زندقة " القرآنيين"

إنضم
20/04/2003
المشاركات
566
مستوى التفاعل
24
النقاط
18
زندقة " القرآنيين"

أنبه أولا على أمرين في عنوان المقال:

1-

اسم "القرآنيين" لا يصح أن ينطبق على هؤلاء ، ولو كان للقوم أرضية علمية يقفون عليها لكانوا أول من يرفض هذه التسمية...لكنه التمويه والخديعة!

إن الأسماء خلقها الله للتمييز، والاسم في لغتنا مشتق من "الوسم "و"السمة " والمرجع فيها جميعا إلى معنى التميزوالتفرد ولا شك أن العاقل عندما يريد أن يضع لنفسه اسما دالا على مذهبه الشخصي أو منهجه الخاص فلا يعمد إلى الاسماء الموغلة في العمومية التي تنطبق على الآخرين - و هو يتبرأ من مذاهبهم - بل يختار الاسم أو المصطلح الذي يميزه عن أولئك ولا يرضيه أن ينبز بأسماء وألقاب تجعله والمخالفين له في سلة واحدة...فلا يقبل الماركسي أن يسمى ليبراليا أو ديموقراطيا ولا يقبل الشيعي أن يسمى سنيا أو سلفيا...

فنقول لهؤلاء: كل المسلمين قرآنيون – ادعاء على الأقل- فالشيعي والإباضي والأحمدي والمعتزلي والصوفي والباطني... كل أولئك يقولون عن أنفسهم أنهم ينتسبون إلى القرآن فهم قرآنيون فلا نصيب لكم من الخصوصية في المصطلح فكأنكم سميتم جماعتكم" المسلمين" !

أنتم سميتم أنفسكم "قرآنيين " لأنكم تقولون لا نأخذ ديننا إلا من القرآن وحده ،ولا نأخذ من السنة شيئا ، فكان الاسم الملائم المعبر عن خصوص مذهبكم هو " اللا- سنيون " لأن خصومكم قرآنيون أيضا وما يميزكم عنهم أنكم لا تقبلون السنة ،والاسم خلقه الله للتمييز، فوجب أن تسموا أنفسكم "لا- سنيين" وتعتبروا من ناداكم بالقرآنيين نبزا مذموما لأنه جعلكم ضمن الرعاع والجهال ولم يوف بحقكم من التميز!

فعنوان مقالنا في الواقع هو( زندقة اللا- سنيين) لكن شاع اسم القرآنيين عن هذه الفئة فاضطررنا لاستعماله وهو شرف لا يستحقونه لأن القرآنيين الحقيقيين نحن لا هم.

2-

زندقة " القرآنيين" ليس في العنوان مبالغة أو ميل إلى التكفير المتسرع بل هو وصف ملائم لأصولهم، فالزندقة حكم على المذهب لا الأفراد لأنه قد يلتحق بهم الساذج فينتسب إليهم تحت تأثير" الموضة " والعصرنة وهو في غفلة عن مكرهم وعن نواياهم في أصول مذهبهم..

إنما حكمنا على المذهب بالزندقة لأمرين عظيمين:

- يفصلون بين الله ورسوله

-ويفصلون في وظيفة النبوة بين التبليغ والبيان فيقرون بالأولى وينكرون الثانية ...

أليست هذه زندقة بقرنين!

ولعلنا نبين إن شاء الله...وإن كان عنوان الأمرين في إجماله كافيا لتفكيك هذا المذهب الخبيث.
 
مدخل جميل لمناقشة هذا المذهب الخطير الذي أفسد تصورات كثير من المسلمين للأسف وراجت شبهاتهم على جمهور القراء.
 
