سؤال عقدي في معنى آية

إنضم
05/10/2009
المشاركات
62
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
يقول الله تعالى :
(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (البقرة:15)

حين نثبت صفة الاستهزاء لله تعالى المقيدة بمقابلة من استهزأ به سبحانه هل هناك فرق بين أن نقول :

1 ـ هو استهزاء حقيقي يليق بجلاله وعظمته بلاتمثيل ولاتعطيل ولاتكييف ولاتشبيه ...
و
2ـ هوبمعنى مجازاتهم على استهزائهم .

هل هناك فرق بين التعبيرين ؟
أرجو التوضيح بارك الله فيكم .
 
ألا يمكن الجمع بين المعنيين؟؟ إستهزاء من الله يليق بجلاله كسائر الصفات و يكون ذلك لمجازاتهم على استهزائهم؟
لكن إن قلنا بمعنى مجازاتهم على استهزائهم فقط فهذا فيه صرف للفظ عن ظاهره ، أليست المجازاة على استهزائهم تضمنتها خاتمة الآية ، ويمدهم في طغيانهم يعمهون ؟!
والله أعلم
 
ألا يمكن الجمع بين المعنيين؟؟ إستهزاء من الله يليق بجلاله كسائر الصفات و يكون ذلك لمجازاتهم على استهزائهم؟
لكن إن قلنا بمعنى مجازاتهم على استهزائهم فقط فهذا فيه صرف للفظ عن ظاهره ، أليست المجازاة على استهزائهم تضمنتها خاتمة الآية ، ويمدهم في طغيانهم يعمهون ؟!
والله أعلم

بارك الله فيكم ....
هل يمكن توضيح الإجابة أكثر ؟!
 
زيادة في توضيح ما تفضل به الأخ الفاضل عبد الرحمن شاهين هذا نقل من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى حول هذه المسألة أرجو أن فيه بياناً شافياً.

قال رحمه الله - كما في مختصر الصواعق المرسلة (ص250):
(الله تعالى لم يَصِفْ نفسَهُ بالكيدِ والمكْرِ والخداعِ والاستهزاءِ مُطْلَقاً، ولا ذلكَ داخلٌ في أسمائِهِ الْحُسْنَى، ومَنْ ظَنَّ مِن الْجُهَّالِ الْمُصَنِّفِينَ في شَرْحِ الأسماءِ الْحُسْنَى أنَّ مِنْ أسمائِهِ الماكرَ المخادِعَ المستهزئَ الكائدَ فقدْ فَاهَ بأمرٍ عظيمٍ تَقْشَعِرُّ منهُ الجلودُ، وتَكادُ الأسماعُ تُصَمُّ عندَ سماعِهِ، وغَرَّ هذا الجاهلَ أنَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أَطْلَقَ على نفسِهِ هذهِ الأفعالَ فاشتَقَّ لهُ منها أسماءً، وأسماؤُهُ كلُّها حُسْنَى فأَدْخَلَها في الأسماءِ الْحُسْنَى، وأَدْخَلَها وقَرَنَها بالرحيمِ الودودِ الحكيمِ الكريمِ. وهذا جَهْلٌ عظيمٌ فإنَّ هذهِ الأفعالَ ليستْ ممدوحةً مُطْلَقاً، بلْ تُمْدَحُ في مَوضعٍ وتُذَمُّ في مَوضعٍ، فلا يَجوزُ إطلاقُ أفعالِها على اللهِ مُطْلَقاً، فلا يُقالُ: إنَّهُ تعالى يَمْكُرُ ويُخادِعُ ويَستهزئُ ويَكيدُ، فكذلكَ بطريقِ الأَوْلَى لا يُشْتَقُّ لهُ منها أسماءٌ يُسَمَّى بها، بلْ إذا كانَ لَمْ يَأْتِ في أسمائِهِ الْحُسْنَى الْمُريدُ ولا المتكلِّمُ ولا الفاعلُ ولا الصانعُ؛ لأن مُسمَّيَاتِها تَنقسمُ إلى ممدوحٍ ومَذمومٍ، وإِنَّمَا يُوصَفُ بالأنواعِ المحمودةِ منها، كالحليمِ والحكيمِ، والعزيزِ والفعَّالِ لِمَا يُريدُ، فكيفَ يكونُ منها الماكرُ المخادعُ الْمُستهزئُ.
ثُمَّ يَلْزَمُ هذا الغالطَ أن يَجْعَلَ مِنْ أسمائِهِ الْحُسْنى الداعيَ والآتيَ، والجائِيَ والذاهِبَ والقادمَ والرائدَ، والناسِيَ والقاسمَ، والساخطَ والغضبانَ واللاعنَ إلى أضعافِ ذلكَ مِن الأسماءِ التي أَطْلَقَ على نفسِهِ أفعالَها في القرآنِ، وهذا لا يَقولُهُ مُسلمٌ ولا عاقلٌ.
والمقصودُ أنَّ اللهَ سُبحانَهُ لم يَصِفْ نفسَهُ بالكيدِ والمكْرِ والْخِداعِ إلاَّ على وجهِ الجزاءِ لِمَنْ فَعَلَ ذلكَ بغيرِ حَقٍّ، وقدْ عُلِمَ أنَّ المجازاةَ على ذلكَ حسنةٌ مِن المخلوقِ، فكيفَ مِن الخالقِ سُبحانَهُ).

