أبو عبد المعز
Active member
- إنضم
- 20/04/2003
- المشاركات
- 591
- مستوى التفاعل
- 25
- النقاط
- 28
سر آخر عظيم في سورة الاسراء
ما أمرنا بتدبر القرآن إلا لما فيه من أسرار خفية لا تلمحها النظرة العابرة ، ومن أعظم هذه الأسرار وجود السر في الموضع الذي لا تتوقع أن يكون فيه سر. إن المرء ليتوسم وجود معان خفية في فن المعميات والطلاسم والألغاز فيأخذ حذره منذ البداية فيتفصح كل حرف وكل كلمة وينظر ويعيد النظر ولكنه لا يفعل شيئا من ذلك في تحليل العبارات المعتادة كتحية الصباح والمساء لأنها ليست مجالا لكمون الأسرار....
في تدبرالتنزيل يجب التوقف عند كل عبارة مهما بدت معتادة واضحة محكمة فخلفها من الدقائق ما لا يخطر ببال!
لماذا جاءت كل فواصل سورة (الإسراء ) مفتوحة إلا فاصلة آية الاستهلال جاءت مضمومة؟
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء : 1]
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا [الإسراء : 2]
"البصير" مضمومة ،"وكيلا" مفتوحة ،وسيطرد الفتح بدون استثناء إلى آخر آية:
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء : 111]
تجانس كبير بين المطلع والمقطع:
فقد بدأت السورة بالتسبيح وانتهت بالتحميد ، وتقدم التسبيح على التحميد طبيعي لأن التسبيح نفي للنقص والتحميد إثبات للكمال ، والنفي له تقدم عقلي على الإثبات ، فكما أن التطهير متقدم على التحلية فكذلك التسبيح والتحميد....لكن السؤال المحير: لماذا اختلفت الفاصلتان ؟
لو تأملنا المسألة بعمق لوجدناها أكبر من مجرد ظاهرة صوتية أوإيقاع للجمل، إنها دليل على أن السورة ليست من تأليف بشر!
لسنا نبالغ في هذا الادعاء ، خاصة إذا اعتبرنا أن "الإعجاز" ليس الدليل الوحيد على كون القرآن ليس من نظم البشر بل هو دليل خاص فحسب ، إذ الإنسان لا يأتي بشيء عن عجز دائما ، ولكن قد لا يأتي به أحيانا لأن ذلك الأمر يتنافى مع طبيعته وتركيبته الذهنية والنفسية - وإن كان قادرا عليه في نفس الأمر- باختصار لا ينجز الإنسان شيئا إما لأنه لا يستطيعه أو لأنه لا يستسيغه!!
لماذا اختلفت الفاصلتان ؟
لن نمل من تكرار السؤال...فلو كانت السورة من تأليف إنسان فهل كان المؤلف يصر على اتحاد الفاصلة في 110 مقطع ويترك المقطع الأول شاذا يتيما ، مع العلم أن الإنسان في طبيعته ينجذب إلى الاتساق والتجانس وينفر من الدخيل والغريب!
لنضرب مثلين على سبيل التوضيح:
- رجل جاءه أضياف من علية القوم ، فأعد لهم شرابا في عشرين كوبا متشابهة في الزخرفة والنقش واللون ، ثم أدرك أنه محتاج إلى كوب آخر فوجد في المستودع كوبين أحدهما شبيه بالأكواب العشرين والثاني مختلف كليا عنها ، فأي الكوبين يختار: آلكوب المتسق مع المجموعة أم الكوب المختلف الذي قد يثيرتغامز القوم وسخريتهم!
- شاعرشرع في نظم قصيدة فخطر بباله معنى بديع توسم فيه أن يكون بيت القصيد وأن الناس سوف يعجبون به يتناقلونه ويرددونه في مجالسهم، لكن الشاعر لم يستطع أن يجد لهذا البيت قافية مناسبة لبقية أبيات القصيدة فهل يورده كما هو أم يلغيه! إذا أورده هل سيغني القصيدة بمعنى بديع أم سيفسدها ببيت شاذ!
هذا والشاعر قد اجتهد كل الاجتهاد ليجعل البيت ذا قافية موحدة فلم يفلح...لكنه لو كان ناظما لسورة الاسراء فلن يجد أي صعوبة في توحيد الفاصلة : حسبه أن يدخل" كان" في عبارة
(لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لتصبح :"إنه كان سميعا بصيرا " فيحفظ المعنى وتتحد الفاصلة في النص كله ....لكنه لم يفعل فخالف طبعه البشري والبنية الذهنية-النفسية للإنسان...
هذا الاستدلال يصح فقط في حالة اختلاف الفاصلة الأولى عن الفواصل الموحدة بعدها ، أما أن تكون في الختام مختلفة عما قبلها فهو مما يقبله الطبع بل هو محمود بلاغيا ويسمى في علم السرد الحديث :السقطة أو الانحدار (La chute)
ونبين معنى هذا الوجه البلاغي بعد حين ان شاء الله...
