...لكنني لم أفهم مرادكم ...هل يعني ذلك أنه كان علي ّ قراءة أكثر في كتب التفاسير ؟!
ولا يكفي ماذكرته من مرجع (الطبري والسعدي ) ؟!
فإذا كان هذا هو المراد فأرجو أن تذكروا لي ماهي الكتب التى يجب علي ّ مطالعتها ؟!
ثم إنه أشكل علي أمر وهو قولكم (إلا أن الأمر ليس على إطلاقه )كيف يمكنني أن أعرف ذلك ؟! هل يُعرف ذلك بالاطلاع على كتب التفسير أم يٌعرف ذلك بمن له علم بعلوم القرآن ؟!
أرجو التوضيح بارك الله فيكم ...
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أختي الكريمة أم عبد الله
لقد فَهمًتِ المراد على أكمل وجه ، فالأمر الذي هو مدار البحث جدّ مهم ؛ فنحن نبحث في تفسير كلام الله تعالى ، ومعلوم أن التفسير: هو الكشف عن مراد الله تعالى في كتابه الكريم بقدر الطاقة البشرية .
والطاقة البشرية متفاوته ، فلابد لنا من بذل الجهد في المطالعة والتقصّي ، ولا يحبطنا تكرار الأقوال في بعض الكتب ، لأننا سنجد في بعضها الآخر ما يفتح لنا أبوابا جديدة للفهم ، وكلما زاد اجتهاد الإنسان وبحثه ، زاد فهمه لكتاب الله تعالى – وهذا أيضا ليس على إطلاقه- .
أما الشق الثاني : فكتب التفسير ومعاجم اللغه وفقه اللغة وتطور الدلالات اللغوية وشواهد اللغة من الشعر الجاهلي إلى غير ذلك مما له علاقة بهذا الموضوع . ولست أحبطك أحتي الكريمة فهذا هو البحث العلمي . فإن كنت ستقولين بأن مراد الله تعالى في الآية الكريمة كذا وكذا ، لابد أن يكون هذا القول مبني على علم .
أختي الكريمة الشق الثاني من سؤالك جمعه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وإجابته أوفى من إجابتي ، لذلك اسمحي لي أن أورد قوله ، يقول رحمه الله تعالى :
أَخي لَن تَنالَ العِلمَ إِلّا بِسـِتَّةٍ سَـأُنبيكَ عَن تَفصيلِها بِبَيانِ
دََكاءٌ وَحِرصٌ وَاِجتِهادٌ وَبُلغَةٌ وَصُحبَةُ أُستاذٍ وَطولُ زَمانِ
والدكاء بالدال المهملة ، فطنة القلب ، وهذه هبة من الله تعالى، وفقا لحديث سيدنا علي رضي الله عنه
صحيح البخاري ترقيم عبد الباقي - (11 / 111)
3047 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِى جُحَيْفَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قُلْتُ لِعَلِىٍّ - رضى الله عنه هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ مِنَ الْوَحْىِ إِلاَّ مَا فِى كِتَابِ اللَّهِ قَالَ وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلاً فِى الْقُرْآنِ ، وَمَا فِى هَذِهِ الصَّحِيفَةِ . قُلْتُ وَمَا فِى الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفَكَاكُ الأَسِيرِ ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ .
وهذا أمر يخص الله به العلماء العاملين ، وأشار إلى ذلك ابن خزيمة -أثناء ذكره للعلوم التي على المفسّر أن يُلِمّ بها قبل التفسير ، - بقوله:
(( عِلْمُ الْمَوْهِبَةِ وَهُوَ عِلْمٌ يُورِثُهُ اللَّهُ لِمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ كَمَا أُشِيرَ فِي حَدِيثِ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ))
صحيح ابن خزيمة الأعظمي/4 - (5 / 170)
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيّاكم من العلماء العاملين وأن لا يحجب عنّا فهم كتابه الكريم .
وهذا الباب من العلم لا يعرف بقراءة الكتب ولا بكثرة الاطلاع ، فإبليس عنده من المعارف بما عايشه من تطاول عُمُر ما يفوق معارف الكثيرين ، لكن معرفته هذه لم تحل بينه وبين أن يطرد من رحمة الله تعالى .
وطريق تحصيل هذا العلم هو الإخلاص لله تعالى ومراقبة الله في كل حركة وسكنة يجترحها الإنسان .
(خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين:26)
والله سبحانه وتعالى من وراء القصد وهو الهادي سواء السبيل