].
الجمعة: 18/ ربيع أول/ 1441هـ.

قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213)}
قال الشاطبي:"وقال تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ} ولا يكون حاكمًا بينهم إلا مع كونه قولًا واحدًا فصلًا بين المختلفين".
قال المؤلف:
"استدل الشاطبي بهذه الآية على أن الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد.
ووجه الاستدلال بالآية: أن الله أنزل الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه, ولا يكون حاكمًا بينهم إلا مع كونه قولًا واحدًا فصلًا بين المختلفين.
وما ذهب إليه الشاطبي؛ هو ما تدل عليه الآيات والأحاديث.
فمن الآيات: قوله تعالى:
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} [النساء:82], فنفى أن يقع فيه الاختلاف البتة, ولو كان فيه ما يقضي قولين مختلفين لم يصدق عليه هذا الكلام على حال.
ومن الأحاديث: قوله صلى الله عليه وسلم :
((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران, وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)).
وهذا يدل على أن الحق واحد.
قال ابن عاشور - عن علماء الإسلام: "...وقد استبرءوا للدين فأعلنوا جميعًا: أن الله تعالى حكمًا في كل مسألة, وأنه حكم واحد, وأنه كلّف المجتهدين بإصابته, وأن المصيب واحد, وأن مخطئه أقل ثوابًا من مصيبه, وأن التقصير في طلبه إثم"(1).



______
(1)أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير-د.محمد الضالع: (1/ 252).
 
الحلقة الثالثة عشرة: [الآية 260 / سورة البقرة].
الجمعة: 2/ ربيع ثاني/ 1441هـ.

قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}.
قال الشاطبي: "فقوله:{أَوَلَمْ تُؤْمِن} تقرير, فيه إشارة إلى التخوف أن لا يكون مؤمنًا, فلما قال:{بَلَىٰ} حصل المقصود".
قال المؤلف:
"ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى:{
أَوَلَمْ تُؤْمِن} تقرير, فيه إشارة إلى التخوف ألّا يكون مؤمنًا.
وما ذهب إليه الشاطبي بأن قوله تعالى:{
أَوَلَمْ تُؤْمِن} تقرير؛ ذهب إليه كثير من المفسرين؛ كالماوردي, والبغوي, وابن عطية, والرازي, والقرطبي, والألوسي, وابن عاشور.
وهذا التقرير يتضمن الشهادة لإبراهيم
عليه السلام بالإيمان, وإزالة الشبهة عن كونه شاكًّا في قدرة الله تعالى؛ كما يدل عليه قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}؛ وقوله – في محاجة النمرود- :{إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}.
وأما ما ذهب إليه الشاطبي في كون هذا التقرير في إشارة إلى التخوف ألّا يكون مؤمنًا؛ فإن هذا الاستنباط لم أجد من وافق الشاطبي عليه, والذي يظهر أن هذا الاستنباط لا يتناسب مع ما اختاره الشاطبي في كون الاستفهام للتقرير, وإنما يدخل تحت قول من يقول: بأن إبراهيم
عليه السلام كان في سؤاله شاكًّا في قدرة الله تعالى؛ وهو قول باطل؛ لأدلة منها:
1- أن إبراهيم عليه السلام لم يكن شاكًّا في قدرة الله تعالى-كما سبق بيانه – وإنما أراد أن ينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين ومن الرؤية القلبية إلى الرؤية البصرية, فهو سؤال عن الكيفية, وليس سؤالًا عن القدرة, وهذا أقوى في طمأنينة القلب.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نحن أولى بالشك من إبراهيم؛ إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي})), والمعنى: "أنه لو كان شاكًّا لكنّا نحن أحق به, ونحن لا نشك, فإبراهيم عليه السلام أحرى ألّا يشك, فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم عليه السلام.
قال الماوردي: "وليس الألف في قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِن}ألف استفهام, وإنما هي ألف إيجاب".
وقال البغوي: "قوله: {
أَوَلَمْ تُؤْمِن} معناه قد آمنت فلم تسأل, شهد له بالإيمان"(1).



______
(1)انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير-د.محمد الضالع: (2/ 295).
 
الحلقة الرابعة عشرة: [الآية 282 / سورة البقرة].
الجمعة: 9/ ربيع ثاني/ 1441هـ.