ما أمرنا بتدبر القرآن إلا لما فيه من أسرار خفية لا تلمحها النظرة العابرة ، ومن أعظم هذه الأسرار وجود السر في الموضع الذي لا تتوقع أن يكون فيه سر. إن المرء ليتوسم وجود معان خفية في فن المعميات والطلاسم والألغاز فيأخذ حذره منذ البداية فيتفصح كل حرف وكل كلمة وينظر ويعيد النظر ولكنه لا يفعل شيئا من ذلك في تحليل العبارات المعتادة كتحية الصباح والمساء لأنها ليست مجالا لكمون الأسرار....
في تدبرالتنزيل يجب التوقف عند كل عبارة مهما بدت معتادة واضحة محكمة فخلفها من الدقائق ما لا يخطر ببال!
لماذا جاءت كل فواصل سورة (الإسراء ) مفتوحة إلا فاصلة آية الاستهلال جاءت مضمومة؟
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء : 1]
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا [الإسراء : 2]
"البصير" مضمومة ،"وكيلا" مفتوحة ،وسيطرد الفتح بدون استثناء إلى آخر آية:
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء : 111]
تجانس كبير بين المطلع والمقطع:
فقد بدأت السورة بالتسبيح وانتهت بالتحميد ، وتقدم التسبيح على التحميد طبيعي لأن التسبيح نفي للنقص والتحميد إثبات للكمال ، والنفي له تقدم عقلي على الإثبات ، فكما أن التطهير متقدم على التحلية فكذلك التسبيح والتحميد....لكن السؤال المحير: لماذا اختلفت الفاصلتان ؟
لو تأملنا المسألة بعمق لوجدناها أكبر من مجرد ظاهرة صوتية أوإيقاع للجمل، إنها دليل على أن السورة ليست من تأليف بشر!
لسنا نبالغ في هذا الادعاء ، خاصة إذا اعتبرنا أن "الإعجاز" ليس الدليل الوحيد على كون القرآن ليس من نظم البشر بل هو دليل خاص فحسب ، إذ الإنسان لا يأتي بشيء عن عجز دائما ، ولكن قد لا يأتي به أحيانا لأن ذلك الأمر يتنافى مع طبيعته وتركيبته الذهنية والنفسية - وإن كان قادرا عليه في نفس الأمر- باختصار لا ينجز الإنسان شيئا إما لأنه لا يستطيعه أو لأنه لا يستسيغه!!
لماذا اختلفت الفاصلتان ؟
لن نمل من تكرار السؤال...فلو كانت السورة من تأليف إنسان فهل كان المؤلف يصر على اتحاد الفاصلة في 110 مقطع ويترك المقطع الأول شاذا يتيما ، مع العلم أن الإنسان في طبيعته ينجذب إلى الاتساق والتجانس وينفر من الدخيل والغريب!
لنضرب مثلين على سبيل التوضيح:
- رجل جاءه أضياف من علية القوم ، فأعد لهم شرابا في عشرين كوبا متشابهة في الزخرفة والنقش واللون ، ثم أدرك أنه محتاج إلى كوب آخر فوجد في المستودع كوبين أحدهما شبيه بالأكواب العشرين والثاني مختلف كليا عنها ، فأي الكوبين يختار: آلكوب المتسق مع المجموعة أم الكوب المختلف الذي قد يثيرتغامز القوم وسخريتهم!
- شاعرشرع في نظم قصيدة فخطر بباله معنى بديع توسم فيه أن يكون بيت القصيد وأن الناس سوف يعجبون به يتناقلونه ويرددونه في مجالسهم، لكن الشاعر لم يستطع أن يجد لهذا البيت قافية مناسبة لبقية أبيات القصيدة فهل يورده كما هو أم يلغيه! إذا أورده هل سيغني القصيدة بمعنى بديع أم سيفسدها ببيت شاذ!
هذا والشاعر قد اجتهد كل الاجتهاد ليجعل البيت ذا قافية موحدة فلم يفلح...لكنه لو كان ناظما لسورة الاسراء فلن يجد أي صعوبة في توحيد الفاصلة : حسبه أن يدخل" كان" في عبارة
(لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لتصبح :"إنه كان سميعا بصيرا " فيحفظ المعنى وتتحد الفاصلة في النص كله ....لكنه لم يفعل فخالف طبعه البشري والبنية الذهنية-النفسية للإنسان...
هذا الاستدلال يصح فقط في حالة اختلاف الفاصلة الأولى عن الفواصل الموحدة بعدها ، أما أن تكون في الختام مختلفة عما قبلها فهو مما يقبله الطبع بل هو محمود بلاغيا ويسمى في علم السرد الحديث :السقطة أو الانحدار (La chute)
ونبين معنى هذا الوجه البلاغي بعد حين ان شاء الله...