سؤال: ضوابط التوسع في معاني المفردات القرآنية

إنضم
23/01/2007
المشاركات
1,211
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
الإقامة
كندا
الموقع الالكتروني
www.muslimdiversity.net
اطلعت اليوم على مقال منشور في أحد المواقع الإسلامية بعنوان (نشوز الزوج).
فأثار فيّ هذا الاصطلاح تساؤلا حول ضوابط توسيع معاني المفردات القرآنية.
فمما يلاحظ في مصطلح (النشوز) في القرآن الكريم أنه ورد مقرونا بالحديث عن الزوجة فقط.
وقد خانتني الذاكرة في استحضار مصطلحات شرعية أخرى قام بعض المسلمين بتوسيع مفهومها لتستوعب معاني جديدة غير مذكورة في المعنى الشرعي الأصلي، وذلك رغم تأكدي من فشو هذه الظاهرة خصوصا عند الدعاة والخطباء.
فهل للمسلم أن يستعمل مصطلحا قرآنيا للدلالة على معنى أوسع غير مقصود في معناه الشرعي الأصلي، واعتبار هذا المعنى الجديد داخلا في المعنى الشرعي؟
وإن كان ذلك ممكنا بضوابط، فما هي هذه الضوابط؟
 
"وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا"فالرجل أيضا منه نشوز
وفى رأيى المتواضع أن الألفاظ لاتترادف بمعنى لاتتطابق وان تقاربت المعانى .ولذلك أرى ألا تستعمل الا فى المعنى الشرعى وبدقة حتى لا يحدث خلط المفاهيم . ولكن هذا يحتاج الى جهود جبارة لم نسمع عمن طوى فراشه ليجد فى هذاالمجال . وان كان بعض الأفاضل قد أدرك بعضا منه الا انى أرى أن قاعدة انطلاقه كانت على غير ما أقول ,فلولا انطلق من قاعدة "لا ترادف"
 
أخي الكريم ابن جماعة, هناك ثلاثة مصطلحات تتنازع هذا الجانب الذي ذكرت: أولها وأكبرها: علم الاستنباط, وثانيها وثالثها: تنزيل الآيات على الواقع, والاستشهاد بالآيات على وقائع مستجدة, وهما متقاربان.
وعسى أن أعود لبيانها عاجلاً بإذن الله, أو يكفيني مؤونتها أحد الأفاضل.
 
أخي محمد بن جماعة وفقه الله ...

بالنسبة لما سألت عنه فإن المصطلحات الشرعية الواردة في الكتاب والسنة لايجوز توسيع ولا تضييق معناها ، لما لذلك من تأثير في دلالة اللفظ ..
ولا يدخل في ذلك تناول العام لجميع أفراده بل ذلك داخل في اللفظ ولا يخرج إلا بنص ، كما لا يدخل فيه دخول بعض الصور والأمثلة في معنى المصطلح فهي لا تعد توسيعاً وإنما تعد من باب ضرب الأمثلة ...
والمحظور في ذلك أن يوسع معنى اللفظ ليتناول معنى جديداً لا يدل عليه اللفظ باصطلاحه الشرعي ، أو أن يضيق اللفظ فيُخرج منه بعض صوره بلا دليل من مخصص ...
وسأضرب لذلك مثالاً لعله يبين ذلك :

فسر بعض المعاصرين الزاني في قوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ النور : 1 ] بأن معناه كثير الزنى ..

كما فسر السارق في قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) بأن المقصود أنه كثير السرقة ..
وبنى على ذلك أنه لا يقع الحد بسبب الزنا مرة واحدة أو بسبب السرقة مرة واحدة ، أو لم يكن معروفاً بذلك ، وإنما يقع فيمن يتكرر منه هذا الفعل(1) ..

وهذا كما نرى تضييق للمصطلح الشرعي ( الزنا ) ( السرقة ) بإخراج بعض أفراده بلا دليل ؛ ولا شك أن هذا الأمر لا يجوز في تفسير كتاب الله تعالى إلا بدليل ..
وعليه فإن مثل هذا الصنيع غير مقبول ، وإنما تقتصر الألفاظ الشرعية على معانيها الأصلية الواردة عن الشارع جل وعلا كما فهمها الصحابة رضي الله عنهم بلا توسيع ولا تضييق ..
ولكن أنبه مرة أخرى أن إدخال أفراد العام فيه ؛ لا يعد توسيعاً للمصطلح الشرعي ، وكذا ضرب الأمثلة على المصطلح الشرعي ...

