سؤال في شرط التواتر في القراءة المتواترة ؟

إنضم
26 يونيو 2011
المشاركات
40
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم1​
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد محمد ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :
السادة المتخصصون الأكارم ، ذوي تخصص القراءات ، أسئلة أريد جوابه ، وهو :
1- هل التواتر شرط لقبول القراءة المتواترة ، أم اكتفى علماؤنا بمجرد الصحة ( أعنى صحة إسناد القراءة) ؟
2- هل يُكتفى لقبول القراءة المتواترة ، تواتر السند ، أم يجب أن ينضم إليه موافقة وجه نحو ، والرسم العثماني ؟
3- ما هي شروط صحة السند عند القراء ، وما حده ؟
4- ما هو مفهوم التواتر في علم القراءات ؟ ، وهل هو ذاته التواتر عند المحدثين ؟ ، حدا ، وتطبيقا ؟
5- هل يمكن القول بأن :
- شرط التواتر عند القراء بخلاف التواتر عند المحدثين ، فالأول أقوى إذ هو بمثابة تواتر جيل من الثقات بأثره حتى ولو لم نحصهم ، لا مجرد عدد منهم فحسب ،
- وأن شرط التواتر إنما يكون للقراءة ككل ، أما الأحرف والأوجه للقراءة ذاتها فيُكتفى فيه بصحة الإسناد فحسب مقرونا بالركنين الثانيين ، موافقة وجه نحو ، والرسم العثماني ؟
وهو ما انتهيت إليه بعد طول بحث !
أجيبوني أثابكم الله تعالى ، وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون​
 
جزاكم الله خيرا على الرابط ، ولكن تبقى إطلاق نسبة عدم اشتراط التواتر والاكتفاء بالصحة مقرنة بالركنين الثاني والثالث المشهورين لابن الجزري تحتاج إلى تحرير ، سأفرد له بحثا إن شاء الله تعالى ، موردا فيه كلام ابن الجزري من كتابه النشر ، ومنجد المقرئين ، ونقل النويري الإجماع على اشتراط التواتر ، وعن الجمع بين بعض كلام ابن الجزري في النشر باشتراط التواتر تارة ، واكتفائه بالصحة مقرنا بالركنين الآخرين تارة ، وكلامه في منجد المقرئين باشتراط التواتر ، والله تعالى أعلى وأعلم ، وجزاكم الله خيرا
 
بارك اللهُ فيكَ أخي الكريم.
لا شكَّ أن المسألةَ بحاجةٍ إلى مزيدٍ من البحوثِ المعمّقة، والدراساتِ المؤصّلة، ونحن ننتظر منكَ وأمثالك من الباحثين الفضلاء التدقيقَ والتحريرَ في مثل هذه المسائل المشكلات.
والله الموفّق.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 مذاهب العلماء في اشتراط التواتر,وموافقة الرسم لصحة القراءة أربعة معتبرة:
المذهب الأول:المشهور عند المتأخرين من العلماء منع القراءة بغير المتواتر،ولو صح الإسناد،ووافق الرسم!!.
قالوا:إن الصحة لا تكفي،ونسبوا ما لم يتواتر إلى الشذوذ؟!!.
ولعل ذلك؛لأن هنالك قرآنًا منسوخًا لفظًا كآية الرجم،وآية الرضاع،مع أن اشتراط موافقة الرسم تغني في كشف ذلك،وخبر الآحاد حجة.
قال الدمياطي-رحمه الله- في«إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر» (ص8-علمية):
«وجزم بهذا القول أبو القاسم النويري في«شرح طيبة شيخه»متعقبًا به لكلامه فقال:
عدم اشتراط التواتر قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم لأن القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة هو ما نقل بين دفتي المصحف نقلا متواترا وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر كما قال ابن الحاجب وحينئذ فلا بد من التواتر عند الأئمة الأربعة صرح بذلك جماعات كابن عبد البر وابن عطية والنووي والزركشي والسبكي والأسنوي والأذرعي وعلى ذلك أجمع القراء ولم يخالف من المتأخرين إلا مكي وتبعه بعضهم انتهى ملخصا».انتهى.
المذهب الثاني:من أجاز القراءة بصحيحة الإسناد إذا وافقت الرسم, واسفاضت( ).
-وهذا مذهب ( )،ومكي بن أبي طالب( ),وأبي شامة،وابن الجزري-رحمهم الله-( ):
ومما قاله أبو شامة-رحمه الله-في« المرشد الوجيز»(ص178)ولم أنقله فيما سبق:«فالحاصل إنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر، وذلك بين لمن أنصف وعرف وتصفح القراءات وطرقها.
