نايف الزهراني
New member
د. أيمن محمد الجندي : بتاريخ 6 - 11 - 2007
والله إنها لفتنة!!. عن قضية الإعجاز العلمي في القرآن أتحدث. شخصيًا أنا غير مقتنع بصواب المنهج المتبع في هذه القضية، ولكن ما قيمة اقتناعي أو عدمه ما دام هذا مريحًا للآخرين؟. لقد وجد كثيرون سلامهم النفسي هنا، فهل يحق لي – أو لغيري – أن أهدم هذا السلام النفسي لأنه ببساطة ليس حقيقيا (من وجهة نظري)؟.
لذلك أقول: إنها فتنة!.
وقضية الإعجاز العلمي في القرآن فرع من أصل، وكان الأولى والأوفق أن تتم مناقشة هذه الأمور من منطق اللطائف والإشارات التي تدل على أن خالق هذا الكون هو منزِّل القرآن الكريم، ولكن حدثت مبالغة بشكل مقصود ومنظم حتى يهيأ إليك أنهم يودون إقناعك بأن هناك خارقة في كل آية من آيات الله، متناسين ومتجاهلين أن القرآن الكريم لم يكن أبدا كتابًا في الفيزياء أو في علوم الفلك، ولكنه جاء لتعريف الناس (كل الناس) برب الناس، إله الناس، عز وجل وعلا.
للقضية جذور
وصناعة المعجزة لا تقتصر على قضية الإعجاز العلمي في القرآن، فهي قضية مستحدثة ولكن لها جذورًا قديمة، خصوصًا في الصوفية، حيث لا يوجد ولي لم يطِر في الهواء ولم يمشِ على الماء ولم يعرف الغيب ولم يمارس مهماته أيضًا من عالم البرزخ لحماية مريديه!!. ويبدو هذا غريبا في دين قضيته الأساسية محاربة الخرافة وطلب البرهان على كل قضية.
والناس مولعون بصناعة المعجزة، والسبب واضح ومفهوم، فحدوث المعجزة وتكرارها دليل أكيد على صحة الدين (أي دين) الذي يتبعونه، فلا داعي للتفكير و"وجع الدماغ"!!.
هناك خارقة! الولي طار في الهواء! حمدًا لله! القرآن ذكر حقيقة علمية لم تكن معروفة منذ قرون! حمدًا لله! إذن فهذا الدين الذي أتبعه صحيح، وأنا على حق تمامًا، لقد حلت المعضلة نفسها وبنفسها، وليخلد العقل إلى الراحة!!.
وطلب المعجزة والترحيب بها قديم قدم الأديان نفسه، طالب بها المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم، مرة بعد مرة، ورفضها القرآن مرة بعد مرة، وكان الرد واضحًا ونهائيًّا: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إلا بَشَرًا رَّسُولاً) [الإسراء: 93].
القرآن يرفض!!
من يقرأ القرآن الكريم بإمعان سيجد - بوضوح تام - أن منطق الخارقة مرفوض كلية في القرآن، وأن الله تعالى شاء (ولا راد لمشيئته) أن يبدأ عصر الرشد العقلي، فبدأ القرآن بكلمة (اقرأ) دون غيرها من كلمات، وجعل الدليل على صدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم النظر في القرآن وفي أغوار النفس، وتأمُّل أحوال الأمم السابقة: (قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) [سبأ: 46]، (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ومَا تُغْنِي الآيَاتُ والنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101]. ووصف سبحانه وتعالى المؤمنين في بداية سورة البقرة بأنهم (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، وليت شعري، كيف يكون ذلك وفي كل آية خارقة ومعجزة علمية، على الشكل الذي يقدمون به قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؟!!.
منتج وزبون!