والله أعلم وصلى الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
28 / 7 / 1428هـ



ــــــــــــ
حواشي :
(1) انظر: الفلسفة القرآنية للعقاد: ( 83 )، والانحراف الفكري في التفسير المعاصر ليحيى شطناوي: ( 1 / 350 ـ 355 )، واتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر للرومي: ( 3 / 1094 ).
 
جزاكم الله خيرا على ردودكم.

أخي الأستاذ أبا بيان،
وأنا في انتظار المزيد من التفصيل حول التقسيم الذي قدمته.
وليتك تحيلني أيضا إلى بعض المراجع التي عنيت بهذا التقسيم وقدمت أمثلة عليه.

أخي د. فهد الوهبي،
وفي أي الوجود يدخل مصطلح (نشوز الزوجة)؟
فهل هو من باب ضرب الأمثلة على مفهوم (النشوز)، مما يعني شموله للزوج والزوجة؟
أم أن النشوز مفهوم عام في العلاقة الزوجية يدخل فيه جميع أفرادها؟
أم أن اقتراح أن الحديث عن (نشوز الزوج) هو من باب توسيع المصطلح الشرعي؟
 
[align=center]بسمِ اللهِ ، والحمدُ لله

والصَّلاة والسَّلام على النَّبىّ المُجتبى ، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومن والاه وبأثِرِهِ اقتفى


السَّلامُ عليكُم ورحمــة الله وبركــاته
**********************


شكر الله لكم أساتذتنا الأفضال إثارة هذه النقطة الجَدّ مُهِمّة

ولا سيما عند عموم النَّاس ، والكُتَّاب

فإن مما يُدمى له القلب ما نراه من كثرة الأقيِسة والاستشهاد بآيات القُرآن العظيم فى غيرِ موضعها تمامًا

بل وإن كثيرًا من المُنتديات العامة على الشبكة الآن نجدُ فى القسم الإسلامى فيها موضوعات تختص بأن يدخل كل من أراد ويكتب خواطره حول القرآن !

وربما ليس لديه أى خلفية تؤهله لمعرفة صحة أو خطأ ما يقوله ، فنجدهم يتوسعون المعانى بطريقةٍ عجيبة وبعيدة جدًا

وسبحان الله .. منذ مدةٍ وأنا أعزم أن أفتح موضوع بخصوص ضوابط قاعدة " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " ، لكن سبحـان الله قطعتنى القواطع وشغلتنى الشواغل عن ذلك ، حتى قرأت هذا الموضوع الطيب .

فنرجو من مشائخنا وأساتذتنا الأفضال أن يمدونا بما يفيد فى هذا الأمر وضوابطه .


جزاكم الله خيرًا ، وأحسن الله إليكم .[/align]
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد، أرتأيت أن أعيد إثارة هذا الموضوع ، لأنه لم يستوف حقه من المناقشة والبيان .
ففي البدء ، أرى أن السائل كان عليه أن يورد مثالا للمفردة القرآنية التي توسعوا في معناها غير مفردة (النشوز) . لأن النشوز يطلق على المرأة كما يطلق على الرجل ، وذلك بنص القرآن الكريم . يقول الله تعالى فيهما :
{... وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }[النساء:34]
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }[النساء:128]
فيقال : (نشوز الزوج / نشوز الزوجة) .
والله أعلم وأحكم
 
وابتداء هناك سؤال آخر ، من له الحق أن يتوسع في معاني المفردات القرآنية ؟
وربما نظرة متفحصة لمناهج السلف في تفسير المفردة القرآنية ، يعطينا فكرة عن هذا التوسع .
ولنأخذ مثالا لذلك : مفردة (جبت) ذكرت في القرآن الكريم مرة واحدة .
من خلال " المعجم التاريخي للمصطلحات القرآنية المعرفة في تفسير الطبري " للدكتورة فريدة زمرد وردت مادة "جبت" كالآتي :
ابن عباس (ت:68) : الجبت : الأصنام
مجاهد (ت:103) : الجبت : السحر
عامر الشعبي (ت:بين 103 و 110) : الجبت : السحر
السدي (ت:128) : الجبت : الشيطان
الطبري (ت:310) : الجبت والطاغوت : اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله أو طاعة أو خضوع له ، كائنا ما كان ذلك المعظم من حجر أو إنسان أو شيطان .
ما هو مقياس التوسع في بيان المفردة القرآنية عند السلف ؟
وهل للخلف حق التوسع في بيان المفردة القرآنية ؟
 
موضوع جد مهم وفي الإهتمام بمشاربه ردّ على الأرخنيين.

