مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
سؤال للمدارسة : هل يوجد قراءة تفسيرية ؟
لا يختلف اثنان في وجود قراءات شاذة كثيرة ، والذي يعنيني في هذا المقام ما نُسِب إلى بعض قَرَأَةِ الصحابة أو التابعين ؛ كأُبَيِّ بن كعب وابن مسعود والحسن والأعمش وغيرهم .
والملاحظ أن بعض العلماء ذهب إلى تخريج بعض ما ورد عنهم من هذه القراءات المخالفة لما أجمع عليه الصحابة ومن بعدهم ؛ ذهب إلى أنها من باب التفسير ، وأطلق عليها مصطلح ( قراءةً تفسيرية ) أو ( قراءةً على التفسير ) أو ( قراءةَ تفسير ) أو ما شابه هذه المصطلحات ؟
وإليك بعض القراءات التي حُكِم عليها بأنها قراءة تفسيرية :
1 ـ في قوله تعالى : ( قال له صاحبه وهو يحاوره ) .
قال أبو حيان : _ (( { وهو يحاوره } حال من الفاعل وهو صاحبه المؤمن . وقرأ أُبيّ وهو يخاصمه وهي قراءة تفسير لا قراءة رواية لمخالفته سواد المصحف ، ولأن الذي روي بالتواتر { هو يحاوره } لا يخاصمه )) .
2 ـ في قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) ( الحجر : 21)
قال أبو حيان : (( وقرأ الأعمش : وما نرسله مكان وما ننزله ، والإرسال أعم ، وهي قراءة تفسير معنى لا أنها لفظ قرآن ، لمخالفتها سواد المصحف )) .
3 ـ في قوله تعالى : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ) ( البينة : 1 ) .
قال ابن العربي : (( الْآيَةُ فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي قِرَاءَتِهَا : قَرَأَهَا أُبَيٌّ : { لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } ؛ وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَمْ يَكُنِ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ مُنْفَكِّينَ
وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ ؛ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ ، لَا فِي مَعْرِضِ التِّلَاوَةِ ؛ فَقَدْ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحِ : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ } ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ ؛ فَإِنَّ التِّلَاوَةَ مَا كَانَ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ .)) .
هذه بعض الأمثلة التي ذكر فيها العلماء قراءة بعض الصحابة والتابعين على أنها قراءة تفسيرية ، والأمثلة كثيرة ، وليس الغرض ههنا سوى التمثيل .
وأقول : هل يصح هذا الإطلاق على هذه القراءات ؟
أي : هل هي قراءات شاذة أو هي تفسيرات لهؤلاء القراء من الصحابة والتابعين ؟
إن الحكم عليها بأنها ( قراءات تفسيرية ) فيه نظرٌ ؛ لأمور :
الأول : أن الذين أسندوا إليهم هذه القراءة لم يقولوا : ( فسَّر فلان ) ، وإنما يقولون : ( قرأ فلان ) أو يقولون : ( في قراءة فلان ) ، والحكم بكونها قراءة مطابقة لمنصوص الأثر ، والذي رواه أعلم به من غيره .
الثاني : أن بعض هؤلاء الذين نُسِبت إليهم القراءة التفسيرية قد نُقِل عنهم التفسير ، كما نقلت عنهم القراءة ، وكما لا يصح فيما نُقل عنهم من باب التفسير أن يسمى قراءة ، فكذا الحال لا يصحُّ أن ينسب إليهم التفسير فيما حُكِي عنهم أنه قراءة .
الثالث : أن مساعدة هذه القراءات الشاذة في فهم بعض معاني القراءات المجمع عليها لا يعني أنها قراءة من باب التفسير ، بل هي قراءة مستقلة ، وهذا إمام التابعين في التفسير مجاهد بن جبر يقول : (لَوْ كُنْت قَرَأْت قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ أَحْتَجْ أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْقُرْآنِ مِمَّا سَأَلْت ) .
ومن الأمثلة التي تصدق قول مجاهد هذا :
1 ـ روى الطبري بسنده عن مجاهد قال : ( كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود: "أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ" ) .
2 ـ وروى الطبري بسنده عن مجاهد ، قال : (( كنا نرى أن قوله:( فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) شيء هين، حتى سمعت قراءة ابن مسعود( إن تَتُوبَا إِلى اللهِ فَقَدْ زَاغَتْ قُلُوبُكُمُا ).