إن الإيمان بالدين (أي دين) قضية مركبة جدًّا، والنفس الإنسانية يعتريها الشك والفتور في بعض أحوالها (رغم صدق إيمانها)، ولذلك فلا عجب من الترحيب البالغ بقضية الإعجاز العلمي؛ لأنه راحة للبال ما بعدها راحة. ولذلك فإن الذي يحاول أن يعترض على صناعة المعجزة وتسويقها سوف يقابَل بالريبة والشك، وربما الحرب الصريحة، والأسباب واضحة جدًّا: فالمنتِج هنا مقتنع جدًّا بمنهجه، وقد نال الشهرة والثروة بالإضافة للسمعة الحسنة في خدمة الإسلام. والزبون يريد السلعة بإلحاح؛ لأنها تعفيه من مئونة التفكير ومكابدة الظنون!!. وسيحدث – حتمًا – خلط بين رفض هذه الصناعة وبين شبهة الهجوم على القرآن بما يجعل تكفيره وقطع رزقه (إن لم يكن قطع عنقه) كلها أشياء واردة جدًّا.
إيمان الشجعان
ستتعجب جدًّا من تلك القابلية المدهشة للتصديق عند المجتمع ككل، قل ما شئت وستجد من يصدقك دون دليل حينما تقول إن هذا الشيء (أي شيء يروق لك) لم يكن معروفًا منذ أربعة عشر قرنًا ثم جاء العالم هوبكنز إدوارد (لا يوجد هذا الاسم على الإطلاق) واكتشف بالضبط نفس ما قال القرآن، ونال بسبب هذا جائزة بولتيز للعلوم، والتي تضارع جائزة نوبل (وبالطبع لا توجد جائزة بهذا الاسم) ولكنهم سيصدقونك لأنهم يريدون التصديق ولن يبحث خلفك أحد!!
وفي النهاية ستجد نفسك مترددًا؛ لأنك تمارس خطيئة هدم السلام النفسي لآخرين ليس بمقدورهم (فكريًّا ولا نفسيًّا) ممارسة إيمان الشجعان!!.
معروف أن إيمان العوام راحة ما بعدها راحة، ولطالما شقا المفكرون والفلاسفة في بحثهم الدءوب عن الإيمان (ولنا في شيخ الرواية العربية نجيب محفوظ مثل صارخ) ولعلهم يحسدون العوام على راحة البال وسهولة الإيمان.
لعبة الجميع !!
ولكنك ستعود لتقول لنفسك: إن صناعة المعجزة لعبة يمارسها اثنان وثلاثة وعشرة أيضا، فالمعجزات للأسف ليست حكرًا علينا كمسلمين، ولو سألت جيراننا في الوطن أقباط مصر، ستجد لديهم ملء عشر حقائب من المعجزات، ليس أقلها تجسد العذراء مريم رضي الله عنها وأرضاها!!.
ثم إنك في النهاية تعبر عن اقتناعك الشخصي بمرامي القرآن الكريم نفسه، فديننا ليس بحاجة أبدًا لألاعيب الحواة، والخارقة التي تقهر العقول على التصديق مبدأ مرفوض في القرآن كما يبدو من سياق الآيات. فالقرآن جاء بالرشد العقلي وبدأ بكلمة (اقرأ). ليس عندنا شق البحر، ولا إحياء الموتى، ولا طائر يعود للحياة بعد ذبحه، مثلما كانت آيات الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم. وإنما يوجد رجل فقير عاش زاهدًا ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، أخذ بكل أسباب الدنيا، وبذل من الجهد ما لا يخطر على بال بشر، وبرغم فقره يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويؤلف القلوب، ويعفو عن المسيء، ويحزن لمن لم يهتدِ، ويبيت بلا طعام، يعبد الله وينام، ويداعب أصحابه، ويتزوج، ويحزن، ويفرح، ويموت أحبابه فلا يطالب ربه بمعاملة خاصة، يموت أبناؤه فيزداد حبًّا لربه، وحينما ضُرِب وأوذِي ومرض لم تكن له معاملة خاصة، لم ينزل ملك من السماء لنجدته، ولم تُخرَق نواميس الكون لمصلحته. هل يعجبكم هذا النبي؟ أم تريدون كيانًا نورانيًّا تحابيه السماء؟.
لا حاجة لافتعال المعجزات
إن وجود الخارقة التي تجبر العقل على التصديق ضد الخط العام للقرآن نفسه، بل حتى المعجزة التي جاءت طائعة مثل خسوف الشمس لحظة دفن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وتهامس الصحابة أنها خسفت حزنًا لموت ابن النبي الذي انتظره طويلاً، فرغم أحزانه الطويلة لم ينسَ النبي - لأنه نبي - أن يغضب ويقول: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تخسفان لحياة أحد ولا لموته" لماذا قال هذا؟ لأنه ببساطة غير حقيقي!!.