قال تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
قال الشاطبي: "إن المقلد إذا عرضت له مسألة دينية, فلا يسعه في الدين إلا السؤال عنها على الجملة؛ لأن الله لم يتعبد الخلق بالجهل, وإنما تعبدهم على مقتضى قوله سبحانـه:{وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} لا على ما يفهمه كثير من الناس, بل على ما قرّره الأئمة في صناعة النحو, أي: إن الله يعلمكم على كل حال فاتقوه, فكأن الثاني سبب الأول؛ فترتّب الأمر بالتقوى على حصول التعليم ترتيبًا معنويًا, وهو يقتضي تقدم العلم على العمل, والأدلة على هذا المعنى كثيرة, وهي قضية لا نزاع فيها؛ فلا فائدة في التطويل فيها".
قال المؤلف:
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى:
{وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} معناه: أن الله يعلمكم على كل حال فاتقوه, فكأن الثاني سبب في الأول.
وما ذهب إليه الشاطبي؛ يدخل تحت قول من يقول بأن الواو في قولـه:
{وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} للاستئناف, وأن كل جملة من الجمل الثلاث مستقلة بذاتها.
وذهب إلى هذا جماعة من المفسرين؛ كأبي حيان, والسمين الحلبي, والسيوطي وغيرهم...
والقول الثاني: أن الآية تدل على أن من اتقى الله علمه؛ فكأن التقوى سبب للعلم, وعلى هذا القول تكون الواو للعطف, وليست للاستئناف.
وذهب إليه جماعة من المفسرين؛ كالقرطبي, وابن كثير, والشوكاني وغيرهم...
والذي يظهر من حيث المعنى أنّ كلًا من التقوى والعلم سبب في الآخر, فكل واحد من القولين صحيح؛ لأن القرآن دلّ عليهما:
فقوله تعالى:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: 28], يدل على أن العلم سببٌ في الخشية.
وقوله تعالى:
{إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال:29], وقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:28], يدل على أن التقوى سبب في العلم.
وأما من حيث اللغة؛ فإن كون الواو للاستئناف أولى من كونها للعطف لسلامتها من الاعتراضات اللغوية.
قال ابن تيمية: وقد شاع في لسان العامة أن قوله تعالى:
{وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} من الباب الأول؛ حيث يستدلون بذلك على أن التقوى سبب تعليم الله, وأكثر الفضلاء يطعنون في هذه الدلالة؛ لأن لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط؛ فلم يقل: واتقوا الله فيعلمكم, وإنما أتى بواو العطف, وليس من العطف ما يقتضي أن الأول سبب الثاني, وقد يقال: العطف قد يتضمن معنى الاقتران والتلازم؛ كما يقال: زرني وأزورك؛ ونحو ذلك مما يقتضي اقتران الفعلين والتعاوض من الطرفين.."
ثم قال: "فقوله:
{وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} قد يكون من هذا الباب؛ فكل من تعليم الرب وتقوى العبد يقارب الآخر ويلازمه ويقتضيه, فمتى علمه الله العلم النافع اقترن به التقوى بحسب ذلك, ومتى اتقاه زاده من العلم, وهلمّ جرا"(1).


______
(1) انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- د. محمد الضالع: (1/ 317).
 
الحلقة الخامسة عشرة: [الآية 284 -286 / سورة البقرة].
الجمعة: 16/ ربيع ثاني/ 1441هـ.

قال تعالى: {لِّلَّه مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)}
قال الشاطبي: "ولما نزلت هذه الآية: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ} الآية؛ شقّ ذلك على الصحابة, فقيل لهم: قولوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}, فقالوها؛ فألقى الله الإيمان في قلوبهم؛ فنزلت: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} الآية".
وقال – في مواضع أخرى -: "وقال ابن عباس وابن مسعود في قوله:
{وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ}: إنه منسوخ بقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}, مع أن الأخبار لا تنسخ, وإنما المراد -والله أعلم- : ما انطوت عليه النفوس من الأمور الكسبية التي هي في وسع الإنسان, وبين ذلك في قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} بدليل أن ابن عباس فسّر الآية بكتمان الشهادة, إذ تقدم قوله: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}الآية, ثم قال: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ} الآية, فحصل أن ذلك من باب تخصيص العموم, أو بيان المجمل".
قال المؤلف:
تحدث الشاطبي في هذا الموضع عن ثلاث مسائل(1):
المسألةالأولى: ذهب الشاطبي إلى أن لما نزلت هذه الآية؛ شقّ ذلك على الصحابة...وما ذهب إليه دلّت عليه الروايات الصحيحة في سبب نزولها.
المسألة الثانية: ذهب الشاطبي إلى أن قول ابن عباس وابن مسعود في قوله:{وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ}, إنه منسوخ بقوله:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}؛ أن هذا النسخ من باب تخصيص العام أو بيان المجمل, لا النسخ في لسان الأصوليين.
وما قرره الشاطبي في هذا الموضع ذهب إليه كثير من المفسرين؛ كالجصاص, وابن عطية, وابن تيمية, والقاسمي, وابن عاشور.
قال ابن تيمية: "...الآية لا تقتضي العقاب على خواطر النفوس المجردة, بل إنما تقتضي محاسبة الرب عبده بها, وهي أعم من العقاب, والأعم لا يستلزم الأخص, وبعد محاسبته بها يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء, وعلى هذا فالآية محكمة لا نسخ فيها, ومن قال من السلف: نسخها ما بعدها, فمراده بيان معناها والمراد منها, وذلك يسمى نسخًا في لسان السلف؛ كما يسمون الاستثناء نسخًا".
وقال: "ثم قال تعالى:
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} فنفى بذلك ما توهموه من أنه يعذبهم بالخطرات التي لا يملكون دفعها, وأنها داخلة تحت تكليفه, فأخبرهم أنه لا يكلفهم إلا وسعهم؛ فهذا هو البيان الذي قال فيه ابن عباس وغيره؛ فنسخها عنهم بقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}".
المسألة الثالثة: ذهب الشاطبي إلى أن المراد بقوله: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ}, ما انطوت عليه النفوس من الأمور الكسبية التي هي في وسع الإنسان, وأن هذا المراد بينه قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.
وما ذهب إليه الشاطبي ذهب إليه جماعة من المفسرين؛ كالجصاص, والهراسي, والزمخشري, وابن عطية, وابن تيمية, وأبي حيان, والقاسمي.
قال الهراسي: "قوله:
{وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} ليس نصًّا فيما لا يُطاق, بل هو في أعمال القلب, مثل: الشك, أو النفاق, وكتمان الشهادة, وكتمان الحقوق"(2).