ولم يرد عن مجاهد ولا غيره ممن هو في طبقته ـ فيما أعلم ـ أنهم حكموا على قراءة ابن مسعود أو غيره بأنها قراءة على التفسير أو قراءة تفسيرية ، بل نصوصهم واضحة على أنها قراءة مستقلة ، ومن أمثلة ذلك :
1 ـ قال الطبري : ( وقوله: { وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } : قال قتادة: يقولون: آلهتنا خير منه. وقال قتادة: قرأ ابن مسعود: "وقالوا أآلهتنا خير أم هذا"، يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم ) .
2 ـ وفي قوله تعالى : ( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
روى الطبري بسنده عن السدي ، قال : ( هي في قراءة ابن مسعود:"اختلفوا عنه" عن الإسلام ) .
3 ـ وفي قوله تعالى ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ) روى الطبري بسنده عن عبد الرحمن بن أبي حماد، أنّ قراءة ابن مسعود:( فَنَادَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ).
4 ـ وفي قوله تعالى : ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ ) ( النساء : 34) روى الطبري بسنده عن طلحة بن مصرف قال: في قراءة عبد الله:( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله فأصلحوا إليهن واللاتي تخافون نشوزهن ) .
وهذه النصوص وغيرها إنما تنسب إليهم قراءةً لا تفسيرًا ، وهم أدرى بما ينسبونه إليهم ، وعندهم من الوضوح في الفرق بين التفسير والقراءة ما لا يخفى على مطلع على آثارهم ، ولم أجد وقوع الشك في كون ما يروى عنهم هل هو من قبيل التفسير أو من قبيل القراءة سوى أثر رواه سعيد بن منصور بسنده عن عمرو بن دينار : (أنه سمع ابن الزبير يقول : ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (1) « ويستعينون بالله على ما أصابهم » ، فلا أدري أكانت قراءته أو فسر ؟ ) .
وهذا الشك منه رحمه الله تعالى يقطعه ما رواه الطبري بسنده عن أبي عون الثقفي: أنه سمع صُبيحًا قال: سمعت عثمان يقرأ:( " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيَسْتَعِينُونَ اللهَ عَلَى مَا أَصَابَهُم "). ، ثم أسند الرواية إلى عمر بن دينار عفي قراءة ابن الزبير ، ولم يذكر الأثر بتمامه ، لذا لم يذكر شك عمرو ، ولعل هذا يشير إلى أن الطبري يقطع بكونها قراءة لا تفسيرًا ، والله أعلم .
ولا يختلف اثنان في الاستفادة من مثل هذه القراءات في بيان المعاني والتفسير وتأييد الاستنباطات من القراءات الثابتات ، ومن ذلك ما ذكر ابن عطية تعليقًا على هذه الآية ، واستفادةً من هذه القراءة ، قال : ( قال القاضي : والناس في تغيير المنكر والأمر بالمعروف على مراتب ، ففرض العلماء فيه تنبيه الحكام والولاة ، وحملهم على جادة العلم ، وفرض الولاة تغييره بقوتهم وسلطانهم ، ولهم هي اليد ، وفرض سائر الناس رفعه إلى الحكام والولاة بعد النهي عنه قولاً ، وهذا في المنكر الذي له دوام ، وأما إن رأى أحد نازلة بديهة من المنكر ، كالسلب والزنى ونحوه ، فيغيرها بنفسه بحسب الحال والقدرة ، ويحسن لكل مؤمن أن يحتمل في تغيير المنكر ، وإن ناله بعض الأذى ، ويؤيد هذا المنزع أن في قراءة عثمان بن عفان وابن مسعود وابن الزبير « يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويستعينون بالله على ما أصابهم » ، فهذا وإن كان لم يثبت في المصحف ، ففيه إشارة إلى التعرض لما يصيب عقب الأمر والنهي ، كما هي في قوله تعالى :
{ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، واصبر على ما أصابك } [ لقمان : 17 ] وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } [ المائدة : 105 ] معناه إذا لم يقبل منكم ولم تقدروا على تغيير منكره ) . ا.هـ كلام القاضي ابن عطية رحمه الله تعالى .
وبعد ، فالمقصود إعادة النظر في هذا المصطلح ، وبيان كيفية إفادة هذه القراءات في بيان المعاني والتفسير ، وفي الفوائد والمستنبطات من الآيات ، وغير ذلك من المعلومات التي تفيد فيها هذه القراءات الشاذات ، والله الموفق والهادي إلى الصواب .