لقد تصور المسلمون أن السماء ستجاملهم، وجاء الدرس العملي في غزوة أحد ليؤكد لهم خطأ هذا الاعتقاد، فإن سنن الله تسير في الأرض ولا توجد أية محاباة من أي نوع؛ ولذلك لم يندهش المسلمون للطريقة البشعة التي قُتل بها الحسين، ولم يتوقعوا أن تتدخل السماء لنجدته وهو أحب خلق الله وأكرمهم على الله في الأرض وقتها. ولم يترتب على مقتله شك البعض في الدين نفسه، وهذا ما كان سيحدث لو كانوا يفكرون بنفس الطريقة الحالية.
لقد نزل القرآن على رجل أمي راعي غنم، من ألف وأربعمائة عام في بيئة قاسية في عصر التفسيرات الخرافية للكون والطبيعة، ولو كان هذا الكتاب من تأليفه لكان تعبيرًا عن روح عصره، وعن الأفكار الخاطئة المشوهة، ولظهرت التصورات الساذجة في كل صفحة منه، بل في كل سطر.
لسنا بحاجة إلى افتعال معجزات خارقة والله؛ لأن بهاءه أوضح من الشمس في وضح النهار. ولأننا لسنا بحاجة لمزيد من سكب الوقود على نار الفتنة، فنحن لا نطلب رشدًا عقليًّا نعرف أن مجتمعنا لم ينضج له، ولكننا نطلب فقط أن تكون تلك المعجزات العلمية في القرآن من قبيل اللطائف والإشارات، وليس من قبيل الحقائق التي (يجب) علينا الإيمان بها، ووقتها فقط لن يكون هناك معارض واحد لهذا المنهج، بل سنصغي إليه كلنا في استحسان. وعلى الله التوفيق.
(نقلت هذا الموضوع للاطلاع والفائدة من صحيفة المصريون: http://www.almesryoon.com/ShowDetails.asp?NewID=40663)
والله إنها لفتنة!!. عن قضية الإعجاز العلمي في القرآن أتحدث. شخصيًا أنا غير مقتنع بصواب المنهج المتبع في هذه القضية، ولكن ما قيمة اقتناعي أو عدمه ما دام هذا مريحًا للآخرين؟. لقد وجد كثيرون سلامهم النفسي هنا، فهل يحق لي – أو لغيري – أن أهدم هذا السلام النفسي لأنه ببساطة ليس حقيقيا (من وجهة نظري)؟.
لذلك أقول: إنها فتنة!.
وقضية الإعجاز العلمي في القرآن فرع من أصل، وكان الأولى والأوفق أن تتم مناقشة هذه الأمور من منطق اللطائف والإشارات التي تدل على أن خالق هذا الكون هو منزِّل القرآن الكريم، ولكن حدثت مبالغة بشكل مقصود ومنظم حتى يهيأ إليك أنهم يودون إقناعك بأن هناك خارقة في كل آية من آيات الله، متناسين ومتجاهلين أن القرآن الكريم لم يكن أبدا كتابًا في الفيزياء أو في علوم الفلك، ولكنه جاء لتعريف الناس (كل الناس) برب الناس، إله الناس، عز وجل وعلا.
للقضية جذور
وصناعة المعجزة لا تقتصر على قضية الإعجاز العلمي في القرآن، فهي قضية مستحدثة ولكن لها جذورًا قديمة، خصوصًا في الصوفية، حيث لا يوجد ولي لم يطِر في الهواء ولم يمشِ على الماء ولم يعرف الغيب ولم يمارس مهماته أيضًا من عالم البرزخ لحماية مريديه!!. ويبدو هذا غريبا في دين قضيته الأساسية محاربة الخرافة وطلب البرهان على كل قضية.
والناس مولعون بصناعة المعجزة، والسبب واضح ومفهوم، فحدوث المعجزة وتكرارها دليل أكيد على صحة الدين (أي دين) الذي يتبعونه، فلا داعي للتفكير و"وجع الدماغ"!!.
