ســـؤالـ ?صحـابـ الاختصـاص.

إنضم
8 فبراير 2012
المشاركات
49
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الرياض
السـلام عليكم ارجوتوضيح الحكمة من قول اللُه تعالى (واضربْ لهم مثلُ الحياةالدنيا كماءانزلناه من السماء فاختلط به نباتُ ا?رضْ فاصبح هشيمآ تذروهُ الرياح وكانْ اللُه على كُل شئ مقتدراٌ)اتمنى الرد من ااصحاب العلم
 
القول في تأويل قوله تعالى : ( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ( 45 ) )

يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واضرب لحياة هؤلاء المستكبرين الذين قالوا لك : اطرد عنك هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ، إذا نحن جئناك الدنيا منهم مثلا يقول : شبها ( كماء أنزلناه من السماء ) يقول : كمطر أنزلناه من السماء ( فاختلط به نبات الأرض ) يقول : فاختلط بالماء نبات الأرض ( فأصبح هشيما ) يقول : فأصبح نبات الأرض يابسا متفتتا ( تذروه الرياح ) يقول تطيره الرياح وتفرقه ، يقال منه : ذرته الريح تذروه ذروا ، وذرته ذريا ، وأذرته تذريه إذراء.
 
( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا ( 45 ) ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ( 46 ) )

قوله تعالى : ( واضرب لهم ) يا محمد أي : لقومك ( مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء ) يعني المطر ( فاختلط به نبات الأرض ) خرج منه كل لون وزهرة ( فأصبح ) عن قريب ( هشيما ) يابسا قال ابن عباس وقال الضحاك : كسيرا والهشيم : ما يبس وتفتت من النباتات فأصبح هشيما ( تذروه الرياح ) قال ابن عباس : تثيره الرياح وقال أبو عبيدة : تفرقه . وقال القتيبي : تنسفه ( وكان الله على كل شيء مقتدرا ) قادرا
 
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا .

كان أعظم حائل بين المشركين وبين النظر في أدلة الإسلام انهماكهم في الإقبال على الحياة الزائلة ونعيمها ، والغرور الذي غر طغاة أهل الشرك ، وصرفهم عن إعمال عقولهم في فهم أدلة التوحيد والبعث كما قال تعالى وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ، وقال أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين .

وكانوا يحسبون هذا العالم غير آيل إلى الفناء وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ، وما كان أحد الرجلين الذين تقدمت قصتهما إلا واحدا من المشركين إذ قال وما أظن الساعة قائمة .

فأمر الله رسوله بأن يضرب لهم مثل الحياة الدنيا التي غرتهم بهجتها .

والحياة الدنيا : تطلق على مدة بقاء الأنواع الحية على الأرض وبقاء الأرض على حالتها ، فإطلاق اسم الحياة الدنيا على تلك المدة ; لأنها مدة الحياة الناقصة غير الأبدية ; لأنها مقدر زوالها ، فهي دنيا .

[ ص: 331 ] وتطلق الحياة الدنيا على مدة حياة الأفراد ، أي حياة كل أحد ، ووصفها بـ ( الدنيا ) بمعنى القريبة ، أي الحاضرة غير المستنظرة ، كنى عن الحضور بالقرب ، والوصف للاحتراز عن الحياة الآخرة ، وهي الحياة بعد الموت .

والكاف في قوله " كماء " في محل الحال من ( الحياة ) المضاف إليه ( مثل ) ، أي اضرب لهم مثلا لها حال أنها كماء أنزلناه .

وهذا المثل منطبق على الحياة الدنيا بإطلاقيها ، فهما مرادان منه ، وضمير " لهم " عائد إلى المشركين كما دل عليه تناسق ضمائر الجمع الآتية في قوله ( وحشرناهم فلم نغادر منهم - وعرضوا - بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا ) .

واختلاط النبات : وفرته والتفاف بعضه ببعض من قوة الخصب والازدهار .