لا يختلف اثنان في وجود قراءات شاذة كثيرة ، والذي يعنيني في هذا المقام ما نُسِب إلى بعض قَرَأَةِ الصحابة أو التابعين ؛ كأُبَيِّ بن كعب وابن مسعود والحسن والأعمش وغيرهم .
والملاحظ أن بعض العلماء ذهب إلى تخريج بعض ما ورد عنهم من هذه القراءات المخالفة لما أجمع عليه الصحابة ومن بعدهم ؛ ذهب إلى أنها من باب التفسير ، وأطلق عليها مصطلح ( قراءةً تفسيرية ) أو ( قراءةً على التفسير ) أو ( قراءةَ تفسير ) أو ما شابه هذه المصطلحات ؟
وإليك بعض القراءات التي حُكِم عليها بأنها قراءة تفسيرية :
1 ـ في قوله تعالى : ( قال له صاحبه وهو يحاوره ) .
قال أبو حيان : _ (( { وهو يحاوره } حال من الفاعل وهو صاحبه المؤمن . وقرأ أُبيّ وهو يخاصمه وهي قراءة تفسير لا قراءة رواية لمخالفته سواد المصحف ، ولأن الذي روي بالتواتر { هو يحاوره } لا يخاصمه )) .
2 ـ في قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) ( الحجر : 21)
قال أبو حيان : (( وقرأ الأعمش : وما نرسله مكان وما ننزله ، والإرسال أعم ، وهي قراءة تفسير معنى لا أنها لفظ قرآن ، لمخالفتها سواد المصحف )) .
3 ـ في قوله تعالى : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ) ( البينة : 1 ) .
قال ابن العربي : (( الْآيَةُ فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي قِرَاءَتِهَا : قَرَأَهَا أُبَيٌّ : { لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } ؛ وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَمْ يَكُنِ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ مُنْفَكِّينَ
وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ ؛ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ ، لَا فِي مَعْرِضِ التِّلَاوَةِ ؛ فَقَدْ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحِ : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ } ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ ؛ فَإِنَّ التِّلَاوَةَ مَا كَانَ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ .)) .
هذه بعض الأمثلة التي ذكر فيها العلماء قراءة بعض الصحابة والتابعين على أنها قراءة تفسيرية ، والأمثلة كثيرة ، وليس الغرض ههنا سوى التمثيل .
وأقول : هل يصح هذا الإطلاق على هذه القراءات ؟
أي : هل هي قراءات شاذة أو هي تفسيرات لهؤلاء القراء من الصحابة والتابعين ؟
إن الحكم عليها بأنها ( قراءات تفسيرية ) فيه نظرٌ ؛ لأمور :
الأول : أن الذين أسندوا إليهم هذه القراءة لم يقولوا : ( فسَّر فلان ) ، وإنما يقولون : ( قرأ فلان ) أو يقولون : ( في قراءة فلان ) ، والحكم بكونها قراءة مطابقة لمنصوص الأثر ، والذي رواه أعلم به من غيره .
الثاني : أن بعض هؤلاء الذين نُسِبت إليهم القراءة التفسيرية قد نُقِل عنهم التفسير ، كما نقلت عنهم القراءة ، وكما لا يصح فيما نُقل عنهم من باب التفسير أن يسمى قراءة ، فكذا الحال لا يصحُّ أن ينسب إليهم التفسير فيما حُكِي عنهم أنه قراءة .
الثالث : أن مساعدة هذه القراءات الشاذة في فهم بعض معاني القراءات المجمع عليها لا يعني أنها قراءة من باب التفسير ، بل هي قراءة مستقلة ، وهذا إمام التابعين في التفسير مجاهد بن جبر يقول : (لَوْ كُنْت قَرَأْت قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ أَحْتَجْ أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْقُرْآنِ مِمَّا سَأَلْت ) .
ومن الأمثلة التي تصدق قول مجاهد هذا :
1 ـ روى الطبري بسنده عن مجاهد قال : ( كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود: "أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ" ) .
2 ـ وروى الطبري بسنده عن مجاهد ، قال : (( كنا نرى أن قوله:( فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) شيء هين، حتى سمعت قراءة ابن مسعود( إن تَتُوبَا إِلى اللهِ فَقَدْ زَاغَتْ قُلُوبُكُمُا ).