هناك خارقة! الولي طار في الهواء! حمدًا لله! القرآن ذكر حقيقة علمية لم تكن معروفة منذ قرون! حمدًا لله! إذن فهذا الدين الذي أتبعه صحيح، وأنا على حق تمامًا، لقد حلت المعضلة نفسها وبنفسها، وليخلد العقل إلى الراحة!!.
وطلب المعجزة والترحيب بها قديم قدم الأديان نفسه، طالب بها المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم، مرة بعد مرة، ورفضها القرآن مرة بعد مرة، وكان الرد واضحًا ونهائيًّا: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إلا بَشَرًا رَّسُولاً) [الإسراء: 93].
القرآن يرفض!!
من يقرأ القرآن الكريم بإمعان سيجد - بوضوح تام - أن منطق الخارقة مرفوض كلية في القرآن، وأن الله تعالى شاء (ولا راد لمشيئته) أن يبدأ عصر الرشد العقلي، فبدأ القرآن بكلمة (اقرأ) دون غيرها من كلمات، وجعل الدليل على صدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم النظر في القرآن وفي أغوار النفس، وتأمُّل أحوال الأمم السابقة: (قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) [سبأ: 46]، (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ومَا تُغْنِي الآيَاتُ والنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101]. ووصف سبحانه وتعالى المؤمنين في بداية سورة البقرة بأنهم (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، وليت شعري، كيف يكون ذلك وفي كل آية خارقة ومعجزة علمية، على الشكل الذي يقدمون به قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؟!!.
منتج وزبون!
إن الإيمان بالدين (أي دين) قضية مركبة جدًّا، والنفس الإنسانية يعتريها الشك والفتور في بعض أحوالها (رغم صدق إيمانها)، ولذلك فلا عجب من الترحيب البالغ بقضية الإعجاز العلمي؛ لأنه راحة للبال ما بعدها راحة. ولذلك فإن الذي يحاول أن يعترض على صناعة المعجزة وتسويقها سوف يقابَل بالريبة والشك، وربما الحرب الصريحة، والأسباب واضحة جدًّا: فالمنتِج هنا مقتنع جدًّا بمنهجه، وقد نال الشهرة والثروة بالإضافة للسمعة الحسنة في خدمة الإسلام. والزبون يريد السلعة بإلحاح؛ لأنها تعفيه من مئونة التفكير ومكابدة الظنون!!. وسيحدث – حتمًا – خلط بين رفض هذه الصناعة وبين شبهة الهجوم على القرآن بما يجعل تكفيره وقطع رزقه (إن لم يكن قطع عنقه) كلها أشياء واردة جدًّا.
إيمان الشجعان
ستتعجب جدًّا من تلك القابلية المدهشة للتصديق عند المجتمع ككل، قل ما شئت وستجد من يصدقك دون دليل حينما تقول إن هذا الشيء (أي شيء يروق لك) لم يكن معروفًا منذ أربعة عشر قرنًا ثم جاء العالم هوبكنز إدوارد (لا يوجد هذا الاسم على الإطلاق) واكتشف بالضبط نفس ما قال القرآن، ونال بسبب هذا جائزة بولتيز للعلوم، والتي تضارع جائزة نوبل (وبالطبع لا توجد جائزة بهذا الاسم) ولكنهم سيصدقونك لأنهم يريدون التصديق ولن يبحث خلفك أحد!!
وفي النهاية ستجد نفسك مترددًا؛ لأنك تمارس خطيئة هدم السلام النفسي لآخرين ليس بمقدورهم (فكريًّا ولا نفسيًّا) ممارسة إيمان الشجعان!!.
معروف أن إيمان العوام راحة ما بعدها راحة، ولطالما شقا المفكرون والفلاسفة في بحثهم الدءوب عن الإيمان (ولنا في شيخ الرواية العربية نجيب محفوظ مثل صارخ) ولعلهم يحسدون العوام على راحة البال وسهولة الإيمان.
لعبة الجميع !!