نعني بالزندقة كل تفريق في ما جمع الله من الأصول الكلية:

1- فرب العالمين له الحاكمية في الدين والدنيا فمن فرق بين المجالين وقال لله الحكم في الدين وأما أمور الدنيا فهي موكولة إلى أهلها فهذه (زندقة العلمانيين)

2- الله بعث وحيه للناس صدقا وعدلا ليتبعوه فمن فرق بين الوحي الذي هو القرآن والوحي الذي هو السنة وقال نعمل بالأول ونترك الثاني فهذه (زندقة القرآنيين)

3-الله بعث رسله إلى الناس ليتبعوهم جميعا فمن فرق بينهم فآمن ببعض وكفر ببعض فهذه (زندقة أهل الكتاب)

والقسط الذي آمنوا به لا يشفع لهم أو يجزيهم عن القسط الذي كفروا به بل لا نبالغ إن قلنا إنهم شر ممن كفر مطلقا

ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة : 85]

فقد جعل الله العقاب لمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض في الدنيا والآخرة معا خزي هنا وعذاب هناك أما مطلق الكافرين فقد يؤجل عذابهم إلى يوم القيامة وقبل ذلك يفتح لهم أبواب نعمه في الدنيا ويرفعهم فيها درجات ويؤتيهم العزة والقوة كما هو مشاهد...
 
ما الرسول عند زنادقة القرآنيين؟

ليس له وصف إلا أنه ساعي البريد !

تلقي الرسالة من ربه وبلغها إليهم ثم انصرف ، ولا شأن له بمحتوى الرسالة ذلك المحتوى يقرره (القرآنيون) فقط ، يؤولون ما شاؤوا ويأخذون ويدعون ما شاؤوا ، فبمجرد تسلمهم الرسالة انتهى دور النبي ...
 
السنة كلها وحي ودليل ذلك القرآن :

وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم : 3] إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم : 4]

ولنلحظ دقة القرآن في اختيار الكلمة فلم يقل "يتكلم" بل "ينطق"، والفرق بين الكلمتين أن التكلم قد يكون داخليا غير مسموع من قبيل الخواطر والمعاني التي يرتبها المرء في ذهنه - وللمتكلمين الأشاعرة مفهومهم المشهورعن الكلام النفسي- فالكلام من هذا الوجه لا يتجه إلى مستمع بل لا يفترض حتى وجود ه، لكن النطق كلام موجه للناس فلا ينطق المرء السوي إلا بحضور مستمع ...فالنطق إذن أخص من الكلام ومعنى الآية أن كل كلام منطوق سمعه عنه سامع لا يصدر عن الهوى سواء أكان المنطوق به قرآنا أم غير قرآن! والعموم مستفاد من النفي كما لا يخفى.

وقد يقولون كون الكلام غير صادر عن الهوى لا يلزم عنه أن يكون من عند الله فكثير من الناس ينطقون عن علم وحكمة وخبرة لا عن شهوة ورغبة وهوى ، ومع ذلك لا يسمون كلامهم وحيا. نقول هذه الشبهة علمها الله فدحضها في الآية المجاورة "إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" فسماه وحيا وجعله مستقلا عن شخص الرسول يتلقاه ولا يبتكره...ثم أمعن القرآن في دحض الشبهة فقال في الآية المجاورة:

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم : 5]

كل ما نطق به الرسول وحي ، وكل وحي هو تعليم الله له...فالفصل بين القرآن والسنة هي زندقة القرآنيين.
 
هؤلاء الزنادقة نزعوا عن رسولهم صفة البيان وانتحلوها لأنفسهم:

إن القرآن وبيان القرآن (أي السنة) لا ينفصلان أبدا ... ومن بديع التنزيل أن يجمع الأمرين في رسم واحد بقراءتين مختلفتين متواترتين:

وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [النور : 34]

لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النور : 46]

فقد قرئت ( مبينات) بكسر اسم الفاعل وبفتح اسم المفعول، فعلى القراءة الأولى يكون البيان وصفا للقرآن نفسه فقد صدر منه البيان ، وعلى القراءة الثانية يكون القرآن قد وقع عليه البيان لا منه ومن الذي بين القرآن غير رسول الله!

والزنادقة قالوا لا نحتاج إلى بيان الرسول حسبنا ما فهمنا من القرآن....