وقال أيضاً كما في ص 48-50 من الكتاب نفسه:
(لا رَيبَ أنَّ هذهِ المعانيَ يُذَمُّ بها كثيراً، فيُقالُ: فلانٌ صاحبُ مَكرٍ وخِداعٍ وكَيْدٍ واستهزاءٍ، ولا تَكادُ تُطلَقُ على سبيلِ المدْحِ بخِلافِ أَضْدَادِها، وهذا هوَ الذي غَرَّ مَنْ جَعَلَها مَجازاً في حقِّ مَنْ يَتعالى ويَتقدَّسُ عنْ كلِّ عَيبٍ وذَمٍّ.
والصوابُ أنَّ مَعانِيَها تَنقسِمُ إلى محمودٍ ومذمومٍ؛ فالمذمومُ منها يَرجِعُ إلى الظلْمِ والكذِبِ؛ فما يُذَمُّ منها إِنَّمَا يُذَمُّ لكونِهِ مُتَضَمِّناً للكذِبِ أو الظلْمِ أوْ لهما جَميعاً، وهذا هوَ الذي ذَمَّهُ اللهُ تعالى لأهلِهِ:
-كما في قولِهِ تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 9] فإنَّهُ ذَكَرَ هذا عَقِيبَ قولِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)} [البقرة: 8] فكانَ هذا القولُ منهم كَذِباً وظُلْماً في حَقِّ التوحيدِ والإيمانِ بالرسولِ واتِّبَاعِهِ.
- وكذلكَ قولُهُ: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ} الآيَةَ [النحل: 45].
- وقولُهُ: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].
- وقولُهُ: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)} [النمل: 50-51].
فلَمَّا كانَ غالبُ استعمالِ هذهِ الألفاظِ في المعاني المذمومةِ ظَنَّ الْمُعَطِّلُونَ أنَّ ذلكَ هوَ حقيقتُها، فإذا أُطْلِقَتْ لغيرِ الذمِّ كانَ مَجازاً، والحقُّ خِلافُ هذا الظنِّ، وأنَّها مُنقسِمَةٌ إلى محمودٍ ومَذمومٍ:
- فما كانَ منها مُتَضَمِّناً للكذِبِ والظلْمِ فهوَ مذمومٌ.
- وما كانَ منها بحقٍّ وعَدْلٍ ومُجازاةٍ على القبيحِ فهوَ حَسَنٌ محمودٌ؛ فإنَّ المخادِعَ إذا خادَعَ بباطلٍ وظُلْمٍ، حَسُنَ مِن الْمُجَازِي لهُ أن يَخْدَعَهُ بِحَقٍّ وعَدْلٍ، وذلكَ إذا مَكَرَ واسْتَهْزَأَ ظالماً مُتَعَدِّياً كانَ الْمَكْرُ بهِ والاستهزاءُ عَدْلاً حَسَناً كما فَعَلَهُ الصحابةُ بكَعْبِ بنِ الأشرفِ وابنِ أبي الحُقَيْقِ وأبي رافعٍ وغيرِهم مِمَّنْ كانَ يُعادِي رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فخادَعُوهُ حتَّى كَفَوْا شَرَّهُ وأَذاهُ بالقتْلِ، وكان هذا الخِداعُ والمكْرُ نُصرةً للهِ ورسولِهِ.
وكذلكَ ما خَدَعَ بهِ نُعيمُ بنُ مَسعودٍ المشركينَ عامَ الخنْدَقِ حتَّى انْصَرَفُوا.
وكذلكَ خِداعُ الْحَجَّاجِ بنِ عِلاطٍ لامرأتِهِ وأهلِ مَكَّةَ حتَّى أَخَذَ مالَهُ.
وقدْ قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((الْحَرْبُ خَدْعَةٌ)).
