رفقا بالقوارير

إنضم
24/03/2012
المشاركات
36
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
العمر
43
الإقامة
فرنسا
قول الرسول صلى الله عليه و سلم : " رفقا بالقوارير " انها كلمة لو اردنا تصوير المرأة بما تحمل من رقة الانوثة و جمال الانسانية و عذوبة الروح و تألق النفس بكلمة واحدة لما وجدنا خيرا من هذه الكلمة النبوية المعجزة , فانك مهما قلبت فيها وجوه الرأي وجدت لها جمالا خاصا و عذوبة ماتعة و سرا بديعا لا يزال ينفسح على معنى إلى معنى .. فمادة الرفق في اللغة تضمر المعاني التالية : اللطف , اللين , السهولة , الاستعانة , التمهل و الأناة , قال الإمام الفارسي في معجم مقاييس اللغة : الراء والفاء والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على موافقةٍ ومقاربةٍ بلا عُنْف , فتأمل - يا هداك الله - هذا المعنى اللغوي ثم ضعه في جهاته النفسية كلها فلا تلبث ان تحس بروعة الإعجاز النبوي فقط في هذه المفردة : الرفق , و لو ذهبنا لنختصر معاني هذه المفردة العجيبة و دلالاتها النفسية لقلنا : يجب عليك أيها الزوج أن تعامل زوجتك بما يوافق معاني الأنوثة فيها و يقارب روعة الجمال الإنساني فيها , و ليس يتحقق لك هذا و لا تستشعره الزوجة منك إلا إن مزجت هذه المعاني المتدفقة بالجمال الساحر و العذوبة اللذيذة في الكلمة , في النظرة , في اللمسة , في الحركة , في الموقف , حتى في العتاب الجميل , و ما استعمال النبي صلى الله عليه و سلم هذه الكلمة بهذه الصيغة : رفقا , و هي صيغة تأكيد إلا دلالة على ما قلت لك فكأن التقدير فيها : أيها الزوج احرص على الرفق بزوجتك بل بالغ في الرفق بها و الليونة معها و الموافقة لها و المقاربة بها إلى ما تعشقه بحس أنوثتها و صفاء إنسانيتها ..
أما كلمة " قوارير " فتلك الكلمة الفارعة و التشبيه البديع الموحي بجمال و عمق نظرة النبي صلى الله عليه و سلم لهذا الجنس اللطيف : المرأة .. و ما عليك لتفهم هذا المعنى إلا أن تطلق العِنان لخيالك لينطلق - و هو يتملى أسرار هذا التشبيه المدهش - إلى فضاءات راقية جدا لا تزال تتدفق بالرقة و الحنان و تفيض بالعذوبة و الجمال , فمعلوم أن القارورة تتخذ من الزجاج و من ثَم فهي سهلة الكسر , و بالتالي يكون القاسم المشترك بين القارورة و المرأة هو سهولة كسرها , و ما كسر المرأة إلا الكلمة الجارحة , الموقف المؤلم , بل ما كسر المرأة في حكم الحقيقة إلا إهمال تفتيق معاني الأنوثة فيها و إلا عدم تحسيسها بقيمتها الجميلة في حس زوجها و إلا عدم تنبيهها إلى روعة إنسانيتها الجميلة .. بل انظر لقاسم اخر و هو ان الزجاج معلوم ان ادنى شئ ممكن ان يشوه صفاءه و رقته , فكذلك الزوجة بحكم رقة الأنوثة فيها و طبيعة تركبيتها الإنسانية التي تتسم بالضعف في كل شئ - الضعف الذي يعتبر أقوى من قوة الرجل - فإن ادنى شئ يمكن ان يشوه جمالها و يكسر انسانيتها .. بل انظر لقاسم اخر و هو ان القارورة لا تظهر الا ما ملئت به ما مادة ان جمالا و لذاذة و ان قبحا و مرارة , فكذلك الزوجة مهما ملأها الزوج بشئ من المعاني فاضت به و اظهرته في شتى صور علاقتها مع زوجها .
فانظر و قارن بين هذه الصورة التي رسمها الاعجاز النبوي بكلمتين , و بين تصورات الناس و طبيعة علاقاتهم بزوجاتهم .
 
العلمانية و الجاهلية

العلمانية و الجاهلية

عجبت لمن يرد العلمانية للفكر و التاريخ الأوربي .. فإنا إذا قلنا بان العلمانية هي فصل الدين عن الحياة بمعنى فصل الإنسان عن منهج الله تعالى في الحياة , يتبين لنا بأن العلمانية (و هي في اللسان القرآني تترجم بكلمة : الجاهلية) ليست وليدة الفكر و التاريخ الغربي , بل هي متغلغلة في التاريخ الإنساني الطويل برمته .. إن اللوثة العلمانية أو قل أن شئت اللوثة الجاهلية التي تقول بأن الإنسان يمكن أن يكون منتميا لدين الله تعالى و في نفس الوقت ممكن أن يأخذ نظامه الفكري و العقيدي أو إطاره القيمي و الأخلاقي أو قانونه التشريعي و التنظيمي .. هذه اللوثة أصابت الإنسان قديما كما أصابته حديثا و كما تصيبه كلما ابتعد عن منهج الله تعالى .. اسمع ماذا يقول ربك جل مجده عن قوم شعيب صلى الله عليه و سلم : " قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود : 87] " .. فقوم شعيب استنكروا أن يقول لهم نبيهم بأن دين الله تعالى منهج شامل متكامل للحياة , و انظر للعجب كيف استخدموا كلمة : الصلاة .. للدلالة على أنه يجب فصل الدين الذي حصروه في شعائر تعبدية عن حركة الحياة العامة .. تماما كما يقول العلمانيون اليوم : الدين في المسجد و لا دخل له في السياسة او الاقتصاد او التعليم او التربية او .... .
إن الإنسان ليس أمامه إلا أحد خيارين : إما منهج الله تعالى الذي يعني الإسلام , و إما منهج الأهواء الذي يعني الجاهلية ..
 
حقيقة العبودية

حقيقة العبودية

قول الحق تعالى : " ادخلوا في السلم كافة " تأصيل جديد لمفهوم العبودية كما هو في في ميزان الحقيقة و حكم الفطرة الأولى , و تنبيه لمقصد الإسلام من شتى تعاليمه و أحكامه و سننه و آدابه .. فالحرية في منهج الإسلامي هي أن تكون حرا في افكارك , في اخلاقك , في مشاعرك , في احلامك , في علاقاتك , في اشواقك في إطار هذا المنهج الرباني المبارك باعتبار ان الله هو الذي خلق الإنسان و هو أعلم ضرورة بما خلق و بالتالي تشريعه شرائع : عقيدية و قيمية و سلوكيه تثور في مكامن الفطرة و دفائن العقل المبدع ليتوصل الإنسان بهذا التثوير إلى مستوى الشعور بمعنى انسانيته و قيمة وجوده بين مكونات الكون و الحياة بشتى روابطها و علاقاتها .. و الإنسان حينما يبلغ هذه المرتبة الشاهقة لا جرم أنه يشعر بقوة متدفقة في اعماقه و دافعة له إلى الانطلاق الى هاتيك الآماد العالية و الآفاق السامية .. هنالك حيث الامن و السلام , و حيث الهداية و النور , و حيث الجمال و الجلال .. هنالك حيث يتحقق معنى " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون " .. و مقصد الإسلام هو هذا أن يكون الإنسان إنسانا لانه لن يكون كذلك الا في اطار هذا المفهوم الجديد للعبودية الذي قدمه و فصل معانيه و حقائقه .
 
روعة القرآن

روعة القرآن

لما كان القرآن محتو على علوم الدنيا و الآخرة , و كانت كل آية فيه تنطوي على معارف لا تزال ترتقي بصاحبها سموا و ارتفاعا , يقال لصاحبه في الجنة اقرأ و ارتق حتى آخر آية معه , فالاخرة بجنتها و نارها هي صورة الحقيقة الإنسانية في عالم الدنيا , ففي الدنيا المعاني تابعة للصور المادية و في الاخرة الصور المادية تابعة لمعانيها , كما جاء في الحديث أن المستكبرين يحشرون في صورة الذر أي صغار النمل ... و الله اعلم .
 