وغاية ما يبديه مدعي تواتر المشهور منها كإدغام أبي عمرو ونقل الحركة لورش وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواء الطرفين والواسطة إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي-r-كل فرد فرد من ذلك، وهنالك تكسب العبرات!!، فإنها من ثم لم تنقل إلا آحادًا، إلا اليسير منها.
وقد حققنا هذا الفصل أيضا في "كتاب البسملة الكبير" ونقلنا فيه من كلام الحذاق من الأئمة المتقنين ما تلاشى عنده شبه المشنعين، وبالله التوفيق»انتهى.
وقال-رحمه الله-في« المرشد الوجيز»(ص145):«ولا يلزم في ذلك تواتر، بل تكفي الآحاد الصحيحة من الاستفاضة وموافقة خط المصحف وعدم المنكرين لها نقلا,وتوجيها من حيث اللغة، والله أعلم».
وقال في«مرشده»(ص172):«فإن اختلت هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة. أشار إلى ذلك كلام الأئمة المتقدمين، ونص عليه الشيخ المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني في كتاب مفرد صنفه في معاني القراءات السبع,وأمر بإلحاقه بكتاب«الكشف عن وجوه القراءات» من تصانيفه».
:«قال الشيخ مكي بن أبي طالب القيسي:القراءة الصحيحة ما صح سندها إلى النبي-r-وساغ،وجهها في العربية،ووافقت خط المصحف («الإبانة»لمكي ص39).
وتبعه على ذلك بعض المتأخرين،ومنهم ابن الجزَري؛حيث قال في «طيبته»:
فكل ما وافق وجه نحوي*وكان للرسم احتمالاً يحوي
وصح إسنادًا هو القرآن*فـهـذه الـثـلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن اثبتِ* شذوذه ولو كان في السبعة
...واشترط ابن الجزَري نفسه في كتابه«المنجد»(ص91)التواتر في قبول القراءة الصحيحة،فكان بذلك مخالفًا لما اشترطه»( ).
قلت: هنا أمران:
الأول:ما اشترط هنا مع الصحة عند أصحاب التواتر أمر وقائي( ).
الثاني:ابن الجزَري-رحمه الله- نفسه صرح بالرجوع عن اشتراط التواتر! تصريحًا كما يأتي قريبًا.
قال-رحمه الله-(ت833هـ)في«النشر في القراءات العشر»(1/ 9/ الضباع-المطبعة التجارية):
«كُلُّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتِ الْعَرَبِيَّةَ وَلَوْ بِوَجْهٍ ، وَوَافَقَتْ أَحَدَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَلَوِ احْتِمَالًا وَصَحَّ سَنَدُهَا ، فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ رَدُّهَا وَلَا يَحِلُّ إِنْكَارُهَا ، بَلْ هِيَ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ قَبُولُهَا ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ ، أَمْ عَنِ الْعَشْرَةِ ، أَمْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ ، وَمَتَى اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ السَّبْعَةِ أَمْ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّانِيُّ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَمَّارٍ الْمَهْدَوِيُّ ، وَحَقَّقَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي شَامَةَ ، وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُهُ».
وقال في«النشر» (1/ 13-14):
« ( وَقَوْلُنَا ) وَصَحَّ سَنَدُهَا ، فَإِنَّا نَعْنِي بِهِ:
1-أَنْ يَرْوِيَ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ الْعَدْلُ الضَّابِطُ عَنْ مِثْلِهِ كَذَا حَتَّى تَنْتَهِيَ .
2- وَتَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَئِمَّةٍ هَذَا الشَّأْنَ الضَّابِطِينَ لَهُ غَيْرَ مَعْدُودَةٍ عِنْدَهُمْ مِنَ الْغَلَطِ أَوْ مِمَّا شَذَّ بِهَا بَعْضُهُمْ ( ).