والمتتبع لورود عبارة الآيات البينات في التنزيل سيجد أنها في بعض الموارد لا يفهم منها إلا السنة:

فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [آل عمران : 184]

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [فاطر : 25]

فعطف الزبر والكتب على البينات يفيد الاختلاف كما هو ظاهر خاصة في آية فاطر حيث تكرر حرف الجر الباء

والأصرح من كل هذا - و هي قاصمة ظهر الزنادقة-

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل : 44]

فأين بيان التنزيل؟

أفيكون الرسول قد عصى ربه فلم يبين للناس شيئا!

أم أنه بين لكن اختفى ذلك البيان وحرف وزور....هنا يكون الطعن أدهى وأمر لأنه طعن في علم وحكمة رب العالمين: كيف يرسل الله رسالته الخاتمة ليصحح بها التحريف والتزويرالسابقين ويسمح بوقوع نفس التحريف والتزوير في الرسالة المصححة!!!
 
ماغاية القرآنيين؟

غايتهم تخريب القرآن للقضاء على الإسلام من الداخل، سموا أنفسهم قرآنيين ونصبوا أنفسهم مدافعين عنه وما يطمعون إلا في إبادته ومثلهم في تعارض الاسم والغاية كمثل إخوانهم الذين دخلوا بلاد المسلمين قبل قرن مضى باسم التعميروالحماية والاستعمار وما كانت أهدافهم إلا تخريب بلاد المسلمين ونهب ثرواتهم وقتل أولادهم!!

ووسيلة القرآنيين لتحقيق مراميهم ليست من العبقرية والذكاء في شيء وإنما هي خطة عريقة في القدم فحواها :

إذا أردت أن تزيل الموجود الثابت الذي يستحيل إزالته واقعا فما عليك إلا أن تجعله نسبياَ فيزول من تلقاء نفسه!

هذه الوسوسة الشيطانية التي تعتري كل إنسان تطرد بالاستعاذة والنفث ثلاث مرات على اليسار،كما جاء في الوصفة النبوية الحكيمة ،ولا علاج لها من بعدها أبدا لا بمنطق ولا بفكر.

وقد تجذرت هذه الوسوسة عند الإغريق فكان مذهب (السفسطة) الذي انبنى على أصل واحد هو مبدأ "الإنسان مقياس كل شيء" فلا يوجد إلا عالمى الذهنى ولا حقيقة إلا ما أراه حقيقة..وتجدد هذا المذهب في العصور الحديثة تحت اسم براق : (النسبية)

وسنرى كيف وظف القرآنيون – زعموا- هذا (المذهب /الوسوسة ) في برنامجهم البليد.
 
سماهم بعض الفضلاء : النكرانيون
فهم لا يستحقون قرن لاسم طائفتهم بالقرآن الكريم ولكن نبزهم وفق حقيقتهم وهي نكران السنة فكانوا نكرانيون في حقيقتهم
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
لكي تزال عن القرآن صفة الوجود الموضوعي ليصبح نسبيا تابعا لما يسمونه "القراءة" لا بد من إزالة السياج الحامي الذي يحفظ القرآن من أن يصبح عرضة لأي قارئ مؤول وهذا السياج هو:

بيان الرسول وفهم الصحابة لبيان الرسول.

هذا مشروع القرآني الزنديق الذي لا يوافق عليه أي عقل ولا أي نقل في الدنيا:

1- بيان الرسول مقدم على أي بيان آخر، وهاهنا إجماع مطلق سواء أكان المرء مؤمنا أم كافرا ، فالكافر بالرسالة - الذي يعتقد أن القرآن مفترى وأنه كلام النبي وليس كلام الله- لا بد أن يرى أن تفسير صاحب الكلام هو التفسير، ولا يوجد عاقل يقول إنه يفهم كلام المتكلم أفضل من المتكلم نفسه! فإذا قال المتكلم أردت بكلامي هذا المعنى فقد رفعت الأقلام .