والباء في قوله ( به ) باء السببية ، والضمير عائد إلى ( ماء ) أي فاختلط النبات بسبب الماء ، أي اختلط بعض النبات ببعض ، وليست الباء لتعدية فعل اختلط إلى المفعول لعدم وضوح المعنى عليه ، وفي ذكر الأرض بعد ذكر السماء محسن الطباق .

و ( أصبح ) مستعملة بمعنى صار ، وهو استعمال شائع .

والهشيم : اسم على وزن فعيل بمعنى مفعول ، أي مهشوما محطما ، والهشم : الكسر والتفتيت .

و تذروه الرياح أي تفرقه في الهواء ، والذرو : الرمي في الهواء ، شبهت حالة هذا العالم بما فيه بحالة الروضة تبقى زمانا بهجة خضرة ثم يصير نبتها بعد حين إلى اضمحلال ، ووجه الشبه : المصير من حال حسن إلى حال سيئ ، وهذا تشبيه معقول بمحسوس ; لأن الحالة المشبهة معقولة ; إذ لم ير الناس بوادر تقلص بهجة الحياة ، وأيضا شبهت هيئة إقبال نعيم الدنيا في الحياة مع الشباب والجدة وزخرف العيش لأهله ، ثم تقلص ذلك وزوال نفعه ثم انقراضه أشتاتا [ ص: 332 ] بهيئة إقبال الغيث منبت الزرع ونشأته عنه ونضارته ووفرته ، ثم أخذه في الانتقاص وانعدام التمتع به ثم تطايره أشتاتا في الهواء - تشبيها لمركب محسوس بمركب محسوس ، ووجه الشبه كما علمت .

وجملة وكان الله على كل شيء مقتدرا جملة معترضة في آخر الكلام ، موقعها التذكير بقدرة الله تعالى على خلق الأشياء وأضدادها ، وجعل أوائلها مفضية إلى أواخرها ، وترتيبه أسباب الفناء على أسباب البقاء ، وذلك اقتدار عجيب ، وقد أفيد ذلك على أكمل وجه بالعموم الذي في قوله على كل شيء وهو بذلك العموم أشبه التذييل ، والمقتدر : القوي القدرة .
 
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا .

ثم ضرب سبحانه مثلا آخر لجبابرة قريش فقال : واضرب لهم مثل الحياة الدنيا أي : اذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في حسنها ونضارتها وسرعة زوالها ؛ لئلا يركنوا إليها ، وقد تقدم هذا المثل في سورة يونس ، ثم بين سبحانه هذا المثل فقال : كماء أنزلناه من السماء ويجوز أن يكون هذا هو المفعول الثاني لقوله : ( اضرب ) على جعله بمعنى صير فاختلط به نبات الأرض أي : اختلط بالماء نبات الأرض حتى استوى ، وقيل : المعنى : إن النبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء ؛ لأن النبات إنما يختلط ويكثر بالمطر ، فتكون الباء في ( به ) سببية ، ( فأصبح ) النبات ( هشيما ) الهشيم الكسير ، وهو من النبات ما تكسر بسبب انقطاع الماء عنه وتفتت ، ورجل هشيم : ضعيف البدن ، وتهشم عليه فلان : إذا تعطف ، واهتشم ما في ضرع الناقة : إذا احتلبه ، وهشم الثريد : كسره وثرده ، ومنه قول ابن الزبعري :

عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
( تذروه الرياح ) تفرقه . قال أبو عبيدة وابن قتيبة : ( تذروه ) تنسفه ، وقال ابن كيسان : تذهب به وتجيء ، والمعنى متقارب .

وقرأ طلحة بن مصرف ( تذريه الريح ) قال الكسائي : وفي قراءة عبد الله ( تذريه ) يقال : ذرته الريح تذروه ، وأذرته تذريه .

وحكى الفراء : أذريت الرجل عن فرسه أي : قلبته وكان الله على كل شيء مقتدرا أي : على كل شيء من الأشياء يحييه ويفنيه بقدرته لا يعجز عن شيء .
 
عودة
أعلى