السلام عليكم
أخي الكريم
لقد كانت أم يوسف موجودة بدلالة القرآن ،فقد ذكر في أول السورة أنه رأى الشمس ، والقمر ، وهما إشارة إلى أمه وأبيه .
وفي آخر السورة ورد التصريح بقوله تعالى : ( ورفع أبويه على العرش ) ، فهل هناك أصرح من هذا في الدلالة على حياتها .
ومن زعم أن أمه ماتت ، وأن التي سجدت خالته ، وأطلق لفظ ( أبويه ) على التغليب ، فليس ذلك بصواب لأمرين :
الأول : كون هذا من الإسرائيليات التي لا سند لها .
والثاني : كونه مخالفًا لصريح كتاب الله ، في لفظ ( أبويه ) .
أما عن سبب عدم ورود خبرٍ لها في قصة يوسف ، فالله أعلم بذلك ، لكن ألا ترى أن منهج القرآن في عرض القصة يرتكز على الموعظة والعبرة ، وكان ذلك أظهر في خبر أبيه وإخوته منها .
كما أنه لم يرد كبير ذكر لأخيه بنيامين إلا في آخر الأمر ، فلم يرد أيضًا بيان حال بنيامين بعد يوسف ، فلهذا والله أعلم أُهمل ذكر خبر أمه .
و القول بأن الأبوين هما والداه حقيقة ، هو قول محمد بن إسحاق ، و اختاره ابن جرير ، و أيده ابن كثير .
و حجتهم : أن[color=FF0000] الأغلب و المتعارف عليه في استعمال لفظ الأبوين هو الأب و الأم[/color] ، فيحمل عليه .
[color=FF0000]و هذا الذي يدل عليه السياق .[/color]
كذلك [color=FF0000]ليس مع الذين قالوا بموت أمه دليل يجب الرجوع إليه و الاعتماد عليه[/color] ، بل هي من أخبار بني إسرائيل و فيها ما فيها .
و القول الآخر أن الأبوين هما يعقوب و خالته التي تزوجها بعد وفاة أمه ، و هو ما ذهب إليه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم و السدي و غيرهما .
و توجيه هذا القول[color=FF0000] أن الخالة بمنزلة الأم[/color] ، و إطلاق العرب الأمومة عليها واقع في كلامهم ، كما أشار إليه ابن جرير بقوله عمن ذهب إلى أنهما أبواه حقيقة : ( لأن ذلك هو الأغلب في استعمال الناس ).
و قد استعمل العلماء نحو هذا في الرد على النصارى في ادعائهم باطلا أن الرب والد المسيح - تعالى الله وتقدس -[color=00FF00] فقد ذكروا أن الأبوة لا يلزم أن تكون بالولادة ، لا غير !![/color]
كذلك ، [color=FF0000]يحتمل أن تكون خالته هي أمه ، لكن أمومتها من جهة الرضاع [/color]، و هو ما احتمله ابن حزم رحمه الله .
قال ابن حزم : ( فإن قيل : فهلا قلتم الخالة كالجدة لقول الله عز وجل (و رفع أبويه على العرش ) وإنما كانت خالته وأباه ، قلنا : لم يأت قط نص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها كانت خالته ، و إنما هي من أخبار بني إسرائيل ، و هي ظاهرة الكذب ، [color=FF0000]و لعلها كانت أمه من الرضاعة فهما أبوان على هذا [/color]) المحلى10/325-326 و لعل مما يقوي هذا القول = كثرة الآيات التي قصرت المحادثة بين يوسف و أبيه .
وقبل أن أوردها ألفت النظر إلى أن الاعتراض على ما سوف أسوقه ممكن بل قائم ، فلا تعجل بالرد !
ففي أول السورة ( يا أبت إني رأيت ...) فلم يقصها على أمه ، مع جريان العادة في إشراك الأم في مثل هذا !
كذلك في قوله ( إذ قالوا ليوسف و أخوه أحب إلى أبينا منا ...) فقد قالوا : إن من اسباب زيادة حب يعقوب ليوسف و أخيه أن أمهما ماتت و هما صغيرين فلم يتلقيا حنان الأمومة !
و كذا الآيات التي بعدها ، في استئذان يعقوب في الخروج بيوسف للعب و التمتع دون أمه !
و أن الذي أصابه الحزن العميق على فقد يوسف و حبس أخيه = هو يعقوب حتى ذهب بصره كما قال جل و علا ( و قال يا أسفى على يوسف و ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ).
كما أنهم لما اعتذروا ليوسف عن أخذ أخيهم الأصغر قالوا ( إن له أبا شيخا كبيرا فخذ احدنا مكانه ) فلم يذكروا حال أمه مع أنه لائق بذلك الموقف ، كي يستكين لهم و يرأف لحال أبويه !
و في قول يوسف ( اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ) ما قد يشير إلى أن والدته لم يلحقها الذي لحق بيعقوب أو أن تكون قد ماتت قبل حصول جميع ما ذكر في القصة .
أقول هذا ، و لست قاطعا ، [color=000000]بل الأصل عندي إجراء الأبوة على ظاهرها المعروف [/color]، لكن ما ذكرت قد يكون مساعدا لقول من قال بأن الأبوين هما يعقوب و خالته ، و أنا على علم بأن ما سقته ممكن الاعتراض عليه ، و أنا نفسي متمكن من الاعتراض عليه ، و يكفي إجمالا أن يعلم أن القصة في القرآن تأخذ طابع الإيجاز ، و لا تتعرض للحواشي ، و الحذف فيها كثير ، و هذه قصة يوسف جرت حوادثها في أربعين سنة سطرت في صفحات معدودة .
و قيل : بل كانت جارية ليعقوب ، قامت على تربية يوسف لما فقد أمه ، فكانت له بمثابة الأم ..
على كل ، أرى القول بما قاله السدي و ابن زيد له وجه ، و لا يعاب قائله ، لكن الأولى إجراء الآية على ظاهرها و الله الموفق .