وَقَدْ شَرَطَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّوَاتُرَ فِي هَذَا الرُّكْنِ,وَلَمْ يَكْتَفِ فِيهِ بِصِحَّةِ السَّنَدِ ، وَزَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلاَّ بِالتَّوَاتُرِ ، وَإِنَّ مَا جَاءَ مَجِيءَ الْآحَادِ لَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ ، وَهَذَا مَا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ ، فَإِنَّ التَّوَاتُرَ إِذَا ثَبَتَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الرُّكْنَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنَ الرَّسْمِ وَغَيْرِهِ إِذْ مَا ثَبَتَ مِنْ أَحْرُفِ الْخِلَافِ مُتَوَاتِرًا عَنِ النَّبِيِّ -r- وَجَبَ قَبُولُهُ وَقُطِعَ بِكَوْنِهِ قُرْآنًا( ) ، سَوَاءٌ وَافَقَ الرَّسْمَ أَمْ خَالَفَهُ وَإِذَا اشْتَرَطْنَا التَّوَاتُرَ فِي كُلِّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْخِلَافِ انْتَفَى كَثِيرٌ مِنْ أَحْرُفِ الْخِلَافِ الثَّابِتِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ كُنْتُ قَبْلُ أَجْنَحُ!! إِلَى هَذَا الْقَوْلِ ، ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُهُ وَمُوَافَقَةُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ!» .
ثم نقل كلام أبي شامة-رحمه الله-(ت665هـ)في« المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز»(ص176-178):
«وَقَدْ شَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُقْرِئِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ كُلَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ ، أَيْ كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ ممَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلاءِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ . قَالُوا:وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاجِبٌ.
وَنَحْنُ بِهَذَا نَقُولُ ، وَلَكِنْ فِيمَا اجْتَمَعَتْ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُمُ الطُّرُقُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْفِرَقُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ لَهُ مَعَ أَنَّهُ شَاعَ وَاشْتَهَرَ وَاسْتَفَاضَ ، فَلَا أَقَلَّ مِنَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَّفِقِ التَّوَاتُرُ فِي بَعْضِهَا»انتهى .
أقول قال أبو شامة-رحمه الله-(ت665هـ)في« المرشد الوجيز»(ص174/ دار صادر - بيروت):
:« فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْتَرَّ بِكُلِّ قِرَاءَةٍ تُعْزَى إِلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ الصِّحَّةِ وَإِنْ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ، إِلَّا إِذَا دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الضَّابِطِ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَرِدُ بِنَقْلِهَا مُصَنِّفٌ عَنْ غَيْرِهِ ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْلِهَا عَنْهُمْ ، بَلْ إِنْ نُقِلَتْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْقُرَّاءِ فَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنِ الصِّحَّةِ ، فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى اسْتِجْمَاعِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ لَا عَمَّنْ تُنْسَبُ إِلَيْهِ»انتهى.
ثم نقل كلام أبي الجعبري-رحمه الله-(ت732هـ)في«كنز المعاني»(...)فقال:
«( وَقَالَ ) الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْجَعْبَرِيُّ أَقُولُ : الشَّرْطُ وَاحِدٌ وَهُوَ صِحَّةُ النَّقْلِ ، وَيَلْزَمُ الْآخَرَانِ فَهَذَا ضَابِطٌ يُعْرَفُ مَا هُوَ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهَا ، فَمَنْ أَحْكَمَ مَعْرِفَةَ حَالِ النَّقَلَةِ وَأَمْعَنَ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَأَتْقَنَ الرَّسْمَ انْحَلَّتْ لَهُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ».
ثم نقل ما قاله:«الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ(437هـ)فِي مُصَنَّفِهِ الَّذِي أَلْحَقَهُ بِكِتَابِهِ«الْكَشْفِ»"( )لَهُ :
«فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ : فَمَا الَّذِي يُقْبَلُ مِنَ الْقُرْآنِ الْآنَ فَيُقْرَأُ بِهِ ؟ وَمَا الَّذِي لَا يُقْبَلُ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ ؟ وَمَا الَّذِي يُقْبَلُ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ ؟ .
فَالْجَوَابُ أَنَّ جَمِيعَ مَا رُوِيَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ يُقْرَأُ بِهِ الْيَوْمَ ، وَذَلِكَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثُ خِلَالٍ ، وَهُنَّ : أَنْ يُنْقَلَ عَنِ الثِّقَاتِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَيَكُونَ وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ سَائِغًا ، وَيَكُونَ مُوَافِقًا لِخَطِّ الْمُصْحَفِ . فَإِذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِلَالُ الثَّلَاثُ قُرِئَ بِهِ وَقُطِعَ عَلَى مُغَيَّبِهِ وَصِحَّتِهِ وَصِدْقِهِ ; لِأَنَّهُ أُخِذَ عَنْ إِجْمَاعٍ مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَةِ خَطِّ الْمُصْحَفِ ، وَكَفَرَ مَنْ جَحَدَهُ .