فيقال : (نشوز الزوج / نشوز الزوجة) .
يقال (نشوز الزوج) للرجل والمرأة.
بن عباس (ت:68) : الجبت : الأصنام
مجاهد (ت:103) : الجبت : السحر
..
هذا ليس ضمن توسيع المعنى ولكن - كما أظن - إما تأويل بمعنى إسقاط الصورة على الواقع، أو المجاز بمعنى تشخيص الجميع بالواحد (الحياة :: حياة الدنيا)، أو من مباحث "المشترك اللفظي" وهذا ضمن الدراسة المعجمية.

بارك الله فيكم.
 
المشترك اللفظي يستنتج من داخل النص القرآني ، وليس من خارجه .
لأن مفردة (الجبت) ذكرت مرة واحدة في القرآن الكريم . لكن السلف توسعوا في معناها : أصنام / سحر / الشيطان / كل معظم بعبادة من دون الله من حجر أو إنسان أو شيطان .
وقد نبه لذلك ابن تيمية ، عند حديثة عن اختلاف السلف في التفسير . هذا الاختلاف الذي أطلق عليه اختلاف التنوع ، وقسمه إلى صنفين :
أحدهما : أن يُعبر كل واحد منهما عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه ، تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر ، مع اتحاد المسمى .
الصنف الثاني : أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه .
ويبقى التساؤل : ما هي مبررات السلف في ذلك . وهل هذا المنهج يحتاج إلى وصف واستيعاب وتحليل واستنتاج حتى نتمكن من استخراج القواعد الأساسية لما أنتجه السلف من هذه الثروة اللسانية في علم التفسير .
 
تساؤل مشروع وحكيم بارك الله فيك أستاذي عبد الكريم.
يجب أن ينضم هذا التساؤل إلى التساؤلات السابقة في ضبط المقصود بالتوسيع ومقياس التوسيع والمنهج الذي على الخلف التمسك به وقبل هذا المنهج منهج الإستفادة من السلف في هذه المسألة. ويبقى هذا الموضوع في نظري أهم موضوع "قديم" تم تجديده، فجزاك الله خيرا.

لكن الإختلاف شيء آخر غير التوسيع لأن الإختلاف يتضمن التمييز سواء كان ذلك بالتنوع أم بالتفاضل أم بغير ذلك من العلاقات، أما التوسيع فلا يستلزم الإختلاف. مثلا، ماذا كان يفهم السلف من لفظة "الأرض"؟ نحن اليوم نفهم أن الأرض كوكب يشمل قارات ومحيطات ويتكون من طبقات و يدور وجزء من مجموعة .. الخـ. هل نختلف مع السلف؟ لا، لكن نحن توسّعنا في فهم الأرض ولم نأتي بمعنى جديد إضافي. وهذا ما لا ينطبق على الجبت لأن الصنم ليس سحرا وهذا إختلاف تنوع.
ملاحظة: إذا كان المقصود بالسحر عمل يُعبد ويُعظّم فإن "كل معظم بعبادة من دون الله من حجر أو إنسان أو شيطان" في فهمي يُعد توسيعا لمعنى الجبت.
 
الاختلاف الذي أشرتُ إليه سابقا هو اختلاف تنوع . وليس اختلاف تضاد .
لأن توسيع السلف للمفردة القرآنية جاء عن طريق اختلاف التنوع . فالسلف عندما يفسرون يقولون : كذا هو كذا . وكل منهم يفسر حسب ما يهتدي إليه . ولا تجد أحدهم يقول : كذا هو كذا و كذا و كذا . لذلك فتفسير السلف هو تفسير تلقائي طبيعي يعتمد على السليقة العربية في بيان المفردات القرآنية .
وطبيعة هذه المرحلة تقتضي أن نعتبرها مختبرا علميا ذا أهمية قصوى في استخراج قواعد المنهج المتبع في هذه العملية .
 