ولم يرد عن مجاهد ولا غيره ممن هو في طبقته ـ فيما أعلم ـ أنهم حكموا على قراءة ابن مسعود أو غيره بأنها قراءة على التفسير أو قراءة تفسيرية ، بل نصوصهم واضحة على أنها قراءة مستقلة ، ومن أمثلة ذلك :
1 ـ قال الطبري : ( وقوله: { وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } : قال قتادة: يقولون: آلهتنا خير منه. وقال قتادة: قرأ ابن مسعود: "وقالوا أآلهتنا خير أم هذا"، يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم ) .
2 ـ وفي قوله تعالى : ( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
روى الطبري بسنده عن السدي ، قال : ( هي في قراءة ابن مسعود:"اختلفوا عنه" عن الإسلام ) .
3 ـ وفي قوله تعالى ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ) روى الطبري بسنده عن عبد الرحمن بن أبي حماد، أنّ قراءة ابن مسعود:( فَنَادَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ).
4 ـ وفي قوله تعالى : ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ ) ( النساء : 34) روى الطبري بسنده عن طلحة بن مصرف قال: في قراءة عبد الله:( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله فأصلحوا إليهن واللاتي تخافون نشوزهن ) .
وهذه النصوص وغيرها إنما تنسب إليهم قراءةً لا تفسيرًا ، وهم أدرى بما ينسبونه إليهم ، وعندهم من الوضوح في الفرق بين التفسير والقراءة ما لا يخفى على مطلع على آثارهم ، ولم أجد وقوع الشك في كون ما يروى عنهم هل هو من قبيل التفسير أو من قبيل القراءة سوى أثر رواه سعيد بن منصور بسنده عن عمرو بن دينار : (أنه سمع ابن الزبير يقول : ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (1) « ويستعينون بالله على ما أصابهم » ، فلا أدري أكانت قراءته أو فسر ؟ ) .
وهذا الشك منه رحمه الله تعالى يقطعه ما رواه الطبري بسنده عن أبي عون الثقفي: أنه سمع صُبيحًا قال: سمعت عثمان يقرأ:( " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيَسْتَعِينُونَ اللهَ عَلَى مَا أَصَابَهُم "). ، ثم أسند الرواية إلى عمر بن دينار عفي قراءة ابن الزبير ، ولم يذكر الأثر بتمامه ، لذا لم يذكر شك عمرو ، ولعل هذا يشير إلى أن الطبري يقطع بكونها قراءة لا تفسيرًا ، والله أعلم .
ولا يختلف اثنان في الاستفادة من مثل هذه القراءات في بيان المعاني والتفسير وتأييد الاستنباطات من القراءات الثابتات ، ومن ذلك ما ذكر ابن عطية تعليقًا على هذه الآية ، واستفادةً من هذه القراءة ، قال : ( قال القاضي : والناس في تغيير المنكر والأمر بالمعروف على مراتب ، ففرض العلماء فيه تنبيه الحكام والولاة ، وحملهم على جادة العلم ، وفرض الولاة تغييره بقوتهم وسلطانهم ، ولهم هي اليد ، وفرض سائر الناس رفعه إلى الحكام والولاة بعد النهي عنه قولاً ، وهذا في المنكر الذي له دوام ، وأما إن رأى أحد نازلة بديهة من المنكر ، كالسلب والزنى ونحوه ، فيغيرها بنفسه بحسب الحال والقدرة ، ويحسن لكل مؤمن أن يحتمل في تغيير المنكر ، وإن ناله بعض الأذى ، ويؤيد هذا المنزع أن في قراءة عثمان بن عفان وابن مسعود وابن الزبير « يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويستعينون بالله على ما أصابهم » ، فهذا وإن كان لم يثبت في المصحف ، ففيه إشارة إلى التعرض لما يصيب عقب الأمر والنهي ، كما هي في قوله تعالى :
{ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، واصبر على ما أصابك } [ لقمان : 17 ] وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } [ المائدة : 105 ] معناه إذا لم يقبل منكم ولم تقدروا على تغيير منكره ) . ا.هـ كلام القاضي ابن عطية رحمه الله تعالى .
وبعد ، فالمقصود إعادة النظر في هذا المصطلح ، وبيان كيفية إفادة هذه القراءات في بيان المعاني والتفسير ، وفي الفوائد والمستنبطات من الآيات ، وغير ذلك من المعلومات التي تفيد فيها هذه القراءات الشاذات ، والله الموفق والهادي إلى الصواب .