قَالَ:( وَالْقِسْمُ الثَّانِي )مَا صَحَّ نَقْلُهُ عَنِ الْآحَادِ وَصَحَّ وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَخَالَفَ لَفْظُهُ خَطَّ الْمُصْحَفِ، فَهَذَا يُقْبَلُ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ لِعِلَّتَيْنِ:إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ بِإِجْمَاعٍ ، إِنَّمَا أُخِذَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَلَا يَثْبُتُ قُرْآنٌ يُقْرَأُ بِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ،وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ فَلا يُقْطَعُ عَلَى مُغَيَّبِهِ وَصِحَّتِهِ وَمَا لَمْ يُقْطَعْ عَلَى صِحَّتِهِ لَا يَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهِ،وَلا يَكْفُرُ مَنْ جَحَدَهُ،وَلَبِئْسَ مَا صَنَعَ إِذَا جَحَدَهُ .
قَالَ ( وَالْقِسْمُ الثَّالِثِ ) هُوَ مَا نَقَلَهُ غَيْرُ ثِقَةٍ أَوْ نَقَلَهُ ثِقَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ ، فَهَذَا لَا يُقْبَلُ وَإِنْ
وَافَقَ خَطَّ الْمُصْحَفِ ، قَالَ : وَلِكُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ تَمْثِيلٌ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا».
وقد علق الإمام الشوكاني بكلام بديع غاية في«النيل»(2/306)على ذلك في شرح أحاديث«منتقى الأخبار»؛ فأنقله بتمامه لأهميتة:
«باب الحجة في الصلاة بقراءة ابن مسعود،وأُبيَّ،وغيرهما ممن أُثني على قراءته
1-عن عبد اللَّه بن عمرو قال‏:‏‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه,وآله، وسلم‏:‏
«خذوا القرآن من أربعة:من ابن أم عبد-فبدأ به-ومعاذ بن جبل,أُبيَّ ابن كعب,وسالم مولى أبي حذيفة».‏رواه أحمد،والبخاري[3808,و4999] ،والترمذي،وصححه‏.
2-وعن أبي هريرة‏:‏أن النبي صلى اللَّه عليه،وآله،وسلم قال‏:
«من أحب أن يقرأ القرآن غضًا كما أنزل,فليقرأه على قراءة ابن أم عبد‏‏‏».رواه أحمد‏.‏
حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا أبو يعلى،والبزار،وفيه جرير بن أيوب البجلي،وهو متروك لكنه أخرجه بهذا اللفظ البزار،والطبراني في «الكبير»، و«الأوسط»من حديث عمار بن ياسر .
قال في«مجمع الزوائد‏»:«ورجال البزار ثقات»‏( ).
‏قوله‏(‏ابن أم عبد‏):‏هو عبد اللَّه ابن مسعود،وقد روي أنه لم يحفظ القرآن جميعًا في عصره صلى اللَّه عليه،وآله وسلم إلا هؤلاء الأربعة‏( ).‏
والمصنف-رحمه اللَّه-عقد هذا الباب للرد على من يقول:إنها لا تجزئ في الصلاة إلا قراءة السبعة القراء المشهورين( ).
قالوا:لأن ما نقل آحاديًا ليس بقرآن!!،ولم تتواتر إلا السبع دون غيرها؛فلا قرآن إلا ما اشتملت عليه!.
*وقد رد هذا الاشتراط إمام القراءات الجزري فقال في«النشر»( )....
(ثم قال الشوكاني).:فانظر كيف جعل اشتراط التواتر قولاً لبعض المتأخرين؟!!.
وجعل قول أئمة السلف،والخلف على خلافه؟!‏.‏
-وقال أيضًا في«النشر»( )...(ونقل كلامه في شروط القراءة المقبولة الذي سبق نقله).
قال أبو شامة فيالمرشد الوجيز‏:‏لا ينبغي أن يغتر...(ونقل كلامه الآنف».
-وقال أبو شامة‏:«شاع على ألسنة جماعة...(ونقل كلامه الآنف».
إذا تقرر لك إجماع أئمة السلف،والخلف على عدم تواتر كل حرف من حروف القراءات السبع،وعلى أنه لا فرق بينها،وبين غيرها:
1-إذا وافق وجهًا عربيًا.2-وصح إسناده.3-ووافق الرسم،ولو احتمالاً.
بما نقلناه عن أئمة القراء تبين لك صحة القراءة في الصلاة بكل قراءة متصفة بتلك الصفة سواء كانت من قراءة الصحابة المذكورين في الحديث ، أو من قراءة غيرهم،وقد خالف هؤلاء الأئمة!النويري المالكي في«شرح الطيبة» فقال عند شرح قول الجزري فيها‏:
فكل ما وافق وجه نحوي * وكان للرسم احتمالاً يحوي
وصح إسـنادًا هو القرآن * فهـذه الثلاثـة الأركـان
وكل ما خالف وجهًا أثبت * شذوذه لو أنه في السبعة.