وجَزاءُ الْمُسيءِ بِمِثلِ إساءَتِهِ جائزٌ في جميعِ الْمِلَلِ، مُسْتَحْسَنٌ في جميعِ العقولِ. ولهذا كادَ سُبحانَهُ ليُوسفَ حينَ أَظهرَ لإخوتِهِ ما أَبْطَنَ خِلافَهُ، جزاءً لهم على كيدِهم لهُ معَ أبيهِ حيث أَظْهَرُوا لهُ أَمْراً وأَبْطَنُوا خِلافَهُ، فكان هذا مِنْ أَعدَلِ الكيدِ، فإنَّ إخوتَهُ فَعَلُوا بهِ مِثلَ ذلكَ حتَّى فَرَّقُوا بينَهُ وبينَ أبيهِ، وادَّعَوْا أنَّ الذئبَ أَكَلَهُ، ففَرَّقَ بينَهم وبينَ أخيهم بإظهارِ أنَّهُ سَرَقَ الصُّواعَ ولم يكنْ ظَالِماً لهم بذلكَ الكيدِ، حيث كانَ مقابَلَةً ومُجازاةً، ولم يكنْ أيضاً ظالِماً لأخيهِ الذي لم يَكِدْهُ بلْ كانَ إحساناً إليهِ وإكراماً لهُ في الباطنِ، وإن كانتْ طُرُقُ ذلكَ مُسْتَهْجَنَةً، لكن لَمَّا ظَهَرَ بالآخرةِ بَراءتُهُ ونَـزاهتُهُ مِمَّا قَذَفَهُ بهِ، وكان ذلكَ سبباً في اتِّصالِهِ بيُوسُفَ واختصاصِهِ بهِ، لم يكنْ في ذلكَ ضَرَرٌ عليهِ، يَبْقَى أن يُقالَ: وقدْ تَضَمَّنَ هذا الكيدُ إيذاءَ أبيهِ وتَعريضَهُ لألَمِ الْحُزْنِ على حُزْنِهِ السابقِ، فأيُّ مَصلحةٍ كانت ليَعقوبَ في ذلكَ؟
فيقالُ: هذا مِن امتحانِ اللهِ تعالى لهُ، ويُوسفُ إِنَّمَا فَعَلَ ذلكَ بالوحيِ، واللهُ تعالى لَمَّا أرادَ كرامتَهُ كَمَّلَ لهُ مَرْتَبَةَ الْمِحْنةِ والبَلْوَى ليَصْبِرَ فيَنالَ الدرجةَ التي لا يَصِلُ إليها إلاَّ على حَسَبِ الابتلاءِ، ولوْ لم يكنْ في ذلكَ إلاَّ تكميلُ فَرَحِهِ وسرورِهِ باجتماعِ شَمْلِهِ بحبيبِهِ بعدَ الفِراقِ، وهذا مِنْ كمالِ إحسانِ الربِّ تعالى أن يُذيقَ عبدَهُ مَرارةَ الكَسْرِ قبلَ حَلاوةِ الجبْرِ، ويُعَرِّفَهُ قَدْرَ نِعمتِهِ عليهِ بأن يَبتليَهُ بضِدِّهَا. كما أنَّهُ سُبحانَهُ وتعالى لَمَّا أرادَ أن يُكَمِّلَ لآدمَ نَعيمَ الجنَّةِ أذاقَهُ مَرارةَ خُروجِهِ منها، ومُقاساةَ هذهِ الدارِ الممزوجِ رَخاؤُها بشِدَّتِها، فما كَسَرَ عَبْدَهُ المؤمنَ إلاَّ لِيَجْبُرَهُ، ولا مَنَعَهُ إلاَّ لِيُعْطِيَهُ، ولا ابتلاهُ إلاَّ ليُعافِيَهُ ولا أَماتَهُ إلاَّ ليُحْيِيَهُ، ولا نَغَّصَ عليهِ الدنيا إلاَّ لِيُرَغِّبَهُ في الآخرةِ، ولا ابتلاهُ بِجَفَاءِ الناسِ إلاَّ لِيَرُدَّهُ إليهِ.
فعُلِمَ أنَّهُ لا يَجوزُ ذمُّ هذهِ الأفعالِ على الإطلاقِ، كما لا تُمْدَحُ على الإطلاقِ، والمكْرُ والكيدُ والخداعُ لا يُذَمُّ مِنْ جِهةِ العِلْمِ ولا مِنْ جِهةِ القُدرةِ، فإنَّ العلْمَ والقدرةَ مِنْ صفاتِ الكمالِ، وإِنَّمَا يُذَمُّ ذلكَ مِنْ جِهةِ سوءِ القَصْدِ وفَسادِ الإرادةِ، وهوَ أنَّ الماكرَ المخادعَ يَجورُ ويَظلمُ بفِعْلِ ما ليسَ لهُ فِعْلُهُ أوْ تَرْكِ ما يَجِبُ عليهِ فِعْلُهُ).
 
عودة
أعلى