______
(1) أوردتها ههنا مختصرة من كلام الؤلف.
(2) انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: (1/ 321).
 
الحلقة السادسة عشرة: [الآية 15 / سورة آل عمران].
الجمعة: 23/ ربيع ثاني/ 1441هـ.

قال تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}
قال الشاطبي:"ومما جاء غير مطابق في الظاهر(1), وهو في المعنى مطابق قول الله تعالــى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ} فإن هذا الكلام معناه: هل أخبركم بما هو أفضل من متاع الحياة الدنيا؟ فكأنه قيل: نعم, أخبرنا, فقال الله تعالى: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ...}الآية؛ أي: الذين اتقوا استقر لهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار...الآية, فأعطى مضمون الكلام معنى الجواب على غير لفظه, وهذا التقرير على قول جماعة من المفسرين".
قال المؤلف:
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى:
{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} من الأمثلة التي يستدل بها على أن الجواب فيها جاء غير مطابق للسؤال في الظاهر, وهو في المعنى مطابق.
وما ذهب إليه لم أجد أحدًا من المفسرين نصَّ عليه في إثباته أو ردِّه.
وهذه المسألة مبنية – فيما يظهر على الخلاف في منتهى الاستفهام في الآية.
فالقول الأول: أن الاستفهام انتهى إلى قوله:
{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ} وأن الجواب ابتدأ بقوله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا...} الآية.
وهذا رأي جماعة من المفسرين؛ كابن جرير الطبري, والزمخشري, والقرطبي, والنسفي, وابن جزي.
والقول الثاني: أن الاستفهام انتهى إلى قوله:
{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ}وأن الجواب ابتدأ بقوله:{جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَار...}الآيةُ.
وهذا الرأي جوَّزه بعض المفسرين؛ كابن عطية, وأبو حيان, وعلى هذا فما ذهب إليه الشاطبي يتفق مع القول الأول, وكلا الرأيين محتملان, وأوجههما القول الأول, لئلا يكون بالكلام حينئذ حاجة إلى ضمير"(2).


______
(1) قال المؤلف في الحاشية:
"أي أن الجواب غير مطابق للسؤال في الظاهر, وإن كان في المعنى مطابقًا.
وأورد الشاطبي هذا في سياق تقريره بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سُئل عن الفرقة الناجية قال: (ما عليه أنا وأصحابي) حيث أجابهم عن الوصف الذي كانت به ناجية ولم يكن الجواب عن تعيين الفرقة الناجية, الذي هو المقصود من السؤال فلم يطابق السؤال الجواب في اللفظ, واعتذر عن هذا أن العرب لا تلتزم ذلك النوع إذا فُهِم المعنى, [انظر: الاعتصام 3/ 347]".
(2) أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: (1/ 364).

 
الحلقة السابعة عشرة: [الآية 26 / سورة آل عمران].
الجمعة: 1/ جمادى الأولى/ 1441هـ.

قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
قال الشاطبي: "الأدب في ترك التنصيص على نسبة الشر إلى الله تعالى, وإن كان هو الخالق لكل شيء, كما قال بعد قوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ} إلى قوله: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ}, ولم يقل: بيدك الخير والشر, وإن كان قد ذكر القسمين معًا؛ لأن نزع الملك والإذلال بالنسبة إلى من لحق ذلك به شرٌّ ظاهر. نعم, قال في أثره: {إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} تنبيه في الجملة على أن الجميع خلقه؛ حتى جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (والخير في يديك, والشر ليس إليك).
قال المؤلف:
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى:
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ}
يدل على الأدب في ترك التنصيص على نسبة الشر إلى الله تعالى؛ لأنه سبحانه ذكر القسمين معًا (الخير والشر) ثم قال:
{بِيَدِكَ الْخَيْرُ}, ولم يقل: بيدك الخير والشر, مع أن نزع الملك والإذلال بالنسبة إلى من لحق به شر ظاهر.
وما ذهب إليه الشاطبي؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين؛ كابن تيمية, وأبي حيان, وابن القيم, والبيضاوى, والألوسي, والسعدي, وغيرهم.
وهذا هو الظاهر وهو ما تدل عليه الآيات والأحاديث, ومنها ما ذكره المؤلف؛ لأن الله سبحانه حكيم عليم, لا يظلم أحدًا ولا يفعل إلا لحكمة فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلق وفعله.
قال ابن تيمية: "وقد علم المسلمون أن الله لم يخلق شيئًا ما إلا لحكمة؛ فتلك الحكمة وجه حسنه وخيره, ولا يكون في المخلوقات شر محض لا خير فيه ولا فائدة فيه بوجه من الوجوه؛ وبهذا يظهر معنى قوله:
(والشر ليس إليك), وكون الشر لم يضف إلى الله وحده؛ بل إما بطريق العموم أو يضاف إلى السبب أو يحذف فاعله".
قال السعدي: " وأما الشر فإنه لا يضاف إلى الله تعالى لا وصفًا ولا اسمًا ولا فعلًا, ولكنه يدخل في مفعولاته ويندرج في قضائه وقدره, فالخير والشر كله داخلٌ في القضاء والقدر, فلا يقع في ملكه إلا ما شاءه, ولكن الشر لا يضاف إلى الله فلا يقال: بيدك الخير والشر, بل يقال: بيدك الخير, كما قاله الله وقاله رسوله
صلى الله عليه وسلم"(1).