ما لفظه‏:«‏ظاهره أن القرآن يكتفى في ثبوته مع الشرطين المتقدمين بصحة السند فقط،ولا يحتاج إلى التواتر،وهذا قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء،والمحدثين،وغيرهم من الأصوليين،والمفسرين!!!».
(قال الشوكاني-رحمه الله-)وأنت تعلم أن نقل مثل الإمام الجزَري،وغيره من أئمة القراءة لا يعارضه نقل النويري! لما يخالفه ؛ لأنا إن رجعنا إلى الترجيح:
بالكثرة،أو الخبرة بالفن،أو غيرهما من المرجحات,قطعنا بأن نقل أولئك الأئمة أرجح.
وقد وافقهم عليه كثير من أكابر الأئمة حتى إن الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري لم يحك في«غاية الوصول إلى شرح لب الأصول»الخلاف لما حكاه الجزري،وغيره عن أحد سوى ابن الحاجب!!».انتهى كلام الشوكاني.
قلت:قال الدمياطي-رحمه الله- في«إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر» (ص8-علمية):
«وجزم بهذا القول أبو القاسم النويري في«شرح طيبة شيخه»متعقبًا به لكلامه فقال:
عدم اشتراط التواتر قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم لأن القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة هو ما نقل بين دفتي المصحف نقلا متواترا وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر كما قال ابن الحاجب وحينئذ فلا بد من التواتر عند الأئمة الأربعة صرح بذلك جماعات كابن عبد البر وابن عطية والنووي والزركشي والسبكي والأسنوي والأذرعي وعلى ذلك أجمع القراء ولم
يخالف من المتأخرين إلا مكي وتبعه بعضهم انتهى ملخصا».انتهى.
وما سبق كاف شاف في رده،فالحق الظاهر عدم اشتراط التواتر,والأصل في النقول أنها تخضع لقواعد الصنعة الحديثية في النقل,ولا يزيد عليها ها هنا إلا اشتراط موافق رسم المصحف أي أحد المصاحف التي وزعها أمير المؤمنين عثمان ابن عفان -رضي الله عنه-إذ إن المسلمين اطرحوا ما يخالفها,وما كتبت إلا لذلك,وما اختير لها زيد ابن ثابت-رضي الله عنه-دون أبي-رضي الله عنه-وهو أقرأ الصحابة إلا لحضوره لها,وعدم قراءته بالمنسوخ تلاوة.
وأحسِب أن اشتراط التواتر في القرآن مأخوذ من مذهب من عدم الاحتجاج بخبر الواحد،ولو من وجه خفي!، وتغيير شكل الشبه قد يؤدي إلى الأكل؛فسبحان الله كيف لا يقبل خبر الواحد هاهنا مع أن النبي-r- قد ذكر وحدانًا من الصحابة يؤخذ عنهم القرآن فيما سبق,واحتج بهذا أبو البركات ابن تيمية-رحمه الله-الجد كما مضى مع تعليق الشوكاني-رحمه الله-.
ومن جميل ما قاله أبو حيان الأندلسي-رحمه الله-من حيث رد الزعم أن الآحاد شاذ,وإن وافق المصحف-قال:
« وعلى ما ذكره هؤلاء من المتأخرين من تحريم القراءة الشاذة يكون عالم من الصحابة والناس من بعدهم إلى زماننا قد ارتكبوا محرما فيسقط بذلك الاحتجاج بخبر من يرتكب المحرم دائما، وهم نقلة الشريعة فيسقط ما نقلوه فيفسد على قول هؤلاء نظام الإسلام والعياذ بالله-تعالى-من ذلك قال: ويلزم أيضا أن الذي قرءوا بالشواذ لم يصلوا قط لأن الواجب لا يتأدى بفعل المحرم.
قال: وقد كان قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن علي -يعني ابن دقيق العيد-يستشكل هذه المسألة، ويستصعب الكلام فيها، وكان يقول؛ هذه الشواذ نقلت نقل آحاد عن رسول الله-r-فيعلم ضرورة أن رسول الله-r-قرأ بشاذ منها، وإن لم يعين كما أن حاتما نقلت عنه أخبار في الجود كلها آحاد ولكن حصل من مجموعها الحكم بسخائه وإن لم يتعين ما تسخى به، وإذا كان كذلك فقد تواترت قراءة رسول الله -r- بالشاذ، وإن لم يتعين بالشخص فكيف يسمى شاذًا,والشاذ لا يكون متواترًا؟»( ).