الإخوة الكرام ؛

طابت مأدبة مناقشتكم، وما أحلى ما ينتقى في هذه الروضة المباركة وأود الإسهام بدلوي عساه أن يروي جوانبها الغناء.
أبدأ أولا لتوضيح مداخلة السائل عن كلمة الزوج جاء في اللسان :
" الزَّوْجُ: خلاف الفَرْدِ. يقال: زَوْجٌ أَو فَرْدٌ، كما يقال: خَساً أَو زَكاً، أَو شَفْعٌ أَو وِتْرٌ؛ قال أَبو وَجْزَة السَّعْدِيُّ:ما زِلْنَ يَنْسُبْنَ، وَهْناً، كلَّ صادِقَةٍ، باتَتْ تُباشِرُ عُرْماً غير أَزْوَاجِ لأَن بَيْضَ القَطَا لا يكون إِلاَّ وِتْراً.
وقال تعالى: وأَنبتنا فيها من كل زوجٍ بَهيج؛ وكل واحد منهما أَيضاً يسمى زَوْجاً، ويقال: هما زَوْجان للاثنين وهما زَوْجٌ، كما يقال: هما سِيَّانِ وهما سَواءٌ؛ ابن سيده: الزَّوْجُ الفَرْدُ الذي له قَرِينٌ.
والزوج الاثنان. "

ومن هنا يتضح بأن كلا من الرجل والمرأة يطلق عليه لفظ : زوج؛
وكلمة زاني هي اسم فاعل لفعل زنى؛ ومن المعلوم لغة أن اسم الفاعل يدل على الدوام والاستمرارية ؛ فما شأن اسيتغراب المتسائل هنا ؟
واللفظ القرآني اشترط القراء لتواتر الرواية :
- الموافقة للرسم العثماني؛
- الاستجابة لوجه من وجوه اللغة العربية؛
- صحة الإسناد للقراءة
وعليه فما علينا إلا متابعة المصطلحات القرآنية وتنوع دلالاتها وبيان وجوه مجازها ليتضح المراد ولا نتدخل في توسيع المعنى وتضييقه ما دام الأمر يستجيب لمتطلبات القراءة الصحيحة.

وقد حدد الأصوليون ضمن كتب أصول الفقه القواعد الأصولية اللغوية وجعلوها ضوابط الأخذ بالكلمة ودلالتها، وبينوا كيفية التأويل النص وحدود التأويل. فليراجع هناك. وهذا من أهم العلوم في مادة الأصول
 
جزاكما الله خيرا. راسلت مجمع اللغة العربية على الشبكة لعلهم يشيروا علينا بكتاب في هذا الموضوع. إن كان هناك كتاب فسوف نقرأه ونتدارس أفكاره لإثراء هذا الموضوع إن شاء الله.
 
هذا مثال على التوسع المذموم وفيه جواب من شيخ الإسلام على بعض الأسئلة التي طرحت في هذا الموضوع:

"وَقد ابتدعت القرامطة الباطنية تَفْسِيرا آخر كَمَا ذكره أَبُو حَامِد فِي بعض مصنفاته كمشكاة الْأَنْوَار وَغَيرهَا أَن الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر هِيَ النَّفس وَالْعقل الفعال وَالْعقل الأول وَنَحْو ذَلِك، وشبهتهم فِي ذَلِك أَن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجل من أَن يَقُول لمثل هَذِه الْكَوَاكِب إِنَّه رب الْعَالمين بِخِلَاف مَا ادعوهُ من النَّفس وَمن الْعقل الفعال الَّذِي يَزْعمُونَ أَنه رب كل مَا تَحت فلك الْقَمَر وَالْعقل الأول الَّذِي يَزْعمُونَ أَنه مبدع الْعَالم كُله.
وَقَول هَؤُلَاءِ وَإِن كَانَ مَعْلُوم الْفساد بِالضَّرُورَةِ من دين الْإِسْلَام فابتداع أُولَئِكَ طرق مثل هَؤُلَاءِ على هَذَا الْإِلْحَاد.
وَمن الْمَعْلُوم بالاضطرار من لُغَة الْعَرَب أَن هَذِه الْمعَانِي لَيست هِيَ الْمَفْهُوم من لفظ الْكَوْكَب وَالْقَمَر وَالشَّمْس.
وَأَيْضًا فَلَو قدر أَن ذَلِك يُسمى كوكبا وقمرا وشمسا بِنَوْع من التَّجَوُّز فَهَذَا غَايَته أَن يسوغ للْإنْسَان أَن يسْتَعْمل اللَّفْظ فِي ذَلِك لكنه لَا يُمكنهُ أَن يَدعِي أَن أهل اللُّغَة الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن كَانُوا يُرِيدُونَ هَذَا بِهَذَا، وَالْقُرْآن نزل بلغَة الَّذين خاطبهم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَيْسَ لأحد أَن يسْتَعْمل أَلْفَاظه فِي معَان بِنَوْع من التَّشْبِيه والاستعارة ثمَّ يحمل كَلَام من تقدمه على هَذَا الْوَضع الَّذِي أحدثه هُوَ."