______
(1): انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير - د.محمد الضالع: (1/ 367).
 
الحلقة الثامنة عشرة: [الآية 59 / سورة آل عمران].
الجمعة: 15/ جمادى الثاني/ 1441هـ.

قال تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُـونُ}
قال الشاطبي: "وقال تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} الآية؛ فأراهم البرهان بما لم يختلفوا فيه, وهو آدم..وعلى هذا النحو تجد احتجاجات القرآن؛ فلا يؤتى فيه إلا بدليل يقرّ الخصم بصحته, شاء أم أبى".
قال المؤلف:
ذهب الشاطبي إلى أن الله تعالى في قوله:
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} أرى النصارى البرهان بما لم يختلفوا فيه؛ وهو آدم, في إبطال دعواهم بأن عيسى ابن الله؛ لأنه خلق من غير أب.
وما ذهب إليه الشاطبي ظاهر؛ وأشار إليه كثير من المفسرين.
قال ابن جزي: "الآية حجة على النصارى في قولهم: كيف يكون ابن دون أب, فمثلّه الله بآدم الذي خلقه الله دون أم ولا أب, وذلك أغرب مما استبعدوه؛ فهو أقطع لقولهم".
وقال ابن كثير: "فالذي خلق آدم من غير أب قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى, وإن جاز ادعاء النبوة في عيسى لكونه مخلوقًا من غير أب فيجوز ذلك في آدم بالطريق الأولى, ومعلوم بالاتفاق أن ذلك باطل, فدعواه في عيسى أشد بطلانًا, وأظهر فسادًا".


______
(1)انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: (1/ 370).
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ارجو التأكد من قول ابن كثير ( وان جاز ادعاء النبوة في عيسى لكونه مخلوقا من غير أب ) فلا خلاف في ان عيسى نبي لكن الخلاف في كونه ابن آله لهذا فكلام ابن كثير يجب أن يكون( وان جاز ادعاء الآلوهية في عيسى ...)
والله تعالى أعلم .
 
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ارجو التأكد من قول ابن كثير ( وان جاز ادعاء النبوة في عيسى لكونه مخلوقا من غير أب ) فلا خلاف في ان عيسى نبي لكن الخلاف في كونه ابن آله لهذا فكلام ابن كثير يجب أن يكون( وان جاز ادعاء الآلوهية في عيسى ...)
والله تعالى أعلم .

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
راجعت طبعتين لتفسير ابن كثير فوجدت العبارة (ادعاء النبوة).
 
الحلقة التاسعة عشرة: [الآية 102 / سورة آل عمران].
الجمعة: 29/ جمادى الثاني/ 1441هـ.

قال تعالى:{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
قال الشاطبي: "وقال قتادة في قوله {ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ}: إنه منسوخ بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: 16], وقاله الربيع بن أنس, والسدي, وابن زيد, وهذا من الطراز المذكور(1)؛ لأن الآيتين مدنيتان, ولم تنزلا إلا بعد تقرير أن الدين لا حرج فيه, وأن التكليف بما لا يُستطاع مرفوع, فصار معنى قوله: {ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ}؛ فيما استطعتم, وهو معنى قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}, فإنما أرادوا بالنسخ أن إطلاق سورة آل عمران مقيد بسورة التغابن".
قال المؤلف:
هذا المثال ذكره الشاطبي لبيان أن إطلاق المتقدمين للنسخ أعمّ من إطلاق المتأخرين والأصوليين..وموقف المفسرين من هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة؟ فعلى قولين:
القول الأول: أنها محمكة وهذا ما ذهب إليه الشاطبي, وجماعة من الفسرين؛ كالنحاس, وابن الجوزي, والهراسي, وابن عطية, والقرطبي, وابن تيمية, والقاسمي.
والقول الثاني: أنها منسوخة, وذهب إليه جمعٌ من المفسرين؛ كطاووس, وابن حزم, والبازري.
والذي يظهر أن الآية محكمة لأمور منها:

  1. أن إطلاق المتقدمين للنسخ أعم مما عند الأصوليين والمتأخرين كما حققه أهل العلم.
  2. أن تفاسير السلف لقوله تعالى: {ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ} كلها دائرة حول الاستطاعة.
  3. أن الجمع بين الآيتين أولى من النسخ إذا أمكن, والجمع بينهما قد سبق.
  4. أن ما جاء عن قتادة وغيره من التابعين القول بالنسخ يعارضه ما صحّ عن ابن عباس بأن الآية محكمة, وهو من الصحابة وهو أعلم بتنزيله.
قال القرطبي: "..وقيل: إن قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} بيان لهذه الآية, والمعنى: فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم, وهذا أصوب؛ لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع, والجمع ممكن فهو أولى".


______
(1) أي ليس من النسخ بلسان المتأخرين والأصوليين, [أقوال الشاطبي: 1/ 382].
(2) انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: (1/ 382).

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين اما بعد الاستاذة الفاضلة خادمة الفرقان لقد تحريت عن قول ابن كثير لكوني مقتنع ان ابن كثير من المحققين الذين لا يقعون بمثل هذا الخطأ وتبين أن الكلمة الصحيحة التي ذكرها هي ( البنوة ) ويعني بذلك ادعاء النصارى انه ابن الله تعالى وليست الكلمة ( النبوة ) كما نقلتي انت من تفسير ابن كثير ولا ادري اي طبعة ، واني وجدت الكلمة الصحيحة ( البنوة ) في تفسيره بتحقيق عادل بن يوسف العزازي ورفاقه - المكتبة الاسلامية للنشر والتوزيع - الطبعة الاولى - 2017م .
والله تعالى اعلم .
 