عظمة الدين

عظمة الدين

من مكامن العظمة في هذا الدين , أنه مثل النجمة المتألقة في أعماق السماء كيفما نظرت إليها وجدت لها جمالا ساحراً و حسنا آسراً , و لذلك كانت كل طبقات الإنسان " الجاهل و العالم , الذكي و الغبي , العبقري و الساذج " تستطيع التعامل معه بكل يسر و بساطة , لا تجد حرجاً و لا قلقاً , و تستطيع أن تأخذ من معانيه و تتذوق من حقائقه ما يناسب مداركها العقلية وطاقاتها الروحية بلا غموض و لا ألغاز , كما هو الشأن في جميع الأديان و المذاهب و الأفكار التي عرفتها البشرية قديماً و حديثاً .. و لئن كانت النجوم تهدي الإنسان إلى سُبله بمعانيها المادية , فإن هذا الدين يهدي الإنسان إلى سُبله بمعانيه الروحية .. و لئن كانت النجوم تأخذ طاقتها من فطرة الوجود لتعمل فيه عملها , فإن هذا الدين يأخذ طاقته من فطرة الروح ليعمل فيه عملها , و لذلك قال الحق تعالى : " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿30﴾ [الروم] (تأمل معنى ورود هذه الآية بالذات في سورة عنوانها " الروم " ما يشي بأنها لها معاني مقصودة) , و لما أدرك الأنبياء من قبل هذه الحقيقة .. حقيقة أن الدين الإلهي هو حقيقة النفس البشرية في معناها الإلهي المتألق قالوا : " وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) [ابراهيم] , (تأمل لأي معنى وقعت هذه الآية في سورة تحمل عنوانا له دلالته الموحية : " إبراهيم " عليه السلام , ثم تأمل معنى علاقتها بفاتحة السورة و خاتمتها) .. و السبل التي اهتدى إليها الأنبياء و الصالحون بسبب الدين الإلهي تتجلى في ثلاثة نُظم : الأول : نفسي , و ذاك هو الهداية إلى النظام النفسي الذي تنبني عليه القواعد الصحيحة للحياة النفسية المستقيمة من جهة الحقائق العقلية الصادقة و القيم الأخلاقية الفاضلة و لهذا كان أهل السنة و أتباع القرآن أدنى الخلق إلى الحقائق العقلية و المدارك الوجوديّة .. و الثاني : اجتماعي , و ذاك هو الهداية إلى النظام الإجتماعي الذي تنبني عليه القواعد الصحيحة للحياة المستقيمة من جهة طبيعة الإرتباطات مع مكونات الواقع و من جهة كليات التقويم الإجتماعي هدماً و بناءاً (الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر) و لهذا كان المجتمع الإسلامي أدنى المجتمعات إلى معاني الفضيلة .. و الثالث : مصيري , و ذاك هو الهداية إلى النظام المصيري الذي تنبني عليه الحياة الأبدية السعيدة و لهذا كانت هذه الأمة آخر الأمم وجوداً في الدنيا و أولها دخولاً إلى عالم الجنة الأبدي في الآخرة لأن اهتداءهم بسبب هذا الدين الروحاني الفاضل إلى أسباب الخلود الأبدي أقوى و أعظم و أعمق .. إنه التوافق العميق بين كلمات القرآن و حقائق الفطرة البشرية و معاني الأبدية .. فمن أجل ذلك قال الحق تعالى : قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) [الفرقان] .. و الله تعالى أعلم , إنما هو رأي رأيته .
 
المرأة في حس المسلم

المرأة في حس المسلم

عجبت لرجل أهدته زوجته قلبها كيف لا يجهد نفسه في الحفاظ عليه من أدنى شئ يمكن أن يؤذيه و يشوه جمال الأنوثة فيه , و قد علم أن أجمل ما في معنى المرأة قلبها !!. و قد عَلِم أن محبة قلب لقلب و تأليف روح مع روح أشد شئ في مجتمع الانسان و أعسره !!. و هذا القرآن يقر بهذه الحقيقة : " لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " [الأنفال : 63] . و ليس يحافظ على قلب الزوجة إلا رجل قد قاربت روحه من حد الكمال الإنساني : فكراً و شعوراً و سلوكاً , و لهذا جاء عن الإنسان الكامل صلى الله عليه و سلم : " خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي " .. و ليت شعري هل الخيرية تترجم في معناها النفسي إلا بالنفع المتدفق بالصدق و الجمال لهذه الزوجة بما تقتضيه معاني الأنوثة فيها و ما تستوجبه حقائق الدين ؟! و في تصوري أن تقرير هذا المعيار للخيرية من قِبل الرسول صلى الله عليه و سلم يرتد إلى معنيين تشتمل عليهما المرأة : معنى الضعف و معنى الجمال .. فلستَ تجد كائناً قد شملته معاني الضعف في الحقيقة الإنسانية ما تجده في المرأة , فهي ضعيفة في كل شئ فيها , ضعفاً لا يزال يرق و يدق و يرهف في بعض النساء حتى يكون أقوى و أقوى و أقوى ثلاث مرات من قوة الرجل ذي اللب الحكيم .. و لستَ تجد معنى من معاني الحياة قد تشخصت فيها الحياة بجمالها و سحرها و عذوبتها و تألقها ما تجده في المرأة , جمالا لا يزال يسمو و يتفتق و يتسع في بعض النساء حتى يكون أعذب و ألذ و أعمق ثلاث مرات من جمال الرجل الفاضل .. و إنما ارتد هذا المعيار للخيرية في الحكم النبوي - من وجهة نظري الشخصية - لأن الرجل الفاضل لا يزال يبتغي الإرتقاء إلى هاتيك المعانية المتغلغلة في حقائق الجمال الوجودي , فكلما بلغ منزلة من منازلها السامية , انعكست أنوارها على معاني كينونته الذاتية : فكراً و شعوراً و سلوكاً , و لما كان الجمال سمته الكبرى هي الرفق و اللطف و البراءة و كانت المرأة هي صورة الضعف في الوجود الإنساني , لا جرم أن جُعل معيار هذا الجمال في الرجل هو حسن رحمته للمرأة و لطفه بها و رفقه بمعاني الأنوثة فيها , و لهذا كان الإنسان المسلم مهما اهتدى إلى معاني الإسلام الفاضلة في أعماقه و انصبغت بها شخصيته النفسيّة , كان أدنى الخلق إلى حسن معاملة المرأة و الحرص على حقائق الإنسانية فيها و السعي لتفتيق معاني الأنوثة فيها .. و لما كان الأمر على نحو هذه الشاكلة ورد التنبيه عن خير البرية صلى الله عليه و سلم : " لا يكون لأحد ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فيتقي الله فيهن و يحسن إليهن إلا دخل الجنة " و قد جُعل الأمر هكذا , لأن أسباب دخول الجنة تعني فيما تعني أن لها دخل عظيم في تنبيه معاني الإنسانية في الإنسان و هدايته إلى نظامه النفسي و الإجتماعي المبني على قواعد صحيحة لا تضل و لا تنحرف .. و الله أعلم .
 
سر العقل الإنساني و دلالته على وجود الله

سر العقل الإنساني و دلالته على وجود الله

عجبت للملاحدة البؤساء حين زعموا أن العقل يحيل وجود الله تعالى و من ثم راحوا يعيبون على الدين الإلهي قوله بأنه حقائق هذا الدين إنما تأخذ معانيها من حقائق العقل البشري نفسه !! فكأنهم جهلوا أن العقل نفسه يحيل اعتقادهم و يرد مقالهم . و ذلك أن للعقل سمتين كبريين : الأولى هي النقص و العجز في مداركه و معارفه , و هذه ليس يمكنهم الجدال حولها , فكل إنسان يدرك هذه الحقيقة من ذات نفسه , عالما أم جاهلا , ذكيا أم غبيا . و الثانية هي الرغبة في تحصيل الكمال فيهما , و هذه أيضا ليس يمكن دحضها لأنهم يقرون بأنه لو لا رغبة الإنسان الفطرية في تحصيل الكمال الممكن لما استمرت مسيرة الحياة و لا تراكمت العلوم و تقدمت البشرية خطوة واحدة .. و السمة الأولى تبرهن للعقل أنه حقيقة لها حدود معلومة و مساحات للحركة مرسومة لا تستطيع التفلت من قبضتها و لا تجاوز مساراتها , و هذا برهان المخلوقية لديه .. و السمة الثانية تبرهن له ضرورة معنى الكمال وجوداً و آية ذلك هو سعيه الحميم و شوقه العارم لتحصيل الكمال و هو يتفاعل مع معطيات الواقع من حوله و هو ما يؤكد لديه وجود كائن يتسم بالكمال المطلق أبدع العقل و الوجود على نمط هذه الشاكلة العجيبة , و هذا برهان الخالقية لديه .. و بهذا صار العقل نفسه يقر بأنه مخلوق و بوجود الخالق .. ثم هاهنا تنبيه اخر .. لما كان الخالق العظيم لا يخلق - سبحانه - شيئا عبثا ضرب للعقل الإنساني أجلا مسمى ليصير إلى عالم آخر غير عالم الحدود و الفناء تتاح له فيه الفرصة لتثوير مداركه الشخصية و دفائنه المكنونة ليستمر في عملية الارتقاء الى الكمال المنشود مهما امتدت الابدية في سيرها الخالد , و ذلك ان العقل في عالم الدنيا يتعامل و يتفاعل مع معطيات هذا العالم بمستوى معين يناسب طبيعته المادية , فإذا صار في عالم الآخرة الخالد تعامل و تفاعل مع معطيات هذا العالم الابدي بمستوى ارقى و اعلى يناسب طبيعته الروحانية المشرقة و بذلك لا يزال العقل الإنساني في الجنة يترقى في مراقي الإدراك و الكشف الجديد أبدا .. و ما اختلاف المستويين الا من جهة ان طبيعة المدركات الوجودية هي المنبهة و المثيرة لدفائن الروح المكنونة , فلما كان عالم الدنيا محدودا بمعطياته الفانية و بالتالي لم تستطع تثوير دفائن العقل البشري كلها , و لهذا قالوا بأنه الإنسان حتى و هو في قمة العبقرية و الإبداع لا يستخدم من طاقته العقلية إلا نحو عشرة بالمئة أما الباقي فيظل مكنونا هنالك في الأعماق المجهولة , و لما كان عالم الآخرة مطلقا بمعطياته الخالدة أتيحت لهذا العقل الفائق القدرة و العظيم الطاقة الفرصة لتثوير طاقاته الدفينة بسبب المعطيات الجديدة في عالم الاخرة و لهذا يستطيع التفاعل مع مخلوقات من غير طبيعته ( الملائكة عليهم السلام ) بل و يستطيع سماع الكلام الإلهي الفائق بل و رؤية الذات الإلهية المتسامية , و بهذا تدرك خطأ اعتقاد بعض الناس بأن الإنسان إذا صار إلى الآخرة توقفت لديه الرغبة في اكتساب المزيد من العلوم و المعارف و صار في حالة جمود ابدي ظنا منهم ان العقل انما خلق للتفاعل مع معطيات الواقع المادي الدنيوي فقط لأجل القيام بمهمته في الحياة .. عبادة الله ..
و الله أعلم .
 
معنى الزواج الجميل

معنى الزواج الجميل

هناك زوجات شتى يعتقدن أن الفوز بزوج فيه الكثير من المواصفات المحبوبة هو نهاية القصة معه و من ثم لا تلتفت لأي معنى آخر في علاقتها بهذا الزوج , خاصة إذا جمعتها مع هذا الزوج " تجربة الحب " قبل الزواج إما في إطار التعارف أو في إطار الخطوبة أو في إطار العقد الشرعي مع وقف التنفيذ . فالحق أقول لك أيتها الزوجة : بعد الزواج فقط تبدأ أولى فصول القصة الطويلة حتى و إن جمعتك بزوجك أحلى قصة حب قبل الزواج .. و التي تعتقد ان الامر توقف بالزواج و انه لا يجب عليها شئ تجاه الزوج الا البديهيات المعروفة : طبخ , غسيل , تنظيف , ترتيب , فراش .. انما رضيت لنفسها ان تكون خادما في بيت رجل لا أكثر , ذلك لأن للزواج معنى آخر و غاية أخرى و ما كل ما ذُكر إلا أعراضا تصاحب الزواج .. الرسول صلى الله عليه و سلم يقول لك شيئا آخر .. اسمعي : " و جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها , و التودد من الدين " , هذه هي مهمة الزوجة مع زوجها .. انه جهاد في ميزان الشريعة و حسنة كبيرة تفعلها الزوجة , و ما حسن التبعل و جمال التودد للزوج الا اشعار الزوج انه زوج بكل ما تضمر هذه الكلمة من جمال و عمق , و حب و حنان , و تضحية و عطاء .. انه جهاد لان المرأة و هي تتفاعل مع زوجها و تتودد إليه بمختلف مسالك التودد انما ترنو بمشاعرها الى الله , الى رضاه , الى الجنة .. انه جهاد لان المرأة تعتبر في حكم الحقيقة قوة الرجل من ضعفه و ثباته من عجزه و شعوره من قلبه و تأخذ بيده لترتقي به نحو عوالم أخرى كلها : حب و حنان و أمن و سلام و سكينة و جمال .. انه جهاد لان المرأة تقف ـ لا أقول كما يقولون خلف زوجها بل ـ مع زوجها و هو يواجه ملابسات الحياة و ضغوط الواقع فتكون له ظلالا وارفة من لهيب المشاكل و العراقيل في واقع معقد مرهق , و تكون له سكينة هادئة من قلق صاخب و اضطراب مزعج , و تكون له لذة ماتعة من لهيب مضطرم في نفسه .. انه جهاد لان المرأة تسعى جاهدة لاعطاء الزوج الابتسامة المشرقة , و النظرة الحانية , و الكلمة الحبيبة , و الحركة الماتعة , و الموقف الموحي .. انه جهاد في أعماق النفس فأعظم به من جهاد .. عندما تتزوجين القصة لا تنتهي بالحري انها تبدأ حتى و لو جمعتك مع زوجك اسمى علاقة حب و اعمق وشيجة تعارف قبل الزواج .. فخذي حذرك , فان الناس كثيرا ما يعجبون ما بال فلان و فلانة بعد حب جميل نادت عليهما النفرة و التباغض فكان الشقاق و كان الطلاق او كانت المعاناة الأليمة و البأساء المريرة , و انما مرد هذا عدم قدرة الزوجة أو الزوج أو كليهما على مواصلة العطاء للطرف الثاني فنضب معين الحب و الاعجاب و الشوق و الرغبة فكان لزاما في حكم الطبيعة برودة التفاعل و جفاف المشاعر , و ان شيئا سماه الرسول صلى الله عليه و سلم جهادا لحري بالزوجة - و الزوج معها - ان تبذل جهدها لتستمر علاقتها بهذا الرجل في اسمى معانيها مترعة باحلى امانيها , فليس سهلا الاستمرار مع شخص واحد مدة مديدة لان النفس ملول بطبعها و انما تُكسر حدة هذا الملل في العلاقة الزوجية بمعنيين اثنيين : الاول : طلب رضا الله و ابتغاء رحمته في معاملة الطرف الثاني و بالتالي تكون النتيجة هي غض الطرف عن الزلة سواء في الكلمة الجارحة ام الموقف المشين و عدم الدفع بالزوج الى حضيض الحيوانية جراء كثرة المطالب المادية و ارهاقه بالرغبات .. الثاني : التجديد المستمر في العلاقة معه في كل شئ , فان النفس تعشق الجديد و تنفر من القديم المكرور , و التجديد يكون في الكلام , اللباس , ترتيب البيت , اوضاع علاقة التماهي الجسدي و الروحي ( العلاقة الجنسية ) , لتكون النتيجة ان الزوج يرى زوجته مهما امتدت الحياة و العشرة بينهما كأنها عروس جديدة , و قد نبه ابن عباس رضي الله عنه على هذا المعنى بالقول : اني احب ان اتزين لامراتي كما احب ان تتزين لي .. و النتيجة الحاصلة لكل هذا ان الزوجين لا يزال كل منهما يرغب في الاخر و يشتاق اليه و يحبه و يقدره و هما حينما يصلان هذا المستوى لاجرم ان يبذل كل منهما اقصى ما لديه لاعطاء الطرف الثاني ما يحقق معنى الزواج في نفسه , و بالتالي يكون سببا لتفتيق معاني الانسانية فيه , و ذلك ان الزواج في حس المسلم و المسلمة له غرض معين هو : التعاون على مرضاة الله اي التعاون على استكمال فضائل الانسانية في نفسه , و ليس يستطيع الزوجان هذا التعاون في مستواه الكريم إلا إذا كانت تجمعهما علاقة زوجية رائعة و جميلة , و هو حينما يكون في حس الزوجين المسلمين بهذا الاعتبار لا شك انهما يشعران بمتعة جميلة و حب رائق و توافق عميق و بهذا يبارك الله تعالى هذه العلاقة الرائعة بينهما فلا تزال تنمو و تزهر و تسمو جمالا و روعة و متعة حتى و ان طال العمر معهما ما عساه ان يطول و ما عليك الا ان تتامل قصة اول حب في الاسلام .. قصة الرسول صلى الله عليه و سلم و السيدة عائشة رضي الله عنها و فارق السن بينهما و مع ذلك كان الرسول صلى الله عليه و سلم يعلن مفتخرا ان يحب هذه الانسانية الرائعة و هي كانت تعلن مفتخرة انه تحب هذا الانسان الرائع و ما ذلك الا لان الحب عندما يتغلغل في اعماق صاحبه و يكون موصولا بالله تعالى فإنه يسمو و يتعالى على كل الاعتبارات التي يقيمها الناس بمقاييسهم الصغيرة .. إن الزواج يمكن أن يكون أروع تجربة مترعة بمعاني الجمال و لكن فقط لمن يحسن فنونه .. و لي عودة الى الموضوع ان شاء الله من خلال التأمل في قول الله تعالى الذي وضع به دستور الحياة الزوجية التي يريدها للإنسان المسلم : " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿21﴾ و الله اعلم .
 
سر الحب

سر الحب

 سألت بعض الشعراء عن الحب فقال : هو خمرة الروح اللذيذة .. و سألت بعض الفلاسفة عن الحب فقال : هو توافق روحين في آفاق السماء قبل الأرض .. و سألت بعض العارفين عن الحب فقال : هو سر من أسرار الألوهية لا ينغبي البحث فيه .. و سألت بعض المحبين عن الحب فقال : أوله خطرة عابرة و أوسطه فكرة شاغلة و آخره متعة حالمة .. و سألت نفسي عن الحب فقالت : لو أن الأبدية بجمالها و الروح بعمقها و الحقيقة بسنائها تمثلت في معنى من معاني الحياة التي يدركها العقل , إذن لكان هو : الحب .. و إلا ليت شعري ي ما سر هذا المعنى في كلام الجليل : { وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم : 21] .. و إن شيئاً لم يكتف ربك أن جعله مظنة آيات عظيمة من آياته لحري أن يكون قيمة ذات شأن كبير تستوجب من الإنسان ابتغاء معاني هذه الآية العظيمة و تعلّم فنونها بشتى محاورها و تجلّياتها .
 
بين المؤمن و المتفلسف

بين المؤمن و المتفلسف

عجبت للمؤمن و للمتفلسف .. المؤمن يجعل الله تعالى هو بدايته في الانطلاق نحو آفاق الحقائق في الكون و الحياة و المصير .. و المتفلسف يجعل الله تعالى هو النهاية التي يريد أن ينتهي إليها .. و من ثم ينطلق المؤمن مكتشفا جمال الحقيقة في الوجود و هو ثابت الخطى مطمئن النفس هادئ العقل ثم لا يزال يرتقي و يسمو بمداركه العقلية و الروحية إلى آفاق تكلّ قوى الإنسان و هو مبتوت الصلة بالله عن بلوغ عشر معشارها .. أما المتفلسف فهو ينطلق في البحث عن الحقيقة في عالم مجهول مهول , دهش العقل قلق النفس مضطرب الخطى .
 
من أوهام الخيال

من أوهام الخيال

 من الأخطاء التي يجنح إليها الخيال الحالم , قولهم في صفة الحبيب الصادق : هو من يحبك بلا مقابل .. هذا القول إنما يصدر عن أوهام الخيال و ليس عن حقائق العقل و لذلك فهو مخالف للفطرة و الحقيقة و الواقع ثلاثتها .. و ذلك أنّ كل شئ في الوجود يطلب مقابلاً لما يقدمه لك , حتى الله جل جلاله يطالبك بمقابل لرضاه و للجنة – و هو الغني عنك - و هو الايمان و العمل الصالح .. فما الحب في ماهيته الحقيقة في حالة السواء و الصفاء إلا إعجاب يحدث بين روحين تستشعر كل روح أن الروح الأخرى هي قوتها من ضعفها و كمالها من نقصها و سعادتها من شقائها , و الإنسان عندما يعجب بشئ لا جرم أن يطلب التفاعل معه و التماهي فيه , و التفاعل ما هو إلا تبادل المقابل بين الطرفين المحبين .. فمن أجل ذلك لا تجد حبيباً يحب بصدق و إخلاص إلا و هو يعشق التماهي الكلي مع حبيبه بعد تماهيه روحيّاً معه و لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: { لم ير للمتحابين مثل الزواج } . و لهذا كان من الحكمة البعد عن التعرض للوقوع في الحب مهما لم تكن الملابسات الشخصيّة غير مساعدة على الزواج .
 
تعريف الإنسان

تعريف الإنسان

من العجائب التي دهشت لها في مقالات بعض علمائنا الأقدمين متابعهم الفكر الجاهلي في تعريف الإنسان القائل : الإنسان حيوان ناطق .. أين كانوا من قول الحق تعالى : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }[الحجر : 29] ؟! و هب أن بين الإنسان السامي و بين الحيوان السافل معالم متشابهة , أفيسمح لنا هذا بتعريف الإنسان بأنه حيوان ؟! فما هذا الرأي المتهالك إلا صورة قولنا : الحمار يأكل و الإنسان يأكل إذن الإنسان حمار !!.. أرأيت التفاهة أين تبلغ بالإنسان عندما يتنكب مفاهيم المنهجية القرآنية في الحياة ؟! الفكر الجاهلي " الإغريقي القديم و الأوربي الحديث " ينطلق في تعريف الإنسان من خلال مرجعيته العليا التي تحدد له المفاهيم الكبرى في حياته و من خلال رؤيته لمكونات الوجود و من بينها الإنسان الذي حصره في بُعد واحد هو : الجسم , و هي مرجعية منفصلة كل الإنفصال عن وجود الله تعالى و هذا يعني انفصالها عن تعقل و تفهم حقائق الوجود و الروابط الدقيقة الجامعة لها .. فليت شعري لم تابعهم علماؤنا و مفكرونا في مقالهم هذا و بين أيديهم القرآن الذي يقرر أن الإنسان نفخة من روح الله جل مجده ؟؟؟ .. و حتى الذين ارتقوا قليلاً عن هذا المستوى زعموا بأن الإنسان مفضل على كل الخلق بـ" العقل " .. فمن أين لهم هذا ؟! و الحقائق القرآنية العظيمة تقرر أن الله فضل الانسان على كثير ممن خلق و ليس على كل من خلق هذا أولا : { وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } [الإسراء : 70] . فكلام الله واضح أنه فضله على كثير من المخلوقات و ليس على جميعها .. ثم الإنسان مفضل على كثير من الخلق بمعنى آخر و حقيقة عميقة ترجمها الحق تعالى بقوله : { و نفخت فيه من روحي } .. و ما العقل في حقيقة الكلية إلا صورة واحدة و تجل واحد و طاقة واحدة لتلك الحقيقة الدقيقة , و إلا فالملائكة عليهم السلام لهم عقول , و الجن لهم عقول , و الحيوان لهم عقول , و إن كان كل طائفة من هؤلاء لهم مستوى من العقل يختلف عن المستوى الذي يمتع به الآخر .. إن التعريف القرآني للإنسان بأنه نفخة إلهية متعالية تتيح للإنسان نفسه مقدرة هائلة جدا على تفهم معاني الحقيقة في الأنفس و الآفاق و التعامل مع معطيات الكون و الحياة و التاريخ كما ترزقه مقدرة دقيقة على ممارسة التقويم للأشخاص و الأشياء و الأحداث , و هذا ييسر له تحسس هاتيك الروابط الفائقة التي تربط بين مظاهر الحياة و بواطنها و تفتح له آفاقا لا تزال تنفرج سعة و سموا و جمالا مهما أدرك معاني حقيقة أنه نفخة إلهية .
 
نعمة القرآن

نعمة القرآن

عندما أقرأ في المذاهب الفلسفية و الفكرية القديمة و الحديثة , و أجد التناقض الحاد بينها , الكل يجنح نحو جهة واحدة متطرفة يزعم أنها الحق الصراح و الصدق الذي لا مرية فيه .. عندها أتذكر قول الحق تعالى : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة : 143] " و أتذكر قول الحق تعالى : " إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً [الإسراء : 9] .. و صدق الله العظيم , فهذا المنهج القرآني يعطي للانسان مقدرة تحليلية و رؤية تفسيرية لحقائق الأشياء و معاني الوجود عالية جدا و فائقة جدا و سامية جدا , و ما ذلك إلا أن الإنسان القرآني المتشبع بمعانيه و الممتلئ بحقائقه و المتذوق لجمالياته تنشأ بينه و بين حقائق الحياة روابط دقيقة جدا تمكنه من أن يدرك من أوهام الخيال حقائقه الخالدة و من صور الإعتبارات " العقلية و الإجتماعية " المنحرفة معانيها السامية , و من ثم يرتقي القرآن بالعقل الروحي في الإنسان إلى مستوى الإدراك لهذه الحقائق و معاني الفضيلة , فهذا القرآن- كما أقول دائما - هو مرآة الحقيقة في تجليها الرباعي : الإلهي , و الإنساني , و الكوني , و الأبدي فلا عجب أن يكون الإنسان القرآني من أدنى الخلق إلى تعقل معاني الحقائق في الكون و الحياة و الإنسان و المصير, و لذلك كانت سمته الرئيسية هي : الوسط بلا افراط و لا تفريط , و الاستقامة بلا تعسف و لا اعوجاج .. فالحمد لله الذين جعلنا من أهل القرآن ..
 
عبقرية صحيح البخاري

عبقرية صحيح البخاري

من العجائب التي أثارتني في صحيح البخاري رضي الله عنه هو نظام ترتيبه .. و آيته الكبرى هو ابتداؤه بحديث النيات ثم كتاب الوحي ثم الإيمان ثم العلم و هذه حقائق - مهما قلبت وجوه الرأي فيها و وضعتها تحت مجهر الحقيقة - وجدتها يأخذ بعضها برقاب بعض و ينتج بعضها بعضا كالحقيقة الحسابية في فن الرياضيات , ثم ختمه بكتاب التوحيد .. و بين هذه و هذا تعاليم الإسلام في القيم و الأخلاق و التشريع و العلاقات المختلفة , فكأنه رضي الله عنه يريد أن يقول لنا أن غاية المؤمن في الحياة هي توحيد الله تعالى و معرفته و هذا ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿56﴾ } أي ليعرفون .. إنها المعرفة و إنه التوحيد الذي لا يلبث و قد أشرقت أنواره في قلب الإنسان و تعمقت معانيه في أبعاد عاقلته حتى تجده قد نشأ نشأة أخرى لها حقيقة خاصة و سمة خاصة و مذاق خاص , فلا تجمعه بتلك " النسخ " البشرية التائهة الشرود إلا جامعة واحدة هي الإنسانية , بيد أنها لا تزال تتفتق في أعماقه معانيها فتسمو به و ترتقي , و لا تزال تخبو شعلتها في قلوب تلك فتسفل و تنحط و ترتكس .. و قصة البخاري رضي الله عنه في عبقرية هذا النظام المتفرد في صحيحه تدور حول معنى واحد و تجري مجرى حقيقة واحدة و هي : أنك لن تصل إلى عمق التوحيد و لن تستطيع التلبس بمعانيه الدقيقة و أنت تخوض حركة الحياة و تعاني ملابسات الواقع : أفكارا و سلوكيات و أحداثاً و ارتباطات إلا بالتزام مقتضيات هذا التوحيد و تلك المعرفة المتعالية في شتى تجليات الحياة و مظاهر الإجتماع , فالعمل يزيد العلم نورا و جمالا و يزيد حقيقة التوحيد في العقل و الضمير رسوخا و تثبيتا , لتكون النتيجة العظيمة لكل هذا , أن هذا الإنسان يعيش في الأرض بقلب معلق بالسماء و من ثم يتسامى على أوهام مواضعات الناس فيدرك من جمال الحقيقة ما تكل دونه عقول الجاهليين و إن كانوا في ميزان الأرض عباقرة جهابذة .. و تلك هي معجزة الإسلام في إعادة صياغة الروح الإنساني .
 
السلام عليكم
إذن ..ماهو الانسان ؟!
أحيوان له عقل ، أم شيطان له جسد ، أم ملاك له جسم ؟!!
أم هو كل هذا ؟
يبدو لى أنه كل هذا فهو له تركيب مادى كالحيوان بنفس المواصفات .. وله الروح من النور كما الملائكة وفيه من طاقة النار التى فى الشيطان
ولذلك هو أعقد مخلوق ... وآخر المخلوقات ظهورا فى الوجود على ما نعلم
 
بل هو بشر مكلف , تشترك الحيوانات مع الإنسان في كل شيء , في العقل والنطق , ولكن بنسب متفاوته , ويمتاز الأنسان عليهم بالتكليف , التكليف وفقط .
 
بل هو بشر مكلف , تشترك الحيوانات مع الإنسان في كل شيء , في العقل والنطق , ولكن بنسب متفاوته , ويمتاز الأنسان عليهم بالتكليف , التكليف وفقط .
يظن البعض أن الادراك والوعى هى العقل
الادراك والوعى والشعور ، و... من وظائف المخ ، أما العقل والفقه والفكر والتصور من وظائف القلب
المخ يقوم بالابصار والسمع- الادراك - كدارة عصبية مغلقة
القلب يحتاج المخ ليظهر من خلاله العقل والفكر
الحيوان -يقينا - ليس له عقل
الحيوان له صوت .. قد نسميه نطق أو قول ، ولكنه يقينا لايتكلم
...
إن فى الانسان ملكات جعلته أهلا للتكليف
ثم إن الجن مًكلف ... فبماذا فرق عن الملائكة؟ ، أنجيب .. التكليف فقط !!
 
بالنسبة للاخ سعيد : ما هو الانسان ؟ الانسان هو نفخة الهية في قبضة ترابية و كفى .. و هذه الكلمة " نفخة الهية " تضمر معاني شتى قد نترجمها بما شئنا من التصويرات و لكن يبقى الفرق بينها و بين باقي التعريفات الجاهلية هو الفرق بين ايحاءاتها و ايحاءات تلك التعريفات .. نعم هو مخلوق معقد و له بنية عجيبة فلهذا قلنا ان اصدق تعريف له هو التعريف القرآني حتى و ان استصحبنا بعد ذلك القول : ان فيه بعض مواصفات الحيوان و سمات الشيطان و معاني الملائكة عليهم السلام .
و للاخ نجاح , لاتنس ان هناك مخلوقات اخرى مكلفة هي الجن بدليل قول الله تعالى : وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون و هناك ايات اخرى
و قولك : الادراك والوعى والشعور .... الخ . هذا في تصوري خطأ , لان المخ ما هو الا جسم مادي تتم فيه عمليات معقدة جدا جراء تفاعلات الروح البشري او قل العقل البشري
 
مأساة الحداثة

مأساة الحداثة

أنهيت قراءة مقال مطول عن " الحداثة " لبعض الحداثيّين الأقزام من بني جلدتنا, فرجعت بثلاث نتائج : الأولى : الحداثة سعي محموم لإعتلاء عرش الألوهيّة , أي إعلان موت الإله و قيام الإنسان بنفسه لأنه إله نفسه و هذه هي قصة كل الجاهليات التي خلت في التاريخ قديما و حديثا و إن تلبست أحيانا في لبوس الفكر و مذهب الفلسفة , حتى أحمق ألمانيا و فيلسوفها الكبير نيتشه أعلن هذا بصراحة في كتاب " هكذا تكلم زرادشت " .. الثانيّة : الحداثة مفهوم شامل متكامل يحاول إعادة صياغة مفاهيم الوجود الكبرى " مفهوم الإنسان , مفهوم المعرفة , مفهوم التاريخ , مفهوم الإجتماع , مفهوم الحضارة .. " إلى غير ذلك من المفاهيم المتحكمة في نشاط الإنسان في عالم الواقع و المحددة لمنهجه في الحياة انطلاقا من مرجعية أحادية البُعد أي تنظر من خلال منظار البُعد المادي للإنسان و الوجود و حركة التاريخ و كل شئ , و هي لذلك منفصلة عن الله تعالى , و هذه حقيقة أي عقيدة أو فكرة جاءت لتغير في مجرى حياة الإنسان و نظامه النفسي و الإجتماعي حتى و إن زعمت الإهتمام بمحور معين من محاور الوجود الإنساني مثل الراسمالية و الإشتراكية و العلمانية و الحداثة ... و هلم جرا , ذلك لأن الشخصية الإنسانية و هي تتفاعل في الواقع الإجتماعي بشتى تجليات هذا التفاعل فإنها تتحرك فيه بكل مكوناتها : العقيدية و التصورية , القيمية و الأخلاقية , السلوكية و العملية , التنظيمية و القانونية و إن كان اساس كل هذا هو طبيعة العقيدة و طبيعة التصور لمكونات الوجود و مواقعها في هندسته الكبرى .. الثالثة : الحداثة هروب نحو العدميّة المطلقة , و الفوضى الشاملة , و المجهول الرعيب , و لا عجب فتلك هي قصة الإنسان عندما ينفصل و يعلن التخلي بل الهروب عن مصدر وجوده " الله " فالإنسان عالم مجهول يعيش في عالم مجهول و بحكم طبيعته النفسية لابد له من سند يسنده و هو يواجه هذا المجهول , فإذا لم يجد أو أخطأه وجده الخوف و القلق لتكون حركته بعدُ في المجتمع فوضىو اضطراب , انها ضرورة حتمية و قضاء واجب .. ثم قلت : الحمد لله حمداً كثيراً أن أنعم عليّ بنعمة القرآن الكريم و جعلني من عباده المسلمين , فأعاذني بذلك من ويلات الحداثة ..
 
فلسفة التعدد الزواجي

فلسفة التعدد الزواجي

تعدد الزوجات من المواضيع التي تدخل في باب السهل الممتنع , من جهة المرأة التي تثور ثائرتها منه فلا يبقى فيها معنى على أصله , و من جهة الرجل الذي يجد اريحية في الخوض فيه حتى لا يبقى فيه معنى الا اهتز طربا .
على أن الملفت للنظر أن كثيرا ممن يخوضون في هذا الموضوع لا يعطونه حقه من جهة النظر العقلي و مقتضاه الطبيعي بل من جهة حكم الوهم و جموح الخيال . و لذلك لا تزال الصراعات بين مؤيد و معارض قائمة .
و نحن سنخوض فيه و نلخص جملة الرأي في نقاط معدودة :
1/ فلسفة الزواج :
يبدو أنه للخوض في هذا الموضوع ينبغي تحديد معنى الزواج و مهمته في حياة الإنسان و المجتمع , فهذا حري أن ييسر لنا حسن الفهم للتعدد الزواجي و آثاره النفسية و الإجتماعية .
بصورة مختصرة .. فالزواج و معناه في نظام النفس و الإجتماع وُضع ليستكمل كل طرف فيه ( الرجل و المرأة ) حقيقته النفسية و الإجتماعية عبر تفتيح معاني الإنسانية الكريمة فيه و من ثم الشعور بقيمته الإنسانية و دوره في بناء الحياة الفاضلة .. استكمال الشخصية عبر تثوير دفائنها في فلسفة الزواج هو ما أشار اليه القرآن الكريم بقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿21﴾ } [الروم] ( تأمل معنى ورود هذه الآية بالذات في سورة الروم ) . كما ألمح إليه الرسول صلى الله عليه و سلم حين اعتبر الزواج نصف الدين , فما الدين في أمده السامي إلا مادة النفس الخصبة لاستكمال فضائلها النفسية و السمو بمعانيها الإنسانية .
2/ تفاوت نِسب المواليد :
إذا اضفنا إلى هذه الحقيقة .. حقيقة فلسفة الزواج في معناه النفسي و الإجتماعي .. حدوث اختلال في ميزان المواليد و نسبها في المجتمع , بحيث قد ترتفع نسبة أحد الجنسين و تنخفض الاخرى إما بسبب قضاء الهي مجرد كما قال تعالى : { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴿49﴾ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴿50﴾ } [الشورى] و الأمر في هذا القضاء الإلهي ليس جزافا - سبحانه - بل ينبثق عن حكمة بالغة و لذلك قرن في الاية بين خلق الوجود و القدرة على خلق ما يشاء .. هذا الامر الالهي كما هو خاص بالافراد قد ينسحب على المجتمعات و الأزمان , فقد يقضي الله مثلا ان الأمة الفلانية او في بعض الأزمنة تكون نسبة أحد الطرفين اكثر من الثاني .
و إما بسبب الحروب و ما يستتبعها من الرق و بالتالي ارتفاع نسبة الاناث على نسبة الذكور .
3/ لكل قاعدة حالة شاذة :
فلسفة الزواج من جهة و حدوث اختلال في نسب المواليد من جهة اخرى يحتمان علينا البحث في حلول مثلى تحقق على الأقل أدنى ما هو مقصود في الحكمة الالهية من وجود الرجل و المرأة و هو استمرار النسل البشري في الارض من جهة و استكمال فضائل الانسانية و تنمية الشخصية الكريمة فيهما من جهة اخرى , و بالتالي لو رغبنا في تحقيق هذا المعنى .. استمرارية النسل و استكمال النفس .. بالاقتصار على الاصل الطبيعي في الزواج و هو امرأة لكل رجل و رجل لكل امرأة حسب قانون الزوجية الثنائي الذي يحكم الكون و الحياة , لما وجدنا إلى تحصيل هذه الرغبة و اعطاء الذكور في الرجل و الأنوثة في المرأة حقهما الطبيعي و بالتالي عدم استكمال معنى الإنسانية فيهما معا . و لا شك أن هذا مناقض لمعاني الحكمة و منطق العقل الفطري السليم .
نحن اذن اما خيارات معقدة , و لا عجب , ففي تفاعلات الحياة و تناقضاتها تحدث الإختلالات في شتى المعاني النفسية و الإجتماعية , فتنبثق جملة من الحالات تكون شاذة عن القاعدة الأصل في جهة من جهات المعاني النفسية و الإجتماعية , و من ثم يلزم ايجاد حلول مناسبة لمثل هذه الحالات العارضة و المعقدة حتى تستمر الحياة في مجرى قواعدها الصحيحة و سبيل معانيها الفاضلة .
4/ خيارات الحفاظ على مقصد وجود الرجل و المرأة :
الحلول التي يجب بحثها لابد – كما قلنا – أن توفر لنا و تحقق أدنى معاني الحكمة الإلهية في الوجود و هي :
• الاول : أن نسمح للرجل بجمع أكثر من امرأة حتى لا تهدر طاقات النساء سدى . و هذا هو مقتضى الراي السديد سواء في معناه النفسي أم معناه الإجتماعي . لان هذا الإطار هو الوحيد لتفادي مشكلة اختلال المواليد و بالتالي هو الاطار الكريم الذي يستشعر فيه الطرفان معناهما الانساني و قيمتهما الشخصية و لو مع شئ من النقص خاصة بالنسبة للزوجة , الا ان الامر في معناه الحقيقي يدخل في باب " ما لا يدرك كله لا يترك جله " فحتى في منطق الأنوثة الصرف ما لا يمكن الحصول عليه كاملا لتثوير معاني الأنوثة في المرأة فليس يحسن التخلي عنه جملة واحدة لان الخسارة حينها تكون مضاعفة اضعافا شتى بسبب آثار هذا التخلي على نفسية المرأة بشكل خاص . ذلك لأن المرأة ليس يغتال فيها معناها الإنساني و يشوه فيها جمال الأنوثة ما تغتاله العنوسة و يشوهه الإستمرار في الحياة بدون زوج , فإنك مهما قلبت وجوه النظر في الرجل و المرأة وجدت أن المرأة بحكم فطرتها المتسمة بالضعف في كل شئ , أعظم من الرجل من ناحية الإحساس بمعاني الموت و مشاعر المعاناة جراء العنوسة , لانها في قانون الحكمة الألهية خلقت للرجل : " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا " [الروم:21] و لهذا لا تشعر المرأة بمعناها و قيمتها إلا مع الرجل .
• الثاني : ان نمنع الرجل من هذا الجمع لتواجه المرأة التي لم تحظ بزوج أحد خيارين : إما البقاء عانس مدى عمرها و هذا يعني الحكم عليها بالموت البطئ , و إما أن نسمح لها بأن تكون عشيقة لمن هب و دب من التافهين من الرجال , و هذا حكم عليها بالموت السريع و العنيف لانها و ان كانت قد وجدت رجلا يملء بعض فراغاتها الأنثوية فيها الا انها في حكم قلبها و راي المجتمع تكون مخلوقا مشوها و مادة من مواد الفساد و الهدم في نظامه . فهي منبوذة مدى الحياة .
5/ دواعي التعدد الزواجي :
تسأل بعض الأخوات : ما داعية الرجل في الزواج من امرأة ثانية اذا كانت زوجته توفر له كل ما يريد و تحقق له كل ما يرغب فلا تدع شيئا مما يثور فيه معنى الرجولة و يشعره بحقيقة الأنسانية ألا و سعت اليه و أجهدت نفسها في تحصيله .. فنقول : بنية الرجل سواء النفسية أم الجسمية ليست كبنية المرأة , و هذه حقيقة مشهودة , و لهذا هناك اعتبار واحد يرضخ له الرجل للزواج من ثانية و ثالثة و رابعة و هو المعنى : الجنسي ( و لا نتحدث هنا عمن يريد اعفاف انسانة اخرى من بني عائلته او ما شابه لأجل البر بها و الشفقة عليها ) , فمعلوم ان قوة الرجل الجنسية اقوى من قوة المرأة و بالتالي يكون مستوى الرغبة الجنسية فيه اعظم منه في المرأة , و بالتالي هناك اصناف من الرجال زوجة واحدة لا تشبع جوعتهم الجنسية ( و لا نتحدث هنا عن برودة بعض الزوجات أو جهلهن بفنون الاشباع الجنسي للرجل ) فلا يجدون ضرورة عن البحث عن اخرى و هي : اما في الحلال و اما في الحرام , و حتى الذين لا يجدون الحلال و ينفرون من الحرام يقاسون الألم الفظيع .. و ليس من العدل ان نأمر الرجل بكبت رغبته الجنسية مهما لم تستطع الزوجة تلبية رغباته و وجد هو قدرة المادية و المعنوية على الزواج من ثانية و ثالثة و رابعة ..
الرغبة الجنسبة العارمة في بعض الرجال حقيقة فطرية لا يمكن الجدال فيها و لهذا اذن فيها الإسلام و لكن بشرط العدل المادي أعني القدرة على النفقة و القدرة على الاعفاف و الاشباع الجنسي اما العدل النفسي اعني الميل القلبي فليس شرطا لانه لا دخل للرجل فيه , كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم : " اللهم هذا قسمي فيما أملك (القدرة المادية : النفقة و الاعفاف ) فلا تلمني فيما تملك و لا أملك (الميل القلبي )" و مهما انتفى العدل المادي بصورتيه : النفقة و الاعفاف , حرم على الرجل الزواج باكثر من واحدة , بل يحق للزوجة طلب الطلاق مهما قصر الزوج خاصة في جانب اعفافها .
6/ حكمة التعدد :
سؤال اخر متعلق بهذا المعنى و هو : لماذا اذن الاسلام بالتعدد خاصة باربع نساء .. فنقول اولا : الاسلام لم يبدع فكرة التعدد من حيث الاصل لان المجتمع الانساني ما زال يعدد فيه الرجال النساء خاصة في اطار الحرام , اما الاسلام فالشئ الوحيد فيه هو تقنينه التعدد و وضع حدود له حتى لا يُظلم احد من الطرفين .. اما حكمة التحديد في اربع , فتصوري – و الله اعلم - ان الامر راجع الى معنى الاعفاف الجنسي فقط باعتبار ان اذن التعدد انبثق اساسا عن رغبة الاسلام في اعفاف الرجل و المرأة و طهارة المجتمع من الفساد و الرذيلة .. فكما قلنا انفا قوة الرجل الجنسية اقوى من قوة المرأة فهذه طبيعة فطرية مبنية على طبيعة الرجل النفسية و الجسمية و دوره في الحياة و طبيعة المرأة ايضا في هذه المعاني .. و في الحالات الطارئة و الاعراض الشاذة من الحكمة ان يكون التشريع مقتصرا على ادنى ما يمكن تحقيق الغاية منه , و لان الزواج الغاية منه هو الاعفاف و لان المرأة اقل قوة جنسية من الرجل فالحد الادنى بالنسبة لاي انثى هو تحقيق رغبتها الجنسية مرتين اسبوعيا و عدة الاسبوع تساوي - بتجاوز يوم واحد - عدة تحقيق الرغبة الجنسية لاربع نساء , و انما كن اربعا بالنسبة للرجل نظرا للحد الأقصى الذي يبلغه مستوى الرغبة الجنسية في الرجل و قدرته علي ممارسته , فكما أن الحد الأدنى لأي امرأة هو ممارسة الجنس مرتين اسبوعين فإن الحد الأقصى للرجل العظيم الشهوة هو ممارسته يوميا , و كما انا لو طلبنا من هذا الرجل العظيم الشهوة – و ليس له فيها دخل بل حكمة الله اقتضت ان يكون كذلك و قد يتسبب فيها بعض الرجال ببعض الاسباب – ان يقتصر على مرتين او ثلاث اسبوعيا نكون ظالمين له و متسببين له في الشعور بالنقص و الألم , كذلك لو طلبنا من الزوجة الطبيعية ان تستجيب لزوجها لممارسة الجنس يوميا لانه فيه ارهاق لها ثم بعد فترة قصيرة تكون النتيجة هي نفورها من هذا الزوج ما يمكن معه يحدث الطلاق .
7/ سياق آية التعدد الزواجي في القرآن :
عندما تقرأ الاية و السياق العام الذي ورد فيه الاذن بالتعدد تجد معنى عجيبا .. يقول الحق تعالى : " وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا " [النساء:3]
فالجو العام لهذه الاية و اللتين قبلها يوحي برغبة الاسلام في العدل في كل شئ و توفير أدنى ما يمكن تحقيقه في النفس و المجتمع , فقد كانوا سابقا يقومون برعاية اليتامى و اخذ اموالهم الى اموالهم الشخصية و هذا فيه ظلم عظيم لهؤلاء اليتامى فلما نزلت الاية تأمرهم بالحفاظ على اموال اليتامى و عدم اكلها بالباطل تحرج المسلمون من الامر و خافوا عاقبة ذلك و من ثم راحوا يعزلون حتى طعامهم عن طعام اليتامى امعانا في التحرج من ظلمهم , فجاءت هذه الاية تنبه بالقول : اذا كنتم فعلا تتحرجون من ظلم اليتامى فتحرجوا ايضا مما تفعلون في الجانب الضعيف الاخر و هو زواجكم باكثر من اربع نساء لان فيه ظلم عظيم لهن جميعا , لانه كان بعضهم قديما ربما تزوج بعشر او ما شابه , فأمرت الاية بالاقتصار على اربع زوجات رعاية لما قلت لك انفا في القدرة الجنسية للمرأة و للرجل حتى يكون الامر قائما مقام العدل في أدنى معانيه في جانب المرأة و أقصاه في جهة الرجل , و أنت ترى العلاقة بين اليتامى و النساء و هي : الضعف , فلهذا وجب الاهتمام بهؤلاء و هؤلاء و تحقيق الرعاية لهم جميعا , فلا معنى ان تحافظ على الطفولة اليتيمة في الطفل و لا تحافظ على الانوثة الضعيفة في المرأة .. فمن اجل هذا انما شرع الاسلام التعدد لظروف خاصة و لحالات خاصة .
و الله تعالى أعلم بالصواب .
 
 من الأخطاء التي يجنح إليها الخيال الحالم , قولهم في صفة الحبيب الصادق : هو من يحبك بلا مقابل .. هذا القول إنما يصدر عن أوهام الخيال و ليس عن حقائق العقل و لذلك فهو مخالف للفطرة و الحقيقة و الواقع ثلاثتها .. و ذلك أنّ كل شئ في الوجود يطلب مقابلاً لما يقدمه لك , حتى الله جل جلاله يطالبك بمقابل لرضاه و للجنة – و هو الغني عنك - و هو الايمان و العمل الصالح .. فما الحب في ماهيته الحقيقة في حالة السواء و الصفاء إلا إعجاب يحدث بين روحين تستشعر كل روح أن الروح الأخرى هي قوتها من ضعفها و كمالها من نقصها و سعادتها من شقائها , و الإنسان عندما يعجب بشئ لا جرم أن يطلب التفاعل معه و التماهي فيه , و التفاعل ما هو إلا تبادل المقابل بين الطرفين المحبين .. فمن أجل ذلك لا تجد حبيباً يحب بصدق و إخلاص إلا و هو يعشق التماهي الكلي مع حبيبه بعد تماهيه روحيّاً معه و لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: { لم ير للمتحابين مثل الزواج } . و لهذا كان من الحكمة البعد عن التعرض للوقوع في الحب مهما لم تكن الملابسات الشخصيّة غير مساعدة على الزواج .
عقليا: لستُ أخالفك الرأي كثيرا فيما قلتَه في هذه المشاركة تحديدا, ولكن شيء ما بداخلي يُشعرني بأنني كأم: أستطيع أن أحب بلا مقابل, وحتما هناك مثلي من الأمهات الكثير.. وشيء ما بداخلي يخبرني بأنني كزوجة ـ وتحديدا في مرحلة ما كمرض الزوج لا سمح الله وإن طال زمنه ـ يمكنني أيضا أن أحب وأعطي بلا حدود.
الإشكالية في هذا الموضوع ـ من وجهة نظري ـ تكمن في نقطتين.
الأولى: أن مفهوم (المقابل) في أي علاقة هو مفهوم متغير وغير ثابت, يختلف من شخص إلى شخص. فهناك من يرى الابتسامة كافية كمقابل لحبه وعطاءه, خاصة إذا أتت من عاجز أو مريض أو صغير, وهناك من يرى أن المقابل لحبه أبناءَه يتمثل في زيارتهم له في شيخوخته مرة كل الشهر! ويرى في ذلك المقابل كفايته ورضاه!!. ومقابل هذه النماذج هناك من البشر مَنْ إذا أحبكَ لم يكتفي بمقابل بسيط, بل وتراه في كل مرة يرفع سقف مطالبه من هذا المقابل, حتى نصل إلى مرحلة حرجة يتضاءل فيها هذا الحب الأناني ويتقازم إذا ما قُورن بالمقابل الباهظ الذي يُتطلب دفعه ظلما وجورا ثمنا له.
والنقطة الثانية: أن المقابل لا يُحكم بزمن العطاء, فليس ضروريا أن أحب وأنا أستلم المقابل فورا, فربما يسبق المقابلُ الحبَ (كأن يكون عطاء والديّ لي في طفولتي سابقا لحبي لهما فبالتالي لا أستطيع أن أقول حين أكبر بأنني مأمورة ببر والديّ وأنني أحبهما وأحسن إليهما بلا مقابل. بل المقابل دُفع لي منذ زمن, وحبي وعطائي لهما ما هو إلا سداد دين)
وربما يسبق الحبُ المقابلَ (كأن أحب أبنائي دون أن أنال منهم مقابلا في فترة طفولتهم ومراهقتهم, وأنوي في نفسي ألا أتطلع لذاك المقابل يوما, ثم إذا بالمقابل يأتيني في كبري برا وعطفا وإحسانا. فهنا سبق حبي المقابل).
وأعتقد أن (الحب) و (مقابل الحب) فلسفة متداخلة جدا.. قد يصعب فهمها وتحليلها, لكن الذي أفهمه وأؤمن به: أن بإمكان الأم بالذات أن تحب وتعطي طفلها المعاق مثلا دون أن تنتظر منه مقابلا لذلك الحب ولذلك العطاء.
فإن قلتَ أنها تحسن إليه لأنها تنتظر المقابل من الله, أقول: ربما نحن المسلمون وأهل الأديان السماوية كذلك, لكن هل يمكن أن ننفي وجود أمهات ملحدات يحسن ويتفانين في العطاء لأطفالهن المعاقين دون أن ينتظرن المقابل؟؟ بالطبع لا.
ربما يكنّ قلة, لكن وجودهن يعني أن القاعدة التي ذُكرت أعلاه لا تستقيم.
ولكل قاعدة شواذ.
 
ما ذكرتيه سيدتي عن المقابل بالنسبة للأم , فالمقابل كما يكون ماديا بضرب ما يكون معنويا بضرب ما , و المقابل الذي تطلب الأم من ابنائها هو معنى عميق في كينونتها الشخصية .. فطرة الله .. بل كيف نفسر اذن لو كان الامر مطلقا حسب رأيك كره بعض الامهات لبعض الابناء في حالة العقوق بل كره بعضهن لمن لا يوفر لهن مثلا مبلغا ماديا او لا يزورهن احيانا و ما شابه هذا ؟؟؟
و كذا في حالة الحب بين الزوجين , دائما هناك مقابل يطلب احد الطرفين من الاخر عوض ما يقدمه له , فقط كما قلت قد يكون ماديا بصورة ما أو معنويا , فقد يحدث مثلا ان يمرض الزوج و تسهر الزوجة عليه بصورة متفانية جدا فهنا لدينا حالات اما انها ترد له معروفه لانها مثلا مرضت مرة فقام على خدمتها و اما ان شعورها بحبه لها و اعجابه بها و تقديره لسهرها عليه يملؤها فرحا ما يدفعها للتفاني في خدمته و اما .. و اما .. اي ان هناك دائما مقابلات مرغوبة عوض ما نقدم للاخر , و هذا ليس فيه ادنى انتقاص لهذا الشخص و وسمه بالانانية .. اطلاقا .. و انما هي حقيقة الفطرة , هكذا خلقها الله تعالى , فهي لا تتحرك في علاقاتها الشخصية في شتى تجلياتها الا بدافع معين مكنون في اعماقها كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم : انما الاعمال بالنيات .. و هذا الدافع او قولي ان شئت هذه النية انما تبحث عن عوض اي مقابل لما تبذله , لانها تتصور ان هذا المقابل او العوض - بصرف النظر عن قيمته - سبب من اسباب سعادتها الشخصية و استكمال معناها الانساني ..
و الله اعلم
 
عودة
أعلى