ومن وجوه إعجاز القرآن الكريم خلوه من الترادف
قالوا اللغة منزهة عن العبث المعنى : ليس فيها لفظتان تتفقان بمعنى واحد, و ليس فيها جملتان تتفقان بمعنى واحد, ولو كان هناك لفظتان تتفقان بمعنى واحد, لحذفت العرب إحداهما, ولو كان هناك جملتان تتفقان بمعنى واحد, لحذفت العرب إحداهما ولأن الله هيأها لنزول كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه."
و من بديع أسلوب القرآن دقته المتناهية في اختيار الكلمات فلا ترادف في القرآن الكريم وليس فيه لفظان متردافان تمام الترادف،وإنما يقوم الأسلوب القرآني على مراعاة أدق الفروق بين الألفاظ ، ويضع كل كلمة فى موضعها المناسب تماماً .
ومما ذكره العلامة الخطابي مما يكتب بالتبر تلك الفروق بين بعض الكلمات التي قلما يفرق بينهما عالم أو بليغ ... قال:...ثم اعلم أن عمود هذه البلاغة التي تجمع لها هذه الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به , الذي إذا أُبدل مكانه غيره جاء منه: إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام , وإما ذهاب الرونق الذى يكون معه سقوط البلاغة , ذلك أن فى الكلام ألفاظًا متقاربة في المعاني يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب؛ كالعلم والمعرفة , والحمد والشكر , والبخل والشح , وكالنعت والصفة , وكقولك: اقعد والجلس , وبَلَى ونعم , وذلك وذاك , ومن وعن , ونحوهما من الأسماء والأفعال والحروف والصفات مما سنذكر تفصيله فيما بعد , والأمر فيها وفي ترتيبها عند علماء أهل اللغة بخلاف ذلك , لأن كل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها وإن كانا قد يشتركان في بعضها.
*-هذا وقد نصحني شيخنا العلامة الشيخ عبدالستار فتح الله -عندما قلت سأكتب إن شاء الله في لطائف إعجاز القرآن- فقال لى اكتب عن الفرق بين التمام والكمال (تقريبا عام1999)ثم تحدثنا بعدة مدة طويلة(تقريبا 2011) عن أمر ما فتطرق للحديث عن الفرق بين التمام والكمال فزادنى الله من فضله (لم أقل له نعم قد تكلمت معى من قبل أو نحو ذلك فمن أدب الحديث أن تستمع لمحدثك كأنك لم تسمع كلامه من قبل) فزاد في توضيحه بعض الشيئ وكان بين الكتابتين والحديثين ما يقرب من عشر سنين مما قلته*-ومن أمثلة ذلك كلمتي الكمال والتمام في قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)المائدة
:3 حيث ترجع كل منهما إلى معنى : فالتمام يرجع إلى شمول العدد ، والكمال يرجع إلى جودة الصفات، فيحصل الكم والكيف جميعاً في دين الله تعالى ، ولذلك رضيه الله تعالى لنا دينا .فالدين كمل ببعثة النبي الكريم حيث كان كل نبي يبعث يزاد له في شرعه ما تحتاجه أمته حتى حاء خير القرون وبعث خير الرسل فكملت ببعثته التشريعات وختمت الرسالات.أما عن نبوته فهى نعمة من النعم التي لا تعد ولا تحصى وكذلك إرسال الرسل نعمة من نعمه تعالى التي لا تحصى فلما بُعث صلى الله عليه وسلم ولا رسالة بعده ولا نبي بعده فبذلك تمت النعم؛ لأن الرسالة نعمة وكل رسول نعمة فهى تعد فلما بعث صلى الله عليه وسلم فقد تمت النعمة.أما عن قوله (فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ (196) البقرة.فهذا في العدد ولكنه ذكر الكمال دون التمام ؛ لأنهها معدودة معروفة أما من ظن أن صيامه في الحرم أكمل من الصيام في غيره فنقول له المهم أن تنفذ أمر ربك,وهذا تنبيه من المولى الكريم بأن يجعل ثواب الجميع تحت درجة الكمال فقال عشرة كاملة. وأما قوله تعالى(وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ (142) الأعراف.فذكر التمام ؛ لأنه من المعلوم أن صيام النبي على الكمال وأما العدد فقد تم بالعشرة أربعين.ثم إن العد مقصود كذلك ليبين قصر المدة التي لم يستطع قوم موسى عليه السلام الثبات على الهدي الذي تركهم عليه فترة الأربعين يوماً.اللهم ثبتنا على دينك (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)