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
 
حياكم الله أستاذ البهيجي..
أعدت النظر فتبين أن التصحيف قد وقع من طبعة دارالكتب العلمية, بتحقيق: محمد شمس الدين
(النبوة) بدلًا من (البنوة), ولا أعلم قد يكون في نسخة الشاملة فقط وقد يكون في الأصل.
بالنسبة لكتاب أقوال الشاطبي فقد أُثبتت (البنوة) والتصحيف وقع مني.
لكن لا أعلم إذا بإمكان الإدراة تعديل المشاركة أو حذفها..فأرجو الإفادة

شاكرة لتنبيهكم وفقكم الله.
 
الحلقة العشرون: [الآية 103 / سورة آل عمران].

قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.
قال الشاطبي: "قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} بعد قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}؛ فأشعر أنّ الاعتصام بالله هو تقوى الله حقًّا, وأنّ ما سوى ذلك تفرقة, لقوله: {وَلَا تَفَرَّقُوا}, والفرقة من أخصّ أوصاف المبتدعة؛ لأنه خرج عن حكم الله, وباين جماعة أهل الإسلام".
قال المؤلف:
"..ماذهب إليه الشاطبي صحيح؛ لأن الاعتصام بحبل الله هو التقوى, وما سواه فرقة وضلال؛ إذ أنّ التفاسير الواردة في تفسير حبل الله قريب بعضها من بعض, وكلها حول التمسك بدينه, وتقوى الله بالتمسك بدينه والاعتصام به.
قال محمد رشيد رضا – في ذكره للمناسبة بين الآيتين-: "ثم بيَّن لنا –عز وجلّ- ما به يتحقق ذلك الأمر والنهي فقال:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.


______
(1) أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير-د.محمد الضالع: (1/ 387).
 
الحلقة الحادية والعشرون: [الآية 105 / سورة آل عمران].
قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
قال الشاطبي: "وقال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}, والبينات هي الشريعة, فلولا أنها لا تقتضي الاختلاف ولا تقبله ألبته لما قيل لهم: من بعد كذا, ولكان لهم فيها أبلغ العذر, وهذا غير صحيح؛ فالشريعة لا اختلاف فيها".
وقال –في موضع آخر- : "وقال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}فهذا دليل على مجيء البيان الشافي, وأن التفرق إنما حصل من جهة المتفرقين لا من جهة الدليل, فهو إذن من تلقاء أنفسهم, وهو اتباع الهوى بعينه".
قال المؤلف:
ما ذهب إليه الشاطبي بأنّ المراد بالبينات أنها الشريعة؛ ذهب إليه جمع من المفسرين, وإن اختلفت ألفاظهم في بيانها.
قال ابن عطية: "ومجيء البيِّنات هو ببعث الرسل, وإنزال الكتب".
وقال الشوكاني: "والبينات: الآيات الواضحات المبيِّنة للحق, الموجبة لعدم الاختلاف".
وما ذهب إليه الشاطبي بأنّ اختلافهم من بعدها دليل على أنها لا اختلاف فيها, وأنّ اختلافهم من جهة أنفسهم لا من جهة الدليل؛ فقد أشار إليه بعض المفسرين.
وتدل عليه الآيات الأخرى؛ كقوله تعالى:
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} الآية.
قال الرازي: "تفرقوا واختلفوا بسبب اتباع الهوى, وطاعة النفس, والحسد".
وقال السعدي: "ثم نهاهم عن سلوك مسلك المتفرقين, الذين جاءهم الدين والبينات, الموجب لقيامهم به واجتماعهم فتفرقوا واختلفوا وصاروا شيعًا وأحزابًا, ولم يصدر ذلك عن جهل وضلال, وإنما صدر عن علم وقصد سيء, وبغي من بعضهم على بعض, ولهذا قال:
{وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(1).


______
(1) أقوال الإمام أبي إٍسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: (1/ 389).
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين اما بعد غفر الله تعالى لك الاخت الفاضلة هذه آية عظيمة هل من المعقول أن تذكرين كلام المصنف وجامع كلامه بدون تعليق منك ...أنت في حالة تدبر وتأمل فأين تدبرك ؟
مثلا تقولين : سبحانك يارب أمرتنا بالاعتصام بحبلك المتين وذكرتنا بنار مسعرة وأعلمتنا بأنك أنقذتنا منها ثم تذكرنا بترك الاختلاف الذي ان وقعنا به فإن النار تنتظرنا !!! ثم ستعلمنا أن أمامنا يوم عظيم تبيض فيه وجوه وتسود وجوه اللهم بيض وجوهنا يا كريم .

 
الحلقة الثانية والعشرون: [الآية 138 / سورة آل عمران].
قال تعالى: {هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}.
قال الشاطبي: "كل معنى مستنبط من القرآن غير جار على اللسان العربي؛ فليس من علوم القرآن في شيء, لا مما يُستفاد منه, ولا مما يُستفاد به..ومن ادعى فيه ذلك؛ فهو في دعواه مبطل..ومن أمثلة هذا الفصل ما ادعاه من لا خلاق له من أنه مسمى في القرآن؛ كبيان بن سمعان, حيث زعم أنه المراد بقوله تعالى: {هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ} الآية, وهو من الترهات بمكان مكين, والسكوت على الجهل كان أولى به من هذا الافتراء البارد, ولو جرى له على اللسان العربي لعده الحمقى من جملتهم, ولكنه كشف عوار نفسه من كل وجه, عافانا الله وحفظ علينا العقل والدين بمنه.
وإذا كان بيانٌ في الآية علمًا له؛ فأي معنى لقوله:
{هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ} ؟ كما يُقال: هذا زيد للناس".


