السلام عليكم
يقول الله تعالى في سورة المائدة، الآية (73):{لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة. و ما من إله إلا إله واحد ، و إن لم ينتهوا عما يقولون ليمسنَّ الذين كفروا منهم عذاب أليم."
السؤال: لماذا قال الله تعالى :{ليمسنَّ الذين كفروا منهم}؟ مع أَنَّ {هم} تعود هنا على من وصفهم تعالى بالكفر بدءاً :{لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة}.
يعني لماذا لم تأت الآية مثلا هكذا : ليمسنهم عذاب أليم .. ؟
قال ابو جعفر الطبري:
"فإن قال قائل: وإن كان الأمر على ما وصفت، فعلى مَنْ عادت"الهاء والميم" اللتان في قوله:"منهم"؟
قيل: على بني إسرائيل.تأويل الكلام، إذْ كان الأمر على ما وصفنا: وإن لم ينته هؤلاء الإسرائيليون عما يقولون في الله من عظيم القول، ليمسنَّ الذين يقولون منهم:"إن المسيح هو الله"، والذين يقولون:"إن الله ثالث ثلاثة"، وكل كافر سلك سبيلهم عذابٌ أليم، بكفرهم بالله"10\482 تفسير ابن جرير(الشاملة 2)
قال ابن عاشور :"والمراد ب { الّذين كفروا } عينُ المراد ب { الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة } فعُدل عن التّعبير عنهم بضميرهم إلى الصّلة المقرّرة لمعنى كفرهم المذكور آنفاً بقوله : { لقد كفر الّذين قالوا } إلخ ، لقصد تكرير تسجيل كفرهم وليكون اسم الموصول مومئاً إلى سبب الحكم المخبر به عنه . وعلى هذا يكون قوله { مِنْهم } بياناً للّذين كفروا قصد منه الاحتراس عن أن يتوهّم السامع أنّ هذا وعيد لكفّار آخرين ."4\206 التحرير والنوير (الشاملة 2)
- قال ابن عاشور في تفسيره:
" المراد بـ " الذين كفروا " عينُ المراد بـ " الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة " فعُدل عن التّعبير عنهم بضميرهم إلى الصّلة المقرّرة لمعنى كفرهم المذكور آنفاً بقوله : " لقد كفر الّذين قالوا " الخ ؛ لقصد تكرير تسجيل كفرهم وليكون اسم الموصول مومئاً إلى سبب الحكم المخبر به عنه . وعلى هذا يكون قوله " مِنْهم " بياناً للذين كفروا قصد منه الاحتراس عن أن يتوهّم السامع أنّ هذا وعيد لكفّار آخرين .
- مؤيداً ما قاله الزمخشري:
" فإن قلت : فهلا قيل : ليمسنهم عَذَابٌ أَلِيمٌ . قلت : في إقامة الظاهر مقام المضمر فائدة وهي تكرير الشهادة عليهم بالكفر ".
- ويرى البقاعي أن:
" " الذين كفروا ": أي داموا على الكفر ، وبشر سبحانه بأنه يتوب على بعضهم بقوله : " منهم عذاب أليم " ".
- وفصَّل أبو الليث السمرقندي ما أشار إليه البقاعي فقال:
" ثم أوعدهم الوعيد إن لم يتوبوا فقال : " وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ " يعني : إن لم يتوبوا ، ولم يرجعوا عن مقالتهم ، " لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ " فهذا لام القسم ، فكأنه أقسم بأنه ليصيبهم " عَذَابٌ أَلِيمٌ " يعني : إن أقاموا على كفرهم .
ثم دعاهم إلى التوبة فقال : " أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى الله " من النصرانية ، " وَيَسْتَغْفِرُونَهُ " عن مقالتهم الشرك ، فإن فعلوا فإنَّ " والله غَفُورٌ " للذنوب " رَّحِيمٌ " بقبول التوبة ، ويقال : قوله : " أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ " لفظه لفظ الاستفهام والمراد به الأمر فكأنه قال : توبوا إلى الله ، وكذلك كل ما يشبه هذا في القرآن ، مثل قوله : " أتصبرون " يعني : اصبروا ".
وجمع أبو السعود بين الرأيين خير جمع فقال:
" وإنما وُضع موضعَ ضميرِهم الموصولُ لتكرير الشهادة عليهم بالكفر ( فمن ) ، في قوله تعالى : " مِنْهُمْ " بيانية ، أي ليمسن الذين بقُوا منهم على ما كانوا عليه من الكفر فمن تبعيضية.
وإنما جيء بالفعل المنبىء عن الحدوث؛ تنبيهاً على أن الاستمرار عليه بعد ورود ما ينحى عليه بالقلع عن نص عيسى عليه السلام وغيره كفرٌ جديد وغلوٌّ زائد على ما كانوا عليه من أصل الكفر " عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي نوع شديد الألم من العذاب ".
فالرأيان رأي واحد إن تأملت..
رحم الله علماءنا الكرام، وجمعنا بهم في دار الخلد !
