السلام عليكم
معنى الوقاية غير حاضر
ويحتاج القائل به إلى تفصيل الأمر
أنا أفهم الوقاية بوضع خطة عملية للتحصين ضد شيء ما
وهذا غير حاضر بالمعنى الحرفى إلا فى اعتزال أصحاب الكهف قومهم
رغم أن الاعتزال أضعف طريقة للوقاية من فتنة الدين !
ثم كيف تقى من فتنة المال ... هل هو تحذير أم أنه بقراءتها يتحصن الانسان من فتنة المال ؟!!
إن القول أن الوقاية بالزهد غير حاضر فى السورة
قد يكون القول بالرضا أوفق ... لأن أحد الرجلين كان راضيا بالقليل من المال والولد ؛ وفى فعله ترغيب فى الرضا بما قسمه الله لا وقاية من فتنة المال بعدم تملكه وذلك لأنه سأل ربه المال "فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ...."
أما العلم .. فلم تذكر السورة مفتونا بعلمه... بل ذكرت متواضعا لايعص لمعلمه أمرا ؛
والسلطان وقوة الأسباب... لم تذكر لنا كيف اتقى فتنتهما !
وعليكم السلامُ
معنى الوقايةِ حاضرٌ قائمٌ شاخصٌ
ويحتاجُ منكرُه إلى أن يتأنَّى ويتأمَّل
وحُضُورُ المُلَح والاستنبَاطَات بالمعنى الحرفيِّ لم يقل باشتراطه سابقٌ ولا لاحقٌ.
تقول حفظك الله (
معنى الوقاية غير حاضر) ولو قيَّدت عدمَ الحُضور بـ (
عندي) لأحسنتَ , لأنَّ معنى الوقاية ظاهرٌ جداً , ولك أن تتأمَّل معي :
* أنَّ الوقاية تحملُ في مدلولها
حفظَ المرء مما يُؤذيه ويضرُّهُ , ولا يلزَمُ أن يُعاد معناها وفقاً لمقاييسك - مع وافر احترامي لشخصط الكريم - مع أنَّك لو أمعنتَ النَّظر لوجدتَّ الوقاية حاضرةً بقوة , ومُنطبقاً عليها مفهومك (
وضع خطة عملية للتحصين ضد شيء ما ) وقصص القُرآن جميعُه (ومنه ما في سورة الكهف) مَسُوقٌ لغَرض تحصيل هذه الوقاية كما ينبئُ به الله في قوله (
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فهل بعد هذا ريبةٌ في حضور معنى الوقاية (
جُملةً).
وما دام شيخُنا يفهمُ أنَّ
الوقايةَ تتحقَّقُ بوضعِ خُطَّـةٍ عمليِّـةٍ للتَّحصينِ ضدَّ شيءٍ مَّا فلتدبَّر شأن الفتيةِ ليجدَ أنَّ فتنةَ المُجتمع الكافر المُتسلّط لا يقي منها شيءٌ أنفعُ من العُزلة والمُفارقة , وهو معنى الهجرة في الإسلام وهذا حاضرٌ جداً في قوله تعالى (
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) ويؤكّد حضور الوقاية في هذه العُزلة قول الفتية بعضهم لبعض (
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) فحاصل هذا أنَّ المانعَ الواقيَ لهم من الرَّجم والإكراه على الشّرك هو اعتزَالُ هذا المجتمع الفاسد ومفارقتُه , ولو رُبطت العُزلة بمدلول الوقاية السابق (
حفظَ المرء مما يُؤذيه ويضرُّهُ ) لاستبانَ حُضور الوقاية بوجه لا يحتملُ التردُّدَ.
* ولو تأمَّل شيخُنا قصَّة صَاحبي الجنَّتَينِ لاستَبانَ وجهَ الوقايَةِ الكَامنَ في استقبَاح قول أحدهِما (
أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) وقوله (
مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا) وقوله (
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) فهذه الدَّركات الثَّلاثُ يُوحي سَوْقُها في معرضِ الاستِقباحِ والاستشنَاع بأركانِ
خُطَّـةٍ عمليِّـةٍ للتَّحصينِ ضدَّ فتنةِ المالِ وهذه الأركَانُ هي:
@ عدَمُ المُفاخَرة والمُكاثرةِ والرَّضَى لمُجرَّد حُصول الجِدة والثَّراء واعتقادِ أنَّها سبَبُ اصطفاءٍ وتفضيلٍ على العَالَمينَ , قال صلى الله عليهِ وسلم وهُو يصفُ هذا النَّوعَ من النَّاسِ {
تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَالدِّرْهَمِ ، وَالْقَطِيفَةِ ، وَالْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ... } , وهذا حالُ زنادقةِ النِّفَاق تماماً يومَ وصفهمُ الله بقوله {
فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُون} فإذا استقرَّ في نفسِ المُسلمِ شناعةُ هذا الشُّعور والمنطقِ عند حُصول النِّعمة كانت هذه أوَّل خُطوةٍ في التَّحصينِ ضدَّ فتنةِ المال فلا يعتقدُ المُنعَمُ عليه بالثَّراء أنَّ الإنعامَ دليلُ اصطفاءٍ , وبالتَّالي لا يفخرُ ولا يُكاثرُ وإنَّما يحمَد الله ويسأل عونهُ ويشكرهُ على مننهِ لديه.