______
(1) أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: (1/ 401).
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين اما بعد غفر الله تعالى لك الاخت الفاضلة هذه آية عظيمة هل من المعقول أن تذكرين كلام المصنف وجامع كلامه بدون تعليق منك ...أنت في حالة تدبر وتأمل فأين تدبرك ؟
مثلا تقولين : سبحانك يارب أمرتنا بالاعتصام بحبلك المتين وذكرتنا بنار مسعرة وأعلمتنا بأنك أنقذتنا منها ثم تذكرنا بترك الاختلاف الذي ان وقعنا به فإن النار تنتظرنا !!! ثم ستعلمنا أن أمامنا يوم عظيم تبيض فيه وجوه وتسود وجوه اللهم بيض وجوهنا يا كريم .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الأخ البهيجي، وأعضاء الملتقى ورواده الكرام..
أولًا: أشكر لكم مروركم على الموضوع.
ثانيًا: ألتمس منكم أمرين:
أحدهما: من كان لديه إضافة علمية، أو أي إثراء للمادة المطروحة فليتفضل به ههنا مأجورًا.
الآخر: من كان لديه ملاحظة أو اقتراح فليتفضل به على الخاص؛ حرصًا على إخراج الحلقات بشكل متسلسل يُفيد المتصفح الكريم، بعيدًاعن النقاشات الجانبية.


وجزاكم الله خيرًا..
 
الحلقة الثالثة والعشرون: [الآية 82 / سورة النساء].
قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}
قال الشاطبي: "الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف, كما أنها في أصولها كذلك, ولا يصلح فيها غير ذلك, والدليل عليه أمور:
أحدهما: أدلة القرآن, من ذلك قوله تعالى: {
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}؛ فنفى أن يقع فيه الاختلاف ألبتّة, ولو كان فيه ما يقتضي قولين مختلفين لم يصدق عليه هذا الكلام على كل حال".
وقال –في موضع آخر- : "الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن مبرءًا عن الاختلاف والتضاد؛ ليحصل فيه كمال التدبر والاعتبار, فقال سبحانه وتعالى: {
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}؛ فدلّ معنى الآية على أنه بريء عن الاختلاف؛ فهو يصدِّق بعضه بعضًا, من جهة اللفظ ومن جهة المعنى.
فأما من جهة اللفظ؛ فإنّ الفصاحة فيه متوازرة مطّردة, بخلاف كلام المخلوق؛ فإنّك تراه إلى الاختلاف ما هو, فيأتي بالفصل من الكلام الجزيل الفصيح, فلا يكاد يختمه إلا وقد عرض له في أثنائه ما يغض عليه من منصب فصاحته, وهكذا تجد القصيدة الواحدة, منها ما يكون على نسق الفصاحة اللائقة, ومنها ما لا يكون كذلك.
وأما من جهة المعنى؛ فإن معاني القرآن على كثرتها أو على تكرارها بحسب مقتضيات الأحوال على حفظ وبلوغ غاية في إيصالها إلى غايتها, من غير إخلال بشيء منها, ولا تضادّ, ولا تعارض, على وجه لا سبيل إلى البشر أن يدانوه, ولذلك لما سمعه أهل البلاغة الأولى والفصاحة الأصيلة –وهم العرب- لم يُعارضوه, ولم يغيِّروا في وجه إعجازه بشيء مما نفى الله تعالى عنه, وهم أحرص ما كانوا على الاعتراض والغض من جانبه؛ ثم لما أسلموا وعاينوا معانيه وتفكروا في غرائبه؛ لم يزدهم البحث إلا بصيرة في أنه لا اختلاف فيه ولا تعارض, والذي نقل من ذلك يسير, وتوقّفوا فيه توقف مسترشد, حتى يرشدوا إلى وجه الصواب, أو توقف المتثبت في الطريق".
قال المؤلف:
..وما ذهب إليه الشاطبي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة..وقرره كثير من المفسرين بوجهٍ أنه لا تناقض في الشريعة؛ لدلالة هذه الآية.
قال الرازي:
"العلماء قالوا: دلالة القرآن على صدق محمد
صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أوجه:
أحدها: فصاحته.
وثانيهما: اشتماله على الإخبار عن الغيوب.
والثالث: سلامته عن الاختلاف, وهذا هو المذكور في هذه الآية الكريمة".
وقال الشوكاني:
"والمعنى: أنهم لو تدبروه حقّ تدبره لوجدوه مؤتلفًا غير مختلف, صحيح المعاني, قوي المباني, بالغًا في البلاغة إلى أعلى درجاتها".