وابن الجزري-رحمه الله- اشترط التواتر في«منجد المقرئين» الذي كتبه قبل«النشر»الذي جمع فيه القراءات السبع مع الثلاثة التي هي تمام العشر,وهو أعلم الناس بطرقها كلها,وأول من أثبت السبع مزيدة في«نشره»,و«طيبته»,وأثبت تتمة السبع على منوال أصل«الشاطبية»أعني«التيسير» في«تحبير التيسر» له,وفي «الطيبة»مزيدة,وهو يقرر أن التواتر الأسانيد لا يصدق عليها كلها باستشهاده بكلام أبي شامة,بل لا يصدق على أكثرها كما يأتي.

وقال ابن الجزري في«تحبير التيسير في القراءات العشر» (ص92-الفرقان):«والحد الجامع لما يقرأ به من
الروايات كل ما وافق أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا ووافق العربية ولو بوجه وصح إسنادا
سواء كان عن هؤلاء السبعة أم العشرة أم غيرهم! .
ومتى اختل ركن من هذه الثلاثة في حرف حكم عليه بالشذوذ ، وكلام الناس في حكم الشاذ معلوم ، قد أشرنا إلى ذلك في أول كتابنا نشر القراءات العشر »انتهى.
*ومما ينبغي التنبه له:أن إطلاق التواتر على العشر من ابن الجزري-رحمه الله-وغيره يعني المعنوي كما سبق في كلام الدكتور موسى نصر-حفظه الله-فالمنفي غير المثبت,والقراءات المعتبرة كلها متواتر من حيث الرسم.
المذهب الثالث: من يشترط الصحة(الثبوت) فقط دون اشتراط موافقة الرسم.
وهذا المذهب نسبه البعلي-رحمه الله-إلى شيخ الإسلام-رحمه الله- في«الاختيارات»(4/322-الفتاوى الكبرى)وقال:«وما خالف المصحف!،وصح سنده صحت الصلاة به!،وهذا نص الروايتين عن أحمد».
والتحقيق أنه رواية عن أحمد,ورواية مالك أيضًا,وحامل لواء هذا المذهب ابن شنبوذ-رحمه الله-وشيخ الإسلام -رحمه الله-أبعد الناس عن مثل هذه الهفوة لأمور سنبينها بعد ذكر كلامه الآتي:
ففي «مجموع الفتاوى» (13/ 394-398)ومما قال:
« وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَنْ نَقَلَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَى ابْنِ شنبوذ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ بِالشَّوَاذِّ فِي الصَّلَاةِ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ وَجَرَتْ لَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ:الْخَارِجَةِ عَنْ الْمُصْحَفِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ .
وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قِرَاءَةَ الْعَشَرَةِ وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا أَوْ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ كَمَنْ يَكُونُ فِي بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِالْمَغْرِبِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ بَعْضُ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ فَإِنَّ:«الْقِرَاءَةَ -كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ -سُنَّةٌ يَأْخُذُهَا الْآخِرُ عَنْ الْأَوَّلِ...
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ:الْخَارِجَةُ عَنْ رَسْمِ الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ مِثْلَ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ( وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ) كَمَا قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَمِثْلَ قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ ( فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ) وَكَقِرَاءَتِهِ : ( إنْ كَانَتْ إلَّا زَقْيَة وَاحِدَةً ) وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَهَذِهِ إذَا ثَبَتَتْ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ ؟.
عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَرِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ . " :
إحْدَاهُمَا " يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ فِي الصَّلَاةِ . "
وَالثَّانِيَةُ " لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ لَمْ تَثْبُتْ مُتَوَاتِرَةً عَنْ النَّبِيِّ--وَإِنْ ثَبَتَتْ فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بالعرضة الآخِرَةِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ { عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُعَارِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ والعرضة الْآخِرَةُ هِيَ قِرَاءَةُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ } وَهِيَ الَّتِي أَمَرَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَكَتَبَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي صُحُفٍ أُمِرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِكِتَابَتِهَا ثُمَّ أَمَرَ عُثْمَانُ فِي خِلَافَتِهِ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَإِرْسَالِهَا إلَى الْأَمْصَارِ وَجَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهَا بِاتِّفَاقِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ...
مَنْ جَوَّزَ الْقِرَاءَةَ بِمَا يَخْرُجُ عَنْ الْمُصْحَفِ مِمَّا ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَةِ قَالَ يَجُوزُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا .
وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ مَآخِذَ : تَارَةً يَقُولُ لَيْسَ هُوَ مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ وَتَارَةً يَقُولُ : هُوَ مِنْ الْحُرُوفِ الْمَنْسُوخَةِ وَتَارَةً يَقُولُ : هُوَ مِمَّا انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَتَارَةً يَقُولُ : لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا نَقْلًا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ الْقُرْآنُ . وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ والمتأخرين . وَلِهَذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ " قَوْلٌ ثَالِثٌ " وَهُوَ اخْتِيَارُ جَدِّي أَبِي الْبَرَكَاتِ أَنَّهُ إنْ قَرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ فِي الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ - وَهِيَ الْفَاتِحَةُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا - لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ مِنْ الْقِرَاءَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ وَإِنْ قَرَأَ بِهَا فِيمَا لَا يَجِبُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ أَتَى فِي الصَّلَاةِ بِمُبْطِلِ( ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا . وَهَذَا الْقَوْلُ يَنْبَنِي عَلَى " أَصْلٍ " وَهُوَ أَنَّ
مَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ فَهَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهَا ؟ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ...»ثم قال مقررًا الذي نرجحه,وهو:
المذهب الرابع:الثبوت مع موافقة رسم المصحف,والعربية.
ثم قال في تتمة كلامه,وختامه هذا في«مجموع الفتاوى» (13/ 403):«وَتَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا بِالْقِرَاءَاتِ الثَّابِتَةِ الْمُوَافَقَةِ لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ كَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَاتُ وَلَيْسَتْ شَاذَّةً حِينَئِذٍ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ».
ومن قرأ كلام شيخ الإسلام كله في هذه الفتيا تبين له بيقين أن ابن البعلي غلط عليه في نسبة اكتفائه بالصحة,وتبين له أن البعلي-رحمه الله- يتصرف كثيرًا في نص كلام شيخ الإسلام حين يخلص من كتبه:
 ورد هذه النسبة يكون من وجوه:
1) النقل الآنف الختامي الصريح عن شيخ الإسلام,وكفى به دليلاً.
2) أن شيخ الإسلام يحتج على قرآنية البسملة برسم المصحف فهو القائل في«مجموع الفتاوى»(13/ 399):
«الْبَسْمَلَة آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ حَيْثُ كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ فِي الْمُصْحَفِ إذْ لَمْ يَكْتُبُوا فِيهِ إلَّا الْقُرْآنَ وَجَرَّدُوهُ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ كَالتَّخْمِيسِ وَالتَّعْشِيرِ وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ ؛ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ هِيَ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ؛ بَلْ هِيَ كَمَا كُتِبَتْ آيَةٌ أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ السُّورَةِ وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ» .
وقال في«مجموع الفتاوى»(22/432):«وَالْعُمْدَةُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْمُصَنِّفُونَ فِي الْجَهْرِ بِهَا وَوُجُوبِ قِرَاءَتِهَا إنَّمَا هُوَ كِتَابَتُهَا فِي الْمُصْحَفِ بِقَلَمِ الْقُرْآنِ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ جَرَّدُوا الْقُرْآنَ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ . وَاَلَّذِينَ نَازَعُوهُمْ دَفَعُوا هَذِهِ الْحُجَّةَ بِلَا حَقٍّ كَقَوْلِهِمْ : الْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَاطِعِ وَلَوْ كَانَ هَذَا قَاطِعًا لَكَفَرَ
مُخَالِفُهُ»( ).
3) وكلامه في عدم اشتراط الرسم فيه إغفال للعرضة الأخيرة,وموافقة لابن شنبوذ-رحمه الله-وشيح الإسلام لا ينصر قوله,ويقرر العرضة الأخيرة.
4) ولعل وهم البعلي-رحمه الله-نابع من أمرين:
أ- طول النقل السابق الذي اختزلنا الكثير منه,فالطول مدعاة لاستخلاص الراجح في خضم النقول لا سيما مع تداخل الخطوط في ما يقرءون من مخطوط.
ويؤكد ذلك أن شيخ الإسلام-رحمه الله-ذكر أن مذهب عدم اشتراط موافقة الرسم هو أحد الروايتين عن أحمد-رحمه الله-,واللفظ المنقول عند البعلي-كما سبق-:« وهذا نص الروايتين عن أحمد».