ولكنك ستعود لتقول لنفسك: إن صناعة المعجزة لعبة يمارسها اثنان وثلاثة وعشرة أيضا، فالمعجزات للأسف ليست حكرًا علينا كمسلمين، ولو سألت جيراننا في الوطن أقباط مصر، ستجد لديهم ملء عشر حقائب من المعجزات، ليس أقلها تجسد العذراء مريم رضي الله عنها وأرضاها!!.
ثم إنك في النهاية تعبر عن اقتناعك الشخصي بمرامي القرآن الكريم نفسه، فديننا ليس بحاجة أبدًا لألاعيب الحواة، والخارقة التي تقهر العقول على التصديق مبدأ مرفوض في القرآن كما يبدو من سياق الآيات. فالقرآن جاء بالرشد العقلي وبدأ بكلمة (اقرأ). ليس عندنا شق البحر، ولا إحياء الموتى، ولا طائر يعود للحياة بعد ذبحه، مثلما كانت آيات الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم. وإنما يوجد رجل فقير عاش زاهدًا ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، أخذ بكل أسباب الدنيا، وبذل من الجهد ما لا يخطر على بال بشر، وبرغم فقره يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويؤلف القلوب، ويعفو عن المسيء، ويحزن لمن لم يهتدِ، ويبيت بلا طعام، يعبد الله وينام، ويداعب أصحابه، ويتزوج، ويحزن، ويفرح، ويموت أحبابه فلا يطالب ربه بمعاملة خاصة، يموت أبناؤه فيزداد حبًّا لربه، وحينما ضُرِب وأوذِي ومرض لم تكن له معاملة خاصة، لم ينزل ملك من السماء لنجدته، ولم تُخرَق نواميس الكون لمصلحته. هل يعجبكم هذا النبي؟ أم تريدون كيانًا نورانيًّا تحابيه السماء؟.
لا حاجة لافتعال المعجزات
إن وجود الخارقة التي تجبر العقل على التصديق ضد الخط العام للقرآن نفسه، بل حتى المعجزة التي جاءت طائعة مثل خسوف الشمس لحظة دفن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وتهامس الصحابة أنها خسفت حزنًا لموت ابن النبي الذي انتظره طويلاً، فرغم أحزانه الطويلة لم ينسَ النبي - لأنه نبي - أن يغضب ويقول: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تخسفان لحياة أحد ولا لموته" لماذا قال هذا؟ لأنه ببساطة غير حقيقي!!.
لقد تصور المسلمون أن السماء ستجاملهم، وجاء الدرس العملي في غزوة أحد ليؤكد لهم خطأ هذا الاعتقاد، فإن سنن الله تسير في الأرض ولا توجد أية محاباة من أي نوع؛ ولذلك لم يندهش المسلمون للطريقة البشعة التي قُتل بها الحسين، ولم يتوقعوا أن تتدخل السماء لنجدته وهو أحب خلق الله وأكرمهم على الله في الأرض وقتها. ولم يترتب على مقتله شك البعض في الدين نفسه، وهذا ما كان سيحدث لو كانوا يفكرون بنفس الطريقة الحالية.
لقد نزل القرآن على رجل أمي راعي غنم، من ألف وأربعمائة عام في بيئة قاسية في عصر التفسيرات الخرافية للكون والطبيعة، ولو كان هذا الكتاب من تأليفه لكان تعبيرًا عن روح عصره، وعن الأفكار الخاطئة المشوهة، ولظهرت التصورات الساذجة في كل صفحة منه، بل في كل سطر.
لسنا بحاجة إلى افتعال معجزات خارقة والله؛ لأن بهاءه أوضح من الشمس في وضح النهار. ولأننا لسنا بحاجة لمزيد من سكب الوقود على نار الفتنة، فنحن لا نطلب رشدًا عقليًّا نعرف أن مجتمعنا لم ينضج له، ولكننا نطلب فقط أن تكون تلك المعجزات العلمية في القرآن من قبيل اللطائف والإشارات، وليس من قبيل الحقائق التي (يجب) علينا الإيمان بها، ووقتها فقط لن يكون هناك معارض واحد لهذا المنهج، بل سنصغي إليه كلنا في استحسان. وعلى الله التوفيق.
(نقلت هذا الموضوع للاطلاع والفائدة من صحيفة المصريون: http://www.almesryoon.com/ShowDetails.asp?NewID=40663)