______
(1) انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير -د.محمد الضالع:( 1/ 443).
 
الحلقة الرابعة والعشرون: [الآية 3 / سورة المائدة].
قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.
قال الشاطبي: "فالقرآن على اختصاره جامع, ولا يكون جامعًا إلا والمجموع فيه أمور كليّات؛ لأن الشريعة تمت بتمام نزوله بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية.
وقال في موضع آخر: "إن الله تعالى أنزل الشريعة على رسوله
صلى الله عليه وسلم فيها تبيان كل شيء يحتاج إليه الخلق, في تكاليفهم التي أُمروا بها..ولم يمُت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كمل الدين؛ بشهادة الله تعالى بذلك, حيث قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} فكل من زعم أنه بقي من الدين شي لم يكمل بعد, فقد كذَّب بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}.
فلا يُقال: قد وجدنا من النوازل والوقائع المتجددة ما لم يكن في الكتاب ولا في السُّنة نصّ عليه ولا عموم ينتظمه, وإلا فمسائل الجدّ في الفرائض, والحرام في الطلاق..وسائر المسائل الاجتهادية التي لا نصّ فيها من كتاب ولا سنة؛ فأين الكمال فيها..؟
فيقال في الجواب:
أولًا: إنّ قوله تعالى:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} إن اعتُبرت فيه الجزئيات من المسائل والنوازل فهو كما أوردتم, ولكن المراد كليّاتها, فلم يبق للدين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات والحاجيات أو التكميليات إلا وقد بُينت غاية البيان.
نعم, يبقى تنزيل الجزئيات على تلك الكليّات موكولًا إلى نظر المجتهد, فإن قاعدة الاجتهاد أيضًا ثابتة في الكتاب والسنة, فلا بدّ من إعمالها..ولو كان المراد بالآية الكمال, بحسب تحصيل الجزئيات بالفعل, فالجزئيات لا نهاية لها, ولا تنحصر بمرسوم..وقد نصّ العلماء على هذا المعنى..
ثم نقول ثانيًا: إنّ النظر في كمالها بحسب خصوص الجزئيات يؤدي إلى الإشكال والالتباس فهو الذي أدّى إلى إيراد هذا السؤال, إذ لو نظر السائل إلى الحالة التي وُضعت عليها الشريعة, وهي حالة الكليّة؛ لم يورد سؤاله, لأنها موضوعة على الأبدية..
ومن الدليل على أن هذا المعنى هو الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم ؛ أنهم لم يُسمع عنهم قط إيراد ذلك السؤال, ولا قال أحد منهم: لِـمَ لم يُنصّ على حكم الجدّ مع الإخوة..وأشباه ذلك مما لم يجدوا فيه عن الشارع نصًّا؛ بل قالوا فيها, وحكموا بالاجتهاد, واعتبروا فيها بمعانٍ شرعية ترجع في التحصيل إلى الكتاب والسنة, وإن لم يكن ذلك بالنصّ؛ فإنه بالمعنى, فقد ظهر إذن وجه كمال الدين على أتـمّ الوجوه"(1).



______
(1) انظر: أقوال الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: (1/ 467).
 
نزول سورة الأنعام ومقاصدها:
قال الشاطبي: "سورة الأنعام؛ فإنها نزلت مبينة لقواعد العقائد وأصول الدين".
وقال في موضع آخر: "وقال تعالى في سورة الأنعام –وهي في المكيّات نظير سورة البقرة في المدنيات- :
{اْلحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إلى قوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}
وذكر البراهين التامة, ثم أعقبها بكفرهم وتخويفهم بسببه, إلى أن قال
{كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ}.
فأقسم بكتب الرحمة على إنفاذ الوعيد على من خالف, وذلك يعطي التخويف تصريحًا, والترجية ضمنًا..
قال المؤلف:
ذهب الشاطبي إلى أن سورة الأنعام نزلت مبينة لقواعد العقائد وأصول الدين, وما ذهب إليه؛ ذكره جماعة من المفسرين.
وهذا ظاهر في الآيات المكية عمومًا.
قال الرازي –في سورة الأنعام-: "مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال مذاهب المبطلين والملحدين".
وقال القرطبي: "قال العلماء: هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب بالبعث والنشور".
وقال ابن تيمية: "كالآيات المكية, فإن فيها من بيان التوحيد والنبوة والمعاد وأصول الشرائع ما هو أفضل من تفاصيل الشرائع ..ولهذا كانت سورة الأنعام أفضل من غيرها, وكذلك سورة يس ونحوهما من السور التي فيها أصول الدين التي اتفق عليها الرسل كلهم –صلوات الله عليهم–"(1).



______
(1) انظر: أقوال أبي إسحاق الشاطبي في التفسير-د.محمد الضالع:1/ 532.
 
الحلقة السادسة والعشرون: [الآية 152/ سورة الأعراف].
قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}.
قال الشاطبي: "وأما أنّ المبتدع يُلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله تعالى؛ فلقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}؛ حسبما جاء في تفسير الآية عن بعض السلف, ووجه ظاهر؛ لأن المتخذين للعجل إنما ضلُّوا به حتى عبدوه؛ لما سمعوا من خواره, ولما ألقى إليهم السامري فيه, فكان في حقهم شبهة خرجوا بها عن الحق الذي كان في أيديهم.
قال الله تعالى:
{وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}؛ فهو عموم فيهم وفيمن أشبههم؛ من حيث كانت البدع كلها افتراءً على الله؛ حسبما أخبر في كتابه في قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ} الآية [الأنعام: 140].
فإذن؛ كل من ابتدع في دين الله؛ فهو ذليل حقير بسبب بدعته, وإن ظهر لبادي الرأي عزّه وجبريَّته؛ فهم في أنفسهم أذلاء...
هذا بالنسبة إلى الذلة, وأما الغضب؛ فمضمون بصادق الأخبار, فيُخاف أن يكون المبتدع داخلًا في حكم الغضب, والله الواقي بفضله".
قال المؤلف:
ما ذهب إليه الشاطبي ذهب إليه كثير من المفسرين.
قال ابن كثير: "وقوله:
{وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} نائلة لكل من افترى بدعة, فإن ذلّ البدعة ومخالفة الرشاد متصلة من قلبه على كتفيه".
وقال السعدي: "
{وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} فكل مفتر على الله, كاذب على شرعه, متقول عليه ما لم يقل؛ فإن له نصيبًا من الغضب من الله, والذل في الحياة الدنيا".


