سؤال عن الإعجاز البلاغي في قوله تعالى: " أكله الذئب "

عبدالرحيم

New member
إنضم
01/04/2004
المشاركات
185
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
إخوتي الأفاضل...

أذكر أني قرأت مرة عن رد الإمام الخطابي على أحد الزنادقة الذين قالوا بوجود خطأ بلاغي في القرآن الكريم فالحيوان المفترس يفترس افتراسا ولا يأكل أكلا فالذي يأكل هو الإنسان.

فرد عليه الخطابي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنه لو قال افترسه الذئب لقال لهم أبوهم ـ سيدنا يعقوب عليه السلام ـ أحضروا لي بقاياه (عظامه....)

فالأكل معناه أنه أكله كله بعظامه ....

السؤال هنا:
1. أين أجد هذا الرد ؟
2. ألا يعارض هذا التوجيه قوله تعالى: " .... وما أكل السبع.. " ؟

مع محبتي
 
رد الخطابي تجده في رسالته في الاعجاز التي هي بعنوان بيان اعجاز القران والمطبوعة ضمن كتاب اسمه ثلاث رسائل في اعجاز القران بتحقيق الدكتور زغلول سلام ومحمد خلف الله من مطبوعات الهيئة العامة للكتاب بمصر حرسها الله
 
الأخ الكريم عبد الرحيم.....
دعوى أن "الحيوان المفترس يفترس افتراسا ولا يأكل أكلا فالذي يأكل هو الإنسان" منقوضة بنص القرآن وقد أشرت إلى الشاهد وهو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (3) سورة المائدة.
فقد أثبت الله تعالى فعل الأكل لجنس السبع فلا كلام من هذه الجهة.
وعلى فرض الاختلاف بين أكل الانسان وافتراس السبع فالقول بالخطأ البلاغي محض جهالة.....وقائل ذلك لم يشم رائحة البلاغة أبدا....ولأهل البيان في مثل هذه الحالة مسلكان معروفان:
-مسلك الاستعارة على أن يشبه الافتراس بالاكل كما في توجيههم ل"مشفر زيد" أو "شفة الفرس".
-مسلك المجاز المرسل ....وهنا أيضا طريقان:
القول بالمجازالمرسل بمرتبة واحدة أي اعتبار الأكل مطلقا والافتراس مقيدا بأكل السبع...فيكون هنا استعمال المطلق وإرادة المقيد والعلاقة هي الاطلاق.
أو القول بالمجاز المرسل بمرتبتين إذا اعتبر الأكل بخصوص الانسان....بمعنى ان الافتراس الخاص بالسبع عبر عنه بالاكل المطلق –كما في الحالة السابقة- ثم قيد بخصوص الانسان بعد ذلك...فتلك مرتبتان والمدار على علاقتي الاطلاق والتقييد.

وبعيدا عن هذا التوجيه المشهور عند البيانيين يظهر لي – والله اعلم-توجيه أقرب إلى علم المعاني : مفاده أن اسناد الأكل للذئب –بدل الافتراس المعهود-يكشف عن حالة الذهول وعدم قدرة الكاذب على إحكام كذبته مهما اجتهد......الا ترى إلى العطف الغريب بالفاء بين التعبيرين :
وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ .
الفاء أفادت أن الذئب أكل يوسف فورا....بدون مقدمات ولا تمهيدات...هم لم بقولوا مثلا : تركنا يوسف عند متاعنا وجاء ذئب فأكله....بل إن روايتهم تشعر كأن هذا الذئب اسطوري ظهر فجأة –من السماء نزل أو من الأرض بعث- والتهم يوسف بسرعة:فلا صراخ ولا مقاومة ولا محاولة فرار....ثم كان اسناد فعل الأكل للذئب لمسة غليظة شاهدة على مشهد مفتعل.......
ولعل هذا الافتعال-وقرائن أخرى- هو الذي جعل أباهم اسرائيل عليه السلام يشك في مصداقية روايتهم... { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (18) سورة يوسف.
أما نحن فنستفيد من ذلك مغزى :أن الكاذب يعجز عن اتقان وحبك كذبه.....ولو ظاهره عليه عصبة.ومن حكم العرب قولهم العميق: يكاد المريب أن يقول خذوني.
ومن حماقة الملاحدة قولهم هذا القرآن مفترى....وقد اسس القرآن أمة قائمة إلى يوم الدين......فأروني كاذبا نجح في بناء كوخ-كوخ فقط-
 