2- وفهم الصحابة لبيان الرسول هو الفهم ، ولا بد أن يكون إجماع على هذه القاعدة عقلا ونقلا أيضا.

ليس الأمر تقديسا للصحابة - كما يتهمنا الزنادقة والمبتدعة - وإنما هو أمرلازم عقلا- فضلا عن النقل- ، ففهم أي كلام يتوقف على القرائن: لذا ففهم من توفرت عنده القرائن الكثيرة مقدم على فهم من كانت قرائنه منعدمة أو قليلة...ولتوضيح هذه النكتة نضرب مثالا أو مثالين:

هب شخصا وجد رقعة مكتوبا فيها :

"صليتم"

الجملة واضحة فالمتكلم يخبر المخاطبين أنهم صلوا...لكن معترضا قد يقول لم لا تكون الجملة إنشائية والمتكلم يستفهم ولا يخبر!

من المستحيل الفصل في الاختلاف بين الطرفين إلا أن يكون المرء قد حضر في مجلس من قال" صليتم " وعلم من نبرة صوته إن كان مخبرا أو مستفهما...والعلم بالنبرة قرينة غائبة عن الجميع إلا من حضر في المجلس، والعلم بها فصل في مراد المتكلم.

مثال آخر:

قال قائل : "فلان طويل القامة"

الخبر واضح في وصف رجل بطول القامة ، لكن الذي حضر المجلس قد يقول بل هو قصير القامة ! وأن الكلام على الاستهزاء بقرينة ملامح وجه المتكلم وبسمته الساخرة والإشارة المرافقة لكلامه فقد قرب المسافة بين الإبهام والخنصر في إشارة إلى قصر القامة!

محال أن يفهم مراد صاحب العبارة الفهم الصحيح إن غابت القرائن..

ونحن نقول الصحابة حضروا مجالس الرسول وسمعوا كلامه ورأوا ملامحه وهو يتكلم وانتبهوا إلى نبرات صوته وإلى التنغيم العارض على الكلام (رأينا أن أداة الاستفهام قد تحذف من صدر الجملة وينوب عنها التنغيم) فضلا عن تمكنهم السليقي من لغة الرسول وعن معايشتهم للظرف والنازلة التي هي موضوع كلام الرسول...

كل هذه القرائن التي اطلع عليها الصحابي تجعل منه أفضل فاهم لكلام الرسول...ففهمه مقدم على فهم غيره بمراحل.
 
إذا ألغي بيان الرسول واستبعد فهم الصحابة لبيان الرسول أمسى القرآن هو ما يفهمه القاريء فقط ، فيكون لكل واحد من الناس قرآنه ولن يكون وجود لقرآن مستقل عن الأفهام ولن يكون هناك حكم أو مرجع عند الاختلاف، واللغة وحدها هنا غير كافية فهي حمالة أوجه :

الجد والهزل

الحقيقة والمجاز

الظاهر والباطن

الاشتراك اللفظي والمعنوي

الاتساع في الوجوه

فلكل أن يختار الجهة التي ينظرمنها إلى الكلمة أو العبارة باختصار لكل هواه في الفهم....فلن يكون" تفسير" ولا" تدبر" إنما هي "القراءة" فقط (لا نعني بالقراءة الترتيل، ولكن الفهم الذاتي للنص- أو ما يقوم مقام النص- فيقال : القراءة السياسية للحدث، والقراءة النفسية للقصيدة ، والقراءة الأسطورية للقرآن -على اصطلاح الهالك أركون- وغيرها)

ومع مفهوم القراءة تكتمل أثافي التخريب الثلاث:

السفسطة – النسبية – القراءة.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
وأذكر على سبيل الطرفة – أو الدعابة السوداء في الحقيقة – أن مجلسا ضم ثلة من الحداثيين الفرنسيين يتجادلون حول موضوع "الرواية الجديدة" وأبدى أحدهم – جان ريكاردو على ما أذكر- فهمه لإحدى الروايات فاعترض عليه أحد الحاضرين بقوله : إن صاحب الرواية قد قال عكس ما تقول أنت .