ب-شيخ الإسلام-رحمه الله-حنبلي المشرب,والمنبت,مجتهد مطلق فرعه في السماء,ولا يسجن نفسه في التعصب المذهبي,والظن فيه عند الحنابلة أنه لا يخالف الروايتين إن اتفقتا كما وقع للبعلي؛فزاد« ضِغْثًا على إبَّالَةٍ» ؛فلا المذهب حرر,ولا الاختيار قرر.
وهنالك مذهب خامس!! باطل غاية في الشذوذ،والضلال لا يعد في المذاهب الخلافية,ولا يعتد به مطلقًا يحكى عن ابن مقسم :
ففي«معرفة القراء الكبار»(1/ 306-308/بشار عواد):
«225 - محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن مقسم الإمام أبو بكر البغدادي المقرىء النحوي العطار
... واختار حروفا خالف فيها العامة فنوظر عليها فلم يكن عنده حجة فاستتيب فرجع عن اختياره بعد أن وقف للضرب وسأل ابن مجاهد أن يدرأ عنه ذلك فدرأ عنه فكان يقول ما لأحد علي منة كمنة ابن مجاهد ثم رجع بعد موت ابن مجاهد إلى قوله؛فكان ينسب إلى أن كل قراءة توافق خط المصحف فالقراءة بها جائزة وإن لم يكن لها مادة!!!».
وفي«غاية النهاية في طبقات القراء»(2/124-مكتبة ابن تيمية)لابن الجزري-رحمه الله-:
«ويذكر عنه أنه كان يقول: إن كل قراءة وافقت المصحف ووجها في العربية فالقراءة بها جائزة وإن لم يكن لها سند!!, وإنه عقد له مجلس ووقف للضرب فتاب ورجع.
وهذا غير ما كان بنحوه ابن شنبوذ, فإنه كان يعتمد على السند وإن خالف المصحف وهذا يعتمد على المصحف وإن خالف النقل, واتفقا على موافقة العربية.
قال أبو طاهر بن عمر في كتابه«البيان»:«وقد نبغ نابغ في عصرنا فزعم أن كل من صح عنده وجه في
العربية بحرف من القرآن يوافق المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها, فابتدع بدعة ضل بها عن
قصد السبيل, ثم ذكر ما اتفق له.
قلت:وظن الإمام أبو شامة بعد نقله هذا عن أبي طاهر في كتابه«المرشد»(ص186-187)أنه ابن شنبوذ»انتهى.
والمراد به تجويز القراءة بما يحتمله الرسم بدون التقيد بنقل،ونقط،ولا شكل!!!.وحكاية هذا الباطل تغني عن رده؛فإن القرآن كان في الصدور قبل السطور،وكلام ربنا-جل جلاله-وقفي من صفاته الفعلية باعتبار الأفراد.
وهذا المذهب هو قول المستشرق اليهودي إجناتس جولد تسهير،وغيره, وقد نقض هذا الباطل د.غانم قدوري برد ماتع نافع في«مجلة الحكمة»(20/133)في بحث بعنوان«أصل القراءات القرآنية بين حقائق التاريخ ودعاوى المبطلين»؛فجزاه الله خيرًا.
وما أجمل ما قال شيخ الإسلام-رحمه الله-في«مجموع الفتاوى»(13/ 400):
«وَالِاعْتِمَادُ فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ عَلَى حِفْظِ الْقُلُوبِ لَا عَلَى الْمَصَاحِفِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ( ) عَنْ النَّبِيِّ-r- أَنَّهُ قَالَ :«إنَّ رَبِّي قَالَ لِي أَنْ:
-قُمْ فِي قُرَيْشٍ فَأَنْذِرْهُمْ .
-فَقُلْت : أَيْ رَبِّ إذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي - أَيْ يَشْدَخُوا - .
-فَقَالَ : إنِّي مُبْتَلِيك وَمُبْتَلٍ بِك وَمُنْزِلٌ عَلَيْك كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا ويقظانا فَابْعَثْ جُنْدًا أَبْعَثْ مِثْلَيْهِمْ وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَك مَنْ عَصَاك وَأَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك».
فَأَخْبَرَ أَنَّ كِتَابَهُ لَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إلَى صَحِيفَةٍ تُغْسَلُ بِالْمَاءِ ؛ بَلْ يَقْرَؤُهُ فِي كُلِّ حَالٍ كَمَا جَاءَ فِي نَعْتِ أُمَّتِهِ:«أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ»( ). بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَا يَحْفَظُونَهُ إلَّا فِي الْكُتُبِ وَلَا يَقْرَءُونَهُ كُلَّهُ إلَّا نَظَرًا لَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي«الصَّحِيحِ»أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ-r-جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَالْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو».
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى