زاوية بأقلامهن: (أهمية الصحبة الصالحة في زمننا هذا..)

رقية باقيس

New member
إنضم
29/10/2010
المشاركات
137
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
بسم الله الرحمن الرحيم

(أهمية الصحبة الصالحة في زمننا هذا...)

إننا نعيش اليوم فتنا كثيرة بعضها فوق بعض, لا يعرف لها أول من آخر, ولا ظاهر من باطن, ولا حق من باطل. وعند التأمل في أسبابها ومسبباتها نجد أن للصحبة السيئة دور فيها..
فهذا ولدٌ عاق أو منحرف أخلاقيا و سلوكيا!.. وهذه فتاة تخرج عن إطار التربية التي عُرفت بها أسرتها بين الناس!. وهنا خيانات زوجية تجري في الخفاء!.. وهناك تناحر وتباغض وأحقاد وقطع لأواصر الرحم يجري جهارا نهارا!.. وفي كل مكان تجد الكثير من الخداع والنفاق الاجتماعي الذي لا حدود له.
وكل ذلك له علاقة من قريب أو من بعيد بـالصحبة السيئة ..
وإذا نظرنا إلى الأسرة منبع الصحبة الأول بكل صورها نجد أن الابن نسي الحقوق الواجبة عليه تجاه والديه.. بل ونجد الآباء والأمهات هم أنفسهم تناسوا أو قصروا في الحقوق المطلوبة منهم تجاه أبنائهم..
فالأم التي هي مدرسة الأخلاق الأولى ومنبع الحنان مشغولة عن بيتها وأبنائها. وكنا قبل سنوات ننتقد انشغالها بالجري في الأسواق خلف آخر صيحات الموضة وصرعاتها.. لكنها اليوم أصبحت أكثر انشغالا حين أضافت لما سبق متابعة صويحباتها في كل أشكال التكنولوجيا ( منتديات .. واتس .. فيسبوك .. تويتر..وغيرها)..
وبالطبع فإنها تترك مسئولياتها الأساسية في تربية الأبناء للعاملات والخادمات, وللإعلام بشتى صوره, وكذلك للصحبة السيئة التي يحق لها أن تنشط في بيئة غابت عنها الأم.
فيا ترى أي جيل سيخرج لنا بدون أن يمر على مدرسة الأم؟!!..
وإذا نظرنا إلى الأب الذي هو القائد في هذه الأسرة, وهو ربان سفينتها... نراه يلهث خلف الأسهم والبورصات, وينشغل بجمع الأموال والدولارات. فلا يلتفت لأهل بيته إلا إذا طلبوا منه مالا!!..وحينها يعطي المال بسخاء دون أن يسأل : أين ستُصرف هذه الأموال ولماذا؟! .. ثم ينغمس في أوقات فراغه انغماسا كليا بالسهر أو السفر مع الأصدقاء.
فتأتي النتيجة: ابن مدلل سطحي لا يعرف دينا يردعه عن الحرام ويرشده إلى الحلال.. وفتاة مدللة منعمة لا تستطيع تحمل مسؤولية بيت و لا زوج و لا أبناء.. وأصدقاء سوء ناشطين قد تلقفوا هؤلاء الأبناء فاحتضنوهم.
وقد كان في يوم من الأيام ينحصر خطر هؤلاء الأصدقاء السيئين في تعريف الأبناء على شهوات الجسد وكيفية إشباعها.. لكن اليوم استفحل خطرهم, فأصبح خطرا فكريا يهدم الدين والثوابت والعقائد والقيم بشبهات لا يستطيع الشاب أو الفتاة مقاومتها للضعف المتأصل داخلهما..
وقد كان أصدقاء السوء في السابق أيضا معروفين ومنبوذين من المجتمع بأكمله .. ويمكن العثور عليهم ومحاسبتهم بتكاتف المجتمع ومؤسسات الأمن في الدولة. أما اليوم فقد أضحى هؤلاء الفاسدين مجهولون لا تعرف لهم أسماء ولا صور, فهم أشخاص وهميين ومزيفين تماما مثل أفكارهم التي يحاولون بثها في عقول أفراد المجتمع بأسره..
كما أننا لا نعرف أعمارهم, ولا أعمار من يطلبون الانضمام إليهم ولا ندري أهم رجال أم أشباه رجال, أم نساء أم أشباه نساء.
فإلى متى أيها الكرام سنترك أنفسنا وأبنائنا دون وقفة للتغيير والمراقبة والإصلاح؟؟
أخيرًا
همسة في أذنك يا أخي الكريم ويا أختي الكريمة:
علينا أن نصلح أنفسنا أولاً قبل أن ننتقد هؤلاء الشباب.. علينا أن نكون قدوة صالحة أمامهم.. علينا أن نصل أقاربنا وأرحامنا وعلى رأسهم والدينا فالأقرب والأقرب .. علينا أن نؤدي جميع الحقوق الواجبة علينا.. علينا أن نتعهد جميع من حولنا بالسؤال والعناية والنصيحة والدعاء .. لنطبق قول الحق تبارك وتعالى: {يَأَيُّهَا الذَّيِن ءَامَنُوا قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكم ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْها مَلآئِكةٌ غِلاَظٌ لاَّيَعْصُون الله مآ أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤْمُرونَ} [سورة التحريم:6]
ولنلزم أنفسنا بمتابعة الصالحين المعروفين بصلاح الدين والخلق من العلماء الربانيين والدعاة المجتهدين لأجل أن نتعلم منهم ..كما وصى بذلك الله جل جلاله رسوله الكريم صلوات ربي وسلامه عليه بقوله: { وَاصْبِر نَفْسَكَ ﭓمَعَ الَّذﭕين يَدعُون رَبَّهُم بالغَدوِة والعَشِى يُريدُون وجههُ ولا تعدُ عَيناكَ عَنْهم تُريدُ زِينةَ الحياة الدنيا ولا تُطع من أغفلنا قلبه عن ذِكرنا واتَّبعَ هَوَاه وَكان أَمرُهُ فُرطاً} [سورة الكهف:28]
حفظ الله عُلمائنا وطلبة العلم الذين أفنوا أعمارهم وسخروا أوقاتهم لخدمة دينهم وأمتهم, واستخدموا كل الوسائل المتاحة قديمها وحديثها لتعليم الناس الخير, ولإنقاذ المجتمع من شر الفتن وعلى رأسها (الصحبة السيئة). كما أسأل الله تبارك وتعالى أن يسخر لأبنائنا وفتياتنا صحبة صالحة طيبة تأخذ بأيديهم لكل خير.. وأن يجعلنا قدوة صالحة لهم, لا يناقض قولنا وفعلنا..
آمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
جزاك الله خيراً أختي الكريمة وسلمت يمينك على هذه المشاركة القيمة فقد وضعت يدك على الجرح تماماً. ولعلي أضيف إلى ما تفضلت به من أسباب للمشكلة أن الكل في هذا العصر يريد أن يحصل على كل شيء من مال وقصر منيف وسيارات فارهة وأرصدة في البنوك وكل وسائل التكنولوجيا الحديثة التي تخرج علينا بجديدها كل دقيقة فما عاد عند أحد قناعة بأن الله تعالى خلقنا طبقات اجتماعياً ومادياً وعليماً وفكرياً. رحم الله عصوراً كنا نرى فيها الفقير راضياً عن حاله شاكراً ربه على ما أنعم به عليه وعلى ستره ونرى الغني شاكراً ربه على ما أنعم عليه بالنفقة السرية والجهرية على من يحتاجون ومراعياً حقوق الناس من حوله من أقارب وجيران وعمال وغيرهم وداعماً لمشاريع الخير في مجتمعه بكل طيب نفس لا ليكتب اسمه في الصحف ولا لتجرى معه مقابلة على فضائية.
ربما نحتاج إلى إعادة مفهوم القناعة والرضى بما قسم الله تعالى لكل واحد فينا وإعادة القبول بوجود الطبقية الحميدة في المجتمعات عندها تعود القلوب إلى صفائها وتتوقف النفوس عن الجري وراء سراب اللحاق بحضارة مادية مزيفة هدفها فقط قطع أنفاسنا من الجري قبل مراحل من انتهاء المضمار!
 
جزاك الله خيرا اختي رقية على ماأشرت إليه...
كما أرجو من الاخوات أن يُثروا الموضوع بما يعيننا على حفظ أبنائنا من رفقاء السوء..
فعن نفسي..عجزت عن اختيار أصدقاء صالحين لإبني...للأسف في الصغر تستأثر المدرسة بحق هذا الإختيار..
فكيف لي أن أُبعد ابني عن ولد سيء الخلق يدرس معه في نفس القسم، أو يجلس معه في نفس الطاولة...
الآن..ليس لي معه إلا الحوار والتحذير اللفظي فقط..على امل ان ينفعه ذلك لاحقا...لكن في الواقع المدرسة سلبتني حق
اختيار أصدقاء صالحين لإبني...فأرجو من الأخوات ذوات الخبرة إفادتي..
 
أختي الفاضلة لن يجد إبنك أحرص وأرفق به منك.
فأنتي الأم والصاحب له والرفيق .
أختي قد أشير لك على دروس لشيخ محمد قطب وهي بعنوان سلسلة التربية الإسلامية
أسأل الله أن ينفع بها.
 
سلمت يمينك أختي الكريمة ... ونعم صدقت فالصحبة أمرها ليس بهين.
.. والصحبة الصالحة أو الفاسدة تؤثر علينا نحن الناضجين فكيف بالشباب المراهقين الذين لم تنضج عقولهم ولم ينصب ميزانهم العقلي بعد..
وأنا معك في حث الوالدين مهما كان سن أبنائهم أن يحاولوا أن يأخذوا بأيديهم إلى الصحبة الصالحة بالترغيب تارة والترهيب تارة، وبالحيل والطرق الغير مباشرة، وألا يكتفوا بذلك فقط وإنما يكثفوا الدعاء لأبنائهم بالصلاح في كل مراحل حياتهم بل ومنذ أن كانوا أجنة في الأرحام.
أسأل الله أن يصلحنا ويصلح أزواجها وأبنائنا وجميع أبناء المسلمين ويجعلنا وإياهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
أخيرا جزاك الله خيرا يا أختي الكريمة على مشاركتك الرائعة، وأسأل الله أن ينفع بها.
أرجو ألا تحرمينا من مواضيعك الهادفة هذه بارك الله فيك.
 
أشكر جميع الأخوات اللاتي أثْرت مشاركتهن هذا الموضوع..
وإن كنا نطمح أن يشاركنا الأباء في هذا الموضوع ويدلوا بدلوهم.. ويفيدونا بتجاربهم مع أبنائهم!..
فالأم وإن كانت هي الصاحبة الأولى للإبن والحضن الدافئ الذي يأوي إليه ليجد الحنان والرعاية.. إلا أنه لا يستغني عن الأب الصاحب الدائم والموجه الناصح الذي يكتسب منه الأبناء القوة والحزم وصفات الرجولة بشكل عام !.
وأخيرا.. لا يسعنا إلا أن ندعوا الله أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وأن يجعلنا للمتقين إماما..
 
بارك الله فيك أختي الكريمة (رقية باقيس ) على طرح هذا الموضوع ، وهوبحق موضوع مهم على المربي اليوم أن يكون قريبًا ممن يربيه ويشاركه أفكاره وهمومه لئلا تختطفه الصحبة السيئة ودور الأسرة كبير في تنشئة الأجيال على محبة الرموز واحترامهم ...
لكن تكمن المشكلة اليوم أن التربية غدت في وسط عالم (منفتح) فالمتربي اليوم يسمع من والديه ومن أسرته ومن وسائل الإعلام المختلفة ويكوّن صداقات حقيقيّة وأخرى خيالية عبر شبكة الانترنت والله المستعان ..
وكل هذا يعني مضاعفة الجهود لا الاستسلام للواقع مع الاستعانة بالله تعالى وطلب معونته ...


ن الكل في هذا العصر يريد أن يحصل على كل شيء من مال وقصر منيف وسيارات فارهة وأرصدة في البنوك وكل وسائل التكنولوجيا الحديثة التي تخرج علينا بجديدها كل دقيقة فما عاد عند أحد قناعة بأن الله تعالى خلقنا طبقات اجتماعياً ومادياً وعليماً وفكرياً. رحم الله عصوراً كنا نرى فيها الفقير راضياً عن حاله شاكراً ربه على ما أنعم به عليه وعلى ستره ونرى الغني شاكراً ربه على ما أنعم عليه بالنفقة السرية والجهرية على من يحتاجون ومراعياً حقوق الناس من حوله من أقارب وجيران وعمال وغيرهم وداعماً لمشاريع الخير في مجتمعه بكل طيب نفس لا ليكتب اسمه في الصحف ولا لتجرى معه مقابلة على فضائية.

مااجمل هذا الكلام !
وماأقلّ من يفقهه اليوم .
 
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
وأما مفسدات القلب الخمسة
فهي التي أشار إليها من كثرة الخلطة،
والتمني،
والتعلق بغير الله،
والشبع،
والمنام.
فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب.

المفسد الأول: كثرة المخالطة:

فأما ما تؤثره كثرة الخلطة: فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود، ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما، وضعفا، وحملا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم. فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟
هذا، وكم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية. وهل آفة الناس إلا الناس؟
وهذه الخلطة التي تكون على نوع مودة في الدنيا، وقضاء وطر بعضهم من بعض، تنقلب إذا حقت الحقائق عداوة، ويعض المخلط عليها يديه ندما، كما قال تعالى:
3202alsh3er.gif
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي
3203alsh3er.gif
[الفرقان:27-29] وقال تعالى:
3202alsh3er.gif
الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ
3203alsh3er.gif
[الزخرف:67]، وقال خليله إبراهيم لقومه:
3202alsh3er.gif
إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ
3203alsh3er.gif
[العنكبوت:25]، وهذا شأن كل مشتركين في غرضك يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله، فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ندامة وحزناً وألماً وانقلبت تلك المودة بغضاً ولعنة، وذماً من بعضهم لبعض.

والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة، والأعياد والحج، وتعلم العلم، والجهاد، والنصيحة، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات.
فإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشر، ولم يمكنه اعتزالهم: فالحذر الحذر أن يوافقهم، وليصبر على أذاهم، فإنهم لابد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر. ولكن أذى يعقبه عز ومحبة له، وتعظيم وثناء عليه منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين، وموافقتهم يعقبها ذل وبغض له، ومقت، وذم منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين. فالصبر على أذاهم خير وأحسن عاقبة، وأحمد ما لا.
وان دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه.

المفسد الثاني من مفسدات القلب: ركوبه بحر التمني:

وهو بحر لا ساحل له. وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم، كما قيل: إن المنى رأس أموال المفاليس. فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة، تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وهي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية، ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية، بل اعتاضت عنها بالأماني الذهنية. وكل بحسب حاله: من متمن للقدوة والسلطان، وللضرب في الأرض والتطواف في البلدان، أو للأموال والأثمان، أو للنسوان والمردان، فيمثل المتمني صورة مطلوبة في نفسه وقد فاز بوصولها والتذ بالظفر بها، فبينا هو على هذا الحال، إذ استيقظ فإذا يده والحصير!!
وصاحب الهمة العلية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله، ويدنيه من جواره. فأماني هذا إيمان ونور وحكمة، وأماني أولئك خداع وغرور.
وقد مدح النبي
3204alsh3er.gif
متمني الخير، وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله.

المفسد الثالث من مفسدات القلب: التعلق بغير الله تبارك وتعالى:

وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق.
فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به. وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه. فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل. قال الله تعالى:
3202alsh3er.gif
وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً
3203alsh3er.gif
[مريم:82،81]، وقال تعالى:
3202alsh3er.gif
وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ
3203alsh3er.gif
[يس:75،74].
فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله. فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير الله: كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، أوهن البيوت.
وبالجملة: فأساس الشرك وقاعدته التي بني عليها: التعلق بغير الله. ولصاحبه الذم والخذلان، كما قال تعالى:
3202alsh3er.gif
لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً
3203alsh3er.gif
[الإسراء:22] مذموما لا حامد لك، مخذولا لا ناصر لك. إذ قد يكون بعض الناس مقهوراً محموداً كالذي قهر بباطل، وقد يكون مذموماً منصوراً كالذي قهر وتسلط بباطل، وقد يكون محموداً منصوراً كالذي تمكن وملك بحق. والمشرك المتعلق بغير الله قسمه أردأ الأقسام الأربعة، لا محمود ولا منصور.

المفسد الرابع من مفسدات القلب: الطعام:

والمفسد له من ذلك نوعان:
أحدهما: ما يفسده لعينه وذاته كالمحرمات. وهي نوعان:
محرمات لحق الله: كالميتة والدم، ولحم الخنزير، وذي الناب من السباع والمخلب من الطير.
ومحرمات لحق العباد: كالمسروق والمغصوب والمنهوب، وما أخذ بغير رضا صاحبه، إما قهرا وإما حياء وتذمما.
والثاني: ما يفسده بقدره وتعدي حده، كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط، فإنه يثقله عن الطاعات، ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة ومحاولتها حتى يظفر بها، فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصرفها ووقاية ضررها، والتأذي بثقلها، وقوى عليه مواد الشهوة، وطرق مجاري الشيطان ووسعها، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم. فالصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع يطرقها ويوسعها. ومن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا. وفي الحديث المشهور: { ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه } [رواه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه ا لألبا ني].

المفسد الخامس: كثرة النوم:

فإنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. ومنه المكروه جدا، ومنه الضار غير
النافع للبدن. وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه. وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه، وكثر ضرره، ولاسيما نوم العصر. والنوم أول النهار إلا لسهران.
ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس؟ فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول ا لأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة. ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه علي حكم تلك الحصة. فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر.
بالجملة فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثماني ساعات. وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه.
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل، عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء. وكان رسول الله
3204alsh3er.gif
يكرهه. فهو مكروه شرعا وطبعا. والله المستعان.
 
عودة
أعلى