قال Jean Ricardou : لا يهم فتلك قراءته الخاصة وهذه قراءتي ، وأي كاتب عندما ينشر كتابه يصبح بعدها مجرد قارئ لا فضل له على غيره من القراء...!!

وهكذا أعلنت القراءة "موت المؤلف " كما أعلن نيتشه قبلهم بقليل "موت الإله " فيصل الغرور البشري إلى درجة - لعل ابليس نفسه لم يكن يتوقعها – أن يقول :لا يوجد إلا أنا وأفكاري!
 
لننزل الآن إلى المستوى الإجرائي وننظر الممارسة العملية للزنديق القرآني:

الصلاة

لا بد للزنديق أن يعترف بأهمية الصلاة في القرآن، وأن في شأنها وعداحسنا ووعيدا شديدا، فكيف نصلي للحصول على الجزاء وتوقي العقاب؟

وقبل أن يتلعثم في مسألة الكيفية نسأله أولا : ما الصلاة...

فإن قال الصلاة هي الدعاء – أو أي معنى آخر- سألناه ما دليلك، فيقول مثلا - ولا بد أن يقول- قال ابن دريد في الجمهرة أو قال ابن منظورفي اللسان ....وهنا تنجلي زندقته كالشمس كيف تلجأ صاغرا إلى لغوي ليعلمك ما الصلاة وتترفع عن الرسول ولا تأبه بتعريفه للصلاة وهو المعصوم الذي بلغك الأمر بالصلاة أصلا !!!

أما الكيفية ( الأقوال والحركات والهيئة والترتيب) فلا يمكن أن يستخلصها من القرآن وحده أبدا...فيقول على سبيل الفرار الصلاة دعاء فقط ، ليس لها أركان أو هيئة مرتبة كل ذلك من اختراع الأمويين والعباسيين!

فنقول للزنديق قال الله في القرآن الذي تنتسب إليه:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء : 43]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة : 6]

فالصلاة – وهي الدعاء عندك- قد شرط لها القرآن شروطا من الطهارة والوضوء والتيمم...فهل يعني هذا أن المسلم عندما يذكر ذنبا ويريد أن يدعو ربه : رب اغفر لي فهل يجب عليه أولا أن يغتسل أو يتيمم إن لم يجد ماء ، هذا إن كان مستلقيا على فراش بيته أما إذا كان على ظهر الدابة في سفر فيكفيه التيمم قبل دعائه "رب اغفر لي"؟!

إن قال الزنديق الصلاة ليست مطلق الدعاء بل هي دعاء مخصوص...سألناه من جديد من الذي خصصها وما هذه الخصوصيات ...

نقول :

لا يكون المسلم مسلما إلا بالصلاة ولا صلاة إلا صلاة الرسول التي نقلها عنه الصحابة...فليقدر الزنديق قدره من الدين!

قال رسول الله : صلوا كما رأيتموني أصلي (رواه البخاري في الصحيح من حديث مالك بن الحويرث)

هذا الحديث له شأن عظيم في تأصيل الدين :

الدين هو القرآن

وبيان الرسول للقرآن

ونقل الصحابة لبيان الرسول للقرآن

قال عليه السلام "صلوا " والخطاب موجه للصحابة بقرينة قوله "كما رأيتموني" فالذين رأوا الرسول هم الصحابة فقط وقد قال أهل العلم في تعريف الصحابي" هو من رأى الرسول وهو مؤمن" ولم يشترطوا الكلام والمجالسة وغيرها...

فمن أقصى الصحابة فقد أقصى الصلاة ،لأننا لا نعلم الصلاة إلا من خلال من رآها ، ولم يرها إلا صحابي!!

الصحابة واسطة في التبليغ والفهم عن رسول الله ،والرسول واسطة في التبليغ والفهم عن رب العالمين ، وإنكار إحدى الواسطتين هدم للدين ،أما القرآني فينكر الواسطتين معا فهو الزنديق بامتياز!
 
عودة
أعلى