المصدر: دقائق التفسير
 
هذا مثال على التوسع المذموم وفيه جواب من شيخ الإسلام على بعض الأسئلة التي طرحت في هذا الموضوع:

"وَقد ابتدعت القرامطة الباطنية تَفْسِيرا آخر كَمَا ذكره أَبُو حَامِد فِي بعض مصنفاته كمشكاة الْأَنْوَار وَغَيرهَا أَن الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر هِيَ النَّفس وَالْعقل الفعال وَالْعقل الأول وَنَحْو ذَلِك، وشبهتهم فِي ذَلِك أَن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجل من أَن يَقُول لمثل هَذِه الْكَوَاكِب إِنَّه رب الْعَالمين بِخِلَاف مَا ادعوهُ من النَّفس وَمن الْعقل الفعال الَّذِي يَزْعمُونَ أَنه رب كل مَا تَحت فلك الْقَمَر وَالْعقل الأول الَّذِي يَزْعمُونَ أَنه مبدع الْعَالم كُله.
وَقَول هَؤُلَاءِ وَإِن كَانَ مَعْلُوم الْفساد بِالضَّرُورَةِ من دين الْإِسْلَام فابتداع أُولَئِكَ طرق مثل هَؤُلَاءِ على هَذَا الْإِلْحَاد.
وَمن الْمَعْلُوم بالاضطرار من لُغَة الْعَرَب أَن هَذِه الْمعَانِي لَيست هِيَ الْمَفْهُوم من لفظ الْكَوْكَب وَالْقَمَر وَالشَّمْس.
وَأَيْضًا فَلَو قدر أَن ذَلِك يُسمى كوكبا وقمرا وشمسا بِنَوْع من التَّجَوُّز فَهَذَا غَايَته أَن يسوغ للْإنْسَان أَن يسْتَعْمل اللَّفْظ فِي ذَلِك لكنه لَا يُمكنهُ أَن يَدعِي أَن أهل اللُّغَة الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن كَانُوا يُرِيدُونَ هَذَا بِهَذَا، وَالْقُرْآن نزل بلغَة الَّذين خاطبهم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَيْسَ لأحد أَن يسْتَعْمل أَلْفَاظه فِي معَان بِنَوْع من التَّشْبِيه والاستعارة ثمَّ يحمل كَلَام من تقدمه على هَذَا الْوَضع الَّذِي أحدثه هُوَ."

المصدر: دقائق التفسير

الأستاذ حسن الأسامي؛ما أشرت إليه من تفسير جاء بعبارات لا علاقة لغوية ولا مجازية تربطها بالنصوص وهذا النوع من التفسير أطلق عليه العلماء اسم التفسير الإشاري، لما يربط بعض المعاني ببعض من إشارات قد تصيب وقد تخطئ والكل مرفوض نسبته للشريعة ولدلالات القرآن. وأيضا تجد الكثير منه لدى الكتب الصوفية.وحد النص المقبول دلالاته اللغوية شريطة ألا يصطدم المعنى مع نص آخر يدفعه.وليس لعلماء اللغة ما يبرهنون به على دلالة الكلمة من غير المعاجم التي تشتمل على المعنى اللغوي للكلمة، وإشارات لمعناها المجازي؛ اللهم إن دخلوا علم المصطلح في اللسانيات فهو أيضا يدرس الكلمة وتداولها اللغوي والمجازي وطرق استعمالها واشتقاقها.والأصوليون وحدهم غاصوا في تحديد المعاني للكلمة القرآنية وجاءونا بكنز ثمين هو القواعد الأصولية اللغوية، وهي التي تحدد كيفية التعامل مع المعنى اللغوي للكلمة، ومتى يجوز صرف النظر عن المعنى اللغوي إلى المجازي أو تأويله تأويلا يستند لدلالة النص، أو لروح النص، ويستقيم مع السياق.
 
الفاضل حسن الأسامي ، أقترح لو اقتصرنا على ما أنتجه السلف في هذا المجال ، لكانت النتائج باهرة . لأننا أمام تجربة إنسانية فريدة فهمت الوحي بطريقة جديرة بالدراسة . خصوصا إذا علمنا أن أصحابها كانوا في قلب هذه العملية .
لأننا عندما نصل إلى الخلَف نجد كثيرا من التوسعات والتجاوزات في استخدام المصطلحات والمفاهيم . والنموذج الذي أوردته أحسن مثال على ذلك .
ما نحن في حاجة إليه ، هو كيف استطاع السلف أن يتوسعوا في تفسير المفردات ، وما هي مبرراتهم في ذلك .
نسأل الله التوفيق والسداد .
 
عودة
أعلى