وعليكم السلام
القراءات الثلاث المتممة للعشر متواترة على الصحيح بخلاف ما زاد عليها :قال الإمام النويري رحمه الله :" أجمع الأصوليون والفقهاء على أنه لم يتواتر شيء مما زاد على القراءات العشرة ، وكذلك أجمع عليه القرّاء أيضاً إلا من لايعتد بخلافه ".وقال ابن الجزري :" والذي جمع في زماننا الأركان الثلاثة هو قراءة الأئمة العشرة التي أجمع الناس على تلقيها بالقبول ". ونُقِل عن ابن السبكي قوله :" والصحيح أن ما وراء العشرة فهو شاذّ ".
وقد صُنِّف في القراءات العشر مصنَّفات كالمبسوط في القراءات العشر لابن مهران ، وكذا النشر في القراءات العشر لابن الجزري ، وطيبة النشر له أيضاً وشرْحُها لابنه .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فهذه خلاصة في موضوع حجية القراءات الثلاث وجواز القراءة بها في الصلاة ، مستلة من بحيث للعبد الفقير : الذي عليه جماهير العلماء أنه لا فرق بين القراءات الثلاث قراءة أبي جعفر وقراءة يعقوب وقراءة خلف رحمهم الله تعالى و بين القراءات السبع فهي متواترة مثلها ، بل منها قراءة خلف التي ليس فيها حرف لم يقرأ به واحد من الثلاثة الكوفيين عاصم و حمزة و الكسائي ، فكيف لا تكون متواترة ؟ و إنما أنكر بعض الفقهاء الذين ليس لهم اطلاع على هذه القراءات القراءة بها ظنا منهم أنها من الشواذ ، و لكنها ليست من الشواذ بل حكى الإمام البغوي إجماع العلماء على جواز القراءة بقراءة يعقوب و أبي جعفر مع السبع المشهورة (1) و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : و لهذا كان أئمة أهل العراق الذين ثبتت عندهم قراءات العشرة و الأحد عشر كثبوت هذه السبعة يجمعون في ذلك الكتب و يقرؤونه في الصلاة و خارج الصلاة ، و ذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكرها أحد منهم (2)، و قد جرت مناقشة بين الإمامين ابن الجزري و عبد الوهاب السبكي صاحب جمع الجوامع في الأصول في هذه المسألة و قد أوردها ابن الجزري في كتابه النشر فقال : سئل العلامة القاضي أبو نصر عبد الوهاب السبكي* عن قوله في كتابه ( جمع الجوامع ) في الأصول : ( و السبع متواترة) فلم لا قلتم و العشر متواترة؟ بدل قولكم و السبع ؟ فأجاب : أما كوننا لم نذكر العشر بدل السبع مع ادعائنا تواترها فلأن السبع لم يختلف في تواترها، و قد ذكرنا أولا موضع الإجماع ثم عطفنا عليه موضع الخلاف ، على أن القول بأن القراءات الثلاث غير متواترة في غاية السقوط و لا يصح القول به عمن يعتبر قوله في الدين ،وهي - أعنى القراءات الثلاث - : قراءة يعقوب وخلف و أبي جعفر بن القعقاع لا تخالف رسم المصحف ، و قد جرى بيني و بينه في ذلك كلام كثير، و قلت له: ينبغي أن تقول : و العشر متواترة و لابد فقال أردنا التنبيه على الخلاف فقلت : وأين القائل به، و من قال إن قراءة أبي جعفر و يعقوب و خلف غير متواترة ؟ فقال : يفهم من قول ابن الحاجب : ( و السبع متواترة) فقلت : أي سبع ؟ و على تقدير أن يكون هؤلاء السبعة - مع أن كلام ابن الحاجب لا يدل عليه - فقراءة خلف لا تخرج عن قراءة أحد منهم، بل و لا عن قراءة الكوفيين في حرف فكيف يقول أحد بعدم تواترها مع ادعائه تواتر السبع ؟ و أيضا فلو قلنا إنه يعني هؤلاء السبعة فمن أي رواية و من أي طريق و من أي كتاب إذ التخصيص لم يدعه ابن الحاجب، و لو ادعاه لما سلم له، بقي الإطلاق فيكون كل ما جاء عن السبعة ، فقراءة يعقوب جاءت عن عاصم و أبي عمرو ، و أبو جعفر هو شيخ نافع و لا يخرج عن السبعة من طرق أخرى ، فقال: فمن أجل هذا قلت : و الصحيح أن ما وراء العشرة فهو شاذ، و ما يقابل الصحيح إلا فاسد ، ثم كتبت له في ذلك و صورته : ما تقول السادة العلماء أئمة الدين في القراءات العشر التي يقرأ بها اليوم هل هي متواترة أو متواترة و هل كل ما انفرد به واحد من العشرة بحرف من الحروف متواترة أم لا و إذا كانت متواترة فما يجب على من جحدها أو حرفا منها ؟ فأجابني و من خطه نقلت : الحمد لله ، القراءات السبع التي اقتصر عليها الشاطبي ، و الثلاث التي هي قراءة أبي جعفر و قراءة يعقوب و قراءة خلف متواترة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهل ، و ليس تواتر شيء منها مقصور على من قرأ بالروايات ، بل هي متواترة عند كل مسلم يقول أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمد رسول الله ، و لو كان عاميا جلفا لا يحفظ من القرآن حرفا ، و لهذا تقرير طويل و برهان عريض لا يسع هذه الورقة شرحه ، و حظ كل مسلم و حقه أن يدين الله تعالى و يجزم في نفسه بأن ما ذكرناه متواتر معلوم لا يطرق الظنون و لا الارتياب إلى شيء منه (3) وظاهر الإجماع الذي نقله الأئمة المذكورون جواز القراءة في الصلاة وغيرها بأي قراءة من القراءات العشر ، سواء أكانت هي القراءة المشهورة في البلد أو غيرها ، ولكن كره بعض العلماء المعاصرين أن يقرأ إمام بقراءة غير معروفة في البلد من باب: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله ، وذلك لئلا يكذبها العوام فيقعوا في المحظور ، وقد كره الإمام الذهبي - وهو فقيه مقرئ - التلاوة في المحراب بغرائب وجوه القراءات ، فقال : وآخر منهم إن حضر في ختم أو تلا في محراب جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه والسكت والتهوع بالتسهيل ، وأتى بكل خلاف ونادى على نفسه أنا " أبو اعرفوني " فإني عارف بالسبع .(4) ولكن الظاهر من كلام الذهبي الإنكار على من فعل ذلك رياء ، وتعمد الإتيان بالغرائب ، وجعل ذلك ديدنا ، وأما من قرأ في الصلاة بالقراءات ، وقصد تعليم الناس وإحياء السنة ، وأخلص النية لله تعالى ، فلا يظهر لي منعه من ذلك ، لأنه لو ترك الأئمة فعل السنن المستغربة عند الناس لمات كثير من السنن والله أعلم بالصواب .
____________________
(1 ) معالم التنزيل 1 / 30
(2) مجموع الفتاوى13 / 397
* عبد الوهاب بن علي الشافعي تاج الدين السبكي الفقيه المفتي القاضي برز في علوم كثيرة من مؤلفاته جمع الجوامع في الأصول و لد بالقاهرة 727 و توفي بدمشق سنة 771 . البدر الطالع 1/410
(3)النشر 1/16
(4) بيان زغل العلم والطلب 4-5 ، بدع القراء 25