أخي عبد الرحيم تفسير الكشاف هو من القول الاول(اقص مثل كلام ابن جرير) لانه قال :" و ( من ) في قوله : { لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ } للبيان كالتي في قوله تعالى : { فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان } [ الحج : 30 ] فإن قلت : فهلا قيل : ليمسنهم عَذَابٌ أَلِيمٌ . قلت : في إقامة الظاهر مقام المضمر فائدة وهي تكرير الشهادة عليهم بالكفر في قوله : { لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ } وفي البيان فائدة أخرى وهي الإعلام في تفسير ( الذين كفروا منهم ) أنهم بمكان من الكفر . والمعنى : ليمسنّ الذين كفروا من النصارى خاصة { عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي نوع شديد الألم من العذاب كما تقول : أعطني عشرين من الثياب ، تريد من الثياب خاصة لا من غيرها من الأجناس التي يجوز أن يتناولها عشرون . ويجوز أن تكون للتبعيض ، على معنى : ليمسنّ الذين بقوا على الكفر منهم ، لأنّ كثيراً منهم تابوا من النصرانية"الكشاف 2\52 (الشاملة2)
وبالنسبة لتأكيد الكفر فهو متفق عليه بينهما كما أخبرت في مداخلتك .
جزاك الله خيرا و نفع بكم جميعا .
و عندي بعض أسئلة في نفس الموضوع للتوضيح و اطمئنان القلب...
1- ممكن مثال عن التكرار للتأكيد في مواضع أخرى في القرآن... فهو شيئ جديد علي... و هل هو مثل قول الله تعالى: "يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا..."
2- هل يفهم أن قول "الذين كفروا" هو لمن كفر بعدم الانتهاء عن القول بالثالوث بعد أن أقيمت عليه الحجة، و هو زيادة على الكفر بادعاء الثالوث؟
3- ما حكم النصارى الذين كانوا قبل النبي صلى الله عليه و سلم، لكن ادعوا ما ادعوا على الله و المسيح، و هل يكون فرق بين الجاهل منهم و العالم؟
ليس المراد بقوله تعالى:( الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ ) عينُ المراد بقوله تعالى:( الَّذينَ قَالُواْ إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )، ولم يكن في الآية الكريمة عدول عن التّعبير عنهم بضميرهم إلى الصّلة؛ لأن( الّذينَ قَالُواْ إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) قد تاب كثير منهم، ورجع عن اعتقاده بأن الله سبحانه ثالث ثلاثة، وبقي منهم من ثبت على هذا الاعتقاد، وأقام على هذا الدين، يردد تلك المقالة الفاسدة. وهؤلاء الذين ثبتوا على هذا الاعتقاد، وأقاموا عليه هم الذين عناهم الله تعالى بقوله:( الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ )، وهؤلاء بعض من كل، ومن في قوله:( مِنْهُمْ ) للتبعيض، لا للبيان.. والله تعالى أعلم.
النصارى فِرَق وطوائف، وسبق أن بيَّنتُ أن القرآن الكريم حين ردَّ على النصارى ردَّ عليهم بطوائفهم كافة، جمعَ فيه بين الإيجاز (البلاغة) والشمول (استغراقهم جميعاً).
ولو ترك نصراني القول بـ " التثليث " ودخل فيما يسمى طائفة النصارى الموحدين، فهو ما زال " من الذين كفروا "؛ لأنه لم يؤمن بما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وكذا النصراني الذي ترك التثليث إلى العلمانية القريبة من الإلحاد، فقد ترك كفراً إلى كفرٍ آخر.
وسبقتهم فرق النصارى التي كانت أقرب إلى التوحيد وأبعد عن التثليث ـ وهي تنقسم إلى فرق أيضاً ـ كالأريسيين والنسطوريين.. الخ ولكنهم كلهم داخلون في " الذين كفروا منهم ".. خالدون مخلدون في النار.
إذاً: ليس شرط الإيمان ترك التثليث فقط.. بل اتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى في سورة الأعراف: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(158) ".
ومن هنا يتبين كيف أن معنى " مِن " في الآية الكريمة يدور بين البيان والتبعيض، في نظم قرآني بديع، شمل النصارى بشتى فرقهم.. فلا يشاغِبُ مشاغِبٌ منهم بأن الآية الكريمة لم تتناوله!
بسم الله الرحمن الرحيم
حكى الفخر الرازي عن الزجاج قوله في تفسير الآية( وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )، قال: معناه: ليمسن الذين أقاموا على هذا الدين؛ لأن كثيرًا منهم تابوا عن النصرانية ).
وقال أبو حيان في البحر المحيط:( ومن في مِنْهُمْ للتبعيض، أي كائناً منهم، والربط حاصل بالضمير، فكأنه قيل: كافرهم وليسوا كلهم بقوا على الكفر، بل قد تاب كثير منهم من النصرانية.. ومن أثبت أنّ ( مِن ) تكون لبيان الجنس، أجاز ذلك هنا ).
فما رأيك يا شيخ عبد الرحيم ؟؟؟