@ عدَمُ الرُّكُون إلى النِّعم واعتقَاد دوامِها واستحالةِ تبدُّل الحالِ , وكل ذلك مفهومٌ مخالفٌ لقول البائس {
مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} وهذا القولُ القبيحُ والاعتقادُ الفاسدُ ذمَّه الله غيرَ مرَّةٍ في القرآنِ كما قال في الهُمزةِ عن بعضِ الأثرياء {
الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ *
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ *
كَلَّا} فجاء استشناعُ هذه المقالة واستقباحُها في قصة صاحبَي الجنَّتينِ ليستدفعَ المُسلم هذا الحُسبان الكاذبَ المُستحيلَ إن أفاء الله عليه وأغناهُ , وهذه خُطوةٌ ثانيةٌ مهمَّةٌ في التَّحصين ضدَّ فتنة المال , لأنَّ حُسبان دوامِها للإنسانِ ودوامَهُ لها دافعٌ للطغيان والفُجور , خلافاً لمن اعتقد زوالَها وتحوُّلَها عمَّا قريبٍ , فهو متحصِّنٌ بهذه العقيدة ضدَّ الفساد والبطر.
@ الرُّكنُ الثَّالثُ من أركَان الخُطَّـة هو مدَافعةُ وساوس الشَّيطَان بالاعتبار بمصائر السَّابقينَ ممن هو أفحشُ ثراءً وأكثَرُ جمعاً وأموالاً وأولاداً , وهذا الاعتبارُ مُنتَزَعٌ من قول الكافر {
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } فلو علمَ وهو يفوهُ بهذه القَالةِ الشَّنعاءِ أنَّ اللهَ قد أهلكَ من قبلهِ من الأثرياءِ أقواماً كانو أكثرَ جمعاً ومالاً وولداً لما هلكَ بقالتهِ التي جرَّتهُ إلى الكفر باليوم الآخرِ , وتحصينُ المسلم ضدَّ فتنةِ المال في هذه الجُزئيَّة يتحقَّق في اعتقاده أنَّ الثَّراء لا يزيدُ الإنسانَ كرامةً عند الله بذاتهِ ؛ وإنَّما الكرامةُ عليه منحصرةٌ في التَّقوَى , وأنَّ الرَّخاء والجدة والعافيةَ قد تكونُ موتاً بطيئاً وعذاباً مُبطَّناً وصاحبهُ لاهٍ غافلٌ كما قال اللهُ {
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلمُونَ} , ولذلك قُصد إفهامُ المسلم مُخالفَ هذه الجملة الكفرية التي بَعَث عليها الثَّراءُ {
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } ليتحصَّن ضدَّ فتنة المال ويقولَ بلسان حالهِ ومقاله {
ذَلكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ} فشوقُه لحُسن المآب الذي هو أعظَمُ مما خُول بكثيرٍ حائلٌ - مع توفيق الله - بينهُ وبين أن يقودهُ الغنى للطغيان حتى ينتهي به للكفر.
* وتقول حفظك الله (
أما العلم .. فلم تذكر السورة مفتونا بعلمه... بل ذكرت متواضعا لايعص لمعلمه أمرا) وعجَبي منكَ يا شيخَنا كيف ذهلت عن أنَّ موسى عليه السلام لم يطلُب مرافقة الخضر واتِّباعَه نُزهةً أو عبثاً وإنما كان ذلك بوحيٍ من اللهِ تعالى كما في الصحيح عَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ {
بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ قَالَ مُوسَى لاَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِر ...} الحديث , ولذا فإنَّ من الخلل المنهجيِّ في التَّفسير تركُ نظائر الآيةِ في القرآن , وعدمُ الرَّبط بين نظائر القرآن والسُّنَّـة في القصة الواحدة , خُصوصاً إن كان في أحدِهما مزيدُ بيانٍ ليس في الآخَر , وواضعُ هذه المنهجيَّة في الرَّبط بين القرآن والسُّنة في معرفة أحداث القصَّة ومراحلها هو النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم القائلُ في نفس الحديثِ {
فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِه} والتعقيبُ الذي تحملهُ الفاءُ هنا دليلٌ على وقوع فتنة العلمِ قبل اللقاء بين موسى والخضر عليهما السلام , فسببُ اتِّباع موسَى للخضر هو فتنةُ العلمِ في قوله عليه السلام {
لاَ} جواباً لسُؤال {
هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ.؟} فإذا وقَفَ المُسلمُ مع هذه الجُملة التي كانتْ سبَباً في إعلام الله بمُوسَى بعبده الخضر وما أوتيَ من علمٍ كانت رُكناً أساسياً في خطَّة تحصينه ضدَّ فتنةِ العلم فاستفادَ منها في عدَم اعتقَاد أولويَّته وأوَّليته في علمه على العالمينَ.
* أمَّا فتنةُ السُّلطَان فقد ذكرتِ السُّورةُ اتِّـقاءَها في جُملةِ {
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} فالخُطَّة العمليَّة للتَّحصين ضدَّ فتنةِ هذا السُّلطَان المُغتصبِ هي قوله {
فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} , لأنَّ السُّلطَان كان يغصبُ غيرَ المعيبِ ويدَعُ المَعيبَ كما في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه {
وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحَةٍ غَصْبًا} , والله أعلمُ.