شكراً لكما أخواي الكريمين..

وكان أملي في أخي أبي حسان أن يتصل مستفهماً بشيخنا الأستاذ الدكتور فضل حسن عباس فلن يرد طلب تلميذ نجيب له ( مثل أفضالكم ) كما سمعتُ منه ذات لقاء.

وأما أنت أبا عبد المعتز .. فقد نطقت بما كان يجول بخاطري
وذلك حين عقدت في أطروحتي مقارنة لقصة سيدنا يوسف عليه السلام في القرآن الكريم ، وقصة من زعموا أنه سيدنا يوسف عليه السلام في ما زعموا أنه التوراة.

وبما أنه: " من لا يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام .. ".
ففي قصة التوراة (المزعومة) تناقضات وثغرات واستشكالات كثيرة تهدم بناءها لا مجال لذكرها هنا إلا موضع الشاهد (أكله الذئب) منطلقاً من ختام ما ذهب إليه الأخ المكرم (أبو عبد المعتز).

ورد في الإصحاح السابع والثلاثين من سفر التكوين أن عمر سيدنا يوسف عندما طرحوه في البئر كان سبعة عشر عاماً (بزعمهم)..

والسؤال هنا: كيف قدر إخوته عليه وألقوه في البئر ولم يخطر ببالهم أنه في سن اكتمال القوة العقلية البدنية، فيستطيع عندها إنقاذ نفسه من البئر.. وتوضيح الأمر لمن وجده في البئر.. والهروب منهم.. وفضح أمرهم في مصر.. كيف لم يخطر هذا الاحتمال على إخوته ؟ فما أيسر أن يعود إلى أبيهم ويقص عليه الحقيقة.
كيف سيقتنع يعقوب أن ابنه الشاب القوي قد أكله ذئب ؟ وهو الذي كان يتنقل بين نابلس والخليل وهو بعمر اثنتي عشرة سنة لوحده ؟ (بزعمهم هم) [انظر: الإصحاح (31) من سفر التكوين.]
بينما ذكر القرآن الكريم أن سيدنا يوسف كان غلاماً حين وجدته القافلة، وأن المرأة راودته عن نفسه بعد أن أصبح شاباً مكتمل النمو.

من هنا كنت أريد الاستدلال بتوجيه الإمام الخطابي ـ رحمة الله عليه ـ للاستدلال به على ضعف بنية سيدنا يوسف (بحكم سنه) حين زعم إخوته أن الذئب أكله.

لذا لم يطلب سيدنا يعقوب عليه السلام ببقايا عظامه لدفنها
أو يسألهم لماذا لم يصرخ طالباً النجدة..

فالذئب يأكل الأرنب بعظامه الطرية.. لكنه يفترس الغزال الكبير.
وقد يخطف الأرنب ويهرب به.. وكيف له ذلك مع الغزال ؟

(هذا كله بغض النظر عن القميص ذي الدم الكذب)

كم كان هوايَ يتمنى أن يكون رد الإمام الخطابي محكماً .. فيكون نوراً على نور
ولكن الحق أحق أن يتبع .. ولا يؤمن من لم يكن هواه تبعاً لما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من نورَي الكتاب والسنة.

اللهم ارزقنا حسن الاتباع وحسن الفهم واستعملنا لخدمة دينك.

مع محبتي
 
عودة
أعلى