______
(1)انظر: أقوال أبي إسحاق الشاطبي في التفسير-أ.د محمد الضالع: 1/ 607.






**بهذه الحلقة نكون –بحمد الله- قد انتهينا من المجلد الأول من هذا الكتاب, وسوف نشرع في المجلد الثاني بعد شهر رمضان المبارك –بمشيئة الله تعالى- بلغنا الله وإياكم صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيه عنا, والحمد لله ربِّ العالمين, وصلّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
ما شاء الله تبارك الله
جهد أكثر من رائع من أختنا خادمة القرآن - اسم على مسمى-
وهذا درس في القليل الدائم خير من الكثير المنقطع
جعل الله ذلك من العلم النافع الشاهد لك يوم لقائه
 
ما شاء الله تبارك الله
جهد أكثر من رائع من أختنا خادمة القرآن - اسم على مسمى-
وهذا درس في القليل الدائم خير من الكثير المنقطع
جعل الله ذلك من العلم النافع الشاهد لك يوم لقائه



آمين ..جزاكم الله خيرًا
شاكرة لمروركم..
 
الحلقة السابعة والعشرون: [سورة الأنفال: الآية 2].
قال تعالى:ﱡﭐ [الأنفال: 2].
قال الشاطبي: "قال سبحانه: ﱡﭐ ؛ فإن الوجل تأثر ولين يحصل في القلب بسبب الموعظة, فترى الجلد من أجل ذلك يقشعر, والعين تدمع, واللين إذا حلَّ بالقلب -وهو باطن الإنسان-, وحلَّ بالجلد بشهادة الله– وهو ظاهر الإنسان -؛ فقد حلّ الانفعال بمجموع الإنسان, وذلك يقتضي السكون لا الحركة والازعاج, والسكوت لا الصياح, وهي حالة السلف الأولين.
قال المؤلف:
..ما ذهب إليه الشاطبي؛ نص عليه القرطبي, وابن تيمية.
قال القرطبي: "قوله:
ﱡﭐ [الزمر: 23], أي: تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله, وإن كانوا يخافون الله, فهذه حالة العارفين بالله, الخائفين من سطوته وعقوبته, لا كما يفعله جهَّال العوام والمبتدعة الطَّغام من الزعيق والزئير, ومن النُّهاق الذي يشبه نُهاق الحمير, فيقال لمن تعاطى ذلك, وزعم أن ذلك وجْدٌ وخشوع: لم تبلغ أن تساوي حال الرسول صلى الله عليه وسلم ولا حال أصحابه في المعرفة بالله, والخوف منه, والتعظيم لجلاله, ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله, والبكاء خوفاً من الله, ولذلك وصف الله أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه, قال: ﱡﭐ [المائدة:83] فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم, ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقهم*.

---

*انظر: أقوال الإمام الشاطبي في التفسير- د.محمد الضالع: 2/ 624.
 
الحلقة الثامنة والعشرون: [سورة التوبة: 127].
قال تعالى: ﱡﭐ ﲒﲓ
قال الشاطبي: "قال تعالى في المنافقين: ﲈﲉ ﲊﲋﲌ ﲍﲎﲏ [الحشر: 13], وهذا عدم فقه منهم؛ لأن من علم أن الله هو الذي بيده ملكوت كل شيء, وأنه هو مصرف الأمور؛ فهو الفقيه, ولذلك قال تعالى: ﲙ ﲚ
وكذلك قوله تعالى: ﲙ ﲚ , لأنهم نظر بعضهم إلى بعض: هل يراكم من أحد؟ ثم انصرفوا.
فاعلم أن الله تعالى إذا نفى الفقه أو العلم عن قوم؛ فذلك لوقوفهم مع ظاهر الأمر, وعدم اعتبارهم للمراد منه, وإذا ثبت ذلك؛ فهو لفهمهم مراد الله من خطابه.

قال المؤلف:
ما ذهب إليه الشاطبي ذهب إليه كثير من المفسرين.
قال ابن جرير: "
ﲙ ﲚ ؛ يقول فعل بهم هذا الخذلان, وصرف قلوبهم عن الخيرات؛ من أجل أنهم لا يفقهون عن الله مواعظه, استكبارًا ونفاقًا".
وقال ابن كثير: "
ﲙ ﲚ , أي: لا يفهمون عن الله خطابه, ولا يقصدون لفهمه, ولا يريدونه, بل هم في شغل عنه, فلهذا صاروا إلى ما صاروا إليه".
وقال القاسمي: "أي لا يتدبرون أمر الله حتى يفقهوا".


______
*انظر: أقوال الشاطبي في التفسير-د.محمد الضالع: 2/ 651.
 
عودة
أعلى